ذكرى الميلاد: مشوار الواحد بعد السبعين

بسم الله الرحمن الرحيم

مشوار الواحد بعد السبعين

25/12/2006م

تقليد الاحتفال بيوم الميلاد بدعة غربية دخلت في تراثنا عن طريق المولد. هنالك جوانب كثيرة من حياة النبي (ص) استصحبها مسلمون قياسا على سير غيره من الأنبياء سيما موسى وعيسى عليهما السلام. من سيرة موسى إعلاء شأن المغازي ومن سيرة عيسى إعلاء شأن الكرامات ومنها أيضا إعطاء قيمة روحية خاصة لميلاد المسيح. هذا التقليد احتفالا بمولد محمد (ص) بدعة لذلك رفضها الظاهريون المسلمون الذين سموا نهجهم أنصار السنة. ولكن بنظرة أكثر إحاطة بالسنة نجد أن استصحاب النافع من غير مصادر الوحي من السنة –مثلا النزول بماء بدر، وحفر الخندق، اتخاذ الأذان للصلاة. فإن كان الاحتفال بالمولد يذكر بسيرة صاحبه ويخصب العلاقات الاجتماعية ويفتح بابا لتثاقف الأجيال الجديدة وإدخال المسرة في نفوسها فإن هذه المنافع ترد على كل تحفظات الظاهريين.

في المجال الاجتماعي صار لبعض الطبقات الاجتماعية في بلادنا اهتمام بالاحتفال بيوم ميلاد أطفالهم. ولكن أيام طفولتي لم يكن هذا التقليد متبعا. ولكن بالنسبة لي استنته والدتي تفاؤلا بمصادفة يوم ميلادي لعيدين هما 25 ديسمبر وأول شوال من السنة الهجرية. رحم الله الوالدة فقد كانت بإشارات غيبية مؤمنة بأن لي دورا غير عادي في الحياة قبل أن أعي بما كشفت عنه الأيام. إشارات عززتها أحاديث جدتي السيدة العالمة أم سلمة وجدي الصالح الإمام عبد الرحمن. ثم واصل تقليد الاحتفال زوجتاي وأولادي أثناء غيابي في السجون والمنافي. وفي الأعوام الأخيرة تولاها أحبابي بمكتبي والحبيب الراحل صلاح الدين عبد السلام الذي قرنته بي ظروف العمل الوطني رغم اختلاف المنشأ فصار حبيبي وصديقي وسندي بصورة فريدة. ألا رحم الله هؤلاء جميعا (فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ)[1].

إنما يشفع لهذه السنة اتخاذها مناسبة لوقفة مع الذات ولوصال الأحباب. حقا كما قال لبيد:

ما عابت المرء الكريم كنفسه             والمرء يصلحه الجليس الصالح

استعرض الموقف العام

نظام السودان الآن يقوم على أساس ثلاث اتفاقيات: نيفاشا- أبوجا- وأسمرا. وكان عام 2006 هو ثاني عام لنيفاشا وأول عام للاتفاقيتين الأخريين. وقف حزبي وأنا لسانه بأقوى صورة مرحبا بما حققت الاتفاقيات من وقف للاقتتال. ولكن ناقدا بصورة مفصلة لها ومتوقعا إخفاقها في تحقيق السلام العادل الشامل والتحول الديمقراطي الحقيقي. وصوبت نحونا سهام حادة من مؤيدي تلك الاتفاقيات ومن رعاتها الدوليين. هذا علاوة على سهام النظام التي تكسرت نصالها على نصالها فينا. ولكننا صمدنا في موقف فريد، وأطلق علينا وصف أعداء السلام. ولكن لو أن لجنة من المنصفين كلفت الآن باستعراض ما قلناه وما كشفت عنه الأيام لوجدت ما قلناه صحيحا بأكثر من 80%، ولو أن عالمنا يقوم على الصدق والموضوعية لاعترف بذلك الآخرون، ولكن كثيرا من النفوس يصدق عليها قوله تعالى (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا)[2]. وكنا ولا زلنا في كل مرحلة نقدم بعض النقد البديل الأجدى وكنا في كل مرة نواجه عناد قوم نوح: (وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا)[3]. ومع كل مرحلة يزيد الأمر تعقيدا ويزيد علاجه تجذيرا حتى بلغنا ما بلغنا من حال لو رأيناه في المنام فزعنا:

لو اطلع الغراب على تميم  وما فيها من السوءات شابا!

