خطبة عيد الاضحى المبارك 27 مارس 1999م

اعوذ بالله من الشيطان الرجيم

بسم الله الرحمن الرحيم

خطبة عيد الاضحى المبارك 1419

التى القاها الحبيب محمد المهدى حسن

بمسجد الامام عبد الرحمن المهدى بودنوباوى

27 مارس 1999

الله اكبر الله اكبر الله اكبر

اللهم انى احمدك واثنى لك الحمد يا جليل الذات ويا عظيم الكرم واشكرك شكر عبد معترف بتقصيره فى طاعتك يا ذا الاحسان والنعم.

قال تعالى: “وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِي لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ* وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ”

احبابى فى الله واخوانى فى الوطن العزيز

يجتمع المسلمون اليوم فى كل انحاء العالم كتجمعنا هذا ليؤدوا صلاة العيد الاكبر ويجتمع ممثلوهم على مختلف السنتهم والوانهم فى منى بعد ان ادوا اعظم ركن فى الحج الاكبر: الوقوف بعرفات انها تجمع لها حكمتها ولها فلسفتها التعبدية والاجتماعية البالغة التى قدرها الله وارادها لهذه الامة.

فالحج ركن من اركان الاسلام فرضه الله على من استطاع اليه سبيلا وهو ربط للامة بماضيها الضارب فى القدم حينما امر رب العزة ابانا ابراهيم عليه السلام برفع اركان البيت وان يؤذن فى الناس بالحج اليه وحينما امره -تعالت حكمته – بان يذبح ابنه قربانا لله وامتثالا لامره فامتثل الاب وتجاوب الابن فى الامتثال فجاء الفداء من قبل العلى القدير “فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ” الآية. ومنها جاءت مشروعية الفداء ولهذا امرنا رسول الله r بالاضحية حيث قال مرغبا فيها “عن عائشة رضى الله عنها ان رسول الله  r قال ما عمل ادمى من عمل يوم النحر احب الى الله من اهراق الدم انها لتاتى يوم القيامة بقرونها واشعارها واظلافها وان الدم ليقع من الله بمكان قبل ان يقع بالارض فطيبوا بها نفسا” فالاضحية سنة، فمن ذبح قبل الصلاة فانما هو لحم قدمه لاهله ومن ذبح بعد الصلاة فهى اضحية وقربانا لله واداء لسنة نبوية ومن شروطها انت تكون سليمة من العيوب قالr  فيما يرويه البراء بن عازب ان رسول الله  r سئل ماذا تبقى من الضحايا؟ فاشار بيده وقال اربعا العرجاء البين ظلعها والعوراء البين عورها والمريضة البين مرضها والعجفاء التى لا تشفى وامر رسول الله r ان يؤكل منها ويطعم منها ويهدى انها سنة وطعمة للاهل والجيران والضيوف والاضحية مثل الحج تكون بالاستطاعة وقد رووا ان رسول الله r ضحى بكبشين اقرنين واحد عنه والاخر عن فقراء الامة.

ايها الاحباب،

وبينما يتقرب  المسلون هنا وفى اماكن اخرى بضحاياهم يكون حجاج بيت الله الحرام قد حلوا بمنى وهم يمضون قدما فى اداء الشعائر. ان شعائر الحج كلها اشارات ورمز تلوح احيانا وتدق عن الفهم احيانا اخرى ولكنها جميعا تحمل معنى الامتثال لله والسير القاصد اليه والترقى فى سلم  الايمان شأنها شأن كثير من شعائر الاسلام الاخرى والتى ندرك الحكمة من بعضها ونعتبر البعض الاخر توقيفا يعلم الله وحده الحكمة منه ونتعامل معه بالتسليم والامتثال. ومن حكم الحج انه مؤتمر اسلامى سنوى يجمع حجيجا الوانهم شتى واشكالهم شتى والسنتهم شتى ولكن هدفهم واحد وهمهم واحد.

ان مؤتمر هذا العام ياتى وفى انتظاره اجندة مهمة وكبيرة انها تحديات فكرية وحضارية ومخاطر اقتصادية وسياسية تواجه الامة الاسلامية تتطلب توحدا فكريا فى مواجهتها وبصيرة نيرة.

ايها الاحباب لقد طرح منبر هيئة شئون الانصار فى السنوات الماضية مشروعا لتوحيد اهل القبلة بالسودان سماه عهد الولاء والبراءة لمواجهة التحديات التى تواجه المسلمين بالسودان واليوم فى مواجهة تلك التحديات القديمة والتحديات المستجدة تطرح هيئة شئون الانصار ممثلة فى قائدها السيد الصادق المهدى نداء المهتدين وتهيب بكل اهل القبلة ان يقوموا بدراسته والتجاوب معه واتخاذه عهدا. انه نداء يخاطب الواقع الاسلامى والواقع الدولى المعاصر ويضع المسلمين امام واجباتهم لقد خاطب النداء تلك المعانى بما يمكن تلخيصه على النحو التالى:

سطرت سيرة الاسلام صلاحا ونجاحا وفلاحا لم يعهد تاريخ البشرية له مثيلا، لقد اسس الاسلام دينا عالميا مازال يتمدد فى كل انحاء العالم واسس المسلمون حضارة استصحبت عطاء حضارات الانسان الابقة واتت بنسيج وسطى فريد. ولكن تلك الحضارة – بعد حين من الدهر – قعد بها الجمود الفكري والثقافي، وأضعفها التفرق المذهبي، وأقعدها التخلف الاقتصادي والاجتماعي، وحبسها الاستبداد السياسي فتآكلت وتراجعت حتى صارت كالمستعدة للغزو الأجنبي والاستسلام له وفى المقابل منذ ثلاثة قرون استطاعت الحضارة الغربية استصحاب الحضارات السابقة لا سيما الحضارة الإسلامية، فحققت انجازات عظيمة وتفوقت على الحضارات الاخرى. اهلها لذلك تراجع الحضارة الاسلامية وتطور قدراتها الذاتية بسبب ثلاثة عوامل هى:

  • الحرية الفكرية وحرية البحث العلمي.

2- تأسيس نظام سياسي يقيم الحكم على رضا المحكومين ويعرض الحكام لمحاسبتهم عبر مؤسسات مقننة  ويحقق التداول السلمي للسلطة عبر مؤسسات دستورية ويخضع الوظيفة العسكرية للشرعية الدستورية وللقرار المدنى.

3- تأسيس نظام اقتصادي حقق جدوى استثمارية وإنتاجية عالية بالاستفادة من التطور التقنى وآلية السوق الحر.

وضعت الحضارة الغربية الحديثة المهيمنة الحضارات الآخرين أمام واحد من ثلاثة خيارات:

  • رفض الحضارة الغربية ومقاومتها.
  • الامتثال التام لها باعتبارها الطريق الوحيد نحو المستقبل.
  • اتخاذ موقف وسط يحافظ على الهوية الحضارية ويقبل التحديث ويفرق بين المقومات الذاتية للحضارة الغربية وبين الحداثة.

