هدى في عهد ميلاد القرآن بقلم الحبيب الإمام الصادق المهدي

الإمام الصادق المهدي
الحبيب الإمام الصادق المهدي زعيم حزب الأمة القومي وإمام أنصار الله

 

بسم الله الرحمن الرحيم

29 شعبان 1437هـ الموافق 5 يونيو 2016م

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصبحه ومن والاه، وبعد

أحبابي رجالاً ونساء وأطفالاً

السلام عليكم ورحمة الله،

إن البعد الجغرافي بيننا تطويه القربى الإيمانية الوجدانية حتى يصير كلا البعد والقربى يرسخ ما بيننا.

ألزمنا الوحي أن نتدبر نصوصه حتى لا نخر عليها صماً وعمياناً.

وألزمنا الوحي بالحكمة (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ)[1]. والحكمة هي الإلمام بالواجب والإحاطة بالواقع والتوفيق بينهما.

إذن تدبر النصوص والتحلي بالحكمة كلاهما يوجبان الاجتهاد البشري (وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا)[2].

أقول: في استقبال رمضان علينا الالتزام بهذه الوصايا السبع:

أولاً: رمضان هو شهر الحمية تقرباً لله لا السمنة إشباعاً لشهوة الطعام، كثير من الناس يجعلون رمضان شهر طعام لا صيام فيزيد وزنهم وبذلك يخالفون مقاصد الصيام. ففي كثير من بلاد المسلمين تزيد ميزانية المأكولات والمشروبات على مستوى الفرد والأسرة بينما الصحيح أن تنقص. السمنة أم الأمراض لذلك جاء في الأثر “نحن قوم لا نأكل حتى نجوع وإذا أكلنا لا نشبع”. وقال الإمام المهدي عليه السلام “كل لقمة زيادة على الضرورة عليك لا لك”.

ثانياً: الإمساك عن الأكل والشراب والشهوات من واجبات الصيام، وينبغي أن يصحب ذلك التزام عام يأمرهم بالمعروف وينهاكم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث، وهي واجبات في كل الأوقات وهي أكثر إلزامية في رمضان وتوجب الإمساك عن اغتياب الناس والنميمة.

ثالثاً: رمضان هو عيد ميلاد القرآن، رسالة الله الخاتمة للعالمين، ما جعله وقتاً مباركاً في الزمان وموسماً لاكتساب الغفران. ورمضان موسم تكثيف الرياضات الروحية من صيام وقيام وتلاوة واعتكاف. فينبغي اهتبال هذه الفرصة السنوية لجلو الروح.

رابعاً: وفي رمضان ترفع درجة التكافل لإزالة حرمان المحرومين وتقوية الشعور أنه ما جاع فقير إلا بما متع به غني. فينبغي خلاله الإكثار من الصدقات.

خامساُ: ورمضان موسم اجتماعيات للزيارات والموائد المشتركة وقد جاء في الأثر “بورك في طعام كثرت فيه الأيدي”، وجاء “تبسمك في وجه أخيك صدقة”.

سادساً: من كان مريضاً مرضاً مزمنا يفاقمه الصيام كأمراض الكلي ومرض السكري من النوع الأول المعتمد على الأنسولين أو طارئاً مثل الملاريا والنزلة بالتيفويد، مرخص له ألا يصوم، خاصة إذا كان المرض خطيراً، ومعلوم أن المحافظة على النفس من مقاصد الشريعة، ومقابل هذه الرخصة إطعام مسكين والقضاء بعد الشفاء أما أصحاب الأمراض المزمنة فيكتفون بالكفارة.

والمرأة الحائض تفطر وتصوم للقضاء بعد رمضان. بعض الناس يستشهدون بهذه الرخصة بأن المرأة ناقصة دين. هذا افتراء الحيض جزء من تضحية المرأة لقيامها بواجب الأمومة، والأمومة من أعظم الواجبات على البشر، والترخيص لها لمراعاة العلة المؤقتة التي تمر بها وهو من باب التقدير لتضحيتها لا للانتقاص من قدرها. وهي أثناء حيضها لا تنجس كما يظن بعض الناس فقد طلب النبي صلى الله عليه وسلم من السيدة عائشة أن تناوله المصلاة فاعتذرت بأنها حائض، فقال لها صلى الله عليه وسلم: “إِنَّ حَيْضَتَكِ لَيْسَتْ فِي يَدِكِ”[3]. وكانت تجلس إلى جانبه في المصلاة وهو يصلي وهي حائض.

الإسرائيليون يعتبرون الحيض عقاباً للمرأة لإخراجها آدم من الجنة بزعمهم. هذا زعم باطل فالقرآن ينسب الخطيئة لآدم مرة ولآدم وحواء مرة أخرى. وحتى إن صح أن حواء أخطأت، فالخطية لا تورث (وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى)[4].

سابعاً: النظافة من الإيمان، ولكن بعض الناس يتعمدون عدم السواك لأنهم سمعوا حديثاً يثني على خلوف فم الصائم. الواجب أن نحرص على السواك ونظافة الأسنان بكثرة. وخلوف فم الصائم هو نتيجة للإمساك عن الطعام والشراب لا الإمساك عن السواك. كذلك يكثر الناس من البصق حتى لا يدخل اللعاب في جوفهم هذا لا مبرر له فالإمساك هو ألا تدخل شيئاً في جوفك من الخارج أما لعابك فلا ينطبق عليه ذلك.

