الصادق المهدي لـ«الشرق الأوسط»: لن نقبل العمل تحت راية «إخوانية» إقصائية

الإمام الصادق المهدي

 

الاربعـاء 16 جمـادى الثانى 1435 هـ 16 ابريل 2014

 

رئيس الوزراء السوداني السابق يستبعد وحدة الإسلاميين كونها ستزيد من عزلة النظام

الخرطوم: أحمد يونس

* الواجب الوطني يدفعنا إلى المساهمة في إيجاد مخرج حتى لا يحدث فراغ تملؤه الميليشيات المسلحة.. وأغلبها ذات أجندة قبلية وليست قومية

 

* وافقنا على الحوار مع النظام لأن الدلائل الموجودة تشير إلى أنه جاد.. فإذا ثبت أنه غير ذلك سنلجأ للوسيلة الثانية وهي «التعبئة لانتفاضة شعبية».

 

يرى رئيس حزب الأمة القومي، رئيس الوزراء السوداني السابق الصادق المهدي، أن نظام الرئيس عمر البشير جاد في دعوته للحوار الوطني، كونه يواجه الآن ما وصفه بـ«ضغوط حقيقية»، ومحللا رؤيته بستة متغيرات مستجدة على الساحة السياسية السودانية. لكنه أكد أن البديل في حالة ثبت أن النظام غير جاد ستتمثل في الدعوة إلى التعبئة العامة «لانتفاضة شعبية».

ويشير المهدي في حوار مع «الشرق الأوسط» إلى أن «الواجب الوطني» يدفع حزبه إلى المساهمة في إيجاد «مخرج»، حتى لا يحدث فراغ تملؤه الميليشيات المسلحة، التي يقدرها بنحو 50 ميليشيا، أغلبها ذات أجندات قبلية وليست قومية، وهو الأمر الذي سيمزق البلاد.

وقال المهدي إن العلاقات السودانية القطرية يمكن فهمها ضمن حالة الاستقطاب في المنطقة، وإن زيارة أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني للبلاد بداية الشهر الحالي، يمكن اعتبارها دليلا على أن النظام السوداني «نظام إخواني الاتجاه». وأضاف أن هناك أناسا مرجعيتهم إخوانية في السودان، وهم يتعاطفون مع «إخوان مصر»، وآخرين مرجعيتهم علمانية وسيتعاطفون حتما مع «جبهة الإنقاذ»، بما يضع السودان تحت دائرة الاستقطاب للتيارين، فيما يسعى حزبه ليكون غير منحاز.

ورفض المهدي الدعوة لتوحيد الأحزاب ذات الصبغة الإسلامية، وقال إن حزبه لن يقبل «راية إسلامية إخوانية»، لأنها راية تفكيكية تقود إلى استقطاب يفكك البلاد. مشيرا إلى أن الحوار مع النظام إذا كان هدفه توحيد شقي الإسلاميين السودانيين (مجموعة حسن الترابي ومجموعة البشير)، فإنه سيزيد من عزلة النظام الحاكم داخليا وخارجيا، خاصة وأن سمعة الفترة التي كانا فيها متحدين تعد أسوأ الفترات. وأوضح أن أي لقاء بين المجموعتين ضد حزبه «مناسب»، لأنه يخلق وضعا موضوعيا للمعارضة، لأن وجود حزب الترابي فيها كان مشوشا لمواقفها، وأنهما إذا التقيا على سياساتهما القديمة ونهجهما الإقصائي التمكيني، «فسيضران بعضهما البعض».. أما إذا التقيا ضمن الموقف الوطني، فهذا أيضا يناسب حزبه، لأنه يعد دفعا لمقترحه للحل القومي.

وإلى نص الحوار..

* كيف تنظر لدوافع الرئيس عمر البشير ودعوته للحوار، ومدى ثقتك فيها، لا سيما وأنها ليست المرة الأولى التي تتحاور فيها معه، سبق أن وقعت معه اتفاقيتين اتهمته بالتنصل منهما؟

– هناك عوامل جديدة تختلف عن العوامل التي صاحبت دعواته السابقة للحوار، ففي الفترة الماضية حدثت ستة متغيرات جديدة، تتمثل في تدهور الوضع الاقتصادي بعد انفصال الجنوب وفقدان عائدات النفط، ما اضطر الحكومة لاتخاذ إجراءات تقشفية تسببت في أحداث سبتمبر (أيلول) الماضي، وهو الآن مضطر لاتخاذ إجراءات مماثلة، ستسبب حتما هبات شعبية جديدة.

أما العامل الثاني، فهو تشكيل الحركات المسلحة لتحالف الجبهة الثورية، والتنسيق فيما بينها في جبهات القتال، الأمر الذي زاد من الأثر الاستنزافي لعملياتها على الحكومة.

