لماذا نرفض إنقلاب الإنقاذ

الإمام الصادق المهدي
الإمام الصادق المهدي زعيم حزب الأمة القومي وإمام أنصار الله

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

بقلم الحبيب الإمام الصادق المهدي

لماذا نرفض انقلاب يونيو 1989م والنظام الذي أقامه؟

وماذا نفعل لإنقاذ الوطن منه؟

 

18 مايو 2015م

 

1. في الفكر الجيوسياسي الأمريكي الحديث عدد من المدارس، كتاب مستنيرون أمثال بول كنيدي الذي يقول لو وضعنا أنفسنا في مكان بلدان الشرق الأوسط لجعلتنا ظروف الظلم نتصرف كما يتصرفون، واستيفن والت وجون مير شايمر اللذان يستنكران نفوذ اللوبي الإسرائيلي في السياسة الأمريكية نحو الشرق الأوسط، وجراهام فوللر الذي يتحدث عن عالم افتراضي بلا إسلام ويرى أن شعوب المنطقة المعنية مهما كانت عقيدتهم الدينية سوف تدفعهم المظالم التي فرضت عليهم لتصرفات كما يحدث الآن.

مقابل هذه الرؤية توجد مدارس أخرى: ليو شتراوس وهو مهاجر من ألمانيا النازية دعوته هي حاجة أمريكا لأيديولوجية تفرد يتماسك حولها المجتمع وتبث نفوذها في العالم.

وبرنارد لويس المهاجر إلى أمريكا والذي صاغ عبارة صدام الحضارات، وهو يرى أن الإسلام دين شرير ولا إنساني، ويرى أن المسلمين ضد الحضارة الغربية من حيث هي غيرة من نجاحها وفشل حضارتهم. هذه المدرسة هي زاد الإسلاموفوبيا في الغرب وترى أن العدو الذي ينبغي أن يواجهه الغرب سيما بعد أفول الاتحاد السوفيتي هو العالم الإسلامي.

السياسة الأمريكية نحو الشرق الأوسط تبلورت بعد الحرب الأطلسية الثانية (1939-1945م). إن تتبع مواقف الأحزاب الأمريكية يظهر اختلافاً بين نهج الحزبين: الجمهوري والديمقراطي، فالفرق واضح بين سياسة دونالد ريقان الجمهوري وجيمي كارتر الديمقراطي، هذا الاختلاف أكثر وضوحاً بين جورج بوش الجمهوري الذي أغرق بلاده في حروب امبريالية في منطقة الشرق الأوسط وباراك أوباما الذي اجتهد في نقض حماقات سلفه الخارجية وعمل على سحب قوات بلاده من أفغانستان والعراق وأمسك عن غزو ليبيا وسوريا وطبع علاقات بلاده مع كوبا ويوشك أن يطبعها مع إيران.

إسرائيل منذ تأسيسها قادها حزب العمال، ولكن منذ السبعينات من القرن الماضي اتجه حكامها يميناً فانحازت سياساتها لحزب الليكود وأحزاب يمينية متطرفة، وكانت إسرائيل تعتبر الحليف الموثوق  به في الشرق الأوسط للولايات المتحدة في وجه النفوذ السوفيتي وفي وجه تمدد الحركات الوطنية، والقومية، والإسلامية، التي تتطلع لاستقلال قرارها من أية تبعية.

2. لدى انهيار الاتحاد السوفيتي بدا كأن الغرب قد يستغنى عن دور إسرائيل كشرطي للمصالح الأمريكية في المنطقة، لذلك تعددت الأصوات في اليمين الأمريكي واليمين الإسرائيلي التي تنذر بأن الخطر القادم على المصالح الأمريكية والحضارة الغربية هو “الأصولية الإسلامية”. هذا الفهم جمع بين اليمين الإسرائيلي وقوى المحافظين الجدد التي سيطرت على جناح مهم في الحزب الجمهوري الأمريكي.

منذ نجاح الثورة الإسلامية في إيران في 1979م وما كان لها من أصداء في العالم الإسلامي اهتمت أجهزة الاستخبارات الغربية بالتعامل مع ظاهرة “الأصولية الإسلامية”.

نشرت في السبعينيات روايات غربية تتخيل سيناريوهات للتعامل مع “الأصولية الإسلامية” والعمل على احتوائها، وكان أكثر هذه السيناريوهات “ذكاءاً” أن الذي سوف ينسف مشروع الأصولية الإسلامية هو أن يستولى دعاتها على السلطة في بعض بلدان المسلمين، ويفشلون في تحقيق شعاراتهم البراقة، وفي تلبية مطالب شعبهم، ما يؤدي لفشلهم، ويحصل للشعار الإسلامي ما حصل للشعار القومي العربي من إخفاق.

وسيناريو آخر قال به استخباراتيون هو تقويض الدولة الوطنية في بلدان الشرق الأوسط عن طريق تفكيك مؤسسات الدولة الحديثة أو تشجيع تيارات الولاءات الموروثة الطائفية، والإثنية، لاشتباكات تمزق النسيج الاجتماعي وتؤدي لحركات انفصالية. هذا السيناريو شرحه بالتفصيل في مرحلة لاحقة وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي آفيدختر في محاضرة ألقاها في تل أبيب في عام 2008م، قال: إن الدول الوطنية العربية بشكلها الحالي مكونة بأسس غير طبيعية، والمطلوب تفكيكها على أسس دينية، وطائفية، واثنية، وعدد الدويلات المنتظر ظهورها لخلافة تلك الدول. السودان مشرح ضمن هذا السيناريو للتقسيم على خمس دويلات: دولة جنوب السودان، ودولة دارفور، ودولة في شرق السودان، ودولة في جبال النوبة، ودولة لشمال ووسط السودان.

