الإمام الصادق المهدي في الحلقة الثالثة من شهادته على العصر

الإمام الصادق المهدي في الحلقة الثالثة من شهادته على العصر

 

 

جريدة الجريدة الإثنين 1 سبتمبر 2015 العدد 1509 الصفحة 4
جريدة الجريدة – الإثنين 1 سبتمبر 2015 العدد 1509 الصفحة 4

 

تُوثق قناة الجزيرة القطرية عبر ( برنامج شاهد على العصر) الذي يقدمه الإعلامي أحمد منصور للإمام الصادق المهدي، ولازالت الحلقات متواصلة وشيقة ولتسيير المتابعة رأت (الجريدة) نشر الحلقات ..وافق مكتب الإمام مشكوراً على ذلك وأرسل الحلقات محررة وهي جديرة بالإهتمام لمافيها من معلومات ثرة تتوفر لأول مرة.

أحمد منصور: ولد الصادق المهدي في العباسية بأم درمان في السودان في الخامس والعشرين من ديسمبر عام ۱۹۳٥ م، والده هو الصديق المهدي مؤسس حزب الأمة وإمام الأنصار خلفاً لجده عبد الرحمن المهدي، التحق الصادق المهدي بداية في جامعة الخرطوم لدراسة الهندسة الزراعية لكنه تركها وانتقل لدراسة الاقتصاد والسياسة والفلسفة في جامعة أوكسفرد في بريطانيا، التي تخرج منها عام ۱۹٥۹ م (الإمام تخرج في ۱۹٥۷ – المكتب الخاص للإمام)، انغمس بعد عودته للسودان في العمل السياسي، وكان من أبرز المناهضين لنظام عبود العسكري حيث تولى رئاسة الجبهة الوطنية الموحدة المعارضة (الجبهة القومية المتحدة- المكتب) للنظام العسكري حتى سقوطه في العام ۱۹٦٤ م، شارك في صياغة ميثاق ثورة أكتوبر عام ۱۹٦٤ م، كما اختير في نوفمبر من نفس العام رئيسا لحزب الأمة. انتخب رئيساً لوزراء السودان للمرة الأولى في شهر يوليو عام ۱۹٦٦ م وبقي في منصبه حتى منتصف مايو عام ۱۹٦۷م. ترأس الجبهة الوطنية المعارضة لنظام جعفر نميري بين عامي ۱۹۷۲ م و ۱۹۷۷ م. شارك في ثورة أبريل عام ۱۹۸٥ م التي أطاحت بنظام نميري العسكري. انتخب مرة أخرى رئيساً لوزراء السودان في السادس من مايو عام ۱۹۸٦ م، وبقي في منصبه حتى أطاح به الانقلاب الذي قاده عمر البشير في الثلاثين من يونيو عام ۱۹۸۹ م، يتولى الصادق المهدي إمامة الأنصار علاوة على رئاسته لحزب الأمة. ولم يتوقف نشاطه السياسي بعد الإطاحة به. وقد أدى نشاطه السياسي لاعتقاله عدة مرات. نتابع في هذه الحلقة والحلقات القادمة شهادته على عصر السودان الحديث..

الإمام الصادق المهدي في حواره مع أحمد منصور:

الحلقة الثالثة

كان يتوجب على السيدين المهدي والميرغني البقاء خارج السياسة بعد جهودهما الجبارة ومساهمتهما في النضال من أجل التحرير

استطاع الإمام عبدالرحمن عمل ثروة هو نفسه كتب عن تفاصيلها؛ ولكن المدهش صرفها كلها في العمل السياسي

أرسلت مرافق للسيد أمين التوم، وهو كان من زعماء حزب الأمة في منطقة دنقلا وهذه هي أول مهمة سياسية

 

الإمام الصادق المهدي في الحلقة الثالثة من شهادته على العصر

 

الثلاثاء 1 سبتمبر 2015

أحمد منصور: جدك الإمام عبد الرحمن المهدي ولد في العام ۱۸۸٥ وتوفي في ۲٤ مارس ۱۹٥۹م كنت شاباً يافعاً، ما الذي لا زلت تذكره من صفات وخصائص جدك، وكنت مقرباً منه؟

الإمام: الإمام عبد الرحمن من الشخصيات التي لم تنل حظها الكافي من التقدير من كثير من الناس. والمدهش نفس الكلام الذي قاله توماس عني قاله هو أيضاً وأنا في سن التاسعة. لأنه يوماً ما زرته أنا وأمي في عيد فقال وقد وجدني لبست الزيّ الذي يلبسه الكبار، قال: مدهش يا صادق! يا رحمة، وهي أمي، ده الولد البسد مكانتي. أُمي بكَت، وقالت له: يا سيدي مكانتك إن شاء لله ما تخلا ولو بسفر، قال لها: هذا ما لا بدَّ منه. هناك أشياء كثيرة ممكن أذكرها كانت فيها علاقة بيني وبينه خاصة، خصوصاً مع أنه عنده أولاد غيري وأحفاد غيري، قال أنا سميته الصادق تنازلت له عن أحد أسمائي هو أصلاً اسمه عبد الرحمن الصادق، تنازلت له عن واحد من أسمائي. الشاهد الإمام عبد الرحمن شخصية عبقرية بكل المقاييس.

أحمد منصور: إيه صفات العبقرية فيه؟

الإمام: أهم ما فيها ونحن الآن نتحدث مثلاً عن الإمام الأفغاني، وعن الإمام محمد عبده، الإمام عبد الرحمن طبّق هذه المفاهيم في الواقع. هؤلاء نظّروا لكن هو طبقها، طبّق مسألة التوفيق بين التأصيل والمعاصرة، هذا في رأيي أهم إنجاز له..

أحمد منصور: كان عالماً؟

الإمام: لا ما كان عالماً بالمفهوم؛ تلقى تعليماً محدوداً في خلوة أو معهد الشيخ أحمد البدوي، ولكن ليس بمفهوم التخرج من معهد علماء. ولكنه كان مطلعاً، عصامياً في جمعه للمعارف والمعلومات. وقد كتبت دراسة سميتها «عبد الرحمن الصادق إمام الدين» عن الجوانب الروحية التي كثير من الناس لا يرونها. المهم الإمام عبد الرحمن نادى (بالاستقلال) وقاد الحركة الاستقلالية. وكثير من الناس في ذلك الوقت لوَّثوا سمعته، خصوصاً الصحافة المصرية، لأنها اعتبرت هذا خط الإنجليز، واتهم بهذا، ونال قسطاً كبيراً جداً من النقد، حتى أنَّ حسن أحمد إبراهيم، وقد كانَ رئيس قسم التاريخ (كلية الآداب) في جامعة الخرطوم. قال: أنا من خلفية حيث أهلنا يعتبرون السيد عبد الرحمن خان القضية، ودخلت في الوثائق لكي أؤكِّد هذه الحقيقة أو هذا الكلام..

أحمد منصور: يؤكِّد إن جدك كان عميلاً.

الإمام: نعم، (قال) وجدت العكس تماماً. أنه ناور على الإنجليز وهزمهم بالمناورة.

