العرب وأفريقيا : فضاء استراتيجي مشترك

بسم الله الرحمن الرحيم

العرب وأفريقيا : فضاء استراتيجي مشترك

16 ابريل 2007م

 

وجه مركز دراسات المستقبل بجامعة أسيوط ومركز المعلومات بمجلس الوزراء المصري الدعوة لمؤتمر هو السادس من نوعه والأول في موضوع العرب وأفريقيا. حضر المؤتمر 150 شخصاً بحثوا 60 محاضرة ومداخلة في 4 أيام في رحاب الجامعة العريقة بمدينة أسيوط الجميلة النظيفة التي غمر المدعوين حفاوة أهلها كما أعجبهم حسن إدارة المؤتمر فاستمعوا وناقشوا وأصدروا التوصيات المستوفية لمقاصد المؤتمر.

للأمة العربية جوار آسيوي، وأوربي، وأفريقي. الجوار الأفريقي ينفرد بخصائص: أغلبية العرب أفارقة، وأغلبية الأفارقة جنوب الصحراء مسلمون والصحراء الكبرى الواقعة بين شقي أفريقيا واصلة، والبحر الأحمر الواقع بين أفريقيا وجنوب غرب آسيا كذلك.

لذلك تواصل على طول التاريخ تفاعل بشرى، وثقافي، وسياسي واقتصادي عبر الصحراء وعبر البحر الأحمر وعبرهما فيما بعد تمددت الأديان الإبراهيمية الثلاثة وتمددت لغات ذات أصل سامي واحد وتكونت لغات مهجنة من العربية والبانتوية وغيرها.

الاستعمار الأوربي سيطر على العالم العربي وعلى أفريقيا جنوب الصحراء ومثلما قنن الفوارق بين البلدان العربية ضخم التباين بين شعوب دفتي الصحراء وضفتي البحر الأحمر.

في القرن التاسع عشر الميلادي تكالب الأوروبيون على أفريقيا. وفي مؤتمر برلين ( 1884 – 1885 ) قسموها بينهم. هذه الموجة انحسرت لدى استقلال دول إفريقيا. وتعرضت أفريقيا لموجة ثانية أثناء الحرب الباردة (1948 – 1989). اليوم ونتيجة لعوامل كثيرة تتعرض أفريقيا لموجة ثالثة. الأجندة الغربية تتطلع لشرق أوسط كبير ورابطة متوسطية (عبر البحر الأبيض المتوسط) وكلاهما يرسم لأفريقيا جنوب الصحراء مصيراً آخر.. هذه الرؤية تتطابق مع الأجندة الإسرائيلية، ومع تيارات أفريقية تربط الأفريقانية بالإثننية الزنجية فيما يعرف بالنجرتيود، عازلة شعوب أفريقيا الشمالية.

إن لأصحاب هذه الأجندة تأثيراً كبيراً فالحضارة الغربية تقدم نماذج راجحة في السياسة والاقتصاد والثقافة. نماذج لا تملك الأمة العربية لها بديلاً مجدياً. بل هي نفسها أمة منقسمة على نفسها وخاضعة بدرجات متفاوتة للهيمنة الغربية. وإذا استمر هذا الحال فإن الاستراتيجية الغربية سوف تحقق مقاصدها في جعل الصحراء والبحر الأحمر فاصلين وتقضي على أي تطلع لفضاء عربي أفريقي مشترك. بل سوف تجعل من مناطق التماس في السودان، وموريتانيا، والنيجر، وغيرها حائطاً ثقافياً مانعاً.

إن وجود فضاء عربي أفريقي مشترك مرحلة من مراحل التحرر الوطني، والهيمنة الدولية لا تسمح بالندية الحضارية ولا يمكن تحقيقها إلا ضمن خمسة شروط بعيدة المنال الآن ولكنها ليست مستحيلة إذا توافرت الهمة والعزيمة في مشروع نهضوي عربي / أفريقي.