ما يهمني هنا هو الصلة بين هذا المخطط وانقلاب 30/6/1989م في السودان.

3. لا توجد أية مبررات موضوعية لقيام انقلاب يونيو 1989م، فالنظام الديمقراطي الذي كان يحكم السودان نجح في وضع خريطة طريق لمؤتمر قومي دستوري يعقد في 18/9/1989م لإبرام اتفاقية سلام شامل ليس فيها دور أجنبي، وليس فيها مطلب لتقرير المصير، ونجح في جمع الكلمة حول مشروع تأصيل إسلامي يراعي التنوع، والتدرج، وحقوق المواطنة المتساوية، ونجح في القضاء على النمو الاقتصادي السالب الموروث من عهد الطغيان المايوي وتحقيق نسبة نمو عالية مقدارها في عام 1989م تساوي 12,5%، واستطاعت الحكومة الديمقراطية التصدي للمقاطعة الأمريكية واستقطاب تعاون مؤثر مع كافة حلفاء الولايات المتحدة الذين دعموا ميزان المدفوعات وميزانية التنمية بحوالي 3 مليار دولار، بل استطاعت الحكومة الديمقراطية وضع خطة مع اليابان لشراكة تنموية شاملة، ومع الصين لنقل تكنولوجياً عسكرية في مجال الأسلحة الثقيلة والدفاع الجوي.

وبعد مذكرة القوات المسلحة للحكومة في فبراير 1989م،وهي مذكرة كيدية خالية من أي مبرر موضوعي ولكنا تعاملنا معها بصورة أبطلت مفعولها الضار وكلفنا السيد ميرغني النصري عضو مجلس رأس الدولة المستقل أن يدعو كافة القوى السياسية للاتفاق على برنامج قومي لمواجهة مشاكل البلاد صفاً واحداً، وقد كان. وبموجب برنامج القصر هذا تكونت حكومة وحدة وطنية (مارس 1989- يونيو 1989م). حكومة حظيت بتأييد برلماني منقطع النظير (80% من النواب). ومن سجلات الحكومة الديمقراطية عبر الفترة كلها من (1986-1989م) إنها واجهت أهم أزمات تعرضت لها البلاد وهي أزمة السيول والأمطار غير العادية في أغسطس 1988م، وأزمة مظاهرات ضريبة السكر في ديسمبر 1988م وأزمة مذكرة القوات المسلحة في فبراير 1989م، واجهتها الحكومة الديمقراطية بكفاءة عالية، وفي إطار النظام الدستوري، دون اللجوء لأية إجراءات استثنائية.

المشكلة الوحيدة في وجه هذه النجاحات أن الحكومة المصرية كانت غير راضية عن إلغاء الحكومة الديمقراطية لاتفاقية الدفاع المشترك، وهي اتفاقية أدخلت السودان منذ العهد المايوي طرفاً في الحرب الباردة، بينما موقفنا كان حيادياً من تلك الحرب، وهو موقف للمصلحة الوطنية، لأن هذا الانحياز جعل حلف عدن يدخل داعماً للحركة الشعبية في حربها ضد السودان. وكان نجاح التجربة الديمقراطية مؤرقاً للنظام في مصر، وعلى طول العهد الديمقراطي كانت دلائل عداوة النظام المصري للسودان الديمقراطي ظاهرة.

إن للحكومة المصرية في ذلك الوقت تحالفاً مع الولايات المتحدة، والولايات المتحدة بدورها كانت غير راضية عن تجربة ديمقراطية حريصة على استقلال القرار الوطني، وعلى التخلي عن التسهيلات العسكرية التي كانت يمنحها لها النظام المايوي المنحاز لمعسكرها في الحرب الباردة.

هاتان الحكومتان كانتا بوضوح ضد نجاح التجربة الديمقراطية في السودان، وتعملان بكل الوسائل الخفية والإعلامية لتقويض التجربة الديمقراطية السودانية.

دلائل عدم رضا الحكومة المصرية عن نجاح التجربة الديمقراطية في السودان كثيرة – مثلاً- صنعوا لنا أزمة بلا مبرر في اختيار عضو مجلس رأس الدولة الاتحادي خلفاً للسيد محمد عبد الله يس، وكذلك أزمة بلا مبرر في إخراج الاتفاق على اتفاقية الميرغني قرنق كما اعترف لي بذلك صراحة الشريف زين العابدين الهندي.

وكذلك كان واضحاً عدم رضا الخارجية الأمريكية والدليل على ذلك قطع المعونات التي كانوا يدفعونها لنظام مايو، ونقل سفارتهم لحين من الخرطوم إلى نيروبي بحجة عدم الأمان في الخرطوم، كما كانوا لا يرضون بأي شيء يغضب حليفتهم الحكومة المصرية كما اعترفت في وقت لاحق السيدة كونداليسا رايس في محاضرة في جامعة القاهرة في عام 2005م إذ قالت: نحن لستين عاماً وقفنا مع النظم الدكتاتورية لمصلحة رأيناها على حساب الديمقراطية!

لذلك عندما وقع انقلاب 30 يونيو 1989م اختفيت لأعرف حقيقية أهو سوداني محض أم هو تدبير أمريكي مصري فإن كان كذلك واصلت الاختفاء لمقاومته وإن كان سودانيا خالصاً ظهرت وأقدمت على حوار معه. وبعد أسبوع من الاختفاء حسب معلوماتي يومئذٍ قررت الظهور ومخاطبة النظام بمذكرة وجدوها في جيبي عندما اعتقلت في 5/7/1989م.

