الخلاص الوطني من التصحر

الحبيب الإمام الصادق المهدي رئيس حزب الأمة القومي وإمام الأنصار المنتخب ورئيس الوزراء الشرعي للسودان ورئيس المنتدى العالمي للوسطية والفائز بجائزة قوسي للسلام لعام 2013 وعضو المنظمة العربية لحقوق الإنسان وعضو نادي مادريد للحكماء الديمقراطيين
الحبيب الإمام الصادق المهدي رئيس حزب الأمة القومي وإمام الأنصار المنتخب ورئيس الوزراء الشرعي للسودان ورئيس المنتدى العالمي للوسطية والفائز بجائزة قوسي للسلام لعام 2013 وعضو المنظمة العربية لحقوق الإنسان وعضو نادي مادريد للحكماء الديمقراطيين

الجمعية السودانية لمكافحة التصحر

 بالتعاون مع حزب الأمة القومي

وقفة لمكافحة التصحر في السودان

في إطار الاحتفال باليوم العالمي لمكافحة التصحر

تحت شعار: ” الترب السليمة لازمة لدعم و استدامة الحياة”

“Healthy soils sustain life”

الأربعاء 27 يونيو 2012 بدار حزب الأمة القومي

ورقة: نهج الخلاص الوطني من التصحر

الإمام الصادق المهدي

مقدمة

لا أجد في معجم عبارات الإشادة كلمات كافية لتقدير قيام الجميعة السودانية لمكافحة التصحر بدق ناقوس خطر التصحر ودوره في تعويق التنمية المستدامة ودور الإنسان في صنعه، والاتصال بنا للتعاون معها في بث الوعي بالقضية وخطرها على مستقبل البلاد، ولكي نقوم بالمرافعة المنشودة عن هذه القضية المفتاحية.

حزبنا يعتبر التصدي للقضايا القومية أوجب واجباته، ومن هذا المنطلق فإننا لا ندخر جهدا في بث الوعي بقضية مكافحة التصحر وبأهميتها للتنمية المستدامة وبأولويتها في سلم الهموم الوطنية.

أقول:

أولا: الكون كله كتاب الله المنظور وهو ليس وجودا عبثيا أو عشوائيا بل آية إلهية (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ) [1]. الطبيعة، وهي الأرض، والماء، والفضاء، والغطاء النباتي والحيواني، والمناخ، ونحن البشر جزء منها تنطبق علينا سننها الفيزيائية، والكيميائية، والبيولوجية، ولكننا مع ذلك وجود مفارق لها، مفارق لها لثلاثة أسباب: نحن مستخلفون عليها، وهي مسخرة لنا، ونحن نملك إرادة حرة بحيث نستطيع الإصلاح كما نستطيع الإفساد.

قوانين الطبيعة هي أدوات تسخيرها، وهي متاحة للبشر كلهم فمن استطاع اكتشاف قوانينها استطاع تسخيرها مؤمنا كان أو كافرا. إذا نحن أحسنا القيام بواجب الاستخلاف واكتشفنا قوانين التسخير استطعنا التعمير والتنمية: (هُوَ أَنشَأَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا) [2] أي جعلكم عمارها.

ولكننا معشر البشر لما منحنا من إرادة حرة (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا) [3] و(وقل الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ) [4]، إلى سائر الآيات حينئذ يقع الفساد والإفساد: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ) [5].

سئل النبي صلى الله عليه وسلم : “أَرَأَيْتَ رُقًى نَسْتَرْقِيهَا وَدَوَاءً نَتَدَاوَى بِهِ وَتُقَاةً نَتَّقِيهَا، هَلْ تَرُدُّ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ شَيْئًا؟” قَالَ: “هِيَ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ” [6]. أي أن كسب عقولنا وتجاربنا ومواهبنا هو من إرادة رب العالمين.

