الإمام الصادق المهدي في حوار الخاص والعام لــ(الصيحة) (2-2)

الإمام الصادق المهدي
الحبيب الإمام الصادق المهدي زعيم حزب الأمة القومي وإمام أنصار الله

 

أمثل تكتلاً في المعارضة يضم 21 حزباً

قضايا السودان صارت تبحث وأحياناً تبرم خارجه

السودان ليس وطناً نسكنه، لكنه وطن يسكننا

لن أعتزل المنابر الفكرية والسياسية ولدي رسالة

اقترحت على الرئيس البشير برنامجاً قومياً من عشر نقاط

عندي خمس طواقي دولية تشدني لنشاطات إقليمية ودولية

 

للمرة الثانية خلال ثلاثة أعوام يقضي الإمام الصادق المهدي شهر رمضان بالقاهرة بعيداً عن الديار والأنصار وبدا الإمام المهدي متحسراً هذه المرة على غربته لدرجة القول إنه يشعر بالغربة في أرض الكنانة (الصيحة) استنطقته في حوار يجمع بين الخاص والعام فخرجت بالتالي :

 

الجمعة 19 مايو 2018

 

حوار: عبدالرؤوف طه – الهضيبي يس

 

ماذا عن دور القوى السياسية المعارضة في هذا التوقيت؟

القوى السياسية صفة تنطبق على كل الذين يرفضون منح شرعية لنظام تأسس بانقلاب عسكري ما يجعل الانقلابية نهجاً مقبولاً للتغيير السياسي. كما تنطبق على الذين اعتبروا سياسات النظام مسؤولة عن تشويه الشعار الإسلامي بربطه بالاستبداد والإقصاء والتمكين. وتنطبق على الذين يعتبرون النظام مسؤولاً عن اتباع سياسات حتمت انفصال الجنوب. سياسات أشعلت الحرب الأهلية منذ 2003م في دارفور، سياسات أشعلتها كذلك في جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق. والذين يرون أن النظام اتبع سياسات دمرت الاقتصاد الوطني ورهنت الإرادة الوطنية لمحاور خارجية لا تخدم مصالح البلاد العليا. لذلك ينطبق صفة المعارضة على كل الذين يرفضون هذا النظام ويعملون من أجل نظام جديد، ومع اتفاق هؤلاء على هذا الهدف فإنهم يختلفون على وسائل تحقيقه.

إني أمثل تكتلاً في المعارضة يضم 21 حزباً ومنظمات مجتمع مدني، دعم كل الحركات المعارضة للنظام من منطلق سياسي أو مطلبي.

بعض هذه الأحزاب حركات مسلحة كانت في يناير 2013م تؤمن بتقرير المصير للمناطق المهمشة في السودان وتجعل من بين وسائلها إسقاط النظام بالقوة. ولكننا منذ إقناعهم بإعلان باريس في أغسطس 2014م اتفقنا على التخلي عن تقرير المصير من الأهداف وعن إسقاط النظام بالقوة من الوسائل. والآن طرحنا للاتفاق الجامع عهداً لبناء الوطن ملحقاً بسياسات بديلة في كل المجالات ونسعى لجمع أكبر صف من أحزاب ومنظمات مجتمع مدني وأفراد لتأييد هذا العهد.

ونخطط لتحرك مدني سلمي ينظم اعتصامات في ألف موقع داخل وخارج السودان، يحشد الجماهير في هذه الاعتصامات، وسوف ترفع لافتات فيها كلمات مختصرة وواضحة: أيها النظام الانقلابي لقد فشلتم ودمرتم البلاد تنحوا وسلموا السلطة للشعب.

سوف نحشد لهذا الموقف أوسع قوى فكرية، وسياسية، ومدنية، ونسعى أن تباركها الأسرة الدولية التي مهما تعاملت مع النظام الحاكم بحكم الأمر الواقع لن تمنحه شرعية لسوء سجله في حقوق الإنسان، ولملاحقة المحكمة الجنائية الدولية لقيادته فلا تصافحها الوفود الدولية الزائرة للبلاد وعندما تزور أية دولة فيها قضاء مستقل تلاحق بغية اعتقالها. هذا ما نحن بصدده.

 

لماذا أنت في القاهرة والسودان يشهد ظروفاً استثنائية؟

صحيح السودان يشهد ظروفاً استثنائية، لقد خرجت قبل ثلاثة شهور تلبية لدعوة من السيد ثامبو أمبيكي في أديس أبابا وكما قد تعلم فأنا عندي خمس طواقي دولية تشدني لنشاطات إقليمية ودولية وفي هذه الفترة زرت إثيوبيا، وفرنسا، وبريطانيا، وباكستان، والأردن، وجزر المالديف، ومصر. مصر بلد يشعر فيه السودانيون خارج وطنهم بوطن آخر.