أحمد منصور: الكلام الكثير المنشور عن جدك أنه استوعبه الإنجليز منذ البداية، كان عميلاً لهم يتردد على بريطانيا بشكل أساسي منذ الحرب العالمية الأولى، بعد الحرب العالمية الأولى مباشرة، وأنه في النهاية هم الذين منّوا عليه بالأراضي وبالثروة التي ينعم فيها آل المهدي إلى الآن.

الإمام: تعرف هذا غير صحيح. أولاً هو لمّا مشى لبريطانيا مرة واحدة في ذلك الوقت ضمن وفد من زعماء السودان بعثوهم ليهنئوا الملك بالنصر في الحرب العالمية أو الحرب الأطلسية الأولى. لكن نأتي للحقائق: هذا المؤرخ قال لقد دخلت في كل هذه الأشياء ووجدت أن السيد عبد الرحمن مع أني كنت أبحث عن مثالبه، وجدت أنه هو الذي استطاع أن يسخّر الموقف الإنجليزي لصالح هدفه، والعبقرية أنه مع أن الإنجليز في كل عهدهم كانوا يريدون طمس الأنصارية مرة واحدة، عندما خرجوا صار كيان الأنصار الأقوى في السودان، وحزب الأمة الأقوى في السودان. وهو قال في هذه الشهادة عن السيد عبد الرحمن أنَّ هذا الرجل بعدما توثقت أنا من هذه الحقائق يجب أن أعترف بأنه أهَم سوداني في القرن العشرين. وكنا نحن وآخرون بمثابة لجنة قومية، أقمنا ذكرى مئوية له في عام ۱۹۸٥ م أو ۱۹۸٦م.. (تصحيح: ۱۹۹٦م).. جاء كل خصومه من المنطلقات والجهات المختلفة ليعترفوا بأننا أخطأنا في تقييم هذا الرجل وفي فهمنا لدوره. وقد انكشف تماماً كيف أنه كان يستخدم الإنجليز، لأنه عندما غيّرت الحكومة المصرية موقفها بعد الثورة في ۱۹٥۲م لبّى هو دعوتها واتفقَ معها.. والاتفاقية المصرية البريطانية فيما بعد كانت مؤسسة تماماً على اتفاقية المهدي/ نجيب.

أحمد منصور: من أين كّون المهدي ثروته الطائلة؟ كان من أكبر زرّاع القطن وكان عنده أراضي وكان عنده وأنت قلت إن الإنجليز أبادوا العائلة وهو نشأَ يتيماً فقيراً.

الإمام: نعم، نعم هذا هو الذكاء؛ استطاع أن يعمل ثروة هو نفسه كتب عن تفاصيلها؛ هو جمع ثروة نعم ولكن المدهش صرفها كلها في العمل السياسي، يومَ مات كان الدين عليه يساوي الأصول، لو كانت جرت تصفية للمؤسسات لَما بقيَ منها قرش. كان العين والدين (متساويان)…

أحمد منصور: دين لمن؟!

الإمام: لبنوك ولجهات مختلفة. من ذكائه، أن الإنجليز وحسب وثائقهم قالوا نحن نغض الطرف عن عبد الرحمن لكي تشغله الدنيا عن الدين، ولكي يهتم بالمسائل والقيم البرجوازية ويسيب القضايا السياسية. هذا كان تخطيطهم. فات عليهم أنه استخدم المال لأغراض سياسية. وبالتالي هم فوجئوا بأنَّ المال لم يلهه عن المقاصد الدينية والسياسية، بل مكّنه أن يستخدمه.. هو نفسه قال أنا بالنسبة للمهدية، والمهدية عندها هدفان أساسيان في ممارسة الدين: الجهاد في سبيل لله، والزهد. قال أنا أقبل هذا ولكني أعدت تفسيرها؛ الجهاد لا ينبغي أن يكون فقط قتالاً ولذلك ممكن يكون بالمال ممكن يكون بالنفوذ ممكن يكون بالمسائل المدنية. وهذا ما جعلني أتكلم عن الجهاد المدني أنه ممكن يكون بهذه الأشياء. وطبعاً في الإسلام هذا مفهوم. فكما قالت السيدة عائشة رضيَ لله عنها إنّ المدينة فتحت بالقرآن .فالجهاد لا يقف عند حد القتال. ثانياً فيما يتعلق بالزهد. الراتب فيه دعوة: ولا تجعل في قلوبنا ركوناً لشيءٍ من الدنيا يا أرحم الراحمين، هو قال نعم المال لا نضعه في قلبنا يكون عندنا ركون ولكن نضعه في يدنا لكي نستخدمه مش يستخدمنا.

أحمد منصور: (مقاطعاً) طيب أنتَ بعد ما رجعت من بريطانيا اشتغلت شوية في وزارة المالية ثُم أصبحت مسؤولاً في دائرة المهدي للتسيير، يعني أنتَ الآن اطلعت على حجم الثروة، ما كان حجم الثروة الخاصة بجدك؟

الإمام: حينما عمل إعلان شرعي.

أحمد منصور: نعم إعلان شرعي للوراثة بعد وفاته.

الإمام: أيوه كان قيمة الممتلكات والأشياء يساوي ٥ مليون.

أحمد منصور: ٥ مليون جنيه سوداني.

الإمام: ٥ مليون جنيه سوداني طبعاً في ذلك الوقت الجنيه السوداني كان قوي جداً…

أحمد منصور: كان يوازي قد إيه مثلاً؟

الإمام: يساوي ۳٫٥ دولار الجنيه السوداني، الآن طبعاً صار قزم لا يساوي شيئا. لكن هذا كان الوضع حينها، وكانَ الدين عليه يساوي كذلك ٥ مليون.

 أحمد منصور: يعني كانت ثروة جدك في حدود ٦۱- ۷۱ مليون دولار؟

الإمام: يعني أنتَ ممكن تحسبها بالدولار..

أحمد منصور: والدين كان يوازيهِ؟!

الإمام: نفس الدين هو ٥۰ مليون..

أحمد منصور: طيب وأنتم عملتم إيه في الكارثة دي؟

الإمام: شوف ربك رب الخير، بدل ما.. وكان ممكن تصفى، بل كان هناك بعض الورثة رفعوا قضية عشان يصفوها. لكن جاء نميري وضمن إجراءاته المعادية. نحن طبعاً أصلاً أُسرتنا هذه عندها دورات نكبات. أصلها هاجرت من العراق: نكبة الحجاج، واستقرت حيث ما استقرت هذه كانت النكبة الأولى، بعدين جاءت النكبة بعد المهدية، وهكذا هناك نكبات كثيرة. الشاهد نميري قال أنا سألحق بهم نكبة البرامكة.

أحمد منصور: بالمهدية.. آل المهدي.

الإمام: أيوة، فقام وضع يده على هذه الثروة التي هي مديونة أصلاً، لو عاقل يعني أو لو فكر..

أحمد منصور: يعني هي فضلت مديونة لحد نميري!!