فما العمل؟  سوف أجيب على هذا السؤال في خطاب العيد القادم إن شاء الله.

الموقف في حزب الأمة

بلور حزب الأمة مواقفه الفكرية والسياسية بصورة جسدت تطلعات الأمة. واستطاع تحقيق درجة عالية من الديمقراطية والمؤسسية فكافة أجهزته منتخبة ودستورية وكافة قراراته دون استثناء قائمة على المشاركة والشفافية. واستطاع الحزب أن يدير أزمة الاختراق بصورة سوف تكون سابقة تدرس لأنه كمصارع الجودو صرع خصمه بما ظنها الخصم نقاط قوته واحتوى الانفلات الأخير بصورة حازمة ولا عنيفة. ولكن الحزب تأخر في عقد اجتماع الهيئة المركزية وهو موضوع الآن على أجندة البحث. كما أن العجز عن تفرغ الكوادر التنفيذية عطل كثيرا من العمل وشجع كثيرا من النقد السالب. ولعلاج هذين الأمرين قررنا زيادة اللا مركزية والتمويل الذاتي للأنشطة، فتمت زيارات إقليمية كثيرة بلغت سبعة رحلات داخلية للنهود، وسنار، والمجلد، وود راوة، والهلالية، والعليقة، وشندي. وورشات عمل عديدة بلغت 18 ورشة عمل في شتى الموضوعات في بحر العام، وعلى نفس السنة انطلقت أنشطة مثل مجلس أمناء دار الأمة، وإدارة ندوة الأربعاء، والمجلس الاستشاري، والمنتدى الفكري، ومجلس الحكماء.

اختلف الرأي حول إصدار صحيفة ناطقة باسم الحزب ما بين من يرى مثلي ألا حاجة لها، ويمكن أن نكتفي بوسائلنا الإعلامية الحالية، ومن يرى ضرورة إصدارها. وفي النهاية يمكن تحقيق حل وسط وهو إصدار صوت الأمة من حضن الحزب ولكن عبر آلية مستقلة. وسوف يتحقق هذا أثناء العام 200م بإذن الله.

هيئة شئون الأنصار

واصلت الهيئة نشاطها الدعوي الإرشادي بصورة واسعة. كذلك واصلت دورها في تحديث كيان تقليدي عريق. وسوف يأتي يوم تدرس تجربة الهيئة كآلية توفيق بين التأصيل والتحديث. وقد اندفعت الهيئة مؤخرا في مشروع مرجعية إسلامية متجددة سيكون إذا نجح أفضل وسيلة لبلوغ وحدة فكرية بين أوسع قطاع من أهل القبلة.

كما اندفعت في برنامج خدمات اجتماعية في مجال تمويل استثمارات القطاعات الفقيرة، وفي التعليم، والصحة، والمياه.

هذه المشروعات التي درست يرجى أن ترى النور في عام 2007م إن شاء الله.

أسرتنا الكبرى

عرّف الإمام المهدي أسرته بأنها ذرية سبعة رجال هو وأخواه وخلفاؤه الثلاثة والأمير يعقوب. حاولت قدر المستطاع أن أجد للأسرة بهذا الفهم كيانا اجتماعيا عائليا جامعا. ولكن الجهد بقيادة الكبار قد فشل تماما، وكذلك الجهد بقيادة الشباب. والنتيجة أن الأسرة الكبرى تعيش درجة من الجفوة استسلمنا لها. الحقيقة أن جفوتنا لم تبلغ ما بلغته في كثير من الأسر الكبيرة من لجوء للمحاكم وأحيانا للاقتتال. ولكنها على أية حال جفوة كريهة لعل العزاء معها هو أن الذين يشتركون في جاه أو مال يتنافرون ويتحاسدون فإن وقع هذا في أسرة النبي (ص) نفسها فلا غرابة أن يقع في أية أسرة أخرى. وربما كان أكثر ما يمكن تحقيقه هو سلام بارد على صعيد الأسرة الكبرى وعلاقات دافئة داخل فروعها. لقد كان أهم ما يوجه لي من نقد على صعيد الأسرة الكبرى هو أنني احتكرت المجد الموروث المشاع بين أفرادها. وكنت ولا زلت أقول إن المجد لا يورث تلقائيا واستشهد وأربي أولادي على حكمة:

إذا أنت لم تحم القديم بحادث        

                        من المجد لم ينفعك ما كان من قبل

وقديما انتقد الإمام المهدي من سماهم أولاد المراتب، الذين يتطلعون لجاه أسلافهم ولا يدفعون استحقاقات ذلك الجاه من أداء وعطاء.

أسرتي الصغرى

مع أنني حرصت على زواج أولادي من خارج أسرتنا وهي مجازفة أخفقت تماما في بعض تجارب جيلي، ولكنها ولله الحمد نجحت تماما في تجارب أولادي. فمع اختلاف المشارب تكونت أسرة متراضية وبالإضافة للأنشطة العادية درجت على عقد دروس أسبوعية لكافة أحفادي يحضرها آباؤهم وأمهاتهم. درس يعرفهم بأسرتهم وأصهارها على خلفية تربية روحية وأدبية وتاريخية. وفي هذا العام تقدم ابني محمد أحمد لخطبة من خارج أسرتنا أيضا، أدعو الله له ولعروس المستقبل بالتوفيق.

المعيشة

كنت ولا زلت أشجع بناتي أن يعملن ويتكسبن وأما الأبناء واثنتان من البنات فيعملون معي، وقد حولت أملاكي لشركة بين أطراف أسرتي المباشرة خلافا لتقليد كثير من أهلنا في السودان الذين يحرصون على حفظ أسرار أعمالهم الكسبية وإن أشركوا أبناءهم فكمجرد موظفين عندهم.

في هذا العام أضر بشركتنا مرض إنفلونزا الدجاج، وهبوط أسعار المحاصيل فكان حصاد العام المالي سيئا، وكان هذا ضمن عوامل أخرى سببا في مشقة على العاملين معي تحملوها بكرم أخلاق وسماحة نفس راجيا ألا يتكرر هذا في العام القادم. نعم كان الحصاد المالي سيئا ولكن يرجى أن يكون العام القادم أفضل.

انهيار أسعار المحاصيل الزراعية هذا الموسم ينبغي أن يواجه بشراء الحكومة للمحاصيل بثمن يغطي تكاليف إنتاجها وهامش يساعد على مواصلة المنتجين وإلا فإن مزيدا من خراب الريف سيحصل ومعه مزيد من الهجرات للمدن – ترييف العاصمة والمدن الكبيرة. هذا ما كنا نفعل في الديمقراطية الثالثة لدعم الإنتاج.

أن ابنائي وبناتي ولله الحمد مؤهلون ومستعدون للتقدم في معترك الحياة وأنا لا أتردد أن أدفع بأي من العشرة في أية مهمة تحتاج لجدية واجتهاد وأشهد الله أن ما اختاروه لأنفسهم من مهام كان باختيارهم الخاص وبانتخاب من دخل منهم في المعترك السياسي والأنصاري. لذلك يرجى أن يكون لهم عطاء فإن كانوا معتمدين على تزكيتي وإرثهم لصاروا في وهن نبات الظل. واعتقد أن هذا هو مقياس التأمين العائلي. إن ما يحصلون عليه مني أراه تأمينا إضافيا لن يجعل منهم أبدا عطالى بالوراثة.