كما تعلم قضايا السودان بسبب عجز حكامه صارت تبحث وأحياناً تبرم خارج السودان، وكل الاتفاقيات التي أبرمها هذا النظام تحمل أسماء خارج الوطن: مشاكوس، ونيفاشا، وأبوجا، والدوحة، وأديس أبابا. والدول المهمة كلها عينت مبعوثين خاصين للسودان لكي يتحركوا خارج النظام البروتوكولي. وسياسات النظام جعلت السودان لأول مرة في تاريخه موضوع قرارات مجلس أمن تحت الفصل السابع الذي يصنفه خطراً على الأمن والسلام الدوليين. الواقع الذي صنعته إخفاقات النظام هو الذي جعل شؤون السودان إلى حد كبير تدار خارج الوطن. ومع ذلك فأنا بعيد عن الوطن جغرافياً مشدود إليه لأنه يجري في دمي. وسوف أعود سرعان ما أحضر اجتماعات مبرمجة حضوري لها مهم.

 

ما حقيقة أن وجودك بالخارج هروب من مواجهة أزمة الداخل؟

لا، وجودي في الخارج كما أوضحت الإجابة أعلاه ليس هروباً فالسودان ليس وطناً نسكنه، لكنه وطن يسكننا وكما جاء في البردة الجديدة:

وسنة الله في الأحباب أن لهم وجهاً يزيد وضوحاً كلما ابتعدا

لو تابعت اجتماعاتي ونشاطاتي ومحاضراتي ومقالاتي المستمرة لأدركت أنني حاضر في الشأن السوداني بصورة أقوى كثيراً من قوم يعيشون في السودان الآن ولكن بينهم وبين قضاياه وهموم أهله طلاق بائن.

 

تظل المعارضة تتحدث عن تغيير، دون رؤية خطوات ملموسة؟

فيما قلت لك رداً على السؤال الأول ما بين الخطوات الملموسة التي نخطوها.

 

في تقديرك لماذ يسعى الحزب الحاكم بالسودان إلى حسم معركة الانتخابات لعام 2020م من الآن؟

الحزب الحاكم الآن بشهادة أهم المفكرين الذين ساندوا الانقلاب مفلس تماماً فكراً وبرنامجاً وإن كان ثرياً من الأموال العامة المجنبة. وهذا طبعاً فساد. وإثارة الحديث عن انتخابات 2020م ملهاة سياسية يلوكها قادة النظام وتذكرني بتلك السيدة التي تطمئن أولادها الجياع بحلة ملأتها ماء وحصى وشدتها في النار! الذين صدقوا أن في هذه الحلة ما يسمن أو يغني عن جوع هم دراويش سياسة. الإمام المهدي عرف درويش بالذي لا يعرف مصلحته. وما معنى الحديث عن انتخابات والواقع الأمني، والاقتصادي، والدولي يجعل الوطن في حالة احتضار؟ هذا مثل حشاش بدقنو أو الذي يحسب أنه يمتلك ألف جرادة طائرة. الأولوية اليوم لأزمات آنية لا يمكن أن يلهى من يده على الجمر عنها. ما معنى أن تقول لشخص يوشك على الغرق: الشهر القادم سوف نزفك لتاجوج؟

لكي يستحق الإجراء أن يسمى انتخابات ينبغي أن تتوافر سبعة شروط حددناها في خطابات سار بذكرها الركبان. فإذا تخلفت تلك الشروط فإن أية إجراءات تسمى انتخابات كلمة حق يراد بها باطل.

هناك سبب ذاتي لإثارة هذا الموضوع الانصرافي وهو أن بعض الناس في المؤتمر الوطني وبعض الشباب العاطل أرادوا التزلف لرئيس الجمهورية لنيل منافع غير مستحقة.

 

هل من محاولات للبحث عن معادلة سياسية جديدة للأزمة السودانية؟

لم يعد هناك شك بين عقلاء الوطن باختلاف أفكارهم وأحزابهم أن أزمات البلاد تتطلب إبرام سلام عادل شامل، وإقامة حكم انتقالي قومي يطبق برنامج إصلاح اقتصادي اتضحت معالمه، ويكفل الحريات العامة، ويعقد مؤتمراً قومياً لكتابة الدستور، ويجري عدالة انتقالية للحقيقة والإنصاف، ويرد للسودان دوره في العلاقات الخارجية المبرأ من العدائية ومن التبعية في العلاقات الدولية، والمبرأ من المحورية البلهاء في العلاقات الإقليمية، ويسترد دور السودان التوفيقي في إطفاء نيران الفتنة بين الأشقاء في عوالمنا العربية، والإسلامية، والأفريقية.

