الرياضة ليست لعباً

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الرياضة ليست لعباً

الإمام الصادق المهدي

الطبعة الثانية

2019م

 

 

محتويات

نبذة عن الكتيب.. 3

الملف الأول: الجسم السليم في العقل السليم: 4

الملف الثاني: نحو ثقافة رياضية: 5

الملف الثالث: فوائد الرياضة ومخاطر السمنة: 5

الملف الرابع: الرياضة والصحة النفسية: 7

الفوائد السيكولوجية للرياضة: 8

الملف الخامس: الفوائد الاجتماعية: 9

الملف السادس: ما هو موقف الدين من الرياضة؟. 10

الملف السابع: الرياضة والنساء: 11

الملف الثامن: حول مفاهيم دونية المرأة: 12

الملف التاسع: الرياضة والعمر: 13

الملف العاشر: لعب الأطفال: 13

الملف الحادي عشر: حول اللهو: 14

 

 

 

 

 

نبذة عن الكتيب

أصل هذا الكتيب ورقة نشرت ضمن كتاب الإمام الصادق المهدي “نحو ثورة ثقافية” في 2006م، وطبعت ككتيب في 2016م، وهذه هي الطبعة الثانية من الكتيب الذي نفدت نسخه.

 

الإنسان هو المخلوق الوحيد الواعي بذاته. هذا الوعي يشغله بماهية بداية الوجود ونهايته، هذا هو مدخل الاعتقاد بأزلية النفس الإنسانية وخلودها. والإنسان مشغول بقيم الموجودات في الحياة. هذا هو مدخل الاعتقاد في الكمال الأخلاقي والجمالي. والإنسان مشغول بماهية الموجودات حوله. هذا هو مدخل البحث عن المعرفة. هذه الأمور: خلود النفس، والبحث عن الكمال، والجمال، والمعرفة تميز الإنسان بين سائر المخلوقات. المخلوقات التي يشاركها مشاركة حقيقية في الحاجات المادية كما يشارك عالم الحيوان في الحاجات البيولوجية من أكل، وشراب، وتنفس، وتكاثر.

حالتا الإنسان النفسية والحسية تتداخلان تداخلا مدهشا فالحالة الحسية إذا جاع الإنسان أو عطش تضر النفس الإنسانية وربما أهلكتها. والحالة النفسية تؤثر حزنا وسرورا على جسد الإنسان. بل يمكن أن يقال إن كثيرا من الأمراض التي تعتري الإنسان وتظهر في بدنه ذات أصول نفسية.

تناولت في مقام آخر أحوال النفس الإنسانية وحاجتها المستمرة للإيمان والحب فإن فقدتها اختلت وفقدت توازنها.

ههنا أتحدث عن قضية الجسم الإنساني. إنه محتاج للماء، والهواء والغذاء ولإشباع كافة الغرائز لحفظ الحياة هذه الأمور عالقة بالرياضة ولكن الرياضة في حقيقتها نشاط ضروري لحياة الإنسان إنها:

  • ضرورة صحية لتمرين العضلات وأعضاء الجسم.
  • ضرورة علاجية علاجا لكثير من الأمراض.
  • ضرورة نفسية لإشباع حب المنافسة، ولتنفيس حالات الغضب، والحزن، ولكسر حالات الملل.
  • والرياضة ضمن عوامل أخرى تبطئ سرعة الشيخوخة.
  • والرياضة ضرورة تربوية بما تحقق من تنظيم التنافس، والتعاون من أجل هدف مشترك.
  • والرياضة تثري الحياة الاجتماعية.
  • والرياضة نشاط جمالي فيه ممارسات فنية وفيه تجميل طبيعي للأجسام.

فيما يلي أتناول الحديث عن الرياضة عبر سبعة ملفات:

الملف الأول: الجسم السليم في العقل السليم:

يقول الناس العقل السليم في الجسم السليم. إذا استرجعت أيام الصبا وفترة الدراسة تذكرت أن معنا عددا كبيرا من الشباب الذين وهبهم الله جسما سليما. ولكن بعد عشرين سنة من الحياة قابلت بعضهم فإذا بالجسم الرياضي الجميل الصحي تحول إلى سلة أمراض، والكرة التي كانوا يحاورون بها في رشاقة الغزال انتقلت إلى بطونهم. المقولة الصحيحة: الجسم السليم في العقل السليم. العقل السليم هو الذي يتعهد الجسم ليصبح سليما.

جاء في الأثر: “مَا مَلَأَ ابْنُ آدَمَ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ[1]. وقيل: البطنة تذهب الفطنة”. وقيل: “بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ أُكُلَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ”[2]. وقيل: المعدة بيت الداء والحمية أصل الدواء. نحن  قوم لا نأكل حتى نجوع وإذا أكلنا لا نشبع.

الامتناع عن الإسراف في الأكل، وضبط نوع المأكولات قرار يتخذه العقل السليم فيصون جسمه.

في دراسة أجراها مختصون على ستة آلاف شخص قالوا: هناك أشياء إذا التزم بها الإنسان فإنه يستطيع أن يبطئ شيخوخته 13 عاما. هي أن يفطر بانتظام، ألا يدخل الطعام على الطعام، أن ينام على الأقل ستة ساعات يوميا، أن يحافظ على وزن جسمه في المستوى المحدد طبيا، أن يمارس الرياضة بانتظام، ألا يشرب الخمر، ألا يدخن التبغ. الالتزام بهذه الأشياء التزام عقلي إرادي. ضبط المطعومات والمشروبات وممارسة الرياضة ضرورات للجسم السليم يحرص عليها العقل السليم.

الملف الثاني: نحو ثقافة رياضية:

الرياضة لا تخص مرحلة حياتية معينة كالطفولة. ولا تخص الرجل دون المرأة. إنها واجب حياتي مستمر للأطفال، والصبيان، والشبان، والكهول، والشيوخ، نساء ورجالا من المهد إلى اللحد.

في كل خطاباتي لأبنائي وبناتي أثناء فترات الغياب الطويلة بالمنافي والسجون كنت أوصيهم على ثلاثة: الصلاة- الدراسة- الرياضة. واعتبار الرياضة ثالثة ثلاثة مطلوبة للفلاح، والنجاح، والصلاح واتخاذها واجبا مستمرا لا ينتهي مع سنوات الدراسة.

