كلمة الاجتماع الحادي عشر لمجلس محافظي المجلس العربي للمياه

بسم الله الرحمن الرحيم

الاجتماع الحادي عشر لمجلس محافظي المجلس العربي للمياه

فندق انتركونتننتال سيتي ستارز  – قاعة سرايا

الأحد الموافق 28 فبراير 2016م- القاهرة

 

كلمة الإمام الصادق المهدي

 

أخي الرئيس

أخواني وأخواتي وأبنائي وبناتي مع حفظ الألقاب الكريمة لأصحابها المحترمين.

 

السلام عيكم ورحمة الله وبركاته، وبعد-

يطيب لي أن أتشرف بمخاطبة الاجتماع الرابع للجمعية العمومية للمجلس العربي للمياه. وأشيد بانجازات المجلس الذي منذ تكوينه في عام 2006م نبه للفقر المائي الذي تعاني منه المنطقة العربية وأوضح التحديات المتعلقة بذلك.

نبه للفقر المائي ولكيفية التصدي لها بكفاءة من أجل تحقيق تنمية موارد المنطقة عن طريق الإدارة الشاملة للموارد المائية، والالتزام بالضوابط الأخلاقية المطلوبة لإدارة موارد المياه، والتعاون الإقليمي المطلوب، واستنهاض المجمعات للقيام بدورها في نجاح التصدي لتلك التحديات.

هذه الموضوعات سوف يتناولها الفنيون فإن للقوس باريها.

ولكن مسألة المياه قضية مجتمعية عامة وقضية حياتية ذات أبعاد صحية وعمرانية وبيئية. فالماء سر الحياة (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ)[1]. وسوف تكون مساهمتي في التنبيه إلى عشر نقاط مهمة:

أولاً: الإحصاءات الجامدة محبطة ولكن (بَلِ الإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ)[2] والحاجة أم الاختراع. بالإضافة للمياه السطحية المتاحة هنالك المياه الجوفية، وحصاد المياه، والمياه المسترجعة وتحلية المياه، والمشاريع المعلومة لزيادة دفق مياه الأنهار كمشاريع جنقلي في النيل على سبيل المثال. والتركيز على أبحاث الطاقة الشمسية لتقيل تكلفة التحلية. هذا من ناحية العرض.

ثانياً: من ناحية الطلب فإن الاستخدام الحالي للمياه يعاني من إسراف غير مبرر، فالماء سائل نادر ولكن يعامل بإسراف ما يوجب أموراً الأول: أن يسعر الماء على الأقل بحجم التكلفة، والثاني: أن يمنع الري الزراعي بالغمر ما يوفر 40% من المياه، والثالث: ضبط الاستخدام المنزلي الحالي الذي يهدر كثيراً من المياه بلا مبرر، كل ما أدخل الحمام أو استخدم الوسائل المنزلة أشعر أن ما يهدر يزيد كثيراً عما يستعمل فعلاً.

ثالثاً: أية نظرة واعية لحوض النيل تقول إن الهضبات الأثيوبية والاستوائية هي نوافير مياه صالحة للإنتاج الكهرومائي، وتوحيد الشبكة لتصديرها، وأن أراضي السودانيين تحتوي على أوسع مساحات من الأراضي الصالحة للزراعة بشقيها النباتي والحيواني وإمكانية المشاركة في تنميتها، وأن مصر الأكثر حاجة للمياه بسبب عدم وجود بدائل وحقها في النصيب الأكبر وثروتها البشرية. وأن هذه الحقائق تتطلب الاعتراف بالسيادة المشتركة على النيل وتوجب إبرام اتفاق أساس يحدد الاحتياجات الحياتية والتنموية.

الحرب الباردة الحالية في حوض النيل سببها أننا في دولتي المجرى غيبنا الآخرين وأبرمنا اتفاقية 1959م ما فتح المجال لتصرفات مماثلة.

هنالك استعداد الآن أن نبرم اتفاقاً شاملاً نودعه الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة يعطي كل ذي حق حقه.

المشكلة في حوض النيل أسهل منها في حوض الرافدين وفي حوض الأردن حيث عقبات سياسية مستعصية على الحل الآن.

حوض النيل يفرض على دول الحوض حتماً اتفاقاً مائياً وتنموياً يتجاوز المياه للتعاون في آثارها التنموية.

