الإمام الصادق المهدي في الحلقة الثانية من شهادته على العصر

الإمام الصادق المهدي في الحلقة الثانية من شهادته على العصر

 

 

جريدة الجريدة الأربعاء 26 أغسطس 2015 العدد 1503 الصفحة 9
جريدة الجريدة – الأربعاء 26 أغسطس 2015 العدد 1503 الصفحة 9

 

تُوثق قناة الجزيرة القطرية عبر ( برنامج شاهد على العصر) الذي يقدمه الإعلامي أحمد منصور للإمام الصادق المهدي، ولازالت الحلقات متواصلة وشيقة ولتسيير المتابعة رأت (الجريدة) نشر الحلقات ..وافق مكتب الإمام مشكوراً على ذلك وأرسل الحلقات محررة وهي جديرة بالإهتمام لمافيها من معلومات ثرة تتوفر لأول مرة.

أحمد منصور: ولد الصادق المهدي في العباسية بأم درمان في السودان في الخامس والعشرين من ديسمبر عام ۱۹۳٥ م، والده هو الصديق المهدي مؤسس حزب الأمة وإمام الأنصار خلفاً لجده عبد الرحمن المهدي، التحق الصادق المهدي بداية في جامعة الخرطوم لدراسة الهندسة الزراعية لكنه تركها وانتقل لدراسة الاقتصاد والسياسة والفلسفة في جامعة أوكسفرد في بريطانيا، التي تخرج منها عام ۱۹٥۹ م (الإمام تخرج في ۱۹٥۷ – المكتب الخاص للإمام)، انغمس بعد عودته للسودان في العمل السياسي، وكان من أبرز المناهضين لنظام عبود العسكري حيث تولى رئاسة الجبهة الوطنية الموحدة المعارضة (الجبهة القومية المتحدة- المكتب) للنظام العسكري حتى سقوطه في العام ۱۹٦٤ م، شارك في صياغة ميثاق ثورة أكتوبر عام ۱۹٦٤ م، كما اختير في نوفمبر من نفس العام رئيسا لحزب الأمة. انتخب رئيساً لوزراء السودان للمرة الأولى في شهر يوليو عام ۱۹٦٦ م وبقي في منصبه حتى منتصف مايو عام ۱۹٦۷م. ترأس الجبهة الوطنية المعارضة لنظام جعفر نميري بين عامي ۱۹۷۲ م و ۱۹۷۷ م. شارك في ثورة أبريل عام ۱۹۸٥ م التي أطاحت بنظام نميري العسكري. انتخب مرة أخرى رئيساً لوزراء السودان في السادس من مايو عام ۱۹۸٦ م، وبقي في منصبه حتى أطاح به الانقلاب الذي قاده عمر البشير في الثلاثين من يونيو عام ۱۹۸۹ م، يتولى الصادق المهدي إمامة الأنصار علاوة على رئاسته لحزب الأمة. ولم يتوقف نشاطه السياسي بعد الإطاحة به. وقد أدى نشاطه السياسي لاعتقاله عدة مرات. نتابع في هذه الحلقة والحلقات القادمة شهادته على عصر السودان الحديث..

الإمام الصادق المهدي في حواره مع أحمد منصور:

الحلقة الثانية

أزهري يعتبر نفسه منتخب، وعنده الكلمة الأخيرة، لكن المصريين كانوا يحاولون التدخل في الشأن السوداني

عندما قهر عبد الناصر محمد نجيب وأبعده، فكر السودانيون في شأنهم وقالوا لا وحدة مع عبد الناصر

الأربعاء 26 أغسطس 2015

 

الإمام الصادق المهدي في الحلقة الثانية من شهادته على العصر

 

احمد منصور: توقفنا في الحلقة الماضية عند ذهابك إلى أكسفورد في بريطانيا ۱۹٥٤م لاستكمال دراسة الزراعة .لكنك أشرت إلى نقطة هامة تاريخية هي علاقتك بجراهام توماس وقلت إنه كان أحد زعماء حزب العمال البريطاني، وكان يقيم في السودان وأن جدك أرسلك له وعمرك ۱۳ سنة وقد كتب هو في مذكراته أن هذا الشاب الناشئ يمكن أن يكون حاكم السودان
المقبل. أين كان جراهام توماس عندما ذهبت إلى أوكسفرد في العام ٥٤م؟

الإمام: نعم كان موجود في السودان.

احمد منصور: هل ذهبت إليه سلمت عليه قبل ذهابك أعلمته بأنك ستذهب، أم انقطعت علاقتك به؟

الإمام: لا جدا، بالعكس، صار لي بعد ذلك أشبه بصديق فكأنه صادق جدي وأبي وشخصي. ومن ميزاته أولاًهو ينتقد حكومته لأنه كان من العمال، ثانياً صريح جداً، من أصرح الناس في الكلام، ولا يميز بين عمرٍ وعمر، يتكلم معي عن كل شيء .ومن المدهش في تلك السن كنت أصاحب فقط كبار السن، أستفيد منهم.

احمد منصور:ماذا كانت وظيفته في السودان؟

الإمام: كان رئيس قلم استخدام العمال.

منصور: استخدام العمال السودانيين؟

الإمام: العمال جميعاً.

منصور: الموظفين يعني، موظفي الدولة كلهم.

الإمام: نعم..

احمد منصور: وكان بريطاني! في هذا الوقت كان السودان تحت الاحتلال البريطاني كما كانت مصر. بدأت مفاوضات الجلاء في السودان. أعلن الضباط الأحرار في مصر بعد قيامهم بانقلاب يوليو ۱۹٥۲ م عن حق السودان في تقرير مصيره، وتم توقيع اتفاقية للحكم الذاتي بريطانية مصرية في فبراير ۱۹٥۳م. انت في ذلك الوقت كنت في السودان وتتابع لم تكن قد ذهبت بريطانيا بعد.

الإمام: نعم.

منصور: كيف تابعت هذا الأمر؟ شعر البريطانيون الآن أن أيامهم معدودة في السودان؟

الإمام: البريطانيون منذ نهاية الحرب العالمية الثانية أو أسميها الحرب الأطلسية الثانية، كانوا يتوقعون نهاية الإمبراطورية، ولذلك بدأوا مشروعات في مستعمراتهم في الهند في نيجيريا، في كل مستعمراتهم لنقل السلطة..

احمد منصور: بحيث أنها تنقل لرجالتهم برضه في البلاد دي.

الصادق المهدي: أيوه تنقل عبر وسائل ديمقراطية لناس يفهمونهم ويتفاهمون معهم.