كثير من الناس في السودان يحصرون الرياضة في كرة القدم حتى يقال للملعب دار الرياضة. كرة القدم نشاط رياضي هام ولكن ينبغي توسيع مفهوم الرياضة ليشمل كافة أنواعها حتى التقليدية منها فنحن قد مارسنا أنواعا من الرياضة المفيدة التي انقرضت الآن أو كادت في المدن: شليل- حرينا- كركعت… وهلم جرا.

والمؤسف اليوم أنه في مجال كرة القدم فإن الناس يشجعونها ولا يمارسونها وهذا يجعلهم متفرجين على الرياضة لا رياضيين. وكذلك الحال في عالم الفروسية فالأكثرية تملك خيولا وتراهن على السباقات وتشاهدها بحماس ولكن لا تقرب الجواد.

نحن بحاجة لثقافة رياضية تبث فوائد الرياضة وتجعل الناس حريصين على ممارستها بانتظام طول حياتهم. قال د. الكسنر ليف: “التمرين هو أقرب شيء لروشتة دواء ضد الشيخوخة. إنه يمرن العضلات، ويساعد على الهضم، ويساعد على النوم في أوقاته، وهذه كلها أمور تقلل من استنزاف الجسم.

الملف الثالث: فوائد الرياضة ومخاطر السمنة:

التجارب الإنسانية لا تمل تذكر أن بعض الناس أعمارهم صغيرة ولكنهم يشيخون قبل الأوان وصفهم القائل:

كم ميت بالوهم في شرخ الصبا            ولربما قتل الجبان خيال!

وآخرين تقدمت أعمارهم سنا ولكنهم حافظوا على رونق الشباب. قال قائلهم:

عمري بـروحــي لا بعد سنين             ولأسخـرن غـدا مـن التسعين

سني إلى السبعين يركض مسرعا         والـروح باقية علـى العشرين

إن للإنسان ثلاثة أعمار:

  • عمر إحصائي هو المدون في إحصائيات السكان ويسجل يوم مولده وما بلغ من سنوات العمر.
  • وعمر فسيولوجي يعتمد على موروثاته الصحية والمرضية وعلى أسلوب حياته. فبعض الناس يصابون بأمراض مزمنة كالسكري وضغط الدم وغيرها. وهذه تنهكه وتفرق بينه وبين نديده في نفس العمر الإحصائي إذا كان غير مصاب بتلك الأمراض.
  • وعمر نفسي إذ قد يتقدم عمر الإنسان ولكن حالته النفسية تكسبه نضارا وفتوة. قال أحد هؤلاء:

يا هند هل لك في شيخ فتى أبدا       وقد يكون شبابا غير فتيان!!

وهو معنى صاغه أبو الطيب في أبياته:

وفي الجسم نفس لا تشيب بشيبه                   ولو أن ما في الوجه منه حراب

لها ظفر إن كل ظفـر أعـــده                وناب وإن لم يبق فـي الفم ناب

يغير مني الدهر ما شاء غيرها             وأبلغ أقصـى العمر وهي كعاب

 

للرياضة فوائد صحية محددة. الرياضة مفيدة جدا للقلب، والشرايين، والرئتين والتمرين المنتظم يساعد على خفض احتمال الإصابة بمرض الشرايين الإكليلية لدى معظم الناس. والتمارين الرياضية المنتظمة تساعد على زيادة الكلسترول الحميد HDL الذي يقوم بدوره بطرد الكلسترول الخبيث LDL من الشرايين. هذا الكلسترول الخبيث إذا زادت نسبته في الدم فإنه يزيد تراكم الدهون على جدران الشرايين. هذا يعيق جريان الدم وقد يؤدي إلى احتشاء عضلة القلب.

والرياضة تساعد على خفض ضغط الدم. إذا كان الضغط مرتفعا فإن الشخص يكون عرضة لأمراض القلب وجلطة الدماغ.

والتمرين الرياضي يحرق الشحوم مما يؤدي لخفض الوزن. السمنة الآن معتبرة آفة المجتمعات في البلدان المتقدمة. السمنة تزيد من احتمال حدوث أمراض القلب عن طريق زيادة ضغط الدم وزيادة نسبة الكلسترول الخبيث.

تخفيض الوزن عن طريق الرياضة والحمية “أي الرجيم” يساعد على المحافظة على قلب سليم.

والسمنة بخلاف ضررها الصحي تعتبر دليل النهم والشره والإسراف:

  • (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا)[3].
  • يا خادم الجسم كم تسعى لخدمته أتطلب الربح ممــا فيه خسران؟
  • ويستشهد بالسمنة على ضمور العقل:

إن تلقني شاحبا فالهم غيرني    والهم لا يمتطي إلا ذوي الفطـن

والهم مبتعث فضل العقول به     وفضلة العقل تحري فضلة البدن!

والسمنة تخرق قانون التناسق والجمال. (مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَانِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعْ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ)[4].

فكرة أن السمين صحته جيدة فكرة خاطئة وخطيرة ووهم ينبغي طرده وأن نعلي من المفاهيم المضادة. إن الإنسان الرشيق هو صاحب الصحة الجيدة:

كميش الإزار بارز نصف ساقه            خلي من الآفات طلاع أنجد!

أو

ترى الرجل النحيف فتزدريه      وفــي أثوابه أسد هصور

ويعجبـك الطريـر فتبتليه          ويخلف ظنك الرجل الطرير

هنالك قيم جمالية قديمة تحسب السمنة جمالا ولدى كثيرين يحبسون المرأة لدى الزواج “ويعلفونها” بمواد تسمينية وفي الأدب العربي إشادة بالسمنة في بعض الأشعار:

غراء فرعاء مصقول عوارضها           تمشي الهوينى كما يمشي الوجي الوحل

هذه سيدة معوقة يبطئ تحركها ألم المفاصل من السمنة. الوجي الوحل على وزن ما يقال “كراع الطين بشيلوها رجل رجل”. وقيل في وصف السمان:

لمن الرواحل سيرهـن تزحف              عوم السفين إذا تقاعس مجدف؟

أي أن مشيهن كالسفينة إذا تكاسل أحد المجدفين… أي بالتعبير السوداني تمشي مثل “سكينة الخضرة أو الخدرة”.

