رؤية معاصرة لقضايا المرأة

الإمام الصادق المهدي
الحبيب الإمام الصادق المهدي حفظه الله ورعاه زعيم حزب الأمة القومي وإمام أنصار الله ورئيس نداء السودان وآخر رئيس وزراء شرعي ومنتخب للسودان ديمقراطياً ورئيس المنتدى العالمي للوسطية

بسم الله الرحمن الرحيم

المركز القومي للسلام والتنمية

رؤية معاصرة لقضايا المرأة

تونس في 8 فبراير 2016م

الإمام الصادق المهدي

مقدمة:

أول ما شد انتباهي لقضية المرأة وما لحق بها من دونية أن قال لي أحد الشيوخ وقد صحبته إلى منزله: ندخل بباب النساء الله يكرم السامعين. أي باعتبار أن مجرد ذكر جنس المرأة عورة. وبعد ذلك صار يحدثني عن نقائص النساء: أنهن بنص الحديث ناقصات عقل ودين، وبنص الحديث لا يصلح قوم ولوا أمرهم امرأة، وأنهن حبائل الشيطان فإذا خرجن استشرفن الشيطان، وأنهن أكثر حطب النار يوم القيامة، وأنهن غير مؤتمنات على رأي فشاورهن وخالفهن، وأنهن غدارات، وكيدهن عظيم.. هذه الثقافة الذكورية التي عصف بها ذهني اليافع بدت لي متناقضة مع تجربتي العملية مع والدتي فقد كانت في نظري إنساناً رائعا من حيث كمال العقل، والتقوى، والحكمة. هذا التنبيه الأولي فتح ذهني للتناقض بين ثقافة دينية واجتماعية سائدة وبين تجربتي في الواقع.

  1. هذا التناقض شدني لدراسة قضايا المرأة دراسة دونت نتيجتها في عدد من الكتب أهمها: العقوبات الشرعية وموقعها في النظام الاجتماعي الإسلامي 1984م، والمرأة وحقوقها في الإسلام 1985م، وحقوق الإنسان العالمية من منظور إسلامي 1998م، وجدلية الأصل والعصر 2002م، ونحو مرجعية إسلامية متجددة 2004م، وحقوق المرأة الإسلامية والإنسانية 2005م، ونحو ثورة ثقافية 2006م؛ فمن أراد أو أرادت الاستزادة فليرجع لهذه المؤلفات السبعة.

ومن الناحية العملية أدت هذه المرافعة لحقوق المرأة لمواقف عملية أهمها:

  • الدفاع عن كفالة حقوق المرأة السياسية بعد ثورة أكتوبر 1964م.
  • إلقاء محاضرات مرافعة في 1994، 1998، 2000، وهلمجرا.
  • الدعوة لمراجعة قانون الأحوال الشخصية لصالح إنصاف المرأة في مجال الزواج، والطلاق، وتحريم زواج الطفلات، وتحريم الختان وكله فرعوني بلا تمييز. مشروع هذه المراجعة ملحق بكتابي عن حقوق المرأة الإسلامية والإنسانية المطبوع أكثر من مرة.
  • تنظيم ورشة تحت ظل هيئة شئون الأنصار في 2004م ومن نتائجها اتخاذ موقف إيجابي من اتفاقية إزالة كافة أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو).
  • تضمين حقوق محددة للمرأة في برامج ودساتير حزب الأمة القومي منذ المؤتمر الخامس، ثم السادس، ثم السابع.

هذه المواقف المتقدمة كان لها أثرها العملي في حزب الأمة وهيئة شئون الأنصار من حيث تمثيل النساء في الهياكل القيادية، وتبني سياسات صديقة للمرأة، فكان حزب الأمة هو الحزب العريق الرائد في اتخاذ ناطقة رسمية، ورئيسة للمكتب السياسي، وأمينة عامة، ونائبة للرئيس، على المستوى الاتحادي وفي التنظيمات الولائية في مناطق ريفية ولحزب يوصم بأنه تقليدي. وفي هيئة شئون الأنصار نصبت فرعية الهيئة ببريطانيا أمينتها امرأة، وهكذا.

  1. من فاته التأصيل لن يبلغ الوصول.

