من السيد الصادق للسيد الإمام الهادي

بسم الله الرحمن الرحيم

 

ربيع الأول 1386هـ – يوليو1966 م

 

مولاي الإمام :

السيد الهادي المهدي  : راعي حزب الأمة

 

في اجتماع بسيادتكم في 11/6/66 نقلت إلى سيادتكم شعوري بأن نشاطنا في الحزب ونشاط بعض زملائنا في الوزارة أصبح متعارضاً تعارضاً يضيع المصلحة الحزبية والوطنية وإنني لا أستطيع الاستمرار في هذا الوضع المختل ، ولذا فعلينا أن نحسمه على ما يزيل الخلل أو يسمح لي بالتنحي عن هذه المسئولية التي لا تفيد الحزب ولا البلاد . ولقد استمعت لي ثم مني أن أبحث هذا الأمر في مجلسك الموقر وكان أمامي السفر إلى بورتسودان فسافرت وعدت واجتمعنا في سراي المهدي في 25/6/66 وتحدثت لسيادتكم ولمجلسكم عن ما أرى من مشكلات وعن ما اعترضني من عوائق وأرفق لسيادتك نصاً تقريبياً لما ورد على لساني في ذلك الاجتماع إذ ألقيته مرتجلاً فرأيت أن أدونه للتاريخ فدونته .

ثم تلى ذلك عدد من الاجتماعات أوضح فيه أعضاء المجلس الآخرين رأيهم فيما سمعوا وقد انقسم رأيهم ثم تلا ذلك عدد من إلا إجراءات أدخلتنا دون إرادتنا فيما نحن فيه اليوم من امتحان.

أرجو بالإضافة إلى ما ذكر من مسائل كان سببها المباشر وغير المباشر هو الثنائية القائمة في تصريف شئون حزبنا ومسئولياتنا الرسمية في الحكومة أن أذكر النقاط الآتية:

أولاً : لقد مارس حزبنا في حياته السياسية أسلوب التفريق بين رئاسة الحزب ورئاسة الوزارة في ظل رعاية والدنا الإمام الراحل عبد الرحمن الصادق ، ولم تكن تلك الممارسة عن قصد بل جاءت نتيجة لظروف معينة . ومهما تكن الظروف فإن تجربة التفريق بين المسئوليتين أدت إلى خلاف كبير وتجاذب في وجهات النظر وأذكر أن حزب الأمة فكر مراراً في أن يحسم هذا الأمر وعقد لذلك الاجتماعات الطوال ، وبينما مجهودات الحسم سائرة حدث الانقلاب العسكري الذي أحدثه أحد الأطراف المتصارعة واكتوت البلاد بناره دهراً طويلاً . ولا يلدغ المؤمن من جحر مرتين .

ثانياً : تكررت المناسبات التي فيها اتخذت الحكومة قرارات في مسائل هامة دون تنسيق معنا في الحزب ، وتكررت المناسبات التي فيها وجدنا أنفسنا في الحزب وفي الحكومة كلانا في وادٍ . إن محاولات التنسيق بين شطري المسئولية داخل مجلسكم لم تؤدي لثمرة فهناك عدد من الموضوعات طالبنا أن تبحث في المجلس للتنسيق فسار فيها إخواننا في الوزارة دون الرجوع إلينا وهناك عدد من الموضوعات رأينا فيها توجيهاً فلم يشأ إخواننا المسئولون رسمياً السير فيما رأينا كمسألة الأحد عشر ضابطاً . وهناك مسائل رأيت أنا شخصياً كرئيس للحزب جوانب الضرر الحزبي الذي قد تؤدي إليه مثل إقالة السيد عبد الرحمن النور ونصحت السيد رئيس الوزراء بأن احتفاظه بالوزراء الذين يستطيع التعاون معهم قد اقر ولكن ينبغي ألا يسير فيه بطريق قد يخلق تعقيدات جديدة فلم يعبأ بهذا النصح ، وكانت النتيجة سلسلة من المشاكل وحاولنا العلاج بعد فوات الأوان أي بعد تسليم خطاب الإقالة فلم نفلح .

رابعاً : إننا نقابل المواطنين ونواجه مشاكل الأفراد والجماعات ونلتزم لهم ببعض الحلول والاتجاهات فلا نجد إلى التنفيذ سبيلاً فيضعف من ذلك من ثقة المواطنين في قدرات حزبنا ويواجه المسئولون ضعفاً مماثلاً في صلتهم الشعبية وتعبئة المواطنين وراء سياساتهم  وقد شكوا من ذلك كثيراً وكانت أهم حجة قدموها لدخولي في الوزارة عضواً فيها هي حجة اكتمال التنسيق والصلة وإشراك جميع زعماء الحزب في المسئولية الرسمية وقد رفضت ذلك في وقتها ولعله من فضول القول أن أقول أنه إذا صحت هذه الحجة لعلاج مشكلة التنسيق بين الحزب والحكومة وإذا رأى رئيس الحزب لزوم الاشتراك في الحكومة فمكانه بين زعماء الحزب الآخرين محدد بموجب التسلسل المتفق عليه في نظام الحزب .

