شروط نجاح قمة دارفور 11/5/2005

بسم الله الرحمن الرحيم

11/5/2005

شروط نجاح قمة دارفور

الأزمات الإنسانية أو الأمنية، والحروب الأهلية فى البلدان، قضايا داخلية تتطلب جهدا وطنياً صادقاً لحلها. فإذا عجز الجهد الوطنى عن ذلك فإن ظروف التداخل والتضامن تدفع بمبادرات إقليمية للمساعدة فى حلها. فإذا عجزت المبادرات الإقليمية فإن الظروف الدولية الراهنة سوف تدفع حتما نحو تدخل دولى بكافة الوسائل، بما فى ذلك استخدام القوة تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.

فى حالة دارفور السودانية عجزت الحلول الداخلية، والإقليمية، وتمدد التدخل الدولى حتى صار مجلس الأمن منذ يوليو 2004 يتناول الحالة شهرياً ويصدر القرارات. كما أن الكنغرس الامريكى الذى صار نشطا فى التأثير على السياسية الأمريكية فى العالم أصدر قانون سلام السودان الشامل فى 16/10/2004، مضيفا دارفور إلى قانون سلام السودان القديم.. هذه الدرجة من التدويل ما كانت ممكنة لولا عجز المجهودات الداخلية والإقليمية. ولكنها بدورها صار لها أثرها الهام على أية محاولات داخلية أو مبادرات إقليمية لأن أطراف النزاع يتأثرون سلبا أو إيجابا بما يقرر ويفعل مجلس الأمن..

هل يستطيع مؤتمر قمة شرم الشيخ التفوق على الجهد الدولى بمقياس الجدوى وامتلاك زمام المبادرة؟

للإجابة على هذا السؤال أبدأ بتدوين معلومات وتحليلات تشرح لماذا أخفق الجهد الداخلى فى احتواء الأزمة؟!.

منذ ظهور بوادر الأزمة الجديدة فى دارفور أصر النظام على التصدى لها بسياساته المعهودة التى تعطى أولوية للمعالجات الأمنية وفى نطاق رؤيته الحزبية. ولكن رأيا آخر كان يلح على أن هذه الأزمة غير مسبوقة وتحتاج لمعالجات جذرية.

فى يونيو 2002 أمام بوادر الأزمة دعونا كافة أبناء دارفور فى الأحزاب السياسية للتشاور وبلورة رؤية قومية لحلها. واستمرت المشاورات حتى أصدرنا بيانا فى ديسمبر 2003 عن مسألة دارفور. وفى فبراير 2004 أوضحنا فى مؤتمر صحفى خطة لاحتواء الأزمة. ولاستكمال المعلومات عن الموقف بعثنا وفودا لولايات دارفور كان آخرها وفد قمة فى يونيو 2004. ونتيجة لهذا كله أعلنا فى مؤتمر صحفى فى أم درمان فى 27/6/2004 أنه “أزف الوقت لإجراءات حاسمة وحازمة من شقين:

 الأول: إجراءات فورية لبناء الثقة تفاصيلها:

  • الجهاز الإدارى فى ولايات دارفور ينحى وتسلم المسئولية لأشخاص مؤهلين بالكفاءة والموضوعية والالتزام القومى.
  • تكوين آلية محايدة للقيام بالاتى:
    • تقصى الحقائق عن الجرائم.
    • محاسبة الجناة.
    • تعويض المتضررين.
    • تكوين لجنة قومية عليا رسمية وشعبية لتنسيق الجهد الوطنى والدولى للإغاثة الإنسانية فى دارفور.
    • حصر عمل الحكومة الدفاعى والأمنى فى القوات النظامية ودعمها لتتمكن من مهامها وإيجاد بدائل مدنية للقوات غير النظامية.
    • مراجعة حالة الأمن داخل معسكرات النازحين لضبطها داخل المعسكرات وفيما حولها.
    • اتخاذ خط إعلامى قومى متفق عليه يتسم بالشفافية ونبذ العنف والتصالح.

الشق الثانى: عقد مؤتمر قومى جامع لبحث أجندة دارفور ذات السبعة ملفات: سياسى- اقتصادى – اجتماعى – خدمى – إدارى – أمنى- وقبلى. المؤتمر يبحث هذه الملفات ويقرر بشأنها”.

