حزب الأمة القومي تكوين سياسي هدف به السودانيون الوطنيون الذين كونوه في فبراير 1945م، كأول حزب سياسي شعبي في السودان، نحو تحقيق المطامح الوطنية في الاستقلال عن دولتي الاحتلال الثنائي حينها، وبناء الدولة السودانية المستقلة على أسس العدل والمساواة والحرية.. وظلت رايات الحزب مرفوعة لخدمة الأجندة الوطنية على مر الأجيال..

إنه الحزب الذي قدم القدح المعلى من التضحيات، وأمسك بزمام المبادرات، إنه حزب السودان المجيد.

حزب الأمة مؤسسة كونفيدرالية رئاسية، لها هيكل اتحادي على رأسه رئيس الحزب، وتديره الأمانة العامة المكونة من أمين عام ودوائر تنفيذية يرأسها مساعدو الأمين العام، ولديه هيئة للرقابة وضبط الأداء، ومكتب سياسي بمثابة جهاز تشريعي للحزب، كما فيه مجلس تنسيق عالي يضمن التنسيق بين المستويات المختلفة.

رئيس الحزب الآن هو الإمام الصادق المهدي، وأمينته العامة الأستاذة سارة نقد الله، ورئيس المكتب السياسي الدكتور محمد المهدي حسن.

وللحزب تنظيمات في ولايات السودان المختلفة يرأسها رؤساء الحزب بالولايات، ويديرها تنفيذياً سكرتير الحزب في كل ولاية.

مر الحزب منذ تكوينه في 1945م بالعديد من المراحل أو الحقب التاريخية، كالتالي:

المرحلة الأولى: منذ تكوين الحزب في 1945 وإلى انقلاب نوفمبر 1958م.

تم تكوين حزب الأمة كأول حزب جماهيري سوداني في فبراير 1945م تحت رعاية الإمام عبد الرحمن المهدي، وانتخب السيد عبد الله خليل كأول سكرتير عام للحزب ولم يكن له رئيس حتى تم انتخاب السيد الصديق المهدي رئيسا في 1950م.  نادى الحزب بالاستقلال الكامل من دولتي الحكم الثنائي (مصر وبريطانيا) تحت شعار (السودان للسودانيين)، وقبل في سبيل ذلك الدخول في المجلس الاستشاري لشمال السودان ثم الجمعية التشريعية عملا للاستقلال من داخل مؤسسات الاحتلال، وبالفعل استطاع أن يمرر قرار الحكم الذاتي من داخل الجمعية التشريعية في عام 1952م يرغم اعتراض البريطانيين الشديد على ذلك وعملهم بكل الوسائل لإسقاط مقترح الحكم الذاتي، وكانت هذه الخطوة الأولى نحو نيل الاستقلال، ثم قاد حملة التعبئة الشعبية والتحرك الدبلوماسي للحصول على الاستقلال الكامل من كل من مصر وبريطانيا وهزيمة فكرة الاتحاد مع مصر تحت التاج المصري، حتى تحقق الاستقلال في النهاية بإجماع السودانيين وأعلن رسميا في مطلع يناير 1956، وفي الخطوتين المذكورتين: نزع قرار الحكم الذاتي عبر المؤسسات، ورفض الاتحاد تحت التاج المصري واجه محاولات لشق صفه من كل من بريطانيا (عبر الحزب الجمهوري الاشتراكي في 1952) ومصر (عبر حزب التحرير في 1957م) ولكنه صمد في وجهها وأحبط مخططات التفتيت بل خرج أكثر قوة.

بعد الاستقلال اشترك الحزب في الحكم مؤتلفا مع حزب الشعب الديمقراطي بعد حدوث الانشقاق في الحزب الوطني الاتحادي، وذلك في الفترة 1956-1957م. وعقب انتخابات 1957-1958م كذلك ائتلف من جديد لتكوين حكومة برئاسة سكرتير عام الحزب السيد عبد الله خليل. وقد واجهت هذه الحكومة عددا من الأزمات اختتمت بتسليم رئيس الوزراء للسلطة للجيش في 17 نوفمبر 1958م بالتفاهم مع راعي الحزب الإمام عبد الرحمن المهدي وبالرغم من اعتراض مجلس إدارة الحزب، وقد كان رئيس الحزب السيد الصديق المهدي، وبقية أعضاء مجلس الإدارة من أوائل وأشرس المعارضين للنظام الحديد..                                                                                                                                         ا

المرحلة الثانية: منذ انقلاب نوفمبر وحتى ثورة أكتوبر 1964م

قاد الحزب المعارضة للنظام العسكري بقيادة الفريق إبراهيم عبود منذ البداية والتفت حوله الأحزاب في الجبهة الوطنية المتحدة بقيادة الإمام الصديق المهدي. وقدم عددا من المذكرات التي وقعت عليها الأحزاب والنقابات والتي تطالب بالديمقراطية وبرجوع الجيش لثكناته. وتعرض الحزب لقهر النظام بصورة شرسة كان أبشعها مجزرة المولد في أغسطس 1961م، وهي الحادثة التي توفي إثرها رئيس الحزب بالذبحة القلبية.  وحدثت انتكاسة في عمل المعارضة لحين من الدهر حتى تجمعت الأحزاب من جديد للعمل المعارض وكانت تحت قيادة السيد الصادق المهدي الذي تصدى لملء الفراغ.