خامساً : نشأ تقييمان مختلفان لدي ولدى بعض إخواننا في الحكومة عن منجزات الحكومة في العام الماضي وقد كان نقدي لسير زملائنا في الحكومة متصلاً منذ زمن بعيد وقد حرمني ذلك من الحماس في تأييد الحكومة كما شكك بعض رجالنا في الحكومة في موقفي نحوهم فأخذوا يتحدثون عن ضخامة منجزاتهم وأنا غير مقتنع فعمق هذا الثنائية لدرجة لاحظها جميع الناس حتى أنه بعد اجتماع لنا بالقصر الجمهوري في أواخر مايو قال لي السيد شريف حسين نحن نلاحظ من سير الاجتماع أن زملائنا من رجال حزب الأمة في الحكومة يستخفون برأيك ، وهذا التجارب لا يمكن أن يخدم حزبكم أو البلاد بشيء . فتعمق هذا التباين لدرجة سحيقة وأنا لا زلت أعتقد أن هناك إشكالات وخاصة في أحوال البلاد الاقتصادية والمالية وفي توقف عجلة الإنتاج وفي غياب هيبة الحكومة في الأقاليم وفي اللامبالاة التي يعيش فيها أعضاء الخدمة المدنية وفي عدم التعاون بين الوزراء داخل مجلس الوزراء بل جنوح بعضهم لنهج انفرادي واتخاذ سياسة خاصة بهم ، وفي عدم الاهتمام بالتنفيذ في أبسط الأمور كتوحيد الوكيل الدائم في المالية وتعيين محافظ الجزيرة والسير في مسائل الماء والتخطيط الاقتصادي .. الخ كل هذه المسائل في نظري تحيط بالنظام الحالي وتدفع به نحو الفشل الذريع وهذا الفشل محسوب علينا جميعاً وإخواننا في الحكومة يصمون آذانهم عما نقول ويتهمون نوايانا ويحاولون ألا نواجههم بنقد وهذا العجز مبعثه الحالي هو هذه الثنائية التي جعلتنا هكذا كلاً في وادٍ ، ولا سبيل للعلاج إلا في ظل توحيد لأداتنا التنفيذية .

سادساً : إن هذه الثنائية تسبب مشاكل لمسئولياتنا الرسمية ، فرئيس الوزراء لم يجد الولاء الكافي من وزراء حزبه ، فقد اختلف اختلافات أساسية مع خمسة من ستتهم في ظرف ستة أشهر وفي نظري أن سبب ذلك أن وضع بعضهم في الحزب يفوق وضعه في الحزب. هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإن انشطار المسئولية هذا جعل المجال الذي تلتقي فيه المسئوليات الرسمية والحزبية وهو عمل الجمعية التأسيسية مشلولاً من الناحية الحزبية لدرجة هائلة فالحكومة بالنسبة لحزبنا الممثل في نوابه في وادٍ وهم في ولدٍ ، وزوال الثنائية هذا سيمكن من تقويم هذا الأمر .

سابعاً : إن الأمر المطلوب إجراؤه هو إزالة الثنائية في ظل الدستور المؤقت القائم حالياً لتصريف مسئوليات الحزب في الوقت الراهن وتحديد أسس التنسيق في المستقبل أيضاً ، وأن الأمر في كل حال مطلوب النظر فيه في ظل رعاية الإمام ورقابة أجهزة الحزب المختلفة وسريان لوائح الحزب التي سيتفق عليها وتقديم المحاسبة المخلصة الصادقة . والأمر لا يخص شخص بقدر ما يخص مسئولي حزبنا فإن أمكن توحيد الإرادة في ظل الاعتبارات المذكورة أعلاه أوفي خلافي فإن هذا سيساعد حزبنا على التقدم وإلا فإنني خوفاً من الاشتراك في ظروف تؤدي لضياع مصالح الحزب سأتنحى عن هذه الرئاسة حسبما أوضحت في حديثي يوم 25/6/66 .

مولاي الإمام :

إن حسم هذا الأمر بيدك إذ لا غموض في هذا الموقف من النواحي المختلفة فأرجو أن توليه عنايتك وأن تستشير فيه من تشاء منا والحقائق كلها مطروحة بين يديك وإنني لأتضرع لله العلي القدير أن يحفظكم وأن يكتب لي ولكم التوفيق والسداد ،،،

 

ابنك

الصادق المهدي