خطاب الإمام الصادق المهدي رئيس حزب الأمة القومي أمام اجتماع الهيئة المركزية 2014م

الإمام الصادق المهدي

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

حزب الأمة القومي

اجتماعات الهيئة المركزية

في الفترة 1-2 مايو 2014م

تحت شعار: ممارسة راشدة لمؤسسة رائدة

خطاب السيد رئيس الحزب

1/5/2014

 

 

أخي الرئيس،

إخواني وأخواتي أبنائي وبناتي أعضاء الهيئة المركزية لحزب الأمة القومي،

ضيوفنا الكرام من الدبلوماسيين، والقوى السياسية والمدنية والنقابية والأكاديمية والإعلامية.

أشكركم جميعاً على تلبية دعوتنا وأخاطب حضراتكم عبر 10 نقاط.

أولاً: دار لغط بين بعض الناس حول مشروعية الدعوة لهذا الاجتماع. دستورنا يمنح رئيس الهيئة المركزية حق الدعوة لإنعقاد الهيئة :

• مرة كل عام.

• بدعوة منه لاجتماع طارئ بالتشاور مع الرئيس.

• دعوة لاجتماعها بطلب من ثلث الأعضاء.

والدستور ينص على الدعوة للمؤتمر العام كل أربع سنوات فماذا يحدث للأجهزة إذا لم يعقد المؤتمر العام في مواعيده بعد أربع سنوات من آخر مؤتمر؟

المادة 10 من الدستور تقول: (تكون دورة الأجهزة أربع سنوات من تاريخ إنعقاد المؤتمر ما لم ينص على خلاف ذلك صراحة).

المادة 10 – 4 تقول: (عند انقضاء أجل الأجهزة دون عقد المؤتمر العام تستمر الأجهزة في تسيير المهام لحين إنعقاده).

ما هي مهام الهيئة: إنها محاسبة الأمين العام والمكتب السياسي والتحضير للمؤتمر العام القادم.

إذن قرار رئيس الهيئة بالدعوة لانعقادها يوم 1/5/2014 شرعي دستورياً.

وامتداد دورة الأجهزة لمدد أخرى بعد انتهاء آجالها دون عقد المؤتمر لا يمنع أداءها لجميع مهامها المكلفة بها بالأصل دون قيد أو شرط.

وهذا ما أكدته السابقة، فالهيئة المركزية التي عقدت في مايو 2007عقدت بعد أكثر من أربعة أعوام من تاريخ انعقاد المؤتمر العام السادس (أبريل 2003م) ومارست صلاحياتها كاملة في مساءلة الأمين العام والمكتب السياسي وطرح الثقة فيهما إذ تم التصويت على الثقة وفاز مقترح الإبقاء على المؤسسات المنتخبة في 2003م.

كذلك من أسباب تأخير الدعوة لاجتماع الهيئة الحالي هو إمهال الأمين العام المختار بالتراضي ليتمكن من تكوين أمانة عامة وفاقية، وعندما اتضح إستحالة تحقيق هذا الهدف، كما سوف أبين لاحقاً، وجهنا الدعوة للهيئة صاحبة الشأن لعمل ما تراه مناسباً بحقها الدستوري لمساءلة الأمين العام والمكتب السياسي، واتخاذ القرار.

ثانياً: منذ إتقلاب يونيو 1989 أدان حزبنا الإعتداء على النظام الديمقراطي، وعمل بكل الوسائل الناعمة والخشنة لاسترداد الديمقراطية. وفي فترات مختلفة عرض علينا النظام المشاركة في 1993 وفي 1996، وكان موقفنا: لا مشاركة إلا في ظل نظام يحقق المشاركة والمساءلة والشفافية وسيادة حكم القانون ويكفل حقوق الإنسان، وهي مبادئ يكفلها الإسلام ولا تصح تجربة ترفع شعار الإسلام بدونها.

