ورقة للمؤتمر الدولي: الدور العملي لتيار الوسطية في الإصلاح ونهضة الأمة بعنوان: الإصلاح ومرجعيته وضرورته وآفاقه

 

بسم الله الرحمن الرحيم

العنوان العام: الدور العملي لتيار الوسطية في الإصلاح ونهضة الأمة

ورقة:

الإصلاح ومرجعيته وضرورته وآفاقه

الإمام الصادق المهدي

16 أبريل 2006م

الحركة الصاعدة في تاريخ الإنسانية تتجه نحو التسليم بوجود حقيقة فوق الطبيعة والتسليم بأن للإنسان قدرات ذاتية مما يوجب توفيقا بين حقائق الوحي وحقائق العقل في الدين، وتتجه نحو العقلانية في الفكر، ونحو الحرية، ونحو العدالة في التنظيم الاجتماعي، ونحو تسخير الطبيعة لمنفعة الإنسان في التنمية، ونحو علاقات بالآخر الملي والثقافي والحضاري قائمة على التعايش والتسامح.

تاريخيا وضع الإسلام أمتنا في صدارة هذه الحركة الصاعدة في تاريخ الإنسانية. ولكن عبر عوامل تاريخية معينة تراجعت أمتنا إذ ربطت التدين بالتعصب، والسياسة بالاستبداد، والاقتصاد بالإقطاع فخرجت من موجة التاريخ الصاعدة.

وبينما تراجعت أمتنا تحرر الغرب من ظلام عصوره الوسطى إذ حرر الفكر من اللاهوت، وحرر السياسة من الثيوقراطية، وحرر الاقتصاد من الإقطاع. لذلك صار الغرب هو حامل شعلة التاريخ، واستطاع أن يخضع الآخرين لسلطانه الفكري والثقافي، والسياسي، والاقتصادي، وصارت أمتنا على هامش التاريخ يتحكم فيها غيرها بصورة مذلة حاول بعضنا الخروج منها بالهروب إلى الماضي بحجة إننا ما تأخرنا إلا لأننا تخلينا عن الالتزام بأوامر الله. وحاول آخرون الخروج منها بالهروب إلى المستقبل بحجة أن الحضارة الغربية هي مستقبل الإنسانية وما علينا إلا التمسك بها لكي نحقق النهضة.

كلا طرفي قصد السبيل ذميم. الهروب إلى الماضي هو وفاء لا مستقبل له. والهروب إلى المستقبل هو مستقبل لا وفاء له.

الغلاة في أمتنا يريدون أن يفرضوا عليها نظاما كنظام طالبان هروبا إلى الوراء ويتعاطف معهم في ذلك كثير من الذين ضاقوا ذرعا بإخفاقات الحداثة وما صحبها من ذل وهوان على أيدي قوى الهيمنة الدولية.

والغزاة يريدون أن يفرضوا على الأمة هروبا إلى الأمام يساندهم في ذلك كثير من الذين برموا بالتخلف ومظاهره الكئيبة فكرهوا الذات وجلدوها.

هذان التياران النقيضان سوف يتصارعان إلى آخر رمق. ولا ينقذ الأمة من هذا الصراع أو من ويلات انتصار أحدهما إلا نهج وسطي ينطلق من مرجعية تحقق التأصيل دون إنكفاء، والتحديث دون استلاب.

أصدرت في بداية هذا العام كتابا يفصل هذه المعاني بعنوان: نحو مرجعية إسلامية متجددة متحررة من التعامل الإنكفائي مع الماضي والتعامل الاستلابي مع الوافد.

وفي محاضرتي هذه سوف أتصدى للإصلاح ضرورته، ومرجعيته، وآفاقه في سبع نقاط.

النقطة الأولى: ضرورة الإصلاح:

إن دول العالم الإسلامي عامة والعربي خاصة تواجه تآكلا في شرعية النظم الحاكمة وتواجه حصارا من ست جبهات بيانها:

أولا: هنالك تيارات متشددة تعتبر أن النصوص الشرعية في الكتاب والسنة قد  تناولها تفسير السلف الصالح واستنباطاتهم فأورثونا جسما كاملا من الأحكام يمثل إرادة الله للخلق وما على الخلف إلا تقليد  السلف وتطبيق تلك  الأحكام امتثالا لإرادة الله.

هذه التيارات بعضها هادئ ويكتفي بالخطاب في المنابر المختلفة لا سيما خطب الجمعة داعيا ولاة الأمور إلى الامتثال لإرادة الله. وبعضها حركي يعمل لتحقيق مقولاته عمليا على نحو ما فعلت طالبان وأخواتها.

هذه التيارات مهما بعدت عن السلطة، وعن العصر،  فإن لمقولاتها قواعد شعبية تحاصر النظم الحاكمة بتطلعاتها بإلحاح وتنال من شرعيتها بقدر تخلف النظم عن تلبية تلك الدعوات.

ثانيا: لقد أدى انتشار التعليم الحديث، والاتصال بالعالم، وزيادات الدخول، والإعلام العالمي النفاذ، إلى نشأة تيارات لبرالية علمانية تحاصر النظم الحاكمة بتطلعات ديمقراطية. وتستخدم كافة المنابر الإعلامية المتاحة لها للنيل من أية شرعية غير مؤسسة على الديمقراطية وتعرية نظم الحكم القائمة. هذه التيارات على كثرة أصواتها لا تضارع التيارات المتشددة إسلاميا في تماسكها ولكنها ماضية في بث أطروحاتها تجمعها وحدة الهدف وتغيب عنها وحدة الصف.

ثالثا: في مقابل المفكرين والدعاة العلمانيين يوجد عدد ضخم من المفكرين الإسلاميين الصحويين الذين يقولون بإلزامية الشورى بل بالديمقراطية كمطلب إسلامي لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. هؤلاء صار لهم وزن معنوي وفكري كبير. ولكن وزنهم الشعبي خفيف بالمقارنة لوزن التيار الديني الراديكالي المغيب للشورى- لأنه يركز على الجهاد ويخاطب العاطفة الدينية في ظل الغضب وقلة الحيلة المذكورين- والمغيب للديمقراطية لأنه يعتبرها بدعة منكرة.

رابعا: التطورات الاستراتيجية الهامة في الشرق الأوسط (فلسطين) وفي منطقة الخليج (العراق)، وفي جنوب آسيا (أفغانستان) وفي القرن الإفريقي (السودان) وفي غيرها من مناطق العالم كشفت عن عجز النظام العربي الرسمي التام في وجه الأحداث ووقوفه مشلولا ومتهما. بينما لا دليل على حيوية في المنطقة إلا على المستويات الشعبية مثل حزب الله في لبنان، وحماس والجهاد والجبهة الشعبية في فلسطين.

خامسا: كان الغرب -لا سيما الولايات المتحدة- راضيا عن  دور أكثر  النظم العربية وغير مشغول بغياب الديمقراطية فيها ما دامت تخدم مصالحه وأهمها تدفق النفط دون عائق ووضع عائداته في المصارف الغربية، والتعامل مع المصدر الغربي على أنه الأفضل مما يعطيه أولوية في نقل التكنولوجيا والتجارة ويفتح له الأسواق العربية، ومسالمة إسرائيل أو على الأقل عدم التصدي لها.. وهي أمور يتوقع أن يهددها القادة المنتخبون إن وصلوا للسلطة. ولكن أحداث الحادي عشر من سبتمبر هزت هذه المعادلة. لقد صار لدى كثير من المفكرين الاستراتيجيين الأمريكان اقتناع جديد وهو أن البلدان الحليفة لهم في الشرق العربي هي مصادر الخطر على أمنهم بما تفرخه ظروف القهر فيها من تربة صالحة للإرهاب. يبدو الآن لكثير من المفكرين الإستراتيجيين أن قيام نظم علمانية ديمقراطية بديلة على نحو ما تمثله الأجندة الكمالية مستحيل. بل الأجندة الكمالية في وطنها نفسه محاصرة. والخياران الواردان كبديل للواقع المتآكل هما: توجهات إسلامية معتدلة تأتي عبر صناديق الانتخابات أو توجهات إسلامية متشددة تفرض نفسها عبر دوي الرصاصات. وكثير منهم يبدي انحيازا واضحا للخيار الأول.

