اجتماع الهيئة العليا لحزب الأمة في 25 يونيو 1966

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

نص تقريبي لما قيل في اجتماع الهيئة العليا في 25 /6/1966م

 

لقد قام تنظيم حزب الأمة في ظروف ثورة أكتوبر وكانت بين بعضنا خلافات في طريقة تكوينه وقد حسمت تلك الخلافات عن طريق الأمر الواقع لا عن طريق الاتفاق والتراضي فنشأت نتيجة لذلك فئة من رجالنا يدل مسلكها المباشر وغير المباشر على عدم اعترافها تاماً بالنظام الجديد وعلى الرغم من التسويات التي عملتاها في أوائل ديسمبر 1964 فإن تلك الفئة وقفت موقفاً سلبياً من مؤتمر الحزب الأول وكذلك من كثير من تصرفات الحزب اللاحقة بما في ذلك الانتخابات العامة نفسها .

لقد مر على ذلك الموقف عام كانت نتيجته بلوغنا المرحلة التي نعيش فيها اليوم .

1) لقد كان عدد منا أثناء هذا العام مسئولاً مسئولية رسمية كعضو في الحكومة وكان طبيعي أن تنشأ محاسبة فيما أنجز في هذا العام ونتيجة لذلك أصدرت الحكومة سجلاً عن منجزاتها ولا شك أن تحسيناً لأحوال بعض الفئات والموظفين قد تمّ وأن خدمات صحية وتعليمية جمة قد حققت وأن الفوضى التي عمت أحوال المديريات الجنوبية أثناء الحكومة الانتقالية قد حسمت وأن استقراراً نسبياً قد شمل المديريات الجنوبية ، هذا ما أنجز وما عدا هذا فمخططات لم تر النور تنفيذياً بعد ، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإن تغييراً واحداً لم يطرأ على الحالة الاقتصادية لا في النظام الاقتصادي ولا في زيادة الإنتاج كما أن الدستور وهو المهمة الأولى للنظام القائم لم يذكر بصفة جادة في مجلس الوزراء ولم يكتب سطر واحد عنه بعد انقضاء ثلثي عمر الجمعية التأسيسية كما أن خطوة واحدة نحو محاربة المفاسد الخلقية والانحلال لم تتخذ كما أن تنظيم الحركة النقابية تنظيماً محكماً وتطهير الأجهزة الإدارية لم يجر فيه شئ يذكر ولم يطرأ أي تغيير إداري يلائم الظروف الاستثنائية التي تعيش فيها المديريات الجنوبية هذا بالرغم من أن هذه الموضوعات أما وردت في ميثاق الائتلاف بعد أن كانت مثبتة في برنامج الحزب وأما ذكرت لزملائنا المسئولين في اجتماعات متعددة وكانت موضوع مذكرة سلمت لهم .

2) نتيجة لسوء تفاهم نشأ فقد عطلت أجهزة الحزب في أكتوبر 1965 ولم تجتمع في هذه الأثناء إلا حلقة واحدة من أجهزة الحزب في أكتوبر 1965 ولم تجتمع في هذه الأثناء إلا حلقة واحدة من أجهزة الحزب هي الهيئة البرلمانية فنشأ فيها اتجاه نحو محاسبة وزراء الحزب خاصةً وقد كان معظمهم يتغيب من أكثر اجتماعات الهيئة ومراعاة لعدم الإحراج اقترحنا أن تكون المحاسبة عن طريق لجنة ينتخبها أعضاء الهيئة البرلمانية فانتخبوا لجنة من السادة أمين التوم ، ميرغني حسين ، إبراهيم هباني ، عبد العزيز حسن ، أحمد إبراهيم دريج ،عوض الحاج ، عبد الرحمن أحمد عديل ، وشرعت اللجنة في مهمتها واتصلت برئيس الوزراء وبعض الوزراء وكتبت تقريراً مستوفياً أوضحت فيه أن بعض المآخذ لم تكن أكثر من التباسات على بعض الأعضاء وخطأت فيه بعض الإجراءات كتبعية هيئة المياه وكتوريد الآلات بغير عطاء وطالبت فيه بالإسراع لتنفيذ بعض الإجراءات كتوحيد وكيل المالية وتعيين محافظ الجزيرة . لقد قابل بعض إخواننا من المسئولين الرسميين هذا التقرير وقراراته مقابلة عدائية سافرة وساعد ضيق الوقت وانتهاء الدورة على تفادي صدام .