ولكن بخلاف هذه الأذواق كانت هناك أذواق ذوات طابع أشبه بالحديث قال قائله:

قمر تفـرد بالمحاسن كلها         فإليه ينسب كل حسن يوصف

فجبينه صبح وغرته دجى        وقـوامه غصن رطيب أهيف

ومنا لناس من أعجبه رجاحة عقل في جسم جميل:

وأغيد يهوى عقله كل حاذق أريب        يهوى جسمه كل فاسق

هذا الذوق برز في السودان مع تعليم المرأة وأجاد وصفه أمير شعراء السودان في زمانه الشيخ عبد الله البنا. قال:

برزت وقد تبلت فؤادك زينب               حسناء تسبـي للحليم وتسلب

فالردف واه متعب كمحبهــا             والخصر مثل الشوق موهاً متعب

الحقيقة هي أن كل لقمة زادت عن حاجتك عليك لا لك. السمنة طبقات من نسيج أضراسنا نرهق به قلوبنا، وجلودنا، ومفاصلنا، وسائر أبداننا. نكلفها فوق طاقتها، نستنزفها فنمرضها. السمنة اعتراف مسجل بمداد الشحم على صحائف اللحم أن صاحبها مسرف، أو جاهل بالصالح، أو أسير لبطنه. إنها داء  نلوكه فيحتوينا كساع لحتفه بظلفه.

في الطبيعة وفي ثقافتنا تفاخر بالفحولة. لذلك شغل الرجال بلا حدود بالفحولة. وشغلوا بلا حدود بالباه وما يزيده وما ينقصه وعندما صنعت “الفياقرا” ومثيلاتها تجاوز الطلب لها كافة مبيعات الصيدليات.. هذا الانشغال الزائد بالفحولة وبالباه كلف كثيرين أرواحهم، فهو حماقة مثله مثل البطنة في تتبع الشهوات بل وتنميتها، ولكن ما أكده العلم وتجاربه هو أن السمنة تمحق الباه في الرجال والخصوبة في النساء.

السمنة صفقة خاسرة في ميزان التناسق والجمال. إنها استبدال الرشاقة والأناقة بالتضخم والتورم. استبدال الصدف بالدر. استبدال فرس البر بفرس البحر. صفقة ما تأملها الأديب إلا هجم عليه نشيد أبي العلاء في روعة الجواد:

أزال الجــري منه زبرجديا        وما لون الزبرجد أن يزالا

وقـد يلقى زبـرجده عقيقا         إذا شهد الأمير به القتالا

كأن كل ذؤابة في رأس خود      تمنت أن تكون له شكالا

الرياضة كذلك خطة وقائية وعلاجية. إنها تساعد على زيادة طاقة الجسم التنفسية بتوسيع الرئتين وتقويه عضلات الملء والتفريغ فيهما. وهذا بدوره يساعد القلب على أداء وظيفته. وللرياضة أثر حميد على كافة عضلات الجسم الأخرى. والرياضة تحافظ على المفاصل وتزيد مرونتها. والرياضة تزيد من كثافة وقوة العظام وتقلل من مخاطر الحوادث والكسور. وقد أثبتت الدراسات أن العظام الهشة والقابلة للكسر موجودة بكثرة في الذين لا يمارسون الرياضة. والرياضة مفيدة للمصابين بمرض السكر وهي جزء أساسي من خطة ضبط سكر الدم.

الملف الرابع: الرياضة والصحة النفسية:

إن للرياضة دوراً كبيراً في العمر الفسيولوجي، فقد بينا آنفا كيف تقي الجسد من كثير من الأمراض وتجعله يحافظ على حيويته في الدورة الدموية والشرايين والقلب والعظام والمفاصل. أما العمر النفسي، فإنه يزداد مع الاكتئاب والملل واليأس، ويقل مع التفاؤل والانشراح والرضا.. هذا العمر النفسي تؤثر فيه الرياضة تأثيراً كبيراً لأنها تكاد تكون دواء للداء النفسي بأشكاله المختلفة.

الرياضة مطلوبة للصحة النفسية. النفس الإنسانية مشحونة بمرارات وبعض النزاعات العدوانية وهي عرضة للغضب وللحزن وهي حالات نفسية يستعين عليها البشر بواحات الإيمان وحنان الحب وللرياضة دور هام في امتصاصها.

تأملت في السجن ما هو نوع العذاب الذي يعاني منه السجين؟ إذا استثنينا التعذيب الذي درجت عليه بعض النظم القهرية في بلداننا فالسجن العادي ليس فيه ألم. ولكن عذابه هو عذاب الملل والهم. الملل والهم جزء لا يتجزأ من حياة الإنسان وبهما يشقى الإنسان شقاءً. الرياضة تكسر روتين الحياة وتجدد وتيرتها وتصرف هم صاحبها من همومه المعتادة وتدخله في عالم آخر وتقضي على الملل بالترويح في عالمها المثير. بالنسبة لي وأنا املأ وقتي كله بما أقوم به من أنشطة أجدني محتاجا بصورة راتبة للرياضة التي أحرص على ممارستها وأجد فيها عونا قويا لتجديد عزيمتي لمواصلة أعمالي في كافة نواحي الحياة. كان هذا الحرص على ممارسة الرياضة من بين أسباب تهجم محققي الأمن الجهلة علي. كانوا يقولون لي إن اهتمامك بالرياضة وأنت رئيس الوزراء يدل على عدم الجدية!!

اسفنجة جـاءت لشرب بحـر

وشمعة ضاءت لشمس ظهـر

“وهــؤلاء في مجال الفكر”

ثلاثـة مضحكـة كعمـري!!!

جماعة أمن مايو والإنقاذ كلاهما مارس في أهل السودان أصناف القهر والإذلال. ولكن جماعة مايو كانوا أكثر انضباطا مهنيا بأداء وظيفة القهر. أما جماعة “الإنقاذ” فقد كانوا أكثر عصبية حزبية. وفي الأول من مارس 2005م جاءت الأنباء أن البطش القديم جدد شبابه في البطش الجديد: وافق شننٌ طبقه!! إن الطيور على أشكالها تقع!.