ومع إيقاد شرارة الثورة في أكتوبر 1964م صدر بيان من راعي الحزب الإمام الهادي المهدي يدعو السلطة العسكرية للاستجابة لمطالب الجماهير، كما اعتبر السيد الصادق المهدي أن جنازة الشهيد القرشي هي بداية حقيقية لثورة شعبية يجب ألا تجهض وصلى على الجنازة. وقاد الحزب المعارضة التي اتحدت بشقيها (الجبهة الوطنية المتحدة التي تمثل الأحزاب  السياسية وجبهة الهيئات التي تمثل النقابات والتكوينات اليسارية) وارتكزت ببيت الأمة (مجمع قبة المهدي) لمحاورة النظام حتى أسفرت المشاورات في النهاية عن تنحي الجيش عن السلطة، وبدء حكومة انتقالية تقود  البلاد لحين الانتخابات العامة.

في هذه الفترة حدثت تطورات في العلاقة بين الحزب وبين كيان الأنصار أسفرت عن توسيع مجلس الإمام ليشمل شخصيات قيادية بالحزب، كما حدث خلاف حول صلاحيات الإمام داخل الخزب أسفر بوجهه بشكل أكبر بعد الإطاحة بنظام عبود.

المرحلة الثالثة: منذ ثورة أكتوبر 1964م وحتى انقلاب مايو 1969م

بعد ثورة أكتوبر الظافرة أقام الحزب مؤتمرا تأسيسيا تم بموجبه انتخاب السيد الصادق المهدي رئيسا والأمير عبد الله نقد الله أمينا عاما في نوفمبر 1964م، وخاض الحزب الانتخابات فحصد تقدما كبيرا وكون حكومة ائتلافية مع الحزب الوطني الاتحادي بقيادة السيد محمد أحمد محجوب، الذي واجه مساءلات حول أداء الحكومة من زملائه الوزراء وأعضاء الهيئة البرلمانية عن حزب الأمة ولكنه رفضها وقال إنه مساءل أمام الإمام فقط وتطورت هذه الحادثة لتقود لانشقاق حوالي ثلث النواب وقاعدة جماهيرية مماثلة تدعو لأن يكون إمام الإنصار هو زعيم الحزب الأول وصاحب القرار القاطع فيه. بينما واصل الحزب بقيادته المنتخبة قيادة الحكومة برئاسة السيد الصادق المهدي في الفترة 1966-1967م. كان أداء الحزب في الحكم تحتها باهرا فاتخذت نهجا قوميا لا حزبيا وخطت خطوات واسعة في حل مشكلة الجنوب مشجعة أعمال لجنة الاثنى عشر وعاقدة مؤتمر جميع الأحزاب، كما حركت الجمعية التأسيسية في اتجاه وضع دستور البلاد الدائم بعد تلكؤ، وكان لها منجزات اقتصادية مقدرة، وكان ذلك الأداء المميز سببا في تألب من ثلاث أحزاب ضدها داخل البرلمان مما حدا برئيس الوزراء لطلب إعادة الثقة بحكومته، وبالرغم من أنه لم ينجح في نيل صوت الثقة ولكنه نال تأييدا داخل البرلمان من عدد اكبر بكثير من تأييده الحزبي فقد وقف لجانبه كثير من المستقلين وبعض الحزبيين الذين فضلوا المصلحة الوطنية على الحزبية فعارضوا مواقف أحزابهم.

وفي النهاية أسقطت الحكومة عبر صوت الثقة في مايو 1967م، وكون الجناح المنشق من الحزب حكومة جديدة برئاسة السيد محمد أحمد محجوب. ثم قاد الحزب انتخابات عام 1968م منشقا مما أسفر عن خسائر باهظة بسبب الانشقاق، وأقنع المتشددين من المنشقين بضرورة وحدة الحزب فجرت مفاهمات تم إثرها توحيد الحزب على أسس القرارات الديمقراطية والمؤسسية وتم إعلان ذلك رسميا في أبريل 1969م. وكرفض للأسس الجديدة قدم رئيس الوزراء حينها السيد محمد أحمد محجوب استقالته مما خلق فراغا دستوريا، وانقض أثناءه الانقلاب المايوي على الحكومة الديمقراطية لتبدأ فترة شمولية قاهرة.