وعندما اختلف صناع الانقلاب على السلطة مدوا أيديهم لنا في جنيف في أول مايو 1999م وفي جيبوتي في 26 نوفمبر 1999م، ما أدى لاتفاق نداء الوطن. هذا الاتفاق حقق بعض المكاسب أهمها درجة في هامش الحرية واعتراف بالأحزاب التاريخية، ولكنه لم يحقق التحول الديمقراطي المنشود، ثم تتالت محطات المعارضة الشعبية والتوافق والتراضي ولكنها لم تحقق التحول الديمقراطي المنشود ولكن سمح لنا مناخها بمزيد من العمل الشعبي والمناداة بالأجندة الوطنية.

وفي مارس 2011 اتضح لنا أن انفصال الجنوب المتوقع سوف يجر للبلاد ويلات إضافية تهدد بقاءها لذلك إقترحنا على النظام عملاً إستباقياً في مذكرة سلمت لرئيس الجمهورية في 24/3/2011 تقترح برنامج نجدة قومية للوطن يطبقه رئيس وفاقي يكون حكومة قومية، دون إستجابة. ولكننا واصلنا التعبئة لنظام جديد داخلياً ودولياً.

ولدى زيارة الرئيس لنا في 28/8/2013م اتفقنا على أن يكون الحكم والدستور وعملية السلام قومية بصورة لا تعزل أحداً ولا يهيمن عليها أحد.

استمر مجهودنا التعبوي، وعندما اتخذ النظام قرارات سبتمبر 2013م عارضناها، ومع أننا لم نقرر الخروج للشارع إلا بعد تخطيط محكم أيدنا حق الحركات الشبابية التي خرجت للشارع للتعبير عن رفض تحميل المواطن نتائج أخطاء النظام الاقتصادية، وأعلنا إدانة القمع الذي تعرض له المتظاهرون العزل.

وفي مايو 2013 أعلنا مشروع ميثاق لنظام جديد حدد معالم هذا النظام الجديد ووسائل تحقيقه، وهي تعبئة شعبية شملت وسائل الجهاد المدني تهدف لانتفاضة عندما تنضج ظروفها، وهي الحشد الشعبي والإضراب العام ثم الحسم العسكري، وقلنا إن هناك آلية إستباقية إذا تجاوب النظام معها تستنسخ تجربة جنوب أفريقيا في عام 1992: الكوديسا.

وعندما أعلن رئيس الجمهورية خطابه في يناير 2014 داعياً لحوار قومي بلا سقوف، ولا يستثني أحداً ولا يهيمن عليه أحد تجاوبنا معه لأن فيه إستجابة لإحدى وسائلنا لتحقيق النظام الجديد.

هذا هو خط حزب الأمة الذي أجازته أجهزته الدستورية.

ثالثاً: موقفنا من تنظيم قوى الإجماع واضح. هذا التنظيم ولد في حضن حزب الأمة وفي مرحلة لاحقة وقعت إختلافات معنا أهمها:

فيما يتعلق بالنظام الجديد رأي حزب الأمة الذي لم يقبله آخرون هو:

‌أ. أن يكون نظام الحكم فيدرالياً يعطي الولايات صلاحيات حقيقية إلتزاماً قوياً باللامركزية وتوازناً، مع ذلك ينبغي أن يكون الحكم الاتحادي رئاسياً. آخرون رأوا عدم النص على الفيدرالية وأن يكون الحكم الاتحادي برلمانياً.

‌ب. أن عيوب التجربة الإسلامية في عهد “الإنقاذ” والتي انفرد حزب الأمة بنقدها من المضابط الإسلامية، هذا لا ينفي أهمية دور الإسلام في النسيج الإجتماعي السوداني ولا يحصر الإسلام في النطاق الشخصي بل يوجب النص على الحرية الدينية للكافة والمساواة في المواطنة والمرجعية الإسلامية الملتزمة بتلك الحقوق. آخرون رأوا عدم ذكر أي دور للإسلام.

‌ج. وقلنا إن هيكل الإجماع الحالي مترهل ما يوجب إعادة الهيكلة ليصير محكماً ويحول دون إصدار قرارات عشوائية باسم قوى الإجماع ، كما إقترحنا تسمية جديدة بدلاً عن الإجماع تعبر عن حقيقة أهدافه – مثلاً – قوى النظام الجديد أو التجمع الديمقراطي.