رابعاً: أية نظرة لخريطة أفريقيا شمالها وجنوبها، وغرب آسيا، تظهر أن هذه الجغرافيا من حيث توزيع الموارد ومن حيث الحاجة للأمن الغذائي تتطلب نظرة جديدة لا تقف عند معطيات التاريخ التي فرقت بين سكانها بل معطيات الجغرافيا والحاجة التكاملية التي تملي تكاملاً بين سكانها.

فيما يتعلق بسد النهضة الأثيوبي فقد سلمت السكرتارية رؤيتي في ما أراه حلاً سلمياً.

العالم الآن يتنافس لإقامة علاقات تنموية مع أفريقيا جنوب الصحراء. نحن في أفريقيا شمال الصحراء وغرب آسيا أولى بذلك وأكثر حاجة إليه.

خامساً: في بداية القرن أعلنت أهداف الألفية وحتى عام 2015م لم تحقق كل أهدافها ودون مراجعة للأسباب اتفق على الأهداف المستدامة.

الدول الغنية لم تلتزم بواجبها نحو أهداف الألفية ولا توجد آلية مساءلة. والدول الفقيرة أصاب كثيراً منها عدم الاستقرار، ولكن العلة الكبيرة هي أن النظام الاقتصادي الحالي مرجح لصالح الأغنياء ما زاد الفجوة بين الشمال الجنوب. يرجى أن يعقد المجلس العربي للمياه حلقة دراسية لتحديد العلاقة العادلة بين الشمال والجنوب ويقترح وسائل مجدية لتحقيق الأهداف المستدامة.

سادساً: اتفق تحت عنوان المناخ الأخضر على برنامج من أهم معالمه مساعدة ضحايا التلوث المناخي. العدالة المناخية تستوجب أن يعوض الملوثون الضحايا. وفي هذا الصدد يرجى أن تحدد البرامج والمشروعات التي تطبق في المنطقة العربية لتحقيق الاستعداد المناخي (Climate Readiness) وتنفيذ المشروعات المطلوبة وسيكون من أهم تلك المشروعات تخضير المناطق شبه القاحلة، والحماية من ارتفاع مناسيب البحار، والاهتمام بأبحاث الطاقة الشمسية.

سابعاً: يرجى أن ينبه المجلس لإدخال الثقافة المائية في مقررات التعليم، وأن يعطي حيز كبير في أجهزة الإعلام لبث الوعي المائي والتوعية بقضايا المياه ومحو الأمية المائية المنتشرة في كثير من الأوساط ليدرك الجميع أن الماء هو أنفس سائل في الوجود.

ثامناً: مكتبة المجلس تحتوي على معجم مفيد لإدارة الموارد المائية مكون من 13 جزءً. تأملت كم من المعنيين بإدارة المياه في بلداننا حصلوا على هذه الأجزاء وهضموا محتوياتها وقالت لي العصفورة: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ)[3].

تاسعاً: إن صح هذا فلا غرابة أن نجد أن الفجوة بين البحث والتحليل والتطبيق كبيرة. المسؤولية الإدارية والتنفيذية في كثير من الأحيان تخضع لعوامل غير موضعية. وفاقد الشيء لا يعطيه. الحوكمة الرشيدة هي التي تمحو هذه الفجوة وتعطي القوس باريها وتقيم آلية مساءلة عن الأداء.

عاشراً وأخيراً: لقد ساءني مناخ الإحباط الذي استسلم له بعض الناس، وآخرون صاروا يبشرون بالماء مقابل الدم. ولكنني اعتقد أن ما نشهد من تحديات مقدور عليها إذا توافرت الإرادة السياسية. فإمكانيات منطقتنا المعنوية، والمادية، والبشرية هائلة إذا اتفقنا على الأولويات الصحيحة. وأوقفنا المنازعات الطائفية، والأيدلوجية التي لا يمكن حسمها بالقوة بل تسفك الدماء، وتدمر العمران، وتتاح الفرصة للغلاة وللغزاة وإسرائيل ليعبثوا بمصيرنا:

ومَنْ رَعَى غَنَماً في أَرْضِ مَسْبَعَةٍ ونامَ عَنْها تَوَلَّى رَعْيَها الأَسَدُ

ولكن (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ)[4].

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

 

[1]  سورة الأنبياء الآية (30)

[2]  سورة القامة الآية (14)

[3] سورة المائدة الآية (101)

[4]  سورة هود الآية (117)