فما أسباب هذه الدونية التي كرستها ثقافات وديانات للمرأة؟

في الطبيعة هنالك أسباب فسيولوجية تجعل الذكر أضخم حجما من الأنثى، وأن الذكر يدفعه هورمون الذكورة التستوستيرون إلى سلوك الهيمنة. هذه في الطبيعة ظاهرة في كل الرئيسيات (قسم في مملكة الحيوان فيه 32 فصيلاً، أكثرها إلا ثلاثة فصائل تنطبق عليها هذه الصفة). عززت هذه الهيمنة للذكر على الأنثى الأديان العالمية وعددها ثمانية، والثقافات الإنسانية وعددها 10 ألف ثقافة. وحتى الثقافات الماترياركية وهي قليلة خصصت امتياز الهيمنة للذكور.

  1. الإسلام مع أن نصوص الوحي فيه خالفت الأديان والثقافات السابقة بالاعتراف بحقوق المرأة الإيمانية والإنسانية، فإن النصوص منذ قديم الزمان قيدت حقوق المرأة في اجتهاد أئمة المذاهب ولكن إلى جانب اجتهاداتهم توسع شيخ المفسرين الطبري، وأحد أئمة الاجتهاد أبوثور، وأبوبكر الأصم، وغيرهم في الانتصار لحقوق المرأة. هذا الجدل استمر حتى العصر الحديث. وأصدرت لجنة الفتوى في الجامع الأزهر في عام 1952م بياناً يؤيد تقييداً لحقوق المرأة، ولكن اختلف مع هذه الفتاوى عدد من المحدثين أذكر منهم: البهي الخولي، ومصطفى السباعي، وعبد الحميد متولي وآخرون.
  2. هنالك أحكام فقهية مجسدة لدونية المرأة أهمها:
  • أن ديتها هي نصف دية الرجل.
  • أن شهادتها هي نصف شهادة الرجل.
  • أن حقها في الإرث هو النصف.
  • أن القوامة عليها للرجل ويحق له أن يضربها.
  • أن عليها ألا تخرج إلا مع محرم.
  • أن إمامتها للصلاة باطلة.
  • أن عقدها للزواج عن طريق ولي فهو الذي يزوجها.
  • أن عليها إذا خرجت أن تتنقب.
  • أن العصمة في عقد الزواج للرجل وحده.
  • أن عليها في صلاة الجماعة أن تلتزم آخر الصفوف.
  • أن عليها أن تطيع زوجها طاعة مطلقة.
  • أنها إن حاضت صارت نجسة.
  • أن ولايتها لأي أمر عام باطلة.
  • أن صوتها كسائر ما يتعلق بها عورة.
  • أن ختانها مكرمة واجبة الإتباع.
  • أن نكاحها وهي طفلة سنة نبوية لا تجوز مخالفتها.

هذه الأحكام الـ15 يراها كثيرون في الفقه التقليدي ملزمة ومخالفتها فسوق.

  1. بينما صار اجتهاد جمهور المسلمين حول المرأة بهذا التكريس للتمييز ضدها. خطى الفكر الإنساني حول المرأة خطى في اتجاه آخر.

الديانة اليهودية والمسيحية في القرون الوسطى كانت نافية لحقوق الإنسان ونافية لأية حقوق للمرأة. ولكن الحضارة الغربية منذ القرون الوسطى شهدت ثلاث ثورات هي:

  • ثورة سياسية حررت الشعوب من الحق الإلهي للملوك وجعلتها حرة لتقرير مصيرها.
  • ثورة اقتصادية جعلتها تطوع العلوم الطبيعية والتكنلوجيا لتحقيق تنمية اقتصادية غير مسبوقة.
  • ثورة ثقافية حققت حرية البحث العلمي والتكنولوجي.

وأثمرت هذه الثورات الحضارة الحديثة التي أبرمت الميثاق العالمي لحقوق الإنسان ومجموعة من المواثيق والعهود والمعاهدات كفلت للمرأة حقوقها الإنسانية والسياسية والقانونية والتزمت بإزالة كل أسباب الامتياز ضد المرأة.

هذه المكانة للمرأة في العهد الحديث تجعل كثيراً من المسلمات يرين فيها اعترافاً بكرامتها كإنسانة، وكمواطنة، ما يشدها نحو تلك الحضارة ويبعدها عن الإسلام وحضارته. إنها هكذا تفتن عن دينها.

هذا يطرح السؤال: هل يمكن أن يكفل للمرأة حقوقها من داخل دينها لا على حسابه؟

أجبت بنعم، في نصوص منشورة هي: (حقوق الإنسان العالمية من منظور إسلامي)، ومحاضرتي في ورشة سيداو، وكتابي: (المرأة وحقوقها في الإسلام)، و(الحقوق الإسلامية والإنسانية للمرأة).