الفوائد السيكولوجية للرياضة:

لقد شاع مفهوم خاطئ لفترة طويلة أن الصحة العقلية أو المرض العقلي ليس له علاقة بالصحة الجسمانية. فمنذ القرن السابع عشر نظّر الفيلسوف Rene Descartes للتمييز بين العقل والبدن، فنظر لأن العقل منفصل تماما عن الجسم. وتم اعتبار العقل (والروح) على أنهما شأن الدين، بينما الجسم شأن الأطباء. وكان هذا وراء الفصل بين ما سمي الصحة العقلية في مقابل الصحة البدنية أو الجسمانية. التطورات التي حدثت في حقل العلوم الطبية أظهرت أن الصحة الجسمانية والعقلية مرتبطتان. الوظائف العقلية التي يقوم بهاالدماغ تستحث تغيرات فسيلوجية في مناطق أخرى من الجسم. إن القلب ذي الدقات المتسارعة، والفم الجاف وعرق الأطراف الذي يصاحب الرعب ناتج عن الدماغ. أيضا فإن الإرهاق والضغوط البدنية تسبب تغيرا في الحالة الدماغية وتنبه كيمياء الدماغ. وبالتالي فإن سلسلة من الضغوط، حتى بالنسبة لأشخاص في قمة صحتهم العقلية يمكنها أن تؤثر على نوعية الحياة وتضع الناس تحت خطر الاضطرابات العقلية.

وفي المقابل، في ديسمبر 2001م صدر تقرير أحد الاختصاصيين –الدكتور ساتشر- عن الصحة العقلية من أهم نتائجه أنه كما أن كيمياء الدماغ تؤثر على السلوك، فإنه، وبذلك السبب فإن النشاط الجسماني هو أحد الوسائل للتعامل مع الضغوط النفسية والمحن التي تواجه الإنسان ولتعزيز الصحة العامة.

أثبتت الدراسات مع الحيوانات أن التمارين الراتبة تؤدي لتغيرات دائمة في تكوين الدماغ بما في ذلك زيادة الشرايين والأعصاب.

  • الوقاية من الاكتئاب وعلاجه: كما ثبت أن الأشخاص غير الناشطين رياضيا –أو بدنيا- معرضون للإصابة بالاكتئاب مرتين أكثر من الأشخاص العاديين. فمن أهم أسباب الاكتئاب وغيره من الأمراض النفسية، التقلبات في إفرازات الدماغ لثلاث من سوائله وهي: السيروتونين- الدوبامين- والنوربينفرينnor-epinephrine، والأخير هرمون ينتمي للإندورفينات Endorphins وهي كيمياويات تتسبب في حالة من الهدوء والسلام الداخلي.. تتسبب التمارين الرياضية في زيادة مستوى هرمون النوربينفرين وهو مهم لإيصال الرسائل الدماغية عبر الأعصاب، وهو هرمون موجود بدرجة عالية عند الأشخاص السعيدين ومنخفضة لدى التعساء. واليقين أن التمرين يلعب دورا رئيسيا في الوقاية من الاكتئاب عبر تنظيم تلك الإفرازات بشكل يسبب التوازن العقلي.

ولذلك ففي دراسة أجرتها جامعة ويسكونسن بالولايات المتحدة تم استخدام التمارين الرياضية لعلاج الاضطرابات العقلية، واتضح أن الجري لمدة 30-45 دقيقة لثلاث مرات أسبوعيا قللت أعراض الاكتئاب بين مرضى الاكتئاب.

  • التخلص من التوتر النفسي : كل إنسان يعاني من التوتر النفسي في زمن ما . تنتج تأثيرات التوتر النفسي عن هرمون اسمه “إيبينيفرين” (إدرينالين) ، يتم إفرازه في الدم ، و يؤدي إلى تسارع ضربات القلب و ارتفاع ضغط الدم . يتم تحريض إفراز الإيبينيفرين عندما نخاف شيئاً ما أو عندما يطلب منا أي شيء أكثر من اللازم . التعرض للتوتر النفسي بشكل عرضي ، غير ضار . أما التوتر المستمر ، فإنه يضر بالصحة . تشكل التمارين الرياضية وسيلة ناجعة لخفض التوتر النفسي، والتخلص من الإفرازات التي يفرزهاالجسم أثناء أوقات الضغط النفسي، خاصة عند ممارستها بشكل يومي .
  • النشوة والسعادة: العديد من العدائين وغيرهم من الرياضيين يتحدثون عن شعور بالنشوة أو السعادة أثناء التمرين وهو شعور يستمر لعدة ساعات. أدل شيء على ذلك أن أحد الباحثين النفسيين في تأثير الرياضة على الحالة النفسية، كان يجري بحثا على الرياضيين الذين يوقفون الرياضة لبضعة أسابيع، وفشل أن يجذب أيا من الرياضيين المتمرنين يوميا لدخول التجربة رغم العرض المالي المرتفع نسبيا الذي قدمه كمقابل للتوقف عن الرياضة. ويؤكد بعض الرياضيين الذين أدمنوا الرياضة أنهم إذا حاولوا شرح موقفهم لا يفهمهم إلا الذين مروا بالتجربة تماما كالعشق والتجارب الروحية:

لا يدرك العشق إلا من يكابده     ولا الصبابة إلا من يعانيها

وقد عد أحد الباحثين الإدمان الرياضي إدمانا (إيجابيا) في مقابل أنواع الإدمان السلبي المعروفة: التدخين- الكحول- والمخدرات.

العديد من الكتابات حاولت تفسير تأثير الرياضة على الصحة النفسية، وقد تعرضنا أعلاه لتلك التي فسرتها بتنظيم الإفرازات الدماغية، وهنالك تفسيرات أخرى:

  • أن العرق المصاحب للتمرين يخرج الأملاح وربما يقلل مستوى الأملاح في الدماغ، كما يرى بعض الأطباء الرياضيين.
  • استهلاك الطاقة يؤدي للنوم العميق، وهو شيء هام للصحة العقلية فعدم القدرة على النوم بعمق يؤثر سلبا على الصحة العقلية للإنسان.
  • أن االتمارين تؤدي للحفاظ على مظهر جيد وتزيد من الثقة بالذات.
  • أن التمارين الراتبة تعطي طاقة زائدة وتزيد من النشاط والانتباه ومن الشعور بالإنجاز.
  • التمارين ترسل كمية أكبر من الأكسجين للدماغ مما يساعد الناس على التفكير بوضوح.
  • التمارين تقلل من العدائية.
  • تحد من عمليات التآكل degenerative المختلفة.
  • تساعد على الاستجمام.
  • تدرب على رسم الأهداف والتفاني في تحقيقها.
  • تحسن من نوعية الحياة على العموم.