وثالثا، وجود تململ شديد داخل الحزب الحاكم وخروج عناصر منه، أحصيناها في ثمانية تيارات، كلها تتكلم الآن بلغة مماثلة لـ«لغتنا» (المعارضة)، وهذه هي المرة الأولى التي يواجه فيها مثل هذه الحالة، لأنه كان في السابق يعاني من انقسام، لكنه الآن يعيش حالة تفتت، بالإضافة إلى بروز انتقادات من داخل القوات النظامية ترتبت عليها محاولة انقلابية فاشلة في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2012، من ضباط محسوبين على النظام (مجموعة ود إبراهيم).

أما العامل الرابع، فيتمثل في ظهور مجموعات إسلامية أصبحت تتهم الحزب الحاكم بتشويه الشعار الإسلامي، بل وتعارضه بشدة من اليمين، في الوقت الذي يواجه فيه معارضة من اليسار.

وخامسا، يواجه النظام عزلة من الغرب والأسرة الدولية بسبب المأساة التي يواجهها المدنيون، ونقص التزامه بالاتفاقيات الإنسانية الدولية.

ومن ناحية أخرى، تأثر النظام بحالة الاستقطاب «العلماني – الإخواني» الذي تشهده مصر، فهو محسوب على الإخوان بصورة أو بأخرى، وتحول الموقف الآن إلى حرب باردة في المنطقة كلها، إضافة لتجذر النزاع في جنوب السودان.. فإذا اختار النظام الانحياز لطرف، فسيكون لديه مشكلة، وإذا اختار الحياد؛ فتلك مشكلة أيضا.

* لماذا قبلتم الحوار من دون شروط مسبقة، كما فعلت الحركات المسلحة والأحزاب الأخرى؟

– بسبب هذه العوامل التي ذكرتها، فلو كنا سياسيين لتركنا النظام يواجه أخطاءه.. لكن نعتقد أن واجبنا الوطني هو المساهمة في إيجاد مخرج حتى لا يحدث فراغ تملؤه الميليشيات المسلحة، التي يبلغ عددها الآن 50 ميليشيا، في الغالب لها أجندات قبلية وليست قومية، وهو الأمر الذي سيمزق البلاد. ويواجه النظام الآن ضغوطا حقيقية، وتشير كل الدلائل إلى أنه جاد في الحوار. ووافقنا لأن الحوار أحد وسيلتين نعتمدهما لمشروع النظام الجديد الذي ندعو له، وهما: خيار التفاوض.. فإذا ثبت انتفاء جدية النظام في الحوار، سنلجأ للوسيلة الثانية وهي «التعبئة لانتفاضة شعبية».

* كم من الزمن تحتاجون للتأكد من جدية النظام لتعودوا إلى خيار الانتفاضة الشعبية؟

– إذا ثبتت لنا جدية النظام فسننتظر، لكن إذا لم تثبت، فلا نرى داعيا للانتظار.. حتى الآن نعتقد أنهم لا يتلاعبون، لكن المهم في الأمر أن الزمن ضدهم وليس معهم، مما يزيد الضغوط عليهم ويزيد عزلتهم.

* أحزاب في تحالف المعارضة رأت أن منع الأمن لها من إقامة ندوة في ميدان عام، ومصادرة عدة صحف في الفترة الماضية، دليل على انتفاء الجدية، مما يعزز شروطها وعلى رأسها إلغاء القوانين المقيدة للحريات، لقبول الحوار؟

– نحن نعتقد أن هناك أناسا داخل التحالف هم مبدئيا ضد أي حوار، وفي رأيي أنهم ينتظرون جهة ما ستقوم بالتغيير، ليقفوا معها.. ليس لهم استعداد ولا قدرات ليغيروا بها، لكن الواقع الموجود أنهم لا يملكون بديلا غير الحوار، ونحن لسنا منزعجين من أن يتكلموا بهذه اللغة، لكني أظن أن هناك أطرافا كثيرة في التحالف موافقة على الحوار وتراه معقولا.

أما سلوك الأمن والانتهاكات التي يمارسها، فنفهمها في إطار أننا لم نتفق بعد، ونحن منتظرون حتى نتفق على شيء، وبعدها إذا حدثت مخالفات سنرى. كما أن هناك من في المعارضة عمل أشياء فيها هجوم مضاد. على كل حال، نحن نرى إذا قال طرف بيده السلطة إنه يريد التحاور معنا، فلن تقول له لا نريد التحاور، بل سنقول له نتحاور بضوابط، والاختبار الحقيقي لجدية النظام أو عدمها أن يدخل معنا في اتفاق وأن يلتزم به.

* البعض يرون أن دعوة الرئيس للحوار، تحولت لدعوة للمصالحة والوحدة بين شقي النظام من الإسلاميين، حزبي المؤتمر الوطني الحاكم، والمؤتمر الشعبي بقيادة حسن الترابي؟

– هذه إشارات كاذبة لعدة أسباب، وهي أن أي لقاء حصري بينهما سيزيد عزلة النظام داخليا وخارجيا، لأن سمعة الفترة التي كان الطرفان فيها متحدين أسوأ سمعة في تاريخ النظام. ثانيا، قال كل طرف منهما بعد انشقاقهما عن الآخر ما قاله مالك في الخمر، فإذا التقيا في إطار ثنائي وليس قومي، فهذا يهدم مصداقيتهما معا، وسيتأكد للناس أن ما حدث بينهما صراعات سلطة. ثم هناك اتهام جاهز، يتمثل في النظر لأي لقاء ثنائي بينهما، باعتباره تضامنا مع الحركة الإخوانية العالمية. وليس ذلك من منطلق المصلحة الوطنية، ويزيد من أضرار اللقاء، ولا يعبر عن قوته. وأعتقد أن المتخوفين من عبارة «الإسلام السياسي» يسارعون ببذل هذا الاتهام، لكنه كلام سطحي ليس به إدراك.