  1. أتطرق هنا للأحاديث المنسوبة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم المؤسسة لدونية المرأة وهي:
  • ناقصات عقل ودين: السيرة النبوية تنفي هذا النص فالنبي صلى الله عليه وسلم لدى حيرته في أهم تجربة في حياته لجأ للسيدة خديجة رضي الله عنها واتبع نصحها.
  • لا يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة. هذا حديث احتج به أبوبكرة الثقفي للتخلف عن عائشة رضي الله عنها في واقعة الجمل، هذا مجرد عذر فقد وقف معها طلحة والزبير وغيرهما من الصحابة الأوفر حظاً من أبي بكرة. وهو كان أحد ثلاثة حدهم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب حد القذف جلداً ويتضمن حد القذف عقوبة أخرى هي: (وَلَاتَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا)[1]. زعم أبو بكرة أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم قال هذا عندما ولى الفرس بوران بنت كسرى. وتاريخ الطبري يشهد لبوران هذه بأنها كانت حاكمة صالحة.
  • أما حبائل الشيطان فإنها متعلقة بكل ذرية آدم عليه السلام. بقوله (لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا)[2] لا المرأة وحدها.
  • أما أكثريتهن في النار فلا تمييز على أساس النوع بل الآية (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ)[3] بل حديث آخر أقوى سندا ومعنى جاء فيه أن (الْجَنَّةُ تَحْتَ أَقْدَامِ الْأُمَّهَاتِ)[4].
  • أما شاورهن وخالفهن فينافي السنة فقد شاور النبي محمد صلى الله عليه وسلم أم سلمة رضي الله عنها لدى أكبر محنة واجهت المسلمين يوم صلح الحديبية والتزم بما قالته له وكان فيه تجاوز الفتنة.
  • أما مقولة كيدهن عظيم فالكيد موجود في كل ابن آدم وفي نفس سورة يوسف فإن كيد إخوة يوسف أكبر من كيد صويحباته.
  • والمعنى الذي يساق من حديث: أنها خلقت من ضلع آدم الأعوج الذي إذا حاولت تقويمه انكسر يناقض النص القرآني في قوله: (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا)[5]. القرآن والواقع يكذب هذه الأحاديث وسندها الحقيقي نهج ذكوري هدفه تكريس دونية المرأة.
  1. وبالنسبة للأحكام الفقهية أقول تصويباً لما فيها:
  • الدية في القرآن ليست متصلة بالنوع إذ (النَّفْسَ بِالنَّفْسِ)[6].
  • نصف الشهادة معلل بعدم إلمامها بالمسائل المالية وبفقه المقاصد إذا انتفى العيب فالشهادة تتساوى وإذا قال لنا فقيه أن شهادة سيدة محامية تكون نصف شهادة عامل في مكتبها لأنه ذكر فلا نملك إلا أن نخالفه ونجد نصا قرآنيا مؤيدا أن (الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)[7].
  • حق النصف في الإرث ليس شاملا فقد ترث الأنثى مثل الذكر وقد ترث أكثر منه أي أن الحق في الإرث ليس مرتبطا بالنوع بل بحجم الواجبات وقد أوضحت هذا بالشواهد في كتاب الجدلية وفي كتاب حقوق المرأة.
  • أما القوامة فلا تمنع ولايتها على مالها وعلى دينها بل تمنح الرجل رئاسة في الأمور المشتركة على أن تمارس بالشورى لا بالقهر وهي كذلك تفرض على الرجال واجب الإنفاق أي أنه حق مقابل واجب يسقط إن سقط الواجب.
  • فيما يتعلق بحق الضرب، نعم منصوص عليه ولكن هنالك نص آخر وهو آية التحكيم بينهما. إن مقاصد الزواج في القرآن هي: المودة، والرحمة، والسكون، إن أسلوب التعامل مع هذه المقاصد هو التحكيم لا الضرب. إذن التحكيم هو المحكم والضرب هو المتشابه. المحكم هو المطابق لمقاصد الشريعة والمتشابه هو الذي يناقضها.
  • اشتراط خروجها مع محرم احتياط اجتماعي فالحقيقة: (لَهُنَّ مِثلُ الَّذِي عَلَيهِنَّ)[8]. وإذا ألزمت الحالة الأمنية فالرجل والمرأة في ظروف معينة يتطلب الحراسة. التعامل مع المرأة لمجرد الأنوثة أنها شخص قاصر لا يليق بشخص مكلف. وإن كان السبب هو منع التحرش وهو سبب مشروع ولكنه يوجب منع المتحرش والمتحرش به.
  • أما موضوع إمامة الصلاة فقد أجاز الطبري، وأبو ثور، إمامة المرأة للنساء وللرجال في الصلاة مستدلين بما رواه أبو داؤد من حديث أم ورقة (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يزورها في بيتها وجعل لها مؤذنا يؤذن لها وأمرها أن تؤم أهل دارها)[9].
  • أما عقدها للزواج عن طريق ولي فقط فغير صحيح فهي ولية على مالها فكيف لا تكون ولية على نفسها كما قال الإمام أبو حنيفة.
  • أما النقاب الذي يقول به بعض الناس فهو عادة لا عبادة. وحديث النبي صلى الله عليه وسلم للسيدة أسماء يؤكد أن وجهها وكفيها لا يستران. والنقاب إلغاء لهوية المرأة وفي المجتمع الحديث صار النقاب من ذرائع الإجرام ومنعه مطلوب لسد الذرائع.
  • أما عقد الزواج فهو اتفاق ويمكن أن ينص على أن تكون العصمة مشتركة. وأنا قد عقدت لكثير من الأزواج على أساس هذه العصمة المشتركة.