الإمام: أيوه ما هو طبعاً لم يمكن تطويرها، لكن المهم قام نميري بوضع حراسة عليها، حينما وضع حراسة عليها صارت هكذا إلى أن، وقد كنا دخلنا في عراك مع نميري، إلى أن صالحنا، فلمّا جاء يصالحنا، نميري، قال هو عايز يرجع لنا الأملاك اللي صادرها، فقلت له أنا مش حآخذ أملاك أنا وأنت، إلّا ضمن مشروع، لأن نميري في الفترة الأولى دخل في تأميم شركات كثيرة جداً.

أحمد منصور: اشتغل زي عبد الناصر.

الإمام: نوع طفولي من الاشتراكية.

أحمد منصور: سنأتي لعهده.

الإمام: أيوه المهم، قلت له كل اللي ممكن تعمله ارفع عقوبتك منها هي وغيرها. وافق. واقترحت له أن يكوِّن لجنة فنية ولا يسلمني أنا شيء يكوِّن لجنة فنية برئاسة السيد حسين عبد الرحيم الذي كان المراجع العام في ذلك الوقت هم يشوفوا ما لها وما عليها، وطلبت أنها تقيَّم بعام ۱۹۸۰م وقت المصالحة، مش بعام ۱۹۷۰م عندما صودرت، وافق. لمّا قيمَت ب ۱۹۸۰م صار الخمسة ٥۰ قال كمان أنا أقول لك الدين. يستمر يتراكم فوائده في الفترة دي كلها، وافقت. الدين تراكمه صار ۱۸

أحمد منصور: والتضاعف ٥۰

الإمام: والتضاعف ٥۰

أحمد منصور: فعملتم ثروة جديدة.

الإمام: أيوة، هذه بنوايا السيد نميري المعادية، يعني هو كانت نواياه كده، الشاهد..

أحمد منصور: الثروة دي كانت عبارة عن إيه؟ أطيان أراضي؟

الإمام: عقارات وأراضي زراعية، هو ما كان عنده أراضي يعني كثيرة غير الجزيرة أبا والملّاحة، منطقة اسمها الملّاحة. لكن على أيّ حال كانت هناك هذه الأراضي. والمهم المقاصد الشريرة من مايو أتت بنتائج مفيدة للورثة.

أحمد منصور: في شهر فبراير ۱۹٥۸م أجريت انتخابات برلمانية مثيرة للجدل في السودان، وكان هذا بداية دخولك للعمل السياسي في السودان بشكلٍ مباشر، ما المهمة التي كلِّفت بها من والدك الإمام الصديق الذي كان رئيس لحزب الأمة في ذلك الوقت؟

الإمام: أن أذهب مرافقاً لبعض وفود حزب الأمة. فأرسلت مرافقاً للسيد أمين التوم، وهو كان من زعماء حزب الأمة في منطقة دنقلا ولمّا جيت…

أحمد منصور: دي أول مرة تتجول في…

الإمام: هذه أول مرة أعمل عمل سياسي في السودان، فلمّا ذهبت معهم أعجبوا بأدائي. طلبوا مني، وكنت اعتبر هذه مأمورية كإرضاء للوالد يعني ليس كأني جزءً من هذه الحملة، فلأني أتيت لهم بتفصيل كل قرية وناسها وماذا يريدون، وأعطيت قراءة للمستقبل ماذا ستكون نتائج الانتخابات؟

طلبوا مني أن أُرافق السيد أمين التوم ثاني مرة لمنطقة جنوب كردفان، وذهبت معه. هو أعجب بأدائي وطلب أنه أبقى أنا في منطقة الجبال إلى أن تنتهي الانتخابات فبقيت هناك ۳ أشهر.

أحمد منصور: آه! ۳ أشهر، ما الذي أضافته لك؟

الإمام: ما في شك كانت مدرسة. لأن الجبال مكوَّنة من تركيبة النوبة والعرب، وفيها كل التنوع السوداني الذي يمكن أن تراه تجده هناك. فهذا يعني فتح لي مجال لدراسة هذا الموضوع، لعلّك سمعت أو لم تسمع، لكني كتبت كتاباً سميّتهُ « الهوية السودانية بين التسبيك والتفكيك » باعتبار أن أية محاولة لفرض هوية مركزية، دون مراعاة هذا التنوُع يؤدي إلى التفكيك. وأن مراعاتها يمكن أن تؤدي إلى التسبيك. على كل حال جبال النوبة كانت بالنسبة لي مفيدة من هذه الناحية، المنطقة التي بقيت فيها، وبعد أن انتهت الانتخابات كانت هناك ۱۱ دائرة كسبنا منها ۸. فكان في هذا نوع من التزكية لي في العمل. لكني عندما عدت رفعت يدي من أي حاجة لها دخل بالعمل الحزبي أو السياسي، ودخلت طوالي إلى الوزارة، وزارة المالية على أساس أني سأواصل مشروع التعليم .لأنه كان في ذلك الوقت..

أحمد منصور: دخلت وزارة المالية كموظف مرة أخرى!

الإمام: كموظف.. طبعاً في ذلك الوقت كانت سياسة الحكومة وقدرات الحكومة أنه كل الخرّيجين بعد حين يرسلوهم بعثات للخارج. فأنا كنت أتوقع…

أحمد منصور: إن دورك سيأتي في البعثة.

الإمام: دوري، حأمشي…

أحمد منصور: وتكمل دراسة الزراعة في كاليفورنيا.

الإمام: في كاليفورنيا.

أحمد منصور: انتخابات فبراير ۱۹٥۸م انتخابات تاريخية بكل المعايير. الوثائق الأميركية المنشورة في إبريل ۲۰۱۰م تقول إن حزب الأمة فاز ب ٦۳ مقعد، الوطني الاتحادي ٤٥ مقعد، الشعب الديمقراطي ۲۷ ، الأحرار الجنوبي ب ۲۰ مقعد، والجنوبيين أخذوا ۱٦ مقعد وأنت كنت في قلب هذا المشهد بشكل أساسي، وتعتبر أول ممارسة سياسية لك كانت في هذه الانتخابات. حزب الأمة رغم أنه أخذ ٦۳ مقعداً وفي بعض الروايات ٦٤ مقعد لكنه أصيب بصدمةٍ كبيرة، ما مرد وأسباب هذه الصدمة؟

الإمام: في رأيي الحجم الذي ناله الحزب في الانتخابات كان صحيحا. ما في تشويه ما في تزوير.

أحمد منصور: هل هذه الانتخابات أكدّت على حقيقة تاريخية في السودان أنّ هذا البلد المتنوع في أعراقه وقبائله ولغاته لا يمكن أن يحكمَ إلّا بحكومات ائتلافية؟

الإمام: نعم، في رأيي أصلاً كل الحكومات الديمقراطية كانت ائتلافية، لأن هناك تركيبة متنوعة في السودان ولكن في رأيي التنوّع السوداني ليس من النوع المستعصي على الوِفاق. أنا تجربتي كده. أنه صحيح هناك تنوّع، ولكنه قابل، لأنه أصلاً لا يوجد مجتمع أحادي التكوين مائة بالمائة، ولذلك أعتقد حتى التنوّع الموجود في السودان، من الختيمة والأنصار والطرق الصوفية وغيرها، أكثر اعتدالاً من غيرهم، ولذلك أكثر قدرة على أن يعملوا عملاً في رأيي موحد، رغم وجود التنوع: الاثني والطائفي وغيره.

