خطبة عيد الفطر المبارك 10 سبتمبر 2010م

بسم الله الرحمن الرحيم

الله أكبر ولله الحمد

خطبة عيد الفطر المبارك

الجمعة غرة شوال 1431هـ  الموافق 10 سبتمبر 2010م

الخطبة الأولى

اللهُ أكبر.. اللهُ أكبر.. اللهُ أكبر

الحمْدُ للهِ الوالِي الكريمِ والصلاةُ على حبيبِنا محمدٍ وآلهِ وصحبهِ مع التسليمِ، وبعدـ

أحْبَابـِي فِي اللهِ وإخوانِي فِي الوَطَنِ العزيزِ

ديننا نَزَلَ بِهِ الروحُ الأمينُ على قلْبِ محمَّدٍ (ص)، ومع أنه وحيٌ مدخلـُهُ الوجدانُ فإنـَّه يـُخاطِبُ العقلَ، وتتكـررُ الآياتٌ في خطاب قومٍ يعقلون، ويتفكرون، ويُحاجُّون المنكرين: (هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ)[1]؛ لذلك قال الإمام الشاطبيُّ: كلُّ ما حَكَمَ بِه الشرعُ حكمَ به العقلُ. فالإعراضُ عن الإيمانِ نوعٌ من الجنونِ!

نحنُ في يومِنا هذا ختمنا الصيامَ، والقيامَ، وأدّينا زكاة الفطرِ. ونفرحُ باستقبالِ العيدِ. إنَّ في هذه الشعائر معانٍ مُشتركة: معنىً رُوحاني يربطُ الإنسانَ بِخالقِهِ، ومعنىً تربويٌ يُهذبُ سُلوكَ الإنسانِ، ومعنىً اجتماعيٌ يرُمُّ علاقاتِ الإنسانِ بأخيهِ الإنسان.

وظيفةُ الصيامِ الروحية قـُرْبى للهِ، ووظيفتُهُ التربويةُ مرانٌ على الصبْرِ، ووظيفتُهُ الاجتماعيةُ تعاطفٌ مع المحرومينَ.

أما القيامُ فوظيفتُهُ الروحيةُ وصالٌ بالله، والتربويةُ مرانٌ على الانضباطِ، والاجتماعيةُ التعبدُ الجماعي. وزكاةُ الفطرِ هي اليوم أربع جنيهاتٍ عن كل فرد، فوظيفتها الروحية كفارة عما يجرح الصيام، والتربوية غرس فضيلة الإنفاق في الأنفس المجبولة على الشح، والاجتماعية غرس فضيلة التكافل وتوفير حاجة المحرومين. أما العيد فوظيفته الروحية مظاهرة إيمانية حاشدة، والتربوية مشاركة كل الأجيال في فرحة عامة، والاجتماعية أن العيد موسم للتزاور، والتعافي، وتبادل المودات والهدايا.

الإسلامُ اليوم من حيثُ العقيدةِ، والعبادةِ، وأداءِ الشعائرِ بخيرٍ؛ بلْ يكسبُ أراضٍٍ جديدةٍ في كلِّ القاراتِ. ولكنَّ حالةَ المسلمينَ منْ حيثُ النظامِ الاجتماعيِّ وأسلوبِ الحياةِ سيئةٌ. فنظُمِ الحكمِ في كثيرٍ من بلدانِنَا تقومُ على الاستبدادِ، خلافا لقوله تعالى: (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ)[1]. وقال عمر (رض): “َمَنْ بَايَعَ رَجُلًا عَلَى غَيْرِ مَشُورَةٍ مِنَ المُسْلِمِينَ، فَلاَ يُتَابَعُ هُوَ وَلاَ الَّذِي بَايَعَهُ، تَغِرَّةً أَنْ يُقْتَلاَ”[2]. والواجب على الحكام تجنب الاستبداد في إدارة الحكم. قال أبوبكر (رض): “يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي قَدْ وُلِّيتُ عَلَيْكُمْ وَلَسْتُ بِخَيْرِكُمْ، فَإِنْ ضَعُفْتُ فَقَوِّمُونِي، وَإِنْ أَحْسَنْتُ فَأَعِينُونِي”[3].

والاقتصاد مع ما فيه من ثروات لم يُذْهب الفقر والجوع عن الأغلبيةِ. و” كَادَ الْفَقْرُ أَنْ يَكُونَ كُفْرًا” كما قال رسول الله (ص)[4] ومَا قال مظفَّرُ النوَّاب:

مولاي لا تلُم الجوعَ الكافِر

 في هذا الزمنِ الكافِر

أنا فِي صفِّ الجوعِ الكافـِر

ما دام الصفُّ الآخَر

يسجدُ مِن ثقل الأوزَار!

في أغلب بلداننا يهيمن الاستبداد والظلم الاجتماعي والإرادة المسلوبة والهيمنة الأجنبية، ومع أنه تعالى يقول: (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ)[5]. كثرت لوحات المذلة، لوحاتٌ مأسويةٌ رسمها كثيرون مِن الكتّابِ والشعراءِ – مثلا- قال أحمدُ مَطَر:

أنا السبَبُ في كلِّ ما جَرَى للعربْ

أنا السببْ
في كل ما جرَىَ لكُم
يا أيها العربْ .
سلبتُكم أنهارَكم
والتينَ والزيتونَ والعنبْ .
أنا الذي اغتصبتُ أرضَكم
وعِرضَكم، وكلَّ غالٍ عندكم
أنا الذي طردتُكم
من هضْبة الجولان والجليلِ والنقبْ .
والقدسُ، في ضياعها، كنتُ أنا السببْ.

