كلمة المؤتمر الدولي للتعاون الاقتصادي بين دول مجلس التعاون الخليجي ودول حوض النيل

بسم الله الرحمن الرحيم

المؤتمر الدولي للتعاون الاقتصادي

 بين دول مجلس التعاون الخليجي ودول حوض النيل

بقلم: الإمام الصادق المهدي

 

25/5/2016م

الأخ الرئيس

أخواني وأخواتي. أبنائي وبناتي

مع حفظ الألقاب والمقامات لكم جميعاً، أشكر تلبيتكم دعوتنا هذه حاضرين، ومحاضرين ومحضرين، فالجهد مشترك والنتائج جماعية.

أبدأ بالتعبير عن بالغ الحزن والأسف على حادث الطائرة المصرية، وأعزي أهلنا في مصر الرسمية والشعبية، وشركة مصر للطيران التي خبرت كفاءة أدائها في أسفاري الكثيرة على متن طائراتها.

يحمد لشركة الكوميسا للتسويق والتجارة أنها نظمت ثلاثة مؤتمرات تناولت بالدراسة والتخطيط التكامل الاقتصادي بين دول حوض النيل.

وها هي توجه الدعوة لهذا المؤتمر حول التعاون الاقتصادي بين دول مجلس التعاون الخليجي ودول حوض النيل، وسوف أتناول أهداف هذا المؤتمر عبر النقاط الآتي بيانها:

النقطة الأولى: أية نظرة فاحصة لحوض النيل من منابعه في الهضبة الأثيوبية والهضبة الاستوائية، ثم مجراه لأطول مسافة عبر السودانَيْن، ثم مصبه في أكثر كثافة سكانية في مصر؛ تؤكد أن دول المنابع طبغرافياً بيئة شاهقة العلو غزيرة الأمطار ما يجعلها الأصلح للإنتاج الكهرومائي، وأن دولتي المجرى تساهمان في المياه وتملكان مئات الملايين من الأفدنة من أراضٍ خصبة ومسطحة، وأن دولة المصب مستودع رأس مال بشري هائل وأنها هي الأكبر حاجة لمياه النيل لغياب المصادر المائية الأخرى.

هذه الحقائق تجعل النيل وحدة مائية رابطة بين الدول المتشاطئة على حوضه، ما يوجب توافقاً استراتيجياً بين دول الحوض للانتفاع بمياهه، وللمحافظة على سلامة بيئته، ولزيادة حصاد المياه لمجراه. هذه الحقائق الهيدرولوجية تتطلب توافقاً قانونياً، وتكاملاً تنموياً.

النقطة الثانية: شرق البحر الأحمر تقع دول الخليج. وغرب البحر الأحمر يقع القرن الأفريقي، يقع حوض النيل. البحر الأحمر أخدود فاصل بين شرق أفريقيا وغرب آسيا. إن طبيعة هاتين المنطقتين تظهر الخليج المالك لثروة بترولية وغازية هائلة، وشرق أفريقيا الغني بالوفرة المائية والأراضي الزراعية والثروات الطبيعة. هذه الخصائص تفتح المجال لتكامل تنموي يتيح فرصاً هائلة للاستثمارات في كافة المجالات لا سيما في مجال الأمن الغذائي.

ثالثاً: أفريقيا جنوب الصحراء عامة ومنطقة القرن الأفريقي غنية بالموارد الطبيعية. ولا سبيل لتراكم رأسمال من مدخرات ذاتية لتحقيق تنمية بالمعدلات المطلوبة. الدول الغنية تتدافع الآن للاستثمار في أفريقيا جنوب الصحراء عامة وفي القرن الأفريقي خاصة. ولكن نهج الدول الغنية الاستثماري كما أوضحت مفوضية الشمال والجنوب التي رأسها المستشار الألماني السابق ولي برانت في القرن الماضي نهج استغلالي، وفي أية خلافات بين الدول الصغيرة والكبيرة حول العلاقات الاقتصادية فإن الدول الكبيرة تستطيع إملاء شروطها، والتوصيات التي نادت بها المفوضية لإقامة نظام اقتصادي عالمي أفضل أهملت. في إطار تعاون تنموي تستطيع دول القرن الأفريقي أن تحصل على تعاون تنموي عادل.