أحمد منصور: إحنا هنا، وأنت عايشت هذه الانتخابات، هل كانت انتخابات ديمقراطية بالمفهوم الديمقراطي الحقيقي للانتخابات؟

الإمام: نعم، حرية كاملة، القضاء مستقل، الصحافة مستقلة وحرة، الخدمة المدنية لا يتدخل أحد في شأنها، القوات المسلَّحة والنظامية كلها ما في أحد يقدر يسيطر عليها، وهكذا.. هذه كانت المفاهيم التي..

أحمد منصور: نحن نتكلم على السودان سنة ۱۹٥۸م، هل كانت بلداً ديمقراطياً.

الإمام: كل هذه المعاني كانت قائمة.

أحمد منصور: تجرى فيه الانتخابات بحرية وديمقراطية…

الإمام: بحرية وديمقراطية كما قلت لك.

أحمد منصور: أومال إيه الانتكاسة اللي حصلت..

الإمام: أقول لك الانتكاسة ببساطة شديدة.

أحمد منصور: سوريا كانت ديمقراطية في ذلك الوقت، مصر كانت، لأ مصر كانت استبدادية لكن مصر قبل انقلاب العسكر كانت ديمقراطية، السودان ديمقراطية؟!

الإمام: نعم ديمقراطية، كمان يعني كما أقول لك يعني بكامل الدسم. وأهم الدلائل: فصل السلطات، حرية النقابات، حرية الصحافة، وهكذا. وما في أيِّ نوع من استغلال السلطة لهذه القوى. الذي حدث هو أن التحالف ما بين حزب الشعب الديمقراطي وحزب الأمة غير منطقي.

أحمد منصور: حزب الشعب الديمقراطي الذي هو آه حزب الشعب الديمقراطي ده على…

الإمام: علي عبد الرحمن.. اللي هو دة الختمية. ليس منطقياً لأنه ال..

أحمد منصور: واحد مع عبد الناصر وواحد ضده.

الإمام: أيوه.

أحمد منصور: فأصبحوا شركاء ومتشاكسون.

الإمام: تمام، والمشكلة الثانية أنهم غير متفقين على أنهم يكتبوا الدستور، فصار هناك خلاف حول موضوع الدستور، هنا نشأت مشكلة.

أحمد منصور: فأصبحت الحكومة متصارعة من أول يوم.

الإمام: تمام، المشكلة وين؟ نريد حكومة أكثر انسجاماً. الوالد كرئيس لحزب الأمة كان يرى التحالف المنطقي بين حزب الأمة والوطني الاتحادي برئاسة الأزهري. ولكن أمام هذا عقبات.

أحمد منصور: لكن برضه الأزهري موالي لعبد الناصر.

الإمام: لأ..

أحمد منصور: في ذلك الوقت خلاص أصبح الختمية فقط هم الذين على علاقة بعبد الناصر ويتقبلون منه.

الإمام: تمام.

أحمد منصور: لكن هنا الأزهري أصبح متوائم وقريب من حزب الأمة.

الإمــام: تمام، في هذه المرحلة الوالد كان يرى…

أحمد منصور: لا دي متأخرة شوية.. أنا عندي إفرازات هذه الانتخابات ومن أخطر ما أفرزته هذه الانتخابات..

الإمام: تحالف غير منطقي.

  أحــمــد مــنــصــور: أولا، وتهميش الجنوب ثانياً.

الإمام: تهميش الجنوب يا أستاذ حقيقةً جاء بعد الانقلاب. لأن الجنوبيين كانوا كانوا راضين، مع أنهم عايزين فيدرالية Federation، كانوا راضيين النظام القائم. عندهم نوابهم، عندهم وزراؤهم، عندهم مشاركتهم في رأس الدولة وعندهم أحزابهم. يعني في ذلك الوقت لم تكن هناك غبينة جنوبية مثلما حدث في ظل نظام ۱۷ نوفمبر.

أحمد منصور: بس هنا يعني الأمر لم يؤد إلى أن تهدأ الحرب، الحرب بدأت.

الإمام: ما كانت هناك حرب.

أحمد منصور: الحرب بدأت ۱۹٥٥م ..

الصادق المهدي: تعرف هذه هي النقطة الغلط، ۱۹٥٥م كانت تمرد عسكري بس.

أحمد منصور: لم يستمر كثيراً.

الإمام: لم يستمر، وما كان وراءه جهة أجنبية ولا وراءه، كما حدث فيما بعد، حزب سياسي.

أحمد منصور: لماذا كل المؤرخين يؤرخون بداية حرب الجنوب ب ۱۹٥٥م.

الإمام: خطأ.

 أحمد منصور: ويجعلونها متواصلة حتى لمّا هديت في ۱۹۷۲..

الإمام: خطأ. الحرب الجنوبية فعلاً انطلقت ۱۹٦۳م، ۱۹٥٥م كان تمرداً وبعده انتهى كل شيء. أنا طفت الجنوب كطالب مع وفد مرافق لوالدي، كنا طفنا الجنوب قرى وبوادي بالطيارات وبالعربات وبالقطارات، ما كان هناك أي شيء كان هناك سلام تام. هذا قبل سنة ۱۹٥۸م. شهادة لي أني كطالب طفت الجنوب مع والدي كمرافق، لم يكن في الجنوب أية شبهة تمرد. ما الذي حصل؟ صحيح حصل في سنة ۱۹٥٥م كان هناك كلام على أن القوات المسلّحة السودانية بعد الاستقلال حيحصل لها إعادة توزيع بحيث أن العناصر الجنوبية (تنقل)، لأنه كان في عهد الإنجليز القيادات تجند من البلد اللي هي فيه فالجنوبيين في الجنوب والشماليون..

أحمد منصور: والشماليون في الشمال والدرافوريون في دارفور وغيرها.

الإمام: أيوه فده كان يخلي القوات المسلّحة مش قومية، فصار هناك كلام على أنه بعد الاستقلال لازم نعمل توزيع بحيث ان القوات لا تصير إقليمية. طلع توجيه من القيادة بأنه عايزين قوات من الجنوب تشارك في حفل استقلال السودان، فظنوا أنهم منقولين من الحتّة. وهم ما كان ممكن يقبلوا هذا لأنه هو مرتبه في الجنوب يكفيه، وممكن يكون عنده عدد من النساء كل وحدة في كوخ ولذلك ما في مشكلة، ولكن لما يمشي الشمال لن يقدر يعمل كده .فالمهم كانوا رافضين هذا، حصل التمرد بتاع ۱۹٥٥م.

أحمد منصور: استمر قد إيه؟

الإمام: استمر شهورا. (تصحيح: حوالي أسبوعين).

أحمد منصور: يعني أنا حتى حرب البسوس السودانية عدة كتب من الكتب، كله يربط أن الحرب استمرت من ۱۹٥٥م لغاية ۱۹۷۲م كمرحلة أولى.