وبالضجيج والصَخبْ ؟!
أنا هنا، ما زلتُ أحمل الألقاب كلها
وأحملُ الرتبْ .
أُطِلُّ، كالثعبان، من جحري عليكم فإذا
ما غاب رأسي لحظةً، ظلَّ الذَنَبْ

هل عرفتم من أنا؟

أنا رئيسُ دولةٍ من دولِ العرب

حالة بلداننا السيئة المثقلة بالاستبداد، والظلم الاجتماعي، والتبعية؛ أثارت تيارات أهمها تيار علماني يرى ضرورة إبعاد الدين عن توجيه الحياة العامة لأنه برأيه هو سبب ما نعاني منه من تخلف وظلم واستبداد. هذا التيار وجد أقوى تعبيرٍ له في تركيا الكمالية. ولكن اتضح أنه يضحي بالتأصيل من أجل التحديث، لذلك في كل مكان جرت فيه هذه المحاولة لم تستطع إلغاء الحاجة للتأصيل ولم تستطع محو الأشواق للجذور. بل لم تستطع إثبات أن الإسلام هو العقبة في طريق النهضة كما قال الحكيم:

يقولون في الإسلام ظلماً بأنه    يَصُدّ ذويه عن طريق التقدم

فإن كان ذا حقّاً فكيف تقدّمت     أوائـــلُه في عهدها المتقدم؟

التيارُ الآخر هو تيار الركون للإسلام لمواجهة الظلم الداخلي، والهيمنة الأجنبية. التيارات الإسلامية الحديثة بدأت معتدلة ولكن ظروفا محددة دفعت كثيراً منها لنهج راديكالي. الاغتصاب الصهيوني لفلسطين أثار ضده مقاومة وطنية، وفي مرحلة لاحقة صارت قومية، ومع تمادي العدوان اتخذت المقاومة طابعا إسلاميا جهاديا.

وفي أفغانستان أثار الغزو السوفيتي مقاومة وطنية ثم إسلامية استطاعت بجهادها طرد السوفيت ولكن عجزها عن إدارة البلاد أفرز الظاهرة الطالبانية التي حولها الغزو الأمريكي إلى حركة تحرير جهادية. نفس الظاهرة حدثت في الصومال، فتدخـُّل التحالف الأمريكي الأثيوبي أفرز مقاومةً إسلامية اتخذت طابعا أكثر راديكالية مع تمادي التدخل الأجنبي. ونفس الشيء حدث في لبنان إذ أدى الغزو الإسرائيلي إلى مقاومة حزب الله.. السياسات العدوانية الاستيطانية والاحتلالية مسؤولة عن تنامي هذا التيار؛ أولاً: للتحالف معه ودعمه في أفغانستان ضد الغزو السوفيتي. وثانياً: لإعطاء حركته مبرراً لمقاومة الاحتلال على نحو ما قال السير ايفور روبرتس سفير بريطانيا في إيطالية عام 2004م إذ قال: إن سياسة بوش الاحتلالية هي أقوى سبب لحصول القاعدة على مزيد من المجندين  في صفوفها. وبنفس المنطق قال رئيس أركان جيش إسرائيل موشي يعلون في 2003م: إن قمع الشعب الفلسطيني بأكمله يولد مزيداً من روح النضال والمقاومة.

ومأساة الصومال بدأت تنافسا على السلطة بين الجماعات الصومالية ولكن الغزو الأجنبي عمّقه ودوّله، ومنتدى الوسطية العالمي بصدد الإصلاح (وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ)[6] وساطة يمكن أن تنجح إذا انقطع الغزو الأجنبي.

كانت إسرائيل قد اعتقدت أنها قد دجنت الجيوش العربية وصرفتها إلى دورٍ شرطيٍّ على نحو ما قال أملُ دنقل:

إن الرصاصة التي ندفع فيها

ثمن الكسرة والدواء

لا تقتل الأعداء

لكنها تقتلنا إذا رفعنا

صوتنا جهاراً

تقتلنا وتقتل الصغارا!

لكن ظاهرة المقاومة الشعبية المسلحة التي تخوض حرباً بوسائل غير نظامية أبطلت سحر التفوق العسكري الإسرائيلي، بل جعلت إسرائيل لأول مرةٍ في قفص الاتهام الجنائي الدولي بسبب محاولاتها قمع المقاومة بوسائل العقاب الجماعي والبطش بالمدنيين.

إن مقاومة الاحتلال والاستيطان مشروعةٌ، ولكن القاعدة اتخذت أسلوب قتل بشرٍ وإتلاف أموالٍ دون ضوابط شرعيةٍ.  ومع إدانتنا لهذا الأسلوب، فإنه ليس خاصاً بالمسلمين؛ بل مورس في كثير من الحالات المماثلة كما فعل الجيش الجمهوري في أيرلندا، “وإيتا” في أسبانيا، وحركة استقلال كورسيكا في فرنسا، و”نمور التاميل” في سيريلانكا. كما وثق لذلك الكاتب الأمريكي  روبرت بيب في كتابه: (الاستقتال من أجل النصر).

المقاومة بشقيها المشروعة وغير المشروعة مقترنةٌ بحالة العدوان الاستيطاني والاحتلال وسوف تستمر وتجد تعاطفاً مع استمرار العدوان الاستيطاني واحتلال الأوطان.