أسفاري

بعض الناس غير راضين عن أسفاري الكثيرة. ومازال كثيرون يحصرون أمرنا الوطني في الأطر القطرية. السودان اليوم وبصورة غير مسبوقة جزء من الكل العربي، والأفريقي، والإسلامي، والمسيحي، والدولي. كما أدت عوامل مستجدة إلى تداخل علاقات الجوار بصورة غير مسبوقة. كما أن العولمة فرضت على العالم اتصالا وتواصلا غير مسبوق وبالنسبة للسودان خاصة فإن الإخفاق في احتواء النزاعات الوطنية والشعار الإسلاموي الطارد للآخر الذي تبناه النظام الحاكم بعد انقلاب يونيو 1989م عمق النزاعات الداخلية فصارت نوافذ لتدخلات أجنبية من كل نوع وتنامت لوبيات خارجية طائلة تتابع وترعى الاستقطابات الداخلية. هذه التطورات تعني أن انفراد الشأن القطري مستحيل وأن الاهتمام بالشأن الإقليمي والدولي واجب وطني..  في مناخ المونديال يصر بعضنا أن يلعب “دافوري”!.

بلغت رحلاتي هذا العام 25 رحلة شملت أركان الدنيا الأربعة. وكنت في أكثرها الممثل الوحيد للسودان وفي بعضها الممثل الوحيد “للعالم الثالث” مرافعا عن قضايانا برؤية مغايرة للرؤية  السودانية الرسمية التي اكتسبت للسودان صيتا سيئا.

ولقد طلبت من مكتبي أن يوزع على الحضور نسخة من تفاصيل هذه الرحلات كما حرصت بعدها أن أسجل في مقالتي الدورية بالشرق الأوسط ثمرة ما دار فيها فأرجو أن يراجعها المهتمون بهذا الشأن وآخرها مقال “وجعلنا من الماء كل شيئ حي” عن مشكلة المياه في البلاد العربية والمنشور اليوم في الشرق الأوسط.

الشرق الأوسط تدفع مقابلا ماليا عن هذه المقالات أوجهه لسداد فاتورة الكتب التي احرص على شرائها وأحيانا يمدنا بالكتب خيرون وخيرات من اصدقائي. ولكن الشرق الأوسط لم تتدخل يوما في نص مقالاتي مع ما فيها من آراء لا تروق لبعض الناس.

أما مسألة الأسفار فإنني استعير تعبير الكندي مُصحّفا :

يعيرني في “السّفْر” قومي وإنما

                              “نجوعي” في أشياء تكسبهم حمدا!

هنالك ظواهر جديرة بالذكر في أمر هذه الرحلات:

أولا: كلها تمت بدعوة من الجهات المنظمة ولم يكن هناك أي توجيه وتدخل يمنع حرية الرأي مما أتاح لنا منابر لا تقدر بثمن. وفي كثير من الأحيان عندما  تنتهي ضيافة الجهات المنظمة تتولى لجان كياننا وحزبنا في المنطقة الإنفاق وتنظيم الاتصالات واللقاءات.

ثانيا: في كثير منها أجد نفسي الوحيد من السودان كما في مؤتمرات بيرتلسمان بالمانيا ومؤتمرات نادي مدريد.  مع هذا كله جماعة الدافوري وطيور الحارات غير راضين يدبجون المقالات هداهم الله. وقديما قال الحكيم:

سافر تجد عوضا عمن تفارقه 

                             وانصب فإن لذيذ العيش في النصب

مافي المقام لذي لب وذي أدب

معزةٌ فاترك الأوطان واغترب

إني رأيت ركود الماء يفسده

                                      إن ساح طاب وإن لم يجر لم يطب

والتبر  كالترب ملقى في معادنه

                                      والعود في أرضه نوع من الحطب

مؤلفاتي

اتصلت مقالاتي الأسبوعية في جريدة الشرق الأوسط وهي ليست مجرد مساهمة صحفية بل صارت شبكة وصال فكري بيني وبين جمهور عريض من قراء العربية فضلا عن أهل السودان.

كنت ولا زلت أعتبر الصحافة إن أخذت مأخذ الجد ركيزة هامة من ركائز الحياة العامة ولكن المؤسف حقا أن كثيرا من العاملين بالسياسة يعتبرون الصحافة والصحافيين آفات ينبغي تجنبها أو أبواق ينبغي النفخ فيها.

لا يبلغ الاعداء من جاهل

                                      ما يبلغ الجاهل من نفسه.

