فاعلون لا انفعاليين

بسم الله الرحمن الرحيم

فاعلون لا انفعاليين

نداء الخلاص الوطني

25/4/ 2016م

 

موقف النظام السوداني الأصلي هو أنه جماعة بفكر إسلاموي قررت الاستيلاء على السلطة بالانقلاب العسكري وفرض رؤيتها على الناس بفهم خاطئ لمقولة “إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن”. في تناقض مع حقيقة اجتماعية وهي أن القوة المجافية للحق هي أقصر طريق للاستبداد والفساد.

الشعب السوداني بصموده على مشارع الحق أجبر النظام على سلسلة من التراجعات عبر تسويات أبرمها مع القوى السودانية المسلحة بلغت حتى الآن 16 اتفاقاً، جعل الفرق بين مواقف النظام الآن تختلف 180 درجة من مواقفه يوم استولى على السلطة.

ولكن تراجعات النظام الكثيرة لم تحقق له استقراراً، فأغلبية الشعب السوداني الآن تقف ضده، والشعار الإسلامي صار خاوياً ولأول مرة في تاريخ السودان صار التنصير والإلحاد بين النخبة ذائعاً وفي كثير من المناطق المهمشة كثر التحول عن الإسلام حركة ظاهرة ملموسة. والمعيشة صارت مستحيلة، والجنيه الذي كان () من الدولار وزعم الانقلابيون أنهم أنقذوه لئلا يصير () من الدولار، صار الآن () من الدولار. والحرب الأهلية التي زعموا تمددها مع أنه لم تكن أية مدينة واحدة في يد الجيش الشعبي، أدت لانفصال ربع البلاد واشتعال حروب أهلية في 6 جبهات. والشارع السياسي لم يهدأ ملتهباً في وجه النظام، وقيادة النظام بسبب تعاملها الوحشي مع المقاومة في دارفور صارت طريدة العدالة الجنائية الدولية.

وبعد 27 عاماً من الاستبداد والفساد مارس أثناءها الشعب السوداني أنواعاً من المقاومة والمعارضة والرفض يقف النظام معزولاً تحاصره قوى اجتماعية عريضة وتتوعده بالرحيل بانتفاضة شعبية كان سبتمبر 2013م مقدمة لها، وأكتوبر 1964م ورجب/ أبريل 1985م سابقتين لها، وإرهاصاتها تلوح في الأفق.

الفعل الشعبي نحو هذا الأفق بدأ في حملة (هنا الشعب).. حملة ترفدها الآن تيارات عديدة، سياسية، ومطلبية، وصمود دفاعي يبطل حملات النظام العسكرية. هذا وجه من وجوه الفعل الشعبي لتحقيق مطالب الشعب المشروعة.

كان النظام لا يفاوض إلا حملة السلاح ولكن بعد طائفة من الاتفاقيات الثنائية لم تحقق مقاصدها أجبر النظام على تغيير موقفه، وفي يناير 2014م أعلن امتثاله لحوار شامل. إعلان أفسده بالحرص على أن يكون حزبه على رأس هذا الحوار، وأفسد مناخ الحوار بإجرائه دون كفالة الحريات.

إجبار النظام على التسليم بمبدأ الحوار الشامل من فعل الشعب السوداني.

ثم أقدم الشعب السوداني على صنع توازن قوى جديد في (إعلان باريس) في أغسطس 2014م. توازن زاد قوة بنداء السودان في ديسمبر من نفس العام.

كان النظام يجري حوارات ثنائية عقيمة برعاية الهيئة الإفريقية الرفيعة.

حاول النظام إنعاش مبادرته للحوار بلقاء موسع في أكتوبر 2015م.

كان موقف قوى الفعل الشعبي من هذه المبادرة المتجددة عدم المشاركة فيها ولكننا سوف نقيم نتائجها.

ذكر لنا بعض المشاركين فيها أن الحوار الداخلي هذا اتخذ قرارات أهمها أربعة: قيام حكومة انتقالية، رئاسة وزارة تنفيذية، كفالة الحريات، تحجيم جهاز الأمن.

إذا قبل النظام هذه القرارات فإنها تمثل خطى في الطريق لمطالب الشعب.

الفعل الشعبي جعل الآلية الأفريقية الرفيعة تقدم اتفاقاً إطارياً من ثماني نقاط وقع عليها ممثلو (7+7) وفيهم الحزب الحاكم.