 الإمام: أنا كتبت كتاب اسمه « ميزان المصير الوطني » كتاب ضخم بورّي كيف أنه ۱۹٥٥م حدث نعم، لكن انتهى تماماً.

أحمد منصور: وبدأ مرة أخرى ۱۹٦۳م في عهد العسكر كما يدّعون.

الإمام: أيوه انتهى تماماً والدليل كما قلت لك على هذا الأساس أن العلاقات بين الشماليين والجنوبيين في السياسة كانت طبيعية للغاية، بعد حوادث ۱۹٥٥م. والجنوب نفسه، أنا رافقت كما قلت لك وفداً بقيادة والدي في الجنوب، طفنا الجنوب بكل جوانبه ما كان هناك لا تمرد ولا قطع طرق ولا أي شيء. ولذلك كانت الظروف طبيعية والجنوبيون كانوا حقيقةً قد ارتضوا الوضع ومطالبين بأنه لما يكتب الدستور يعطوا ال Federation.

أحمد منصور: منذ تأسيس حكومة عبد الله خليل في مارس ۱۹٥۸م وحتى الانقلاب في ۱۷ نوفمبر كما يؤرخ له ۱۹٥۸ م، والصراع لم يتوقف داخل الحكومة.

الإمام: نعم نعم

احمد منصور:المهدية والختمية دخلوا في صراع بينهما كبير جداً حتى أن محجوب كما قلت كان يرى أن أكبر كارثة هو أن المهدي والميرغني دخلوا في هذا الصراع، وكان الأجدر بهما (كان يتوجب على السيدين المهدي والميرغني البقاء خارج السياسة بعد جهودهما الجبارة ومساهمتهما في النضال من أجل التحرير). هذه كانت رؤيته أو تصوره إن هذا كان ممكن يجنب السودان انقلاب ۱۹٥٤م (المقصود ۱۹٥۸م). عبد الله خليل أمير الاي عسكري سابق في الجيش، كان السكرتير العام لحزب الأمة، شكّل هذه الحكومة. كان يكن كراهية لعبد الناصر، بينه وبين عبد الناصر خلافات في الوقت الّذي كان فيه الختميّة على علاقة بعبد الناصر، جدك ووالدك يكنان لعبد الناصر كراهية منقطعة النظير أيضاً، المشاكل كلها طلعت في هذه المرحلة وفي هذه الحكومة بين مصر وبين السودان أيضاً الّتي ما زالت موجودة إلى اليوم. محمد أحمد محجوب في مذكراته يقول: «إن كل الخلافات العالقة بين مصر والسودان بقيت كما هي دون حلّ» مشكلة مثلث حلايب الذي رفض السودان إعادته لمصر وكذلك تقاسم مياه النيل وغيرها من المشكلات الأخرى، لكن محجوب كان ذكي جداً في تصعيد قضية حلايب حتى إنه جعل عبد الناصر لا يتكلم فيها إلى أن مات.

الإمام: شوف يا أخي أنا داير أقولك، هذه الحكومة التي كان يرأسها السيد عبد الله خليل لم يكن ضمن همومها مشكلة الجنوب. هذه هي النقطة التي أريد أن أثبتها. ما كان في مشكلة في الجنوب. التطلع الجنوبي كان في إطار سياسي ما فيه تمرد وما فيه حرب أهلية، الحدث بتاع ۱۹٥٥م كان حدثا معزولا وانتهى. ونحن كمراقبين في هذا الموقف زي ما بقول لم يكن ضمن هموم ومشاكل الحكومة مشكلة في الجنوب، طيب ما في شك أبداً الإمام عبد الرحمن ووالدي، حزب الأمة عموماً، ما عندهم كما تقول عداء، عبد الله خليل نفسه عداؤه لمصر جاء بعد ما هو وغيره كانوا في حركة ۱۹۲٤م..

أحمد منصور: هو ليس عداء لمصر إنما لعبد الناصر تحديداً.

الإمام: يعني أنا قصدي إنه…

أحمد منصور: آه أنت تقصد عداءهم القديم.

الإمام: أيوه، المهم المشكلة في أن الحزبين كانا في ائتلاف واحد، ولكن في العلاقة مع مصر مختلفين، وفي أهمية الدستور مختلفين.

 

جريدة الجريدة الجمعة 4 سبتمبر 2015 العدد 1512 الصفحة 5
جريدة الجريدة – الجمعة 4 سبتمبر 2015 العدد 1512 الصفحة 5

 

الحلقة الثالثة الجزء الثاني

تُوثق قناة الجزيرة القطرية عبر ( برنامج شاهد على العصر) الذي يقدمه الإعلامي أحمد منصور للإمام الصادق المهدي، ولازالت الحلقات متواصلة وشيقة ولتسيير المتابعة رأت (الجريدة) نشر الحلقات ..وافق مكتب الإمام مشكوراً على ذلك وأرسل الحلقات محررة وهي جديرة بالإهتمام لمافيها من معلومات ثرة تتوفر لأول مرة.

أحمد منصور: ولد الصادق المهدي في العباسية بأم درمان في السودان في الخامس والعشرين من ديسمبر عام ۱۹۳٥م، والده هو الصديق المهدي مؤسس حزب الأمة وإمام الأنصار خلفاً لجده عبد الرحمن المهدي، التحق الصادق المهدي بداية في جامعة الخرطوم لدراسة الهندسة الزراعية لكنه تركها وانتقل لدراسة الاقتصاد والسياسة والفلسفة في جامعة أوكسفرد في بريطانيا، التي تخرج منها عام ۱۹٥۹م (الإمام تخرج في ۱۹٥۷ – المكتب الخاص للإمام)، انغمس بعد عودته للسودان في العمل السياسي، وكان من أبرز المناهضين لنظام عبود العسكري حيث تولى رئاسة الجبهة الوطنية الموحدة المعارضة (الجبهة القومية المتحدة- المكتب) للنظام العسكري حتى سقوطه في العام ۱۹٦٤م، شارك في صياغة ميثاق ثورة أكتوبر عام ۱۹٦٤م، كما اختير في نوفمبر من نفس العام رئيسا لحزب الأمة. انتخب رئيساً لوزراء السودان للمرة الأولى في شهر يوليو عام ۱۹٦٦م وبقي في منصبه حتى منتصف مايو عام ۱۹٦۷م. ترأس الجبهة الوطنية المعارضة لنظام جعفر نميري بين عامي ۱۹۷۲م و ۱۹۷۷م. شارك في ثورة أبريل عام ۱۹۸٥م التي أطاحت بنظام نميري العسكري. انتخب مرة أخرى رئيساً لوزراء السودان في السادس من مايو عام ۱۹۸٦م، وبقي في منصبه حتى أطاح به الانقلاب الذي قاده عمر البشير في الثلاثين من يونيو عام ۱۹۸۹م، يتولى الصادق المهدي إمامة الأنصار علاوة على رئاسته لحزب الأمة. ولم يتوقف نشاطه السياسي بعد الإطاحة به. وقد أدى نشاطه السياسي لاعتقاله عدة مرات. نتابع في هذه الحلقة والحلقات القادمة شهادته على عصر السودان الحديث..