احمد منصور مقاطعا : خريجي فكتوريا وما أشبه،

الإمام : كل الطبقة المعدة للخلافة، ولذلك كانوا بدأوا أصلا المجلس الاستشاري ثم الجمعية التشريعية وهكذا، فكان التحضير لهذه النهاية. الحكومة المصرية في عهد الباشوات كانوا أغبياء جدا، لأنهم ظلوا يتحدثون عن السيادة المصرية على السودان، ولا يتحدثون إلا عن هذا باعتبار أنه القضية كلها قضية..

احمد منصور: (مقاطعاً) قضية سيادة. قضية إن السودان جزء من مصر..

الإمام: (متابعا) قضية سيادة مصرية على السودان، وبحق الفتح، وأن هذه هي أسس مرافعتهم في مجلس الأمن. وطبعا كان هذا مستفزا لكثيرين خاصة لحزب الأمة، باعتبارأنه، كما كتب الإمام (عبد الرحمن) نفسه في مذكراته: أنا لا أنكر إخاءنا وجوارنا ومصالحنا، لكن أن تكون العلاقة على أساس نحن تبع السيادة المصرية، ما في حد ممكن يقبل هذا الكلام، لذلك هو قاد فكرة السودان للسودانيين، على أساس أننا بعد أن نستقل برأينا نقيم علاقتنا مع مصر كما نشاء وليس حتما تبعية السيادة …

احمد منصور: هذا الأمر ترك حساسيات مفرطة لفترات طويلة.

الإمام الصادق: جداً جداً.

احمد منصور: بسبب عدم ذكاء المصريين في التعامل مع السودان وأهل السودان.

الإمام: أيوة هم القيادات المصرية في ذلك الوقت، في رأيي كثير من القيادات المصرية عندهم نوع من البلادة في التعامل مع الآخر، لأنك لا يمكن أن تنطلق من مفهوم شعب عنده مصالحه وعنده كرامته بأنه احنا …

احمد منصور: أسيادكم، السيادة لمصر.

الإمام: أن تقيم العلاقة على أساس السيادة، الانجليز استغلوا هذه المسألة، ولذلك شجعوا الحركة الاستقلالية في السودان على موقفها أن السودان للسودانيين. ولم يتضح أن الانجليز كانوا يريدون فقط استغلال الموقف إلا عندما قررت الثورة المصرية الموافقة على حق تقرير المصير في السودان.

احمد منصور: كنت عاوز أقولك على هذا أصلا، إن العسكر في مصر بعد انقلابهم لم تفرق معهم أن تبقى السودان معهم أم لا، رغم أنها العمق الاستراتيجي لمصر وكان يمكنهم إصلاح أخطاء الباشوات من قبل.

الإمام: هم افتكروا إنهم عملوا أشياء جايز تجيب هذه النتيجة. لأنه كان هناك حزب الأمة، نعم، وهناك ستة أحزاب اتحادية، جمعوهم في مصر، جمعهم اللواء محمد نجيب، واقترح عليهم تكوين حزب واحد، وهو حزب الوطني الاتحادي (منصور: الذي كان يرأسه إسماعيل الأزهري) مواصلاً: الذي كان برأسه الأزهري نعم، وأن يخوضوا الانتخابات ضد حزب الأمة وأن يدعموا من الحكومة المصرية لينالوا الأغلبية. وهذا ما حدث.

أحمد منصور: يعني سر نجاح الأزهري هو الترتيب الذي أعده نجيب لهذا الموضوع لأن حزب الأمة كان يقول السودان للسودانيين ..

الإمام: نعم.

احمد منصور: وهؤلاء الذين دعوا إلى الوحدة مع مصر هم الذين رتبوا الانفصال وأعلنوه ورأس الأزهري أول حكومة انفصالية.

الإمام: أيوة، السبب بسيط جداً. بعد أن دعمت مصر، وهذا مثبت في المحاكم، الحزب الوطني الاتحادي بالمال والإعلام، وبعد أن كونت الحزب الوطني الاتحادي نفسه وصار قوة هائلة، ارتكبوا مجموعة من الأخطاء..

احمد منصور: ما هي؟

الإمام: أولا. أزهري يعتبر نفسه منتخب، وعنده الكلمة الأخيرة، لكن كانوا يحاولوا يتدخلوا في الشأن السوداني.

أحمد منصور: المصريين..

الإمام: الحكومة المصرية بقيادة صلاح سالم ..

احمد منصور: صلاح سالم كان مسئول عن ملف السودان عند العسكر وهو الذي كان يأتي، وهو بلا خبرة مجرد عسكري ضابط.

الإمام: بالضبط ظهر هذا التناقض. تناقض ثاني ظهر أنه في مصر بدأ خلاف بين …

احمد منصور: محمد نجيب وعبد الناصر.

الإمام: (مواصلا) محمد نجيب وعبد الناصر والخلاف حول الديمقراطية، وصفي الخلاف لصالح إبعاد الديمقراطية. فصار..

احمد منصور: أنتم قلتم إحنا سنقع تحت ديكتاتور مش حيرحم.

الإمام: ايوة حتى واحد من الشعراء الاستقلاليين، قال: إن كان مثلك يا نجيب (معناها يضام) فما الضمان ألا نضام ولا
نقهرا يعني صار هناك عطف مع محمد نجيب وطبعا محمد نجيب عنده عواطف كثيرة في السودان.

احمد منصور: طبعا لأن أمه سودانية ولأنه كان قائد في السودان ..

الإمام: وعنده صداقات مع كل القيادات السودانية ..المهم هذا لعب دورا أيضاً.

احمد منصور: أي عندما قهر عبد الناصر محمد نجيب وأبعده، فكر السودانيون في شأنهم وقالوا لا وحدة مع عبد الناصر…

الإمام: نعم حصلت حالة. ثالثاً من الأسباب الجديدة، حزب الأمة مع أنه فقد الانتخابات عنده قاعدة شعبية قوية جداً .عبأ حزب الأمة قاعدته الشعبية عشان يشوفها الأزهري (في طوافه) وكان واضح أنه أزهري بدأ يفكر: أنا بدل ما احكم السودان كجزء من أي جهة أخرى أحكم السودان مستقل، وفكر أن يتحول إلى الاستقلال، لما فكر في ذلك كان اتجاه قواعد في حزب الأمة أن نسقط حكومته، وبعدين نأتي بالاستقلال. أزهري اتصل بالإمام عبد الرحمن وقال له ماذا لو توجهت أنا نحو الاستقلال؟ قال له الإمام عبد الرحمن أؤيدك، نؤيدك نحن، وقد كان.