وبعد إطلاق سراحي في أبريل 1992م صرحت بأنني عندما اكتشفت أن الانقلاب سوداني محض اتجهت للحوار معه، عندئذٍ قال لي أحد كبار ضباط الأمن السوداني في عهد مايو وكان من الذين نالوا تدريباً مع هيئة الاستخبارات المركزية الأمريكية: ليس صحيحاً أن هذا الانقلاب سوداني محض بل خططت له الاستخبارات الأمريكية وكانت حلقة الوصل بين القوات المسلحة وقيادة الجبهة الإسلامية القومية صاحبة الانقلاب جماعة من الضباط العلمانيين ذوي العلاقة الخاصة مع الاستخبارات الأمريكية، والدليل على ذلك أن هؤلاء الضباط قد نالوا وظائف عالية بعد نجاح الانقلاب، كما أن الحكومة المصرية والحكومة الأمريكية رحبت بالانقلاب وساعدته في الأشهر الأولى كما كان واضحاً.

4. الجبهة الإسلامية القومية ذات المرجعية الأخوانية وجدت منا هي ومسمياتها السابقة معاملة ودية للغاية لم تعهدها التنظيمات ذات المرجعية الاخوانية في أي مكان في العالم. صحيح بعد تحالفهم مع السيد جعفر نميري في برنامجه الزائف المعروف بقوانين سبتمبر 1983م ساءت العلاقة بيننا، وبعد انتخابات 1986م جلبوا أموالاً طائلة من التنظيم العالمي الأخواني أو حلفائه في الخليج وصاروا بهذا الدعم، ودعم من الرئيس العراقي السابق صدام حسين، صاروا أغنى حزب سوداني، ونشروا 7 صحف، ووجدوا في المجال الديمقراطي فرصة للتوسع بصورة كبيرة، واستغلوا الحريات الديمقراطية للقيام بحملة شرسة ضد الحكومة الديمقراطية. إذن حظهم تحت النظام الديمقراطي كان كبيراً سواء شاركوا في الحكم أو قادوا المعارضة، وكان قادتهم يقولون إن الديمقراطية هي سياسة الأنبياء.

ونشأت داخل الحركات ذات المرجعية الاخوانية مخاوف من اتخاذ وسائل انقلابية لتنفيذ برامجها، هذا ما جاء واضحاً في اجتماع عقدته المنظمات ذات المرجعية الاخوانية في عام 1989م، كما أن كل أصحاب الأجندات السياسية الذين اختاروا الوصول إلى أهدافهم بالطريق الانقلابي ندموا وأعلنوا خطأهم. حدث هذا في السودان على لسان السيد عبد الله خليل، وشقيت به قيادة الحزب الشيوعي السوداني التي تحالفت مع انقلاب 25/5/1969م، وسجل خطأ الاستعانة بانقلابات لخدمة أجندة سياسية وفكرية منيف الرزاز في كتابه الشهير “التجربة المرة”، لذلك كنت استبعد أن تقدم قيادة الجبهة الإسلامية القومية على انقلاب يدخلها في متاهات خاسرة مع أن حظها في النظام الديمقراطي كان كسبياً.

فيما بعد تعللوا للإقدام على الانقلاب بأنهم كانوا يسابقون انقلابين آخرين بعثيين، نعم هنالك للأسف نزعة لدى كثير من العقائديين أن الديمقراطية اللبرالية لا تمنحهم فرصة للسلطة فيختارون الانقلاب وسيلة لذلك، فإذا شعرت الجبهة الإسلامية القومية بخطر على الديمقراطية فالنهج الصحيح التعاون مع الحكومة لحماية الديمقراطية التي يؤيدونها مبدئياً ويرون أن حظهم في الكسب السياسي فيها كبير.وتعللوا أن قيادة القوات المسلحة لا سيما بمذكرة فبراير 1989م كانت تطالب باستبعاد الجبهة الإسلامية القومية من الحكومة. نعم بعد أن أمكننا احتواء آثار تلك المذكرة قابلني السيدان فتحي أحمد علي ومهدي بابو نمر ليشكروني على الطريقة الجيدة كما قالوا التي تعاملنا بها مع المذكرة ولكن لهما مطلبين هما ألا تسند وزارة الدفاع للسيد صلاح عبد السلام وألا يشمل التكوين الوزاري المزمع الجبهة الإٍسلامية القومية، أثناء حكومة الوفاق الوطني جرت مساجلات خلافية بين قيادة الجبهة الإسلامية القومية ووزير الدفاع يومئذ السيد عبد الماجد حامد خليل حول أولوية وكيفية تحقيق السلام، وكان للسيد عبد الماجد صلة بمن كتبوا مذكرة القوات المسلحة، قلت لفتحي ومهدي: هذا الأمر لا يخصكما فاسحبا هذا الطلب وسأتعامل معه كأنه لم يقدم، قلت لهما هنالك حوار في القصر يقوده السيد ميرغني النصري وكل القوى السياسية السودانية مشتركة فيه وأتوقع أن يصدر عنه برنامج سياسي قومي، كل الذين يشاركون في ذلك البرنامج سوف يشتركون في الحكومة القومية المزمع تكوينها. والجبهة الإسلامية سوف تشترك في الحكومة إذا أيدت ذلك البرنامج. قبلا نصحي وانتهى الأمر. وبعد ذلك أخبرت قيادة الجبهة الإسلامية ما جرى وقلت لهم إنني أعتبره كأن لم يكن، وهي فكرة لدى بعض القيادات العسكرية ولا تمثل رأياً مجمعاً عليه داخل القوات المسلحة.