ومن واقع الحال الآن فأن البلدان التي تمت فيها محاولات البعث الماضوي المحض ورفض الحضارة الغربية تشهد بعثا تأصيليا وهذا يعنى أن النهج الأفضل هو التزام التأصيل دون انكفاء والتحديث دون تبعية.

إن علاقة الحضارة الغربية بالحضارة الإسلامية يحفها التعقيد لاسباب عديدة منها: وجود تيارات الانكفاء الاسلامى التى ترفض التعامل مع الاخر ومنها التخوف الغربى التاريخى من الاسلام ومنها التعالى الغربى على الحضارات الاخر والتعامل الظالم مع المسلمين. هذه العوامل تشكل مهددات ربما قادت العالم الى فترة صدام ظلامية.

ايها الاحباب،

ولتجنب ذلك المصير المشئوم فاننا نخاطب الغرب بان يتخذ نهجا ذا خمس شعب:

اولا: الاعتراف بأن الحضارة الحديثة حضارة مركبة ساهمت فيها كل الحضارات الاخرى لاسيما الإسلامية.

ثانيا: الاعتراف بدور الحضارات الأخرى فى عالم اليوم وفى مستقبل الانسانية.

ثالثا: التسليم للبلدان الاخرى باستصحاب منجزات الحضارة الغربية برؤية ذاتية خالية من الاكراه تتم عبر اقلمة ثقافية واجتماعية لهذه المنجزات.

رابعا: الاعتراف بالدور الغربى فى اشعال البؤر المشتعلة، والقيام بدور تكفيري في علاجها وأهم تلك البؤر هي:

  • قضية الحق الفلسطيني المغصوب وقيام دولة إسرائيل على حسابه.
  • قضية كشمير وأهلها كشعب متطلع لتقرير مصيره.
  • دول القارة الافريقية وعلى سبيل المثال مسألة جنوب السودان وما كان من أمر سياسة الاستعمار لتطوير الجنوب على أساس مناقض للشمال ثم عكس تلك السياسة في فترة زمنية لم تكف لتكريس الاتجاه الجديد.

خامسا: اعتراف الغرب بمسئوليته عن تخلف الدول التى كامن يستعمرها.

سادسا: المطلوب من الغرب التعامل المتكافئ مع دول الجنوب والاهتمام بالتنمية فيها حتى لا تتسع فجوة التنمية ويزيد تهميشها ذلك التهميش الذى يولد الظلم والتظلم والاحتجاج.

ايها الاحباب

ومع إن الاسلام هو الدين الاوسع انتشارا فى كل قارات العالم ومع انه كون حضارة عالمية متفردة ومع انه يضع اساسا للنظام الاجتماعى يشتمل على ارفع المبادئ السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وبالرغم من ذلك كله الا ان المسلمين اليوم يعيشون واقعا اجتماعيا سيئا فالشعوب الاسلامية يلفها الجمود الفكرى والثقافى وهى الاكثر تعرضا للهيمنة الاجنبية كل ذلك يعود لعلة واحدة هى تعطيل دور العقل فى التفسير والاستنباط وفى التعامل مع جوانب الشريعة المتحركة، اننا نخاطب اهل القبلة ونقول:

يا أهل القبلة تعالوا إلى كلمة سواء بيننا:

أولا: الالتزام بالنصوص قطعية الورود وقطعية الدلالة من الكتاب والسنة، والاجتهاد فيما عداها.

ثانيا: التعامل مع الآخر المذهبي الإسلامي يجب أن يقوم على الإيمان المشترك بالقطعيات والاعتراف المتبادل بالاجتهادات وفق القاعدة “من اجتهد فأصاب فله أجران ومن اجتهد فاخطأ فله أجر واحد”

ثالثا: فى شأن التعامل مع المستجدات: يجب تحديد هيئة او هيئات فنية ذات معرفة وتخصص فى كل المجالات ذات دور استشارى واتخاذ هيئة او هيئات تشريعية ذات تفويض شعبى للتداول واتخاذ القرار بشأن المستجدات.

رابعا: تحديد أساس واضح للتعامل مع الآخر الملي في أوطاننا. علينا أن نقر عهد المواطنة وحق المواطنة كأساس للكيان الوطني، فالوطن لكل سكانه، ولكن هذا لا يتعارض مع الحقوق الدينية والثقافية للمجموعات الوطنية المختلفة، علينا ان نضع  ميثاقا واضحا يوفق بين حق المسلمين في تطبيق الشريعة الإسلامية، وحقوق المواطنة للآخرين.

خامسا: النظام الدولي الحالي يستمد مفاهيمه من القواعد التى ارساها المسلمون فى المعاهدات والائتمان، ومعاملة الأسرى، المطلوب قبول هذا النظام مع اكمال النقص فى بعض اوجه قصوره.

سادسا: استصحاب منجزات الغرب التى لا تتعارض مع أصول مبادئنا الإسلامية، لاسيما فى مجالات نظام الحكم الديمقراطى – حقوق الانسان – حقوق المرأة – الحريات الاساسية – النظام القائم على آلية السوق الحر فى الاستثمار والانتاج والتبادل التجارى.

سابعا: المفهوم الواسع للجهاد وهو بذلك الجهد كله للالتزام بامر الله ويكون هذا قتاليا فى حالة فتنة الناس عن دينهم أى اكراههم على الخروج من دينهم وفى حالة الدفاع عن النفس.

إن اتحاد الفهم بين كافة أهل القبلة حول هذه النقاط السبع واجب إسلامي.

هنالك سبع حقائق جديدة في عالم اليوم لم يسبق للفكر الإسلامي أن حدد موقفا بشأنها. إنها حقائق ينبغي أن نحدد نحوها مواقف واضحة هي:

أولا: الوطنية: عرف الإسلام رابطة الأسرة، والقبيلة، والإقليم ومع ذلك فالرابطة الوطنية لا تتعارض مع الاسلام فهى تطوير لتلك الروابط  ويمكن أن تكون مفيدة في سبيل تحقيق التنمية وكفالة سبل المعيشة والأمن. المطلوب التعامل معها بصورة مرنة لنقبل الانتماء الى كيانات اوسع على ان يتم برضاء المواطنين. ان الانتماء الى الوطن لا يتعارض مع الانتماء للامة.

ثانيا: القومية: إن في الأمة الإسلامية عدة قوميات. يجب علينا أن نعترف بان الانتماء القومي لا سيما على أساس ثقافي ولغوي وسلالي لا يتعارض مع الانتماء الأوسع للأمة إلا إذا كانت فيه عصبية. العصبية هي الشعور الذي يمقته الإسلام لا القومية.