سادسا: لم تعد منظمات الأمم  المتحدة، ولا المنظمات الإقليمية الهامة مثل الاتحاد  الأوروبي والاتحاد الإفريقي محايدة بالنسبة للديمقراطية بل صارت تتبنى خطابا يعتبر الديمقراطية أساسا لشرعية الحكم في الدول فإعلان الأمم المتحدة للألفية الثالثة، واتفاقية كوتونو[1] الموقعة بين  الاتحاد  الأوروبي  ومجموعة دول أفريقيا والكاريبي والمحيط الهادي [i]، والشراكة الجديدة من أجل التنمية في إفريقيا (النيباد NEPAD)[2] ، وغيرها صارت تتطلع للديمقراطية وتشترطها.  صارت الديمقراطية جزءا من لغة الدبلوماسية.

هذا الحصار سداسي الجبهات جعل العالم العربي يبدو كأنه  جزيرة معزولة. هذا كله معناه:

أولا: أن استمرار هذا الحال على ما هو عليه في العالم العربي مستحيل في وجه الحصار سداسي الجبهات.

ثانيا: هنالك إذا استبعدنا استمرار الحال كما هو ثلاثة احتمالات للمستقبل:

  • حيثما توجد مؤسسات مجتمع مدني قوية يمكن أن تحدث ثورات على نمط الثورة الإسلامية في إيران.
  • تؤدي أزمة الحكم وتآكل الشرعية لانقلابات عسكرية بدعم أجنبي.
  • تحول سلمي ديمقراطي

الثورات على النمط الإيراني واردة في بعض البلدان ومن شأنها أن تعمق الأزمات الداخلية في البلدان المعنية كما سوف تعمق التأزم في العلاقات الدولية.

الانقلابات العسكرية وهي الأسلوب المفضل للقوى الدولية غير مأمونة العواقب وتاريخها في المنطقة كان تاريخا حزينا.

الاحتمال المأمون والأفضل هو التحول الديمقراطي المحسوب. لكن هذا ينبغي أن يبرأ من المناورة والتردد ويمضي قدما بخطى ثابتة لخط إستراتيجي تقدم عليه القوى السياسية الحاكمة بالتعاون الجاد مع الرأي الآخر. هذا الخيار يوجب الاتفاق على برنامج بالأسس الآتية:

  • الاعتراف بالتعددية وتشجيع قيام أحزاب سياسية قوية وديمقراطية.
  • الالتزام بميثاق لحقوق الإنسان والحريات العامة.
  • الالتزام بالتسامح الديني والسياسي وبث ثقافة مدنية تحترم الآخر وتكفل حقوقه.
  • احترام استقلال القضاء.
  • إجراء انتخابات حرة ونزيهة لانتخاب مجالس محلية ومجالس نيابية تشريعية.
  • تكوين نظم دستورية تراعي هذه التطورات وتوفق بين التأصيل والتحديث وتكفل الانتقال لنظم ديمقراطية سواء كانت ملكية دستورية أو جمهورية ديمقراطية .

هذه هي الشروط في جوهرها ولكن ينبغي أن يكون تفصيلها بما يلائم الحالات المختلفة مع مراعاة السرعة المناسبة لتدخل المنطقة تيار التاريخ.

النقطة الثانية: مرجعية الإصلاح:

  • الدين وحي منزل واجتهاد بشري في فهم نصوصه. السلف الصالح استنبطوا أحكام الفقه من نصوص الوحي مستخدمين منطقا صوريا بالقياس والإجماع. نصوص الوحي مقدسة وهذا حق. كذلك صارت استنباطات السلف مقدسة. تقديس مجهود وضعي بشري قفل باب الاجتهاد وحال دون التقدم وحبس الحاضر والمستقبل في الماضي.

أئمة الاجتهاد أنفسهم لم يوجبوا هذا التقديس لاجتهاداتهم. ونصوص الوحي نفسها لم توجب المنطق الصوري وحده في فهم مرادها بل فتحت أبوابا واسعة لمعرفة مشارع الحق، أبواب:الحكمة، والعقل، والمنفعة، والإلهام، والسياسة الشرعية، والمقاصد. ونصوص الوحي أوجبت التدبر وتجاوز الظواهر في معانيها:( أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا)[3]. وقوله:(وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا)[4]. الله سبحانه وتعالى أنزل كتابا يقرأ هو القرآن🙁 وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ)[5] وكتابا مشاهدا هو الطبيعة: (مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَق)[6]. حقائق الكتاب المنزل تعرف بالوحي، وحقائق الكتاب المشاهد تعرف بالعقل والتجربة :(وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ)[7] .

  • العلاقة بالآخر قيدت بفهم إقصائي، انطلق من تفسير ضيق لآية السيف في سورة براءة. قال تعالى🙁 فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)[8]

بموجب آية السيف هذه وآيتين أخريين في نفس السورة فإن الفهم الإقصائي أوجب أن نطلب من غير المسلمين الإسلام أو الجزية أو إذا امتنعوا القتال.

الآية الرابعة في نفس السورة تقول (إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُواْ عَلَيْكُمْ أَحَدًا)[9] أي أنها تستثني قوما ذكرتهم من حكم الآية الخامسة(فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ)[10]. والآية السادسة من نفس السورة تقول:(وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْه)[11] وهذا استثناء آخر.

والحقيقة هي أن المقصودين بالقتال هم ما جاء بيانهم في الآية 13 من نفس السورة(أَلاَ تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّواْ بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُم بَدَؤُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤُمِنِينَ)[12]

إن الفهم الإقصائي للعلاقة بالآخرين من ملل ودول ليست صحيحة والصحيح أنه تعالى قال:(لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)[13]ِ   

  • توارثت بلداننا من العهود الأموية، والعباسية، والعثمانية، والصفوية، والمغولية، نظما غيبت الشورى وأوجبت الطاعة للمتغلب. وبعد فترة الاستعمار والتحديث اتخذ الاستبداد أشكالا عصرية مستمدة من النظم الفاشستية ومن التطبيق البيروقراطي للماركسية، فأسسوا نظم حكم الفرد والمؤسسات المنفذة لإرادته.

وجرى تلاعب بالألفاظ حول الديمقراطية والشورى مع أنهما يتفقان في أمور هامة هي: كلاهما يعترفان بكرامة الإنسان ويكفل حقوقه. كلاهما يمنع الانفراد بالسلطة، وكلاهما يوجب احترام القضاء وسيادة حكم القانون.

الشورى هي ديمقراطية مسقوفة والديمقراطية هي شورى تضبطها مؤسسات. وكلاهما يقيم الحكم على المشاركة، والمساءلة، والشفافية، وسيادة حكم القانون.

المرجعية السياسية للإصلاح توجب الالتزام بهذه المبادئ.

  • التنمية البشرية هدف استراتيجي ينبغي أن يكفل التنمية المادية، والخدمية، وتحسين حياة الإنسان. التنمية البشرية تشتمل كذلك العدالة الاجتماعية وحماية الاقتصاد الوطني من التبعية الأجنبية. نعم للتعاون الاقتصادي، والتبادل التجاري، واستصحاب العلوم والتكنولوجيا، ولكن لا للتبعية.