‌د. وقلنا إن الشعار الأصلح لموقفنا الجماعي هو: الشعب يريد نظاماً جديداً، وإسقاط النظام إحدى وسائل تحقيق ذلك النظام الجديد، وهنالك وسيلة أخرى هي إمكانية التحول الديمقراطي عبر آلية الكوديسا، أي عبر الحوار القومي الذي لايستثني أحداً ولا يسيطر عليه أحد.

‌ه. وقلنا إننا كقوى تعمل من أجل نظام جديد ينبغي أن نحدد بوضوح نبذ العنف كوسيلة لتحقيقه، لأن إعتماد العنف كوسيلة يعطي قوى الأمن حقاً في قمع نشاط المعارضة، كما أن إقامة نظام إن أمكن بوسائل العنف سوف يجعل النظام الجديد أوتقراطياً لحماية نفسه فتضيع الديمقراطية المنشودة. النظام الذي يؤسس بالقوة سوف يعتمد عليها في الدفاع عن بقائه.

وفي إجتماع ضمنا جميعاً بتاريخ 3/12/2013م اتفقنا على تنظيم ورشة لمناقشة هذه الخلافات، ولكن لوبي أحزاب معينة سيطر على قوى الإجماع وحال دون تنظيم الورشة المنشودة، وصار بعضهم يكيل الاتهامات لنا بأننا في الطريق لمشاركة النظام، بل قال بعضهم إن الأمة والشعبي يحسبان متحالفين مع النظام. نحن نقول: نعم نحاور النظام ونعتقد أن بداخله تيارات تميل لمطالب المعارضة، ونقول إن جماعات خرجت من عباءة المؤتمر الوطني صارت تنادي بالأجندة الوطنية. أينا صاحب الموقف التقدمي الحقيقي: من يضخم دور المؤتمر الوطني وينسب إليه إنتماء الكتل الشعبية الأكبر؟ أم من يرى التحولات في موقف المؤتمر الوطني نحو الأجندة الوطنية ويشجعها؟ القول بأن المؤتمر الوطني قد اكتسب تأييد القوى الرئيسية في المعارضة إليه هو ما يقول به صقور المؤتمر الوطني. الحقيقة أن صلابة موقفنا الإستراتيجي، ومرونة وسائلنا التكتيكية وسعت من هامش الحرية، وأيقظت ضمائر داخل النظام، ما بدأ تيارات محاسبة واسعة داخل مؤسسات الدولة الرابح فيها هو الوطن لمن كان يلقي السمع وهو شهيد.

نحن أحرص الناس على توحيد صف المعارضة للعمل من أجل نظام جديد وفي كل منابر الحوار سنحجز مقاعد للكافة ومستعدون أن نتبنى كافة المطالب الموضوعية لإنجاح الحوار الوطني في الطريق لنظام جديد.

رابعاً: الموقف من الجبهة الثورية عند حزبنا واضح. كنا أول جهة سياسية معارضة اتصلت بهم عبر مسئولي ملف الاتصال في حزبنا، والتقيناهم على مستوى رئيس الحزب في لندن في نوفمبر 2012م، وقد رفضنا إعلان كمبالا لأنه أعطى مشروعية للعمل على الإطاحة بالنظام بالقوة، وفتح المجال لتقرير المصير لمزيد من بقاع السودان. ولكننا نعترف بأن لمكونات الجبهة الثورية قضايا مشروعة ونخاطبهم لتوحيد موقف المعارضة على أساس قومي، وعلى أساس اتخاذ الوسائل السياسية كالحوار أو الإنتفاضة من أجل نظام جديد، وسوف نعمل على تجاوز العقبات والمواقف التي عرقلت لقاءنا مؤخراً، لضمان تجاوب الجبهة الثورية مع الأجندة الوطنية.