ثالثا: العولمة: هنالك ستة عوامل تقف وراء العولمة هى:

  • تقنية الاتصالات والمواصلات جعلت العالم مترابطا كالحاضرة الواحدة.
  • المصلحة البيئة لكوكب الأرض حتمت التعامل معها كوحدة طبيعية واحدة.
  • هنالك فضاءات تملكها الإنسانية ملكا مشتركا: الفضاء والبحار والمحيطات والأجزاء غير المأهولة من الكواكب.
  • انعقدت مؤتمرات قمة فى التسعينات قاربت بين وجهات النظر حول كثير من القضايا الهامة مثل السكان- المرأة – البيئة وهلم جرا.
  • الحوارات الجادة بين الحضارة والاديان تصب في خانة تبين القيم المشتركة بينها والتنوع والتعدد فيها. إن هذه الحوارات تتجه لتكوين تصور موحد للتعايش والتسامح الديني والحوار بين الحضارات تجنبا للصدام والخصام.
  • التطور الاقتصادي والتجاري وحركة انتقال الأيدي العاملة والاستثمارات والحركة العالمية للاموال تتجه لخلق سوق عالمي واحد.

ولكن العولمة تتم في ظل توزيع غير عادل للسلطة والثروة والقوة العسكرية. لذلك تسعى القوى المهيمنة لتلونها بلونها. إن علينا أن نقبل العولمة كتطور حتمي لتاريخ الإنسان، مع العمل على الا تتحول العولمة إلى امتثال للهيمنة الدولية. ان الانكفاء دون العولمة تخلف والامتثال للهيمنة تبعية، وعلينا أن نحقق الانفتاح نحو العولمة ونتجنب التبعية.

رابعا: الوحدة الإسلامية: منذ نهاية العهد الأموي اختفى مفهوم القيادة العليا الواحدة، ولكن  وجود دول مختلفة محكومة بنظم دستورية لا يمنع التعامل مع مفهوم السيادة الوطنية بمرونة وتحقيق وحدة في المجالات الآتية:

  1. في المجال الروحي والعبادي: إذ يمكن للمسلمين الاتفاق على ما يجمع بينهم والتعايش فيما يفرق بينهم على أن يقيموا تنظيما موحدا يقرر بشأن المسائل العقدية والعبادية ويتخذ تكوينا جماعيا شوريا.
  2. تكوين محكمة استئناف عليا ذات صلاحيات متفق عليها للحكم في قضايا معينة.
  3. برنامج موحد للتعليم الديني وتعاون في كافة المجالات التعليمية. برنامج يحقق التعاون في مجالات معينة ويفسح مجال التنوع.
  4. تعاون ثقافي.
  5. تنسيق تنموي وتجاري.
  6. تحديد آليات للحوار الداخلي بين المسلمين وأخرى للحوار مع غيرهم.

إن الإبقاء على تعدد الدول لا يتنافى مع تحقيق درجة عالية من التوحد في المجالات الدينية، والثقافية، والاقتصادية، والحضارية لبلوغ درجة من الوحدة الإسلامية وترك المجال مفتوحا للتطوير.

خامسا:التعددية الاجتهادية: التعددية فيما عدا وحدانية الذات الالهية جزء لا يتجزأ من نظام الكون لذلك يجب ان تكون نظرتنا للتعددية المذهبية والفكرية إيجابية لأنها إحدى نتائج الحرية اللازمة. على تضبط بأمرين:

الأول: التسليم بالقطعي ورودا والقطعي دلالة من نصوص الإسلام.

الثاني: تجنب التعصب لاجتهادنا الخاص. والتعامل معه بقاعدة “اجتهادنا صواب يحتمل الخطأ، واجتهادكم خطأ يحتمل الصواب”.  لقد تفوقت الشريعة الإسلامية على الملل والنحل الأخرى لاعترافها بالإنسان كإنسان وتكريمها له ومراعاتها لظروف المكان والزمان.. إن إهدار هذه المعاني إهدار لمقاصد الشريعة.

سادسا: الحركة في الشريعة:  الإسلام عقيدة وشريعة. الشريعة الإسلامية فيها عبادات ثابتة ومفصلة ومعاملات متحركة ومعممة تتغير بتغير الزمان والمكان لذلك وجب على الامة الاجتهاد المستمر لتطوير فقه المعاملات على أساس لكل وقت ومقام حال ولكل زمان وأوان رجال.

في ظروف معينة، وأمام زحف التتار على ديار المسلمين اجتهد بعض الفقهاء ورأوا أن حماية بيضة الإسلام توجب تقديس المسئولية السياسية، وعلى نفس النمط اجتهد الشيخ أبو الأعلى المودودي وصاغ مفهوم الحاكمية لله على نحو مشابه لمقولة الإمرة لله.

إن الذين رأوا باجتهاد معاصر أن يعطوا الإمرة أو القيادة السياسية قدسية تناهز قدسية العقائد والعبادات مهدوا للتطرف الإسلامي المعاصر الذي جعل اجتهاد أصحابه السياسي هو موقف الأمة كلها ونفى رأي الآخرين باعتباره كفرا وخروجا عن ملة الإسلام. واباح لاصحابه العمل لاستلام السلطة بالقوة والانفراد بها واستحلوا لأنفسهم استخدام أساليب العنف العشوائي الذي يزهق الأرواح البريئة ويدمر الأملاك في سبيل تحقيق أهدافهم.

الإمرة لا تكون في شريعة الإسلام إلا عن طريق: وأمرهم شورى بينهم.. الآية. والعمل من أجل الأهداف مهما عظمت لا يكون إلا بموجب: أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة.. الآية. والقتال في الإسلام له ضوابطه وهي: الدفاع عن النفس وعن حرية الدعوة.

إن ربط الإسلام بالسلطة السياسية المستبدة، وربط العمل الإسلامي بأساليب العنف العشوائي جلب للإسلام ضررا كبيرا وأعطى أعداءه حجة قوية للنيل من ديباجته الوضاءة. إن علينا -معشر أهل القبلة- أن نرفض أية عملية استيلاء على السلطة بالقوة الغاشمة ونعتبرها ترهيبا بعيدا عن مقاصد الشريعة، ونرفض أى دولة تقوم على اساس بوليسى ونعتبرها خارجة على مقاصد الشريعة.

لقد صار نهج الذين ربطوا الإسلام بالاستبداد فى الحكم والعنف العشوائي فى المعارضة سبة على الإسلام، ومخلب قط للتدخل الأجنبي، لذلك وجب علينا أن نتبرأ منهم وندين نهجهم. وهذا طبعا لا ينطبق على الذين يتخذون العنف أسلوبا لمقاومة الاحتلال الأجنبي، فهم إنما يردون على العدوان بمثله، ولا عدوان إلا على الظالمين.

إن أسلوب الدعوة المشروع هو بالتي هي أحسن، والتغيير المشروع هو بالتعبئة الشعبية وبالعمل المدني الخدمي وبالترجيح الديمقراطي لأن أساليب العنف ضد النظم المؤسسة بشرعية ذات قبول واسع يؤدي لنتائج عكسية، لا سيما العنف العشوائي والانقلابات العسكرية التي ما بنت  قصرا إلا هدمت مصرا.

