السودان على صهوة جواد التاريخ

علم السودان

بسم الله الرحمن الرحيم

 السودان على صهوة جواد التاريخ

 

دول الأمة العربية عامة تقع خارج التاريخ الذي يتطلب فكرياً توفيقاً بين الأصالة والمعاصرة، وسياسياً حوكمة تقوم على المشاركة، واقتصادياً تنمية توطن التكنولوجيا الحديثة وتوفر التمويل لمؤسسات دولة حديثة، وتقيم علاقات دولية ذات قرار مستقل. النظم الحاكمة التي لا تتوافر فيها هذه العوامل نظم تنتمي لحقب ماضية وتعتبر خارج التاريخ المعاصر. فيما يلي نسرد الدروس المستفادة من التجربة السودانية المعاصرة.

  1. بالقياس لدول ذات ظروف مشابهة في آسيا وأفريقيا فإن العالم العربي من حيث استبداد الحكم، والعيوب التنموية والخضوع للأجنبي إذا قورن بأحوال الآخرين في آسيا وأفريقيا فإنه متخلف.

في عام 2002م نشر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي تقريراً كتبه خبراء من العالم العربي وثق لوجود نمو في العالم العربي دون تنمية بشرية وغياب الحوكمة الرشيدة.

وفي عام 2007م قام نادي مدريد وهو منظمة غير حكومية مكونة من “111” رؤساء دول ورؤساء حكومة سابقين منتخبين قام النادي بتنظيم حلقات دراسة للأوضاع السياسية في ست دول عربية. ثم دعا ممثلين لـ “19” دولة عربية لمؤتمر في منطقة البحر الميت “الأردن” وفي يناير 2008م صدر عن هذا المؤتمر إعلان البحر الميت وفحواه أن بين الحكومات العربية وشعوبها توتر وتباين ما يوجب إجراء حوارات بهدف تحقيق حوكمة راشدة تقوم على المشاركة في الشأن العام وإلا فالمنطقة مرشحة لانفجارات سياسية.

  1. المقارنة تكشف أن دولاً إٍسلامية في آسيا تمارس حوكمة المشاركة والمساءلة – مثلاً- في ماليزيا، وفي أندونيسيا، وتركيا، وباكستان، وحتى في إيران مع القيد المذهبي تمارس حوكمة معتمدة على المشاركة وقابلة للتطور كما ظهر في انتخابات الرئيس حسن روحاني وفي أفريقيا كذلك تجارب حكم المشاركة كما في جنوب أفريقيا، ونيجريا، والسنغال، وغانا، وهلم جرا.
  2. هذه الخلفية تفسر انطلاق ثورات الربيع العربي منذ عام 2010م. ولكن تلقائية هذه الثورات كما في تونس ومصر أفقدها وجود برنامج بديل ووجود قيادة مستعدة لبناء الوطن.

نفس موجة الربيع العربي امتدت لدول أخرى ولكن قياداتها استعدت لصد موجة الربيع العربي مما أدى لحروب أهلية ولتدخلات أجنبية لإبطال الثورة.

  1. الموقف العربي اليوم باستثناءات قليلة يتسم بصفات كريهة: حكم يقوم على الطغيان، واقتصاد معتمد على الخارج ومرتبط بوضع اجتماعي ظالم لأغلبية السكان، وعلاقات خارجية قائمة على التبعية.
  2. السودان الآن جزء من هذه المنظومة البائسة ولكن عاملين أورثا الشعب السوداني حيوية سياسية هما:
  • للإسلام دور كبير في مكون الهوية الوطنية في السودان. لقد دخل الإسلام للسودان سلمياً وتمدد من القاعدة الشعبية دون عامل لدولة مركزية مما جعل للمجتمع حيوية. انتقال السلطة من الامبريالية للسلطة الوطنية جرى عن طريق آليات ديمقراطية حافظت عليها القوى الوطنية الخالفة. في ضوء هذه الحوكمة الديمقراطية نشأ مجتمع سياسي تعددي من أحزاب سياسية، ونقابات، ومنظمات مجتمع مدني.
  • نظم الحكم الديمقراطي في السودان تعرضت لعوامل الحكم الاستبدادي الشرق أوسطي فأقام رواده نظماً استبدادية ولكن الأشواق الديمقراطية والموروثات جعلت النظم الشرق أوسطية هذه عرضة للثورة عليها. هكذا وقعت الثورة الأولى ضد النظام الانقلابي الأول في عام 1964م. ثم الثوة ضد النظام الاستبدادي الثاني في 1985م. والنظام الاستبدادي الحالي منذ قيامه في 1989م واجه مقاومات مسلحة وانتفاضات مدنية في 1990، وفي 1996، وفي 1998م، وفي 2006م، وفي 2012م، وفي 2013م، وفي 2018م.
  1. رغم المقاومة المدنية هذه والمقاومة المسلحة التي سوف نذكر تفاصيلها لاحقاً فإن التجربة الدكتاتورية الراهنة حققت لنفسها استمراراً طويلاً لثلاثة أسباب هي: الانقلاب العسكري الذي أقامها كونته ودعمته حركة سياسية ذات خبرة في العمل السياسي والتوغل الاجتماعي. ثانياً: استغلال الشعار الإسلامي في مجتمع مشرب بأشواق إسلامية. ثالثاً: الاستفادة الانتهازية من علاقات خارجية وظفت لدعم النظام. ولكن مع طول عمر النظام واستخدام سياسة البطش أورث النظام بغضاً شعبياً عميقاً، والشعار الإسلامي انكشف زيفه، وغياب نهج اقتصادي رصين أدى لإخفاق غير مسبوق لإدارة الاقتصاد الوطني، والتقلب الانتهازي بين المحاور الخارجية أفقد النظام المصداقية.