لقد صدر لي في هذا العام عدد من الكتب: نحو مرجعية إسلامية متجددة – ونحو ثورة ثقافية –والمرأة وحقوقها الإسلامية والإنسانية- وكتاب رمضان. وآخرها كتاب الفكاهة ليست عبثا.

قيل إن الشعب المصري المعروف بخفة الدم قد أنتج ثقافة النكتة في عهد الوالي قراقوش حتى صار حكم قرقوش مثلا مثلما عندنا في السودان “حكم أبو تكو” وأبو تكو هذا طائر ينتف ريش أنثاه تماما ليحبسها في العش لحضانة البيض بينما هو ينقل إليها الطعام. جبروت يحسده عليه بعض أصحاب الشوفينية الذكورية من الرجال الذين روجوا أدبيات ألصقوها زوار بالنبي “ص” أن المرأة الفاضلة هي التي لا ترى أحد ولايراها أحد! وهم الذين الصقوا بالنبي ” ص” مقولة أنه قال:  دفن البنات من المكرمات. المعنى الذي صاغه شاعرهم:

لكل أبي بنت يرجو صلاحها

                                        ثلاثة أصهار  إذا ذكر الصهر

زوج يضمها وبيت يظلها

                                       وقبر يواريها وخيرهم القبر!

وكان للقهر الذي مُورس على أهل السودان نفس النتيجة فانطلقت النكات تعبرعن مشاعرهم وتنفس عليهم أذكر منها:

  • عابوا على نظام” الانقاذ” عدم الصدقية فقالوا: دعونا للمساجد فلما ذهبنا عقبونا على الأسواق!.
  • عابوا عليها الحديث عن الشريعة دون استحقاقاتها المطلوبة من العدالة والحرية وعندما اقتطعوا بعض سكر التموين وقالوا لدعم الشريعة قالت السيدة الشايقية: يادوب عرفوها مسيخة؟.
  • عابوا عليها المحسوبية المفرطة وقصوا عندما رُحلت حديقة الحيوان نقلت الوحوش على بطاحات ولكن التيس نقل في كريسيدا مظللة  فاستنكر الأسد ذلك واحتج فما كان من التيس إلا أن مسك لحيته مباهيا!  وعلى نفس الوتيرة عندما احتج المواطنون على المعاناة قالت لهم “الإنقاذ” نحن لم نقل برفع المعاناة بل رفع المعانا.
  • وعابوا عليها اختراق الأحزاب والقبائل والمسايد فقال أصحاب النكتة: الإنقاذي كان سلم عليك عد أصابعيك.
  • وتهكم الناس على ألوان العذاب فرووا كثيرا من النكات التي تقارن السودان بالجحيم وقالوا: قال السودانيون العذاب ولا الأحزاب والله استجاب.
  • وأخذواعليهم الثنائية المفرطة في اتفاقية نيفاشا للسلام قالوا:  قال المفاوضون أخذنا نصيبنا من السلطة والثروة وباقي لنا أن نأخذ نصيبنا في الهلال والمريخ.
  • وعابوا عليهم أن اتفاقيات السلام لم تقم على القومية والشرعية التي يؤسسها التراضي الوطني بل على المحاصصة والمساومة المدعومة بالسلاح. فقال الركاب لسائق العربة لا تأخذ طريق الحرية بل طريق الغابة لأنه هو الطريق للقصر!

تزكيتي

كنت ولا زلت أبذل جهدا متصلا حتى أن إحدى زميلات بناتي قالت لهن متى ينتهي امتحان والدكن؟.

ومع ذلك أجد نفسي مصنفا مع آخرين من القادة السياسيين أو الدينيين ويدهشني هذا جدا ولا أجد له تفسيرا معقولا ولكنني مع هذه التصنيفات الجائرة لا أتبرم وذات يوم وجدت نصا كتبه الإمام عبدالرحمن الذي ضاق ذرعا أيضا بهذا النوع من التحجيم فكتب:  تضيق نفسي بهذا الجحود ولكن عندما أتذكر أن عمر بن الخطاب مات مقتولا أعزي نفسي.