رابعاً: رؤوس الأموال الخليجية والصناديق السيادية تستثمر بنسبة عالية في الدول الغنية لا سيما الغربية. هذه الاستثمارات تحفها مخاطر فقد أدت أخطاء معلومة للأزمة الاقتصادية في عام 2008م وخسر المستثمرون الخليجيون بسببها تيلريونات الدولارات. كما أن عدم تكافؤ القوى الإستراتيجية من شأنه أن يؤدي لفرض شروط القوى كما نشهد الآن في قانون الكونغرس الأمريكي الأخير حول تعويضات أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م.

إن استثمار القطاع الخاص والصناديق السيادية في أفريقيا لا سيما القرن الأفريقي المجاور لغرب آسيا عبر البحر الأحمر استثمار آمن وأجدى.  

إن اتجاه المملكة العربية السعودية لبرنامج تنموي طموح لتنويع مصادر الثراء اتجاه صحيح، ومثلما في هذه الخطة من نهج تجديدي جذري، يرجى أن تندفع البرامج التنموية جنوباً وغرباً نحو أفريقيا لا شمالاً كما هو المعتاد سابقاً.

خامساً: كتب ديفيد بازلسون المؤرخ البريطاني: “إن الكتاب الأوربيين كانوا يصفون أفريقيا جنوب الصحراء بأنها جغرافيا بلا تاريخ”. وقال: “الرحالة العرب هم الذين غيروا هذه الصورة وأبرزوا حقيقة العطاء التاريخي والثقافي لأفريقيا جنوب الصحراء”.

الحقيقة أن البحر الأحمر كان واصلاً بشرياً وثقافياً لا فاصلاً. ودلائل ذلك كثيرة في التواصل الديني المسيحي أولاً، فالمسيحية العربية والأفريقية قبل الإمبريالية كانت واحدة هي الآرثوذكسية. ثم كان الانتماء الإسلامي بين  ضفتي البحر الأحمر منذ هجرة الصحابة رضي الله عنهم الأولى للحبشة ثم ما تحقق من انتشار الإسلام بين ضفتي البحر الأحمر. وهنالك الحقائق الثقافية فاللغات الأكثر انتشاراً في أُثيوبيا الأمهرنجا والتقرنجا هما من نفس العائلة اللغوية السامية كالعربية، واللغة الأوسع انتشاراً في القرن الأفريقي اللغة السواحلية هجين بين العربية ولغة البانتو.

هذه العوامل الثقافية بالإضافة للتجاور الجغرافي بين ضفتي البحر الأحمر توجب أن يصحب التعاون التنموي تمازج ثقافي. فالتعارف والتعاون الثقافي هما أوثق سبيل للوصال الإنساني والاجتماعي وإزالة الحوائط الفاصلة.

سادساً: منذ اقتحام الإمبريالية البرتغالية لأفريقيا، ثم ما تلاها الإمبرياليات البريطانية، والفرنسية والايطالية وغيرها فإن سياساتهم ركزت على التفرقة بين أفريقيا شمال الصحراء وأفريقيا جنوب الصحراء، وبين شاطئي البحر الأحمر. والنتيجة أن ما أحدثوا من تنمية ربطت بين دول أفريقيا المتحدثة بلغاتهم وبين الدول الامبريالية. كما ربطت بين تلك الدول ودول الخليج.

إن مصالح شعوبنا تتطلب مراجعة هذه الروابط لصالح روابط تنموية إقليمية.

هذا النهج لا يعني مقاطعة الدولة الغنية فهي تملك خبرات تنموية وأسواق ومعارف وقدرات تنموية لا غنى لنا عنها، ولكن يعني أن نعطي التعاون التنموي الإقليمي أولوية، وأن نطالب الدول الغنية إتباع علاقات تنموية، وتجارية، أعدل معنا.