المرحلة الرابعة: 1964منذ انقلاب مايو 1969م وحتى الانتفاضة 1985م

التقى قادة الحزب منذ بداية الانقلاب في الجزيرة أبا مع قيادات أحزاب أخرى معارضة للديكتاتورية وللخط الشيوعي المعلن للانقلاب، وأرسل النظام في طلب الحوار ثم غدر واعتقل رئيس الحزب الذي أوفد للحوار. وبعد ذلك تصاعدت المواجهة حتى أدت غلى أحداث الجزيرة أبا وودنوباوي الدامية في مارس 1970م والتي راح ضحيتها 907 شهيداً من الأنصار ومئات المعوقين. وفي سبتمبر 1973م وبالاستفادة من الانفراج النسبي بعد توقيع اتفاقية أديس أبابا للسلام (1972م) شارك الحزب في تنظيم انتفاضة شعبان سبتمبر 1973م التي فشلت بسببين: انعدام التجاوب العسكري معها، وتعجل بعض السياسيين. وكان الحزب قد كون بعد الانقلاب مباشرة الجبهة الوطنية لمعارضة النظام مع حزبي الاتحادي الديمقراطي والأخوان المسلمون وقد عملت على عزل النظام دبلوماسيا وتنشيط المعارضة السياسية. هذه الجبهة التي كان يرأسها رئيس حزب الأمة نظمت للانتفاضة المسلحة في 2 يوليو 1976م والتي هزت أركان النظام ولكنها فشلت في تغييره واستلام السلطة. فواجهها بقمع وحشي. ولكنه أدرك خطورة المعارضة فاقترح مصالحة وطنية وأظهر جدية في الإصغاء لمطالب التحول الديمقراطي. حينها قبل الحزب وضع السلاح ونقل العمل للداخل في 1977م. ولكنه اكتشف أن نميري لم تكن له رغبه حقيقية في التنازل عن سلطاته بل أراد من المصالحة أن يأمن من المعارضة القوية له، فسرعان ما انهارت المصالحة وأعلن الحزب فشلها في 1978م، ولكن الحزب استفاد منها في شيئين: الأول عودة عدد كبير من قيادة المعارضة من المنفي للسودان بسلام. والثاني: منح هامش كبير من الحرية السياسية سمح بعقد انتخابات نقابية في جو من الحرية النسبية  لا سيما وسط المهنيين. الهيئة القضائية التي تكونت في هذا الجو هي التي نازلت النظام. فاندفع يحاول كبحها عبر قوانين سبتمبر سيئة الصيت التي سنت في العام 1983م. تصدى حزب الأمة ببسالة لتلك القوانين كاشفا تشويهها للدين فانقض النظام على قيادات الحزب متهما لها برفض الشريعة. هكذا وفي عهد مايو اختار حزب الأمة مواجهة النظام ونالت كوادر الحزب شرف البطش بها بتهمة التمسك بالدين في أول عهد النظام، ثم البطش بتهمة التخلي عن الدين في آخره. هذه المحنة أكسبت الحزب رصيدا نضاليا كبيرا، فقد جرب خلالها كل وسائل المقاومة المسلحة والمدنية والانطلاق من مواقع خارجية لأول مرة في تاريخه واستطاعت قيادة الحزب أن تكتسب مواقع فعالة في القطاع الحديث فساهمت في التخطيط لانتفاضة أبريل 1985م وكتبت ميثاقها. كما أن فصيل حزب الأمة الطلابي كان رأس الرمح في تحركات طلاب جامعة أم درمان الإسلامية التي كتبت الفصل الأول للانتفاضة. في هذه الفترة أيضا جرت الخطوات الأولى نحو مأسسة عمل الأنصار بتكوين هيئة شئون الأنصار وصياغة دليلها التأسيسي في  1979م.

المرحلة الخامسة: منذ انتفاضة رجب/ أبريل 1985م وحتى انقلاب ”الإنقاذ“

عقد الحزب في فبراير/ مارس 1986م مؤتمره العام الخامس الذي صادق على تحويل اسم الحزب إلى (حزب الأمة القومي) وأجاز دستوره المعدل، وبرنامجه (نهج الصحوة الإسلامية)، وانتخب السيد الصادق المهدي رئيسا له كما انتخب أمانة عامة خماسية من كل من: د. عمر نور الدائم، د. آدم مادبو، السيدة سارا الفاضل، السيد بكري عديل، والسيد نصر الدين الهادي المهدي.

الرصيد النضالي الكبير والتنظيم الديمقراطي الذي حقق مشاركة شعبية واسعة والبرنامج السياسي الواضح (برنامج نهج الصحوة) مكنت حزب الأمة من خوض انتخابات 1986 بحملة نفيرية قوية بحيث حقق الحزب أعظم انتصاراته الانتخابية وحصل على عدد من المقاعد يبلغ تقريبا ضعف الحزب الثاني له في نتائج الانتخابات. هذا الانتصار ضمن للحزب دورا قياديا في الحكومة الائتلافية الديمقراطية، ولكن تراكم المشاكل التي خلقها النظام المباد حرم الحزب من الاهتمام المطلوب بالتنظيم المحكم بل اكتفى الحزب بالأسلوب التعبوي النفيري وانشغلت كوادره القيادية بمهام سلطة محاطة بالأزمات بحيث صار الجهد عبارة عن احتواء وإطفاء حرائق.

نال حزب الأمة 101 مقعدا في الانتخابات ونال الاتحادي 64 مقعدا ونالت الجبهة الإسلامية 51 مقعدا وكانا يمثلان قوى سياسية بداخلها عدد كبير من سدنة نظام مايو المباد. وعشية إعلان نتائج الانتخابات اتفق هذان الحزبان على الآتي: لا لإلغاء قوانين سبتمبر 1983 ـ لا لإنشاء محكمة قصاص شعبي ـ لا لقرارات مؤتمر كوكادام المعلنة في مارس 1986 والتي شارك فيها حزب الأمة مع حركة التمرد بالجنوب (الحركة الشعبية لتحرير السودان) وعدد من أحزاب السودانية. واتفق الحزبان أنهما يدخلان الحكومة الجديدة معا أو يعارضانها معا. هذه المناورة أضرت وطنيا لأن إلغاء قوانين سبتمبر 1983، وتكوين محكمة قصاص شعبي، من مبادئ ميثاق الانتفاضة. كما أن قرارات مؤتمر كوكادام تؤيدها غالبية قوى الانتفاضة. وقد وضعت حزب الأمة أمام موقف حرج لأنه لا يستطيع تكوين حكومة وحده وإن استعان بالأحزاب الصغيرة. فأمامه إما أن يحاول جر الاتحادي الديمقراطي من التحالف مع الجبهة الإسلامية القومية وذلك بتنازل عن بعض مبادئ ميثاق الانتفاضة أو أن يقف في المعارضة. وفي النهاية قاد الحزب ائتلافات في عهد الديمقراطية الثالثة استطاعت أن تمحو آثار النظام المايوي المدمرة، والمحافظة على استقلال القرار الوطني السوداني وتبني برنامج للحل السلمي لمشكلة الجنوب، وعلى الصعيد الاقتصادي انتقل مؤشر النمو من (-12) إلى (+12). ومضت في طريق أسلمة تحافظ على الوحدة الوطنية، كما احتوى كل المزايدات على شعار السلام ودعم حوارات القصر التي أدت إلى توقيع 29 حزبا ونقابة على برنامج القصر المرحلي في فبراير 1989. كما دعم حزب الأمة لقاء قادة الأحزاب الثلاثة في القصر: الأمة ـ والاتحادي الديمقراطي ـ والجبهة الإسلامية القومية. الذي صدر عنه إعلان تأييدهم بضوابط معينة للمبادرة السودانية للسلام في 4 يناير 1989. واستطاع حزب الأمة أن يثبت جدوى النظام الديمقراطي في مواجهة الأزمات وقد تصدى لأهم ثلاث أزمات وعالجها في إطار الشرعية الدستورية. تلك الأزمات هي:

+ غرق العاصمة تقريبا وأقاليم أخرى نتيجة السيول والفيضانات والأمطار في أغسطس 1988 فأمكن تنظيم جهد قومي عظيم لاحتواء الأزمة.

+ مواجهة موجة الإضرابات الشاملة التي انطلقت لمعارضة زيادات أسعار السكر في ديسمبر 1988م ومواجهة المؤامرات التي حاولت استبدال المؤسسة التشريعية بالشارع فهزمت المؤامرة وتوصلت الحكومة مع القيادات النقابية لمعادلة مرضية.

+ مواجهة مذكرة قادة القوات المسلحة التي اندفع فيها القادة العسكريون هروبا من المساءلة العسكرية التي واجههم بها رئيس الوزراء في فبراير 1989م ففكر بعضهم تحويل المساءلة العسكرية المشروعة بعد انسحاب القوات المسلحة غير المبرر من موقع ليريا وتحويلها لمساءلة سياسية عبر مذكرة القوات المسلحة. لقد كانت هذه الفكرة غير صائبة ولكن الحكومة استطاعت أن تتعامل مع الأزمة بصورة أفرغتها من شحنتها المدمرة، وأمكن إنقاذ النظام الدستوري والعودة للانضباط.

الدليل على النجاح في إدارة الحكم بموجب المؤسسات الدستورية هو  أن الحكومة الائتلافية زادت من سندها البرلماني في أيامها الأخيرة لتحظى بدعم كل القوى السياسية في الجمعية التأسيسية ماعدا الجبهة الإسلامية القومية التي قررت أن تعمل خارج الشرعية الدستورية ودبرت انقلاب 30يونيو1989م الذي دمرت به نفسها ودمرت به البلاد.

لقد أوضح رئيس الحزب في دراسة أمام ورشة العمل الفكرية السادسة في القاهرة في مارس 1997م عن التجربة السودانية والحريات الأساسية. كيف أن القصور الحزبي ضمن عوامل أخرى أضعفت الممارسة الديمقراطية فانتهى الأمر لانقلاب يونيو1989.

المرحلة السادسة: منذ قيام ”الإنقاذ“ وحتى تفلحون (2000م):

عندما انقض نظام “الإنقاذ” على البلاد هجم على حزب الأمة وكيان الأنصار بصفة مركزة. قيادة الحزب رتبت نفسها على أساس تنظيم مرحلي يقوم على: عمل سياسي سري في الداخل، عمل وطني في الداخل يركز على الناحية الفكرية وتقوده هيئة شئون الأنصار، وعمل سياسي ودبلوماسي وإعلامي علني في الخارج يقوده تنظيم خارجي للحزب. هذا التنظيم الخارجي كون شبكة من المكاتب في عواصم أوروبا وأمريكا ودول الجوار ذات فاعلية عالية في جمع المعلومات وفي الإعلام وفي العلاقات الدبلوماسية، وفي تنظيم حلقات الدراسة خاصة بعد التحاق رئيس الحزب بالخارج في ديسمبر 1996م.

التجمع الوطني الديمقراطي: كانت فكرة تكوين التجمع الوطني الديمقراطي فكرة اهتدت إليها القيادات السياسية المحبوسة في سجن كوبر في 1989م. وعندما بلغت الفكرة لممثل حزب الأمة بالخارج تبنى تكوين تنظيم بالخارج للتجمع الوطني الديمقراطي. هذا التكوين في الخارج كان مختلفا عن التكوين بالداخل لأنه ضم إليه الحركة الشعبية وجيشها. كان هذا التنظيم بالخارج مختلفا نوعيا من فكرة الداخل وحقق الآتي:

تجميع كل فصائل المعارضة بمن فيها الفصائل التي تحمل السلاح.

الاستعانة بتحالفات إقليمية ودولية وفرتها للتجمع السوداني سياسات نظام “الإنقاذ” التوسعية التي دفعت عددا من دول الجوار وغيرها لخدمة مصالحها عن طريق دعم المعارضة السودانية.

عقد مؤتمرات لبحث القضايا المصيرية  فوصلت قمتها في مؤتمر أسمرا للقضايا المصيرية وقراراته في يونيو 1995م.