احمد منصور: يعني هنا الأزهري باع عبد الناصر وباع الوحدة مع مصر في مقابل أن يبقى في السلطة وفي مقابل ألا يقع تحت دكتاتورية عبد الناصر.

الإمام: وعوامل أخرى، هو أحس بأن مصر تحكم بنظام لا يؤيده.

احمد منصور: هنا محمد احمد المحجوب رئيس الوزراء السابق في صفحة ٥۷ من كتابه (الديمقراطية في الميزان) وهو بمثابة مذكرات، قال: (في يوم الخميس ۱٥ ديسمبر ۱۹٥٥ وقف رئيس الوزراء إسماعيل الأزهري في البرلمان وقال سأعلن استقلال السودان في الأسبوع القادم، وكان هذا نتاج اتفاق بين حزبي الأمة والوطني الاتحادي).

الإمام: نعم، نعم، هي المقابلة المباشرة تــمــت مـــا بين الأزهـــــــــري والإمـــــام عبد الرحمن، وقال له، لأنه كانت هناك فكرة في حزب الأمة أنه لا نقبل لكي نرفع العلم نحن، وينسب الاستقلال لنا. وطبعاً حتى اليوم كثير من الناس يعتبرون الأزهري هو الذي حقق الاستقلال لأنه هو الذي رفع العلم، لكن الحقيقة أن الإمام عبد الرحمن وحزب الأمة وهم الذين قاموا بكل هذا العمل فكروا أنه لا يهم من يرفع العلم طالما سيرفع علم السودان.

احمد منصور: هنا قرار الاستقلال التاريخي كما أصدره برلمان السودان آنذاك، وكما ذكره المحجوب في كتابه (نحن أعضاء مجلس النواب المجتمعين في البرلمان نصرح باسم الشعب السوداني أن السودان قد أصبح دولة مستقلة ذات سيادة تامة ونلتمس من سعادتكم الطلب من دولتي الحكم الثنائي أن تعترف بهذا التصريح فوراً) اللي هم مصر وبريطانيا.

الإمام: نعم.

احمد منصور:هنا للتاريخ شيء كان يمكن أن يحول دون انقسام السودان إلى شمال وجنوب هو تعاهد الجمعية التأسيسية أن تنظر باهتمام في مطالبة أعضاء البرلمان السوداني الجنوبيين بحكومة فيدرالية للمقاطعات الجنوبية.

الإمام: نعم صحيح هذه واحدة من أخطاء الحركة السياسية السودانية. كان واضح أن الإنجليز أصلا أسسوا للانفصال، لأنهم طبقوا سياسة اسمها السياسة الجنوبية، عشان يقيموا نظام فصل عنصري بين الشمال والجنوب. منذ عام ۱۹۲۲م كانت السياسة في الجنوب أن النواحي التعليمية والصحية وكل الخدمات الاجتماعية تسلم للمبشرين.

احمد منصور: برغم أن جنوب السودان كان وثنيا ولم يكن مسيحيا..

الإمام: يعني مش ضروري كان كله مسيحياً، لكن كانت هناك صفوة جنوبية (مسيحية)..

احمد منصور:الصفوة الحاكمة مسيحية .

الإمام متابعاً: السياسة البريطانية كان هدفها وهذا واضح تماماً أن الجنوب إما يفصل من الشمال إذا كان بإمكانه أن يقيم دولة قابلة للاستمرار، أو أن يضاف لدول شرق أفريقيا: يوغندا أو كينيا.

احمد منصور:. فضيلة الإمام أنت الآن تشير لمعلومة خطيرة وتاريخية، ويفهم منها ما حدث في ۲۰۱۱م، أن التخطيط لفصل جنوب السودان من الشمال بدأ في ۱۹۲۲م وتحقق ۲۰۱۱م؟

الإمام: نعم، هو أصلا لا شك أن المخطط كان أن الجنوب ينفصل، وخلقوا للجنوب هوية جديدة مسيحية انجلوفونية، وهذا كان الوضع. لكن الانجليز شعروا أن هناك عوامل جيوسياسية تحول دون نجاح هذا المشروع.

احمد منصور: ما هي؟

الإمام: يعني أن الاقتصاد والعوامل المختلفة هناك نوع من ..

احمد منصور: كان وقتها اقتصاد الجنوب متضعضع تماما ولا يمكن يقيم دولة.

الإمام: ايوة يعني عوامل كثيرة ولكن العامل الأهم كانوا عايزين يرضوا الطبقة المثقفة السياسية الشمالية، وعايزين أيضاً ما يستفزوا مصر بالنسبة لقناة السويس، يعني دي كانت كلها الأفكار..

احمد منصور: يحققوا كل ده مع بعضه..

الإمام: نعم، ولذلك غيروا السياسة ودعو لمؤتمر سمي (مؤتمر جوبا) ۱۹٤۷م. في هذا المؤتمر جاء ممثلو الجنوب،
وهنا الانجليز كانوا يمنوهم بالاستمرار بعيدا عن الشمال، فوجدوا الانجليز هذه المرة يكلمونهم بلغة أخرى، يريدونهم
أن يندمجوا مع الشمال للأسباب التي ذكرتها. هذا الكلام كان سنة ٤۷ ، لمن حصل هذا الكلام الجنوبيون قالوا
للا نجليز : نحن لو اندمجنا مع الشمال ماعندناش مقومات أن نقاوم استبدادهم وتسلطهم علينا.

احمد منصور: يعني هنا نحن أمام مثلث تسلط: المصريون يتسلطون على الشماليين والشماليون متسلطين على الجنوبيين!

الإمام: ايوة الانجليز قالوا لهم نحن يمكن أن نعمل ضوابط للمحافظة على خصوصية الجنوب، وهذا الذي أتى بفكرة الفيدريشن. وكان هناك السيد محمد صالح الشنقيطي وهو من أصدقاء الإمام عبد الرحمن كان حاضرا لذلك الاجتماع فوعد الجنوبيون بأننا سنعمل…

احمد منصور: الشنقيطي موريتاني ولا إيه؟

الإمام: أصلاً موريتاني لكنه سوداني. قال لهم نحن نستطيع أن نحافظ لكم على مصالحكم وكانت هناك فكرة واضحة أن الجنوبيين عايزين وضع خصوصي المهم في النهاية هذا تبلور في فكرة الفيدراشن.