سابعا : التحول السياسي:  إن الضغط الإصلاحي المنظم على كل الأصعدة من شأنه أن يحقق إصلاحا ديمقراطيا، وان تدرج في النظم القائمة، ودلائل هذا الإصلاح ظاهرة للعيان وكل من سار على الدرب وصل. إن الخريطة الإسلامية على المستوى الشعبي تتكون من :

هيئات ومنظمات قليلة التأثير فى تغيير فى المجتمع، وجماعات احتجاجية مندفعة استغلت دور الاحتجاج واسقطت على نفسها دور الأمة وقدست قادتها وكفرت المجتمع، ومفكرين إسلاميين مستنيرين لا يجدون السند الشعبى الذى تلقاه الهيئات التقليدية ولا تأييد الشرائح المتحمسة التى تؤيد حركات الاحتجاج.

أنصار الله ينتمون إلى دعوة المهدية في السودان. وهى دعوة سنية وظيفية لإحياء الكتاب والسنة، هذا موقفها النظري. لكن موقفها من الخريطة الإسلامية الشعبية هو أنها جمعت ما تفرق بين التكوينات الإسلامية فهي ذات موروث شعبي تقليدي عريض، وهى ذات طلائع فدائية متحمسة، وهى ذات كوادر مثقفة لذلك يرجى أن يكون لها عطاء إسلامي في داخل السودان وفيما يتجاوز السودان داعية لنهج إسلامي ملتزم ومستنير بأسلوب الحكمة والموعظة الحسنة.

إننا في هيئة شئون الأنصار المنبر التنظيمي لهذه الدعوة نخاطب أهل القبلة أن حيَّ على الفلاح تلبية لنداء الإسلام نداء المهتدين راجين أن يتخذ كافة أهل القبلة عهدا على نحو ما اقترحنا. وفقنا الله لمرضاته. آمين.

“قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ”

وستقوم هيئة شئون الانصار بنشر النداء كاملا وباوسع صورة ممكنة ليتم تداول اهل القبلة حوله.

ايها الاحباب

فى الفترة الماضية وقعت عدد من الاحداث العالمية والاسلامية الهامة والتى نود التعليق عليها وهى التحول الديمقراطى فى نيجيريا. ونيجيريا قطر افريقى مهم وبالغ التأثير فى القارة الافريقية ولذلك فسوف  يكون لهذا التحول اثره البالغ فى القارة. اننا نرحب بهذا التحول ونشيد بالانتخابات التى تمت ونهنئ الرئيس اوبسانجو على ثقة الشعب النيجيرى ونأمل ان تشهد نيجيريا تقدما فى ظل حكم القانون والمؤسسات فالموجة الديمقراطية فى القارة الافريقية تكتسب كل يوم مساحات جديدة.

الحدث الثانى هو عملية اختطاف السيد عبد الله اوجلان زعيم حزب العمال الكردستنانى وترحيله الى تركيا لمحاكمته اننا نقول الاتى: ان للشعب الكردى هوية ثقافة متميزة وله قضية يجب ان يتم التوصل لصيغة ترضى تطلعات القومية الكردية والسياسية وتشبع هويتهم الثقافية. ان التعامل الامنى لا يجدى بل سيزيد حدة العنف والصراع. المطلوب ايجاد حل سياسى لاسيما وقد اصبحت حقوق الانسان الثقافية وحقوق الشعوب من المسلمات فى عالم اليوم.

الحدث الثالث: هو استمرار الرئيس محمد خاتمى فى سياسته المعتدلة المنفتحة على الاخر والتى توجها بزيارته لايطاليا والفاتيكان لقد خدمت تلك الزيارة اهدافا يجب تشجيعها، منها السعى فى مصالح الشعب الايرانى الاقتصادية ومنها التأكيد على ان الاسلام لا يجد حرجا فى التعامل مع الآخر الملى. اننا نرحب بهذا الخط المنفتح ونرحب بالخروج عن النهج المتشدد الذى اوجده رد الفعل تجاه سياسات الشاه التغريبية.

ايها الاحباب

فى الاسبوع المنصرم وقعت احداث مهمة، هى اولا: اعلنت الجماهيرية الليبية موافقتها على تسليم المواطنين الليبيين المتهمين فى قضية لوكيربى الى الامم المتحدة لمحاكمتهم فى هولندا بعد حصولها على ضمانات من العاهل السعودى الملك فهد والرئيس نلسون مانديلا رئيس جنوب افريقيا بعدم تطوير محاكمة المتهمين الى محاكمة سياسية للحكومة الليبية. وستقوم الامم المتحدة بتعليق العقوبات التى يفرضها مجلس الامن على ليبيا فور تسليم المتهمين على ان يتم رفعها بشكل نهائى دائم بعد ثلاثة اشهر بعد تقرير الامين العام للامم المتحدة. اننا نرحب ونؤيد هذه الخطوة التى اتخذتها ليبيا بعد ان وصلت الى ما يحقق المطالب المشروعة فى الضمانات ونتمنى ان تكون بداية لصفحة جديدة فى العلاقات الدولية. كما نتمنى ان يتكلل ذلك بالرفع التام للعقوبات عن ليبيا.

ثانيا: حدث تطور مهم فى قضية كوسوفو وهو قرار حلف الناتو بتوجيه ضربات عسكرية ضد القوات الصربية وقد جاء القرار بعد ان فشلت جميع الجهود لتحقيق تسوية سياسية وبعد ان ظل الموقف الصربى فى تعنه ورفضه للاستجابة لمطالب المجتمع الدولى بوقف اضطهاد سكان اقليم كوسوفو من الالبان وقتلهم وتشريدهم. وتهدف هذه الضربات الى حماية سكان الاقليم من تلك الممارسات الصربية والى تجنيب الكوارث الانسانية. اننا نرحب ونؤيد هذه الخطوة من حلف الناتو ونتمنى ان تؤدى الى اقناع الحكومة اليوغسلافية بالجلوس الى طاولة المفاوضات وضمان الحقوق المشروعة للسكان الالبان.

ثالثا: قرر مجلس اللوردات البريطانى تسليم الرئيس الشيلى المخلوع الجنرال بينوشيه الى اسبانيا التى تطالب بمحاكمته لارتكابه جرائم وحشية ضد الرعايا الاسبان. وقد قرر المجلس تسليم الدكتاتور المخلوع بناء على المعاهدة الدولية لمكافحة التعذيب. اننا نرحب بهذا القرار ونهنئ مجلس اللوردات عليه ونقول: لابد ان يجد المستبدون والطغاة والجلادون عقابهم الرادع حتى يكونوا عظة لمن يسومون شعوبهم سوء العذاب.

الحديث

قال r “الخير فى امتى الى يوم القيامة” استغفروا الله العظيم.