الاتفاق على مواجهة شاملة لنظام الخرطوم وتحديد وسائلها في مؤتمر أسمرا 1995م.

هذه المواجهة الشاملة عمقت الأزمة وجعلت الاستقطاب بين النظام والمعارضة حادا فأدى ذلك لتضييق النظام الخناق أكثر  فأكثر على المعارضة بالداخل. لذلك قرر حزب الأمة زيادة التركيز على العمل الخارجي لأن ظروف العمل بالخارج صارت أفضل وبالداخل تقلصت. لذلك كانت عملية تهتدون في ديسمبر 1996م، وهي العملية التي فيها هاجر رئيس الحزب وبضع وعشرون من أعوانه سرا مخترقين الحدود الشرقية مع إريتريا.

بعد تهتدون زادت حدة المواجهة وفاعلية تحرك المعارضة على كل الأصعدة. بل عملية تهتدون نفسها نفذت بطريقة دراماتيكية أوضحت ضعف الأجهزة الأمنية وكسرت هيبة النظام وجردته من الرهينة “رئيس الحزب” التي استعملها لإبطال العمل الخارجي ضده.

كان حزب الأمة يرى أن التجمع الخارجي يعاني من ضعف داخلي رغم أن الظروف المحيطة به خدمته فجعلت صوته عاليا.

وفي عام 1998م قدم حزب الأمة مذكرة لزملائه في التجمع نقدته نقدا موضوعيا أهم ما فيه:

هيكل التجمع القيادي أشبه بهيكل جبهة حاكمة لاقتسام السلطة منه بآلية نضالية.

فصائل التجمع ليست مؤهلة بالقدر الكافي للقيام بواجباتها السياسية وتحتاج لإصلاح وتفعيل.

العمل الخارجي معزول عن عمل الداخل.

ميثاق التجمع يخاطب واقعا سياسيا انتهى. ولا يخاطب الواقع السياسي الجديد وينبغي أن يراجع.

هنالك تكوينات معارضة جديدة في الداخل والخارج لا تشملها مظلة التجمع.

لم تكن فصائل التجمع غالبا مستعدة لمناقشة هذه المقترحات مناقشة موضوعية لأنها كانت في الغالب تركز على أن هيكل التجمع يشكل أداة لاقتسام السلطة فحرصت على الإبقاء عليه كما هو. كذلك كانت في الغالب تتوقع أن تؤدي مبادرات الجيش الشعبي وعداوة دول الجوار والأسرة الدولية سيما الولايات المتحدة الأمريكية، أن تؤدي هذه لإسقاط النظام.

بعد تهتدون كون حزب الأمة قوة ضارية ثانية للجيش الشعبي واستحدثت أساليب قتالية أكثر فاعلية.

انفرد حزب الأمة بين فصائل التجمع بأنه مع المشاركة الفعالة في العمل العسكري ينفرد باهتمام كبير بالعمل الإعلامي – والدبلوماسي- والفكري – وبالتواصل مع منظمات المجتمع المدني- وبالاتصال الوثيق بالأحوال داخل السودان.

هذه الحقائق أهلت حزب الأمة أكثر من  غيره لقراءة الواقع السياسي في الداخل ، و الأمني والدبلوماسي.

صار واضحا لحزب الأمة منذ بداية 1997م أن النظام بدأ يغير خطابه الفكري والسياسي، وأنه بدأ ينقسم على نفسه. هذه القراءات للحقائق هي التي جعلت حزب الأمة يخاطب حلفاءه بأن ثمة مستجدات يجب أن نستوعبها وأن نعدل وسائلنا للتعامل معها. وهي التي جعلته يتجاوب مع محطة جنيف في مايو 1999م، ومحطة جيبوتي في نوفمبر 1999م. هذه القراءة لم تكن مقبولة لفصائل التجمع الأخرى والاختلاف هو الذي أدى للانقسام في التجمع. ومنذ أن تبلورت قراءة حزب الأمة الجديدة تبنى فكرة تطوير مبادرة الإيقاد لتشمل كافة أطراف النزاع وتوسيع أجندتها لتشمل نظام الحكم بالإضافة لاتفاقية السلام.

وعندما استعصى ذلك تبنى حزب الأمة التطلع لمبادرة إقليمية وعندما انطلقت المبادرة المشتركة المصرية الليبية في أغسطس 1999م، تحمس لها وتبناها. كذلك نظم حزب الأمة ورشة عمل فكرية سابعة في سبتمبر 1999م في القاهرة لدراسة قضية الحل السياسي الشامل من كل جوانبها. هذه الورشة أصدرت توصيات استعان بها رئيس الحزب في كتابة مذكرة الموقف التفاوضي للمعارضة بتاريخ 21/10/1999م.

مواصلة التحديث في كيان الأنصار: تم توسيع المشاركة واستكمال النقص في الأجهزة فتم تكوين مجلس الحل والعقد في 1994م من ممثلين لمختلف شرائح وأقاليم الأنصار وبمقاييس موضوعية وقد مارس المجلس صلاحياته المنصوص عليها في الدليل التأسيسي والذي تم تطويره ليصير أكثر ضبطا للأجهزة وتحديدا لعلاقاتها  وأصبح يسمى الدليل الأساسي وهو الدستور الذي يحكم عمل الهيئة وقام مجلس الحل والعقد بانتخاب أمين عام بالإنابة – صار لاحقا أمينا عاما للهيئة – من الكوادر الشابة المؤهلة ليقود العمل التنفيذي. ثم قام المجلس بإكمال الأمانات التنفيذية العشر. وقد اخضع الدليل الأساسي عمل الهيئة للشورى وأقام أساس المسئولية على الانتخابات والمساءلة كما قرر أن يتم اختيار الإمام على أسس ومؤهلات معينة وأن يكون اختياره بالانتخاب بعد استكمال تنظيم الأنصار.