أما أنا فمع هذا التصنيف الجائر وجدت من الناس عامة درجة من الحب والثقة ترجح مرات ومرات وقوع الجحود.

هذا الحب الذي فات في كثير من الأحوال حد المعقول عزز في نفسي ثروة نفسية وصفها أجود وصف شاعرنا أدريس جماع:

نمشي على الدرب الطويل ولا يطيب لنا مدى

إن الحياة بسحرها نغم ونحن له صدى

من مات فيه جمالها فحياته فيها سدى

كم طالب بسعادة ضل الطريق وما اهتدى

هي فيك وهي رضاك عنك ففيم تبحث أبعدا؟

ومع كل هذا ففي هذا العام بدأت آيات تزكية لي فرقت بيني وبين طرفة السيدة عائشة الفلاتية والكاشف أخيها!. وفرقت بيني وبين الذين قال عنهم صاحب أم حبين:

 

تطلبني أم حُــــــبين جملا

يمشي الهوينى ويكون الأولا!

ففي هذا العام أصدر مركز الدراسات الموضوعية في الهند سفرا ضخما اختار فيه مائة شخص من العالم الإسلامي في القرن العشرين. وفي فصول الكتاب شرح لماذا وقع الاختيار واختاروني منهم. أنا لا أعرف هذا المركز ولا القائمين به ولم يتصلوا بي قبل ولا بعد الاختيار، ولكنني لا أملك إلا أن أشكرهم على حسن ظنهم بي وأرجو أن أكون كذلك.

وفي هذا العام تم تكوين مجلس محافظي المجلس العربي للمياه واحتل فيه وزراء الموارد المائية في البلاد العربية مواقعهم وانتخب لعضويته عدد كبير يمثل كليات انتخابية هي: الجامعات- المنظمات البحثية- منظمات المجتمع المدني المعنية- المنظمات الدولية العاملة في البلاد العربية. هذا المجلس اختارني بالإجماع لعضوية مجلس المحافظين مع أنني بمقاييس التخصص طائر في غير سربه.

وفي هذا العام دعيت لاجتماع خبراء وعلماء وأكاديميين دول الثمان الكبار لتداول الرأي بخصوص رفع توصيات لألمانيا حول أجندة اجتماع قمة الدول  الثمان القادم في عام 2007م. ووجدت نفسي الوحيد المدعو من مواطني “العالم الثالث”.

وانتخبت عضوا للجنة التنفيذية لنادي مدريد لهذا العام، وهو ناد للرؤساء ورؤساء الحكومات السابقين المنتخبين ديمقراطيا، يعمل في مجالات التنمية السياسية المختلفة.

ومع أنني سعدت بهذه التزكيات فإنني اعتبرها ابتلاءات فالله يبتلي الناس كما قال (وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ)[4]. والنجاح في مثل هذا الامتحان بالشكر وبمزيد من العطاء. سأبذل إن شاء الله في العام القادم مزيدا من الجهد وأرجو أن يهبني الله مزيدا من الاتضاع فإنه لا يدخل الجنة كما روت السيدة عائشة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر. وهو من المعاني التي صاغها الحكيم شعرا:

إذا امتلأت نفس اللئيم من الغنى

                                                تمايل كبرا ثم قال أنا.. أنا!

ولكن الكريم النفس كالغصن كلما

                                                تحمّل أثمارا تمايل وانثنى!

ختاما: أشكر أحبابي الذين رتبوا هذا الحفل وأشكر أحبابي الذين لبوا الدعوة إليه وأرجو لنا جميعا عاما أسعد فقد شبع شعبنا شقاء والله رحمن رحيم وشعبنا الطيب فقير لرحمته، وقديما قال الراجز:

اشتدي أزمة تنفرجي   الأزمة مفتاح الفرج

المعنى الذي صاغه في فراقيته ابن زريق: وأضيق الأمر إن قدرت أوسعه.

 

والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

الصادق المهدي

25 ديسمبر 2006م

[1] سورة القمر الآية 55

[2] سورة النمل الآية 14

[3] سورة نوح الآية 7

[4] الأنبياء الآية 35