احمد منصور: الفيدرالية؟

الإمام: الفدرالية لكن للأسف الحصل…

احمد منصور: وكان يمكن انقاذ الجنوب من الانفصال لو حدث ذلك في ۱۹٥٥م.

الإمام: كان يمكن يحصل الآتي: لو أن الحركة السياسية الشمالية منذ ذلك الوقت أدركت أن هناك خصوصية جنوبية يجب احترامها.

احمد منصور: زي ما كان المصريون يجب أن يدركوا أن هناك خصوصية سودانية يجب احترامها.

الإمام: تمام. اللي حصل خطآن مهمان جدا:

احمد منصور: ما هما؟

الإمام: الأول: لما وقع انقلاب ۱۷ نوفمبر الجنوبيون كان عندهم أحزاب ونواب ووزراء وتمثيل في مجلس السيادة، هؤلاء جميعاً شردوا، وصاروا ما عندهم أي شيء غير التشرد ولذلك راحوا في الكنغو، وفي يوغندا، وفي كينيا وصاروا هناك خميرة عكننة سياسية باعتبار أنهم جردوا من كل أوضاعهم.

احمد منصور مقاطعا: هذه من مساويء انقلاب ٥۸

الإمام: تمام، سوأة أخرى: الانقلاب كان يمارس نوع من الأسلمة والتعريب، عملت بطريقة استفزت..

احمد منصور : أهل الجنوب.

الإمام متابعا: استفزت المبشرين لأنه كان هناك مبشرين في الجنوب..

احمد منصور: منصرون يعني رايحين للتنصير..

الإمام: نعم، وكانوا أجانب .هؤلاء المبشرون ووجهوا بحاجة عملتها الحكومة فيها صدمة شديدة وهي تغيير يوم الإجازة من يوم الأحد إلى الجمعة. المسيحيون…

احمد منصور : الكلام ده في مارس ۱۹٥۹م..

الإمام: بعد مارس، يعني في أثناء الحكم العسكري. اليوم السابع سواء أكان الأحد عند المسيحية أو السبت عند اليهود ليس كيوم الجمعة عندنا، هو هناك يوم مقدس نحن عندنا ساعة واحدة مقدسة هي ساعة الصلاة ماعدا ذلك لا تقديس لليوم، لكن هم عندهم هذا. فهذه كانت صدمة عارضها هؤلاء فانضافت إلى المشاكل، فقامت الحكومة بطردهم كلهم، طردتهم- هذا غزى
الدعم الخارجي (منصور: للانفصال) الإمام مواصلاً: للانفصال أو للحركة..

احمد منصور: هنا في نقطة مهمة.

الإمام: أنا جاييك أكمل لك في أن مسألة الأسلمة والتعريب الفوقي، ومسألة تشريد الكوادر القيادية الجنوبية، انضاف لها أن السيد عبود لمن كان عايز يمشي يحضر الجلسة التأسيسية لمنظمة الوحدة الأفريقية ..

 احمد منصور: ده الجنرال عبود اللي عمل انقلاب ٥۸؟

الإمام: أيوة في سنة ۱۹٦۳ ، أطلق سراح العساكر الذين اشتركوا في حركة تمرد في ۱۹٥٥ أثناء حكم الرئيس الأزهري. كانوا في السجن حوكموا على ما فعلوا من أفاعيل. فأطلق سراحهم بدون إعطائهم بديلا، يعني ما عمل لهم قواعد التسريح التي تعمل دائما، فهؤلاء لجأوا مع السياسيين هناك، فتكونت هناك..

احمد منصور: نواة للحرب.

الإمام: أيوة هناك توجه حزب سانو للتعبئة السياسية، وحركة أنانيا، التي تعني الحشرة السامة، للعمل المسلح. هذا مؤكد عطاء كامل من هؤلاء الجماعة. فصارت عندنا :الخلفية أصلا سياسة الانجليز، نظام السيد ابراهيم عبود لا شك خلق هذا الظرف. طبعا جاءت بعد كده وحنتكلم عن الجهات الثانية: نحن، ونميري والجبهة القومية الإسلامية عن دورهم، لكني اقف هنا بحسب التاريخ هم الدور الكبير الذي أدت فيه سياسات نظام ۱۷ نوفمبر إلى الاستقطاب الحاد في الجنوب.

احمد منصور: أنا هنا عايز المشاهدين يركزوا معانا أن خطوات الاستعمار في التآمر والتقسيم تمتد إلى عشرات السنين، وأن خطة فصل مصر عن السودان وفصل جنوب السودان عن شماله بدأت في ۱۹۲۲ الأولى طبقت في سنة ۱۹٥٦ والثانية في ۲۰۱۱ ، وهم ليس عندهم كلل ولا ملل .معنى ذلك أن خطط تقسيم أخرى كثيرة تجري في المنطقة ولها عشرات السنين بس لمن يجي الظرف المناسب يطبقوها. الإمام: تمام، شوف أنا في رأيي بوضوح تام: العدو عدو ولا يتوقع منه إلا أن يتصرف كعدو. الخطأ والخطر أن قيادات سياسية من أهل البلد هم الذين يندفعون في اتجاهات تحقق للعدو مقاصده.

 

جريدة الجريدة السبت 29 أغسطس 2015 العدد 1506 الصفحة 4
جريدة الجريدة – السبت 29 أغسطس 2015 العدد 1506 الصفحة 4

 

الحلقة الثانية الجزء الثاني

تُوثق قناة الجزيرة القطرية عبر ( برنامج شاهد على العصر) الذي يقدمه الإعلامي أحمد منصور للإمام الصادق المهدي، ولازالت الحلقات متواصلة وشيقة ولتسيير المتابعة رأت (الجريدة) نشر الحلقات ..وافق مكتب الإمام مشكوراً على ذلك وأرسل الحلقات محررة وهي جديرة بالإهتمام لمافيها من معلومات ثرة تتوفر لأول مرة.