قال لي الخبير الأمني ليفسر لي سبب إقدام الجبهة الإسلامية القومية على مغامرة الانقلاب: إن المخابرات الأمريكية تدرس تصرفات القوى السياسية والحكومات الافتراضية ضمن ما يسمونه “لعبة الأمم” الذي شرح مضمونة السيد كلمنت روزفلت في كتابه بعنوان “لعبة الأمم”، ومن النتائج التي استنتجوها عن الجبهة الإسلامية القومية أنها لا تقيم للديمقراطية وزناً وأنها متعطشة للسلطة بأية وسيلة وأنها قد حبست نفسها في برنامج من بند واحد وهو التطبيق الفوري للشريعة الإٍسلامية. لذلك يمكن أن يندفعوا في القيام بانقلاب وسوف تكون تركيبة القوى الانقلابية، والتناقض بين البرنامج الأحادي هذا ومطالب الحركة الجنوبية، والإقدام على السلطة دون أية تحضيرات مناسبة والتناقض مع الواقع الإقليمي والدولي عوامل كفيلة بإخفاق التجربة باسم الإسلام، وهو الهدف المراد تحقيقه.

وفي تقدير الاستخبارات الأمريكية وحليفها اليمين الصهيوني أن فرض أجندة إسلاموية حزبية على مجتمع متعدد الأديان، ومتعدد الطوائف، ومتعدد الثقافات سوف يفشل باسم الإسلام فيدمر بريق الشعار الإسلامي كما حدث للتجربة القومية العربية. وأن هذه الأجندة الأحادية من شأنها أن تفكك البلاد، وهذا هو المطلوب.

تتبع ما جرى للإسلام وللسودان نتيجة لتجربة انقلاب يونيو 1989م يصل لأن التجربة شوهت الشعار الإسلامي تماماً، وصارت لدى المفكرين والناشطين الإسلاميين مضرب المثل للإخفاق، ولدى غيرهم صارت شاهداً لعدم صلاحية المرجعية الإسلامية في الشأن العام وصحة ما يقولون به وهو النهج العلماني.

وتتبع سياسيات النظام الانقلابي يظهر كيف حقق برنامج تفكيك السودان.

5. عندما استولى الانقلاب على السلطة وجد مشروع سلام وشيك يبرمه مؤتمر قومي دستوري في 18/9/1989م، مشروع ليس فيه تقرير مصير وليس فيه دور لجهات أجنبية، ولكنهم ركلوا هذا المشروع واندفعوا في شيطنة سياسة العهد الديمقراطي ظلماً، وحولوا وصف الاقتتال بأنه جهاد لأعداء الله الكافرين وسوف يقضون عليهم بالحسم القتالي، هذا النهج كان برداً وسلاماً على الحركة الشعبية لتحرير السودان، قال لي د. جون قرنق لولا أن يساء الفهم لاقترحت أن نقيم تماثيل لقادة النظام الانقلابي في جوبا لأن سياساتهم جلبت لنا تأييداً دولياً وكنسياً لا يقدر بثمن.

وبعد فترة من التهريج بشعارات الجهاد تراجع النظام وأبرم اتفاقية عام 2005م، الاتفاقية حظيت بدعم إقليميي ودولي كبير ما أوهم النظام أنه اكتسب شرعية دولية بموجبها، وحظيت بدعم كثير من القوى السياسية السودانية، ولكننا في حزب الأمة كشفنا عورات تلك الاتفاقية بكتاب صدر بعنوان: (اتفاقية السلام يناير 2005 ومشروع الدستور أبريل 2005م في الميزان).

كان واضحاً أن الاتفاقية لن تجعل الوحدة جاذبة بل الانفصال جاذباً.

وكان واضحاً أن الاتفاقية أبقت على بنود مهمة معلقة فثلاثة بروتوكولات هي: أبيي، وجنوب كردفان، وجنوب النيل الأزرق، قنابل موقوتة من شأنها تجديد الحرب.

أما ما وعدت به الاتفاقية من حريات عامة فالنص جيد ولكن التطبيق مربوط بإجراءات تشريعية عبر برلمان يسيطر عليه الحزب الحاكم الذي جعل تلك النصوص معلقة في الهواء.

النتيجة أن اتفاقية السلام (2005) خريطة طريق لفصل الجنوب ولإنتاج “جنوب” جديد يواصل الاقتتال من أجل انفصالات أخرى.

6. عندما وقع انقلاب 30 يونيو لم تكن في دارفور بندقية واحدة موجهة ضد الحكومة الولائية ولا المركزية، بل كانت المشاكل محصورة في صراع قبلي على الموارد، ونهب مسلح ومطالب تنموية وخدمية، وعندما وقع الانقلاب وجد تحضيراً لمؤتمر في دارفور لمعالجة تلك المشاكل المحدودة.

اندفع النظام الانقلابي في سياسات هدفها تغيير النسيج الاجتماعي في دارفور لصالح أجندته الأحادية، سياسات أفرزت ردود فعل مضادة أدت فيما بعد عام 2000م لتكوين أحزاب سياسية مسلحة بعنوان حركة تحرير السودان، وحركة العدل والمساواة، وبعد حادث الهجوم على مطار الفاشر أبريل 2003م، صنف النظام حركات المقاومة المسلحة إثنياً واتجه لتجنيد المكون الاثني الآخر في دارفور (العرب) لمحاربتها. هكذا تعززت النظرة التي روج لها د. جون قرنق: أن المشكلة في السودان ليست جهوية بين شمال وجنوب، بل اثنية بين عرب وأفارقة.