ونوجه لهم وللنظام نداءاً قوياً أن يتفقوا على هدنة لثلاثة أشهر لإتاحة الفرصة للإغاثة الإنسانية للمتضررين، ولإجراء محادثات سلام بين المجلس القومي للسلام والجبهة الثورية. محادثات يرجى أن تؤدي لإبرام إتفاقية سلام عادل شامل تضمن في الدستور القادم. وسرعانما تبرم هذه الاتفاقية تشارك الجبهة الثورية في الحوار القومي الشامل. لقد إقترحنا إسناد عملية السلام لمجلس قومي للسلام لأن عملية السلام قومية ويجب ألا يحتكرها النظام والحزب الحاكم. كذلك لا نثق في إنفراد النظام وحزبه بعملية السلام فقد أبرموا إتفاقية نيفاشا في يناير 2005 وكشفنا عيوبها في كتابنا الصادر في مايو 2005 وقلنا إن بنودها وهياكلها لن تحقق الوحدة الجاذبة، ولا السلام العادل الشامل، ولا التحول الديمقراطي. وقد كان.

ثم قلنا رأياً واضحاً للدكتور المرحوم مجذوب الخليفة في أوائل عام 2006 إذا أتبع لأبرمت إتفاقية سلام لدارفور في مايو 2006 ولكن رفضوا رأينا والنتيجة استمرار الحرب في دارفور حتى يومنا هذا. ما أبرم من إتفاقيات سلام لدارفور في أبوجا 2006 وفي الدوحة 2013م محطات لم تحقق السلام المنشود.

والآن الموقف في دارفور ظهرت فيه عوامل تهديد للأمن القومي السوداني جديدة، ما يوجب آلية جديدة هي المجلس القومي للسلام. ونعتقد أنه بتكوينه القومي وتفويضه سوف يحقق السلام العادل الشامل المنشود.

خامساً: البلاد تعاني تأزماً إقتصادياً حاداً ومع المغالطات بأن الأزمة الإقتصادية العالمية عام 2008 لن تؤثر في السودان وأن تداعيات إنفصال الجنوب في 2011 مقدور عليها إتضحت عدم صحة تلك الإدعاءات.

النظام فوت فرصة ذهبية لإستخدام عائدات البترول في الفترة 2000 إلى 2011 لتمويل إقلاع الإقتصاد الوطني. لقد نظمنا مؤتمراً إقتصادياً ونرى أن عافية الإقتصاد الوطني تتوقف على الآتي:

‌أ. خفض كبير في المصروفات السيادية والأمنية، وزيادة نسب الصرف على التعليم والصحة والخدمات.

‌ب. دعم أساسي للإستثمار والإنتاج الزراعي والصناعي.

‌ج. القضاء على الفساد ويبدأ بقانون صارم من أين لك هذا؟

‌د. تأكيد الإدارة الواحدة للمال العام بلا إستثناءات.

‌ه. الوفاء بإستحقاقات التطبيع مع المؤسسات الدولية.

‌و. إعادة قسمة تخصيص موارد الدولة بزيادة الصرف على التنمية في الولايات الأقل نمواً، ودعم القطاع الزراعي التقليدي.

التقاعس عن تنفيذ هذه الأهداف، ومحاولة تحميل الشعب السوداني الذي يعاني بصورة غير مسبوقة من العطالة وغلاء المعيشة لن يجدي وسوف يجد منا ومن غيرنا الرفض والاحتجاج بكل الوسائل السلمية.

سادساً: لا يمكن أن نقف متفرجين لما يحدث في دولة الجنوب وفي نفس الوقت لا نوافق على أية مداخلة مسلحة منحازوة. بل نحن نرفض تدخل أية دولة عسكرياً في دولة الجنوب، فكل تدخل من دولة سوف يغري خصومها الإقليميين للتدخل في إتجاه مضاد.

نحن نرحب بإطلاق سراح السيد بقان أموم وزملائه، وسوف نسعى لإقناع طرفي النزاع أن قضاء أحد الطرفين على الآخر بالقوة العسكرية مستحيل ما يوجب التصالح بينهم.

الموقف الصحيح للسودان والذي ندعو له هو:

• العمل على المصالحة بين أطراف النزاع وإعتماد التنافس السياسي الانتخابي بينهم.

• المطالبة بإجراء تحقيق دولي حول الجرائم التي ارتكبت بحق الأبرياء لمعاقبة الجناة.