الإمام الصادق المهدي في حواره مع أحمد منصور:

اللقاءات مع الاسرائيليين التي ذكرتها الوثيقة البريطانية كانت بواسطة السيد محمد أحمد عمر (اللي هو ما كان عضو في حزب الأƒمة وعندو حزب الكومنولث)

لولا تفكير السيد عبد الله“ خليل مهما كانت نوايا الأƒمريكان لا يستطيعون تنفيذ هذا

 

الإمام الصادق المهدي في الحلقة الثالثة من شهادته على العصر

 

الجمعة 4 سبتمبر 2015

أحمد منصور: محمد أحمد عمر هذا كان شخصية انتهازية إلى ابعد الحدود كما قرأت في سيرته.

الإمام: ما أنا داير أقولك يعني حصل إلي إيه، محمد أحمد عمر هذا بمفاهيم مع الأثيوبيين عمل لقاء ما بين الوالد ومسؤولين أنا ما بعرفهم تفصيلاً، لكن مؤكد فيهم مسؤول إسرائيلي كانوا هم طالبين يقابلوا الوالد كزعيم لحزب الأمة لأنهم عايزين الاتفاق مع حزب الأمة ضد مصر.

أحمد منصور: في هنا وثيقة بريطانية سرّية رقمها ۱۰۳۳۲ /۹٥٤/۲ صادرة عن مكتب المفاوض التجاري للمملكة المتحدة بالخرطوم مؤرخة في ٦ أغسطس ۱۹٥٤ متقول الوثيقة: «أنه تمت لقاءات في السفارة الإسرائيلية في لندن بين قطبين من حزب الأمة السوداني وهما السيد محمد أحمد عمر والسيد الصديق المهدي والسكرتير الأول للسفارة الإسرائيلية في لندن مردخاي جازت، وكانت أجندتها تدور حول تمويل حزب الأمة لمواجهة التدخل المصري في السودان وفتح قنوات تجارية
 مع السودان لكسر طوق العربي المفروض حول دولة إسرائيل».

الإمام: وارد يكون حصل أنا ما بعرفه، لكن مؤكد لم تأت منه أية نتيجة. يعني لا الوالد بعد ذلك دعا إلى سياسة جديدة نحو إسرائيل، ولا حزب الأمة أخذ موقف نحو إسرائيل جديد. يعني أنا في رأيي صحيح الفكرة كانت عند محمد أحمد عمر، ومحمد أحمد عمر ما كان عضو في حزب الأمة.

أحمد منصور: محمد احمد عمر ورط أبوك في الموضوع.

الإمام: هو دعاه عشان يعني مش…

أحمد منصور: لكن أبوك كان يعلم انه يجلس مع الإسرائيليين.

الإمام: لا طبعاً كان يعلم انه الموضوع ده…

أحمد منصور: وحتى البريطانيين يقولون إن والدك الصديق المهدي ابلغهم أن ٥ يوليو ۱۹٥٤م في فندق سافوي بلندن أنه التقى بأعضاء السفارة الإسرائيلية، وأنهم لا يريدون أن يفعلوا شيئاً من وراء ظهر البريطانيين.

الإمام: على أي حال نتيجة هذه اللقاءات الّتي تمت أيّا كانت بواسطة السيد محمد أحمد عمر اللي هو ما كان عضو في حزب الأمة عنده حزب..

أحمد منصور: يقولوا كان عضو في حزب الأمة.

الإمام: لا ما كان، هو زي ما بقولك يعني.

أحمد منصور: وراح قابل بن غوريون في إسرائيل في أغسطس ۱۹٥٦م.

الإمام: هو عنده حزب اسمه حزب الكومنولث وما كان عضو في حزب الأمة.

أحمد منصور: عبد الناصر استخدم هذا الأمر في تشويه والدك وتشويه حزب الأمة بشكل كبير.

الإمام: مؤكد هو يعني المدهش أنه السياسة المصرية في ذلك الوقت نحو السودان كانت عدائية للغاية، وارد فيها تستغلها إسرائيل. لكن المهم حزب الأمة ما استجاب لأي نوع من التعاون مع إسرائيل ضد مصر، هذا هو المؤكد.

أحمد منصور: أنت تقييمك إيه لهذا أمر الّذي يعتبر خطأ تاريخي، ولوّث تاريخ حزب الأمة.

الإمام: لا هو كان يلوث تاريخ حزب الأمة لو وصلت فيه نتيجة، يعني ما في قائد، عبد الناصر نفسه ما قابل الإسرائيليين، ما هو الكلام مع الإسرائيليين كثير.

أحمد منصور: قابلهم من ۱۹٤۸م، ۱۹٦٥م!؟

الإمام: لا يعني قابلهم أنا قصدي إنه قيادات عربية كثيرة قابلت الإسرائيليين، في إطار الإسرائيليون صاروا جزء من الواقع في المنطقة، أنا ما قابلت ولا أقابل.

أحمد منصور: لكن كانت تعتبر جريمة عندما يقوم أي زعيم عربي بلقاء الإسرائيليين في ذلك الوقت.

الإمام: على أي حال، كل القادة العرب بصورة أو أخرى التقوا مع إسرائيل في كلام، لكن هل وصلوا إلى نتيجة؟ اتفاق؟ حزب الأمة لم يدخل في أي اتفاق.

أحمد منصور: هل تلقيتم أي تمويل من الإسرائيليين؟

الإمام: طبعاً لا ،طبعا لا.

أحمد منصور: سأعود لحكومة الأمير الاي عبد لله خليل أمين عام حزب الأمة، الحكومة الّتي كانت ائتلافية بين الأمة والاتحادي إلى أنها لم تكن متماسكة كانت مليئة بالصراعات، استمرت بين مارس ونوفمبر ۱۹٥۸م وأنت رصدت لنا شيء من هذا. الأمريكان بدأ نفوذهم يقوى في السودان والوثائق الأميركية تؤكد على تقارير يومية أو شبه يومية كان يرسلها السفير، الشائعات كانت تحوم حول المساعدات الأميركية الّتي عرضتها أميركا على السودان في ذلك الوقت، وكانت الحكومة مترددة في قبولها على اعتبار أنها يمكن أن تكون تهمة، وكان عبد الناصر طبعاً يدفع بالمعارضة الّتي كانت تعمل معه إلى تشويه الحكومة.

الإمام: هذه واحدة من خلافات الائتلاف لأن حزب الأمة في ذلك الوقت يدعو لقبول النقطة الرابعة، هو الموضوع في النقطة الرابعة المعونة الأميركية المسماة في ذلك الوقت النقطة الرابعة فيها، وحزب الشعب الديمقراطي على صدى السياسة المصرية في ذلك الوقت والحدّة في العلاقات بين مصر وأميركا كان يرفض ال…

أحمد منصور: إذا كان عبد الناصر نفسه كان يأخذ مساعدات قمح من الولايات المتحدة.