الفعل الشعبي أقنع الآلية الأفريقية الرفيعة على الدعوة للقاء أطراف النزاع في أديس أبابا في 29/3/2015م.. لقاء أقبل عليه ممثلو الشعب وقاطعه النظام. ووصل الحوار الوطني إلى طريق مسدود.

ولكن الفعل الشعبي طلب من مجلس السلم الأفريقي جلسة استماع فاستجاب ولأول مرة في تاريخ المجلس يستمع لقوى غير حكومية. وبعد الاستماع أعلن المجلس في جلستيه 456، و539، دعوة أطراف النزاع في السودان لتفاوض إجرائي يمهد للحوار الوطني.

قوى الشعب السوداني رحبت بهذه القرارات ولكن النظام رفضها وواصل سياساته العدوانية في جبهات الاقتتال ما جعل مجلس الأمن يصدر ضده القرار 2265. هكذا تراكمت على النظام قرارات الإدانة تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة: 63 قراراً إدانياً.

دعا السيد ثابو أمبيكي لتشاور استراتيجي رحب به ممثلو القوى السياسية الشعبية الفاعلة وشارك فيه وفد حكومي من حكومة السودان رفيع.

خاطب السيد أمبيكي أطراف النزاع السودانية واستمع منهم بياناً لمواقفهم.

وبعد تداول الأمر قدم السيد أمبيكي للأطراف السودانية خريطة طريق من سبع نقاط.

النظام السوداني وقع على هذه الخريطة.

ممثلو الفعل السياسي الشعبي قدروا أنهم بمواقفهم الصامدة قد حققوا في هذه الخريطة مكاسب مهمة هي:

  • كان النظام لا يعترف بالجبهة الثورية بل يقابل فصائلها ثنائياً ولكنه بموجب الخريطة اعترف بها.
  • كان النظام لا يعترف بالعلاقة بين حزب الأمة والجبهة الثورية كما تأسس في إعلان باريس، ولكنه بموجب الخريطة اعترف بها.
  • كان النظام في حواراته مع الجبهة الثورية يطالب بوقف دائم لإطلاق النار بل تسريح قوى الجبهة قبل إجراء اتفاق سياسي ولكنه بموجب الخريطة وافق على الارتباط بينهما.
  • وكان النظام لا يقبل أي نوع من حوار خارج الوطن ولكنه في الخريطة وافق على لقاء إجرائي.

خاطبنا السيد ثامو أمبيكي بموقفنا الذي فيه قبول لهذه الايجابيات ولكننا طلبنا تعديلات فحواها:

  • ألا يعتبر الحوار الداخلي هو الحوار الوطني المنشود بل يعتبر حوار سوف يكتسب هذه الصفة بعد أن يشمل القوى التي غابت عنه.
  • أن يشمل اللقاء التحضيري القوى السياسية ذات الوزن الأخرى أي بالإضافة لجماعة إعلان باريس.
  • أن يمثل الطرف الآخر الحكومة زائد 7+7 لتأكيد الالتزام بالتنفيذ.
  • وطبعاً ألا يكون الحوار الوطني برئاسة حزبية لكفالة النزاهة.

هذه النقاط احتواها ردنا على خريطة الطريق.

السيد ثابو أمبيكي لم يعط هذه النقاط اهتماماً وحدد موعداً قاطعاً للجميع للتوقيع على خريطة الطريق.

هذا خطأ تكتيكي، وخطأ آخر هو تجنيد السيدة ادلاميني زوما رئيسة مفوضية الاتحاد الأفريقي لإصدار إنذار أن نوقع في ظرف أيام أو نخضع للعقوبات. هذا تصعيد غير موفق، وأجوف؛ لأن الطرف الآخر أي النظام مكبل بثلاثة وستين قراراً دولياً تحت الفصل السابع؛ وحمل على الطرف الذي كان ضحية انقلاب عسكري غادر وضحية جرائم في دارفور أوجبت القرار الدولي رقم 1593 الذي طالب بمحاكمته أمام المحكمة الجنائية الدولية. التعجل، والتصعيد الظالم، وعيب بعض نصوص خريطة الطريق هي أسباب إجماع قوى نداء السودان على عدم التوقيع على خريطة الطريق.