• تقديم المساعدات الإنسانية لكافة المتضررين بأوسع صورة ممكنة.

• حسن إستقبال اللاجئين إلى السودان من ويلات الإقتتال، ومعاملتهم كالمواطنين السودانين. وفي هذا الصدد ندعو لتكوين لجنة قومية لإغاثة اللاجئين الجنوبيين.

• ربط أية خطوة نحو الوحدة باستفتاء أهل الجنوب.

• مع عدم أخذ الحديث عن إعادة الوحدة دون استفتاء بجدية، نعمل على إقامة علاقة خاصة تكاملية بين البلدين.

سابعاً: الحالة في مصر تهمنا للغاية. بعض الجهات بسبب الانتماء للمرجعية الإخوانية المشتركة يقفون مع الإخوان المسلمين. آخرون بسبب إنتماء علماني يتعاطفون مع النظام الحاكم الحالي.

نحن أصحاب مرجعية إسلامية غير إخوانية، وكنا حريصين على تجنب الصدام وقدمنا مقترحات عادلة أثناء حكم الرئيس السابق محمد مرسي، ولكنها لم تجد قبولاً إجماعياً. والآن نحن نعتقد أن إعادة عقارب الساعة للوراء مستحيل، كما أن اجتثاث الإخوان مستحيل، والسعي وراء المستحيلات يضر مصر ضرراً بالغاً ولن يحقق مقاصده، وموقفنا هو نصح الطرفين أن يقوما بمراجعات تسمح بالوفاق ولن نألو جهداً في تحقيق هذا الهدف، ونعتقد أن أولى مهام الرئيس المصري الجديد أن يحقق الوحدة الوطنية في مصر حماية لنظام الحريات وحقوق الإنسان وإنشاء الظروف المواتية للتنمية. الأخوان مطالبون بنقد ذاتي للتجربة لتجنب التمكين وإقصاء الآخرين وقبول استحقاقات المجتمع المدني، والنظام مطالب بمراجعة فكرة إقصاء الأخوان والبدء في ظل الرئاسة الجديدة بالعفو فيما يتعلق بالمحاكمات المتشددة.

ثامناً: بعثنا خطاباً مفتوحاً للملوك والرؤساء المجتمعين في الكويت في مارس الماضي أحصينا فيها التقاطعات السائدة في المنطقة وهي تقاطعات: إسلامية/ علمانية، وإسلامية سنية/ شيعية، وسنية إخوانية / سلفية، وطائفية إسلامية/ مسيحية، وتقاطع قومي عربي/ وقوميات أخرى، وتقاطع إجتماعي بين أثرياء/ وفقراء. هذه التقاطعات بلغت درجة من الحدة تنذر بتفجير المنطقة. وقلنا لهم إن هذا الانفجار سوق يقسم المقسم، ويتيح الفرصة الواسعة للتدخلات الأجنبية. واقترحنا تكوين مجلس حكماء يعمل على إطفاء هذه الحرائق. هذا الاقتراح وجد حتى الآن تجاوباً محدوداً، ونأمل أن يحقق مقاصده. وسوف نبذل قصارى جهدنا في هذا المجال، ونعتقد أن السودان إذا استطاع أن يخرج بسلام من الصدام للوئام، ومن الاحتراب للسلام، فسوف يكون مؤهلاً لتقديم النصيحة في المجالات العربية، والإسلامية، والإفريقية.

تاسعاً: أهم ما يجب التعليق عليه في المجال الدولي الخطاب الذي ألقاه السيد توني بلير رئيس وزراء بريطانيا السابق في 23/4/2014م. قال في خطابه:

– الغلو الإسلامي وما يصحبه من عنف يزيد باستمرار، وهو أكبر خطر على السلام الدولي في أوائل القرن الواحد وعشرين.

– عالم اليوم عالم إدارة للتنوع داخل الدول وتعايش بين الدول.

– منطقة الشرق الأوسط مهمة للسلام العالمي لثلاثة أسباب: البترول، أمن إسرائيل، والإرهاب المنطلق منها.

– بعض الناس يقولون إن هذه المنطقة لن تستقر فلا داعي للانشغال بها.