عندما اندلعت المقاومة المسلحة في دارفور بعد عام (2002)م كانت النصيحة الأجنبية لهم: “ركزوا على اتفاقية السلام مع الجنوب”، أما دارفور فمسألة داخلية احسموها بسرعة وكفاءة” اعتبر النظام هذا ضوءاً أخضر ليفعلوا في دارفور ما يشاؤون ما جعلهم خاصة عن طريق المليشيات القبلية يرتكبون التجاوزات التي راكمت ضد النظام قرارات مجلس الأمن تحت الفصل السابع، وذهبت بقيادة النظام للمحكمة الجنائية الدولية.

سمع الرئيس العراقي السابق صدام حسين حديثا من السيدة ابريل كراسبي فسره بأنه ضوءً أخضر لغزو الكويت، وكان ما كان، نفس الرأي أو “النصيحة” التي جعلت النظام الانقلابي يخوض في دارفور خطة الأرض المحروقة.

هذه الخطة عمقت الاستقطاب الاثني في دارفور وحولت دارفور إلى قضية حقوق الإنسان الأولى في العالم.

خطة اليمين الأمريكي المتحالف مع اليمين الصهيوني هي أن حماية أمن إسرائيل تعتمد على تفوق إسرائيل العسكري على جيرانها، وعلى المدى البعيد لا يحافظ على بقاء إسرائيل دولة يهودية إلا تفكيك الدول العربية.

فتفقد الدول وحدتها الوطنية مفرقة دينياً، وطائفياً، وإثنياً. ويفقد الفضاء العربي وحدته القومية.

هذه الأهداف وسائل تحقيقها ليست الغزو العسكري المباشر بل نوع آخر من الحرب وسائله: تدمير مؤسسات الدولة الوطنية، وتفكيك وحدة شعبها إثنياً، ودينياً، وطائفياً، عوامل تؤدي في النهاية لنتائج التقسيم والانفصال.

7. كأن النظام الانقلابي السوداني ” أخذ مقاولة”لتحقيق هذا البرنامج في السودان:

1. اتفاقية سلام نيفاشا هي خريطة طريق للانفصال الذي تحقق في 2011م.
2. بعد انفصال الجنوب تركت ملفات أبيي، وجنوب النيل الأزرق معلقة وبقيت الفرقتان 9و10 من الجيش الشعبي شمال حدود 1956م بين شمال السودان وجنوبه، وتجمعت نذرالاقتتال كما توقعنا ولاحت فرصة لتجنبها بموجب اتفاق إطاري (مالك/ نافع) في يوليو 2011م، اتفاق يتناقض مع مشروع التفكيك لذلك أجهض واندلعت الحرب الأهلية معلنة تقرير المصير هدفاً.
3. اشتعلت الحرب الأهلية في دارفور بشدة منذ 2003م وفي عام 2006م لاحت فرصة حقيقية لإبرام السلام وباتصال مباشر اقترحنا على المفاوض الحكومي السيد مجذوب الخليفة أساساً للسلام كنا متأكدين لمعرفتنا للمعطيات أنه إذا قبل سوف يؤدي لسلام عادل وشامل في دارفور، ولكن النظام الحاكم رفض المقترحات وأبرم اتفاقيتي سلام في أبوجا في مايو 2006م، وفي الدوحة في يوليو 2011م، لم تحققا إلا اتفاقاً جزئياً واستمرت الحرب، حتى يومنا هذا. سياسات النظام التي تبرم اتفاقيات سلام ناقصة لا تخاطب أسباب النزاع الحقيقية وتواصل الحرب باعتماد أساسي على التباين الاثني إنما تعزز من المطالب الانفصالية.
4. في شرق السودان وجدت منذ الخمسينيات حركة جهوية مطلبية (مؤتمر البجة) ولكن لم تكن هناك بندقية واحدة موجهة ضد الحكومة المركزية، هذا الوضع تغير في عهد النظام الانقلابي واندلع عمل مسلح في جبهة شرق السودان ووجد ملجأ لوجستياً في أريتريا وفي يوليو 2006م أبرمت اتفاقية سلام الشرق برعاية إريترية في أسمرة، الاتفاقية كالعادة محملة بالوعود ومدعمة بالمحاصصة ولكنها لم تخاطب الأسباب الحقيقية للنزاع. والنتيجة أن السلام المبرم هش وكل الدلائل تشير إلى انهياره الوشيك.
5. في عام 2012 م تكونت الجبهة السودانية الثورية وضمت في صفوفها الحركات الدارفورية المسلحة، والحركة الشعبية (الشمالية) وآخرين بهدف تحرير البلاد من النظام الحاكم بالوسائل الثورية، وتحقيق تقرير المصير للمناطق المهمشة.
6. الحركة السياسية الديمقراطية السودانية تعمل على إقامة نظام حكم جديد يحقق السلام العادل الشامل ويقيم نظاماً عادلاً في إدارة التنوع وعادلاً في إنصاف أهل المناطق السودانية جميعاً في سودان عريض ديمقراطي وعادل.

وفي أغسطس عام 2014م اتفقت قوى سياسة سودانية مرجحة: حزب الأمة والجبهة الثورية بموجب إعلان باريس، لو أن النظام الانقلابي في الخرطوم يزن الأمور بالوطنية أو حتى بالعقل لقبل إعلان باريس لا سيما في مبادئ: وقف إطلاق النار، والعمل من أجل النظام الجديد بوسائل سياسية، والتخلي عن مطلب تقرير المصير لمطلب سودان واحد عادل.