3) وتطرقنا بعد ذلك لمشاكل الحكومة إذ أن أحد الوزراء استقال ، وأحدهم كتب لرئيس الحزب متهماً ومستقيلاً ، وأحدهم بات بتحدث عن الاستقالة وأحدهم دخل في مشادة كلامية مع رئيس الوزراء فأصبح لزاماً علينا أن نبحث هذا الأمر وأن نتخذ فيه قراراً فبحثنا الأمر في نطاق ضيق وعلى الرغم من أن بعضنا كان يرى أن تتغير الحكومة لتلافي الموقف صار رأينا الغالب الإبقاء على رئاسة الحكومة كما هي وتدعيمها بإدخال العناصر الحزبية القيادية وإعطاء رئيس الوزراء حقه الدستوري في اختيار الوزراء الذين يعملون معه . وتنفيذاً لهذا رأى رئيس الوزراء إعفاء وزيرين من الحكومة ثم اكتفى بواحد فطلب منه تقديم استقالته فلما لم يستجب لذلك الطلب كتب رئيس الوزراء لمجلس السيادة لإقالة ذلك الوزير وكان هذا الإجراء ضد ما تقدمت به من نصح إذ كنت أعلم أن هذا الأسلوب سوف يؤدي لمشاكل وانفعالات كان يمكن تفاديها باستنفاد الوسائل المختلفة قبل الإقالة التي وقعت بعد يوم واحد من مطالبة الوزير بالاستقالة ، وقد أدى هذا الإجراء لرد فعل عنيف في الحزب وما زالت آثاره تلوح في أفقنا الحزبي والسياسي .

4) وقد نشأ أثناء الفترة الماضية نوع آخر من الثنائية بين الحزب والحكومة يتركز في الحزب في رئيس الحزب وفي الحكومة في تلك الفئة من زملائنا التي كانت أصلاً رافضة لنظام الحزب بتكوينه الجديد وقد ظهرت هذه الثنائية في مظاهر عديدة وأدت إلى تطورات جديدة أذكر منها :-

أولاً : التباين الواضح في عدد من المواقف السياسية بيننا في الحزب والحكومة ومثال ذلك الموقف من لجنة الإثنى عشر ومنها مطالبتي في مجلسنا أن نبحث مسألة الإدارة الأهلية والمشروعات الخصوصية والاتفاق على لزوم البحث ثم حدث القرار في هذه المسائل الهامة دون تفاهم في الأمر بل أن بعض الوزراء سخر من مشاركة الرأي في موضوع الإصلاح الزراعي واتخذت القرارات تاركة عدداً ممن الفجوات والثغور .

ثانياُ : التشكيك المستمر الذي كانت تقوم به فئة من زملائنا في كل أمر يقوم به رئيس الحزب وحتى رحلة كردفان لمنطقة الجبال التي تدل كل تقارير الأمن على ضرورتها بل يجدر بنا أن نحاسب زملائنا المسئولين في منعهم عنا تفاصيل ما يدور في المنطقة وعدم المبادرة بحثهم لنا على العمل السياسي الواسع في المنطقة ذلك أن هذه الرحلة اتخذتها تلك الفئة من زملائنا للتشكيك في أغراضها ولجعلها مكان نزاع عملي سافر بحرصهم أن يذهب السيد الإمام وأنا بعد الفراغ من طوافي على جبال النوبة في خط سير رحلتي مع أن الاتفاق قد تمّ بيننا أن تبدأ رحلتنا المشتركة السيد الإمام وأنا بعد الفراغ من طوافي على جبال النوبة ، وكان الأمر سوف يترك أثراُ غير حميد لولا أن لطف الله وقرر الإمام إلغاء رحلة الجبال في آخر لحظة تقديراً منه للموقف وربما لتأكده كذلك من خلو رحلتي من الأغراض التي وسوس بها بعض الناس .

 

ثالثاً : أن بعضنا قدر نتائج خلافية كبيرة من وراء رحلة السيد الإمام لكرفان وامتداداً لخطة الخلاف سار في مخطط مماثل في الخرطوم كانت نتيجة التصرف الانفرادي في إلغاء الطلب المقدم من مساعد الأمين المالي للحزب بإعادة صدور جريدة الأمة بإعطاء الامتياز للحزب وتعيين مجلـس أمناء من كبار رجال الحزب والأنصار وإعطاء رئاسة التحرير لشخص معين . ألغي هذا الطلب وأعطي الامتياز لشخص لا يوجد ما يبرر صدور الامتياز باسمه وأعطيت رئاسة التحرير لشخص يحول مركزه الرسمي دون تسلمه هذه المنصب فأصيب حزبنا بفضيحة كبرى أصبحت محل التهم لدى الناس .

إن مسألة صدور جريدة الأمة كانت محل مشاورات عديدة على يد السيد حسن محجوب وقد شملت المشاورات السيد الإمام وعدداً من رجال الحزب وإن كان في الطلب خطأ من أي ناحية فقد وقع دون سوء نية من الذين تقدموا به ولم يكن لي أي اتجاه شخصي في الأمر بل تركته للقائمين به أما الإجراء الذي قام به بعض زملاؤنا من الوزراء في هذا الأمر بإلغاء الطلب وتقديم طلب آخر فلا يسعني إلا أن أصفه بسوء النية والرغبة في استغلال الخلافات التي كان منتظراً أن تنشأ في رحلة كردفان واستغلال النفوذ الرسمي لتحقيق أغراض شخصية لها أي مبرر .