مجمل القول، إن للرياضة دورا كبيرا في العمر الفسيولوجي وفي العمر النفسي: إنها روشتة ضد الشيخوخة.

الملف الخامس: الفوائد الاجتماعية:

 إن للرياضة فوائد اجتماعية كثيرة: إنها تبث التعاون بين الناس. وتهذب التنافس بروح رياضية. وتنمي روح الفريق تناصرا وتعاونا ومشاركة في تحقيق الأهداف المشتركة. قال أحد حكماء الإنجليز: لقد كسبنا الحربين العالميتين الأولى والثانية في ملاعب مدارسنا “ذكر مدرستي ايتون وهارو”.

الرياضة تفرض على روادها تعاوناً من أجل الأهداف. وانضباطا في التعامل مع الهزيمة. وهي تمتص المشاعر العدوانية الغضبية الكامنة في نفوس الكثيرين تمتصها في ممارسات بريئة.

 

الملف السادس: ما هو موقف الدين من الرياضة؟

بعض الأديان نافية للعالم ترى نجاة الإنسان في الخلاص من دنياه. الإسلام دين أخروي ولكنه في الوقت نفسه دنيوي: (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنْ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ)[5]. الإسلام يقر الفطرة الإنسانية ويعمل على إشباعها بصورة محيطة وموزونة. فطرة الإنسان توجب إشباع عشرة مطالب هي:

  • روحية.
  • معرفية.
  • مادية.
  • أخلاقية.
  • عاطفية.
  • اجتماعية.
  • بيئية.
  • جمالية.
  • رياضية.
  • ترفيهية.

كثير من الفقهاء المحدثين طبقة تعيش معزولة عن واقع الناس لذلك اتخذوا موقفاً متزمتاً من الرياضة. فبعضهم يتحفظ على الرياضة لأنها في نظرهم تخدش الوقار. وآخرون وإن كانوا لا يمارسون الرياضة لكنهم يشكرون الممارسات الرياضية التي كانت معهودة في زمن النبي.

كان النبي يشجع السباق بين صحابه. روى أحمد وأبو داود عَنْ عَائِشَةَ رَضِي اللَّه عَنْهَا أَنَّهَا كَانَتْ مَعَ النَّبِيِّ فِي سَفَرٍ قَالَتْ فَسَابَقْتُهُ فَسَبَقْتُهُ عَلَى رِجْلَيَّ فَلَمَّا حَمَلْتُ اللَّحْمَ سَابَقْتُهُ فَسَبَقَنِي فَقَالَ هَذِهِ بِتِلْكَ السَّبْقَةِ[6].

وعن ابن عمر أن النبي كان يضمر الخيل يسابق بها. وأن النبي سابق بين الخيل وأعطى السابق مكافأة.

إن للنبي مع الخيل قصة طويلة فقد قال عنها: “الْخَيْلُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَة”ِ[7]. وكان المقاتل يعطي سهما لنفسه وسهمين لجواده في الغنائم. والجواد من بين سائر الحيوانات رياضي بطبعه الجواد “Natural Athlete” وهو يربط بين هذه الصفة الرياضية وبين أخلاقيات سميت أخلاق الفروسية. أخلاق المروءة، والنجدة، والإقدام، والكرم، والكرامة. أخلاق استمدها الفرنجة من اتصالاتهم بالحضارة العربية وسموها أخلاق الفروسية “chivalry”. الأدب العربي قرأ هذه الصفات في الخيل لذلك ما سماها إلا ببعض تلك الصفات: فالجواد من الجود، والحصان من الحصانة، والخيل من الخيلاء.

مرة أخرى نجد أن أبا الطيب كان أفضل من خلد هذه المعاني:

وما الخيــل إلا كالصديق قليلة             وإن كثرت في عين من لا يجرب

إذا لم تشاهد غير حسن شياتها            وأعضائها فالحسن عنـك مغيب

وكان النبي يدعو لتعليم الرماية وعدم تركها لمن تعلمها. وكان الصحابة يرمون مرانا أي تدريبا. وأخرج الترمذي[8] وأبو داود عن محمد بن ركانة عن أبيه أنه كان قد صارع النبي فصرعه النبي وفي الحديث: إن من حق الولد على الوالد أن يعلمه الكتابة والسباحة والرمي. وقال عمر رضي الله عنه: علموا أولادكم السباحة والرماية ومروهم فليثبوا على ظهور الخيل وثباً.

ومن تجربتي أننا نشأنا مع الخيل ونشأنا أولادنا مع الخيل فكانت الخيل خير معين على التربية. العبرة ليست في مجرد ركوبها ولكن أيضاً في مخالطتها عليقة ونظافة وطماراً. إنها مدرسة فروسية واقتصاد منزلي ونافذة على ثقافة أسرية وجنسية من عالم الحيوان لها مردودها في عالم الإنسان. مخالطة الخيل تربية رياضية نافية للنعومة وتدرب على الخشونة ومهما كانت خلفيتك الاجتماعية فإن مخالطة الخيل تشد صاحبها لبيئته شدا نافية “للحنكشة”.

الملف السابع: الرياضة والنساء:

 ومع الموجبات الإسلامية الكثيرة للرياضة ومع دخول ممارسات رياضية في عبادات الإسلام نفسها كالصلاة، والحج، والعمرة، فإننا لا نجد حرصاً كبيراً بين كثير من رجال الدين والفقهاء على الرياضة وإن قبلها بعضهم على مضض للرجال والشباب فإنهم لا يرونها صالحة للنساء. كل ما ينطبق على فائدة الرياضة للرجال ينطبق على النساء. وما قد يسببه الإفراط في الرياضة للمرأة من ضرر وارد في حق الرجل أيضا. فالإفراط في كل أي شيء مهما كان مفيدا يجعله ضارا. ولكن المرأة تمر بسبب ظروفها الفسيولوجية الخاصة بأحوال توجب تعاملا خاصا. تلك الظروف هي الحمل، الولادة، والإرضاع.