وفي أبريل 2016م انتظم لقاء جامع لنداء السودان في باريس حقق نتائج ايجابية خلاصتها:

  1. إبرام ميثاق وطني لبناء الوطن عبر فترة تقيم دولة الوطن مكان دولة الحزب، وتكفل حقوق الإنسان والحريات الأساسية، وتنقذ الاقتصاد الوطني، وتعقد مؤتمراً قومياً دستورياً لكتابة مسودة دستور البلاد الدائم.
  2. اعتماد هيكل لقيادة العمل الوطني المشترك على رأسه مجلس أعلى وجهاز تنفيذي بالداخل وآخر بالخارج.
  3. الاتفاق على خريطة طريق لتحقيق مطالب الشعب المشروعة عن طريق الانتفاضة الشعبية أو الحوار الوطني إذا توافرت استحقاقاته.
  4. تكوين جبهة عريضة لبناء المستقبل الوطني بالتنسيق مع قوى المستقبل بالصورة التي يتفق عليها معها.

ومن هذا المنبر نوجه نداء الخلاص الوطني لكل قوى البلاد الشعبية والمدنية والنظامية، أن تلبي نداء الخلاص الوطني لنقيم معاً وطن السلام العادل الشامل والتحول الديمقراطي الكامل.

ونناشد كافة القوى الإفريقية، والعربية، والإسلامية، والدولية دعم تطلعات الشعب السوداني المشروعة.

النظام السوداني توهم أنه بإبرام صفقة الدعم مقابل الدم يمكنه أن يرجح الأمور لصالحه بمشاركة لا تبررها المصلحة الوطنية في حرب طائفية غير مجدية دورنا أن نعمل على الصلح فيها لا على التصعيد.

بعض القوى الأوربية قبلت عرض النظام السوداني المساعدة في احتواء سيل اللاجئين الفارين إلى أوربا، واحتواء التطرف باسم الإسلام والعنف المصاحب له. ولكنهم سوف يدركون أن النظام السوداني من العناصر المسببة لهذا الداء لا يصلح أن يقدم فيه الدواء. كما قال أحد شعراء العربية:

رُسُلُ التَّخلُّفِ في بلادِ الضّادِ

يستنكرون «خلافة البغدادي»

فعلام يأنفُ لاعبٌ من لاعبٍ

وكلاهُما عضوٌ بنفس النادي؟!

أثناء اجتماعنا في باريس حضر لمخاطبتنا مندوبان من الترويكا، ومبعوث من الاتحاد الأوربي، ليقولوا لنا إنهم استوضحوا النظام السوداني في بعض نقاط خريطة الطريق وأنه أوضحها لهم، ويطالبوننا بالتوقيع على خريطة الطريق. أوضحنا لهم موقفنا من خريطة الطريق وأكدنا لهم أمرين هما أننا سوف نتصل برئيس الآلية الأفريقية الرفيعة لبحث تحفظاتنا وإمكانية التجاوب معها كما أكد ممثلو الجبهة الثورية أنهم سوف يلتزمون بستة شهور وقف إطلاق نار لإتاحة الفرصة للإغاثة الإنسانية، وكذلك للمساهمة في مناخ يناسب الحوار الوطني باستحقاقاته.

التوقيع على خريطة الطريق تجاوزه الزمن ولكن هنالك معادلة ممكنة أساسها:

أن يقدم السيد أمبيكي تقريره المطلوب لمجلس السلم والأمن الأفريقي. وأن يدرس المجلس الموقف من جميع جوانبه، وأن يجدد ثقته في آلية التوسط وأن يصدر قراراً جديداً مكوناته هي:

  • تبني خريطة الطريق باستثناء البنود المتحفظ علها.
  • إعادة المطالبة بقراره رقم 539 وربطه بالخريطة.
  • تأكيد أن اللقاء التحضيري جامع وليس انتقائياً. ومهمته إنجاز المهام الإجرائية لتوفير المناخ المناسب للحوار الوطني.
  • أن يتصل الحوار الوطني داخل البلاد برئاسة متفق عليها.

هذا القرار الجديد سوف يجد ترحيباً عاماً يمكن الآلية الأفريقية الرفيعة من المضي قدماً في دورها في تسهيل مهمة الحوار الوطني باستحقاقه المطلوبة.

يا شعبنا العظيم هلموا لدعم حملة (هنا الشعب) في الطريق إلى ثلاثية أكتوبر 1964م، ورجب أبريل 1985م. ودعم حوار الجدوى لينعم شعبنا بإحدى الحسنيين طريقاً للخلاص الوطني.

 

وبالله التوفيق.

 

 

                                                            الصادق المهدي

رئيس حزب الأمة القومي