بيان من الإمام الهادي يحرض على المخالفين

بسم الله الرحمن الرحيم

بيان من الإمام الهادي عبد الرحمن المهدي

الحمد لله الوالي الكريم والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله مع التسليم وبعد :

فمن عبد ربه الواثق بالله في جميع الأحوال الهادي عبد الرحمن المهدي وإلى جميع أحبابه وأهل مودته في دين الله ،

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته .

أيها الأحباب :

تعلمون أيها الأخوان ، أن ما حصل من المنشقين من حزب الأمة من الذين رضوا لأنفسهم وأرادوا بأن يكونوا بمعزل من رعايتنا ولجأوا إلى تحقيق ذلك بوسائل ودعاوى باطلة لا تبرر مسلكهم هذا ولا الأساليب التي انتهجوها لتحقيق غاياتهم التي لم تكسبهم خيراً كما هو معلوم ، وأننا كنا نتوقع كل هذا وحذرناهم منه بدون جدوى لأمر قضاه الله وقدره ، وبما أنكم أحبابنا وأهل عقيدة دينية وبيعة وصحبة في الله تلزم عليكم الوفاء بالعهد على ما بايعتم به . فإننا لذلك حريصون كل الحرص على إرشادكم إلى ما يوجب الوفاء به وذلك كلما جدت أحداث تقتضي التذكير بالبيعة ، وإننا على بينة وبصيرة من أمر دلالتنا لكم إلى الله سبحانه وتعالى وأنها- أي البيعة – مستمدة من خلافة الإمام المهدي عليه السلام للنبي صلى الله عليه وسلم بغرض إحياء ما جاء به كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، إذ بعث الله النبي الأمين هدى ورحمة للمؤمنين وأنزل عليه الكتاب والميزان ليحكم بين الناس بالقسط . لذلك فإن الإسلام دين ودولة ومن قال بغير هذا فقد افترى على الله بهتاناً وإثماً مبينا ، وهكذا سائر الأئمة الهداة الراشدين من بعد رسول الله  صلى الله عليه وسلم إلى زمن الإمام المهدي عليه السلام ثم خلفه من بعده الخليفة عبد الله خليفة الإمام المهدي عليه السلام وسار هو على منوالهم إلى أن استشهد في ميدان الشرف والجهاد في سبيل دعوة الحق ودين الله ، وأتى من بعده الإمام السيد عبد الرحمن المهدي طيب الله ثراه فأحيا ما اندثر من تعاليم الإسلام وما منع من تلاوته من راتب ومنشورات الإمام المهدي عليه السلام ، وصار على هدى من الله ورحمة وحمل الراية التي رفعها بفضل الله وتوفيقه فأضاء دياجير الظلمات للسارين المدلجين إلى أن حقق الله استقلال السودان مستعيناً في ذلك بالله سبحانه وتعالى وبالمؤمنين الصادقين منكم ومن آبائكم وأصحاب الإمام الذين هاجروا هجرة مخلصة لله ولرسوله ، لا يبغون منها إلا ابتغاء مرضاة الله عند لقائه بالقرب منه والنظر إلى جمال وجهه الكريم فنبذوا ونبذتم حطام الدنيا الفاني ، وعفتم وطن النفوس الخسيس إلى دار زادها التقوى النفيس ( دار الهجرة ) فجاهدتم نفوسكم ومشتهياتها زاهداً في الشهوات وصبرتم على أذى الخلق وإغراءات الفرقة من المغرضين والمرجفين الذين ساءهم آنذاك كما يسرهم اليوم ما أنتم عليه من وحدة الصف وجمع الكلمة ومن حال راضية عليه لا يتصف بها إلا ذوي الأخلاق المرضية فصبرتم على كل ذلك إلى أن وهب الله بلادنا الاستقلال بقيادة الإمام عبد الرحمن الذي لحق بجوار ربه غرير العين راضي النفس وراضياً عنكم بما قسم به من مساندة مخلصة تبتغون بها مرضاة الله ، فخلفه من بعده الإمام الصديق الذي بادرنا وبادرتم لبيعته ووليتم له زمام جميع الأمور ، وسرتم معه سيرتكم الأولى مع الإمام عبد الرحمن تلبيةً لدعوته مراراً كلما ادلهمّ الأمر ودعا الداعي للتأييد وللهجرة للبقعة المباركة ( أمد رمان ) وكنتم في غدوكم ورواحكم ممتثلين لما أمركم به من معروف وممتنعين عما حذركم ونهى عنه في خطبه وفي مجالسه وفي مجتمعاته إلى أن اختاره الله لجواره ، وقد بايعتموني من بعده على السمع والطاعة ، فحملت الراية حيث طاحت وعاهدت الله أن أمضي في سيري على خطى الإمام المهدي عليه السلام مقتفياً آثار رسول الله  صلى الله عليه وسلم وباعثاً للدين كما بعثه الأئمة من قبلي أترسم خطى الرسول صلى الله عليه وسلم لا أخطي ما وفقني الله إلى ذلك وأحمده تعالى على كل فضله ومنه أن وفقني وإياكم بما أحرزناه من خير لأمتنا وما حققناه من مكاسب لبلادنا من عهد الحرية الأخير وحكم الشورى .