هذه النقاط الأربع تلخص أهم ما في مرجعية الإصلاح.

النقطة الثالثة: آفاق الإصلاح في الإطار العربي:

حركة المجتمع تنطلق من كيانات تترابط حول ثلاثة عوامل: عوامل ولاءات موروثة دينية أو عشائرية، عوامل انتماء لمصالح طبقية، عوامل التزام برؤى أيدلوجية.

كلما كان المجدتمع تقليديا كلما كانت عوامل الولاء الديني والعشائري الموروثة غالبة عليه. وكلما كان المجتمع أكثر حداثة كلما أثرت في حركته عوامل الطبقية  والأيدلوجية.

كان العرب قبل الإسلام يخضعون للولاء العشائري ولكنهم حتى قبل الإسلام شبوا عن مجرد الانتماء للقبلية إلى نوع من الانتماء القومي. الدليل على ذلك أنهم صاروا يتحدثون لغة مشتركة، ويجمعون مقدساتهم في موقع واحد هو الكعبة، وقد ورد في القرآن ما يدل على وجود هذا الانتماء القومي. قال تعالى: (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ)[14].

الإسلام لم يلغ الانتماء القومي العربي ولكنه يتسامى به إلى أفق رسالي جديد فصار العرب في عهد الخلفاء الراشدين والعهد الأموي قوام دولة كبرى وصارت اللغة العربية لغة حضارة عالمية. وفي عهد الدولة الإسلامية العباسية. طرأت عوامل مختلفة ومشاعر متمايزة بين العرب وقوميات أخرى فارسية وطوارنية وغيرها ومع الزمن ورثت الكيان السياسي الإسلامي ثلاث  دول كبرى تقودها قوميات غير عربية هي الدولة العثمانية- والدولة الصفوية- والدولة المغولية.

كانت البلدان العربية كلها تقريبا تحت الولاية العثمانية التي تسمت بالخلافة الإسلامية إلى أن دبت فيها عوامل  جعلتها كيانا سياسيا وطورانيا فألهبت مشاعر القوميات الأخرى ضدها. وخاضت الخلافة العثمانية الحرب الأطلسية الأولى (1914-1918) إلى جانب ألمانيا فدعم الحلفاء (بريطانيا وحلفاؤها) ثورات القوميات المعادية لتركيا وخاض العرب ثورة قومية اتفقت مع الحلفاء مقابل تحقيق أهداف قومية للعرب بعد الحرب. الحلفاء أبرموا تلك الاتفاقيات ولكنهم غدروا بالعرب بإعلان وعد بلفور لصالح قيام وطن عبري في فلسطين، وبإبرام اتفاقية سايز– بيكو البريطانية الفرنسية لتقسيم الوطن العربي فيما بينهم بعد الحرب. المحيط العربي السياسي نشأت فيه  بعد الحرب الأطلسية الأولى تيارات فكرية سياسية هامة أهمهما:

  • حركات وطنية هادفة لتحقيق السيادة الوطنية في ظل نظم حكم ليبرالي.
  • حركات إسلامية أثارها اختفاء الخلافة الإسلامية عام 1924م وغياب كيان إسلامي جامع.

ج. حركات شيوعية انطلقت من التباين الطبقي وتأثرت بالثورة البلشفية في روسيا 1917م.

هـ. فكر قومي عربي راديكالي جسده فيما بعد حزب البعث العربي الاشتراكي.

كانت أيديولوجية حزب البعث جامعة بين القومية والاشتراكية الغربية وكان نهجه في البداية شبيها بنهج الأحزاب الديمقراطية الاشتراكية في أوربا الغربية وكان سعيه للسلطة عبر البوابة الانتخابية.

في مصر انطلقت حركة 23يوليو 1952م مدفوعة بعوامل الرفض للفساد الملكي والظلم الإقطاعي والتطلع لوضع حد لمذلة الاحتلال الأجنبي البريطاني القابع في قناة السويس وخيبة الأمل التي تركتها هزيمة 1948م.

الناصرية اتخذت الانقلاب العسكري سبيلا لتحقيق أهدافها السياسية و أقامت نظاما شموليا مستمدا من تجربة البيرونية في أمريكا اللاتينية.

حزب البعث والناصرية تبادلا التأثير إذ اقتبست الناصرية أيدلوجية البعث العربية الاشتراكية، واقتبس البعثيون الأسلوب الانقلابي العسكري نحو السلطة والشمولية في ممارستها. وفي الحالتين استصحبا كثيرا من الأساليب الفاشستية الحديثة وأساليب التطبيق البيروقراطي للماركسية.

وفي الحالتين وفي ظروف المواجهة مع إسرائيل دخلت التجربتان في فلك الحرب الباردة واستمدتا دعما من المعسكر الشرقي: اقتصادي، وسياسي، ودبلوماسي، وعسكري.

هذا التحالف زاد من قوة العلاقة بين إسرائيل والمعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة. هذه العلاقة مكنت إسرائيل من التفوق العسكري على كافة القوى العربية مجتمعة ومن امتلاك السلاح النووي.

وفي عام 1965م كان تقرير القيادة العربية العسكرية المشتركة بقيادة اللواء على على عامر  أن القوة العسكرية العربية تحتاج لخمس سنوات تأهيل للتصدي الدفاعي الناجح لإسرائيل هذا إذا توافرت لها إمكانات معينة في القيادة والتدريب.

التحالف العربي السوفياتي لم يشبع التطلعات العربية.

العلاقة بالحلفاء التي دعمت الثورة العربية أثناء الحرب الأطلسية الأولى، والعلاقة بالحليف الدولي التي دعمت النظم الثورية العربية في الستينات، حققا فوائد معلومة للعرب ولكنهما في الحالتين اتسمتا بخيبة الأمل.

كان أسوأ جوانب التجربة القومية العربية الحديثة في ظاهرتيها الناصرية والبعثية إقامة نظم حكم شمولية قهرت الشعوب وتعدت على حقوق الإنسان ومارست قبضة مركزية صارمة فجرت احتجاجات المجموعات الوطنية الدينية، والإثنية، والثقافية. ومن أسوأ ممارساتها أنها صرفت القوات المسلحة عن دورها المهني إلى دور سياسي وشرطي داخلي أودى بفاعليتها العسكرية على نحو ما وصف الشاعر المصري أمل دنقل:

قلت لكم مرارا

إن الطوابير التي تمر في استعراض عيد الفطر والجلاء

فتهتف النساء في النوافذ انبهارا

لا تصنع انتصارا

إن المدافع التي تصطف على الحدود والصحارى

لا تطلق النيران إلا حين تستدير للوراء

إن الرصاصة التي ندفع فيها ثمن الكسرة والدواء لا تقتل الأعداء

لكنها تقتلنا إذا رفعنا صوتنا جهارا.

تقتلنا وتقتل الصغارا!!

تجربة القومية العربية الراديكالية أصيبت بهزيمة فادحة في عام 1967م. الهزيمة لم تكن عسكرية فحسب ولكن كذلك أيديولوجية. لذلك هبت تيارات دينية وإثنية، تتمدد في العقل والقلب السياسي في العالم العربي.