والنهج الاقصائي المؤدلج أفاد حركة المقاومة المسلحة بقيادة د. جون قرنق إذ عاد عليها بتأييد داخلي أوسع وتعاطفاً خارجي، حتى قال د. قرنق يستحق قادة النظام أن نقيم لهم تماثيل في جوبا لأن نهجهم عاد علينا بالدعم. لذلك استطاعت الحركة الشعبية هزيمة النظام وتحقيق انفصال الجنوب في عام 2011م.

وتكونت ضد نهج النظام المؤدلج بشعار عربي/ إسلامي حركات مسلحة أخرى أهمها حركة تحرير السودان حركة العدل والمساواة في عامي 2002م و2003م كما نشأت مقاومة مسلحة في جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق في عام 2011م.

  1. الحروب الأهلية الآن هدأت دون تحقيق اتفاق سلام عادل شامل ولكن آثار تلك الحروب الموجودة حتى الآن ومحسوبة على النظام هي:
  • اجبار النظام تضخيم الصرف العسكري والأمني والإداري بصورة شلت الإدارة الاقتصادية وتعرض النظام لخطورة تضارب بين مراكز القوة داخله.
  • عوامل التردي الأمنية والاقتصادية أجبرت ربع سكان البلاد على اللجوء للخارج وهم يشكلون غالباً لوبيات معارضة للنظام.
  • هنالك عدد كبير من المواطنين يقيمون في ظروف رفض للنظام واعتصام مضاد للنظام. عددهم الآن ثلاثة ملايين.
  • في تنفيذ سياساته القمعية ارتكب النظام جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية، وجرائم إبادة جماعية ما جعله مداناً بقرار مجلس الأمن رقم 1593. هذه الإدانة سببت شللاً دولياً للنظام. وخطيئة أخرى ارتكبها النظام هي استخدامه للتباين الاثني بين السكان مما عمق العداء الاثني في السودان خاصة في دارفور.
  1. الشباب في السودان وهم غالبية السكان بأكثر من 60% عانوا كثيراً من الشقاء أهم معالمه: توسع ورمي في التعليم العالي بلا إمكانات مناسبة وبلا ربط بخطة تنموية مما أدى للهبوط في مستوى التعليم العالي وإهمال التعليم الفني فازدحمت البلاد بخريجين عاطلين بلغ عددهم مليونين. وسلطوا على المجتمع لا سيما الشباب قانون النظام العام وهو مجرد دعاية للشعار الإسلامي غير مرتبط بالتربية ولا بالأخلاق ولا بالقدوة. هذه الظروف العسفية أضطرت عدداً كبيراً من الشباب للجوء للخارج رغم المخاطر التي يموت في طريقها ما بين 10%-20% وآخرون دفعهم اليأس لتعاطي المخدرات حتى أن وزير الداخلية قال في كل منزل مدمن.

ولكن أغلبية شباب السودان الغاضبة عبرت عن غضبها وما أحاط بها من مظالم بوسائل الوساط الاجتماعية واتخذت نهج مقاومة ثورية مدنية.

وفي المرحلة الحالية عبر الشباب السوداني عن مقاومة هذا النظام بحركات ثورية اتسمت بدرجة عالية من الشجاعة والإقدام والابتكار.

  1. النظام فوجئ بثورة الشباب السوداني وفي البداية رماهم بألفاظ نابية: عملاء، شذاذ آفاق. ولكن عندما اكتشف صلابة الموقف درج بغبائه المعهود على محاولة عزلهم من واقعهم السياسي والاجتماعي.

