داود وجالوت

بسم الله الرحمن الرحيم

داود وجالوت

7 أبريل 2002م

قصص الأنبياء ترد في القرآن الكريم بصورة رمزية تمثل حقائق في النفس الإنسانية و حقائق في الاجتماع الإنساني: (لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب..الآية).

القوة العسكرية ضرورية للتغلب ولكنها وحدها ليست كافية لتحقيقه. ففي عام 1956م انتصر العدوان الثلاثي على مصر عسكريا لكنه انهزم سياسيا ومعنويا.

وفي حرب فيتنام كانت الولايات المتحدة تواجه عدوا ضعيفا عسكريا بحيث لا يستطيع منازلتها، ولكن صور البطش الأمريكي بالفيتكنج عبأ مواقف عالمية ضد الحرب وبرزت حركات شعبية داخل الولايات المتحدة شجبت الحرب وأدانتها وفي النهاية فرضت الانسحاب الأمريكي من فيتنام.

وكان الاتحاد السوفيتي بحساب الإحصاء العسكري يملك من الرؤوس النووية، والطائرات المقاتلة، والدبابات، والمدفعية، والجنود ما يفوق أية قوة عسكرية أخرى. ولكن هذه الترسانة عجزت أمام المقاومة الأفغانية. واختل ميزان القوة العسكرية في الاتحاد السوفيتي بالمقارنة مع عوامل القوة الأخرى فتهاوى الاتحاد السوفيتي كأوراق الشجر اليابسة وهو في أوج قوته العسكرية.

وجنوب أفريقيا أقامت نظاما عنصريا مدججا بالسلاح بصورة تفوق قدرات معارضيه ولكن الرفض العالمي للنظام والانقسام الداخلي أدى لسقوطه وهو في أوج قوته العسكرية.

وفي السودان هب الشعب الأعزل مرتين في أكتوبر 1964م وفي أبريل 1985م ضد آلة عسكرية قاهرة فتراجعت أمام العزيمة الشعبية وسقط النظامان العسكريان.

إنها حالة نفسية معروفة وهي أن الزهو بالقوة العسكرية يورث صاحبه ثقة زائفة في أن القوة العسكرية قادرة وحدها على التغلب. هذا الغرور يسبب ضعفا لصاحبه فيجد نفسه مهزوما وهو الأقوى عسكريا وهي حالة وصفها الشاعر العربي :

من لم يقف عند انتهاء قدره

تقاصرت عنه طويلات الخطى

لذلك قال المفكر اليهودي المعروف إزايا برلين متحدثا عن إسرائيل أثناء زهوها بقدراتها العسكرية في الستينات: إن إسرائيل سوف تمضي منتصرة نحو الهاوية.

ثورة الاتصالات وكفاءة الفضائيات نقلت فظائع البطش الإسرائيلي بالشعب الفلسطيني وهو منذ عامين إلا قليلا يخوض حرب تحرير وطنية. نعم حققت الآلة العسكرية الإسرائيلية تفوقا تاما وحاصرت القيادة الرسمية الفلسطينية ووضعت رئيسها في قفص.

ولكن هذا النصر العسكري أدى لهزيمة سياسية ومعنوية. لقد تحركت الشعوب في أوروبا وأمريكا ضد البطش الإسرائيلي. ولكن الحركة الأهم كانت انتفاضة الشعوب العربية والإسلامية في كل مكان منتصرة للحق الفلسطيني ومحتجة على البطش.

في العالم اليوم مع الإعلام الواصل وثقافة حقوق الإنسان الغالبة صارت حركة الشعوب قوة مؤثرة على الأحداث. ففي خطابه عن حالة الاتحاد السوفيتي تحدث الرئيس الأمريكي بوش عن محور الشر معددا ثلاث دول من ضمنها إيران. وتحركت الجماهير الإيرانية محتجة فغير الرئيس الأمريكي خطابه. وكان الرئيس الأمريكي أثناء حملات البطش الإسرائيلي يقول: إن لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها. ولكن التحرك الشعبي جعله يغير موقفه ويطلب انسحاب إسرائيل من الأراضي الفلسطينية التي اجتاحتها ويدعم قرار مجلس الأمن 1402.

لقد تحولت انتصارات شارون العسكرية إلى هزائم سياسية ومعنوية. تحولت الشعوب في كل مكان سيما العربية والإسلامية من حالة سكون إلى موجة احتجاج خطير العواقب.

وتحول الرئيس ياسر عرفات من رئيس “بلدية” إلى مشروع شهيد على طريق الحسين رضى الله عنه.

واحتدم الانقسام داخل إسرائيل فهبطت شعبية شارون، وعزف ضباط الاحتياط من العمل في المناطق الفلسطينية، وزادت أعداد الإسرائيليين في اتجاه هجرة معاكسة خارج إسرائيل.

 ماذا تستطيع الدول العربية الإسلامية أن تفعل في هذا الموقف؟

  1. أن تضغط باستمرار لإصدار قرارات ضد العدوان من مجلس الأمن ومطالبته بإرسال قوات دولية للحماية من البطش
  2. أن تدعم حرب التحرير الفلسطينية بكل الوسائل والعمل لتخفيف المآسي الإنسانية.
  3. أن تحاصر الحماقات الإسرائيلية بانحياز استراتيجي للسلام العادل.
  4. أن تتخذ مواقف حازمة مع من يقف مؤيد للعدوان الإسرائيلي.
  5. أن تتصالح مع شعوبها ولا تقف أمام تحركها الحاشد لصالح الحق الفلسطيني،

لكي تتمكن الشعوب من تحقيق:

  • تظاهرات حاشدة في كل مكان.
  • اعتصامات واسعة في مواقع مؤثرة.
  • وضع العدوان ومن يقف معه في قفص الاتهام والإدانة.
  • تطبيق برامج مقاطعة لمؤيدي العدوان.

إن حركة الشعوب في عالم اليوم سلاح فعال زاد من أثره:

  • يقظة الضمير العالمي المنتصر لحقوق الإنسان.
  • ثورة الاتصالات التي وضعت العالم كله تحت المجهر ونقلت الأحداث من مواقعها لكل أنحاء العالم في لمح البصر.

هذه التحركات المدنية الواسعة وانقسام الرأي العام الإسرائيلي المنتظر يمثلان نفورا من العدوان وفظائعه ويضعان حدا لجدوى الآلة العسكرية.

وتروى القصة: (قالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده . قال الذين يظنون أنهم ملاقوا الله كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين) إن حفدة داود اليوم يسرعون الخطى في طريق جالوت وقصة الإنسان لا تبرح غنية بالدروس والعبر والمفارقات ولكن: (إنما يستجيب الذين يسمعون).