إن العروبة ليست شعورا طارئا بل تنطلق من حقائق موضوعية ثقافية ولغوية، وجغرافية، لذلك لن تختفي ولكن التعبير الأيديولوجي سوف يتغير بل أية أيديولوجية قومية عربية ينبغي أن تستصحب الآفاق الآتية:

  • الدين قوة وقيمة اجتماعية لا يمكن إسقاطها لاسيما الإسلام الذي لا تستطيع العروبة أن تنكر دوره فيها.
  • حقوق الإنسان قيمة كلية ينبغي استصحابها.
  • هنالك اثنيات، وثقافات، بل قوميات، تعيش مع العرب في كيانات سياسية واحدة، وصفة العروبة لا تشملها وينبغي كفالة حقها في الوطن المشترك.

في الإطار الإسلامي:

الإطار السني:

البلدان السنية أصيبت بالجمود الفقهي، والتيبس الفكري،والاستبداد السياسي قبل غزو الاستعمار لديارها. صار واقعها بائسا وصفه المفكر الإسلامي مالك بن نبي بأنه حالة استعداد للاستعمار. وعندما غزاها الفكر والثقافة الغربية وجد كثير من مفكريها فيه روعة وانبهروا به انبهارا عبر عنه كثيرون أذكر منهم سلامة موسى الذي قال ” أنا مؤمن بالغرب كافر بالشرق”.

الاحتكاك بالغرب أفرز في الجسم الإسلامي ثلاثة اتجاهات أساسية هي:

  • الرفض التام لحضارة الغرب وهذا تمثله مدارس السلفية المتعددة وعبر عنه أقوى تعبير الشيخ محمد بن عبد الوهاب في الجزيرة العربية، والإمام المهدي في السودان.
  • اتجاه الإتباع التام وهذا تمثله مدارس العلمانية المتعددة في الهند، وفي إيران، وفي مصر، وفي المشرق العربي، والمغرب العربي، وعبرت عنه أقوى وأوضح تعبير مدرسة مصطفى كمال في تركيا.
  • اتجاه التوسط بين الموقفين الذي تعددت مدارسه وعبر عنه أقوى تعبير الشيخ جمال الدين الأفغاني وتلامذته الشيخ محمد عبده والشيخ محمد رشيد رضا، وإن كان الأخير مال أكثر نحو السلفية وهو الأب الروحي لحركتي الجماعة الإسلامية في الهند بقيادة الشيخ أبو الأعلى المودودي ، والأخوان المسلمون في مصر بقيادة الشيخ حسن البنا.

الطيف الحركي الإسلامي صار منذ منتصف القرن العشرين يعبر عنه في البلدان السنية حركات أنصار السنة، وحزب التحرير، والأخوان المسلمون.

أما في السودان فإن جهادية الدعوة المهدية طرحت مشروعا طموحا لتحرير وتوحيد المسلمين والتخلي عن التفرقة المذهبية. هذه الدعوة أفلحت في إقامة دولة رسالية في السودان ولكنها صادفت موجة التوسع الاستعماري الغربي الذي كان يواصل مشروعه  للسيطرة على كافة  بلاد المسلمين في آسيا وفي أفريقيا كما استفزت القوى المحافظة فقها وسياسة داخل وخارج السودان.

هذه القوى خلقت تحالفا عريضا واجه الدولة المهدية بالآلة العسكرية الغربية الحديثة واستطاع هزيمتها.

الدولة المهدية هزمت لكن الدعوة بقيت جذوتها ليبعثها الإمام عبد الرحمن المهدي دون أية استحقاقات وراثية بل بجهد عصامي وفي شكل وسطي متصالح مع التعددية والاجتهادية، ومع النافع من فكر وثقافة الوافد. هذا الاجتهاد دخل الآن مرحلة ثالثة تجسدها هيئة شئون الأنصار، مرحلة طرح مرجعية إسلامية متجددة متحررة من التبعية الإنكفائية للماضي، ومن التبعية الإستلابية للوافد على حد تعبير قادتها.

كان للحركة الإخوانية وأخواتها في الهند وفروعها في العالم فضل إعادة الإسلام إلى الأجندة السياسية بأساليب التنظيم الحديث، واستطاعت في وجه التمدد العلماني، والشيوعي، والقومي الحديث أن تطرح بديلا إسلاميا حديثا واستطاعت أن تستقطب قوى واسعة في المجالات المهنية، والطالبية، والنقابية، وفي الطبقة الوسطى من التجار المستثمرين.

وفي مصر خاصة صار لها دور كبير لأنها صارت الخيار الوحيد البديل لخواء البدائل الحزبية الأخرى.

لكن الأطروحة الإخوانية تجاوزها من اليمين حركات جماعة الجهاد، والجماعة الإسلامية، التي اندفعت في أفغانستان لتغذية حركة القاعدة المولودة في رحم الجهاد الأفغاني، وللتحالف الجديد مع حركة طالبان.

هذه القوى تجاوزت الأخوانية من اليمين كما تجاوزتها حركات التحرير مثل حماس والجهاد الإسلامية.

ومن اليسار نشأت تيارات استفزها الفهم النقلي للإسلام فاتجهت اتجاهات “أنسنة” الظاهرة الإسلامية على نحو ما قال:

  • الأستاذ محمد شحرور إن القرآن منزل ولكن فهمنا له كله تأويل بشري.
  • كل مجتمع بحاجة لأسطورة مؤسسة. والقرآن هو أسطورتنا مقولة الأستاذ محمد أركون.
  • مقولة نصر حامد أبو زيد “النص القرآني منذ لحظة نزوله تحول من كونه نص إلهي وصار فهما إنسانيا”
  • الإسلام رسالتان الأولى يعبر عنها القرآن المدني وهي ملائمة لظروفها التاريخية الثانية يعبر عنها القرآن المكي ومع أنه هو السابق فهو الناسخ الذي يلائم ظروفنا الحديثة3.

هذه الأطروحات وغيرها تطيح بالقرآن نفسه لتطيح معه بالتأويل السلفي ولكن هناك منطق آخر غير المنطق الصوري الذي تأسس عليه الاجتهاد السلفي. منطق يوجب استخدام العقل، والمصلحة، والحكمة، والسياسة الشرعية، والمقاصد، والميزان، والقسطاس لتفسر النصوص المنزلة ولتطوير الأحكام الفقهية.

التطلع الإسلامي اليوم في المجال السني يواجه تحديات ما بعد الاخوانية التقليدية ويحاصره من اليمين حركات انكفاء قوية تقودها الآن القاعدة، وطالبان، وتهدف لإسقاط النظم الحالية لإقامة خلافة إسلامية في مكانها. وتحاصره حركات استلاب قوية فكريا وإن لم تكن قوية شعبيا. التطلع الإسلامي الوسطي يفتقر لأفق جديد يطرح الإسلام بصورة تكفل الحرية، والعقلانية، والعدالة ويفصل الإسلام تماما من التعصب، والعنف، والفساد، والاستبداد، طرح إسلامي وسطي معالمه:

  • استصحاب حقوق الإنسان العالمية والحريات العامة.
  • استيعاب التطلعات القومية.
  • استيعاب الهويات الثقافية.
  • إفساح المجال لحرية البحث العلمي والتكنولوجي.
  • تحجيم دور التشريعات العقابية. فالإسلام يحارب الجريمة بوسائل كثيرة هي: الإيمان ـ العبادات ـ التوبةـ التعافي ـ إزالة الضرورة ـ الرأي العام ـ العقاب. والحرص على وسيلة واحدة دون مراعاة الظروف المختلفة جعل التطلع الإسلامي كما يعبر عنه هؤلاء مؤسسة عقابية.

الإطار الشيعي

الكمالية في تركيا نجحت لمدة طويلة لأنها صادفت شرطين هامين.

الأول: التصدي للنظام العثماني الآيل للسقوط المصاب بأدواء التعفن الداخلي.