أحمد منصور: ولد الصادق المهدي في العباسية بأم درمان في السودان في الخامس والعشرين من ديسمبر عام ۱۹۳٥ م، والده هو الصديق المهدي مؤسس حزب الأمة وإمام الأنصار خلفاً لجده عبد الرحمن المهدي، التحق الصادق المهدي بداية في جامعة الخرطوم لدراسة الهندسة الزراعية لكنه تركها وانتقل لدراسة الاقتصاد والسياسة والفلسفة في جامعة أوكسفرد في بريطانيا، التي تخرج منها عام ۱۹٥۹ م (الإمام تخرج في ۱۹٥۷ – المكتب الخاص للإمام)، انغمس بعد عودته للسودان في العمل السياسي، وكان من أبرز المناهضين لنظام عبود العسكري حيث تولى رئاسة الجبهة الوطنية الموحدة المعارضة (الجبهة القومية المتحدة- المكتب) للنظام العسكري حتى سقوطه في العام ۱۹٦٤ م، شارك في صياغة ميثاق ثورة أكتوبر عام ۱۹٦٤ م، كما اختير في نوفمبر من نفس العام رئيسا لحزب الأمة. انتخب رئيساً لوزراء السودان للمرة الأولى في شهر يوليو عام ۱۹٦٦ م وبقي في منصبه حتى منتصف مايو عام ۱۹٦۷م. ترأس الجبهة الوطنية المعارضة لنظام جعفر نميري بين عامي ۱۹۷۲ م و ۱۹۷۷ م. شارك في ثورة أبريل عام ۱۹۸٥ م التي أطاحت بنظام نميري العسكري. انتخب مرة أخرى رئيساً لوزراء السودان في السادس من مايو عام ۱۹۸٦ م، وبقي في منصبه حتى أطاح به الانقلاب الذي قاده عمر البشير في الثلاثين من يونيو عام ۱۹۸۹ م، يتولى الصادق المهدي إمامة الأنصار علاوة على رئاسته لحزب الأمة. ولم يتوقف نشاطه السياسي بعد الإطاحة به. وقد أدى نشاطه السياسي لاعتقاله عدة مرات. نتابع في هذه الحلقة والحلقات القادمة شهادته على عصر السودان الحديث..

الإمام الصادق المهدي في حواره مع أحمد منصور:

الأنصار هم الذين استجابوا لدعوة الإمام المهدي (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنصَارَ اللَّهِ)

حصلت لي نفس الظاهرة التي حصلت لي في فكتوريا، اللي هي صدود عن هذه الأقلمة

السبت 29 أغسطس 2015

 

الإمام الصادق المهدي في الحلقة الثانية من شهادته على العصر

 

احمد منصور: قرر السودانيون الانفصال من مصر أعلنوا الاستقلال ٥٦ كيف تابعت هذه التطورات وأنت كنت تدرس في جامعة أكسفورد في بريطانيا؟

الإمام: أنا لمن ذهبت لأكسفورد مع أنه هناك ناس يفتكروا انك لمن تدرس في معاهد من هذا النوع سوف يحدث لك غسيل دماغ وهكذا.. القوى الغربية وسائلها للتجنيد ذكية، ما فيش حكاية أنهم هم بعملوا أشياء مباشرة.

احمد منصور: كيف؟ قل لنا وسائل التجنيد؟

الإمام: يعني وسائل أنك أنت أول شيء تثق في أن ثقافتهم فيها موضوعية، يعني يتناولون الأمور بهذه الطريقة. يعني دلوقت أنت ترى أن البي بي سي مثلا فيها درجة عالية من الموضوعية صحيح هناك إستراتيجية لكن هناك شيء من الموضوعية وكذلك في صحافتهم، للأسف صحافتنا وإعلامنا يمشي في الخط الآخر الذي فيه …

احمد منصور: انحياز أعمى للحاكم أو ضده.

الإمام: أيوه ما في ذكاء، ولذلك هم بذكائهم يستطيعون أن يستميلوك، ولذا اعتقد كثير جدا من الذين اتجهوا مثلا يقولون نحن علمانيون هم إذا نظروا في الأمر فالغرب نفسه ليس فيه علمانية بهذا المفهوم: يعني الملكة في بريطانيا رئيسة الكنيسة ورئيسة الدولة. في أمريكا كذلك هناك نوع من التعايش ما بين..

احمد منصور: العلمانية عندهم لا تعني التطرف ولا تعني العداء للآخر.

الإمام: تمام، للأسف…

احمد منصور: نحن عندنا العلمانية لا، تعني إلغاء الدين وتعني كراهية المتدينين.

الإمام: تمام..فهم عندهم وسائل ذكية في التعامل مع هذه القضايا. المهم أنا لمن رحت أكسفورد وجدت نفسي أعمل في كل المنابر الراديكالية. أولا: من المنابر الراديكالية الحزب الاشتراكي وهو يدعم يسار حزب العمال. ثانيا:منظمة اسمها المنظمة الأفريقية وللكاريبي ولذلك كل هذه العناصر المتطلعة للتحرر من الاستعمار.

احمد منصور: كل دول في بريطانيا في أكسفورد؟

الإمام: أيوة أنا وجدت نفسي منخرط في الأنشطة الراديكالية ضد الاستعمار، وكذلك ألفنا حاجة سميناها: الاتحاد الإسلامي يعني تنظيم إسلامي. وكانت هناك جماعة أيضا اسمها الجامعة العربية أيضا.

احمد منصور: تفتكر مين من زملائك الذين كانوا معك؟

الإمام: نعم هناك كثيرين جدا.

احمد منصور: من اشتهر منهم؟

الإمام : ايوه كان هناك الزيات من مصر.

احمد منصور: احمد حسن الزيات؟

الإمام: ايوة في عدد من العرب وآخرين من أفريقيا والبحر الكاريبي. المهم كان شغلي العام هناك في هذا الاتجاه حتى أنا كنا نعمل أيضا مساعدات انتخابية للجناح اليساري في حزب العمال.

أحمد منصور: قل لي بصراحة ووضوح. هل حاول البريطانيون تجنيدك خلال وجودك في بريطانيا بشكل مباشر أو غير مباشر في ظل أن جراهام توماس كان قد أوصى بك؟

الإمام: أبداً، بالعكس زي ما بقولك هم ما عندهم الطريقة المباشرة دي..

احمد منصور: غير مباشرة؟..

الإمام: الغير مباشرة انهم يخلوك تعجب بالثقافة الغربية.

احمد منصور: وتتبناها.

الإمام: وتعتبرها جزء من مطالبك. يعني هم ممكن يعملوا كده، وفعلاً أنت لما تشوف..

احمد منصور: يعني هم كثير من الحكام والسياسيين العرب حينما يلتقوا بهم يصبحوا مثلهم يشرب يسكر معاه يقعد معاه ويتكلم معاه ..هو طبعا معتبر أنه يمثل سياسته ومعجب بأسلوب ونمط حياته.

الإمام: تمام .أنا حصلت لي نفس الظاهرة التي حصلت لي في فكتوريا، اللي هي صدود عن هذه الأقلمة أو ال..

احمد منصور: تمرد عليها.

الإمام : أيوة.