ثانيا: التصحر هو فقدان التربة لمقوماتها الطبيعية بحيث تصير جدباء، إنه طاعون الأرض، ومن نتائجه المباشرة تدمير رأس المال الطبيعي وفقدان إنتاجية الموارد الطبيعية في كافة المجالات الزراعية والرعوية والغابية والحيوانية. إن للتصحر أسبابا طبيعية أهمها الجفاف والاحتباس الحراري. بعض الناس يعتبر الجفاف قدرا مقدورا لا يستطيع الإنسان أن يؤثر فيه، وكثيرون يستدلون بآية مفاتح الغيب. قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) [7]. لقد استشهدت بهذه الآية دليلا على إعجاز القرآن، ففي ثلاثة أمور أكدت الآية أن علمها عند الله وحده: علم الساعة، وما تكسب النفس غدا، وبأي أرض تموت. أما إنزال الغيث وعلم ما في الأرحام فإنه تعالى قال إنه يعلمها ولكن لم يقل إنه لا يعلمها غيره. الإنسان يستطيع بوسائل معينة استعادة البيئات المطيرة. مثلا: الحصاد المائي على أوسع نطاق ما يزيد نسبة رطوبة التربة، وحصاد الضباب في الصحارى الساحلية.

ولكن أهم أسباب التصحر بشرية، وعلى رأسها الاستخدام المفرط للموارد الطبيعية، مثل: الرعي الجائر، فلأسباب كثيرة يمكن أن يكون حجم الثروة الحيوانية أكبر من المراعي المتاحة ما يسبب الرعي الجائر؛ والقطع الجائر للأشجار لأغراض الاحتطاب، أو التوسع الزراي العشوائي، أقول العشوائي لأن التوسع الزراعي المخطط يراعي معالجة أسباب التصحر باتباع دورات زراعية وبإقامة مصدات الرياح.

ثالثا: إن التعامل المسئول مع الموارد الطبيعية واجب ديني في الإسلام ومن أهم مطالب الاستخلاف، قال تعالى (وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْزُونٍ) [8]. وقال النبي صلى الله عليه وسلم “لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ ” [9] وقال: (مَنْ قَطَعَ سِدْرَةً صَوَّبَ اللَّهُ رَأْسَهُ فِي النَّارِ) [10]. ومن التعليمات الصارمة في القتال تجنب سياسة الأرض المحروقة.

لكن أمتنا تاريخياً غيبت هذه المهام وما نشهد الآن من وعي بيئوي في العالم منسوب للحضارة الحديثة.

في الثمانينات من القرن الماضي دق نادي روما ناقوس خطر حول التعامل غير المنضبط مع الموارد الطبيعية. ثم توالت المؤتمرات الدولية المعنية بسلامة البيئة مثل: قمة الأرض في 1992م وتتالت مؤتمرات دولية أخرى في في عام 2000م وفي عام 2005م و2009م و2012م.

وفيما يتعلق بقضية التصحر فقد أدرك العالم أن أكثر من 250 مليون شخص يعيشون في مناطق تمر حالياً بمرحلة التصحر، وأن أكثر من بليون شخص يعيشون في مناطق معرضة للخطر، وأن 203 الف كم² في العالم تتحول سنوياً لصحراء. لذلك اهتمت كافة المنظمات الدولية المعنية بمسألة التصحر وأصدرت الأمم المتحدة أهداف الالفية الثمانية وينص أحدها على سلامة البيئة كما أصدرت الأمم المتحدة اتفاقية مكافحة التصحر وألزمت الدول بواجبات محددة. وبثت الأمم المتحدة وعياً شاملاً يلزم الكافة بمقاييس محددة بهدف التنمية المستدامة وهي: التنمية التي توفر احتياجات الأجيال الحاضرة دون التأثير على قدرة الأجيال القادمة على توفير احتياجاتها.

واتخذت البرامج الدولية مقاييس ترتب الدول حسب التزاماتها بقواعد التنمية المستدامة، إنها مقاييس للأسف تضع السودان في هذا المجال كما في مجالات دولية أخرى بين دول المؤخرة.

السودان اليوم يحتل مكانة مسيئة بين دول العالم في مؤشرات الفساد- وفي عدد النازحين- واللاجئين- وفي الملاحقات الجنائية- وفي الغفلة البيئية.