  • الحامل في شهورها الأولى تمارس الرياضة كالمعتاد.
  • بعد الشهر الرابع تحتاج المرأة لرياضة من نوع خاص لتساعد الحامل على تخفيف آلام الظهر المصاحب للحمل.
  • وتوجد تمارين معينة مطلوبة للمرأة الحامل استعدادا للولادة.
  • هنالك تمارين واجبة للمرأة لتمرين عضلات الحوض السفلية للتحكم في التبول والمحافظة على نشاط عضلة المهبل مباشرة بعد الولادة، فإن لم تمارسها فقدت مقدرتها في التحكم وصارت رهينة التبول اللا إرادي ولو بدرجات مخففة.
  • المرأة المرضع تحتاج لتمارين عضلات الصدر للمحافظة على الشكل.
  • وهنالك تمارين تحتاجها المرأة بعد الوضوع لتسهيل عملية رجوع الرحم لموضعه ولتمرين عضلات الحوض والظهر.
  • والنساء بعد انقطاع الطمث يحتجن أكثر من غيرهن لزيادة حجم وتكثيف العظام وذلك لأنهن بعد انقطاع الطمث يتعرضن لعلة هشاشة العظام لأن ترسب الكالسيوم في العظام يحتاج لهورمون الاستروجين. هذا الهرومون يقل إفرازه في الجسم بعد انقطاع الطمث. نفس هذه الحقيقة تجعل الرياضة ضرورية للنساء في فترة الخصوبة أي قبل انقطاع الطمث لأن ترسب الكالسيوم في العظام بكثافة يحدث في هذه الفترة بالذات وبالتالي فإنهن يقين أنفسهن من آفة الهشاشة قبل وقوعها.
  • الدورة الشهرية لا تمنع النساء من ممارسة كثير من الأنشطة الرياضية ويوصى أن تتجنب التمارين الرياضية قبل الدورة بيوم أو يومين. وأثناءها تتجنب حركات السقوط والوثب في التمارين الرياضية.

الملف الثامن: حول مفاهيم دونية المرأة:

 تحدثنا في مقام آخر عن المفاهيم والأحكام والثقافة المؤسسة لدونية المرأة في ثقافتنا وبمناسبة ما قيل عن حرمانها من الرياضة أقول:  الحديث عن سن اليأس يتم بصورة كأن المرأة بعدها تيأس من الحياة. التعبير القرآني هو يأس مقيد باليأس من المحيض.. (يَئِسْنَ مِنْ الْمَحِيضِ)[9]. ومعناه وقف الخصوبة. الحقيقة أن للمرأة عمرين بعد بلوغها: عمر أول هو عمر الخصوبة والاستعداد للأمومة. وعمر ثان عمر ما بعد الخصوبة وفيه المرأة مستعدة للحياة في كل مجالاتها لا سيما وفترة المحيض تعرضها لحالة شهرية ينبغي أن تراعي أثناءها ظروفها هذه وقد رخص لها الشارع أثناءها في عدم أداء بعض العبادات “الصلاة، والصيام، والحج” ولكن التزاماتها العبادية الأخرى كالإيمان، وأداء الزكاة، والمعروف، وتجنب المنكر كلها مستمرة.

  • والحيض ضريبة أمومة تدفعها المرأة شهريا وتوجب المعاملة الخاصة والترخيص ولا أساس لاعتبار الحيض عقوبة للمرأة كما لدى بعض أهل الكتاب لقولهم أنها أخرجت آدم من الجنة. فالقرآن ينسب هذه الخطيئة لآدم (وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى)[10] وفي مقام آخر نسبت لآدم وحواء معا. وأثناء الحيض لا تؤدي المرأة بعض العبادات تلطفا بحالها لا لأنها نجسة فالمؤمن لا ينجس.
  • والمرأة المعتدة لوفاة زوجها عندنا تعامل بصورة مخالفة لمقاصد العدة في الإسلام. العدة حكم لاستبراء الرحم. ولكن في السودان تفرض عليها حالة حبس أشبه ما تكون ببيوت الأشباح لدى نظام “الإنقاذ” هذا مخالف لمقاصد الشريعة مشابه لعقائد أديان أخرى مثلما كان يفعل بالأرملة في الهندوسية وهو إحراقها مع زوجها المتوفي. إنها حالة أسوأ من الوأد: (وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ*بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ؟)[11].
  • وختان الإناث من الممارسات غير الإسلامية التي ألبست في ثقافتنا ثوب الإسلام وقد أوضحنا في مقام آخر[12] بطلان هذه العملية في الإسلام وضررها البالغ بالأثنى:

شكت الفتاة لنقص فــي أنوثتها       ألا شلت أصابع صناع الختانات!

  • ومن مساوئ ما يفرض على النساء لبس النقاب. الوجه هو عنوان الذات وبرهان الشخصية فإذا أخفى طمست الذات واختفت الشخصية لذلك يحرص المجرمون على لبس القناع. المطلوب من المرأة شرعا لا هو نقاب ولا هو حجاب كما أوضحنا في مقام آخر[13] بالتفصيل والحجة ولكن المطلوب هو اللبس المحتشم. مطلوب للمرأة وللرجل. إن لبس النقاب في مثل مناخ بلادنا عقوبة حسية مثلما هو عقوبة معنوية.
  • ومثلما تعاني المرأة من تلك الثقافة الموروثة تعاني من ثقافة وافدة فيها كثير من الضرر أذكر منها هنا أمرين:

الأول: المكياج الغربي. هذا المكياج مخالف للسوداني الذي فيه ما فيه من إجراءات طبيعية فالدلكة تنظيف للجلد وفتح لمسامه، والدخان حمام تركي إذا أبعدت بؤرة النار، والحنة عشب طبيعي  وهلم جرا. أما المساحيق الغربية التي تدهن على الوجه فتسد مسام جلده والأحمر على الشفتين تقليد مخالف للذوق الشرقي. هذا التلوين ربما كان مطلوبا في مناخات باردة ولكن في مناخاتنا يتعرض للعرق والتشويه. وربما كان مطلوبا لوجوه شاحبة بالبياض والبرودة ولكن وجوه الشرقيات عامة ملونة بطبعها.