الثاني: الإنجاز العسكري الذي قاده مصطفى كمال والذي أنقذ الوطن المهزوم في الحرب الأطلسية الأولى من الاحتلال والتمزيق .

النظام الشاهنشاهي في إيران كان ينشد أهدافا مماثلة للكمالية في تركيا دون أن يحظى بالعاملين المذكورين. وكانت المؤسسة الشيعية الدينية شبه مستقلة بمواردها من الدولة.

أساليب السافاك القاسية أفلحت في استئصال المعارضة المدنية، والسياسية ، والديمقراطية، والشيوعية، مما أتاح للمؤسسة الدينية فرصة أكبر لبلورة المعارضة للنظام الشاهنشاهي. وكان آية الله الخميني صاحب رؤية واضحة في مواجهة النظام الشاهنشاهي لذلك اصطف وراءه كافة القوى الرافضة لذلك النظام. ولكن آية الله الخميني كان بالإضافة لموقفه السياسي المؤيد على نطاق واسع صاحب رؤية ولاية الفقه وهي رؤية ثيوقراطية لا تحظى بنفس التأييد الواسع لموقفه السياسي.

القائلون برؤى مخالفة لولاية الفقيه عديدون أمثال: د. على شريعتي، وآية الله شريعة مداري، وآية الله طالقاني، وآية الله محمد منتظري. هؤلاء يمكن تلخيص موقفهم في أن ولاية الفقيه ينبغي أن تحصر في الأمور الدينية البحتة ولا تتعداها لكل شئ كما هي نظرة آية الله الخميني.

رؤى هؤلاء ضمن عوامل أخرى غذت التيار الشعبي الإصلاحي الذي انتصر بانتخاب السيد محمد خاتمي رئيسا للجهورية مرتين.

 كان بالإمكان لتيار الإصلاح هذا أن ينجح ويؤدي لتعديل دستوري يحجم ولاية الفقيه في الإطار الديني ويجعل القرار السياسي من شأن المؤسسات المنتخبة جماهيريا.

ولكن عاملين هزما التيار الإصلاحي وقادا لانتصار جماعة المحافظين الجددد في إيران.

العامل الأول: القوى المحافظة كانت ولا زالت تحتل مواقع مفتاحية في السلطة غير المنتخبة فاستخدمتها في تحجيم السلطة المنتخبة.

العامل الثاني: “المحافظون الجدد” في أمريكا بقيادة الرئيس الأمريكي بوش صنفوا إيران في محور الشر، واحتلوا جوارها العراقي والأفغاني، وأوجدوا قواعد عسكرية حولها، وأعلنوا سياسات أثارت الحمية الدينية والوطنية في إيران فاتجه الشعب الإيراني نحو “المحافظين الجدد” في إيران وعبروا عن ذلك بانتخاب الرئيس محمود أحمد نجاد في عام 2005م.

مصير الإصلاح الإسلامي في إيران أن ينجح على المدى البعيد وأن يستصحب حقوق الإنسان، والانفتاح المذهبي، والانفتاح نحو الآخر الملي والدولي.

ينبغي أن ندرك أن الجماعات الشيعية في كثير من البلدان الإسلامية عانت من التهميش في ظل السلطات السنية.

إن معطيات حقوق الإنسان العالمية، وانتصار الثورة الإسلامية (الشيعية) في إيران، والدور الذي قام به حزب الله في تحرير لبنان، والحقائق السياسية الجديدة في العراق، عوامل تغذي يقظة شيعية وتوجب اهتماما أكبر بحقوقهم والمطلوب هنا حتما هو:

  • التعايش والتقارب المذهبي بين أهل السنة والشيعة.
  • التوازن في كفالة حقوق الجماعات الشيعية في البلدان السنية.
  • التوازن في كفالة حقوق الجماعات السنية في البلدان الشيعية.

الإطار الصوفي:

الاستبداد في الحكم يبس وسائله وجعلها بعيدة عن الشورى والمشاركة الشعبية، وقفل باب الاجتهاد في الفقه جعله يدور في الحواشي والتقليد. هذان الأمران جعلا كثيرا من المسلمين يستجيبون لنداءات رجال ونساء تحدثوا عن ندى الروحانيات وثمار الحب الإلهي فاندفعوا نحو رجال ونساء التصوف.

رجال ونساء التصوف أحيوا بالروحانيات والحب الإلهي كثيرا من المجتمعات الإسلامية. وعندما ضعفت الدولة الإسلامية كان لهؤلاء الرجال والنساء دور هام في نشر الإسلام سلميا في حركة تاريخية يمكن أن توصف بالفتوحات الصوفية في جنوب شرق آسيا، وفي أفريقيا جنوب الصحراء، وفي أوربا.

الصوفيون نشروا الإسلام وكان تركيزهم على الروحانيات ولكن التسامح الذي اتسم به أسلوبهم ترك الأمر السياسي والتشريعي لأهله دون تدخل كبير منهم. الاستجابة للإسلام في كثير من هذه الأوساط صحبتها ممارسات سماها المجاهد الأفريقي الكبير الشيخ عثمان دان فوديو تخليطا.

هذا التخليط بعث حركات الجهاد الأفريقية وأهمها حركة الشيخ عثمان دان فوديو والشيخ عمر الفودي في غرب أفريقيا، والإمام المهدي في السودان. هذه الحركات عبرت عن حيوية الإسلام بعد أن استقر في أفريقيا ولكن الاستعمار الأوربي تصدى لها وقمعها بشراسة.

بالإضافة لهذه المهام فإن التصوف قد استطاع أن يمد المجتمعات الإسلامية بوسائل “بيات شتوي” لدى طغيان الحكومات المغالية في علمانيتها مثلما هو الحال في الاتحاد السوفياتي السابق.

الآن وفي ظروف المجتمع المعاصر ليس مطلوبا من الطرق الصوفية أن تلغي دورها بل أن تطور دورها منظمات مجتمع مدني معنية بالتهذيب الروحي، والأخلاقي، وبالتربية، والمحافظة على درجة عالية من الأداء بين أفرادها والقيادة الرشيدة لشيوخها على أن تتمدد في مجالات الإغاثة الإنسانية، والخدمات الاجتماعية، ومحاربة الفقر، لكي تملأ جزءا هاما من المساحة بين الشعوب والحكومات في المجالات غير السياسية.

النقطة الرابعة:

إن المشروع النهضوي الذي بحثنا آفاقه وحددنا ضرورته لا يمكن أن يتحقق تلقائيا. بل ينبغي أن تمهد له خمس ثورات هي:

  • ثورة فكرية تؤكد أن للدين دوره الهام في بيان الغيبيات وتقديس الأخلاق وتحفيز العمل الصالح بالجزاء الأخروي. وضبط حقائق الدين بقطعيات الوحي: “ وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ[15] والدين نفسه أوجب دورا للمعارف التجريبية، والعقلية، أي دورا للإنسان لا يتركه مجرد متلق.
  • ثورة ثقافية تؤكد أن هناك عالما واحدا صنعته قدرات الإنسان التكنولوجية وأوجبته مصالح الإنسان الاقتصادية. هذا العالم الواحد يعترف بوجود خصوصيات دينية وثقافية للناس ينبغي اعتبارها بحيث يسود توفيق بين التأصيل والمعاصرة.
  • ثورة سياسية تضع حدا للتبعية العمياء في كل المجالات العامة وتؤسس القيادة السياسية والحكومية على المشاركة، والمساءلة، والشفافية، وسيادة حكم القانون.
  • ثورة اقتصادية تضع حدا للعلاقات الإقطاعية وتحشد الإمكانات لتستثمر الموجودات بصورة تحقق التنمية وتوزع عائدها توزيعا عادلا.
  • ثورة دبلوماسية تضع حدا للتعامل العاطفي مع الدول الكبرى على أساس الكراهية والعداء. أو الخيار النقيض على أساس التبعية. المطلوب إقامة علاقات ندية للتعاون من أجل السلام والتنمية.
  • إن التطلع لهذه الثورات الخمس من ضرورات المرحلة الحالية ولكن هنالك بؤر ملتهبة تعرقل حركة الإصلاح ما لم تطفأ نيرانها. هذه البؤر الملتهبة من شأنها أن تخلق استقطابات داخلية وخارجية تؤذي أولويات الحركة الإصلاحية.