سابعاً: الهدف المهم هو إدراك أن التعاون التنموي بين دول حوض النيل ودول مجلس التعاون الخليجي يتطلب توجهاً تنموياً يتجاوز الحدود القطرية لتحقيق مصالح تنموية مشتركة، كما يغير الاتجاهات الاستثمارية من التركيز على الاتجاه شمالاً وغرباً إلى اتجاه تنموي واصل بين شرق وغرب البحر الأحمر.

ثامناً: إدراك المصالح المشتركة في هذه الحقائق يتطلب أن ننتقل من العموميات للخطى المحددة المطلوبة لتقوية العلاقات بين دول ومؤسسات العمل الاستثماري الزراعي، والصناعي، والتجاري بين دول حوض النيل ودول مجلس التعاون الخليجي لكي يتمكنوا من التعرف على المجالات الاستثمارية والتجارية، وتنظيم الندوات المتخصصة والمعارض، وتشجيع المستثمرين على الإقدام الاستثماري.

إن مؤتمرنا هذا يستطيع أن يحقق قيمة إضافية بالآتي:

  • المرافعة من أجل التوجه المنشود لمخاطبة صناع القرار في القطاع العام والخاص للإلمام بحقائقه ولتكوين إرادة سياسية وتنموية.
  • دراسة الإصلاحات القانونية المطلوبة لتسيير الأعمال الاستثمارية والتجارية ووسائل انتقال الأموال والأفراد في الفضاء التنموي الواسع.
  • دراسة وتقديم خريطة استثمارية تحدد أولويات الاستثمار بدءاً بالأمن الغذائي، والأمن المائي، والطاقة، والاستثمار الصناعي، واستغلال الموارد الطبيعية وتطوير التجارة البينية.
  • اقتراح خطة لتطوير البنية التحتية للمواصلات والاتصالات بين الدول المعنية. وفي هذا الصدد فإن إقامة جسر العاهل السعودي المزمع وثبة في الاتجاه الصحيح.
  • تحديد المطلوب من الهيئات والمؤسسات الإقليمية والدولية ذات الشأن لدعم المشروعات التنموية المجدية المزمع تنفيذها.
  • ومن أهم ما يمكن تحقيقه هدفاً للتعاون بين الدول ذات الشأن الضغط المطلوب ضمن برنامج العدالة المناخية المتفق عليها في مؤتمر البيئة لتدفع الدول الملوثة للبيئة التعويضات المستحقة للدول المتضررة.
  • الإتفاق على توجيه هذه التعويضات لحماية الأراضي المعرضة لخطر ارتفاع مياه البحر، وزيادة حصاد المياه العذبة في المجرى النهري، وتخضير المناطق شبه الجافة، واستخدام الوسائل الحديثة في الري الزراعي، والاهتمام بأبحاث استغلال الطاقة الشمسية لتقليل تكلفة تحلية مياه البحر.

ختاماً: ينبغي أن نفكر في حاضر ومستقبل حوض النيل على أساس تجاوز المصالح القطرية للإستراتيجية التنموية في حوض النيل، كما اقترحت بالتفصيل في كتابي بعنوان (مياه النيل الوعد والوعيد) الصادر عام 2000م.. إستراتيجية من شأنها تحقيق مصالح كسبية لدول الحوض.

وأن نفكر في حاضر ومستقبل حوض البحر الأحمر على أساس إستراتيجية تنموية تحقق أعلى درجات التعاون بين دول مجلس التعاون الخليجي ودول حوض النيل، وإعطاء أولوية في توجهات رؤوس الأموال الاستثمارية نحو أفريقيا عامة وحوض النيل خاصة فإن بين المنطقتين تجاوراً جغرافياً وتكاملاً اقتصاديًا واعداً، ما يتطلب تخطيطاً واعياً وإرادة سياسية توجهها مصالح شعوب حوض النيل وشعوب دول الخليج.