موريتانيا والتحدي الديمقراطي

بسم الله الرحمن الرحيم

موريتانيا والتحدي الديمقراطي

2 أبريل 2007م

 

  استهل مقالي هذا بتهنئة سيدي ولد الشيخ عبد الله على انتخابه رئيساً مدنياً لبلاده، كما أهنئ الشعب الموريتاني الشقيق على خوضه تمريناً ديمقراطياً حضاريا، جعلت حيثياته كثيراً من الطغاة يتحسسون مقاعدهم المشيدة على هباء النسب المئوية الوهمية. كما رفعت معنويات رواد التطلع الديمقراطي.

هناك عوامل كثيرة جعلت التجربة الموريتانية الحديثة تدور بعيداً عن جبهة الدنيا وعن فمها وتسمح لسدنة الشمولية أن يستخفوا بها. ولكن: إ نك لا تعرف الحق بالرجال. اعرف الحق تعرف أهله أو كما قال الحكيم:

ترى الرجل الضعيف فتزدريه              وفــى أثوابه أسد هصور

و يعجبك الطرير فتبتليـه          و يخلف ظنك الرجل الطرير

1/ شهدت موريتانيا نحو عقدين من الاستقرار الآسن تحت حكم معاوية ولد الطايع فترة تخللتها أحداث 1989م الدامية ومحاولات انقلابية فاشلة في يونيو 2003م، وأغسطس 2004م، وسبتمبر 2004م وانتخابات رئاسية مختلف عليها في 2003م.

2/ لذلك عندما استولى الانقلابيون في أغسطس 2005م رحبت بهم بعض الفصائل الشعبية. ولكن الانقلاب واجه إدانة إقليمية ودولية عمل على امتصاصها بأمرين.

الأول: التزام قاطع بالتحول الديمقراطي في البلاد.

الثاني: تنظيم حوار واسع شمل 500 شخص يمثلون الأحزاب السياسية، والنقابات، وشخصيات وطنية حول المصير الوطني. حوار دارت جلساته في الفترة من 25-29 أكتوبر 2005م وأفضى إلى رؤى مشتركة حول ثلاثة أمور هي:

  • برنامج للتحول الديمقراطي.
  • مبادئ لإصلاح مؤسسات القضاء والأمن.
  • إستراتيجية للحكم الراشد.

هذه الرؤى تبناها المجلس العسكري للعدالة والديمقراطية دون تحفظ واتخذ الخطوات العملية الآتية:

  • إصلاحات دستورية أجيزت في استفتاء في يونيو 2006م حددت رئاسة الجمهورية بفترتين طول الواحدة خمس سنوات .
  • إجراء انتخابات تشريعية وبلدية في أواخر عام 2006م
  • إجراء انتخابات لمجلس شيوخ في بداية عام 2007م
  • إجراء انتخابات رئاسية في مارس 2007

كانت الانتخابات في مراحلها المختلفة مراقبة دولياً وساهم المجلس العسكري في ضمان نزاهتها بمنع أعضائه من خوضها.

الانتخاب والاستفتاء آليات احتكام للشعب إذا توافرت الحريات لكافة المتنافسين وتوافرت نزاهة إدارتها. ولكن مع غياب هذه الضوابط فالانتخابات والاستفتاءات آليات لتزوير الإرادة الشعبية.

هذه المسيرة النيرة الخيرة كانت بعيدة من المنظمات الإقليمية النائمة في “عسل” الواقع الأوتوقراطي ولكنها كانت محل اهتمام دولي كبير لا سيما برنامج الأمم المتحدة الإنمائي وفروعه المتخصصة.