 

كيف تنظر إلى دعوات البعض لخروج السودان من التحالف العسكري العربي بقيادة السعودية في حرب اليمن؟

منذ تأزم الموقف في اليمن أدنت إجهاض حركة الربيع العربي، ثم أدنت فرض حل من جانب واحد. وقلت وأكرر إن دور السودان التاريخي كما حدث في أكثر من مناسبة عربية هو العمل من أجل وفاق الفرقاء. حدث هذا ما بين مصر والمملكة العربية السعودية ما بين الملك فيصل والرئيس عبد الناصر رحمهما الله، وحدث ما بين المملكة الأردنية الهاشمية وحركة التحرير الفلسطينية، وما بين إيران والعراق في حرب 1980-1988م. هذا هو دورنا التاريخي بل واجبنا الإيماني (وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ۖ) . هذه الحرب ضارة بكل أطرافها، ولا تفيد إلا تمدد الأنشطة الإرهابية والتدخل الدولي في الشؤون العربية والإسلامية. والآن هناك عدد كبير من العلماء والمفكرين والساسة وأنا منهم بعد أن تأكد أن الجامعة العربية عاجزة سوف نقوم بمبادرة لوقف إطلاق النار وتقديم مشروع صلح عادل.

 

ماذا عن المترتبات اقتصادية واجتماعية المتوقعة حال استمرار الوضع كما هو عليه الآن بالسودان؟

نعم إن أوضاع السودان المأزومة أمنياً واقتصادياً واجتماعياً يمكن أن تؤدي لانهيارات أو مغامرات غير محسوبة العواقب. ما جعل كثيراً من الحادبين حتى من خارج القوى السياسية يتقدمون بمبادرات لإيجاد مخرج وهبوط آمن بدل حادث مدمر. ومن يتابع الأخبار ووسائط التواصل الاجتماعي يشهد ما لا يقل عن 10 مبادرات من حادبين لإيجاد مخرج وطني، بعضها واقعي، وبعضها رومانسي، ولكن كلها تتفق على وضع حد لما عليه السودان الآن.

 

هل بقاؤك بالخارج حقا يتيح لك حرية التحرك والتعبير أكثر من الداخل؟

عندما كنت بالداخل تحركت في أكثر من مجال، وخاطبتُ اجتماعات كثيرة، وطفت بسبع ولايات، بل اعتقد أن حركتنا الفكرية والسياسية عبرت عن شرعية دستورية لم يستطع النظام الانقلابي مهما اجتهد محوها.

وكما هو معلوم هذه الأنشطة جلبت لي التحقيقات والاعتقالات فقد بلغت اعتقالاتي في ظل هذا النظام أكثر منها في أي نظام آخر، أكثر عدداً لأطول مدة. ولكن هذا الكيد اعتبره نعمة خفية لأنها تكسب صاحبها ثقة شعبية ومحبة لا سيما وهم يعلمون أنني من أجل مبادئ يؤيدونها لم أقبل أية وظائف مهما علت.

وفي الخارج واصلت الأنشطة الفكرية، والسياسية، والتعبوية، والدبلوماسية؛ يعني الموقع داخل أوخارج السودان لا يؤثر في حقيقة دينامية الحركة.

 

متى سوف تعتزل المنابر السياسية؟

لن اعتزل المنابر الفكرية والسياسية فعندي رسالة، ولكنني أرتب لاعتزال المنابر الحزبية للانصراف لأنشطة فكرية، ثقافية، قومية، إقليمية، دولية، واهتمام كبير ببناء مؤسسة اقتصادية. هذه الخطة مبرمجة الآن وسوف يرتبط تنفيذها بالمؤتمر العام الثامن الذي يجري الإعداد له حالياً.

 

حال لقائك بالرئيس البشير الآن أهم النصائح والرسائل التي بإمكانك أن تبعثها له؟

قبل اندلاع الحرب في منطقتي جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق التقيت الأخ البشير لقاءً ثنائياً، وكانت الأمور مأزومة وكان قد أمضى في السلطة أكثر من عقدين، تاريخ اللقاء مارس 2011م. ومع الأزمات القائمة كانت نذر الحرب في المنطقتين في الأفق. قلت له: الأخ الرئيس تجنباً لما قد يحدث من مضار للبلاد اقترح عليك برنامجاً قومياً من عشر نقاط حددتها. واقترح أن تحتل مكاناً تاريخياً بدعوة أشخاص حددتهم، وأن تبلغهم موافقتك على البرنامج القومي، وأنك توافق أن ينفذه رئيس وفاقي اقترحت له كيفية اختيار هذا الرئيس الوفاقي. وسلمته هذه المقترحات في رسالة مكتوبة. ولكنه لم يستجب لها.