– لا يمكن، هذه المنطقة لأهميتها ستؤثر على ما حولها، وهي مجاورة لأوربا ولآسيا ولأفريقيا.

– أغلبية المسلمين معتدلون، ولكن الأقلية المتطرفة صارت عالية الصوت، وبالغة القدرات، تهدد المجتمع في بلدانها وفي البلدان الأخرى.

– علينا أن نعمل على دعم المسلمين المعتدلين وأن نحارب الغلاة.

– المطلوب أن نبرم حلفاً أمريكياً، أوربياً، روسياً، صينياً لمحاربة الغلو الإسلامي.

أقول: الغلو والعنف وما صحبهما من فظائع ظاهرة كان للسياسة الغربية القسط الأوفر في تكوينها:

• السياسة الغربية ومن تحالف معها هم الذين استخدموا الحماسة الإسلامية في محاربة الاتحاد السوفياتي في أفغانستان، وهنالك ولد تنظيم القاعدة.

• التدخلات الغربية في إيران، ودعم الشاه ضد شعبه كان لها دور مهم في خلق الظروف التي أدت للثورة الإسلامية في إيران، وهي حقيقة وثقتها مراجع تاريخية.

• كتب العالمان الأمريكيان ستيفن والت، ومير شايمر كتاباً عن اللوبي الإسرائيلي والسياسة الأمريكية، أوضحا فيه أن اللوبي الإسرائيلي هو أكبر حزب سياسي في أمريكا، وهو الذي يوجه سياسة أمريكا في الشرق الأوسط، فكل سياسات إسرائيل التوسعية الظالمة تجد دعماً أمريكياً، وهذا بدوره يصنع غضباً كبيراً في الشرق الأوسط والعالم الإسلامي.

• وكتب بول كندي المؤرخ المعروف مقالاً في الوول ستريت جورنال بتاريخ 5/10/2001م، قال فيه تخيلوا معي أن دولة قوية في الشرق الأوسط عملت بنا ما نفعل بهم الآن. سوف نتصرف، نحن المظلومين من تلك السياسات، بنفس ما يفعل الغلاة الآن.

• توني بلير نفسه في حلفه غير المقدس مع بوش قاما بتضليل شعبيهما ليبررا غزو العراق. قال السفير البريطاني في إيطاليا عام 2004 (سير ايفور روبرتز)، أوشكت الانتخابات الأمريكية على نهايتها، وإن أكثر الناس سروراً بفوز جورج بوش الابن هم القاعدة، لأنه هو أكبر ضابط تجنيد لصفوفها، أي أن سياساته هي التي تغذي القاعدة بالمجندين.

نعم كما قال السيد توني بلير إن القاعدة تنتشر بصورة عنقودية في العالم، والسياسات الأمنية للقضاء عليها ليست مجدية ما دامت هناك مظالم كثيرة تغذيها. إذا كان الغرب، كما ينبغي، مهتماً بظاهرة الغلو في العالم الإسلامي، فليدرك أنها مرتبطة تماماً بما تشهد المنطقة من مظالم، والشعار الذي ينبغي الاهتمام بمضمونه هو: لا سلام بلا عدالة.

عاشراً وأخيراً: إن حزب الأمة هو صاحب الملكية الفكرية للعمل من أجل نظام جديد عبر انتفاضة إن لزم، أو عبر حوار جامع إن أمكن. كونا لجنة برئاسة اللواء (م) فضل الله برمة طافت على كل القوى السياسية والمدنية والنقابية والنسوية والشبابية، ونتيجة لذلك وجهنا خطاباً لرئيس الجمهورية بأن إجراءات بناء الثقة توجب إعلان الالتزام بإزالة البنود المقيدة للحريات، والشروع في آلية لتحقيق ذلك. وإطلاق سراح المحكومين في قضايا سياسية والمعتقلين. وإعلان الاستعداد لهدنة تتحول لوقف إطلاق النار الشامل كأحد بنود اتفاقية السلام المنشودة.