ولكن النظام بوعي منه أو بغير وعي منه مدفوع في اتجاه تفكيك السودان، لذلك رفض إعلان باريس، ولأنه رفض لا يعقله وطني التمس أكاذيب لتبرير الرفض بأنه إعلان بمساعدة إسرائيلية، وعندما اتضح زيف الاتهام جاء بكذبة أكبر بأن إعلان باريس غطاء لعمل لاحتلال الفاشر ثم التحرك ضد الخرطوم! كيف يمكن لمثل هذا العمل أن يكون سرياً، وكيف يعقل ذلك حتى من الناحية العسكرية البحتة؟

أكاذيب يبرر بها النظام سيره في اتجاه تفكيك الوطن.

7. وبعد إعلان باريس اتسعت جبهة المستقبل الوطني بموجب نداء السودان في أديس أبابا، واستطاع الوسيط الأفريقي السيد أمبيكي أن يوقع مع كافة الأطراف السودانية بما فيهم ممثلي (7+7) المحاورين في ظل نظام الخرطوم أن يوقع مع الجميع إطاراً للحوار من 8 نقاط ، ثم اعتمد اجتماع مجلس الأمن والسلم الأفريقي كل التطورات الايجابية في شأن الحوار السوداني في اجتماعه رقم (456)، واقترح المجلس الدعوة للقاء جامع في أديس أبابا للتحضير للحوار الوطني في نهاية مارس 2015م، ودخلت الحكومة الألمانيةعلى الخط لتسهيل المهام وإنجاح المؤتمر المقترح.
ولكن هيهات، فبعد أن وافق النظام الانقلابي على حضور الاجتماع دون شروط مسبقة وكذلك وافقت قوى نداء السودان وفوضت ممثليها، تغيب النظام مؤكداً استمراره في برنامج تفكيك الوطن، أو لأن الله يحاسبه على سوء نواياه وسوء أعماله: (وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى* وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى* فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى) [1].

هكذا حقق النظام السوداني أعلى درجة من تمزيق النسيج الاجتماعي السوداني وتحقيق أعلى درجة من الاستقطاب في الجسم السياسي السوداني.

8. كانت كفاءة النظام الانقلابي في تدمير مؤسسات الدولة الوطنية في السودان عالية للغاية:

1. بدأ النظام بمذبحة القضاء فطرد القضاة الملتزمين بالمهنة واخضع القضاء لكوادره الحزبية.
2. كذلك أبعد من الخدمة المدنية العناصر الملتزمة بحياد مهنتها ووضع قيادة الخدمة المدنية مركزياً وولائياً في أيدي كوادره الحزبية.
3. وهجم على الإدارة الأهلية بمشروع الموالاة الحزبية والتدجين فأفقدها احترامها الذي هو أساس سلطتها.
4. وبصورة واضحة خرب النظام كافة مؤسسات الاستثمار الاقتصادي الوطني: المشاريع المروية، والسكة حديد، والنقل البحري، والنقل الجوي.
5. وعندما أتاحت ظروف معلومة استغلال بترول السودان ما حقق للميزانية دخلاً لمدة 10 سنوات لا يقل عن (6-10) مليار دولار سنوياً وكان بالإمكان أن تحقق للبلاد طفرة تنموية، فإن النظام تفنن في تبديدها بصورة أشبه ما تكون بحالة الوارث الطائش.

نحن ندرس الآن وسوف ننشر حجم الإيرادات النفطية التي دخلت الخزينة السودانية وفيم صرفت، وسوف ننشر الحقائق إن شاء الله. قال لويد جورج رئيس وزراء بريطانيا في وقته: “هنالك أنابيب خفية تنقل مداخيل الإيرادات النفطية لجيوب الفاسدين”، ما حدث في السودان في هذا الصدد سوف يثبت صدق هذه العبارة.

6. زعم الانقلاب في بيانه الأول مزاعم كثيرة حقق عكسها تماماً، ومن تلك المزاعم الاهتمام بدعم القوات المسلحة.

العسكرية تقوم على تراتبية هرمية محكمة من الجندي إلى القيادة، هذه التراتبية يحكمها قانون القوات المسلحة كقوات نظامية ولوائح عسكرية وتقاليد محكمة، الهدف الأول: هو تجريد القوة من أية انتماءات ذاتية تتعارض مع الولاء للمؤسسة العسكرية، والهدف الثاني: هو تحقيق الضبط والربط بصرامة، ما لم تتحقق هاتان الصفتان فلا يمكن لقوة أن تسمى نظامية. ابتعاد القوات المسلحة من الانتماء الحزبي وخضوع الترقيات لدورات ومؤهلات محددة من لوازم هذا الانضباط. الانقلابيون حتما يخرقون هذه القواعد، ويلتزمون خطاً سياسياً حزبياً معيناً بموجبه يفصلون من الخدمة من لا تنطبق عليهم هذه الصفة، ويعبثون بالترقيات وفق الهدف السياسي فتصبح الترقيات فارغة من مضمونها العسكري.

أكفأ ضباط وصف ضباط القوات المسلحة السودانية اليوم خارج الخدمة داخل السودان وخارجه، والألقاب التي منحت لكثير من الملقبين حالياً ألقاب مملكة في غير موضعها كالهر يحكي انتفاخاً صولة الأسد!

الدستور السوداني لعام 2005م الذي حظي بدرجة من المشاركة نص على أن يكون جهاز الأمن القومي لجمع المعلومات، ولتحليلها، ولتقديم المشورة ولا يقوم بأية مهام تنفيذية. تعديلات أو تشويهات الدستور الصادرة في يناير 2015م ألحقت قوات الدعم السريع بقيادة جهاز الأمن وسمتها قوة نظامية. إن لعبارة “نظامية” استحقاقات غير متوفرة في هذه القوة التي كونها مقاولو أنفار مقابل كذا للرأس، ويعطي مقابل الخدمة مبلغ كذا، خالية من انضباط الجندية لذلك حيثما وجدوا أثاروا غضب المواطنين سكان المنطقة فيطلبون إبعادهم فوراً.