الخطبة الثانية

الله اكبر الله اكبر الله اكبر

احبابى فى الله واخوانى فى الوطن العزيز

يمر علينا هذا اليوم وبلادنا تتجاذبها ازمة توشك ان تعصف بكيانها فلم يعد الحديث عن ازمة اقتصادية تاخذ بخناق الوطن والمواطن، ولم يعد الحديث عن التردى الخلقى والاجتماعى الذى ضرب باطنابه فى بلادنا، وانما تعدى الامر ذلك واصبح الحديث عن السودان يكون او لا يكون، فقد حاصرت المهددات كيان السودان القومى وانتشرت الحروب فى ارجائه وانهارت الدولة الحديثة واصبحنا قاب قوسين او ادنى من مصير الصومال وافغانستان.

كيف حدث هذا؟ وما هو المخرج؟

دخل الاسلام السودان عبر تسرب المسلمين وهجرات القبائل العربية اليه فى فترة دولة النوبة المسيحية وعبر المتصوفة انتشر تدريجيا بالقدوة واقام شيوخ الطرق الصوفية الخلاوى والمسايد فكانت مؤسسات للارشاد والرعاية الاجتماعية، وتوافد فقهاء الى السودان واحدثوا اثرا تعليميا فى علوم الشرع.

لقد سبقت الدعوة الدولة فى السودان وانتشر الاسلام عبر الدعاة الاهليين حتى تمكن تحالف الفونج والعبدلاب من اقامة الدولة فى اواسط السودان كما قامت ممالك الفور والمسبعات وتقلى فى السودان الاوسط والغربى، وثار السودانيون على الحكم الاستعمارى تحت راية الامام المهدى عليه السلام فتم تحرير البلاد من المستعمر وانصهر السودانيون فى بوتقة واحدة متجاوزين الولاءات القبلية والطائفية واكملوا حلقات التشريع الاسلامى باقامة الدولة الاسلامية فاكتسب السودان صيتا استحقه.

ايها الاحباب،

لقد تميز اهل السودان بالتدين العميق وتميز الاسلام بالتسامح المتناهى فلم تعهد فى قياداته الدينية مواقف ضد الجديد النافع بل رحبوا بصورة تدعوا للدهشة والاعجاب بالقوى الحديثة كالخريجين والعمل والمرأة، وتفوقوا على كل نظرائهم فى البلاد الاسلامية. كما تميز السودان بتسامحه تجاه التعدد الدينى والسياسى وبسبب من هذا السلوك المتسامح فقد دخلت التنظيمات العقائدية الشيوعية والاسلاموية الى البلاد وتم التعايش معها بينما تم قمعها بحزم فى البلدان الاخرى.

احبابى فى الله واخوانى فى الوطن العزيز

لقد كان البلاد تسير فى هذا النهج المعتدل المتسامح واوشكت الحكومة الديمقراطية على الوصول الى اتفاق سلام مع الحركة الشعبية فى عام 1989 وتم تحديد موعد لانعقاد المؤتمر الدستورى سبتمبر 1989 فوقع انقلاب حزب الجبهة الاسلامية القومية فعطل ذلك المسعى ضيقا بالرأى الاخر مبررا انقلابه بتبريرات لو حاسبناه بها الان لوجدناه حقق نقيضها كاحسن ما يكون التحقيق.

لقد اطاح نظام الانقاذ بالتسامح السودانى المعهود واقام دولة بوليسية قمعية تدثرت بالدين واعتبرت مخالفيها اعداء للدين وللوطن، وتحت ضغط الشعور بعدم شرعيته وبأنه نظام اقلية اعطى النظام اولوية قصوى للصرف الامنى والعسكرى فصرف على القوات المسلحة الرسمية بعد ان سعى فى تسيسها بتصعيد المحاسيب وابعاد المخالفين، كما قام بالصرف على ستة تنظيمات عسكرية موازية للقوات المسلحة قام بانشائها، ولم يكتف النظام بذلك فقد شجع تكوين المليشيات القبلية حتى بلغت خمس عشرة مليشيا وكان طبيعيا ان يتجاوز النظام مؤسسة البوليس الرسمية حيث ظل ينشئ الاجهزة الامنية خارجها حتى بلغت فى حصيلتها خمسة اجهزة سخرها فى حرب المواطنين العزل الذين واجهوا النظام بشجاعة كافأهم عليها بقسوة زادت سجله الاسود فى مجال حقوق الانسان سوادا واستحق 8 أدانات من لجنة حقوق الانسان التابعة للامم المتحدة، وفى مواجهة هذا القمع المنظم تحول الضحايا المدنيون للمقاومة المسلحة فانشأت كل الاحزاب السياسية والتكوينات الاقليمية السياسية جيوشها الخاصة وزادت المقاومة الجنوبية عددا وعزيمة للمقاومة.

كما لعبت أيدلوجية النظام الاحادية الضيقة دورا محفزا للقوى المعارضة لحمل السلاح اذ سمى النظام مجهوده الحربى جهادا وبشر مقاتليه باحدى الحسنين النصر او الشهادة. ونتيجة لهذا السلوك المتعصب ونتيجة لمحاولة النظام فرض ايدلوجيته على دول الجوار انفتحت اربع جبهات للقتال فى الجنوب والغرب والشمال الشرقى والجنوب الشرقى.

ايها الاحباب

لقد ادى الصرف الامنى والعسكرى مع الصرف الادارى المتزايد وتفشى الفساد المالى مع غياب الرقابة الى الانهيار الاقتصادى الحالى. فاصبحت الحياة جحيما لا يطاق وارتفعت نسبة الفقر حتى شملت 95% من السودانيين وتفشت ظواهر البطالة والكساد واثمر هذا الوضع ثمارا اجتماعية خبيثة لم يعرفها المجتمع السودانى من قبل كالفساد الاخلاقى والتسول والخداع.

اما الخدمات الاساسية فقد بلغت اوضاعا مأساوية فالتعليم العام تتهدده المخاطر من كل حدب وصوب، فقد رفعت الدولة يدها عنه واصبح لزاما على المواطنين الصرف على تعليم ابناءهم، ولم تكتفى الدولة بذلك اذ عجزت حتى عن دفع مرتبات المعلمين، فتوقف التعليم العام فى كثير من ارجاء الوطن، اما التعليم العالى فقد اندفعت الدولة فى إنشاء الجامعات دون خطة او تخطيط فبلغت الجامعات ثلاثين جامعة اغلبها لافتات تفتقر الى المحاضرين والمعامل والمكتبات، وتعرض الطلاب اضافة الى هذه الظروف القاسية الى المطاردة والزج بهم فى برنامج مرتجل للخدمة الالزامية دفع بهم فى اتون الحرب من غير اعداد كاف، فتوقفت العملية التعليمية فى البلاد وكذلك الحال فى مجال الصحة، اما فى المجال الزراعى فقد تهاوت المشاريع الزراعية الواحد تلو الاخر مثلما حدث لمشاريع النيل الابيض والنيل الازرق ومثلما حدث اخيرا لمشروع الجزيرة الذى تسعى الحكومة الان لخصخصته، وكذلك الحال فى المشاريع المطرية التى زج بالمزارعين فيها الى غياهب السجون بسبب الاعسار والعجز عن سداد الديون للبنوك مثلما حدث لمزارعى القضارف، يحدث كل ذلك والنظام يصر مستكبرا كان لم يسمع بما يحدث ويمضى فى التشدق بالشعارات الاسلامية.