وأوضحنا أن العدد المناسب لتمثيل القوى السياسية والمدنية والنسوية والشبابية في الملتقى التحضيري هو عشرة مقاعد، واقترحنا الإسراع بتكوين المجلس القومي للسلام لمباشرة مهامه، واقترحنا ما نراه تكويناً مناسباً لهذا المجلس.

فيما يتعلق بحزب الأمة، فإن أمامنا مباشرة بعد اجتماع الهيئة هذا:

أولاً: تكوين لجنة عليا واسعة التمثيل للإعداد للمؤتمر الثامن للحزب.

ثانياً: تنظيم ورشة عمل لمراجعة دستور وبرنامج الحزب ليعرض للمؤتمر الثامن.

ثالثاً: الإسراع بعقد مؤتمر الشباب ومؤتمر الطلاب ومؤتمر الفئات ومؤتمر النساء ومؤتمر المهجر، أي كافة المؤتمرات الفئوية لانتخاب قياداتها، ولتوسيع مشاركتها في الأجهزة الحزبية القيادية. وإقامة معهد تدريب الكوادر لكل مجالات العمل.

رابعاً: الإسراع بعقد المؤتمرات الولائية لتجديد كافة الأجهزة الحزبية.

وكما هو معلوم فإن المؤتمر العام هو قمة تلك المؤتمرات، إذ لا سبيل لعقد المؤتمر العام ما لم تعقد المؤتمرات المغذية له.

خامساً: يرجى أن يكون ثمرة هذا الاجتماع تحقيق الأمانة العامة الوفاقية المنشودة التي تمثل كافة طيف الحزب، والتي تتعاون مع اللجنة العليا لإنفاذ مشروع النظام الجديد، لتفعل (تذكرة التحرير)، وتكثف التعبئة لدعم خطنا، وتقوم بتسيير مواكب في العاصمة، وفي كل عواصم الولايات، لترسل رسالة واضحة لكل الجهات المعنية: للرأي العام السوداني والدولي، وللنظام الحاكم، وللجبهة الثورية، وللقوى السياسية والمدنية في السودان، بأن الشعب السوداني يقف بكثافة مع إقامة نظام جديد بالوسائل السلمية، وترفع هذه المواكب شعارات النظام الجديد المنشود.

سادساً: على الأمانة العامة المنشودة تسجيل كافة عضوية الحزب وربطها باشتراكات، والاهتمام بالحركة التنظيمية ما يستدعي توفير سيارة لكل ولاية، وإصدار صحيفة صوت الأمة بما يتجاوز عقبات ومشاكل التجارب السابقة.

هذه الأنشطة سوف ننطلق فيها مباشرة بعد اجتماعنا هذا.

بعض الكتاب بعد أن ساهموا في دعم النظام الشمولي، وفي حملته لتدمير الأحزاب يناشدونني الآن أن أرفع يدي عن حزب الأمة، وهم يعلمون كم يؤذي هذا حزب الأمة. ولكنني أسعى للحصول على أرض نسجلها باسم الحزب ونبنيها، وأن نحصل على وديعة استثمارية لتمويل الحزب مع اشتراكات الأعضاء. حينئذٍ يكون رفع اليد عن مؤسسة ذات جدوى. وقد التزمت بتحقيق ذلك إن شاء الله. أما الذين يريدون أن أرفع يدي قبل ذلك فلا يريدون لحزبنا خيراً تماماً كالذين يريدون إعطائي المعاش لأنني الأكثر نشاطاً فكرياً وسياسياً.

بالنسبة للأمين العام، لقد شهد حزبنا في مرحلته الحالية عدداً من القادة هم د. عمر نور الدائم، ود. عبد النبي علي أحمد رحمهما الله. الفريق شرطة (م) صديق محمد إسماعيل حقق قيمة إضافية للأمانة بالتنسيق بين المركز والقواعد وبالمسارعة في قضاء حوائج الناس. ود. إبراهيم الأمين حقق قيمة إضافية بمخاطبة القطاعات الحديثة، ولكنه لأسباب ذاتية وموضوعية لم يستطع تكوين أمانة وفاقية، وفق تكليفه من الهيئة المنعقدة في أبريل 2012م والتي أبطلت الانتخاب لصالح التوافق.