مسرح عمليات القاعدة توسع كثيراً مؤخراً، تغذيه خمسةُ عوامل: اثنان داخليان هما الاستبداد والظلم الاجتماعي؛ وثلاثة دولية هي: الاحتلال، والاستيطان، والهيمنة الثقافية.

هذا يفسر ولا يبرر أعمال القاعدة التي وإن صارت تحظى بتأييد أكبر لأنها جندت مشاعر الاحتجاج ضد واقع كريه، فإن موقفها ضار لثلاثة أسباب:

  • ممارسة العنف دون الضوابط الشرعية.
  • تأليب الرأي العام المدني العالمي في اتجاهات مضادة.
  • نظام الحكم البديل الذي تدعو له يقدس نظماً ماضوية تسقط الحاضر والمستقبل.

ولكننا الآن في ظروف تسمح بالعمل للإصلاح الداخلي بأسلوب الجهاد المدني، الذي من شأنه أن ينال تأييداً عريضاً من الرأي العام الداخلي والدولي، ويعزل الحكومات التي لا تستجيب لداعي الإصلاح المطلوب.

كما أن فرص استخدام القوة الناعمة لتحقيق أهداف التحرير قد تحسنت، ففي 2004م أجرى الاتحاد الأوربي استطلاعاً لما يزيد على سبعةِ آلافِ مواطنٍ أوربيٍّ، فأجاب حوالي 60% منهم أن الخطر الأكبر على السلام العالمي هو إسرائيل. ثم جاء تقرير قولدستون بعد العدوان على غزة في عام 2009م. ثم الاصطفاف الدولي ضد إسرائيل بعد عدوانها على قافلة الحرية هذا العام. القراءةُ الصحيحةُ لتياراتِ الرأي العام في أمريكا وفي العالم تؤكد أنها تعتبر حرب أفغانستان، وغزو العراق، ودق طبول الحرب ضد إيران وغيرها من مغامرات غرور القوة فاشلة وسوف يهزمها الرأي العام نفسه قبل أن تهزمها المقاومة.

أقوى أسلحة القوة الناعمة هي أن نقدم فكراً متحرراً من أسرِ الانكفاءِ على الماضي ومن ربْقة التبعيةِ للوافدِ.

الدعوة لطرد الإسلام من الحياة العامة حديث خرافة، فالدين في أكثر البلدان علمانية في الغرب يحتل مكانة كبيرة في الحياة العامة. كذلك قفل نوافذ التطور الإنساني الهائل في المجال الاجتماعي والتكنولوجي حديث خرافة، فالناس بزمانهم أشبهُ منهم بآبائهم.  النهج الصحيح هو كما قال ابن القيم: معرفة الواجب ومعرفة الواقع والتزاوج بينهما. الانكفاء على معطيات الماضي إفراط، وعلى حد تعبير الإمام المهدي فإن لكل وقت ومقام حال ولكل زمان وأوان رجال. وهجر التأصيل لإتباع الوافد تفريط: كتاركة بيضها في العراء وحاضنة بيض أخرى سفاهة!

إن المشهد في بلداننا الآن يتطلب نظاما اجتماعيا ينطلق من مرجعية إسلامية في الكرامة الإنسانية، والحرية، والعدالة، والمساواة، والسلام، والتسامح الديني، والتعايش السلمي، وعمارة الأرض، والعدالة الاجتماعية؛ ويستصحب ما جرى من تطورات في تلك المجالات على الصعيد الإنساني. ويتطلب إحياءً حضارياً يبعث أفضل ما في تراثنا الحضاري، ويستصحب منجزات حضارات الإنسانية.

هذا هو النهج الذي ينتصر للإسلام، ويستصحب نهضة الإنسان، ويدرك حكمة مقولة علي إمام المتقين كما رواها البخاري: “حَدِّثُوا النَّاسَ بِمَا يَعْرِفُونَ أَتُحِبُّونَ أَنْ يُكَذَّبَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ”؟

أحْبَابـِي فِي اللهِ وإخوانِي فِي الوَطَنِ العزيزِ

نداء حار لأهلنا في فلسطين. وحدوا صفكم أولاً، وادعموا الصمود والمقاومة ثانيا، وتجنبوا مفاوضات لن تحقق إلا إلباس المعتدين رداءً زائفاً؛ ما لم تكن المفاوضات بمرجعية تستجيب للحد الأدنى لمطالب فلسطين وهي:

الجلاء عن كل الأرض المحتلة عام 1967م، وتصفية المستوطنات، وحق العودة، فالمفاوضات تلبي حاجة إسرائيل لفك عزلتها بعد فضيحة قافلة الحرية، وتلبي حاجة أمريكية لإسعاف شعبية أوباما قبيل انتخابات الكونغرس القادمة، ولكنها لا تحقق مطلبا فلسطينياً. الحق الفلسطيني سوف يعود لأن المشروع الصهيوني في طريقه للفشل التام، ولأن الصمود والوجود الفلسطيني كبُر على التصفية: العنقاء تكبر أن تصادا.

أحْبَابـِي فِي اللهِ وأخوانِي فِي الوَطَنِ العزيزِ

تسببت الأمطار والسيول والفيضانات في إحداث أضرار جسيمة إذ راح ضحية لها عدد من الأنفس كما تهدمت المنازل والمرافق بمناطق كثيرة في كل أنحاء البلاد وغرقت كثير من الأراضي الزراعية بمحصولاتها. حدث هذا في النيل الأبيض، وشرق كردفان، وشندي، وأويل ولمْ تُحرك السلطات ساكنا لإغاثتهم.