الثاني: ولعل أسوأ  الممارسات الوافدة الكعب العالي لأنه مهما بدا جميلا فإنه يتدخل بصورة مؤذية في هندسة العمود الفقري مما يسبب آلاما في الظهر والرقبة. ووقعت المرأة في ديارنا ضحية لموضات الذوق الغربي. صحيح  كثير منهن  يخفين الفساتين والملابس الموضة تحت عباءة أو ثوب. ولكن كثيرا من تلك الموضات تضحي براحة الجسم وصحته من أجل الإثارة ولفت النظر . الحقيقة أن ثقافة الموضة (fashion) الغربية تتلاعب بالنزوات النسوية لابتزازهن وفي الوقت نفسه تستخدم العارضات صورة أشبه بتسليع المرأة. هذاالتسليع هو جزء من لعبة السوق في الغرب والذي تتحكم فيه ذهنية السوق لا المصلحة الإنسانية، وهو  يخدم فكرة تحويل المرأة إلى مجرد منظر للتفرج عليه بغض النظر كم يشقى ذلك الجسد مما يرتدي من أحذية وملابس. أجزاء كبيرة من الحركة النسوية في الغرب ترى جزءا من تحرر المرأة تحررها من ذلك التسليع والتبضيع ومن كونها مجرد لوحة للتفرج عليها. ولكن هذه الحركات تجد مقاومة شرسة من وحوش السوق الرأسمالية الشرهة.

الملف التاسع: الرياضة والعمر:

شعار شباب ورياضة يقرن بين الشباب والرياضة، وقد ذكرنا حاجة الإنسان للرياضة في كل مراحل عمره لا في مرحلة الشباب وحدها .وهنا أود أن أذكر أن الشيوخ الذين تجاوزوا الخمسين عاما أحوج من الشباب للرياضة. وأجدر بهم أن يقولوا : شيوخ ورياضة. مع تقدم العمر تبدأ عمليات الكبر في الخلايا ومنها خلايا الدماغ والذاكرة و خلايا الأجهزة المتخصصة: الهضمية و التنفسية، والدورة الدموية، والبولية …الخ  الشيخوخة تدب في هذه الخلايا دبيبا والرياضة لا توقف هذا الدبيب ولكنها تبطئه. لذلك ينبغي أن يحرص الأشخاص فوق الخمسين على برامج رياضة مستمرة في هذه الأعمار بالذات. يهتم كثيرون بالعلاجات الطبية وينفقون عليها ما لا يطاق ولكن ضبط  المأكولات والمشروبات و الحرص على الرياضة و على ضبط الوزن وتجنب السمنة يكفيهم شر كثير من الأمراض و يلبسهم تاج الصحة .

الملف العاشر: لعب الأطفال:

لعب الأطفال هو رياضتهم. الطفل يلعب منذ الشهور الأولى من عمره وهو مازال رضيعا . فتجده يتوقف عن المص لبضع دقائق ويتلفت حوله ويربت بيديه على الثدي فيكتشف إحساسا جديدا  و يكتشف ما يمكن أن يفعله بيديه ونفس الشيء يحدث للطفل الذي يرضع من الزجاجة فهو يحاول أن يلعب بها أثناء وبعد تناول غذائه منها. هنالك أمور فطرية في الحياة لا يمكن إيجاد بديل تام لها . فلبن الأم في تكوينه وفي طريقة تناوله لا بديل له في قيمته الغذائية وفي وظيفة الرضاعة العاطفية .كذلك الأمومة أنبل علاقة في الوجود لا بديل لها مهما تقدمت وسائل الحضانات البديلة للأمومة . وتضحيات المرأة من أجل الأمومة يقابلها قوة الرابطة التي تؤسسها هذه العلاقة النبيلة خلقيا ، والقيمة التي تستحقها روحيا بأن الأم هي أحق الناس بالبر وأن الجنة تحت أقدام الأمهات. للعب فوائد كثيرة للطفل بدنيا. وعندما يجري الطفل ويقفز فإنه يتدرب على تلك الحركات، ويتعلم التنسيق بينها و يكو ن عضلاته. والألعاب باليدين تعلم طرق استعمال الأصابع وتنمي المهارات اليدوية.

وللعب دور نفسي هام فهو يفرج عن ضغوط الطفل النفسية التي يمر بها نتيجة لأنه لم يجد ما يريد أو نتيجة لمعاملة داخل أسرته أو نتيجة للتنافس بينه وبين  أنداده. واللعب ينمي خيال الطفل ويكسبه خبرات جديدة. ويتعلم الطفل من مشاركته في الألعاب الجماعية التعاون والتنافس غير العدائي وغيرها من التجارب الممهدة للحياة.

في العمر ما بين ثلاث إلى ست سنوات اللعب نشاط أساسي للطفل ويساهم في تكوين الشخصية المتزنة. والألعاب لها دورها في ذلك فمنها الألعاب التي تنمي الفكر المنطقي كألعاب البناء والألعاب التي تدرب على التعاون الجماعي المؤهلة مستقبلا لنجاح الأعمال المشتركة. والألعاب التنافسية تغرس الدور الإيجابي للتنافس في الحياة. كان التنافس والتصدي للتحدي من أهم أسباب الترقي والنهضة في حياة الإنسان.

ما بعد السادسة من العمر تزيد مهارة الطفل في الألعاب الجماعية القائمة على الإتقان والذاكرة والتفكير المنطقي ويتعلم التقاسم واحترام القواعد، والصبر في انتظار دوره، والتعاون من أجل الفوز، والاستعداد لتقبل الخسارة دون عداء.

ثورة الاتصالات الحديثة أثمرت مؤخرا ألعاب الفديو. إنها ألعاب لها فوائدها لأنها تساعد على غرس التفكير الاستنتاجي لتصحيح الأخطاء والموازنة بين الاحتمالات بغية النتيجة الأفضل، وهي ألعاب تدخل الطفل منذ نعومة أظفاره إلى عالم المعلوماتية والتعرف على الكمبيوتر الخاص بالأطفال استعدادا لشبكة المعلومات موسوعة المعلومة والمعرفة الحديثة. ولكن لألعاب الفديو سلبيات لأن ما فيها من متعة وإثارة تحتكر اهتمام الطفل وربما هجر الألعاب الجماعية التعاونية التنافسية والألعاب البدنية  وربما استغنى بأنس  الفديو عن علاقاته بأسرته وأنداده، هذا عكس ما تحقق لنا في طفولتنا فقد كانت ألعابنا هي ألعاب التراث السوداني: حرينا، الدافوري، شليل، كركعت، وغيرها وكانت ممتعة ومفيدة في كافة المجالات.

لم نحظ بلعب الأطفال المصنوعة التي انتشرت الآن بل كنا نصنع و سائل اللعب بأيدينا  كالترتار، وكرة الشراب، وأعمال الخلوة التي تقوم على الاعتماد على النفس والتصنيع الذاتي: نصنع القلم من البوص ونصنع الحبر(العمار) من الفحم والصمغ، ونحتطب…الخ. واحتلت العلاقة بالحيوان مساحة كبيرة من طفولتنا. إن للعلاقة بالحيوان دورا تربويا هاما مميزا على التعامل مع الجمادات المصنعة، سواء المصنعة ذاتيا أو المشتراة من الأسواق.

