فاتا الحد فبلغا الضد

الإمام الصادق المهدي

بسم الله الرحمن الرحيم

فاتا الحد فبلغا الضد

الإمام الصادق المهدي

27/3/2019م

رئيس الوزراء الإسرائيلي تحالف مع أحزاب يمينية أكثر تطرفاً من اللكيود مثل السلطة لليهود، وحزب الوطن لليهود، واستطاع أن يصدر قانوناً يجعل المواطنة مرتبطة باليهودية، ما يحرم كل الآخرين منها، ويقيم نظام فصل عنصري في إسرائيل. وقد اتخذ إجراءات تقضي على حل الدولتين بضم المستوطنات في الضفة الغربية لإسرائيل. قال تامير باردو مدير الموساد في الفترة 2011- 2015م: إذا لم تقرر الدولة الإسرائيلية ما تريد فسوف ينتهي الأمر أن تكون إسرائيل دولة واحدة بين البحر ونهر الأردن. وهذه ستكون نهاية الحلم الصهيوني (أي دولة أغلبيتها عربية).

ويراود رئيس الوزراء الإسرائيلي كسبان: الأول أن جزء كبيراً من العالم العربي مستعد للتطبيع مع بلاده في مواجهة إيران. والثاني أن الرئيس الأمريكي الحالي مستعد لتجاوز كل حدود الدبلوماسية والقانون الدولي لدعم إسرائيل.

هذه المكاسب مهمة لرئيس الوزراء الإسرائيلي لأنه يخوض انتخابات عامة في أبريل القادم ضد منافسين مهمين. وثانياً لأن النائب العام الإسرائيلي يلاحقه بثلاث تهم فساد موثقة يظن أن مقعد الرئاسة يحميه من تبعاتها الحتمية.

قال آموس بادلين، مدير سابق آخر للمخابرات الإسرائيلية: إن إسرائيل كدولة ديمقراطية ذات أغلبية يهودية تواجه خطرين على وجودها هما: خطر إيران نووية، وخطر تحولها لدولة ذات قوميتين. فإذا حافظت على الديمقراطية فقدت هويتها اليهودية، وإذا حرمت غير اليهود من حقوق المواطنة فقدت الديمقراطية.

نتيجة لقصر النظر والأهواء الذاتية يوالي نتنياهو حشر بلاده في مأزق مصيري.

في العام الماضي نشر قريق كارلستروم، مراسل التايمز الأمريكية والأكونمست البريطانية في إسرائيل، كتاباً بعنوان: “إلى متى تبقى إسرائيل؟” الرد في الكتاب أن ما سوف يدمر إسرائيل تناقضات داخلية مستعصية على الحل لا الأعداء من الخارج. أي أن مظاهر القوة الظاهرية تجوفها هشاشة داخلية. وقديماً قال ازايا برلين، وهو من أكثر اليهود إدراكاً: إن إسرائيل سوف تندفع منتصرة نحو الهاوية. ولولا الغرور المدمر، فإن إسرائيل متاح لها أن تقبل حل الدولتين، والتخلي عن الأراضي المحتلة، والعودة لمستحقيها حسب القرار الدولي رقم 194، ومواطنة متساوية، والتطبيع العادل مع محيطها الإقليمي. ولكن كما في المثل الانجليزي: الغرور مدخل السقوط. وقال الحكيم:

إِنّ الغرورَ إِذا تملَّكَ أمّةً      كالزّهرِ يخفي الموتَ وهو زؤامُ

هنالك الآن أصوات مهمة داخل يهود أمريكا، يعلمون أن نكبات اليهود في التاريخ دائماً كانت بسبب تجاوز الحدود لذلك يرفضون مبالغات نتنياهو ويوصون بالاعتدال.

الرئيس الأمريكي تخلي عن الدور الذي يليق به كرئيس لدولة هي الحاضن للنظام الدولي المعاصر، ليتحدى قرارات النظام الدولي حول القدس، وحول اللاجئين، وحول الجولان؛ لأنه يريد الحصول على دعم الأصوات اليهودية في أمريكا، فهم كانوا غالباً يؤيدون الحزب الديمقراطي ولكن هم جماعة نفوذها المالي، والإعلامي، وفي مؤسسات التعليم يفوق أعدادها أضعافاً مضاعفة.

الرئيس الأمريكي الحالي مهتم بمخاطبة القاعدة الإثنية البيضاء الرافضة للنازحين لا سيما من المسلمين، والقاعدة اليهودية، ما يفسر انحيازه المطلق لإسرائيل، واهتمامه بإعادة انتخاب صديقه نتنياهو، وهو مثله يواجه حملات مضادة تلاحقه.

ما يرجى من الرئيس الأمريكي أن يكون الأكثر دعماً للنظام الدولي الذي جعلت رئاسته في بلاده، وأن يخاطب الشعب الأمريكي بما يحول دون انقساماته الكثيرة. وما دام صديقاً لإسرائيل أن يرشدها. فصديقك من صَدَقَكَ لا مَن صَدَّقَك. إن في الدعم المطلق لقيادة متطرفة في إسرائيل ما يدفعها للتهلكة.

وتحدث الرئيس الأمريكي عن الانتصار العسكري على دولة الخلافة الداعشية. قضية داعش قضية عقيدة لا تنتهي بما أصابها من هزيمة عسكرية. فطالبان أجليت من كابول والمدن الكبيرة في أفغانستان ولكن عادت فحاصرتها، والآن الولايات المتحدة تفاوضها     دليلاً على انتصارها، والقاعدة حوربت 18 عاماً وهي الآن تقود شبكة واسعة، كذلك داعش.

وتصريحات قادة غربيين ضد الاسلام والمسلمين ووصفهم بأنهم غزاة من شأنها دعم أطروحات القاعدة وداعش بل كل غلاة المسلمين. ما يقوله ويفعله رواد الإسلاموفوبيا هو أكبر حليف للقاعدة وداعش ومعزز لأطروحاتهم.

إن في انحياز الإدارة الأمريكية المطلق لإسرائيل على حساب القانون الدولي كما في آخر الحالات أي الاعتراف بالاحتلال الإسرائيلي للجولان ما يثبت لكثيرين أن المسلمين يتعرضون لغزو صهيوني وصليبي كما تقول القاعدة وداعش.

القاعدة تكونت لطرد الاحتلال السوفيتي من أفغانستان وتحولت العقيدة لطرد كل القوى الأجنبية من بلاد المسلمين، وداعش تكونت نتيجة تظلم أهل السنة في العراق وسوريا. إن اخضاع الأمة لمزيد من الاحتلال وتصعيد الفتنة بين السنة والشيعة عوامل تغذي أطروحات الغلاة في بلاد المسلمين والعنف المصاحب له.

المطلوب سياسات دولية عادلة، وحل عادل للقضية الفلسطينية، ومعادلة تصالحية بين أهل السنة والشيعة.