إننا نعزي الأهل في تلك المناطق ونسأل الله الرحمة للموتى وحسن العزاء للأحياء. كما نهيب بالحكومة والسلطات المحلية القيام بواجبها في جبر الضرر والتحوط من المزيد من المضاعفات السالبة. كما نناشد كل فئات المجتمع العريض والمجتمع المدني ومنظماته الطوعية مد يد العون للمنكوبين.

وعزاء حار لباكستان وكافة البلدان المنكوبة بكوارث طبيعية ولا بد من تحقيق أعلى درجة من التعاون الدولي:

دعوى الإخاء على الرخاء كثيرة                    بل في الشدائد تعرف الأخوان

استغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين فإن رحمته (وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ)[2].

 

الخطبة الثانية

 الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر

الحمدُ لله الوالي الكريم والصلاة على نبينا محمدٍ وآله وصحبه مع التسليم، وبعد-

أحْبَابـِي فِي اللهِ وأخوانِي فِي الوَطَنِ العزيزِ

كل مواطن يرى ويسمع ويلمس أوجاع الوطن يسأل بإلحاح: السودان إلى أين؟

الجواب: في سبعة ملفات حيوية. إذا استمرت السياسات الحالية فالبلاد مسرعة نحو الهاوية. ولكن إذا أبدلنا هذه السياسات بأخرى صالحة فالنجاة ممكنة لأنه تعالى وعدنا: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ)[3].

الملف الأول: الاستقطاب الفكري

الانقلابيون رفعوا شعار الحل الإسلامي دون اجتهاد جديد لتحديد الواجب ودون إلمام محيط بالواقع فصار ما سموه المشروع الحضاري مشروع تخبط مثل حاطب الليل. لذلك فشلت التجربة، وأمام العزلة التي فرضتها عليهم سياساتهم تراجع المشروع وقبلوا في اتفاقية السلام في عام 2005م كل المبادئ التي كانوا يخونونها ويكفرونها. فشل المشروع الحضاري صار مضرب المثل في كل المؤتمرات العالمية الإسلامية، وصار كثير من الذين شاركوا في التجربة من أقوى نقادها. بعضهم جعل من صراحة الاعتراف تكفيرا للخطيئة. وبعضهم ندم عليها بهدوء، وبعضهم دبلج التحليلات لتبرئة نفسه من التجربة بأنه لم يكن يعلم فداحة ما يحصل.

انطلاقا من هذا الفشل قال قوم إن إقحام الإسلام في الشأن العام هو المسئول مما جرى للبلاد من ضرر. لذلك المطلوب طرد الإسلام من الشأن العام واتخاذ نهج علماني صريح لإخراج البلاد من ظلامية الإسلاميين. وآخرون قالوا إن سبب الاخفاق هو عدم الجدية في تطبيق الإسلام، هؤلاء انطلقوا في نهج تكفيري يكفر الديمقراطية، ويكفر تقرير المصير، ويكفـِّر التعاون مع الحركة الشعبية، ويكفر تحرير المرأة..  لدى هؤلاء الكفر هو علة القتال في الإسلام لذلك فإن كل من رموه بالكفر هو في نظرهم هدف للقتل ودمه هدر. هذا التيار انتشر بصورة كبيرة، وهو مدعوم بإمكانات أكبر من المجتمع السوداني تسنده حركة التكفير العالمية ومدعوم من النظام الحاكم الذي يستغله لتأييد سياساته، ولمحاربة وتصفية خصومه السياسيين.

بين تياري الخوارج الجدد (غلاة الإسلامويين وغلاة العلمانيين) يهيأ المسرح في بلادنا لفتنة لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ، لَوَّاحَةٌ لِّلْبَشَرِ.

الإسلاميون الحقيقيون مطالبون بالقيام بنجدة إسلامية سريعة تجمع صفوف أهل القبلة في السودان، وتتصدى لفتنة الإفراط والتفريط، وتجمع الصفوف حول أجندة إسلامية تستصحب المنجزات الإنسانية بمرجعية إسلامية، فتوفق بين التأصيل والتحديث، وتصير قدوة صالحة للأمة الإسلامية التي والحمد لله ما زالت متمسكة بعقيدتها وشعائرها، ولكن تعاني من أزمة في نظامها الاجتماعي ونهجها الحضاري على نحو ما قال نبي الرحمة (ص) في رواية مسلم: “إِنِّي لَسْتُ أَخْشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُشْرِكُوا بَعْدِي، وَلَكِنْ أَخْشَى عَلَيْكُمْ الدُّنْيَا أَنْ تَنَافَسُوْا فِيْهَا، وتَقْتَتِلُوْا، فَتَهْلكُوا، كَمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ”. قدوة تخرجنا من المستنقع الآسن، وتنير الطريق لغيرنا ” مَنْ سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً ؛ فَإِنَّ لَهُ أَجْرَهَا وَأَجْرَ مَنْ عَمِلَ بِهَا”[4] على حد قوله صلى الله عليه وسلم.