رفض النظام لم يبدأ الآن بل بدأ منذ أيامه الأولى. وفي السودان كتل معارضة للنظام بلا حدود فالمهنيون، وأساتذة الجامعات، والمشردون تعسفياً، وضحايا السدود، والعمال، والمزارعون، وأصحاب الاستثمارات في القطاع الخاص الذي ضايق النظام أعمالهم وقدم عليهم محاسبيه هؤلاء جميعاً مدد هائل من الرفض للنظام في وجه سياساته القمعية والاقصائية وهم يشكلون مدداً مشاركاً للثورة ضده.

  1. في السودان حركة سياسية واعية وصامدة ضد النظام منذ البداية وانفق النظام أموال الشعب لاختراقها واستمالتها ولكن هذه القوى استمرت متماسكة ومتصدية للنظام ثلاثين عاماً وهم لايعتبرون حركة الشباب معزولة عنهم بل متكاملة معهم في موقف موحد ضد النظام.

إن الحركة السياسية والمدنية والنقابية الحرة في السودان حاضن لأبنائهم وبناتهم من الشباب وسوف يعبر كل قطاع بأسلوبه لرفض النظام.

إن الحركة الثورية الشبابية، وحركة المهنيين، وحركة الأساتذة، وحركة المجتمع المدني إضافات جديدة للموقف المضاد للنظام، والقوى السياسية المنظمة الواعية تتعامل معها بصورة تكاملية وتتصدى لمحاولات النظام البائسة بخطة فرق تسد.

  1. هنالك أسباب تؤكد أن النظام الذي أقامه انقلاب 30 يونيو 1989م إلى زوال:

أولاً: لأنه تسلط على البلاد بانقلاب غادر دون أية فكرة عن إدارة البلاد والاقتصاد بل السلطة من أجل السلطة.

ثانياً: الشعار الإسلامي الذي رفعه الانقلاب فارغ من أي محتوى.

ثالثاً: غياب الإستراتيجية والبرنامج جعل النظام عرضة لإنقسامات مستمرة كالأميبا بلغت حتى الآن عشرة إنقسامات.

رابعاً: صارت قيادة النظام ملاحقة للمحاكمة الجنائية الدولية والجميع يرى إنها تستخدم الاستمرار في حكم السودان رهينة للحماية من المحكمة.

خامساً: وصل الفشل في إدارة الاقتصاد في عامي 2018 و2019م غايته.

سادساً: القوى الدولية المدركة أدركت أفول النظام وصارت تبحث عن كيفية سلمية لانتقال السلطة.

الثورة الحالية مستمرة ومع الضغط الخارجي يمكن أن  يؤدي هذا الموقف لأحد أمرين: الأول: أن يدرك النظام أن المسرحية قد انتهت وكما فعل دي كلارك في جنوب أفريقيا أو بينوشيه في تشيلي فيعرض على قيادة التغيير الوطني التنحي.

الثاني: إقدام قوة نظامية للإنحياز للشعب ومسك الحلقة إلى أن يتفق على المستقبل كما حدث قبل ذلك مرتين.

أهم ما في تجربة النظام الآفل:

كسر موجة التحكم الإستبدادي المهيمن على المنطقة لولوج مرحلة تاريخية جديدة تدخل أصحابها في التاريخ.

والدرس الثاني هو أن  التعامل الانتهازي مع الشعار الإسلامي يحرق صاحبه ويؤذي الشعار الإسلامي.

لقد كانت ثورتا الربيع السوداني في 1964م و 1985م درساً في التصدي السلمي للحكم الإستبدادي ويرجى أن تكون الثورة الحالية ولوجاً لمرحلة تاريخية جديدة.

هنالك دليل كبير على أن الرأي العام العربي صار يتعامل مع الثورة السودانية بإيجابية شعبية كبيرة كما جاء في مذكرة 22 من كتاب ومفكري والإعلاميين في مصر الذي صدر في 25/1/2019م أنه ممهور بقائمة شرف سيكون لها أبلغ الأثر في قلوب الشعب السوداني نحو الأشقاء في القائمة الأساتذة حلمي شعراوي والسيد فليفل وهاني رسلان وأماني الطويل وأسماء الحسيني بلغ العدد 22 من النبلاء.

ثم جاء بيان يمثل كل الشعوب العربية مهره 323 من الأسماء العربية اللامعة في كل المجالات، إنها قائمة شرف دعماً لثورة الشعب السوداني قدمتها مبادرة من 15 شخص على رأسهم  الرئيس التونسي السابق محمد منصف المرزوقي باسم الشعب السوداني جزيتم  خيراً فإن أهلكم في السودان سوف يقدرون موقفكم تقديراً عظيماً يا أهلنا:

دَعْوى الإخاءِ على الرَّخاء كثيرةٌ    بلْ في الشَّدائد تُعْرَفُ الإخْوانُ

 

حركة التغيير السودانية

17/2/2019م