احمد منصور: يعني تدرس في الغرب وأنت متمرد على ثقافته؟

الإمام: بالضبط، وكانت عندي يعني مثلا لمن حصل الغزو الثلاثي ٥٦ كنا بنعمل على أننا نمشي نتطوع.

منصور: ضد بريطانيا.

الإمام: أيوة للدفاع عن مصر. يعني كان هناك هذا الشعور، ممكن يكونوا أثروا عليَّ من ناحية الأفكار الليبرالية، المجتمع المفتوح، الأفكار المدنية، وهي أشياء عقلك يقبلها، لكن لم تكن هناك أية محاولة لتجنيد، أنك تكون مؤيد. بالعكس أنا في النهاية بعدين لمن جيت في السلطة اشتغلوا ضدي.

احمد منصور: يعني هنا جراهام توماس حينما قال للبريطانيين إن الصادق المهدي يمكن أن يكون الحاكم المستقبلي للسودان الذي يتعاون معنا، لم تكن هناك خطوات مبكرة.

الإمام: لا هو لم يقل يتعاون معنا، هو قال كأنها قراءة موضوعية. بالعكس أنا في كلامي معه اشتجرت هو هذا الذي لفت انتباهه، أنني تشاجرت معه وأنا طفل تشاجرت معه في أفكاره وتكلمت بلغة راديكالية، وهذا هو اللي خلاه في رأيي يعتبر أن عندي أفكار مستقلة.

احمد منصور: لو عدت قليلا للوراء قبل الانفصال. إسماعيل الأزهري شكّل أول حكومة في السودان بعد الانفصال عن مصر والاستقلال عن بريطانيا. الأزهري درس في الجامعة الأمريكية في بيروت التي خرجت أيضا كثيرا من المدنيين الذين حكموا العالم العربي خلال العقود الماضية أو شاركوا في الحكم، كانوا بيطلعوا من فكتوريا على الجامعة الأمريكية. أسس الأزهري الحزب الوطني الاتحادي في ٥۲ كما قلت أنت المصريون طلبوا منه ورتبوا له هذا الأمر. حقق أغلبية في انتخابات ٥۳ بدعم المصريين له. حزبه فاز أيضاً في برلمان الحكم الذاتي. الأزهري نفسه تغلب على عبد لله الفاضل المهدي في دائرة أم درمان في هذه الانتخابات. أنت تذكر هذه الانتخابات لأنك كنت لسه ما رحتش؟

الإمام: نعم نعم.

احمد منصور: وشرحت واتكلمت على جزء منها. الحزب الوطني الاتحادي الذي كان يتزعمه الأزهري كان شعاره وحدة وادي النيل بين مصر والسودان، بينما حزب الأمة كان يدعو للاستقلال والسودان للسودانيين، ومع ذلك كان التصويت لوحدة وادي النيل، وشفنا إسماعيل الأزهري يقود أول حكومة بعد كده ٥٦ بعد انفصال مصر عن السودان. طبعا هذه الحكومة
 كانت مشتركة بين حزب الأمة وين إسماعيل الأزهري ٥٦؟

الإمام: لا …

احمد منصور: لا، حكومة يوليو ٥٦ هي التي كانت مشتركة. تولى رئاسة الحكومة سكرتير حزب الأمة الاميرألاي عبد لله خليل. نحن هنا نسأل ماذا كان يعني انفصال مصر عن السودان ٥٦؟

الإمام: حصلت مجموعة من الأشياء: أولا الأزهري بوضوح تام رأى أنه لا يمكن نظام ديمقراطي يلحق نفسه بنظام عسكري. ونكبة نجيب اعتبرت واحدة من المآخذ في ذلك الوقت باعتبارالصفات الخاصة والعلاقات الخاصة بنجيب. ثانياً: ما في شك أبداً التيار اليساري في السودان.

احمد منصور: كان هناك حزب شيوعي رسمي في السودان؟

الإمام: هناك حزب شيوعي في ذلك الوقت كان ضد الوحدة لأنهم يعتبرون أن هذا نظام ديكتاتوري ولذلك هم ضده، الأخوان المسلمون، في الأول كانت عواطفهم وحدوية ولكن بعدما حصل للاخوان المسلمون أيضا صارت..

احمد منصور: بعد نكبة الأخوان في ٥٤ في مصر أصبح أخوان السودان يؤيدون الانفصال.

الإمام: بعد ٥٤ ، نعم، إذن تيار الاستقلال صار قوي جدا لمجموعة هذه الأسباب ولذلك هذا ما جعل السيد إسماعيل الأزهري يدرك أن توازن القوة اختّل ولذلك مشى في الخط الآخر.

احمد منصور: أنت رجعت السودان بعدما أنهيت دراستك ۱۹٥۷ …. درست السياسة والاقتصاد والفلسفة.

الإمام: مش الزراعة. ليه؟ أنا مشيت أدرس زراعة وقبلت فيها لكن بدا لي أن دراسة الزراعة في أمريكا مش بريطانيا وفي كاليفورنيا بصفة خاصة وما عايز أضيع فرصة الدراسة في أكسفورد . فقررت

احمد منصور:الجو السياسي عجبك؟

الإمام: أيوة فقررت أدرس هذه بدلا عن الزراعة على أساس أنني بعد ذلك سوف أذهب لدراستها في أمريكا.

احمد منصور: على أساس أمريكا بلد زراعي متقدم وكاليفورنيا طبعا من المزارع المهمة قلت تطبق وترجع السودان سلة غذاء العالم تزرع فيه..

الإمام: تمام وفعلا هذه الفكرة عززها لي جراهام توماس لأنه قال لي شوف أنت في أكسفورد حتلقى مناخ أحسن مناخ فيه الوعي السياسي والاقتصادي والمجتمع فلا تضيع هذه الفرصة ولكن أفضل أن تدرس هنا الدراسة التي درستها وهي السياسة والاقتصاد والفلسفة، ثم بعد ثلاث سنوات تذهب لكاليفورنيا لدراسة الزراعة.

احمد منصور: كيف وجدت السودان عندما رجعت إليه في العام ۱۹٥۷م؟

الإمام: أول حاجة المؤكد كان هناك ممارسة ديمقراطية ولكن أنا ما كنت جزء لا من حزب الأمة ولا من أي حزب .

احمد منصور: أزاي ؟حزب الأمة حزب الجد والوالد!