الملف الثاني: استفتاء تقرير المصير للجنوب

الاستفتاء هو أكبرُ تحدٍ يواجه البلاد، ورغم ذلك فإن قانونه، ومفوضيته، والمشاكل القائمة قبله، والمتوقعة بعده؛ جرى تناولها بصورة ثنائية محملة بالعيوب والمخاطر. لقد كانت تجربة انتخابات أبريل 2010م تمرينا في مدى تزوير إرادة الشعب، ومدى الاختلاف بين الحكم في الشمال والجنوب، والخلاف حول نتيجتها التي لفظتها القوى السياسية بقوة أظهر أن إجراء الاستفتاء بنفس الطريقة هو روشتة جاهزة لبلوغ الاستقطاب غاياته بل لحرب أشد تدميراً.

قانون الاستفتاء يفترض حسن النية، والتعاون بين الشريكين؛ وهذا غائب. ويفترض أن يمارس الاستفتاء بحرية تامة دون أي تأثير مباشر أو غير مباشر؛ وهذا على ضوء تجربة الانتخابات الأخيرة مستحيل.  القانون ينص على إعداد سجل الناخبين بصورة نهائية بعد أقل من شهر من يومنا هذا؛ وهذا غير ممكن. والقانون يفترض أن تكون المفوضية مستقلة وقادرة على إدارة استفتاء حر ونزيه؛ ولكنها مشلولة، واستفحال أزمة الثقة بين شريكي الحكم جعلها أكثر شللا. والنتيجة أن ما تجريه من استفتاء لن تكون نتيجته مقبولة لكل الأطراف. والمسائل الخلافية لا يرجى حسمها قبل موعد الاستفتاء.

لذلك اقترحنا إسناد حسم المسائل المختلف عليها لمفوضية حكماء ترضاها القوى السياسية دون أن تكون تابعة لحزب. على أن تقوم بمهمتها في فترة كافية حتى نهاية عام 2012م، ودون أن يؤجل موعد الاستفتاء. وقلنا إن الشريكين لجآ لطرف دولي في كل الأمور التي اختلفا فيها حتى دوّلا الشأن السوداني في كثير من جوانبه، لذلك ينبغي إسناد إدارة الاستفتاء للأمم المتحدة. إن حملة الاستفتاء قد صارت وحدوية بقيادة المؤتمر الوطني في الشمال، وانفصالية بقيادة الحركة الشعبية في الجنوب. وقد اتخذت طابعا خطيرا إذ اندفعت تيارات تكفر وتخون الانفصال وتعد الجنوبيين بالويل والثبور في حالة تصويتهم له. وطابعا خطيرا كذلك في الجنوب يعتبر الوحدة احتلالاً شمالياً، والانفصال استقلالا للجنوب من استعمار الشمال.

نحن نرافع للوحدة ولكننا نميز مرافعتنا بالآتي:

  1. الجنوب دخل مع الشمال في وحدة طوعية، والتظلم الجنوبي أثناءها وجد معالجات مستمرة والآن للجنوب الحق في اختيار الوحدة أو الانفصال فالعلاقة لم تكن بين مستعمِر ومُستعمَر.
  2. نعم أولوية الانحياز للوحدة في اتفاقية السلام اشترطت أن تكون جاذبة، وما جرى أثناء الفترة الانتقالية جعل الانفصال لا الوحدة جاذباً.
  3. نبين للناخب الجنوبي أن مشاكل السودان لم تكن شمالية جنوبية وحسب بل كان هناك اقتتال جنوبي/ جنوبي، وشمالي/ شمالي . فالانفصال لا يعالج كل المشاكل بل سوف يساعد على تفجيرها داخل الشمال وداخل الجنوب.
  4. إن ظاهرة النزاع في الوطن الواحد ظاهرة عالمية. ومهما كان التظلم الجنوبي الشمالي فإنه لا يبلغ ما كان عليه حال السود في جنوب أفريقيا، ولا حالهم في أمريكا، ومع ذلك فإن النضال هناك حقق المساواة، ومن باب أولى في الجنوب.
  5. بيان موضوعي للمضار التي تلحق بالشمال وبالجنوب إذا وقع الانفصال، وبيان موضوعي للمصالح المترتبة على الوحدة فيهما.
  6. الالتزام بأسس دستور جديد يكفل المساواة في المواطنة، ويعترف بقومية عاصمة البلاد، ويمنح بترول الجنوب للجنوب، ويلتزم بكافة استحقاقات العدالة والتوازن المطلوبة كما فصلناها في مذكرة سلمناها للحركة الشعبية في يوليو الماضي.
  7. الكف عن حملات التخوين والتكفير لخيار الانفصال المعترف به في الدستور الانتقالي؛ وتأكيد أن الانفصال إذا وقع ليس طلاقا بائنا بيننا، بل نقيم علاقة توأمة خاصة بين الشمال والجنوب. ومن الآن يجرى تطمين واسع للجنوبيين في الشمال، وللشماليين في الجنوب على حقوقهم ومصالحهم في حالة الانفصال.

هذه المرافعة بهذه النقاط السبع تقوم بها هيئة قومية حقا لا اسما، لا يهيمن عليها حزب بل تمثل ضمير الوطن لتخاطب الأخوة الجنوبيين في كل مكان.