عالم الألعاب التراثية السودانية من ناحية، وعالم الخلوة، وعالم الخيل هي العوالم التي جعلت طفولتنا سعيدة ومفيدة وحضرتنا للحياة. اللعب ليس لهوا بل رافد تربوي هام. أغلب تلك العوالم انقرضت اليوم ولكن وظيفة  اللعب باقية مها اختلفت وسائله.. وظيفة ينبغي أن تحظى باهتمام كبير في نطاق الالتزام بميثاق حقوق الطفل أمل المستقبل.

الملف الحادي عشر: حول اللهو:

اللهو ليس عبثاً العبث هو الأمر الفارغ. (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ)[14] إن اللهو يدخل ضمن ضروريات الإنسان الفطرية العشر إنه يقوم بوظيفة الترفيه. كثير من الناس يعتبر الجدية هي الصرامة. لكن الجدية هي الإحاطة. إذا كان الإنسان جادا في حياته ينبغي أن يشبع حاجاته الفطرية العشر إشباعا موزونا وإلا اختل توازنه واضطربت حياته. فمن كان جادا – مثلا في تحصيل العلم عليه أن يرفه عن نفسه أحيانا لتجديد نشاطه وإقباله على التحصيل. لقد أوردنا رواية حبر الأمة ابن عباس[15] في فصل: الدين والفن، وكيف أنه أكد على أن اللهو يعين على الجد في تحصيل العلم، وقال: إن القلوب إذا ملت كلت وإذا كلت عميت.

وقال الإمام الغزالي[16]: “إني لأستعين بشيء من اللهو على الجد”. اللهو ترياق مضاد للملل. والملل أكثر تعذيبا للنفس من  الألم. الملل هو الذي يفسد كثيرا من أنبل العلاقات بين الناس كعلاقة الحب المطلوبة بين الزوجين لأنها لبنة الحياة: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون)[17].الملل هو أهم آفة قد تعتري هذه العلاقة على نحو قول الشاعر:

يموت الهوى مني إذا مالقيتها   ويحيا إذا فارقتها فيعود!!

وآفة أخرى تعتري الإنسان هي الهم والوحشة وحشة النفس وما يصحبها من هم هي من أهم أسباب انتشار المشروبات الكحولية والمخدرات. وحشة النفس يؤنسها الإيمان، ويؤنسها الحب ويؤنسها إلى درجة أقل الترفيه. وحشة النفس هذه من أهم  أسباب الشقاء في الحياة وصفها الشاعر الفيلسوف عباس العقاد:

وكم وحشة للنفس يخشى إقتحامها       أخو غمرات ليس يخشى الفيافيا

إن أقوى صورة لفلسفة اللهو وجدتها في الأدب هي اللوحة الشعرية التي رسمها ابن الفارض في تائيته المشهورة إذ قال:

ولا تك باللاهي عن اللهو جملة            فهـزل الملاهي  جد نفس مجدة

والتي أوردناها كاملة في الباب حول الدين والفن: أي أن الإنسان المجد ذو النفس المجدة ينبغي أن يفرد مكانا للهو لأن هذا من الجدية. الإنسان الذي يتناول الأمور بصرامة  لا تعنى بالتوازن المطلوب يابس. واليابس يكسر أمام تقلبات الحياة.

ومن المعاني التي طرقها ابن الفارض أن اللهو يزيد من شفافية النفس الإنسانية  فتكون أقدر على الحدس الذي قيل عنه:

ذكي تظنه طليعة عينيه يرى      فـي يومه مـا ترى غدا!!
اللهو ككل ممارسات الإنسان قابل أن يكون نافعا وأن يكون  باطلا مكروها و حراما. كمن (يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ)[18]. و من باب اللهو الماجن كثير من أشعار ديك الجن وأبي نواس وغيرهما..
 اللهو والترفيه مطلوب في مجال إشباع حاجات الإنسان الفطرية ضمن توازن مطلوب توازن يحقق الوسط الذهبي فالكرم فضيلة بين رذيلتي الإسراف والبخل، والشجاعة فضيلة بين رذيلتي التهور والجبن وهلم جرا واللهو المندوب فضيلة بين رذيلتي المجون والصرامة.

 

 

 

[1]  رواه  الترمذي

[2]  رواه أحمد وابن ماجة

[3]  سورة الأعراف الآية  31.

[4]  سورة الملك الآية 3.

[5] سورة القصص الآية 77

[6]  رواه أحمد وأبوداود

[7]  متفق عليه.

[8]  الترمذي (209- 279هـ / 824-892م): محمد بن عيسى بن سورة بن موسى بن الضحاك السلمي الترمذي، تتلمذ على البخاري وابن حنبل، من تصانيفه ( الجامع) وهو من صحاح السنة المعتمدة.

[9]  سورة الطلاق الآية 4.

[10] سورة طه الآية 121

[11] سورة التكوير الآيات 8، 9

[12] أنظر كلمة السيد الصادق المهدي في الجلسة الختامية للورشة الخاصة بوضع استراتيجية محاربة تشويه أعضاء النساء التناسلية FGM المقامة بفندق الهيلتون بالخرطوم- يوليو 2001م

[13] أنظر/ي: الصادق المهدي حقوق المرأة الإنسانية والإسلامية، 2006م

[14] سورة المؤمنون الآية 115

[15]  عبد الله بن عباس (3 قبل الهجرة- 68هـ/619-688م): الصحابي الكبير، هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم القرشي الهاشمي. كان فقيها عليما بأنساب العرب والمغازي والوقائع توفى بالطائف.

[16]  الغزإلى (أبو حامد) (450- 505هـ/ 1058- 1111م): هو محمد بن محمد بن أحمد الغزإلى الطوسي، درس فقه الشافعية ثم تعمق في دراسة الفلسفة وكتب (تهافت الفلاسفة) متشككا في قيمة العلم وبراهينه المنطقية ولكنه بعد ذلك حاول رد الاعتبار للعقل أساسا للعلم كما جاء في كتابه (إحياء علوم الدين).

[17] سورة الروم الآية 21

[18]  سورة لقمان الآية  6.