في نصوص الوحي ثلاثة أنواع من العلاقة بين الرجل والمرأة هي:

  • الزواج المعروف بواحدة أو بأربعة إذا توافر العدل. وهذا مصحوب بأن العدل يستحيل ويمكن أن يؤسس لتقييده.
  • زواج مؤقت يجيزه المذهب الجعفري (الشيعي) ولا تجيزه مذاهب السنة. ولكن بعض فقهائهم يجيزون زواجا مخففاً كالمسيار الذي تسقط فيه بعض شروط الزواج.
  • وملك اليمين.

أقول أما ملك اليمين فقد سقط مع تحريم الرق بإجماع المسلمين.

هنالك ظروف تنشأ للزواج بأكثر من واحدة القيد الصحيح على هذا هو أن يكون برضا الزوجة الأولى، وإلا فلا.

  • وأما إلزامها للوقوف في صلاة الجماعة في الصف الخلفي منعا للتداخل ففيه جنحة ما جعل الصف الأخير للرجال معرضاً لنظر الصف الأول من النساء والصحيح أن يكون الاصطفاف أفقياً لا عمودياً كما في المسجد الحرام. بحيث يكون جانب للرجال وآخر للنساء، ويمكن أن يكون بين جانبي النساء والرجال حائل يفصلهما كالمعتاد.
  • الحديث عن طاعة المرأة المطلقة إذا أرادها في الفراش يناقض آداب النكاح في الإسلام أن تقوم على الملاطفة والمداعبة بلا قهر. وأمر المسلمين شورى بينهم لا مكان فيه للإكراه حتى في الدين.
  • فيما يتعلق بالحيض فهو حالة طبيعية تنطبق على إناث الإنسان وبعض الحيوانات وما قاله الإسرائيليون إنها عقوبة لأن حواء أخرجت آدم من الجنة فخطأ. القرآن نسب الخطيئة لآدم بقوله: (وَعَصَىٰ آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ)[10] ونسبها مرة أخرى لهما معا. وفي أحاديث كثيرة روتها السيدة عائشة أنها كانت تشارك النبي صلى الله عليه وسلم مصلاه. وتناوله المصلاة وهي حائض. كذلك قال الإمام المهدي لإحدى زوجاته عند احتجت بالحيض عن مناولته المصحف قال لها (المؤمن لا ينجس).
  • أما ولايتها لأي أمر فجائز. قال الإمام الطبري: ما دامت المرأة أهلاً للفتوى فهي أهل للقضاء. وقال: يجوز أن تكون المرأة حاكماً على الإطلاق في كل شيء. وقال ابن حزم في المحلى: جائز أن تلي المرأة الحكم (انظر كتابي عن حقوق المرأة ص 34).
  • المرأة إنسان كامل الإنسانية وإيمانها تام وصوتها وكافة ما يتعلق بها إذا ردد حلالاً أو مباحاً فهو حلال تماماً مثل الرجل وإذا ردد حراماً فهو حرام مثله.
  • أما ختان المرأة فهو من تقاليد بالية وهو ممارسة ضارة وقد تطرق له الإمام الشوكاني في نيل الأوطار وقال: لم يصح في ختان المرأة حديث. القرآن ذكر أشياء كثيرة تخص تفاصيل حياة المرأة ولم يذكر الختان للمرأة. من مقاصد الشريعة الحديث الصحيح (لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَارَ)[11]. ختان المرأة ضار لأنه يذهب بالمتعة، والمتعة بين الزوجين مطلوبة ويعرقل انسياب الطمث، ويعقد النفاس، ويتسبب في الناسور البولي والنزيف والالتهابات بل قد تصل مضاره الجسمانية حد الموت جراء مضاعفاته. كما ثبتت له مضار نفسية بالغة تصيب الفتيات كالصدمة النفسية والهستريا وأخرى تصيب النساء بعد الزواج والولادة. فضرره الفسيولوجي والنفسي مما أجمع عليه الأطباء، وفي الشريعة: لا ضرر ولا ضرار.
  • نكاح الطفلات ليس سنة فالنبي صلى الله عليه وسلم تزوج السيدة عائشة وهي بنت 18 سنة كما أوضحت في رسالتي، ونكاح الطفلة مناقض للنص القرآني: (وَابْتَلُوا الْيَتَامَىٰ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ)[12]. فالنكاح عمر يبلغه الإنسان لا الأطفال. وهي أي نكاح الطفلات ممارسة كثيرة المضار.
  1. الذهنية العبرية والعربية في تقاليدها انتقاص للمرأة دخل في ثقافتنا عن طريق الإسرائيليات، التراث السوداني فيه آثار حامية أكثر احتراما لحقوق المرأة كما نجد في مدونات بعنخي وابنه تهراقا. لذلك ليس غريباً أن نجد في التراث السوداني حقائق مدهشة في إكرام المرأة، فمن رجال الدين السوداني – منذ قرون- من خلف ابنته على سجادته كما فعل الشيخ أبو دليق الذي خلف ابنته عائشة. ومنهم من كان حريصاً على تعليم المرأة في زمن كانت فيه المرأة الأوربية مطعون في إنسانيتها ومرفوض تعليمها قال الشيخ فرح ود تكتوك حكيم التصوف السوداني:

وعلم لما ملكت يديك عقائدا كذا أصل الطريق لا تذر

بنات وأبناء شبابا عجائزا خديما وحرات كذا عبدك الذكر.

على هذه السنة كان رجال في زمان غابر في السودان دون تأثر بالثقافة الوافدة منحازين لحقوق المرأة كما ظهر في تعاليم الإمام عبد الرحمن المهدي والشيخ بابكر بدري. وفي غير مجال حقوق المرأة كانت للهداية الإسلامية في السودان عطاءً فريداً. تعاليم الإمام المهدي في السودان فاقت مطالب الاشتراكية في العدالة الاجتماعية.

وبعد واقعة شيكان كتب كارلس ماركس في 27/11/1883م خطابا لصديقه انجلز رسالة قال فيها: إن الأخبار التي تأتينا من السودان في هذه الأيام، أخبار مثيرة للفكر، وأنها سوف تدفع بنا إلى أن نجيل النظر في بنية المذهب الشيوعي الذي ندعو إليه. وستجبرنا على إعادة التأمل في حديثنا عن أن الدين إنما هو مجرد إفراز للوضع الطبقي.

ثم قال: فإن الدين الإسلامي بهذه الصفة الثورية المهدوية المتفجرة في السودان أصبح وسيضحى وقوداً للثورة العالمية ضد الإمبريالية (انظر قراءة عصرية لمنشورات المهدية بقلم د. محمد وقيع الله).

وعدد من التقدميين الذين لم تحجب عقولهم العصبية الحزبية قالوا عن فكر الصحوة الذي أعبر عنه بأنه ثورة هادئة وأنني إنما أقود اليمين بفكر تقدمي.

نعم في المجتمع الذي نعيش فيه اليوم إن مقاصد الإسلام مقاصد ثورية.

إنه واجب على الإباة صحاة الأمة أن يوقظوا المؤمنين الذين أداروا ظهورهم لمنجزات الإنسانية الصاعدة أنها جزء لا يتجزأ من بناء مستقبل الإنسانية. وأن ينبهوا الذين أداروا ظهورهم للإسلام أنه أكثر الوسائل لتعبئة الشعوب نحو الغايات الثورية المنشودة مثلما هو خير قاعدة لمكارم الأخلاق ورضا الخلاق.

 

 

[1]  سورة النور الآية رقم (4)

[2] سورة الإسراء الآية 62.

[3] سورة الزلزلة الآيتان  7-8.

[4] رواه أنس بن مالك

[5]  سورة الأعراف الآية 189

[6]  سورة المائدة الآية 45

[7]  سورة التوبة الآية 71.

[8]*  سورة البقرة الآية 228.

[9]  ابن رشد بداية المجتهد ونهاية المقتصد جزء 1 ص 64

[10] سورة طه الآية 121

[11]  رواه ابن ماجة وأحمد ومالك

[12]  سورة النساء الآية 6.