النقطة الخامسة: البؤر الملتهبة:

عندما أجلت الإمبراطوريات الأوربية قواتها من مستعمراتها بعد الحرب الأطلسية الثانية تركت وراءها مشاكل تحولت مع الزمن إلى بؤر ملتهبة أهمها النزاعات الآتية:

  • فلسطين حيث أدى وعد بلفور، والانتداب البريطاني، إلى التداعيات المعلومة وقرار مجلس الأمن بتقسيم فلسطين وقيام دولة إسرائيل رغم أنف السكان العرب. هذه التصرفات أوجدت بؤرة ملتهبة يزيد اشتعالها مع الأيام.
  • كشمير في الهند أدى التقسيم إلى قرار بموجبه ضمت الولايات ذات الأغلبية الهندوسية إلى الهند. والأخرى ذات الأغلبية المسلمة إلى باكستان. كانت كشمير ولاية ذات أغلبية مسلمة ولكن حاكمها كان هندوسيا فاختار الانضمام للهند وهكذا نشأ النزاع الذي لا يزال قائما والذي تسبب في أكثر من ثلاثة حروب بين الهند وباكستان. وأدى لتسابق تسلح انتهي بهما للسلاح النووي.
  • هنالك نزاعات كثيرة في الفليبين وفي روسيا تعود لتباين إثنى أو ثقافي أو ديني وبطبيعتها هذه لا يمكن حسمها بالقوة الجبرية والخيار الأفضل هو الحوار والتراضي ولكن عندما يرفض الطرف المستفيد بالواقع ذلك تؤدي الحالة للعنف والعنف يخلق توترا دولياً.

هذه البؤر الملتهبة تؤثر سلباً على السلام الدولي وتخلق مناخات استقطاب تعكر سير حركة الإصلاح.

هنالك بصفة خاصة ثلاث قضايا تعرقل حركة الإصلاح وتخلق مواجهات تؤثر بصورة مباشرة على السلام والتعاون الدولي.

أولاً:إسرائيل: السياسة الإسرائيلية المدعومة بصورة استراتيجية من الولايات المتحدة تفلح في مقاصدها إذا هي استطاعت أن:

  • تحافظ على الأغلبية اليهودية في إسرائيل بجذب الهجرات إليها ومنع الهجرات المعاكسة منها وضبط المعادلة الديمغرافية لصالحها.
  • استطاعت إن تدعم حركات التفكك العربي القطري بما يجعل الدول العربية معادية لبعضها بل ويعرض الأقطار العربية نفسها إلى تشظى داخلي مذهبي، وثقافي، وجهوى.
  • استطاعت إن توسع التباين الأفريقي العربي بين شمال وجنوب الصحراء الكبرى وأن تتحالف مع الجنوب.
  • استطاعت إن تقنع الغرب أن الخطر عليه آت من الإسلام. وأن تحافظ على العلاقة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة بنفس مستوى قوتها أثناء الحرب الباردة.
  • استطاعت إن تواصل الرؤية السائدة إن التناقض الوحيد في العالم العربي هو الذي بين الحكومات والشعوب وأنه متى زال هذا التناقض عن طريق الإصلاح الديمقراطي فإن المواجهة العربية الإسرائيلية سوف تتنحى لصالح علاقات شرق أو سطية جديدة.

هذه المطالب الخمسة غير مؤمنة بل العكس هو الصحيح في أمرها:

  • التمدد السكاني الفلسطيني مستمر داخل إسرائيل وحولها ويشكل لها حقيقة ديمغرافية تهدد الأغلبية اليهودية.
  • حركات التفكك العربي حقيقية وخطيرة ولكن إذا استطاعت اليقظة العربية والإسلامية أن تجري إصلاحات داخلية تقوم على الحكم الراشد واستطاعت الدول العربية إيجاد صيغة ديمقراطية فعالة للعمل العربي المشترك ـ وهذا وارد ـ فإن الإصلاح سوف يوقف تيارات التشظى.
  • التحرك العربي الإفريقي الواعي الذي ينطلق من إن أغلبية عرب العالم أفارقة، وأن أغلبية سكان أفريقيا السوداء مسلمون، وأن أفريقيا هي القارة الوحيدة ذات الأغلبية المسلمة يستطيع أن يقيم العلاقات العربية الإفريقية على أساس التكامل والوفاق ويجعل الصحراء الكبرى كما كانت في الماضي قبل الاستعمار واصلا لا فاصلا.
  • بروز الأصوات الديمقراطية في البلدان العربية لن يؤدي إلى تهميش قضية فلسطين بل العكس هو الصحيح.
  • احتمال أن تدرك الولايات المتحدة حقيقة التناقض بين انحيازها المطلق لإسرائيل ومصالحها في المنطقة احتمال كبير. المفكرون المناصرون لإسرائيل أمثال برنارد لويس يحاولون تفسير العداء الإسلامي العربي للغرب على أسس أونتولوجية كأنه من طبيعة الأشياء. والحقيقة هي أن هذا العداء يعود لأسباب سياسية واضحة المعالم فإذا زالت زال.

كان الإسرائيليون في كثير من فترات التاريخ يجدون مجالات واسعة ويزدهرون لما لديهم من مؤهلات. ولكنهم في كثير من تلك الظروف يتخذون  لأنفسهم مواقف أكبر من قدراتهم. بالإشارة لهذا الطموح المدمر قال أحد كبار المفكرين اليهود ازايا برلين: “إن إسرائيل سوف تندفع منتصرة نحو الهاوية”.

إذا لم تسعف إسرائيل الشروط المذكورة لتحقيق طموحاتها في المنطقة فالخيار الآخر الواقعي والمعقول أن تذوب في المنطقة تجمعا عبريا وسطها يحظى بحقوق الإنسان في مناخ من الحرية الدينية والديمقراطية. وهي حالة متاحة لليهود في كل مكان في العالم يفجرون فيه مواهبهم دون الحاجة لتفجير البشرية كلها لإرضاء طموحات وأساطير تجاوزها التاريخ:

وإلى أن تحدث التطورات التي سوف تحسم صورة المستقبل يمكن أن تبرم اتفاقيات مراقبة دوليا لوقف الاقتتال وترك المجال للتفاعلات الاقتصادية، الاجتماعية، المدنية أن تؤدي مفعولها في اتجاه حركة التاريخ نحو التسامح والتعايش لا الاستقطاب والأقصاء.

ب. البترول:

إن للبترول أهمية خاصة والمنطقة العربية والإسلامية تنتج منه نسبة عالية كما تضم نسبة أعلى من المخزون. الولايات المتحدة تتعامل مع البترول لأهمية في حد ذاته لإدارة الآلة  الاقتصادية والعسكرية الحديثة ولأن سيطرتها على مناطق إنتاجه يساهم في هيمنتها العالمية وبسط سلطانها على الاتحاد الأوربي واليابان والصين. هذه النظرة للبترول أدت لقيام علاقة غير صحية مع نظم الحكم في بلدانه وساهمت كذلك في بناء العلاقة غير الصحية مع إسرائيل.

