ذكرى 17 رمضان والخلافة المصطفوية بقلم الإمام الصادق المهدي

الإمام الصادق المهدي
الحبيب الإمام الصادق المهدي حفظه الله ورعاه زعيم حزب الأمة القومي وإمام أنصار الله وآخر رئيس وزراء شرعي ومنتخب للسودان ديمقراطياً

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

قلنا إن يوم 17 رمضان هو يوم الجهاد، وقد وقعت فيه بدر الكبرى في عام 2 هـ (الموافق 13 مارس 624م)، كما وقعت فيه الجزيرة أبا صداها في السودان في عام 1298 هـ (الموافق 12 أغسطس 1881م)، واتفق النصر في الأولى والصدى في اليوم الرمضاني، وفي عدد المجاهدين، وهنالك عدد آخر من المشاكلة بين الفتح التاريخي القديم والصدى السوداني اللاحق عددناه في كتاب يسألونك عن المهدية.

وفي مناسبات كثيرة أوضحنا أن دعوتنا في السودان خالية من التوقيت بآخر الزمان، وخالية من التشخيص بشخص غاب ويعود مهدياً، وقدمنا الدلائل من أدبيات الدعوة بأنها وظيفة إحياء الدين بصورة استثنائية مدعومة بخطاب روحي لصاحب الدعوة، ومدعومة بإقبال منقطع النظير للدعوة في إطارها السوداني، بل في إطار أوسع كما شهد بذلك علماء ومفكرون في أمتنا أذكر خمسة منهم:

مقولة الشيخ أحمد العوام من زعماء الثورة العرابية: “حال الإسلام يتطلب أن ينهض ناهض بأمر الدين فنسأل الله أن يمكن لنا ديننا الذي ارتضاه لنا وفاء لصادق وعده، وتصديقاً لحديث نبيه، سواء كان بالإمام المهدي هذا عليه السلام فقد ظهرت كواكبه، ولاحت بوارقه، أو بغيره من عباده الصالحين.”

مقولة صاحبي العروة الوثقى (السيد جمال الدين الأفغاني والشيخ محمد عبده): “إن دعوى المهدوية في السودان لهذه الأوقات التي صدم المسلمين فيها أشباه الحوادث الماضية في القرن الخامس والسادس من الهجرة ستدعو إلى حركة عامة يصيح منها الشرقي بالغربي ويصعب على الإنجليزي وهو في مجراها أن يتنكب عنها دون أن تعروه هزة من مفزعاتها”.” وكتبا أيضاً: “تضافرت الأخبار على أن العرب أظهروا من البسالة والشجاعة ما لا يوصف، حتى قال الرواة إن ما شاهدوه منهم يعد من غرائب الأعمال البشرية.”

مقولة د. عبد الودود شلبي: “كانت حركة تمثلت فيها كل حركات الإصلاح في عصرها”.

مقولة الشيخ أحمد حسن سعد صاحب كتاب المهدية في الإسلام عن المهدي: “نشيد بالأعمال العظيمة التي قام بها من أجل السودان في النواحي السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية، والدينية، حتى ليعد محمد أحمد- بحق- خير من ادعى المهدية”.

مقولة د. محمد عمارة: “كانت سلفيتها تجديداً يتحدى التخلف العثماني ويعود بالأمة إلى حصنها العتيد – الإسلام – لتواجه التحدي الحضاري بجناحيه: العثماني المتخلف والاستعماري الغربي التغريبي”.

أما الرسالة المحمدية فأجدني مجتهداً لتناولها في كتاب بعنوان: الإنسان المصطفى رسول الإنسانية.

وفي السودان فقد حققت الدعوة للبلاد: توحيدها، وتحريرها، وتجذير نهج لا بديل له للإحياء الإسلامي وهو: أن يقوم نهج الشعائر على الاتباع، وأن يقوم نهج المعاملات والأحكام على الحركة: لكل وقت ومقام حال، ولكل زمان وأوان رجال. والتخلي عن إلزامية اجتهادات المذاهب، كما جعلت الحرص على التبتل الروحي أساساً للفدائية في تغيير الواقع لا وسيلة لتجنب مواجهة التغيير.

في هذا المجال أورثتنا الدعوة نص مناجاة ومصافاة لا مثيل له في أدب المناجاة الروحية: الراتب.

ولكن ما حجية الخلافة المصطفوية لصاحب الدعوة؟

كل قيادات الأمة الإسلامية ادعت لنفسها الخلافة.

لم يكن الصحابة متمذهبين كما انقسمت الأمة السنية بين مذاهب.

وكان آل بيت النبي محمد صلى الله عليه وسلم شيعة بمعنى الحق في الخلافة لا بمعنى التشيع المذهبي المعلوم.

دعوة الإمام في السودان أعادت الأمر إلى ما كان عليه في الصدر الأول بلا تمذهب. هذه واحدة.

ثانياً، خلافة الخلفاء في العهود الإسلامية الأموية والعباسية والعثمانية قامت على أساس التوارث. هذا لم يحدث في الصدر الأول، والإمام المهدي عين خلفاء باعتبارهم خلفاء لخلفاء النبي صلى الله عليه وسلم، ومع وجود أبنائه من صلبه لم يورث أحداً.

إن التخلي عن التمذهب يجعل النهج مندرجاً في نهج الصدر الأول، وكذلك التخلي عن التوريث.

(إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ) [1] هذه حجة الخلافة المصطفوية، ليست كخلافة الآخرين.

الإمام عبد الرحمن لم يرث أباه، بل نال ما نال من مكانه باجتهاده وجهاده. نعم خلفه ابناه الإمام الصديق ثم الإمام الهادي في ظروف معينة، ولكن وصية الإمام الصديق ردت أمر الخلافة للشورى، ما جعل هذا الأسلوب هو أساس النظام الأساسي لهيئة شؤون الأنصار.

التأهيل لقيادة الأنصار الآن هو الاجتهاد والجهاد والتأييد الشعبي. هذا كله من بركات الخلافة المصطفوية.

إن التحدي الذي يواجهنا الآن هو بناء نظام فكري وسياسي واقتصادي حديث دون قطيعة مع التراث، بل بتفعيله اجتهادياً ليعطي التجديد شرعية إسلامية.

جدير بنا في يوم الجهاد 17 رمضان، ومعلوم أن الجهاد مستمر ولا يكون قتالاً إلا دفاعاً، جدير بنا أن نذكر أمجاد بدر وأبا صداها السوداني وأن نتفهم معاني الخلافة المصطفوية.

أذكر لكم أحبابي هذه المعاني راجياً أن يقبل الله صيامنا جميعاً، وأن يوفقنا لدحر الوباء الطارئ، ودحره ممكن إذا التزمنا الضوابط الصحية، ولكل مجتهد نصيب.

اللهم الطف بنا إنا مؤمنون، ووفقنا لإحياء الرسالة الخالدة مراعين جوهرها ولوازم العصر، وبالله التوفيق.

 

 

الصادق المهدي

17 رمضان 1441هـ الموافق 11 مايو 2020م

 

 

 

____________________________________________

 

[1] سورة آل عمران الآية رقم (68)