الم يصل هذا النظام الى السلطة بالقوة والغلبة والانقلاب، والاسلام يرفض هذا الطريق وتقوم الشرعية فيه على الشورى ورضا المسلمين كما قال r “من بايع من غير مشورة المسلمين فلا بيعة له ولا الذى بايعه”.

  • الم يوجبوا البيعة بعد استيلائهم على السلطة والبيعة لا تكون الا قبلية.
  • الم يعلنوا الجهاد على مخالفيهم من ابناء الوطن والجهاد فى الاسلام لا تعلنه الا سلطة شرعية صحيحة النيابة عن الشعب ولا يكون الا لرد الاعتداء ولضمان حرية الدعوة.
  • الا يعلم هؤلاء ان الجهاد لا يكون ضد مواطنين يجمعنا معهم عهد المواطنة.
  • الم يصادروا اموال وممتلكات المواطنين والاسلام يشدد فى النهى عن ذلك.
  • الم يتجاوزا شروط الزكاة من نصاب وحولان الحول واخذوها من الفقراء وصرفوها فى غير محلها.
  • الم يصرفوا موارد البلاد على محاسيبهم متناسين العدل بين الناس.
  • الم ينفقوا موارد البلاد على الصرف الدعائى وعلى تأليف افراد يدعون باسمهم ان الوفاق قد تم وان السلام قد تحقق فيدافع المواطن نفقات السلام ونفقات الحرب فى نفس الوقت.
  • الم يزحموا الساحة بخزعبلات فقهية مضحكة ان بقى فى السودان مجال للضحك.
  • الم يستخدم النظام اسلوب التصفية فى الخدمة المدنية فشرد اهل الكفاءة وقرب اهل الولاء ومنع المستحقين ومنعهم ظلم بين.
  • الم يستغلون اسماء اسلامية فى صيغ البنوك كالمرابحة والسلم مع ان ربويتها تفوق اسعار الفائدة فى البنوك الغربية.
  • الم يقتلوا مواطنين فى غير حد وذلك حينما قتلوا مواطنين لمخالفتهم احكام العملة.
  • الم يقم النظام بيوت الاشباح كمعتقلات خاصة ويجعل من الحبس عذابا حسيا ومعنويا.

ولم يقتصر الامر على تلك المخالفات الشرعية اذ باتت المخاطر تهدد كيان الوطن وامنه القومى وصرنا نسمع قعقعة السلاح حتى فى العاصمة القومية وامتد التهديد ليشمل النسيج الاجتماعى السودانى.

ايها الاحباب:

لقد وقعت فى دار فور حوادث مؤسفة اهلكت الحرث والنسل وادت الى ترك المواطنين لقراهم. حدث ذلك فى اقليم عُرف أنسأنه بقيمه واخلاقه الدينية الرفيعة وربطت العقيدة افراد ذلك المجتمع.

اننا نقول عما يحدث فى دارفور:

اولا: من طبيعة الانظمة الشمولية الاستئثار بالسلطة وهى بطبعها لا تتنازل عن سلطاتها لذلك تفاقم الشعور بالتهميش وبضعف مشاركة الاقليم السياسية فى امور البلاد.

ثانيا: وعلى طول سنين الانقاذ غابت التنمية عن اقليم دار فور بل وتم تدمير ما كان قائما من مشاريع مثل مشروع غزالة جاوزت – خزان جديد – ساق النعام وغيرها. اما طريق الانقاذ الغربى فمضى عليه ثلاثة اعوام ولم يتقدم تنفيذه، قام النظام خلالها باقتطاع اموال مواطنى الاقليم من السكر وفرض الضرائب.

ثالثا: تجاوز النظام الاعراف القبلية الموروثة وتجاوز خصوصية الاقليم.

رابعا: سعى النظام لبذر بذور الفتنة فى قواعد خصومه السياسية بحسبان دار فور من معاقل الانصار.

خامسا: اثار النظام النعرات القبلية لتحقيق اهدافه.

اننا نقول بوضوح ان التدابير الاستثنائية مثلما حدث مؤخرا باعلان حالة الطوارئ والتعامل الامنى مع المشكلة لا يجدى فقد سبق ان جربه النظام مرارا وذلك حينما اعلن حالة الطوارئ عامة فى البلاد عام 1989 ولم ترفع ثم اعلنها للمرة الثانية عام 1997 فى اعقاب مؤتمر الامن الشامل ولم ترفع وعاد لاعلانها للمرة الثالثة فى عام 1998 بعد حادثة السطو على بنك السودان فرع نيالا ولم ترفع ثم اعلنها اخيرا بعد احداث تباريك بولاية غرب دارفور.

لذلك نقول ان هذه المعالجات لن تجدى فتيلا والحل يكمن فى معالجة المشاكل الكامنة علاجا موضوعيا فى مسائل المشاركة السياسية والتنمية الاقتصادية وتوفير الحريات الاساسية ومراعاة الواقع الاجتماعى المحلى.

ونناشد اهلنا فى دارفور بالتسامى فوق جراحات الماضى والنظر الى ما يجمع من روابط العقيدة والمواطنة والجوار والمصاهرة والارتفاع عن عصبيات الاعراق، كما ننقل لاهلنا فى درا فور اهتمام الانصار قيادة وهيئة شئون انصار وقاعدة وسعيهم للعمل على الوصول لحلول تعيد لاهلنا فى دارفور السلام والوئام والالفة والمحبة.

احبابى فى الله واخوانى فى الوطن العزيز

وبعد ان تكالبت على هذا النظام الازمات من كل جانب وبعد ان تزايدت الضغوط الداخلية والخارجية عليه، اعلن النظام فى الاشهر المنصرمة عن رغبته فى اجراء تحولات ديمقراطية ليتجاوز عزلته ولتغطية العجز الذى صاحبه فهل هو جاد فى ذلك؟ هنالك شواهد كثيرة على عدم جدية النظام فى هذا التحول وهناك مواقف تطعن فى مصداقية النظام كما ان هناك مآخذ كثيرة على ما قام به النظام من دستور وقانون للتوالى ومن ممارسات نذكر بعضها مكتفين بالاشارة اليها:

اولا: عين النظام بمعرفته لجنة اسماها قومية لكتابة الدستور لم تشارك فيها القوى السياسية السودانية فخرق اول شروط الدستور وهو الاجماع الوطنى.