في هذا المجال إن البلدان المنتجة للبترول تريد تكنولجيا الغرب وتريد أسواقه وهي صاحبة مصلحة أكيدة في ذلك. والمطلوب أن تكون شروط التعامل في هذه السلعة الاستراتيجية هي  التي تبرمها شعوب حرة لمصلحة مشتركة. هذا الإدراك وحده هو الذي سوف ينزع من البترول دوره في تغذية الالتهابات السياسية.

  • الاحتلال:

إن وجود احتلال أجنبي في دول المنطقة يغذي عدم الاستقرار فيها. أثبت روبرت بيب في كتابة “يموتون من أجل النصر” أنه بعد دراسة كل حالات التفجيرات الاستشهادية في العالم لدى الجماعات المختلفة من نمور التاميل إلى الشيشان إلى العراق وفلسطين في الفترة ما بين 1980م إلى 2003م تأكد له إن هؤلاء محتجون على احتلال أجنبي من قبل دول ديمقراطية بهدف  إجبارها على الجلاء.

إن إيجاد معادلة سلمية في أمر النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، وإيجاد معادلة عقلانية تجارية في أمر البترول، وإجلاء القوات الأجنبية من المناطق التي تحتلها من شأنه أن يخلق المناخ المناسب للسلام والاستقرار في المنطقة، ومن شأنه أن يساعد حركة الإصلاح الديمقراطي.

النقطة السادسة:

شهد العالم أربعة موجات تحول ديمقراطي في التاريخ الحديث ويرجى أن يشهد موجة خامسة تشمل البلاد العربية وتستفيد من تجارب الموجات الماضية.

في الأسبوع الثاني من شهر مارس 2006م دعت ثلاث منظمات هي: نادي مدريد، وهيئة المبادرة العربية من أجل الديمقراطية، و منظمة فريدي الأسبانية إلى منتدى في مدريد حضره عدد من المفكرين والساسة والصحفيين من شتى أنحاء العالم العربي لبحث مشكلة الفجوة الديمقراطية في العالم العربي، و جدوى مشروعات الإصلاح السياسي الديمقراطي فيه، و ماهية الدروس التي يمكن أن تجدها البلدان العربية في التحولات نحو الديمقراطية في الموجات السابقة لا سيما في جنوب أوروبا (أسبانيا) وفي أمريكا الجنوبية.

  1. إنتقلت أسبانيا في عام 1975م من ملكية مطلقه إلى ملكية دستورية بحيث إحتفظ الملك بمركزه و نقل صلاحيات الحكم لبرلمان منتخب إنتخابا حرا. وهذا التحول التاريخي نقل أسبانيا من حالة إنشطار حاد داخلي، وتخلف إقتصادي وعزلة خارجية إلى نظام ديمقراطي يحسم خلافاته و خلافة السلطة فيه سلمياً، وإلى طفرة تنموية، وإلى عضوية فاعلة في الإتحاد الأوروبي، و في الأسرة الدولية.

هذا النموذج الأسباني خريطة واضحة المعالم للإنتقال من الملكية المطلقه إلى الدستورية.

  1. التحول الديمقراطي في أمريكا الجنوبية إتخذ أشكالاً مختلفة أهمها ثلاثة هي:

أ. نظام عسكري محتكر للسلطة إستجاب لضغط داخلي و خارجي فطرح مبادرة تحول ديمقراطي محددة المعالم و جدت إستجابة شعبية كما كان الحال في تشيلي.

ب. نظام لديه مؤسسات ناقصة الديمقراطية إستجاب لضغوط داخلية وخارجية فدخل في تفاوض مع القوة السياسية الوطنية وأبرم معها إتفاق للتحول الديمقراطي و قد كان كما حدث في البرازيل.

ج. نظام عسكري متسلط واجه هزائم أدت إلى إنهياره فحل محله نظام ديمقراطي أجمعت عليه القوى السياسية كما في الأرجنتين.

هذه التجارب أنتجت ثقافة تحول ديمقراطي ثرة رسمت الخطى حول:

  • الإنتقال من القبضة الشمولية إلى البسطة التعددية عبر برامج اتفقت عليها القوى السياسية عبر مواثيق وطنية.
  • آليات للتعامل مع جرائم و تجاوزات الماضي بالعفو العام كما في تشيلي وبقوانين مساءلة كما في الأرجنتين.
  • تقنين وظيفة القوات المسلحة وتحديد علاقاتها بالسلطة المدنية المنتخبة على ثلاثة أنماط: إعطاءها نوعاً من الوصاية على الممارسة السياسية، أو إدخالها في معادلة مشتركة مدنية عسكرية، أو إخضاعها للقرار المدني الديمقراطي.

وأهم دروس هذه التجارب:

أولاً: التحولات الأكثر نجاحاً هي التي أسست على مواثيق وطنية أبرمتها كافة القوى السياسية و النقابية.

ثانياً: الإعتدال في التعامل مع تجاوزات الماضي بصورة لا تغفلها و لكن لا تسمح لها بالتردي للإنتقامات.

ثالثاً: الأساس الأكثر إستقراراً في العلاقة المدنية العسكرية هو الذي أعطى القوات المسلحة كيانها المهني و دورها الوطني في ظل امتثالها لقرار السلطة المدنية المنتخبة.

  • وجوب أن يصحب التحول الديمقراطي مشروع تنموي يشبع الحاجات المادية والخدمية، ومشروع ديمقراطية إجتماعية وإلا إنفجرت حركات التظلم والاحتجاج.
  • النظم المستبدة بالأمر لا تتجاوب مع التطلعات الديمقراطية إلا نتيجة ضغط شعبي داخلي فعال وضغط خارجي جاد.

العالم العربي اليوم يواجه تصاعد المطالب الديمقراطية بصورة غير مسبوقة وهو مطلب تنادي به الشعوب بدرجات متفاوته من الفاعلية ويجد سنداً خارجياً تعددت دوافعه ولكن لأول مرة كونت الأمم المتحدة آلية لدعم الديمقراطية.

النقطة السابعة:

محركات الإصلاح السياسي:

لم يعرف التاريخ مولد نظام سياسي جديد دون وجود عوامل قوية تدفع في اتجاهه داخلية وخارجية.

الدافع الأول:  والأهم هو التحرك الشعبي الفعال عن طريق قياداته، وأحزابه، ونقاباته، ومنظمات المجتمع المدني فيه، لأن هؤلاء هم أصحاب المصلحة الحقيقية الأولي في استرداد حقوقهم السياسية المسلوبة وتمكين أنفسهم ديمقراطياً. الإصلاح يأتي بقدر تبين هؤلاء له، وتحريهم لأسسه وتضحيتهم في سبيل تحقيقه. بلا تضحيات لا تتحرك عجلة التاريخ. هؤلاء ينبغي أن يثبتوا للحكام أن الشرعية تعتمد على الرضا الديمقراطي وإن النظم ينبغي أن تحتكم للشعوب.

الدافع الثاني: هو العامل الدولي لقد كان لهذا العامل دور هام في دعم الحكومات الاستبدادية في المنطقة. اليوم لم تعد الأمم المتحدة كما كانت ساكتة عن طبيعة الحكم في دول العالم. فقد أعلنت في أهداف الألفية الجديدة انحيازها التام للتحول الديمقراطي والتنمية الإنسانية. وحسنت آليتها الخاصة بالتعامل مع قضايا حقوق الإنسان. وأقامت صندوقا لدعم الديمقراطية. ولم يعد بالإمكان أن يفلت المعتدون بجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية فالمحكمة الجنائية الدولية والمحاكم الدولية الخاصة وضعت حدا لظاهرة الإفلات من العقاب.

الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي والدول الثمان تبنوا منبر الشراكة من أجل المستقبل مع الدول العربية.

يعاب على هذا المنبر تغييبه للشعوب وسماحه للدول أن تضع أجندة الإصلاح الديمقراطي مع العلم أنها في الغالب تعمل على تقييده. الدعم الأمريكي للإصلاح الديمقراطي خاصة مشوب بالاتهامات:

  • إنها تستخدم الديمقراطية كأداة لسياساتها الخارجية باعتبار أن الديمقراطية تأتي بنظم صديقة. هذا معناه إنها إذا أتت بحكومات غير صديقة لا تقبل.
  • الحديث عن الديمقراطية مع قوى لا تريدها وعدم الاهتمام بالحديث مع القوى ذات المصلحة الحقيقية في الديمقراطية.
  • السياسات الأمريكية في المنطقة اكتسبت كراهية بالغة مما يجعل التبني الأمريكي للديمقراطية من أسباب الارتياب فيها.

ماذا تفعل الدول في وجه الضغط الداخلي والخارجي من أجل الإصلاح؟

ليسوا سواء  في أمر التعامل مع الديمقراطية وقد وضعت مقاييس تبين أن المغرب كان أكثرها تجاوبا مع الإصلاح الديمقراطي وأعطيت الدول الأخرى أرقاما متفاوته من التجاوب والامتناع. ففي دراسة نشرها الدكتور ساليبا سارسار Saliba Sarsar في مجلة الشرق الأوسط ربع السنوية الأمريكية بتاريخ مارس 2000م[ii] ذكر الكاتب أن الدول العربية تجمع بينها عوامل مشتركة من بينها غلبة العربية لغة والإسلام ديانة، وبعض التاريخ المشترك مع الفتح الإسلامي العربي، والحكم العثماني التركي، ثم الاستعمار الأوروبي الغربي، وأن هذه البلدان في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تعيش خروقات منتظمة لحقوق الإنسان. ثم ذكرت الدراسة ميزان لقياس درجة الممارسة الديمقراطية مكون من تسعة بنود  هي:

كيف تختار الدولة رؤساءها؟

كيف تتكون الأحزاب السياسية فيها؟

كيف تختار مجالسها التشريعية؟

ما هو مدى حقوق المرأة؟

ما هي درجة حرية الصحافة؟

ما هي حالة الحرية الدينية؟

ما هي درجة احترام حقوق الإنسان؟

ما هو مدى الحرية الاقتصادية؟

كل واحدة من هذه النقاط رقمت من صفر إلى اثنين،  فالدولة التي تحصل على صفر في أية نقطة تكون عارية من الديمقراطية في تلك النقطة، والتي تحصل على واحد تكون حاصلة على ديمقراطية جزئية في النقطة المعنية، والتي تحصل على اثنين تكون حاصلة على درجة كاملة من الديمقراطية في بندها. طبقت هذه المقاييس على 17 دولة عربية[iii]. كانت  النتيجة: حصلت المغرب على أعلى نسبة وهي 61%، وجاءت في ذيل القائمة المملكة العربية السعودية والعراق بحصولهما على 14%. وهكذا خلصت الدراسة إلى أن الأوتوقراطية هي النظام المشترك في العالم العربي[iv].

إن امتناع الدول عن التجاوب مع حركة الإصلاح مع وجود تيارات قوية داخلية وخارجية تنادى به سوف يفقدها شرعيتها أكثر وأكثر ويفتح الباب لانفجارات مدنية وعسكرية لا تؤمن عواقبها.

لذلك فإن النهج الصحيح هو أن تقرأ قيادات الدول العربية الكتابة على الحائط الداخلي والخارجي وأن تدرك أن حكم الفرد في طريقه للانقراض وأن التحول السلمي الديمقراطي الذي اختاره كثيرون في موجات الديمقراطية السابقة هو طريق المستقبل وهو الأسلم والأفضل عواقب.

لقد كنا لا نستطيع أن نتدارس هذه الأمور إلا في الخارج. أنه من دواعي البشرى والتفاؤل، إننا نستطيع اليوم أن نتداول كل أمر فادح داخل بعض بلداننا وكل من سار على الدرب وصل.

 

 

 

 

[1]  اتفاقية كوتونو الموقعة بين الاتحاد الأوروبي ودول مجموعة أفريقيا ومنطقتي البحر الكاريبي والمحيط الهادي (أيه سى بى) في 23 يونيو 2000. أعقبت اتفاقية لومي، وهي تؤكد على التوافق مع النظام التجاري الذي تنص عليه منظمة التجارة العالمية وترمي إلى الاستعاضة عن الترتيبات التجارية التفضيلية غير المتبادلة التي تنص عليها اتفاقية لومي بإقامة مناطق إقليمية للتجارة الحرة بين الاتحاد الأوروبي والمجموعات الإقليمية لدول أفريقيا والكاريبي والمحيط الهادي بعد مرور فترة انتقالية.  الفقرة رقم 96 من اتفاقية كوتونو تخول للاتحاد الأوروبي فرض عقوبات على الدول المعنية بسبب انتهاكاتها لحقوق الإنسان.

[2] أنشأت النيباد ومؤسسيها الخمسة عشر الاتحاد الإفريقي في اجتماعهم بدربان (جنوب إفريقيا) في يونيو 2002م، ومن الشروط التي وضعت للاستفادة من الشراكة للتنمية الالتزام بالديمقراطية للدول الإفريقية.

 

[3]  سورة محمد الآية (24)

 سورة الفرقان الآية(73)[4]

 سورة الإسراء الآية (105)[5]

 سورة الاحقاف الآية (3)[6]

 سورة التوبة الآيات (20)و (21)[7]

 سورة التوبة الآية (5)[8]

 سورة التوبة الآية (7)[9]

 سورة التوبة الآية (5) [10]

 سورة التوبة الآية (6)[11]

 سورة التوبة الآية (13)[12]

سورة الممتحنة الآية (8)[13]

 [14]    سورة الزخرف الآية (44)

 أطروحة الفكر الجمهوري لمؤسسها الأستاذ محمود محمد طه 3

[15]  سورة الأسراء الآية (105)

[ii]  Saliba Sarsar Can Democracy Prevail? In The Middle East Quarterly, Volume IIV, Number1, March 2000.   الكاتب أستاذ مشارك للعلوم السياسية ونائب رئيس مبادرات البرنامج الأكاديمي بجامعة مونوث بنيوجرسي  (الولايات المتحدة الأمريكية) وقد ولد ونشأ في القدس. الدراسة موجودة على الإنترنت في موقع منتدى الشرق الأوسط (باللغة الإنجليزية) وهو منتدى أمريكي يعنى بالعلاقة مع الشرق الأوسط- موقع الدارسة هو :   https://www.meforum.org/article/40

[iii] وذلك باستبعاد السلطة الفلسطينية على أنها ليست دولة كاملة السيادة بعد. واستبعاد أقطار أخرى لأسباب أوردها البحث وهي: جزر القمر- جيبوتي- موريتانيا- والصومال. سرسر- مرجع سابق-  الهامش رقم (6).

[iv] يمكن أيضا الرجوع إلى مقال جشوا مورافشك (مرجع سابق) والذي حلل فيه ما نشره “بيت الحرية”  في ديسمبر 2001م عن حالة الحريات في  العالم- مصنفا الدول إلى دول حرة أو حرة جزئيا أو غير حرة- طبقا لتلك الدراسة أيضا فإنه لا توجد دولة عربية حرة. والدولة الإسلامية الحرة الوحيدة “مالي” تنتمي للمجموعة الإفريقية غير العربية في العالم  الإسلامي.