هناك الآن في الشمال عدد من المبادرات والمنظمة الوطنية فاق عددها السبعين تعمل من أجل الوحدة، وبعضها مثل “هيئة دعم الوحدة” تحظى بدعم رسمي وإمكانيات هائلة. ولكن هذه المجهودات لم تتصد للتيارات التكفيرية والتخوينية التي تشكل رؤاها وأقوالها أقوى دافع نحو الانفصال،  ولم تستعد للتعامل الجدي معه. إننا وحدويون ونعتقد أن ما بين الشمال والجنوب عرى لن تنفصم، ونعتقد أننا من أكثر الجماعات تضررا من الانفصال، وإذا تحقق الانفصال عبر الاستفتاء فسنسعى بكل قوة لأن يكون توأمة، وأن يعاد توحيد البلاد على أسس جديدة، بعد زوال الظروف التي تجعل الانفصال الآن جاذبا بشكل كبير. [7]

الملف الثالث: السلام والاستقرار في دارفور

على عهد النظام الانقلابي، ونتيجة لسياساته في دارفور؛ تغيرت مشاكل دارفور المعهودة لمشاكل جديدة هي: ظاهرة الإثنية أو العرقية المسيسة- وظهور أحزاب تحمل السلاح ضد الحكومة- وظهور أزمة إنسانية تجسدها معسكرات النازحين واللاجئين- وظاهرة التدويل يجسدها أكثر من عشرين قرار مجلس أمن متعلقة بأحداث دارفور، وما ترتب على تلك القرارات من إجراءات.

في السبع سنوات الماضية قدمنا عددا كبيرا من المبادرات لحل القضية وأشركنا فيها أبناء  وبنات دارفور من كل الاتجاهات. وقدمت مبادرات كثيرة في الدوحة ، ودار السلام، وليبيا، ومصر، وتشاد، وبريطانيا، وأثيوبيا، وارتريا، اتفقت في توصياتها في كثير من الحالات مع اجتهاداتنا. وفي يوليو الماضي أثمر مجهود سوداني ألماني وثيقة هايدلبرج. وثيقة تبنت ما سبقها من اجتهادات وأضافت إليها. وكانت بعض عناصر منا  قد اشتركت فيها، وبعد دراستها خططنا في إستراتيجية حزبنا لوضع مبادئ للحل مستمدة منها ومن  تحضيرات الحزب السابقة وإعلان الدوحة لمنظمات المجتمع المدني الدارفوري[8]. المؤتمر الوطني رفضها، وإزاء وصول مفاوضاته بخصوص دارفور لطريق مسدود أعلن إستراتيجية جديدة لدارفور؛ تقوم على خمسة محاور: تحقيق الأمن- والتنمية- وإعادة التوطين- والمصالحة- والمفاوضات. ولكنها تركز على مجهود داخلي وتفترض إن انتخابات  ابريل قد أفرزت ممثلين شرعيين لأهل دارفور أقدر على حل الإشكالات. الاهتمام بالأمن- والتنمية – وإعادة التوطين مشروع، ولكن هذه المسائل تضع العربة قبل الحصان، إذ ينبغي أن يسبقها حل سياسي؛ وما لم يحدث هذا فإن الأمر في دارفور مرشح لمزيد من التأزم، وسوف تزيده التطورات السالبة في الجنوب سوءً.

أما نحن فنرى إن أزمة دارفور يمكن حلها بالخطوات الآتية:

  1. اعتماد إعلان مبادئ يستجيب لمطالب أهل دارفور المشروعة ينطلق من وثيقة هايدلبرج بتعديلاتها.
  2. تنظيم ملتقى دارفوري جامع لبحث القضية على ضوء إعلان المبادئ يضم كافة عناصر دارفور: السياسية – المسلحة – المدنية- النسوية – القبلية- المهجرية-  والرسمية.
  3. تنسيق دور الوسطاء تحت مظلة حكماء أفريقيا.
  4. الاتفاق على مسائل إجرائية: وقف إطلاق النار، ونزع السلاح غير النظامي، وحماية الإغاثات الإنسانية. على أن يتزامن تطبيقها مع إبرام الاتفاق السياسي.

الملف الرابع:  الاقتصاد والمعيشة

سياسات النظام الاقتصادية أدت إلى إهمال إنتاج الموارد المتجددة في الزراعة والصناعة، والاعتماد على إيرادات البترول وصرفها بأولويات خاطئة فيها مبالغة في المصروفات الأمنية، والإدارية، والتفاخرية، وإهمال الخدمات الاجتماعية، وإفساد النظام المصرفي بالتطبيقات المسماة إسلامية وهي ابعد ما تكون عن مقاصد الشريعة.

نتيجة هذه السياسات الخاطئة هي: مضاعفة الصرف الحكومي عشر مرات في عشر سنوات، الاعتماد الأكبر على استيراد المواد الغذائية، تصفية دولة الرعاية الاجتماعية، استقطاب حاد بين فئة قليلة فاحشة الثراء وأغلبية ساحقة مسحوقة، تفشي العطالة بصورة غير مسبوقة وربط فرص التخديم بالولاء الحزبي، وانتشار الفساد الظاهر وأحيانا المقنن، وبلوغ غلاء المعيشة درجات غير محتملة وفي رمضان كانت الأسعار تقفز يوميا حتى قال أحدهم: يعنى لا ننام؟ أمام هذه الحالة المتردية وضعنا موجهات للإصلاح الاقتصادي والتخطيط التنموي. إن تردي الحالة المعيشية سببه السياسيات الخاطئة والتي أدت لأن نستورد ذرة مع الإمكانات الزراعية الضخمة التي نمتلكها لإنتاجه، وأدت لوقف 95% من معاصر الزيوت عن العمل (حسب تقرير غرفة الزيوت)، وأدت لأن يصبح كيلو الطماطم أغلى من كيلو التفاح!.