الإمام: أنا ما كنت جزء من أي حزب. بالعكس أنا لمن كنت في أكسفورد كنت أحصل على أعلى نسبة في التصويت من المبعوثين السودانيين، كان المبعوثون السودانيون عندهم اتحاد اسمه الطلبة السودانيين في المملكة المتحدة وكانوا موجودين هناك.

احمد منصور: فضل لدلوقتي.

الإمام: أيوة، ومع أنهم كلهم يكبرونني في السن بخمس أو ست سنوات، كانوا مبعوثين بعد التخرج من الجامعة وأنا كنت لسة طالب، ومع ذلك نشطت في أوساطهم وكنت أرشح وأفوز بأعلى الأصوات مع أنني من غير انتماء سياسي.

احمد منصور: مش لأنك ابن الصديق المهدي وجدك عبد الرحمن المهدي؟

الإمام: أبدا ليس لأني ابن لأي واحد .وفي الواقع هذه التجربة هي التي ولدت في ذهني النهج القومي، أنه مهما كان ممكن جمع الصف السوداني وهذه صارت واحدة من أهداف حياتي.المهم كنت مع هؤلاء مستقل وأنتخب كمستقل في….

احمد منصور: لكن أنت الآن رجعت السودان جدك زعيم الأنصار..

الإمام: ما أنا عايز أقولك خلفيتي السياسية كانت في اتحاد الطلبة مستقل وفي أكسفورد راديكالي أقرب إلى الاشتراكية ونظرة جديدة للإسلام إلى آخره، يعني هذه كانت أفكاري السياسية في ذلك الوقت.

احمد منصور: أنت لما رجعت تناقشت مع أبوك؟

الإمام: لا ما تناقشت …

احمد منصور: ولا عرف أفكارك أيه؟!

الإمام: ولا أنا كنت عاوز أواصل شغل سياسي، كما قلت كنت أنا عايز بعد كده أمشي أدرس الزراعة في كاليفورنيا. لكن حصل الآتي: الوالد استدعاني وطلب مني أشارك في حملة انتخابية لحزب الأمة.

  احمد منصور: دة انتخابات ٥۸؟

الإمام:أيوة انتخابات ٥۸

احمد منصور: أنا لسه مش حأجي ل ٥۸

الإمام: المهم يعني هو …..

احمد منصور: يعني هذه بداية عملك السياسي في السودان.

الإمام: هذا أول عمل سياسي في السودان لأنه قبل هذا في اتحاد الطلبة في لندن، أو في أكسفورد لم أكن أمارس أي نوع من السياسة الحزبية.

احمد منصور: السودان كان يحكم آنذاك حينما رجعت في العام ٥۷ بحكومة عبد لله خليل الائتلافية التي كانت بين الأنصار والختمية. محمد أحمد المحجوب في مذكراته صفحة ۱۷٦ يقول: (لقد كان التحالف بين المهدي والميرغني أعظم كارثة مني بها تاريخ السياسة السودانية، ففي هذا التحالف سعى عدوان لدودان مدى الحياة بدافع الجشع والتهافت على السلطة والغرور والمصالح الشخصية إلى السيطرة على الميدان السياسي).

الإمام: شوف، السيد محمد احمد محجوب قطعاً إنسان ليبرالي، وقطعاً هذه المشاعر كانت عنده، لكنه لما كان في السياسة النشطة لم يعبر عنها بأية صورة من الصور. بالعكس لما كان في السياسة النشطة لما وقع خلاف بيننا في حزب الأمة، هو في الحقيقة الخلاف ليس بيني أنا وبين الإمام الهادي، الخلاف كان بين السيد محمد احمد محجوب والهيئة البرلمانية. السيد محمد احمد محجوب وهو زعيم الفكر الليبرالي أو أحد زعماء الفكر الليبرالي في السودان لما الهيئة البرلمانية لحزب الأمة قالت له : لا نثق بك، سحبنا الثقة منك ..

احمد منصور: الكلام ده بعدين..

الإمام: أيوة ما أنا بقولك ..ما أنا داير أقولك لما كان في السياسة النشطة ماذا قال؟ قال :أنا مسئول للإمام ولست مسئولا لكم  ..اللي هو يعزز فكرة هذه الوصاية الدينية أنه يتجاوز الهيئة البرلمانية ليحتمي بهذه العلاقة التي هو في كتابه ينتقدها.

احمد منصور: نعم.

الإمام: هو في سياسته النشطة العملية اتخذ هذا الموقف، بل طلب منه أن يكتب دستور لجناح الإمام، فكتب دستورا فيه أن يكون الإمام ليس راعيا زي ما كان اسم الإمام عبد الرحمن بل زعيم ليعزز السيطرة الأبوية على حزب الأمة.

احمد منصور: طب أنا هنا حتى يفهم المشاهد تشابكات السياسة السودانية، لا سيما وأن هناك خلط بين الزعامة الدينية والسياسية بين الأنصار والختمية وغيرها. هل يمكن باختصار شديد أن تقول لنا من هم الأنصار؟ ومن هم الختمية؟ باعتبارهما الطائفتين الدينيتين اللتين شكلتا حزبين سياسيين متنافسين إلى اليوم في السودان.

الإمام: بخلاصة بسيطة :الأنصار هم الذين استجابوا لدعوة الإمام المهدي (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنصَارَ للهَِّ).

احمد منصور: في مقاومة البريطانيين؟

الإمام: في مقاومة أشياء كثيرة جدا، في إحياء الإسلام وفي توحيد الأمة الإسلامية .. مفاهيم المهدية كده، لكن الإمام عبد الرحمن عندما بعثها بعثها بصيغة مختلفة وهي صيغة فيها قبول للتعددية وقبول للرأي الآخر واحتضان لمفاهيم ليبرالية. المهم حزب الأمة يعتمد أساساً على هذه القوى ولكن هي كتحالف مش الأنصار وحدهم.

احمد منصور: لكن الأنصار فضلوا أنصار حتى العام ۱۹٤٥ عند تأسيس حزب الأمة يعني هنا تحولت الحركة المهدية لحركة سياسية . حزبية في ۱۹٤٥

الإمام: الأنصار كأنصار موجودون ولكن صلتهم بالإمام مباشرة، ولكن حزب الأمة ممكن يدخل فيه أنصاري وغير أنصاري وحتى غير مسلم.

احمد منصور: ولذلك بقي الإمام عبد الرحمن إمام للأنصار وكان والدك رئيس حزب الأمة.

الإمام: أيوة وراعيا لحزب الأمة بمعنى الرعاية حاجة فضفاضة. الشاهد..

احمد منصور: زعامة روحية.