 المرحلة السابعة: منذ 2000م وحتى 2011م

اعترف النظام بالتعددية السياسية وأعلن التصديق على نشاط حزب الأمة وغيره من الأحزاب التاريخية دون قيد أو شرط.

  • عقد حزب الأمة اجتماعا تأسيسيا في القاهرة ضم قيادة الداخل والخارج في فبراير 2000م. هذا الاجتماع قرر تكوين انتقالي جديد لحزب الأمة على أساس مجلس قيادي، ومكتب سياسي، ومكتب تنفيذي على أن تستوعب هذه الأجهزة الأجيال الثلاثة: الشيوخ، والكهول، والشباب، وعلى أن تضم أصحاب البلاء والعطاء، وأن تمثل كليات انتخابية محددة. ونتيجة لهذا التكوين صدرت قرارات التكوين الجديد.
  • بعد إصدار القرارات أرسلت لكافة قواعد الحزب ونشأ رأي عام يطالب بتعديل بعض تلك القرارات. لذلك عقد اجتماع ثان في القاهرة في يوليو/ أغسطس 2000م ضم قيادات الداخل والخارج. هذا الاجتماع تناول كل الآراء وقرر تكوين تنظيم مرحلي زاوج بين شرعية الانتخاب في المؤتمر العام 1986م وشرعية التصدي لنظام “الإنقاذ”، وبين الشباب والكهول، وقيادات الداخل والخارج. ويتكون التنظيم المرحلي من الأجهزة الآتية:
    1. مكتب قيادي- يرأسه الرئيس ويضم نواب الرئيس ومساعديه ورؤساء القطاعات التنفيذية. ويناقش السياسات العليا ومختلف قضايا الحزب ويرسم السياسات العامة.
    2. مكتب سياسي يتم التصعيد له من كليات انتخابية مختلفة مثل الفئات- الأقاليم- الشباب- هيئة شئون الأنصار- المرأة- جيش الأمة. ويقوم بالتشريع وإقرار وإجازة السياسات العامة والبرامج المحولة في المكتب.
    3. مكتب تنفيذي يتكون من 11 قطاع لكل قطاع رئيس ونائب ويندرج تحت كل قطاع عدد من الأمانات ويقوم المكتب التنفيذي بتسيير نشاط الحزب اليومي وتنفيذ البرامج التي تقرها المكاتب التشريعية ويرأسه النائب الأول لرئيس الحزب.
    4. مؤسسة الرئاسة: تتكون من الرئيس ونائبيه ومساعد الرئيس للشؤون القانونية ومساعد لشئون المهجر، ومساعد للشئون الاجتماعية، ومساعد لشئون المكتب السياسي، ومساعد للشئون الخارجية.
    5. مؤسسة متابعة وضبط الأداء: ومهمتها متابعة الأداء والانضباط الحزبي ولها صلاحيات في المحاسبة والمساءلة والعقوبة التي تصل لحد الفصل.

“تفلحون” وما بعدها: تمت عودة قيادة الحزب إلى البلاد في نوفمبر2000م، وأهم معالم هذه المرحلة ما يلي:

أولا: التعبئة من أجل الحل السياسي الشامل

ثانيا: مواصلة التفاوض مع النظام بشأن إنفاذ اتفاق نداء الوطن: وما أدى له ذلك من انسلاخ الفريق المفاوض مع عدد من الكوادر وعقد مؤتمر سري تآمري تم فيه الادعاء بحل حزب الأمة، ثم الانخراط في النظام في يوليو  2002م.

ثالثا: إقامة المؤتمر العام السادس للحزب في أبريل 2003م  تحت شعار (ديمقراطية سلام تنمية عدالة) وإجازة برنامج الحزب (وثبة جديدة لبناء الوطن) وإعادة انتخاب السيد الصادق المهدي ريئسا للحزب وانتخاب الدكتور عبد النبي علي أحمد أمينا عاما.

رابعا: العمل على تطوير اتفاقيات السلام: بعد تراجع النظام أولا عبر اتفاقيات السلام من الداخل ثم عبر اتفاقيات ثلاث هي اتفاقية نيفاشا في يناير 2005م، واتفاقية أبوجا في مايو 2006م، واتفاقية أسمرا في أكتوبر 2006م (ثم إعلان دستور انتقالي جديد وتكوين حكومة الوحدة الوطنية في يوليو 2005م)؛ فإن الحزب عمل على التأمين على إيجابيات ما تم خاصة في اتفاقية نيفاشا 2005م، والإشارة للنقائص التي تحول دون الوصول للسلام الفعلي والتحول الديمقراطي المتلازم معه. ومنذ أبريل 2003م حيث انفجرت أزمة دارفور بصورة حادة  عمل الحزب على تبني خطة للحل العادل للأزمة، ونظم رحلة رئاسية لولايات دارفور الثلاث في يونيو 2004م طالب بعدها في مؤتمر صحفي بضرورة الإسراع بتكوين لجنة للتحقيق في الانتهاكات التي تحدث في دارفور كما قدم عدة مطالبات تخص الإدارة والغوث الإنساني. وقد أيد لاحقا قرار مجلس الأمن رقم 1593 الذي أحال تلك الانتهاكات للمحكمة الجنائية الدولية.