المشكلة الأكبر أننا مقبلون على مزيد من التردي الاقتصادي والمعيشي، فالبلاد تعاني الآن من شح شديد في العملة الصعبة (يقدر صندوق النقد الدولي أن السودان فقد 75% من احتياطي العملة الصعبة). إن الاستيراد بالشكل القديم غير ممكنٍ، والحكومة بدأت الآن تفكر في زيادة الإنتاج المحلي وتشجيع الصادرات غير البترولية! الحكومة ركزت أكثر على قمع الحركات المطلبية المشروعة، فالأطباء يعيشون أوضاعاً مزرية ومطالبهم موضوعية جداً ولكنهم قوبلوا بقمع واستخفاف شديدين من الحكومة وأجهزتها الأمنية.

وسوف ندعو على ضوئها لمؤتمر اقتصادي قومي للاتفاق على تشخيص الحالة الاقتصادية وعلى برنامج الإصلاح -العاجل والمتوسط الأجل والطويل الأجل- المطلوب.

الملف الخامس: الاجتماعي

إضعاف التكوينات السياسية، والدينية، والقبلية المتعمد مزق النسيج الاجتماعي في البلاد، فازدهرت نتيجة لذلك التكوينات الإثنية والجهوية. التمكين في إدارة الاقتصاد الوطني لفئة حزبية ضيقة، وما صحبه من تصفية دولة الرعاية الاجتماعية أدى لاستقطاب حاد ضمرت بسببه الطبقة الوسطى واتسعت الطبقة الفقيرة بل المعدمة. ونفس سياسة التمكين جعلت التوظيف انتقائيا وساهمت في نشر البطالة. هذه العوامل تضافرت لتمزيق المجتمع السوداني عرقيا، وجهويا، واجتماعيا، فاندفع كثير من الشباب نحو الهجرة للخارج، أو الهجرة للحركات المسلحة، أو البقاء في الداخل في حالة إحباط ساهمت في انتشار ظاهرة العنف الاجتماعي بصورة غير مسبوقة في أشكال غير مألوفة، والإعراض عن الزواج، وزيادة نسبة الطلاقات، وكلها مؤشرات لانهيار اجتماعي لا يعالج بمجرد الوعظ الذي يدور حول الأعراض ولا يخاطب الأسباب بصورة جذرية كما ينبغي.

الملف السادس: الأخلاقي

لم يشهد السودان في تاريخه الحديث انهيارا في الأخلاق مماثلا للذي يشهده اليوم- وإن كان شهد مثيلا في التركية السابقة كان من مسببات الغضبة التي تفجرت في المهدية: انتشرت العلاقات غير المشروعة المثلية والطبيعية وما أفرزت من لقطاء بحجم ألف في السنة في العاصمة وحدها، وانتشرت المخدرات لأول مرة في السودان بصورة وبائية وسط الشباب، وانتشر الإيدز ما ضم السودان لحزام الإيدز المشئوم، وكادت الأمانة تختفي في المعاملات المالية بين الناس، وانتشرت الاختلاسات وسرقة المال العام بصورة وضعت السودان في قائمة البلدان الأكثر فسادا في العالم. وكنا بروسيا أفريقيا في الانضباط، وكانت كلمة السوداني كأنها عقد مكتوب، واستقامته الأخلاقية مشهودة، وعفته في التعامل مع المال الخاص والعام مضربا للأمثال .. حزب الأمة بالتضامن مع هيئة شئون الأنصار سوف ينظم مؤتمرا جامعا للتصدي لقضايا الانهيار الاجتماعي والأخلاقي في البلاد لوضع برامج الإصلاح الجذري لها.

الملف السابع: نحر السيادة الوطنية

استقل السودان وواصل وجوده  المستقل بدرجة عالية من ممارسة السيادة الوطنية. السودان اليوم تحت وصاية أجنبية بيانها:

كل اتفاقيات السلام تمت بواسطة بل مشاركة دولية تجاوزت الوساطة للتحكيم وفرض الرؤى. وبعد إبرامها خضعت لمتابعة ومراقبة دولية- ونتيجة لذلك توجد في السودان أكبر بعثات دولية في العالم: اليونامس، واليوناميد، بعثات قوامها آلاف الجنود الدوليين والأفارقة.

  • السودان خاضع لأكثر من عشرين قرار مجلس أمن تحت الفصل السابع ما يعنى أنه خطر على السلام والأمن الدوليين.
  • رأس الدولة السوداني ومسئولون تلاحقهم العدالة الجنائية الدولية وتشل حركتهم.
  • نسبة كبيرة من سكان جنوب وغرب وشرق السودان تعتمد في الغذاء، والدواء، والكساء، والتعليم، على الإغاثات الأجنبية الدولية والتطوعية. وتدعم المنظمات الدولية مجال الخدمات في السودان بصورة كبيرة.

منذ أبريل الماضي الهدوء النسبي الذي ظهر في دارفور انتهى وتجددت المواجهات الدموية، وتدهورت حالات معسكرات النازحين، وظهرت في بعضها المجاعة وانقطاع أعمال الإغاثات الإنسانية. سوف نطلع الرأي العام بعد العيد على تفاصيل المأساة التي باتت تعيشها دارفور من حيث المعاناة الإنسانية، والمواجهات المسلحة، والانفلات الأمني، والاقتتال القبلي الذي اشتبكت فيه قبائل كثيرة.