هذه القوة ليست لها عقيدة قتالية جامعة كالقوات النظامية، لا يربطها إلا عصبية قبلية ومنفعة مالية، وتدريبهم وتأهيلهم وتكوينهم لا يمكنهم من ممارسة القتال بالضوابط المعروفة، تزجهم للقتال قيادة سياسية لم تعد مهتمة بتجاوز القانون الإنساني الدولي لأنها مطلوبة للعالة الجنائية الدولية، فكأنما سلوكها يقول:

أنا الغَريقُ فَما خَوْفي من البَلَلِ!

وأخطر ما في الأمر هو أنهم يحشدون بمفاهيم تحريض اثني إن الذين يقاتلونهم هم من الاثنية الأخرى في السودان! هذا النهج فيه العيوب الآتية:

1. أنه يخل بالتوازن القبلي في البلاد داخل القبائل العربية وبينها وبين القبائل الأفريقانية.
2. إنه ينشر السلاح بصورة غير مسبوقة فما يصرف من سلاح للقوات النظامية يرد حتما بعد المهمة، ولكن ما يصرف لهم من سلاح لا يرد بل من حقهم أن يحتفظوا بأية أسلحة غنموها في القتال.
هكذا انتشر السلاح بصورة هائلة في البلاد.

3. المهام التي يقومون بها هي مهام القوات المسلحة ما أدى لتغييب القوات المسلحة عن دورها
4. هذه القوى لا تخضع لأية ضوابط فلا زعيم القبيلة ولا غيره يراقبها ما أدى لظاهرة أمراء الحرب ذوي الأجندات السياسية، حتى عندما يقودهم ضباط من القوات المسلحة فكلمتهم غير نافذة ولا يوجد ما ينبغي من تآلف بين الضابط وجنوده.

لقد ظن بعض الناس أن نقدنا لهذه القوة سببه عداء لها، هذا غير صحيح فنحن نعتبرهم أهلنا بأكثر من معنى، ولكنا نشفق عليهم إن الذين يستغلونهم في أغراضهم السياسية مهما أعطوهم من أموال لن يحموهم من الملاحقات الجنائية الدولية التي تقود إليها أعمال قتالية غير منضبطة، كما أن هذا الاستقلال يعرضهم لاكتساب عداوات مع عشائر يشاركونهم الإقليم وينبغي أن يسود بينهم التعارف والتراحم.

ومن مساوئ هذه الممارسات أن انتشار السلاح بغير انضباط سيجعل الأفراد يعتبرون رزقهم تحت ظل سلاحهم وينفرون من أي عمل مدني لكسب المعايش بمقولة “بالكلاش نعيش بلاش”.

إن السلاح المنتشر الآن في البلاد مع وجود عصبيات قبلية، وغياب كوابح الانتماءات القومية التي أضعفها النظام، وسلطة الإدارات الأهلية التي دجنها النظام يؤدي إلى اقتتال مستمر لسببين، الأول: عدم وجود انضباط تنظيمي أو سياسي، والثاني: عدم إمكان جمع السلاح فكل اتفاقيات السلام التي أبرمت أوجبت جمع السلاح ولكن هذا صار مستحيلاً بل سياسات النظام زادت من انتشار السلاح .

والمؤسف حقاً أن كوادر النظام بعد أن ضعف تنظيمهم السياسي وتفكك لعناصره الأولية صارت تستنصر بالولاءات القبلية بل تدعم عشائرها بالمال والسلاح ليكونوا لهم سنداً في صراعهم على المناصب.

القتال الآن ممتد بصورة نشطة أو محتملة على 13 جبهة في غرب السودان هي: المعاليا والرزيقات، والمعاليا والحمر، والرزيقات والهبانية، الرزيقات والمسيرية، البرتي والزيادية، المحاميد وبني حسين، السلامات والقمر، الفلاتة والهبانية، الفلاتة والمساليت، أولاد هيبان وأولاد سرور، الزيود وأولاد عمران.

هذه القبائل من اخلص أهل السودان ومن قاموا بدور مرموق في حركة تحرير وتوحيد السودان الأولى – المهدية، وفي حركة تحرير السودان الثانية- الحركة الاستقلالية.

وعلينا جميعاً أن نعمل بكل الوسائل على عقد الصلح بينهم وسنفعل ولكن مسؤولين في النظام يؤججون الاقتتال خدمة لإطماعهم وتصديقاً لمقولة أن مشكلة دارفور قبلية وليست سياسية كما صار يدعي نظام الخرطوم.

النتيجة الكبرى هي أن قوى الهيمنة الدولية بتحريض صهيوني استغلت أطماع قوى متعطشة للسلطة للاندفاع ببرنامج إسلامي الشعارات دون مراعاة للواقع ودون دراسة للإخفاق باسم الشعار الإسلامي للرد على مقولة الإسلام هو الحل، واستغلاهم لطرح أجندة حزبية إسلاموية في بلد متعدد الأديان، والاثنيات، والثقافات، بصورة فوقية مستفزة لتحريك تيارات الطرد من المركز الانفصالية.

كل من يؤيد النظام الحالي في السودان أو يعطيه شرعية إنما يتحمل معه وزر هذا التدمير للوطن السوداني.