الإمام: عندما انقسم الخريجون – أول مجموعة ساهمت في الوعي السياسي في السودان كان مؤتمر الخريجين العام.

احمد منصور: سنة كام؟

الامام: سنة ۱۹۳۸ م وبعدين تطور إلى أن بقى قوة سياسية، وكتبوا مذكرة للانجليز في عام ۱۹٤۲ م. وهذا كان يجمع كل الخريجين، خريجون بمعنى أي مستوى، خريجين من كتاتيب وغيره يعني ما خريجيين جامعات وحدهم. الشاهد الخريجون هؤلاء كانوا متحدين حتى سنة ٤۲ ، ثم اختلفوا بعد ذلك حول العلاقة مع مصر ما بين من يريدون الوحدة ومن يريدون
الاستقلال. الذين كانوا يريدون الوحدة انضموا أو تعاونوا أو تحالفوا مع الختمية، والذين كانوا يريدون الاستقلال تحالفوا مع الأنصار، ومن هذا التحالف وبعد قبلي تكون حزب الأمة. ومن التحالف الآخر تكون الحزب الاتحادي.

احمد منصور: ومن هم الختمية؟

الإمام: الختمية هم أصلا من يتبعون المؤسس السيد محمد عثمان الميرغني، والسيد محمد عثمان الميرغني هذا في اعتقادهم أنه الختم أي خاتم الولاية وهو زعيم ديني زار السودان أثناء السلطنة الزرقاء يعني قبل الغزو العثماني للسودان.

احمد منصور : ۱۸۱۱م. ( ۱۸۲۱ ) .. يعني هنا الختمية ظهرت قبل المهدية؟

الإمام: بكثير، نعم. المهم لما قامت المهدية هناك طوائف دينية عارضتها منهم الختمية، وهناك قبائل عارضتها كذلك. فإذن تكونت هذه التحالفات القبلية والخريجين والدينية. فصار الأنصار يؤيدون حزب الأمة ومعهم آخرون ضمن الحركة الاستقلالية، والختمية يؤيدون الوطني الاتحادي ضمن عناصر أخرى غير ختمية.

احمد منصور: فضيلة الإمام أنا ذهبت كثيرا للسودان، تجولت في بعض المناطق، حاولت أن أفهم بعض التركيبات لكن السودان يعج بالحركات الصوفية.

الإمام: نعم.

احمد منصور:وتعتبر المهدية والختمية أيضا صوفية، ولكن لها مفهوم خاص بالصوفية.ممكن أسأل إيه مفهوم الصوفية في السودان وتأثيرها على الحياة السياسية؟

الإمام: السودان خالي من أي انقسامات طائفية بالمفهوم المشرقي، يعني ما فيش دروز، مافيش شيعة، ما فيش الانقسامات دي. الصوفية في السودان صوفية معتدلة، وسنية.

احمد منصور: بمعنى أيه؟

الإمام: يعني ما عندهاش مثلا…

احمد منصور: ما عندهاش خرافات وبدع؟

الإمام: لا عندها خرافات، لكن ما عندهاش وحدة الوجود، ما فيش آراء فلسفية. هو مشكلة الصوفية فيها الحلول ووحدة الوجود هناك معاني من هذا النوع .

احمد منصور: في تخريف…

الإمام: هي فلسفات منسوبة للشيخ ابن عربي، يعني هي فيها مفاهيم معتبرة فيها مغالاة.

احمد منصور: لكن السودانيين ليس عندهم هذا النوع منها.

الإمام: السودانيين التصوف عندهم سني ومعتدل إلى حد كبير ويعني..

احمد منصور: سلوك روحي وليس فلسفي.

الإمام: روحي وتربوي .وصحيح- شوف كل عقيدة دينية يدخل فيها المستوى العلمي والثقافي للمجتمع الذي هي فيه: فمن المجتمع السوداني نشأت خرافات كثيرة دبت في الجسم الصوفي نعم.

احمد منصور: ده بيقولوا- حتى منصور خالد في كتابه يقول: (إن الإسلام حينما دخل إلى السودان، السودانيون خلطوا مفاهيم الإسلام الصحيحة بعاداتهم أيضا).

الإمام: شوف- الصوفية عندهم تسامح، ولذلك هناك كثير من الممارسات يقبلونها. مثلا :الطبول والذكر وأشياء كثيرة غير موجودة لذلك بعض السلفية يكفرونهم لأنه بشوفوا الممارسات دي ما موجودة في التراث النقلي.

احمد منصور: كيف لعبت الصوفية دورا مشهودا في الحياة السياسية السودانية؟

الإمام: كثير جدا طبعا المهدي نفسه كان سماني تبع الطريقة السمانية وهناك طرق كثيرة في السودان :القادرية، والتيجانية، والسمانية، والأحمدية وهكذا…والمهدي كان سمانيا وأدخل كثيرا من المفاهيم الصوفية في دعوته، حتى يركز على أن كل الأحكام الإسلامية –كمفهوم الصوفية، عندها أغوار روحية .فالصوفية في السودان لعبت دوراً كبيراً في نشر الإسلام، وفي التربية، ولعبت دور كبير سياسي. بعضهم طور هذا الدور السياسي بصورة كبيرة وحادة وآخرون بصورة معتدلة.

احمد منصور: كثير من الذين يرصدون تاريخ السودان يقولون إن شخصية جدك الإمام عبد الرحمن المهدي لعبت دورا كبيرا في إعطاء الزخم السياسي لحزب الأمة وإعطاء الزخم السياسي في السودان حتى وفاته في العام ۱۹٥۹ م، لكن أيضاً كانت هناك اتهامات له بأنه كان عميلاً للبريطانيين. أبدأ معك الحلقة القادمة من الحديث عن جدك الإمام عبد الرحمن :علاقته بالبريطانيين،والشبهات التي أثيرت حوله، ودوره في الحياة السياسية في السودان .وأشكرك شكرا جزيلا كما أشكركم
مشاهدينا الكرام على حسن متابعتكم . في الحلقة القادمة ان شاء لله نواصل الاستماع إلى شهادة الإمام الصادق المهدي رئيس وزراء السودان الأسبق وإمام الأنصار وزعيم حزب الأمة القومي. وفي الختام أنقل لكم تحيات فريق البرنامج، وهذا احمد منصور يحييكم، والسلام عليكم ورحمة لله وبركاته.

 *** رصد وتحقيق المكتب الخاص للإمام الصادق المهدي

الجريدة

تاريخ بث الحلقة الثانية في قناة الجزيرة يوم الأحد 2 أغسطس 2015