إن تقصير السياسات الوطني هو الذي أدى لتمدد مظاهر التدويل. والإغاثات الإنسانية مطلوبة بإلحاح لاعتماد الناس عليها في الغذاء والكساء والدواء. إن طرد المنظمات الإنسانية الدولية قبل توفر البدائل استهتار بالأرواح.

مظاهر التدويل هذه تسربت عبر عيوب السياسات الوطنية:

يا سادتي لم يدخل الأعداء من حدودنا

لكنهم تسربوا كالنمل من عيوبنا!

الواجب الوطني هو التصدي لتلك العيوب ومحوها ومحو آثارها لأنها لم تكن في السودان منذ استقلاله بل طرأت أخيرا. التعاون مع المجتمع الدولي مطلوب بل ضروري، ولكن المذكور تدويل خبيث وليس حميد.

هذه الملفات السبعة تشخص الحالة السودانية، وبدل الاعتراف بها والسعي لمواجهتها يرسم الإعلام الرسمي صورا وردية لانجازات وهمية في حالة مرضية من خداع الذات: (لاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِّنَ الْعَذَابِ)[5] .

النهج الصحيح والفوري هو التنادي للقاء قمة سياسية يؤمها عدد محدود لا يزيد عن عشرة يمثلون الثقل السياسي في الحكومة والمعارضة لتشخيص موضوعي جاد للحالة السودانية والاتفاق على روشتة النجاة وإلا فالويل لبلادنا. إن النجاة بأيدينا. قال تعالى: (إنَّ الله لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ)[6].

وقال شاعرنا مبشرا:

إذا التف حول الحق قوم فإنه    يصرم أحداث الزمان ويبرم

أبارك لكم العيد واطلب منكم العفو.

وأشارككم الدعاء أن يرحمنا الله ويرحم آباءنا وأمهاتنا، وأن يهدنا ويهدي أبناءنا وبناتنا، وأن يأخذ بيد السودان أرض جدودنا ومنبت رزقنا. فلا ذنب أكبر من عفو الله، ولا محنة تستعصي على لطفه وعنايته، السودان إذا توافر له السلام العادل الشامل والحكم الراشد وطن واعد بمقوماته المادية سلة غذاء وسلة معادن. ومقوماته المعنوية التي تعبر عنها إنسانياته فلا يستاهل هذا الهوان كما عبر الأخ سيد أحمد الحردلو:

بلد طيب

وزول فاضل

وما بستاهل الحاصل

ولا يستاهل

إنو يقال

وطن إرهاب

بلد باطل

ولا يستاهل

الليل الذي طـوّل

بدون فاصل

ولا بستاهل إنو يجوع

وفي بلده البسط واصل

ولا بستاهل

إنو النيل مسولت

والعطش حاصل

ولا بستاهل إنو يموت

وتبقى دياره للكاتل

اللّهُمَّ يَا جَلِيْلَاً لَيْسَ فِي الكَوْنِ قَهْرٌ لِغَيرِهِ، ويَا كَرِيْمَاً لَيْسَ فِي الكَوْنِ يَدٌ لِسُواهُ، ولَا إِلَهَ إِلَا إِيَّاهُ. بِحًقَّ الطَوَاسِينِ، والحَوَامِيمِِ، والقَافَاتِ، والسَّبْعِ المُنْجِياتِ، ويس، وخَواتِيمِ آلِ عُمران؛ نَوِّر قـُلوبَنا أفراداً وكياناً، رِجَالاً ونساءً، واغفِر ذُنُوبَنا أفراداً، وكياناً، ووفَّق جِهادَنا أفراداً وكياناً لبعثِ هدايةِ الإسلامِ في الأمةِ، وحماية الوطنِ من كلِّ فتنةٍ وغمةٍ، اللهمَّ أنتَ تعلمُ أنَّ كيانَنَا قد صمدَِ فِي وجْهِ الابتلاءاتِ وتصدَّي للموبقاتِ، فوالِهِ بلُطفكَ يَا لطِيفٌ، لنصرةِ الدينِ ونجدةِ الوطنِ. (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاء وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ)[1]. (إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا)[1] يَا مُغِيثٌ أغِثنا ويا نورٌ بالتقوَى نوِّرنَا ولا حَوْلَ ولَا قُوَّةَ إلَا باللهِ العليِّ العظيم.

[1] سورة  الشورى الآية (30)

[2] صحيح بخاري

[3] جامع معمر بن رشد

[4]  الجوع أخو الكفر مقولة وليست حديثا، استبدلتها بهذه الجملة.

[5] سورة المنافقون الآية (8)

[6] سورة الحجرات الآية (9)

[7] إضافة تحقيقا للنقاط: التركيز على أننا وحدويون بالأصل وحتى لو حدثت التوأمة سنسعى بعدها للوحدة-   يذكر المجهود الحالي في التعبئة من أجل الوحدة-  نحن المتضررون من الانفصال. تذهب نصيحة شفوية للمؤتمر الوطني

[8] هذا هو النص كما جاء في الإستراتيجية: وضع مبادئ للحل مستمدة من تحضيرات الحزب السابقة وثيقة هايدلبرج وإعلان الدوحة لمنظمات المجتمع المدني الدارفوري.

[1] سورة البقرة الآية (111)

[2] سورة الأعراف الآية (156)

[3] سورة هود الآية (117)

[4] متفق عليه

[5] سورة آل عمران الآية (188)

[6] سورة الرعد الآية (11)