كل من تولى مسؤولية في حزب الأمة يدرك أنني التزم بحريته أو حريتها في ممارسة المهام بصورة كاملة، ولكن الحرية ليست مطلقة، بل توجب المسؤولية. ومن أهم واجبات المسؤولية إذا وجد قيادي أن له رأياً لا يتفق مع سياسة الحزب المقررة، فإن أمامه الاستقالة أو العمل داخل أجهزة الحزب لتغييرها، أما محاكمة حزبه أمام الرأي العام فلا.

بعض أعضاء مجلس التنسيق اقترح بأن أعتبر الشلل المخيم على أعمالنا التنفيذية والتفلتات سبباً في حل الأجهزة، وتعيين أمانة عامة لتحمل المسئوليات الجسيمة التي تواجه الحزب والبلاد. ولكنني أفضل أن تقوم الهيئة المركزية بهذه المهمة.

كنت قد اقترحت فيما مضى أن يكون الأمين العام دائماً من دارفور، توسيعاً للمشاركة، وقد صار كذلك مرتين في عهد د. عبد النبي علي أحمد، والفريق صديق. اختيار أمين عام من دارفور يخدم هذا الهدف، وكذلك اختيار امرأة مؤهلة يخدم هدفاً جندرياً يحقق لنا قيمة مضافة.

لم أتدخل في الماضي في ترشيح أمين عام، بل كنت دائماً على الحياد. ولكن نظراً للاضطراب الذي صحب عهد الأمانة العامة الحالية، أقترح أن يشكر د. إبراهيم الأمين على مجهوده، ويعفى من منصب الأمين العام، أقترح عليّ بعض الحادبين ترشيح الأستاذة سارة نقد الله أميناً عاماً لحزب الأمة، فهي من بيت معطون بالجهاد في سبيل الديمقراطية، وفي سبيل الوطن، مثلما هي من أعلام المؤمنين الأتقياء، وفي تجربتها كرئيسة للمكتب السياسي كانت أنجح من تولى هذا المنصب، وقد زكتها قاعدة سودانية عريضة يوم احتفلوا بالستين من عمرها. وإلى ذلك فإنها الأقدر على جعل الأمانة العامة مرآة لجمع الشمل الحزبي، فلا أحد يزايد عليها في معارضة الشمولية، ولا أحد يزايد عليها في القبول داخل حزبنا وخارجه. آخرون من أعضاء حزبنا المخلصين اقترحوا مرشحين آخرين ذوي كفاءة وإخلاص هما الطاهر حربي، ومحمد آدم عبد الكريم وهما من أخلص كوادرنا ومن أكثرهم كفاءة وحبذا لو انتصر الجميع على ذواتهم واجتمعوا على مرشح واحد يقترحه أحدهم ويثنيه الثاني.

أرشحها، ولكن الكلمة في النهاية في اختيار الأمين العام هي للخيار الديمقراطي، ولذلك رفضت أن أقوم بحل الأمانة وأعين بديلاً، وفضلت أن أقدم لكم المقترح لتتداولوا فيه وتتخذوا في النهاية ما ترونه مناسباً إذ أن:

رأي الجماعة لا تشقى البلاد به رغم الخلاف ورأي الفرد يشقيها

أختم حديثي هذا إليكم بالترحم على من انتقل لرحمة مولاه من أعضاء الهيئة المركزية وأتمنى الشفاء للمرضى وأقول: إن لحزبنا هذا حصانة، لذلك صمد في وجه المؤامرات ضده، الداخلية والخارجية، مقومات هذه الحصانة هي:

• قيادة مجتهدة وملتزمة برأي الجماعة ما أورثها محبة لا تجارى.

• قاعدة مبصرة وملتزمة وصامدة.

• التزام بالمؤسسية الدستورية التي تعزل من شذ عنها وتجعله سمكة خرجت من جوف الماء.

هذه المقومات الثلاثة كانت ولا زالت حجاب حصانة تحمي الحمى، وتؤهل الحزب لمواصلة رسالته في الدفاع عن مشارع الحق.

وبالله التوفيق.