رابعا: تدل الاحصاءات أن 63% من أراضي السودان تتعرض للتصحر بينما 30% من أراضيه متصحرة فعلاً.

هذا يعني أننا أمام خطر كبير لا يجد الاهتمام المناسب له.

صحيح توجد اتفاقية دولية لمكافحة التصحر، والسودان مصادق عليها. ويوجد قانون وطني سوداني لنفس الغرض. ولكن هذه القوانين غير نافذة. والمجلس المنسق لمشاريع مكافحة التصحر ودرء آثار الجفاف غير قادر على التنسيق ولا المتابعة. وكل وزارة أو إدارة تنسق مشاريعها دون تنسيق. ولا يوجد تكامل بين مشروعات مكافحة التصحر وخطة التنمية الوطنية، وانهارت مشاريع كثيرة بعد انتهاء فترتها وانسحاب الدولة المانحة إذ اعتمدت هذه المشاريع على التمويل الخارجي.

الحقيقة أن الخطة القومية السودانية لمكافحة التصحر حالياً لا تنفذ وأهم العقبات أمام ذلك: ضعف التنسيق، وقلة الكوادر المدربة، ونقص التمويل إذ أن التمويل المطلوب لجسامة المسألة يفوق ميزانية الدولة السودانية.

بعض الغافلين لا يدركون خطورة مسألة الجفاف والتصحر وأثرها البيئي في دمار الموارد الطبيعية، وأثرها الاقتصادي في خفض انتاجية الموارد الطبيعية، وأثرها السياسي في حدة التنافس على الموارد.

كثيرون يغيب عليهم الاتئلاف الشيطاني بين نقص الموارد وانهيار الأمن، والجفاف والتصحر من أهم أسباب نزاع دارفور الذي نشب في أواسط وغرب الإقليم. وسوء إدارة الأزمة هو الذي حولها لاقتتال أهلي بلغ الآن أكثر من عشر سنوات. إن للحالة الأمنية المتردية حالياً أثراً خطيراً على صراع الموارد فالحالة الأمنية تعرقل الأنشطة الاستثمارية في دارفور وفي جنوب كردفان وفي جنوب النيل الازرق وغيرها من المناطق، والتوتر بين دولتي السودان من شأنه أن يمنع رعي القبائل السودانية المعتاد في أراضي جنوبية فإن حدث هذا بحجم كبير كما يتوقع فإنه سوف يجعل كثيراً من الرعاة يعتدون على أراضٍ زراعية ما يسبب نزاعات حادة.

إن زيادة سكان السودان المشاهدة من 10 مليون في عام 1956م إلى 40 مليون الآن. وزيادة حجم الثروة الحيوانية البالغة الآن حوالي 133 مليون مع تناقص الموارد الطبيعية بسبب الجفاف والتصحر يسبب مشاكل اقتصادية، وسياسية، وأمنية ومن تشاغل عن هذا الخطر الداهم بقضايا أخرى أكثر إلحالحاً آنياً إنما يتشاغل بأزمة صحية مؤلمة عن السرطان الذي يقتل ببطء.

خامسا: ما العمل؟ أولى المهام هي التشخيص الصحيح للحالة بصورة توضح حجم المشكلة وتكشف عن خطورتها وخطورة تداعياتها. هذه مهمة تستطيع الجمعية السودانية لمكافحة التصحر ومن على شاكلتها من المنظمات المعنية بالبيئة أداءها بكفاءة عالية.

المهمة الثانية هي كتابة الروشتة المكونة من الوصايا العشرة الآتية:

• ضبط الاستثمار والتنمية الزراعية ما يراعي اتباع الدورات والمصدات الرياحية والتخطيط التنموي الزراعي المحكم.

• تخطيط مناطق المراعي والتوسع في زراعة نباتات رعوية رشاً لبذورها بالطائرات لتكثيف وتوسيع المراعي.

• تحريم القطع العشوائي للأشجار والتوسع في التشجير بما يعادل ترليون شجرة من أنواع محددة.