أحبابي

المولى تعالى يقول (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)[5]، ويقول (وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا)[6]. ونحن نشهد الآن وفي أكثر من مكان اقتتالاً بين أهل السنة والشيعة، هذا الاقتتال لن يجدي فلثلاثة أسباب سوف يظل أهل السنة والشيعة على موقفهم المذهبي:

أولاً: لاختلاف حول الإمامة والخلافة ومن أحق بها.

ثانياً: لوجود قوى اجتماعية متجذرة مؤمنة بمذهبها.

ثالثاً: أن النزاعات تجد قوى إقليمية ودولية تحتضنها معنوياً ومادياً وترفد الطرفين بأسباب البقاء والاستمرار.

لذلك يجب أن نعمل على المصالحة بين الطرفين على الأساس الآتي:

أولاً: ميزان الإيمان هو: التوحيد، والنبوة، والمعاد، و الالتزام بالأركان الخمسة وما عداها خلافات مذهبية تلزم أصحابها ولا تلزم غيرهم.

ثانياً: عبارات روافض ونواصب عبارات تنابذ بالألقاب محرم في شريعة الإسلام وكذلك فتاوي التفكير المتبادلة باطلة ومثيرة للفتنة. الواجب نبذها ونبذ كل عبارات التراشق فجميع المسلمين ملزمون بإتباع القطعي وروداً والقطعي دلالة من السنة. وملزمون باحترام صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم. ونحن جميعاً ملزمون باحترام آل بيت النبي على حد تعبير أحد أبرز أئمة أهل السنة الإمام الشافعي إذ قال:

يا آلَ بيتِ رسولِ اللهِ حبكمُ, فَرْضٌ مِنَ اللَّهِ في القُرآنِ أَنْزَلَهُ.

كفاكم منْ عظيمِ الفخرِ أنّكمُ مَنْ لَمْ يُصَلِّ عَلَيْكُمْ لا صَلاة َ لَهُ.

نحن أنصار الله ورثة أكبر دعوة جسدت تطلعات كافة أهل القبلة في القرن التاسع عشر الميلادي على حد تعبير العالم المصري د. عبد الودود شلبي؛ وحماة أنجح تجربة للتوفيق بين التأصيل والتحديث في القرن العشرين على يد الإمام عبد الرحمن وصحبه. وكذلك صرنا من أكثر حركات الصحوة الإٍسلامية تماسكاً وشعبية. فهذه المؤهلات تجبرنا نحن ومن نتحالف معه من حركات الصحوة الإسلامية أن نعمل على إبرام ميثاق بين السنة والشيعة، ميثاق يحدد العقائد الملزمة لكل مسلم وبالنسبة للخلافات حول أحداث التاريخ وحول الخلافة والإمامة فهي اختلافات ليست فيها نصوص قطعية الورود والدلالة، ومرجعياتها مذهبية ولن تحسم بالإقناع المتبادل، ولا بالقوة وأمرها لله: (ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ)[7] لذلك ترجأ، ويلتزم الطرفان باعتراف حقوق الشيعة المتساوية في المواطنة والحرية المذهبية في البلدان ذات الأغلبية السنية؛ كذلك يعترف الشيعة بحقوق أهل السنة المتساوية في المواطنة وفي الحرية المذهبية في البلدان ذات الأغلبية الشيعية.

ولا مانع أن يحاور الطرفان بعضهما الآخر بالحكمة والموعظة الحسنة.

وسوف نعمل بكل ما نستطيع على وقف الاقتتال وإبرام ميثاق وحدة الأمة وبيان أسس التعايش والتعامل العادل.

لقد تابعنا مجهودات الوفاق التي يقوم بها مبعوثون دوليون لتحقيق التوفيقات، ومع تقدير نواياهم فإنهم غير ملمين بجذور المشاكل العقدية والسياسية والتاريخية ما يلزمنا بالقيام بهذه المهمة، وأهل مكة أدرى بشعابها كما في المثل.

لقد راسلنا الأطراف المعنية باعتبارنا نمثل منبراً شعبياً مهتماً بهذا الشأن و”مَن لم يهتمّ بأمر المسلمين فليس منهم”[8] كما في الحديث الشريف.

إن أعداء أمتنا أحرص الناس على الاقتتال بين المسلمين ليجدوا من وراء ذلك موقع (فرق تسد). لذلك يتوقع أن يكون كل مؤمن بل كل عاقل في أمتنا سريع التجاوب مع مبدأ إنهاء الاقتتال وإبرام الميثاق والتعايش في ظل عدالة جوهرها (لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ)[9]. سوف نبذل في سبيل ذلك كل ما نستطيع، ومن اجتهد وافلح فله أجران وحتى إن أخفق فله أجر واحد، والوعد الإلهي الحق (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ)[10] وأرجو أن تساعدوني كل حسب قدراته في أداء هذه المهمة بالدعاء وما يمكن من مجهودات.

هذا وعلى الله قصد السبيل.

الصادق المهدي

————————————————————–

[1] سورة النحل الآية (125)

[2] سورة البقرة الآية (269)

[3] سنن الترمذي

[4] سورة الأنعام الآية (164)

[5] سورة الحجرات الآية (10)

[6] سورة الحجرات الآية (9)

[7] سورة الأنعام ا لآية (40)

[8] رواه الحاكم

[9] سورة البقرة الآية (279)

[10] سورة الحجرات الآية (117)