وحتى إذا لم يفعل الرافضون لهذا النظام أي شيء ضده فإن قيادة النظام سوف تظل ملاحقة دولياً وغير مقبولة شريكاً في أية مشروعات لإعفاء الدين الخارجي على السودان وحجمه 48 مليار دولار، وغير مقبولة شريكاً في مفاوضات لرفع العقوبات الاقتصادية، وغير مستحقة للدعم التنموي الأوربي

وسيظل النظام مستنزفاً في حروب مستمرة بقوة الدفع الكامنة، وسيظل النظام معزول شعبياً، وسيظل النظام معزول دولياً.

هذه العوامل وحدها قادرة لإحداث تفجير داخل النظام حتى إذا تقاعد رافضوه.

9. إن وقوع إطاحة بهذا النظام من داخله ولأسباب موضوعية ذكرنا بعضها وارد بأكثر مما يتوقع كثيرون، ولكن هذا النوع من التغيير غير مأمون العواقب.

لذلك صار الواجب الوطني الآن وغير أي تأخير أن يتنادى كل الذين أدركوا جسامة المخاطر التي يقود النظام بها المصير الوطني، إن يتنادوا لتكوين جبهة عريضة تضم جماعة إعلان باريس، ونداء السودان، وكافة القوى المنسحبة من حوار 7+7 العقيم، وغيرهم من الذين شدهم الهدف نحو نظام جديد يحقق السلام العادل الشامل والتحول الديمقراطي الكامل.

هذه الجبهة العريضة ينبغي أن تجمع بين مكوناتها وحدة الهدف لا وحدة الصف لتحتفظ التكوينات المختلفة بنظمها مع الإقبال على تكوين آلية تنسيقية جامعة بأي اسم مختار اقترحنا له “جبهة قوى المستقبل الوطني” ونقترح أن يتفق الجميع على ميثاق وطني يحدد معالم السلام العادل الشامل ونظام الحكم الانتقالي المنشود، ويحدد أسس دستور الحكم الجديد والطريقة المثلى لكتابته.

سنواصل العمل مع الجميع لتحقيق هذه الأهداف الوطنية ونرجو أن تكتمل هذه المهمة في ظرف شهرين حتى نبشر أهلنا في السودان وخارج السودان في حشود شعبية كبيرة بالصباح الجديد لسودان المستقبل العريض.

10. الشعب السوداني سدد لنظام الخرطوم ضربة قوية بالقوة الناعمة في انتخابات 2015م العبثية، كانت اللطمة الأولى هي إجبار النظام على الهروب من منبر أديس أبابا المحضور أفريقياً ودولياً ثم لطمة تعرية النظام في الانتخابات.

والمطلوب الآن الانتقال من حملة أرحل الناجحة، لحملة اعتصم، واضرب، ثم انتفض وتحضير كافة متطلبات نجاح الانتفاضة التوأم الثالث لأكتوبر 1964م ورجب/ أبريل 1985م.

الأسرة الدولية لن تكون ولا ينبغي أن تكون شريك لنا في خريطة الطريق للانتفاضة وفي الإطار الأفريقي، والأوربي، والتوريكا، بل كافة القوى الملتزمة بمنظومة حقوق الإنسان الدولية فإنهم يتطلعون لبرنامج يمكنهم أن يعلنوا تأييده لتحقيق السلام العادل الشامل والتحول الديمقراطي الكامل.

أرجو أن نخاطبهم بلسان واحد إننا على استعداد لحوار وطني جاد باستحقاقاته، استحقاقاته هي:

أولاً: أن يعلن النظام من طرف واحد أن إطلاق سراح المعتقلين، وتنفيذ اتفاقية الإغاثة الإنسانية الثلاثية، وكفالة الحريات العامة، ووقف إطلاق النار، والاستعداد لقبول مراقبة دولية لتنفيذ ذلك.

ثانياً: أن يجتمع مجلس الأمن والسلم الأفريقي ويتبنى إعلان مبادئ للسلام والاستقرار في السودان إعلان مبادئ السلام العادل الشامل والتحول الديمقراطي الكامل، وأن يجدد ثقته في آلية الوساطة العالمية بعد تقويتها وتوسيع مشاركتها، وأن يتبنى الاعتراف المتبادل بين الطرف الحكومي السوداني والطرف الوطني المطالب بنظام جديد بالصورة التي يقررها هؤلاء، وأن يوصي المجلس باجتماع الطرفين السودانيين في مؤتمر قومي دستوري لإبرام اتفاقية سلام عادل وشامل، ومرحلة حكم انتقالي، ونظام حكم ديمقراطي للبلاد، وأن يوصي إذا تحقق ذلك أن يقترح معادلة لمسألة المحكمة الجنائية الدولية توفق بين العدالة الجنائية والعدالة الوقائية، وأن يوصي المجلس بأنه في حالة اتفاق أهل السودان على مشروع السلام العادل الشامل والتحول الديمقراطي الكامل تعفى ديون السودان الخارجية، وترفع العقوبات الاقتصادية، ويفرج عن الدعم التنموي للسودان لتتمكن إدارة السودان القومية من بناء السلام وبناء الوطن.

توصيات مجلس الأمن والسلم الأفريقي هذه التي يصدرها في اجتماع محضور ترفع كتوصيات لمجلس الأمن ليتخذ المجلس بها قراراً تحت الفصل السابع.

حينئذ فقط يمكن لقوى المستقبل الوطني بكل مكوناتها الدخول في حوار.

هذا السيناريو يكن أن نقبله إذا قرره مجلس الأمن ولكنه ليس في يدنا ولكن الذي هو في يدنا هو الانطلاق من تعرية النظام في الانتخابات الأخيرة إلى المراحل المتقدمة: اعتصم، اضرب، و انتفض وهي خطوات من القوة الناعمة أثبتت حملة أرحل جدواها.

 

_____________________________________________________________

*** [1ٍٍ] سورة الليل الآية 8، و9، و10