• الالتزام بإدارة قومية للموارد المائية تحكم العرض والطلب وتستخدم الوسائل الحديثة في الري الزراعي وتحقق أعلى درجة من حصاد المياه.

• التوسع في استخدام الطاقة النظيفة وتوجب أمرين:

– استخدام الطاقة الشمسية على أوسع نطاق لكافة الأغراض المنزلية.

– وكذلك الطاقة الكهرومائية وفي هذا الصدد بالإضافة لزيادة إنتاجها في البلاد تستورد من أثيوبيا بموجب ما اقترحناه حول سد الألفية الجديد.

• أن توضع خطة قومية واسعة تشمل كافة النقاط المعنية تشرف على تنفيذها هيئة قومية ذات صلاحيات واسعة لمكافحة التصحر ودرء آثار الجفاف وأن تشارك فيها الوزارات المعنية: الزراعة- البيئة- الثروة الحيواينة- المجلس الأعلى للبيئة- الإدارات الزراعية المختلفة- منظمات المجتمع المدني المعنية- القوى السياسية الشعبية. وأن تكون لها صلاحيات لجذب الموارد الدولية المعنية وفي هذا الصدد هنالك مصادر كثيرة: برنامج الأمم المتحدة الانمائي، صندوق التعويض عن آثار الاحتباس الحراري، البرامج التنموية الثنائية لدى الولايات المتحدة والاتحاد الاوربي وغيرها وأن تتوثق صلة هذا المجلس بالسلطات الولائية والمحلية.

• تكوين صندوق قومي تغذيه موارد حكومية، ومدنية، ودولية، لتنفيذ خطة مكافحة التصحر وآثار الجفاف.

• تطوير التشريعات المطلوبة للتمكين من تنفيذ هذه الإستراتيجية.

• وضع برنامج إعلامي واسع النطاق للترويج للخطة الاستراتيجية.

• إدخال موضوع سلامة البيئة ومكافحة التصحر ودرء آثار الجفاف في موارد التعليم في كل مراحله.

سادسا: هذه الندوة يمكنها أن تقوم بمحو أمية بيئية واسع النطاق وتنشر كذلك التشخيص الصحيح لمسألة التصحر وآثار الجفاف وأن تبشر بالوصايا العشر روشتة الفلاح في مكافحة التصحر ودرء آثار الجفاف.

سابعا: هذا النهج ضروري ولكنه ليس كافياً فلا يرجى أن يحقق مقاصده ما لم تتحقق الإصلاحيات الآتية:

• تحقيق السلام العادل الشامل فبدون السلام تتحطم كافة المشروعات.

• تتحقق الحوكمة الراشدة أي التي تقوم على المشاركة والمساءلة والشفافية وسيادة حكم القانون.

• توضع خطة تنموية قومية بموجب مؤتمر اقتصادي جامع.

• تتحقق للسودان علاقات إقليمية ودولية واصلة وإيجابية لأن تكنولوجيا وتمويل الإصلاح المنشود لن تتحقق دون تعاون دولي واسع.

• هذا كله لا يتحقق إلا في إطار النظام الجديد الذي ما فتئنا ندعو له والذي يبنى على أجندة وطنية محددة وطاقم حكم قومي متفق عليه، نظام يقوم على إجماع شعبي ويفتح صفحة جديدة إقليميا ودوليا تتيح لنا تحقيق المطلوب بالاستفادة من الأموال المرصودة في الصناديق الأوربية والأمريكية وغيرها من البلدان الملوثة للبيئة لصالح البلدان المتضررة من التلوث.

ختاماً: ارجو أن تجد هذه المرافعة قبولاً لأنها ضرورية لخلاص الوطن. ولانقاذ أرضنا أرض جدودنا ومنبت رزقنا:

سألتُ الأرضَ لِمْ جُعِلَتْ مُصَلّىً

ولِم صارت لنا ذُخراً وطِيبَا

فقالتْ غَيْــرَ ناطِقَــةٍ لأنّي

ضممتُ لِكُلِّ إنسـانٍ حبيبـا