ثانيا: حتى مسودة الدستور التى قدمتها هذه اللجنة رفضها النظام وابدلها بمسودة دستور تعبر عن رؤيته الاحادية مررها على المجلس الوطنى ليجيزها واجازها استفتاء شعبى لم يشارك فيه الشعب بل ولم يعرف المواطنون اماكن مراكز الاقتراع.

ثالثا: حذف النظام كل المواد التى وردت فى مسودة اللجنة القومية والتى تحوى قدرا من الحرية والتسامح تجاه الاخر.

رابعا: فى عشية التوقيع على الدستور الجديد زج النظام بالمعارضين فى السجون مما اصاب مصداقيته فى مقتل.

خامسا: اتبع النظام ذلك الدستور بحديث عن السماح بالتعددية الحزبية واصدر قانونا للتوالى السياسى لوحظ الاتى بشأنه:

  • تناقض التصريحات والتفسيرات لمفهوم التوالى من مسئولى النظام، فبعضهم يبيح التعددية الحزبية بينما يرفضها البعض الاخر بطريقة لا يمكن فهمها الا فى اطار توزيع الادوار.
  • السماح لحزب المؤتمر الوطنى بالعمل والتنظيم قبل اجازة القانون وحظر الاحزاب الاخرى.
  • تمويل حزب المؤتمر الوطنى من الخزينة العامة واستخدامه مرافق الدولة.
  • استغلال المؤتمر الوطنى لنفوذ الحكومة والتحصن باجهزتها الامنية وطوافه لاخذ قسم الولاء من المواطنين على المصحف.
  • هذا بالاضافة لهيمنة النظام وحزبه الحاكم على مقاليد السلطة السياسية والامنية والاقتصادية وغيرها.
  • تجاهل النظام للقوى الرئيسية التى افرزتها انتخابات 1986 الحرة والتعامل مع احزاب مصنوعة، صنعها ومولها النظام:

ااقاتل الحجاج فى سلطانه                   بيد تقر انها مولاته

ماذا اقول اذا وقفت ببابه          يوما واحتجت له فعلاته

  • استمرار الاعتقالات والمحاكمات والمضايقات للمخالفين وطال ذلك حتى الهيئات الدينية كهيئة شئون الانصار ونشاطها الدعوى فيكف يحتمل النظام احزابا تنافسه.

كل ما سبق ذكره يقطع بعدم جدية النظام وبحق الآخرين فى الارتياب فى نواياه.

ايها الاحباب

ان بلادنا تمر بظرف عصيب يوجب علينا المبادأة والمبادرة لانتشال بلادنا من المصير الذى تساق اليه، ان المخرج الذى ندعو له والذى نأمل ان يجنب بلادنا التمزق والتدخل الاجنبى ويعيد لبلادنا قيمتها بعد ان صارت دولة حزب واحد يجب ان يكون بالاضافة لما سبق حلا شاملا لكل مشاكل البلاد لا حلا جزئيا ويجب ان يشترك فيه جميع اهل السودان والا يعزل احد منه، ذلك الحل يكمن فى قيام مؤتمر قومى دستورى يقوم بالاتى:

اولا: اقرار اتفاق سلام شامل وعادل ودائم يضع حدا للاقتتال ويكفل للجنوب حقوقه المشروعة.

ثانيا: وضع اساس ديمقراطى راسخ لحكم البلاد.

ثالثا: وضع اساس متين للعلاقات الخارجية.

رابعا: وضع الاسس والقواعد اللازمة لاجراء الانتخابات على ان يفضى المؤتمر الى قيام حكومة شرعية وصحيحة النيابة عن الشعب.

احبابى انصار الله

حينما هاجر السيد الصادق المهدى ترك وراءه مؤسسة تدير شؤون الانصار تشربت فكره وانطلقت تنفيذ برامجها فى خدمة الانصار ودعوتهم فرعت الخلاوى التى خرجت آلاف الحفظة الذى انتشروا فى بقاع سوداننا الحبيب يعملون الناس ويقيمون الصلوات، وانطلق دعاة الهيئة يبشرون بالفكر الدينى المستنير ويبثون الدعوة لا يبالون بما لقوه من المكروه ولا بما فاتهم من المحبوب المشتهى. ووصلت الهيئة الانصار فى مناطقهم متفقدة وراعية تشارك الانصار افراحهم واتراحهم وتعمل على مساندتهم واصلاح ذات بينهم على الرغم من مضايقات الانقاذ التى استمرت حتى بعد اعلانها الدستور الجديد، فتعرض وفود الهيئة للمنع والاعتقال كما حدث فى بربر وعمارة الشيخ التوم وفى الابيض وحاكت ضد قادة الهيئة فى اقاليم السودان المؤامرات وتطاولت على قيادة الانصار سبا وتجريحا على السنة مسئوليها وصحفها.

ايها الاحباب

لقد من الله على بلادنا وعلينا نحن الانصار بقيادة مجاهدة ومجددة ومجتهدة، قيادة طابق فعلها فكرها فصار للفكر قيمته حينما تم تنزيله على ارض الواقع.

ايها الاحباب ما اصعب الحديث عن السيد الصادق المهدى المجدد الدينى الذى واءم بين الاصل والعصر ففتح للاسلام مجرى جديدا انقذه من الاختناق والاحتباس مستلهما خطى الامام المهدى فى فقه الحركة ومترسما خطى الامام عبد الرحمن على ذات النهج، وما اصعب الحديث عن السيد الصادق المهدى المفكر الموسوعى الذى كتب وعلم وحاضر وناظر فى كل شأن فكتب فى الفكر الاسلامى على سبيل المثال: العقوبات الشرعية وموقعها من النظام الاجتماعى الاسلامى – الدولة فى الاسلام – التنمية الاقتصادية من منظور اسلامى، الزكاة ودورها فى النظام الاقتصادى الاسلامى – الاعلان العالمى لحقوق الانسان من منظور اسلامى وغيرها من الكتب والكتيبات والاوراق. وكتب فى الفكر السياسى: تحديات التسعينات – الديمقراطية عائدة وراجحة – احاديث الغربة – العلمانية وغيرها، وحاضر فى الفن فى الاسلام وفى العلاقات الروسية العربية وفى الاقتصاد الاسلامى والاديان الاخرى وفى السنة والتفاسير وفى عشرات المواضيع، وشهد مؤتمرات خاطبها ممثلا عن السودان حينا وعن العالم العربى حينا اخر، وعن عالم الجنوب تارة وعن الاسلام تارة اخرى فكان فخرا لنا تقاصر دونه كل فخر.

وما اصعب الحديث عن السيد الصادق المهدى فى المجال السياسى وعن تجديده السياسى وجهاده ومواقفه فقد كتب عن مسألة جنوب السودان فى ابريل 1964 وكأنه يستشرف الغيب منبها الى ان تلك المشكلة لا يمكن حلها الا فى اطار سياسى وبالنظر الى كل ابعادها الثقافية والاجتماعية، فكان ولازال مجددا يستلهم امال الامة وتطلعاتها فصار املا للامة ترجوه لاستكمال تطلعاتها.