هذه المقترحات المدعومة برؤية حزب الأغلبية فى دارفور وأبناء دارفور فى الأحزاب الأخرى وفى منظمات المجتمع المدنى لم تتجاوب معها الحكومة بل واصلت إدارتها لأزمة دارفور فى إطار سياسات النظام التى سبقت انفجار الأزمة مع الحرص على “تسوق” الوساطات الإقليمية.

الوساطات الإقليمية أدت إلى النتائج الآتية:

  • اتفاق وقف إطلاق النار فى أبريل 2004 فى انجمينا بوساطة تشادية.
  • اتفاق حماية المدنيين وفرق الإغاثة فى أبوجا فى 9 نوفمبر 2004.
  • لقاءات تصالح اجتماعى عقدت فى ليبيا.
  • إرسال بعثة عسكرية افريقية أرسلها الاتحاد الإفريقى لمراقبة وقف إطلاق النار، ولحماية فرق الإغاثة الإنسانية، ولحماية المدنيين.

لا يختلف اثنان فى أن الوساطات الإقليمية حققت بعض الإنجازات الإجرائية. ولكن عدد القوات المرسلة دون المطلوب كما ونوعا، ولم يتحقق أى تقدم فى بحث مسببات الأزمة وسائر القضايا السياسية العالقة . وقد علم أن الرئيس النيجيرى اقترح إعلان مبادئ كإطار لحل الأزمة.. إعلان فى شكله الحالى فضفاض.

الحالة الإنسانية فى درافور مستمرة فى التدهور وتقدر الأمم المتحدة ارتفاع عدد المشردين من أهل درافور الآن بعدد 2.4 مليون شخص. والحالة الأمنية فى اضطراب شديد بحيث لا يأمن أحد الخروج بضع كيلو مترات خارج المدن الكبيرة.

العجز الداخلى، والإقليمى، فى احتواء الأزمة صرف الاتجاه نحو مزيد من التدويل كما يظهر فى قرارات مجلس الأمن 1590، 1591، و1593. وتدهور الأوضاع الإنسانية والامنية أدى لاقتراحات تدخل حلف الناتو.

أمام هذه التطورات ماذا تستطيع قمة شرم الشيخ أن تفعل؟!.

إذا اكتفت القمة بالاستماع للطرف السودانى الرسمي وحده، واكتفت برفض التدويل، واكتفت بالتمنيات الطيبة لمنابر الحوار الثنائى الحالية لاسيما فى أبوجا، وأصرت على رفض الآلية الدولية للمحاسبة الجنائية والإفلات من العقوبة دون تقديم بديل ذى جدوى فإن القمة سوف تلحق بسابقاتها فى سلسلة الأمانى الطيبة غير المجدية.

إذا أراد مؤتمر قمة شرم الشيخ بشأن دارفور أن ينافس فى الجدوى ويمتلك زمام المبادرة فان ذلك يوجب:

أولاً: إيجاد آلية للاستماع لوجهات نظر كافة الأطراف السودانية المعنية.

ثانياً: الدعوة لملتقى جامع يضم القوى السياسية السودانية، وحركة تحرير السودان، وحركة العدل والمساواة، وممثلين للمجتمع المدنى الدارفورى داخل وخارج السودان، وزعماء قبائل دارفور وذلك لبحث أجندة دارفور ذات الملفات السبعة. على أن يعقد الملتقى فى المكان المناسب لكافة المدعوين.

ثالثاً: دعوة كافة جيران السودان لحضور هذا الملتقى كمراقبين وشهود وحملة نوايا طيبة، ومنظمة الوحدة الأفريقية، والجامعة العربية، تحت رعاية الأمم المتحدة.

وهنالك أمران ينبغى أخذهما فى الحسبان هما:

الأول: ينبغى ألا يضع الجهد الاقليمى نفسه فى مواجهة الأمم المتحدة لأنها تمثل الشرعية الدولية. ولأن سياساتها أكسبتها ثقة قطاعات المتضررين من أهل السودان.

الثانى: ضرورة التعامل الإيجابى مع القرار رقم 1593. لقد صار هذا القرار الآن إجراءا قانونيا وكذلك موقفا سياسيا،ً لأن المتضررين يعدونه انصافا لهم وانتصارا لقضيتهم. أما الجانب القانونى فلا سبيل للتعامل معه إلا بموجب الفرص المتاحة فى نظام روما الاساسى والمادة “19” منه. أما الجانب السياسى فرهن على ما يقبله المتضررون.

تناول هذه القضايا وحسهما يحقق جدوى القمة فإن تغافلتها تناقصت الجدوى.