والحياة دائماً سبيلها وعر المسالك محفوفة بالمكدرات ولا يوفق فيها إلا من كانت همته وكان همه متعلقاً بإحياء السنة وأمانة البدعة ، قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم ” تركتم على المحجة البيضاء  ( أي الشريعة ) ليلها كنهارها لا يضل عنها إلا كل هالك ” فما دام الأمر كذلك فتعين  لكل عاقل التعرض لرتبة التصديق والإذعان في صحبتنا ومودتنا الخالصة في دلالتنا لله تعالى ابتغاء رضوان الله وبذل جهده في طلبها لأنها إجابة لداعي الله فلا تستمعوا إلى كل حلاف مهين هماز مشاء بنميم مناع للخير ، وهؤلاء هم الذين أشرت إليهم فيما ورد من أعلاه وأن أمثال هم قطاع طريق الأخوة على عباد الله المخلصين وقد بلغني أن هناك من يدعوكم ممن مرضت قلوبهم ونفوسهم منهم من يدعوكم والعياذ بالله لمخالفتنا في أمور السياسة والدين والتي هي مخالفة لآمر الله سبحانه وتعالى القادر الذي أجلسنا على كرسي خلافة سيد المرسلين والإمام المهدي عليه السلام ، كيف يكون ذلك وقد بايعتموني طواعية وصارت بيعتكم لي مطوقة للأعناق فواجب عليكم الوفاء بها فتنالوا بذلك الحظ الأوفر الذي أبغيه لكم في دار المقامة والكرامة .

وتعلمون أحبابي بما ورد في صحيح الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وما جاء في سنته عن جليل وجزيل ما عدد الله سبحانه وتعالى لكل من أوفوا بعهودهم وصدقوا مع أئمتهم من خير عميم في دار النعيم وهؤلاء الأئمة هم الخلفاء الراشدين المهدين من بعد رسول الله الموصوفين بذلك في أحاديثه صلى الله عليه وسلم ولقد دفعني لما ذكرته لكم واجب النصح وحق البلاغ والتحذير شفقةً ورأفةً بكم من مغبة المخالفة الممقوتة من الله تعالى ومن رسوله ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ” من خلع يداً من طاعة الله وليس له حجة ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة الجاهلية ” لذا أيها الأحباب وجب عليكم أن تحرصوا من عدم العطب وعلى فعل ما يوجب السلامة في الدارين وأن هذه الدار ليست بمحل قرار ولا يرضى بها إلا المنافقون والفجار قال تعالى : ” من يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ” . ومن كان يؤمن بصدق دلالتي فليعتبر بهذا وليحذر كل ما عداه من دعوة ٍ للضلالة لا تصدر إلا من المرجفين ناكثي العهود وناقصي البيعة الذين في قلوبهم مرض فهؤلاء ابتعدوا عنهم أيها الأحباب بعد السليم من الأجرب ولا تستمعوا لأحد منهم أبداً أي قول فإنهم يريدوا أن يخدعوكم ويلبسوا عليكم دينكم ويفسدوا عليكم أمر عقيدتكم التي هي عماد أمركم ومتجركم عند الله بارئكم وأنهم بمخالفتهم لنا لن يضروا الله شيئاً كما وأنهم لن ينالوا من الأوفياء الصادقين في صحبتهم وفي بيعتهم خيراً وسيردهم الله بغيظهم وعليكم بمواجهتهم بالقول الغليظ وبالطرد لهم وبالعد منهم قال الله تعالى : ” وعظهم وقل لهم قولاً قولاً بليعاً ” والحال إني غائب عنكم ولكن الله تعالى حاضرا وشاهدا ومطلع على أحوالكم وأعمالكم وأنه سبحانه وتعالى يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور وهو حسبي ونعم الوكيل ، ولكني مع هذا لا أشك في صدق بيعتكم وحسن عقيدتكم ولكني أردت التحذير والنصح للذكرى ، والذكرى تنفع المؤمنين ، فاستبشروا ببيعتكم التي بايعتم بها إن أوفيتم بالعهد يوف الله لكم ومن أوفى بعهده ، وقال تعالى ( من المؤمنين رجال صدقوا  ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا ) فأنتم البقية المنتظرين – بعد أن مضى سلفكم الصالح الذين قضوا نحبهم ، فهنيئاً لكم وطوبى وحسن مآب إن أوفيتم مع إمامكم والحمد لله الذي جعل من أصلاب أصحاب الإمام المهدي من يقتفون أثرهم في الصدق ولزوم التقوى من بعدهم ، ثابتين كالرواسي على العهود مع أئمتهم لا يقيلون ولا يستقيلون إلى يوم الرجوع والمآب ، فأيدوا الحق وآزروا الأئمة في ساعات الشدة والابتلاء والتمحيص إظهار صدقهم وإخلاصهم وحسن قصدهم وردعاًً للمرجفين – من بعد ما كاد تزيغ قلوب فريق منهم ، قال تعالى (وَلَا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا ۚ )

أدام الله عليكم توفيقه ، وبارك فيكم وثبتكم بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة مع صالح الدعوات لكم بدوام كرامة الدارين فإن وفيتم فالله معكم ولن تبركم أعمال نسأل الله أن يحفظكم بحفظه ويتولاكم بتوليه ويديم الله علينا وعليكم نعمة الإيمان ، مع تبليغ سلامنا إلى جميع الأحباب والسلام ,,,,

الهادي عبد الرحمن المهدي

جماد أول 1386 هـ

الموافق 4 سبتمبر 1966م