وكان مجددا فى الوسائل مثلما هو مجدد فى الفكر، لم تطاله العصبيات الحزبية فارتفع عليها فى وقت كانت لتلك العصبيات سطوتها فبشر بالنهج القومى لحل مشاكل البلاد فاشرك الجميع حينما آلت اليه مقاليد الامور فى ستينات هذا القرن، واستوعب القوى الحديثة وكانت افكاره هى الرائدة والتى لا يلبث ان تصبح محل اجماع القوى السودانية مثل دعوته للمؤتمر الدستورى ومثل اسهامه فى ميثاق الانتفاضة.

ما اصعب الحديث عن جهاده السياسى الذى ابتدره بالاستقالة من الوظيفة فى عهد عبود، وبالانخراط فى المقاومة لذلك النظام، ولم يقتصر جهاده على فترات الانظمة الاستبدادية بل امتد ليصارع بافكاره وجهده وماله فى اوقات الديمقراطية. ولما جاءت مايو تحمل النصيب الاوفى فى مقاومتها ومنازلتها سجنا ونفيا وتجريحا، قارعها من الداخل فى انتفاضة شعبان 1975 ومن الخارج فى انتفاضة يوليو 1976، وحمل روحه فى كفه وقابل الدكتاتور المخلوع داخل السودان فى بورتسودان وهو محكوم عليه بالاعدام توكلا على الله وتقديما لنفسه فداء لتراب هذا البلد الذى احبه وبادله اهله حبا بحب لم يلتفت يوما للهم الخاص فى سبيل الدين والوطن وحينما نكث الدكتاتور نميرى اعلن السيد الصادق المهدى خروجه من المصالحة الوطنية بالصوت الجهير وادان ممارسات النظام وتحمل عنته وبطشه وسجونه وبقى فى البلاد يقود المعارضة حتى توجها بالانتفاضة المباركة، فحفظ الشعب السودانى له جهاده واولاه ثقته.

وكان جهاده فى فترة رئاسته للوزراء اكبر مما سبق فقد انكب على مشاكل البلاد يوليها فكره وروحه واعصابه وجسده حتى اشفقنا عليه وهو لا ينى له عزم ولا يهدا له بال، ابوابه مشرعة يقابل كل ذى شكوى ويسمع لكل ذى اذى رأى لم تبطره السلطة –وحاشاه- ساس البلاد برأفة ورحمة نجدها فى دنيا الروح وقلما نسمع بها فى دنيا السياسة يرد اساءة المسىء بالاحسان.

واستمر جهاده فى فترة الانقاذ فقدم فى مستهلها رؤيته لحل مشاكل البلاد طالبا من الانقاذ الالتفات الى تنفيذ البرامج القومية المتفق عليها متجاوزا المرارات الشخصية التى بدأته الانقاذ بها، مع ان الحق معه، وشارحا لهم ان البلاد لا تحتمل الصراع المسلح فكان اول الجاهرين بكلمة الحق وظل هذا دأبه طوال السنوات السبع التى قضاها بالبلاد محاورا بالحسنى ومجاهدا جهادا مدنيا وناصحا ومحذرا ومنبها الى المخاطر المحدقة بالبلاد، وكان يدفع ثمن نصحه واحسانه عنتا ورهقا واساءة، فتحمل ذلك بروح راضية وقلب مطمئن ونفس لم تكدرها الضغائن مع ان قادة النظام الذين تربوا فى كنفه ردوا احسانه باساءة خصوه بها وتحاورا مع حملة السلاح بينما رفضوا الحوار معه وحينها ادرك عدم جدية النظام فى الحوار والوصول لحلول سلمية، ولم تكتف الحكومة بذلك بل استدعته الاجهزة الامنية واوضحت له صراحة انها تعتبره مسئولا عن أى نشاط عسكرى يتم فى الخارج وانها ستتعامل معه كمحارب وهددته بالقتل صراحة، ولما ادرك السيد الصادق المهدى ان الحكومة اتخذته درعا بشريا استجاب لنداءات ورجاءات متكررة من معاونيه ومساعديه فكانت هجرته على درب السلف الصالح.

ايها الاحباب، ما اصعب الحديث عن قائد هذا الكيان، اكثرنا همة بلا ادنى شك نستمد عزمنا منه واوفنا ذمة نسعى جاهدين للتأسى به القائد المتقلد بقلائد الدين، رأينا فيه الدين واقعا معاشا فملك شغاف القلوب واذكرنا بسيرة نبينا r “لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ”، يصل احبابه فى افراحهم ويخفف عنهم اتراحهم. ما اصعب الحديث عن السيد الصادق المهدى الانسان وما اصعب الحديث عن صفاته ومكارم اخلاقه.

ايها الاحباب، لكل ذلك ولكثير غير ذلك لم نذكره، ارتبط انصار الله مع السيد الصادق المهدى برباط متين لا تهونه السنون بل تزيد وثاقه، رباط تدركه الارواح المؤمنة ويوثقه الفكر النير وتحميه الاجساد.

ايها الاحباب، لقد ارتبط الانصار مع السيد الصادق المهدى بعهد اخذوه فى الجزيرة ابا وفى امدرمان فى عام 1983 وذلك حينما تآمرت مايو على الانصار وقيادتهم وبقى الانصار على وفائهم لذلك العهد حتى بلغهم الله مقاصدهم.

واليوم يتجدد تامر قوى الشر على كيان الانصار وقيادته وهانحن اليوم نجدد العهد للسيد الصادق المهدى قائدا امينا ناصحا لله والوطن، مطيعين له فيما يامرنا به وفيما ينهانا عنه فى رضاء الله.

وفى هذه اللحظات المباركات يردد انصار الله فى كل بقاع السودان معنا هذا العهد كما يردد انصار الله الذين تجمعوا من مختلف بقاع العالم للحج بمنى هذا العهد فى نفس اللحظات ونرجوا من الاحباب الوقوف وترديد هذا العهد:

عاهدناك على قطعيات الشريعة.

عاهدناك على بيعة الإمام المؤسس الأول وخليفته، والإمام المؤسس الثاني وخليفتيه.

عاهدناك على فلاح الدنيا وصلاح الآخرة.

عاهدناك على نهج الشورى وحقوق الإنسان.

عاهدناك على الطاعة المبصرة فيما يرضي الله ورسوله،  والله على ما نقول شهيد.

اللهم يا عظيما ثبتت عظمته للخلائق وقد اظهر لها من صنعه الدقائق وبين لها العجائب والرقائق وهبت من خشيته اهل الحقائق وسبحت بحمده الاكوان وصور الخلق على اصناف واحسن خلق الانسان، نسألك اللهم بحق خفى لطفك وبحق ظاهر عطفك وبحق اصطفائك لاوليائك وترقيبك لانبيائك ان تهيئ لنا ولبلادنا مخرجا سلميا وان تجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن.

والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.