وفي هذه المرحلة تم تأسيس العلاقة بين الحزب وكيان الأنصار عبر صحيفة التمييز بين الحزب والكيان كما تم إكمال مأسسة هيئة شئون الأنصار بعقد المؤتمر الأول في ديسمبر 2002م.

استبشر حزب الأمة بالرافع الأمريكي لمفاوضات السلام في نيروبي وتوقع ان يحدث اختراق في السلام، وبعد توقيع اتفاق ميشاكوس الإطاري في يوليو 2002م سعى لدعم الاتفاقية وترشيدها عبر مناقشات تفصيلية مع القوى السياسية اسفرت عن معاهدة الأمة للتعاهد الوطني في أبريل 2003م ولكن طرفي الاتفاقية أهملا ذلك المجهود.

سعى حزب الأمة للتفاوض مع كل القوى السياسية ووقع عددا من المواثيق وكان جزءا من التحالفات المعارضة كما سعى للتفاوض مع طرفي حكومة الوحدة الوطنية الرئيسيين (المؤتمر الوطني والحركة الشعبية لتحرير السودان) وحذر كثيرا من ان اتفاقية السلام الموقعة في نيفاشا في يناير 2005م حميدة في وقف نزيف الدم ولكنها مليئة بنقاط الغموض وبأخطاء ستجعلها في النهاية تحقق عكس مقاصدها المعلنة وانها بشكلها المبرم والدستور الناتج عنها لن يحققا سلاما ولا وحدة ولا تحول ديمقراطي.

وفي مرحلة اثمر ملف التفاوض مع المؤتمر الوطني اتفاقية التراضي الوطني والتي وقعت بينه وحزب الأمة في مايو 2008م. وقد سعى الحزب عبرها لتحقيق المؤتمر القومي الذي يدعو له كآلية لا بديل عنها للوصول للحل الإجماعي لقضايا البلاد الرئيسية وتجاوز أزماتها الراهنة والانتقال من حال السلام بالقطاعي للحل بالجملة. لم تسفر اتفاقية التراضي عن شيء ولكن الحزب واصل الاشتراك في كل مساعي الحل كمبادرة أهل السودان (أكتوبر 2008م) والتي أبطلها الصقور في المؤتمر الوطني.

وفي فبراير/ مارس 2009م عقد الحزب مؤتمره العام السابع الذي شكل نقلة في العمل المؤسسي وفيه تمت إعادة انتخاب السيد الصادق المهدي رئيسا للحزب والسيد صديق محمد إسماعيل أمينا عاماً.

ومع تحول ملفات التفاوض مع الحركات المسلحة في دارفور سعى الحزب لصياغة إعلان مبادئ لحل أزمة دارفور ليجمع عليه الدارفوريين واتصل بالحركات المسلحة موقعا اتفاقيات مع عدد منها. كما يسعى الآن لتجميع القوى السياسية حول اتفاق لجعل الوحدة جاذبة أو في حالة انفصال الجنوب بعد الاستفتاء المزمع بناء على اتفاقية السلام تحقيق جوار أخوي.

كرر الحزب تحذيراته من أن السلام بالقطاعي لن يجدي مطالبا بمؤتمر جامع، وسلام شامل وعادل حقيقي وتحول ديمقراطي، وحذر من ان النهج الذي تسير فيه الحكومة بشقيها سوف يسفر عن الانفصال وعن تجدد الحرب، وبالفعل صوت الجنوبيون بأغلبية ساحقة للانفصال في 2011م ولم تلبث الحرب أن اندلعت في جنوبي النيل الأزرق وجنوب كردفان.

المرحلة الثامنة: انفصال الجنوب 2011 وحتى الآن

واصل حزب الأمة مطالباته بالحل القومي لقضايا البلاد بدون جدوى. وفي أبريل 2012م عقد الحزب اجتماعاً لهيئته المركزية تمت فيه إقالة الأمين العام الفريق صديق إسماعيل، واختير الدكتور إبراهيم الأمين أمينا عاما بالتراضي بعد أن سحب الجميع مرشحيهم.

وبعد ازدياد الأزمة الاقتصادية جراء انفصال الجنوب وفقدان 75% من واردات البلاد، وافق رئيس النظام الحاكم في لقاء ببيت رئيس الحزب الإمام الصادق المهدي بالملازمين في 27 أغسطس 2013 على أن الحكم والدستور والسلام قضايا قومية لا ينبغي أن يسيطر عليها أحد ولا يقصى منها أحد، ثم بدا بعد انتفاضة سبتمبر 2013م التي قمعها النظام بالحديد والنار مطلقاً الرصاص الحي على المتظاهرين ما أسفر عن أكثر من مائتي شهيد، بدا أنه سوف يسير في الخط الذي طالب به الحزب فأعلن حوار الوثبة في يناير 2014م، واشترك فيه حزب الأمة بحماسة.

عقد حزب الأمة هيئته المركزية من جديد في مايو 2014م وهي الهيئة التي أقالت الدكتور إبراهيم الأمين عن الأمانة العامة واختارت الأستاذة سارة نقد الله أمينة عامة للحزب بالإجماع والتراضي أيضاً.