رابعاً : انتهز بعض الأشخاص هذا الجو الثنائي القائم لينقلوا عني أحاديث ليست صحيحة وهم إلى حد معذورون في ذلك فقد وضعنا أمامهم وضعاً شاذاً وذلك أننا سكتنا عن علاج كثير من المشكلات فتناولها الناس بالبحث واختلفوا فيها وتناولتها الصحف بالتحليل والشرح ونحن في حالة صمت عن الحديث الصريح الواضح ، وفي حالة شرود عن الحقائق فأصبحنا من خوف الخلاف في خلاف ومن خوف الفرقة في فرقة وعطلنا بهذا المسلك كثيراً من مصالح البلاد والعباد .

وأخيراً رأت تلك الفئة من زملائنا من الوزراء لزوم إجراء تعديل في دستور الحزب فصدر من أحدهم تصريحاً يؤكد فيه أن قيادة حزب الأمة تتكون من راعي الحزب ومن اللجنة التنفيذية فالحزب في نظره بلا رئيس وهذا الاتجاه ليس جديداً لدى من صدر التصريح ولكنه يساعد على تفسير حملات التشكيك وحلقات التآمر التي اندست في صفوفنا .

إنني كنت وما زلت أؤكد أن مكانة السيد الإمام كراع للحزب وإمام ، ليست محل نزاع بل هي مكان التقدير منا جميعاً على اختلاف اتجاهاتنا .

وكنت دائماً أردد عدم رغبتي في استلام أي مسئولية رسمية الآن ، وحاولت أن أوضح أن ما وجه من انتقادات لزملائنا المسئولين إنما مبعثه صلتي بالناس وإلحاح الناس في ضرورة تحسن الأحوال واقتناعي بوجود بعض التقصير والأخطاء مما ينبغي علاجه إن كنا نريد لمجموعتنا أن تزيد ولحكمنا أن يخدم الأمة ، ويبدو أن بعض زملائنا المسئولين بعد تأكدهم من هذا الاتجاه ظنوا أنهم في المناصب الرسمية يستطيعون التصرف غير المحدود لتحقيق أوضاع تجرد رئاسة الحزب من الوجود الفعال وتجرد الحزب من الفعالية العملية .

إن أوضاعنا هذه قد وصلت درجة من السوء لا ينفع معها ترقيع ولا مطايبة وإني إذ أجد من الله سبحانه وتعالى التوجيه الصادر لي ولأمثالي في مثل هذا الموقف إذ يقول ” ولمن انتصر من بعد ظلم فأؤلئك ليس عليهم من سبيل ” أرجو أن أضع أمامكم موقفاً محدداً يريحني ويريح كل حريص على إزالة الشقاق من حزبنا ويوقف الفوضى في حدها .

إن الفئة التي عارضت تكوين الحزب بعد الثورة شرعت اليوم تستغل الثنائية القائمة بين الحزب والحكومة لتجميد الحزب وإنني بالرغم ممن تقديري للسيد محمد أحمد محجوب اعتقد أن موقفه اليوم سواء أراد أو لم يرد أصبح واجهة لهذه الإرادة الخفية ومع أنني أعتقد أن كثيراً من مما قيل باسمه لا يمكن أن يصدر عنه إلا أن الأمر خرج عن نطاق الأشخاص . ولذا فإنني أتخذ الموقف الآتي وأرجو أن يحسم الأمر بموجب ما نبرم دون تسويف:

1) إزالة الثنائية القائمة اليوم بين الحزب والحكومة بأن يتولى رئيس الحزب رئاسة الحكومة  ويفوض له اختيار الوزراء الذين يعملون معه ويعرض هذا الأمر للهيئة البرلمانية لإجازته بالأغلبية أو الإجماع أو إسقاطه بالأغلبية أو الإجماع .

2) في حالة قرار الهيئة البرلمانية بالأغلبية ضد هذا الأمر يتقدم رئيس الحزب باستقالته من رئاسة الحزب وتدعى الهيئة التأسيسية بتكوينها الكامل والهيئة البرلمانية ويطلب من هذا الاجتماع المشترك أن ينتخب رئيساً لحزب الأمة يكون أقدر على تولي المسئوليات التامة في رئاسـة الحزب والحكومة وأنا كعضو في حزب الأمة ألتزم أن أعاونه وأساعده في أداء مهمته .

أرجو أن نوفق لحسم هذا الأمر حسماً نهائياً في أسرع فرصة ممكنة وبالله التوفيق

 

(من كتاب: الانشقاق في حزب الأمة بالوثائق)