إذا لقيته كما اقترحت فإن نصيحتي له سوف تكون، أنت تعلم أنني كنت ضحية انقلابكم، وكانت إعلاناتكم كأن الانقلاب ضد شخصي لا ضد الائتلاف الحاكم. مع ذلك كنت مستعداً أن أتجاوز عن المرارة ووجدتم في جيبي لدى اعتقالي في 5/6/1989 خطاباً لكم اقترح أساساً لتجاوز المواجهات والتركيز على إيجاد مخرج قومي للبلاد. أهملتم المذكرة وكان ما كان.

وأنت تعلم أنه عندما لغم بعض المعارضين العاصمة لتفجيرها بآليات حديثة أنني أوقفت ذلك بحزم.

 

(مقاطعة) وماذا حدث بعدها؟

في مايو 2014م اجتمعت الهيئة المركزية لحزب الأمة القومي وذكر الأعضاء مخالفات المؤسسات وباسمهم أعلنت أن هذه المخالفات ينبغي التحقيق الوطني فيها وإحقاق الحق قبل أن تأتي مساءلات دولية بشأنها، هذا الموقف الواضح قوبل من جانبكم ببلاغ كيدي تحت المادة”50″ لاعتقالي باعتبار أنني دعوت لإسقاط النظام بالقوة.

وأنت تعلم أننا اعترضنا على ميثاق الفجر الجديد الذي تبنته الجبهة الثورية السودانية لما فيه من إسقاط النظام بالقوة وتقرير المصير للمناطق المهمشة. ولكن بالتواصل الأخوي اقتنعت معنا فصائل الجبهة الثورية كلها بإعلان باريس في أغسطس 2014م، الإعلان الذي فيه إعلان والتخلي عن إسقاط النظام بالقوة وعن تقرير المصير. وبدل أن يرحب نظامكم بهذا الفتح رميتم الاجتماع والإعلان بحديث كيدي أن الاجتماع في باريس تدبير إسرائيلي بهدف احتلال الفاشر!

ولدى حضوركم لقاء القمة الأفريقية في جنوب أفريقيا وقرار المحكمة الدستورية فيها باعتقالك بأمر المحكمة الجنائية الدولية. وأجمع المعارضون أن هذه فرصة للخلاص منك. أنا باسم حزب الأمة القومي قلت لا. صحيح نحن مع المحكمة ونراها تطوراً دولياً حميداً لصالح المظلومين ولكن مثل هذا الاعتقال يعرِّض البلاد لاضطرابات فنحن نريد التوفيق بين العدالة والمساءلة. صحيح وجد لكم الرئيس جنوب الأفريقي مخرجاً غير قانوني عرضه للمساءلة السياسية والقانونية فيما بعد.

وأنت تعلم الدور البناء الذي قمنا به لتوقيع نداء السودان لخريطة الطريق في أغسطس 2016م.

وتعلم أنني لم أقبل رئاسة نداء السودان إلا بعد تأكيد وسائله السلمية لتحقيق أهدافه ما نص عليه إعلان دستوري للنداء. واتفقنا أن الفصائل المسلحة سوف تستمر كذلك إلى أن يبرم اتفاق سلام عادل شامل، ولكن لا لاستخدام السلاح لإقامة النظام الجديد المنشود. ولو نظرتم للموضوع من زاوية عقلانية ووطنية لاعتبرتم أن موقفي هذا سوف يساهم في استمرار كافة فصائل النداء الالتزام بالوسائل الخالية من العنف لتحقيق الأهداف، ولكن أجهزتكم لم تجد في هذه الإيجابيات فرصة وطنية كما ينبغي بل ألفت بلاغات كيدية ما أنزل الله بها من سلطان.

ولكن يا أخي السودان في خطر، وأنتم قد اتخذتم تدابير لحماية أمنكم داخلية وخارجية هي من المخاطر على الأمن القومي السوداني.

لقد أعرضت عن مذكرتي لك في مارس 2011م، ولكن الآن الاستجابة لها باعتماد برنامج خلاص وطني قومي تنفذه حكومة برئاسة رئيس وفاقي صارت أوجب الواجبات يمنحك فرصة تاريخية لتحقيق نجدة للوطن والتكفير عما أصابه.

إذا أقبلت على هذا الموقف فسوف تجد تجاوباً قومياً بلا حدود.

والله من وراء القصد.

 

 

الصيحة