حوار الحضارات أين هي حدود الحق والباطل

بسم الله الرحمن الرحيم

حوار الحضارات أين هي حدود الحق والباطل

27 مارس 2006م

 

ثقافات العالم تتجاوز عشرة آلاف. الثقافة الكاتبة الحاسبة الممتدة عبر حواضر تصير حضارة. حضارات العالم تزيد على العشرين بقي منها حيا دون العشر.

نعم للحضارة هوية دينية، ولغوية، وفنية غالبة ولكنها هوية فضفاضة لا تضم كيانا سياسيا واحدا ومصلحة اقتصادية واحدة، ولا أيديولوجية واحدة. لذلك لا يرد فى أمرها حوار أو خصام. إن الذي أفرز الحديث عن الحضارات كأنها قابلة لذلك عوامل موضوعية أذكر منها:

  • مفكرين غربيين يهود – أمثال برنارد لويس- يسعون لإيجاد قاسم مشترك بينهم وبين ملة الغرب الغالبة (المسيحية) ويجدون المبرر لاصطفاف غربي ضد العرب والمسلمين.
  • مفكرين غربيين اعتبروا أن نهاية الحرب الباردة تجرد الولايات المتحدة مما حظيت به من ولاء غربي أثناء الحرب الباردة.. حديثهم عن حضارة غربية ذات دولة مركزية هى الولايات المتحدة، وعن حضارات أخرى مناوئة كالإسلامية والصينية يمد الولايات بسبب لشرعية قيادتها للغرب وبعدو مشترك.

الوفاق والشقاق وبالتالي الحوار والخصام يدور حول سبعة محاور هي:

الأول: الدين: فالأديان غالبا تقوم على نفي الآخر وكلها شهدت انتعاشا منذ ثمانينات القرن العشرين مما يزكي الصدام ويوجب الحوار.

الثاني: الأيديولوجية: الأيديولوجيات أديان وضعية وحولها يدور الصراع أو التعايش، ومع أنها منذ أواخر القرن الماضي انحسرت، فالتباين مستمر بين الرأسمالية والاشتراكية، وبين الديموقراطية والشمولية.

الثالث: المجتمعات التقليدية تقوم على ولاء وراثي لطائفة أو عشيرة، هذه الكيانات التقليدية ترفض الحداثة التى تقوم على المشاركة والمؤسسية. ههنا جدلية قابلة للمفارقة والموافقة.

الرابع: العولمة وهى إدماج رأس المال والتقنية والمعلومات بما يتعدى الحدود الوطنية ويخلق سوقا كونية واحدة. هذا هو وجه العولمة الموضوعي، ولكن فى ظروف العالم اليوم والسيطرة الأمريكية على الاقتصاد وعلى السلاح وعلى الإعلام فإن العولمة تلبس وجها أمريكيا. العولمة بوجهها الموضوعي والأمريكي تواجهها فى كل مكان الخصوصيات الثقافية فينشأ بينهما التوتر.

الخامس: شمال الكرة الأرضية غني ومع أن سكانه 20% من سكان الأرض فإنه ينال 80% من الدخل المادي فيها، هذا يخلق مجالا واسعا للصدام أو الحوار من أجل العدالة.

السادس: منذ نهاية الحرب الباردة برزت القطبية الواحدة التى تقودها الولايات المتحدة تنازعها عوامل التعددية الدولية المنطلقة لتوازن جديد فى السياسة الدولية.

السابع: هنالك بؤر التهاب منشورة فى العالم هى: فلسطين ، كشمير، تايوان،الشيشيان، جنوب السودان وغيرها، تخلق استقطابا أو وفاقا.

الصراع أو الحوار يدور حول هذه المحاور السبعة. العالم كله متجه صعودا نحو:

  • تطور فى الوعي الديني يشبع الحاجة الروحية وينفى الجهل والخرافة.
  • تمدد عقلاني.
  • تحول إلى الحرية.
  • احتكام للعدالة.
  • تطلع للتنمية المادية وتسخير الطبيعة للحاجات الإنسانية وتحرير الجماليات كلغة عالمية للبشر من علائق الجهالة والخرافة.

لكى يكون الحوار بين أطرافه مثمرا فإن عليه أن يكون كذلك متناغما مع حركة التاريخ.

نحن فى الغالب نقبع خارج التاريخ، يكرس بقاءنا هناك:

  • الفقه الصوري الذى أدى إلى قفل باب الاجتهاد بحجة أن السلف قد استنبطوا من النصوص كل الأحكام فما علينا الا اتباعهم، وبحجة أن آية السيف قد حددت علاقتنا بالآخر الملي والدولي على أساس اتباع ملتنا أو أداء جزيتنا أو السيف.
  • الاستبداد الذى قفل باب الاجتهاد السياسي وتحكم قبل الاستعمار وتحكم بعد رحيله، وعلى حد تعبير أمل دنقل:

لا تحلموا بعالم سعيد              فخلف كل قيصر يموت قيصر جديد

  • التنمية العاجزة عن توفير الضروريات أو تلك التى تغذى الظلم الاجتماعي داخليا والتبعية خارجيا.

نحن بحاجة لمشروع نهضوي يخرجنا من التخلف والاستبداد والتبعية وما لم نحققه فلا جدوى من الحوار مع الآخر، لأن نهضتنا تبدأ بصحوة ذاتية.

الدول الغربية كذلك غارقة فى مستنقعات أهمها :

  • المسيحية واليهودية لا يعترفان ببعضهما ولا يعترفان بالآخر الملي.
  • تفوقهم المادي أورثهم استعلاء الغالب وجعلهم يكمّشون عطاء الآخرين.
  • سياساتهم هى التي صنعت بؤر التوتر ولا يعترفون بهذا الدور وواجب العمل على إزالتها.
  • هيمنة سياسات المحافظين الجدد على السياسة الأمريكية وهيمنة السياسة الأمريكية على السياسة العالمية. سياسة هؤلاء هى أقوى مبرر لسياسة الغلاة عندنا. قال السفير البريطانى لإيطاليا: “أكفأ صول تجنيد للقاعدة هو بوش نفسه لا غير”.
  • سياسات غربية تجهض بشائر الإصلاح عندنا – مثلا- الموقف الأمريكي المعادي للديمقراطية الثالثة فى السودان– عدم الاعتراف بالاختيار الفلسطيني الحر لأنه أتى بحماس– التحفز لقصف قناة الجزيرة مع أنها تمثل تحديثا إعلاميا– منع صفقة شركة موانئ دبي العالمية مع أنها تمثل خيارا عربيا مستصحبا للعولمة.

قال توماس فريدمان ” ينبغي ألا نشك بعد اليوم أن11/9 قد صيرنا أغبياء”!.

المنكفئون والغلاة فى الشمال مزودون باستعلائهم وتفوقهم التكنلوجى وأسلحة الدمار الشامل . وهم فى الجنوب مزودون بغضباتهم وأسلحة الضرار الشامل.

العالم اليوم فى كف عفريت بين وعد العقلاء من الطرفين أن يصالحوا أنفسهم مع تيار التاريخ الصاعد ويجرون حوارا مثمرا عبر الملفات السبعة يبنى مستقبلا أعدل وأفضل، ووعيد فيه يضع الغلاة والمنكفئون من الطرفين أجندة المستقبل فيجرفون مسيرة التاريخ نحو مصير ظلامي:

 

أمامك فاختر أي نهجيك تنهجُ              طريقان شتى مستقيمٌ وأعوجُ