مباشرة بعد اجتماع الهيئة المركزية أظهر النظام ضيقه برؤى حزب الأمة حول ضرورة ان تكون رئاسة الحوار محايدة بينما يصر على رئيسه، فتحجج بحديث أدلى به رئيس الحزب في اجتماع الهيئة المركزية لحزب الأمة في مايو 2014م، وتطرق فيه للفظائع التي ترتكبها قوات الدعم السريع في مناطق النزاع في دارفور وجبال النوبة، فقام النظام باعتقاله في 16 مايو 2014م ووجه له تهماً تصل عقوبتها للإعدام، ولم يطلق سراحه إلا  في 15 يونيو 2014م. قرر الحزب أن حوار الوثبة لا جدوى له وأنه لن يشترك إلا في حوار باستحقاقات معينة تضمن كفالة الحريات وإطلاق سراح المعتقلين والمحكومين سياسياً، ووقف الحرب وإيصال المساعدات للمدنيين. وسعى الحزب بعدها لتوحيد المقاومة السودانية حول هذه المطالب.

في 2014/8/8م وقع حزب الأمة مع الجبهة الثورية السودانية إعلان باريس الذي كان اختراقاً في الساحة السياسية السودانية بإجماع الفصائل المقاتلة على أسس الحل السوداني التي تنطوي على وسيلتين هما الحوار باستحقاقاته أو الانتفاضة السلمية باستبعاد الحل العسكري، وعلى استبعاد تقرير المصير لمناطق النزاع والإجماع على وحدة السودان تحت أسس جديدة عادلة. ولكن النظام بدلاً من الترحيب بهذا الاختراق الوطني الضخم خونه ولفق حديثاً عن صفقات سرية، وفي النهاية صار رئيس الحزب من جديد مطلوباً للنظام البوليسي، وتم اختطاف نائبة رئيس حزب الأمة د. مريم الصادق المهدي حال عودتها من اجتماعات باريس في المطار في 10 أغسطس 2014م وظلت في الحبس الانفرادي لمدة شهر. وقد ظل رئيس الحزب بالخارج مشاركاً في العديد من الأنشطة الوطنية والإقليمية عبر المنتدى العالمي للوسطية والعالمية عبر نادي مدريد، وبعد الفراغ من مهامه عاد وفقا لقرار أجهزة الحزب في 26 يناير 2017م.

في الفترة منذ توقيع إعلان باريس سعى حزب الأمة في التفاهم مع الوسيط الأفريقي لتأكيد أسس الحوار المجدي واستحقاقاته، فتم الوصول بداية لاتفاقية النقاط الثمانية التي تحدد أسس الحوار المطلوبة في 4 سبتمبر 2014م، وهي الأسس التي تبناها مجلس السلم والأمن الأفريقي في جلسته رقم 456 في 12 سبتمبر 2104م. ثم كان توقيع نداء السودان بين الفصائل السودانية المقاومة (حزب الأمة، والجبهة الثورية، وقوى الإجماع الوطني، ومبادرة المجتمع المدني) في 4 ديسمبر 2014م بأديس أبابا، مستندا على حلي الحوار باستحقاقاته أو الانتفاضة الشعبية، وبانياً على قرارات مجلس السلم والأمن الأفريقي حول استحقاقات الحوار المطلوب. ومن جديد قابل النظام النداء بالعداء واعتقل كل من الأستاذ فاروق أبو عيسى رئيس هيئة قيادة قوى الإجماع، والدكتور أمين مكي مدني رئيس مبادرة المجتمع المدني بعد عودتهما من أديس أبابا.

واصل حزب الأمة الاتصال بالوسيط الأفريقي والجهات الدولية المعنية بالسلام في السودان للدفع باتجاه الحوار المجدي، حتى قدم الوسيط الأفريقي في 21 مارس 2016م خارطة طريق ولكنه تعجل بتوقيعها من طرف واحد مع النظام وأحجمت قوى المعارضة عن التوقيع ما لم تتم الاستجابة لمطالبها التي تؤكد استحقاقات الحوار المجدي بنقاطها الثمانية. وبعد شد وجذب وتطمينات التزم بها الاتحاد الأفريقي وقعت قوى نداء السودان على خارطة الطريق في 8/8/2016م بأديس ابابا. ولكن النظام تخلى عن تعهداته في الخارطة بمشاركته في عاصفة الحزم التي جعلته يلقى سندا خليجيا، كما استند على التنسيق مع الاتحاد الأوربي في وقف الهجرة الشرعية ومع الولايات المتحدة في محاربة الإرهاب مقدما التنازلات للجهات الإقليمية والعالمية كبديل لحل مشاكله الداخلية قومياً واتجه نحو التشدد والتعسف الأمني بتعديلات على الدستور في 4 يناير 2015م تزيل ملامحه الديمقراطية وتنصب رئيس الجمهورية حكما فردا. ولا يزال النظام يواصل قمعه للمقاومة المدنية والمسلحة ويراهن على السند الخارجي في قمع الشعب السوداني.

وفي المقابل يستمر حزب الأمة في بناء قواعده التنظيمية استعدادا للمؤتمر العام الثامن المزمع في أقرب وقت، وفي التنسيق مع قوى المقاومة المختلفة للضغط على النظام وتعريته وصولاً إما لاستجابته لمطلوبات الحوار المجدي ودفع استحقاقاته، أو اندلاع انتفاضة شعبية سودانية ثالثة على غرار ثورتي اكتوبر وأبريل تزيل الطغيان وتقيم السلام العادل الشامل والحكم الديمقراطي المتوازن.