* ما رأيك بشأن تحول موقف الترابي المفاجئ، وتخليه عن العداء العنيف مع البشير، وقبوله دعوة الحوار دون شروط، وتحوله لمروج لأفكار النظام؟

– واضح تماما أن هذه القيادات على طول الخط، كانت قيادات براغماتية وليست مبدئية. وهذه التطورات يجب أن تفهم في إطار الموقف العام في السودان، ونحن في حزب الأمة مثلا يناسبنا جدا أن يلتقي الطرفان ضدنا، لأن هذا يخلق وضعا موضوعيا للقوى السياسية. فوجود (المؤتمر) الشعبي معنا كان مشوشا لموقف المعارضة، فإذا التقيا من أجل المصلحة الوطنية، فهذا أيضا يناسبنا، لأنه يدفع مقترحنا للحل القومي.. وإذا التقيا على سياساتهما القديمة والنهج الإقصائي للآخر والتمكيني فسيضران بعضهما البعض.

* ويتردد أيضا أن النظام يريد بدعوته للحوار تكوين حلف جديد، مكون من حزبكم، وحزب الترابي وحزب عثمان الميرغني (الاتحادي الديمقراطي)، وهي القوى التي تطلق على نفسها «مجموعة الأحزاب الإسلامية»؟

– ظل الحزب الحاكم يقول من وقت مبكر إنه يريد جمع الإسلاميين في صعيد واحد، ونحن نقول له «على أي إسلام؟» لأن هناك «إسلاما إخوانيا» وإسلاما باجتهادات أخرى. نحن نتحدث عن الإسلام الذي يحترم الحريات العامة، إسلام يحترم مدنية الدولة، وحقوق الآخرين الدينية. نظرتنا للإسلام مختلفة ولا يمكن أن نجتمع مع من نظرتهم للإسلام إقصائية للآخر، ومضرة للإسلام نفسه.

والكلام عن الإسلام بالتجربة السودانية والتجربة المصرية مضر للإسلام، لكن التجربة التونسية مفيدة لأن فيها هندسة لقبول الآخر، ونعتقد أن مظلة الإسلام واسعة تبدأ من طالبان على اليمين، إلى أردوغان على اليسار وما بينهما. ونحن لا يمكن أن نقبل بـ«راية إسلامية إخوانية» كانتماء، لكنا نقبل بهم كمفاوض ومحاور. لدي الآن كتاب تحت الطبع ننتظر إجازته من المصنفات عنوانه «الهوية السودانية بين التسبيك والتفكيك»، قلت فيه إن الدعوة الإسلامية الإخوانية تفكيكية تقود إلى استقطاب يفكك البلد، فيما نتكلم عن دعوة إسلامية تسبيكية تسبك البلد.

* قلت إن السودان متأثر بالاستقطاب الذي تعيشه مصر، كيف تقرأ هذا مع زيارة أمير قطر الأخيرة للسودان، والتي تلت توتر العلاقات بينها ودول الخليج، وتصنيف الرياض للإخوان المسلمين جماعة إرهابية؟

– لدينا في السودان نوعان، أناس مرجعيتهم إخوانية، وهم حتما سيتعاطفون مع الإخوان في مصر، وآخرون مرجعيتهم علمانية، سيكون تعاطفهم حتما مع جبهة الإنقاذ. ونقف وحدنا كإسلاميين غير إخوانيين، لذلك منذ البداية قدمنا رأيا مختلفا، وقلنا إن دورنا ليس الاستقطاب ولا الانتماء لواحد من التيارين.. إنما العمل على جمع الكلمة وإيجاد مخرج، ليس هنا فقط بل للصراع السني الشيعي، والإخواني السلفي، وسنظل غير منحازين لأننا ندرك أن القوى السياسية الأخرى منحازة ومستقطبة.

أما زيارة الشيخ تميم، ومع أنها قدمت على أساس أنها زيارة في إطار التنمية، لكن سينظر إليها في بقية العالم العربي والإسلامي بموجب الاستقطاب الموجود وفي إطاره، وسيعتبرها الآخرون مزيدا من الدلائل على أن النظام السوداني نظام إخواني الاتجاه، لأن موقف قطر الآن فيه رعاية للخط الإخواني عموما، أما نحن فنتحدث بلغة ثانية، ونريد أن تنظر الدول العربية إلى مشروعنا؛ وهو مشروع تجنب الحرب.

 

الشرق الأوسط