الإمام: هو يأخذ مساعدات لكن تمنع هنا، هل هذا التناقض في كثير من المواقف غريب؟ هو يحصل.

أحمد منصور: يعني السياسة فيها أشياء غريبة وعجيبة. العلاقات ساءت مع المصريين بين مصر والسودان لدرجة إن في ۱۹ يوليو ۱۹٥۸م طُرد القنصل المصري علي خشبة من السودان واتهم بالاتصال بالعناصر المخرّبة، وأمر بمغادرة البلاد خلال ۲٤ ساعة. إسماعيل الأزهري في نفس الوقت كان يتواصل مع عبد الناصر.

الإمام: نعم، نعم.

أحمد منصور: يعني البلد كلها مشربكة ومخربئة، بريطانيين على أميركان على عبد الناصر على سوفييت كانوا يدورا على موطئ قدم في السودان.

الإمام: نعم، نعم. هذا كان ولا زال وسيظل في المنطقة كلها، فالمنطقة كلها ميدان صراع.

أحمد منصور: أنت كيف عايشت ال ۸ شهور من الصراعات في حكومة عبد الله خليل هذه؟

الصادق المهدي: أنا كنت اعتقد أنها الحكومة فاشلة، وكنت بقول كده لكل الأطراف وأنه يعني لا بدّ من إيجاد مخرج عن طريق حكم منطقي أكثر، وهو ائتلاف بين حزب الأمة وبين الوطن الاتحادي. لكن في ذلك الوقت أنا ما عندي صوت يعني مجرد…

أحمد منصور: لكن في خطوات فعلية بدأت بس ربما متأخرة من أجل تحقيق هذا التحالف.

الإمام: أيوه، فقد كان هذا كلام الوالد. أنا شخصياً ومن معي كنّا ما عندنا دور. كنا نمشي نزور مثلاً السيد عبد الله خليل كرجل كبير نمشي نتكلم معه، وهو متواضع يعني يقابل أي شخص.

أحمد منصور: يعني حتى والدك لم يكن له أي تأثير على عبد الله خليل؟

الإمام: لا أبداً.

أحمد منصور: رغم إنه والدك رئيس الحزب؟

الإمام: أيوه هذه مشكلة كبيرة كانت هناك قطيعة تامة بين رئيس الحزب وال..

أحمد منصور: والسكرتير العام الّذي هو رئيس الحكومة؟

الإمام: نعم.

أحمد منصور: والناس انتخبت الحزب؟ ما انتخبوش عبد الله خليل؟

الإمام: نعم ولكن الحاصل كده الحاصل أنه يعني كان….

أحمد منصور: يعني هنا أنت تؤكد هذا مفصل تاريخي مهم، إن فترة ۱۹٥۸م بعد انتخابات ۱۹٥۸م وقعت قطيعة بين والدك رئيس حزب الأمة وبين سكرتير حزب الأمة عبد الله خليل إللي كان رئيس الحكومة؟

الإمام: نعم، وخلاف حول قضايا كثيرة.

أحمد منصور: إيه أهم الخلافات إلي نشبت؟

الإمام: أولاً هل يستمر الائتلاف مع الشعب الديمقراطي ولا نعمل بديل؟ هذا محل خلاف كان أساسيا. عبد الله خليل كان يرى ويقول حتى أنه لا يريد زيادة نفوذ آل المهدي في حزب الأمة يعني…

أحمد منصور: هو مين كان من آل المهدي إذا رئيس الحزب من آل المهدي ومتهمش.

الإمام: أيوه هو على أي حال هو كان يفتكر . هناك ناس. في الوقت داك منصور خالد وآخرين يطبّلون لعبد الله خليل على إنه يبقى هو زعيم، زعيم في ال.

أحمد منصور: في حزب الأمة.

الإمام: لحزب الأمة و..

أحمد منصور: يُقصي آل المهدي؟

الإمام: يعني يهمشهم.

أحمد منصور: إذا المخزون الرئيسي الانتخابي هو مخزون الأنصار الموجود في الأرياف.

الإمام: معليش، وهذه هي النقطة أنه الأنصار كان وضعهم مُستَغل في إطار وضع سياسي ليس لهم حقيقةً صوت فيه.

أحمد منصور: فين أعضاء مجلس الأمة إللي هم ال ٦٤ شخص إللي هم تبع الحزب؟

الإمام: مهمشين.

أحمد منصور: يعني عبد الله خليل اختطف الحزب من الأعضاء ومن آل المهدي؟

الإمام: أنا لا أقول اختطفه. لكنه رئيس الوزراء، وكرئيس للوزراء ما في شك كان بعيداً عن توجيهات رئيس الحزب، وحتى من مجلس الإدارة، لأنه حينما اقترح لمجلس إدارة حزب الأمة أنه نسلم الجيش السلطة، رفض مجلس الإدارة بأغلبية ۱۳ قصاد ۲

أحمد منصور: من الوثائق الّتي اطلعت عليها من السفير السوداني في القاهرة أرسل رسالة لرئيس الحكومة عبد اﻟﻠﻪ خليل أبلغه أن عبد الناصر اتفق مع إسماعيل الأزهري وعلي عبد الرحمن على الإطاحة بحكومة عبد الله خليل وإعلان حكومة برئاسة الأزهري تعلن الوحدة مع مصر. من الأشياء هنا أيضاً إن السفير البريطاني طلب من عبد الله خليل أن يتفاوض مع الأزهري حتى يشكل حكومة معه بعيد عن الحكومة الأخرى. الدنيا ملخبطة وعبد الله خليل فقد القدرة والسيطرة على أن يخرج بشيء، وقع في مأزق سياسي كبير فوجد إن الملجأ ليه إنه هو يروح لعبود قائد الجيش ويقوله اعمل انقلاب. وهذا أغرب انقلاب في التاريخ .

الإمام: أعتقد إنه فيما يتعلق باحتمال أن تقوم حكومة وتعلن الوحدة كلام فارغ. والرسالة التي جاءت صحيح سمعنا بهذه الرسالة من سفير السودان في مصر، هذه الرسالة هي مجرد Paranoia وأوهام لأنه ما في شئ ممكن أن يؤدي إلى هذا النوع من النتيجة. الأزهري كان في تقديري بعد الانفصال اللحصل أو المفاصلة التي حصلت بقى عنده علاقة سيئة جداً بالحكومة المصرية، وأنا اعتقد الأزهري كان متجاوب مع فكرة تكوين حكومة ائتلافية مع حزب الأمة يرأسها هو، وهذا كان ممكن يحصل. لكن إذا قام يعمل إعلان الوحدة مع مصر بهذه الطريقة الفجة في رأيي كانت حتفشل…

أحمد منصور: أنا لقيت محجوب في مذكراته اتكلم بنفس المعاني إلي حضرتك بتقولها لكن قبل ما أجي لمحجوب، هنا الإشاعات بدأت تنتشر في السودان بشكل مرعب جداً: السفير الأميركي في السودان في الخرطوم بعث لوزير الخارجية رسالة في ۷ نوفمبر قال له اليوم نشرت صحيفة الأمة الناطقة باسم حزب الأمة ما أسمتها قائمة المطلوب قتلهم من قادة في حزب الأمة، وقالت إن وراء هذه القائمة قادة تحرير السودان: عبد الله خليل رئيس الوزراء، عميل بريطاني، أمين التوم وزير الدولة عميل أميركي، عبد الرحمن طه عميل الامبريالية البريطانية، الشنقيطي زعيم مجلس النواب زعيم للامبريالية .. وقوائم وكل يوم تخويف وإشاعات ودوامة شديدة وعبد الله خليل في حيص بيص.