3/ إن نجاح التجربة الديمقراطية الموريتانية لا يهم أهل موريتانيا وحدهم بل سوف تتحول البلاد إلي ساحة سجال وطني وإقليمي ودولي بين الذين يريدون للتجربة أن تكون كوة في جدار الأوتوقراطية التي جعلت كثيرين يعتبرونها صفة عربية لازمة يعيش في ظلها أغلبية العرب، بينما يعيش أغلبية المسلمين وأغلبية الأفارقة جنوب الصحراء في ظل نظم ديمقراطية. سجال بين هؤلاء وبين الذين يريدون للتجربة أن تتحطم أسوة بما أرادوه للتجربة السودانية فتعود البلاد للبيان رقم واحد وصرف القوات المسلحة عن مهامها المشروعة إلي مهام ليست مهيأة لها فتضر السياسة والعسكرية معاً على نحو فصله المفكرون، والكتاب، والفنانون، والشعراء، لا سيما أمل دنقل ووصفه للطوابير التي تسير في الأعياد ولا تطلق النار إلا حين تستدير إلى الوراء. وأحمد مطر الذي صور زيارة “الرئيس المؤتمن” لبعض ولايات الوطن فأضحك عليه الكافة وغيرهما.

4/ أهل مكة أدرى بشعابها وكذلك أهل موريتانيا. ولكن كثيرين يراهنون على الجواد الموريتاني و يرجون فلاحه.

هنالك سبع قضايا مطلوب تناولها بجدية للفلاح هي:

أولا: الديمقراطية لا تقف عند ترجيح النسب المئوية 51%، 52%، 53%. إنها توجب التوازن وفى الحالة الموريتانية هنالك ثلاثة مجالات تستوجب التوازن:

  • المرشح المهزوم أحمد ولد دادا، ومن وقف معه يمثلون 47% وزيادة من الناخبين لا بد من إيجاد معادلة لإشراكهم في الأمر لا سيما القضايا الوطنية الكبرى.
  • إن للإثنية الزنجية في موريتانيا وزناً يعززه الجوار الأفريقي جنوب الصحراء ويتطلب مشاركة عادلة.
  • المرأة تمثل 51% من السكان وقد صار لها وجود انتخابي مقنن ووجود تشريعى17% ووجود في البلديات30%، وحضور واسع في المجال المدني لذلك ينبغي تحقيق مشاركتها في مواقع اتخاذ القرار.

تحقيق هذه التوازنات يتطلب استمرار روح وآليات الحوار الوطني التي كان لها دور في التحول الديمقراطي.

ثانياً: تراكمت في السنوات الماضية غبائن وظلامات لا سيما أحداث 1989م. هذه تتطلب صيغة مصارحة ومصالحة لإفراغ النفوس من شحناتها.

ثالثاً: ينبغي إيجاد معادلة مدنية/عسكرية تتجنب النمط التركي الذي يفرض وصاية على النظام السياسي وتكفل قيام القوات المسلحة بدورها المشروع تحت إمرة القيادة المدنية المنتخبة.

رابعاً: إصلاح أمني يخلص الأمن من التحكم في النظام السياسي ويجعله خادماً للشرعية الدستورية.

خامساً: تحقيق وحماية استقلال القضاء الحصن الحصين للعدالة.

سادساً: في ظروف اقتصادية وسياسية معينة يضر النفط التنمية الحقيقية، ويرفد الفساد. لذلك يتطلب هذا الملف نهجاً رشيداً يجعله نعمة لا نقمة.

سابعاً: هنالك خطوط قومية وإسلامية حمراء لا تسمح بأية معاملات مع إسرائيل ما لم تتخلَّ عن اغتصاب الحق الفلسطيني والعربي وتتخلى عن العدوان هذا يوجب مراجعة موقف موريتانيا بما لا يتجاوز تلك الخطوط الحمراء. بل يحقق إجماعا يساهم في استرداد الحقوق و دحر العدوان.

يا أهلنا في موريتانيا واصلوا المشوار، وعززوا التشاور الوطني، وافتحوا نوافذ التشاور والتعاون القومي والإسلامي والأفريقي، والدولي فإن المنبت لا أرضاً قطع ولا ظهراًً أبقى.