أولاً: الإسلام طاقة روحية ومعنوية سوبر نووية فمع ضعف المسلمين الحالي يزحف بقوة لدرجة جعلت مكتبة كاملة في الغرب تدق ناقوس تمدد إسلامي على أراضيها – مثلاً – كتب : ” يورابيا ” بقلم بات يائور. و”بينما الغرب نائم” بقلم بروز بودر  و”فرصة الغرب الأخيرة” بقلم ” تونى بلاكى”  وغيرهم. الإسلام وفي مناخ التسامح وقبول الآخر وباعتباره دين التسامح، والعدالة، والمساواة العرقية ينتشر بسرعة يفتح بالقرآن مثلما فتحت المدينة. ولكن ربطه بالاستبداد، والعنف العشوائي كما فعل بعضنا يجافي مقاصد الشريعة ويزيد تمزيق بلداننا، ويعيق انتشاره. علينا على الصعيدين الفكري والثقافي تحرير وتنوير ديباجة الإسلام. العروبة كما أكد رسول الله (ص) ليست “لأحدكم من أب أو أم من تكلم العربية فهو عربي”، أي هي فضاء ثقافي منفتح لا منغلق، ولكن العروبة المرتبطة بعصبية الدم وباستعلاء إثنى تصنع ردود فعل شعوبية. علينا طرح العروبة كانتماء ثقافي مستعد للاعتراف بالثقافات الأخرى والتعايش والتلاقح معها، بهذا الفهم وحده يمكننا تجنب الاستقطابات داخل أوطاننا ومد الجسور مع الآخرين.

ثانيا: ساهمت البلدان العربية في دعم التنمية في كثير من البلدان الإفريقية. ولكن المطلوب هو مشروع تنمية عربية ” مارشالي” يصحبه مشروع مماثل أفريقي.. مشروع بديل للفهم الاستهلاكي الحالي يحرر القدرات المالية الحالية من دورها في تكريس التبعية لمراكز القوة الاقتصادية في العالم، ويبنى نظماً اقتصادية مجدية – النمط الماليزي على نطاق أوسع.

ثالثاً: هنالك حرب أهلية معلقة أو ممارسة بين كثير من الحكومات العربية وشعوبها. كما أن عدداً من البلدان العربية تواجه حالة توتر بين الأغلبية ومجموعات وطنية مخالفة لها دينياً أو إثنياً، أو مذهبياً، هذا كله يشل القدرات العربية. المطلوب إصلاحات سياسية تحقق الحكم الراشد، والمشاركة العادلة، والتوازن لتفعيل دور البلدان العربية وتمكينها من الإنجاز الوطني، فالقومي، فالاستراتيجي.

رابعاً: الامتثال للقطبية الأحادية معناه التسليم لمصلحة بلد واحدة أن تحقق مصالحها وتهدر مصالح الآخرين. هنالك الآن جهات كثيرة تحررت من الامتثال للقطبية الواحدة، هذا اتجاه ينبغي دعمه لإيجاد تعددية قطبية وإن أمكن بناء فضاء عربي / أفريقي استراتيجي فسيكون له دوره في طيف التعددية الدولية. فضاء يحقق السلام والتعاون الدوليين دون عداوة أو تبعية للدول الكبرى.

خامسا: الجسم العربي اليوم يعانى من انهيار في بعض دوله. انهيار سيجعل من عددا من الدول العربية دولا متردية. لا يمكن تحقيق عطاء عربي في المجال الأفريقي ما لم يتحقق عطاء عربي في المجال نفسه.

وبعض مشاكل البلدان العربية كالسودان وموريتانيا متصلة بالعلاقات العربية الأفريقية عامة فإن هي تركت لتتحكم فيها البرامج الاقصائية الدينية والقومية والثقافية فإنها سوف تكرس العداوات بين طرفيها الدينيين والقوميين والثقافيين وتدعم الاستقطاب وتمكن القوى المعادية من استغلالها في مشروعات الفتنة في حوض الصحراء، وفي حوض النيل، وفي تدمير الوصال العربي / الأفريقي.

ليس الغرب كله شر وقوى التحرر والاستقلال لدينا تساهم في مساعدة قوى الاستنارة والاعتدال في الغرب، وهى كثيرة، أن تطيح بقوى الهيمنة العمياء. الاستكانة العربية تساهم في تحقيق أجندة الهيمنة الدولية وتمكن اليمين الاسرائيلي من تتويج نفسه عقلاً سياسياً لهما.

والصحوة العربية تحرر الشعوب المعنية من أوهام صقورها وتفسح مجالاً لإقامة النظام الدولى على أساس السلام والعدل والتعاون.