الإمام: يعني هي ظروف الحرب الباردة فيها كلام كثير، لكن واضح انه توجد وسائل ديمقراطية لحماية استقرار الحكم. ليست محتاجة لأي نوع من اللجوء لغير ذلك، ثم إنه هو إذا أصلاً هناك هذه الفوضى، هل سيمنع العسكريون هذه المسألة؟! إنهم سيكونون أيضا ضحية لهذه الصراعات، وفعلاً استمروا هم كذلك ضحية لهذه الصراعات. أنا اعتقد إنه صحيح كانت هناك مشكلة.

أحمد منصور: بس النفوذ الأميركي كان عالي جداً في السودان في ذلك الوقت.

الإمام: أيوه نعم لكن المشكلة مشكلة السودان الكبيرة جداً هي أننا طبقنا ديمقراطية كاملة الدسم غير موجودة في المنطقة.

أحمد منصور: سنة ۱۹٥۸م.

الإمام: نعم غير موجودة في المنطقة، ولذلك الحزب الشيوعي في السودان مع انه مصدر الوحي له كان في مصر مات في مصر أو تقزّم في مصر وتعملّق في السودان، الحركة الإخوانية مع أنها مصدرها أيضاً مصري تقزّمت في مصر وتعملقت في السودان، كل هذا لأن هناك حرية كاملة في السودان. ونعم نحن كنا نطبق الديمقراطية، بدون الموازنات والتوازنات المطلوبة لنجاح الديمقراطية، وهذا كان خطأ لكن لو بقيت الديمقراطية زمناً أطول كان كل هذه المشاكل يمكن أن تُحل دون اللجوء للعسكرية، لأنه أصلاً لمّا تلجأ للعسكرية لن تعالج المشاكل.

أحمد منصور: كان واضح إن من أول شهر نوفمبر بدأت تنتشر على نطاق واسع ما يدور في الجلسات المغلقة: من أن عبد الله خليل يريد أن يقوم بانقلاب ثم تطوّر الأمر إلى أن عبد الله خليل يريد أن يُسلم السلطة للعسكر. وزير الخارجية الأميركي دالاس بعث رسالة للسفير في ٤ نوفمبر ۱۹٥۸م قال له فيها: « يجب أن تجتمع سراً مع رئيس الوزراء عبد الله خليل وتسأله عن التقارير في صحف سودانية بأننا نخطط لانقلاب عسكري في السودان»، الأميركان! «ويجب أن تقول له بأن مصادرنا الخاصة كشفت بأنه هناك تحركات لتنفيذ هذا» يعني الأميركان عرفوا بدري في نوفمبر إن في توّجه لعمل انقلاب وأن الشيوعيين وعناصر المعارضة ينشرون هذه الأخبار ويحشدون الشعب ليمنع تنفيذ الانقلاب وليعارض أي حكومة تأتي بعد الانقلاب. كأن الأميركان هنا كانوا يؤيدوا الانقلاب العسكري؟

الإمام: واضح تماماً في رأيي في تلك المراحل الأمريكان أفضل لهم أن يتفاهموا مع العسكريين من أن يتفاهموا مع قوى سياسية ديمقراطية.

أحمد منصور: خاصة إن الأمريكان عُرفوا بتشجيع مسلسل الانقلابات العسكرية في المنطقة من انقلاب حسني الزعيم في سوريا ۱۹٤۹م، إلى انقلاب يوليو ۱۹٥۳م وانقلاب مُصدّق في إيران وغيرها من الانقلابات وأنهم قادوا هذه السلسلة في المنطقة وجاءوا بالعسكر ليحكم هذه المنطقة ويعيدوها ٥۰۰ عام للوراء.

الإمام: تماماً والحقيقة هم يفضلون في ذلك الوقت بالذات التعامل مع العسكريين لأنه العسكريين ممكن يعملوا أشياء ما عندها شعبية، مكروهة، ممكن يعملوها زي ما مثلاً عمل نميري في أنه يرّحل الفلاشا، وهكذا. يعني ممكن العسكريين يعملوا أشياء لا يستطيع المدنيين…

أحمد منصور: يعني الانتخابات الديمقراطية الّتي جرت في السودان في فبراير عام ۱۹٥۸م كانت مهدّد حقيقي للمصالح الأميركية في السودان، وهذا دفع الأمريكان إلى تشجيع الانقلاب على هذه الديمقراطية ودفع العسكر للسيطرة على السلطة في نوفمبر ۱۹٥۸م.

الإمام: لولا تفكير السيد عبد الله خليل هذا في رأيي الأمريكان مهما كانت نواياهم لا يستطيعون تنفيذ هذا.

أحمد منصور: متى سافر والدك في إجازة إلى إيطاليا.. تفتكر التاريخ بالضبط.

الإمام: لا، لكن اعتقد في ال.

أحمد منصور: إحنا في نوفمبر دي الوقت.

الإمام: أيوه في حوالي ۱۰ نوفمبر.

أحمد منصور: في ۱۰ نوفمبر والدك سافر بعدما اتفق معهم على شكلٍ ما من الأمور الّتي ستجري، ولكن الانقلاب جرى في ۱۸ نوفمبر، بعدما اتفق عبد الله خليل مع جدك ضد والدك. في الحلقة القادمة أبدأ معك من تفاصيل هذا الاتفاق، وكيف جرت الأمور على هذا الشكل، وكيف سلم عبد الله خليل الحكم الديمقراطي إلى العسكر على طبق من ذهب.

الإمام: نعم، في هذه المرحلة بالذات أنا كنت أكثر شهادة على الحاصل لأني كنت الشخص الذي ذهب للمطار لإحضار والدي بعد عودته المفاجئة عندما سمع بالانقلاب.

منصور: هذه مرحلة خطيرة جدا بتفصيلاتها، وآخذ تفصيلاتها معك في الحلقة القادمة، شكرا جزيلاً لك.

الإمام: إن شاء لله.

منصور: كما أشكركم مشاهدينا الكرام على حسن متابعتكم، في الحلقة القادمة إن شاء لله نواصل الاستماع إلى شهادة الإمام الصادق المهدي زعيم حزب الأمة، رئيس الوزراء السوداني الأسبق، وإمام الأنصار. في الختام أنقل لكم تحيات فريق البرنامج، وهذا أحمد منصور يحييكم. والسلام عليكم ورحمة لله وبركاته.

*** رصد وتحرير وتحقيق المكتب الخاص للإمام الصادق المهدي

الجريدة

تاريخ بث الحلقة الثالثة في قناة الجزيرة يوم الأحد 9 أغسطس 2015