استدراكات في الحلقة الثالثة مع الإمام الصادق المهدي

استدراكات في الحلقة الثالثة مع الإمام الصادق المهدي

 

 

استدراكات في الحلقة الثالثة مع الإمام الصادق المهدي

برنامج استدراكات

موضوع الحلقة: القرآن والآخر

مقدم البرنامج: الأستاذ جهاد حسين

ضيف الحلقة: الحبيب الإمام الصادق المهدي حفظه الله ورعاه زعيم حزب الأمة القومي وإمام أنصار الله ورئيس الوزراء الشرعي والمنتخب للسودان.

الحلقة الثالثة

تاريخ البث: الخميس 6 رمضان 1438هـ الموافق 1 يونيو 2017م

قناة سودانية 24

كُتب من فيديو للحلقة

*******

الأستاذ جهاد: متابعين استدراكات في كل مكان أهلاً ومرحباً بكم في حلقة جديدة من استدراكات مع السيد الإمام الحبيب الصادق المهدي، نتناول اليوم القرآن والآخر، تابعونا…. مرحباً بكم من جديد. السيد الإمام مرحب بيك.

الحبيب الإمام: وعليك السلام ورحمة الله.

الأستاذ جهاد: تعامل القرآن الكريم وتصنيفاته لغير المسلمين.

الحبيب الإمام: بسم الله الرحمن الرحيم. القرآن في حقيقة الأمر كما قال إمام المتقين علي إبن أبي طالب، نص لا ينطق، ينطق به الرجال، وعلى هذا الأساس المذاهب المختلفة إنطلقت من مفاهيم مُعينة حول القرآن وهى مفاهيم مذهبية، مثلاً الذين قالوا أن آيات التسامح مع الآخر كلها منسوخة بآية السيف، واعتبروا آية السيف هذه ناسخة لكل آيات التسامح مع الآخر، (فَإِذَا انسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ) [سورة التوبة الآية رقم 5]، دي الآية، لكن الآية دي نفسها قبلها آية، (إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدتُّم) [سورة التوبة الآية رقم 4]، ففي إستثناء (إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدتُّم)، المُعاهدة تستثني هذا الآخر، ثم بعدها آية، أى الآية آية السيف هذه الآية الخامسة من التوبة، قبلها الآية الرابعة التي تستثني الذين عاهدتم، وبعدها الآية السادسة تستثني، (وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ) [سورة التوبة الآية رقم 6]. إذاً هناك إستثناءات في هذا الموضوع. ولكن الذين ينطلقون من هذه الآية، آية السيف، يعتبرون أنها هى الأساس في التعامل مع الآخر، دة خطأ. الخطأ الآخر هو الذي ارتكبه الخوارج، وهو الذين قالوا فيه عندما إختلف الأمر في الصراع حول الخلافة، كفروا أمير المؤمنين علي إبن أبي طالب لأنه قبِل التحكيم بقولهم (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ۚ ) [سورة يوسف الآية رقم 40ٍ] وهم يقصدون إن الإمرة إلا لله، الإمرة للناس مُش لله. الله أنزل النصوص وعين الناس هم الذين يفسرونها ويقيمون على أساسها إمرة، ولذلك هو قال، هذه كلمة حقٍ أُريد بها باطل. إذاً هنالك تيار بإتجاه تكفيري يعتبر الآخر هو من يلتزم أو من ينطلق من مفهوم خارج الإمرة لله…

الأستاذ جهاد: (مُقاطعاً) السيد الإمام تعامل القرآن الكريم مع مسألة المشركين وأهل الكتاب، بالجملة هل هناك تصنيفات داخلية لأهل الكتاب؟

الحبيب الإمام: لا شك هناك تصنيفات كثيرة. أنا أواصل الكلام عن أنه هناك رؤية، هذه الرؤية التكفيرية، يعني هذه الرؤية التكفيرية تُفسر آيات الجهاد على أن الجهاد عِلته إختلاف المِلة بينما القرآن واضح تماماً أن القتال في الإسلام عِلتُه العُدوان، . (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) [سورة الحج الآية رقم 39]. إذاً هنالك هذه النظرة المنكفئة التي تعتبر الآخر بمُجرد أنه خارج المِلة بل خارج إجتهادهم في المِلة كافر وبالتالي دمُه هدر. لهذا الأساس إذاً نحن مُحتاجون لفقه فهم، أولاً أن الله سبحانه وتعالى لو كان أراد للناس أن يكونوا على أُمة واحدة، على مِلة واحدة لأراد ذلك، ولكنه قرر غير ذلك بإعتبار أن الأمر كله إمتحان. فإذاً الكلام على أن إختلاف المِلة يقتضي القتال غير صحيح وبالتالي نحن كمسلمين ينبغي أن نفهم أن ديننا حقيقةً يقومُ على أساس (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ) [سورة البقرة الآية رقم 256]، فإذا لم يكن هناك إكراه في الدين معناها هناك آخرون عندهم إتباع لمِلل أُخرى، ثم (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) [سورة الكافرون الآية رقم 6] كذلك، ثم (وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ۚ) [سورة الكهف الآية رقم 29]. إذاً الإسلام حقيقةً يلتزم بحرية العقيدة وهذا طبيعي جداً لأن العقيدة هى في الضمير ولا يمكن أن تُكره إنسان عليها. إذاً هنالك فيما يتعلق بألمِلل الأُخرى تصنيفات، أول تصنيف هو أن أهل الكتاب يختلفون عن المشركين لأن أهل الكتاب أهل كتاب، ثم في داخل أهل الكتاب (لَيْسُوا سَوَاءً ۗ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ) [سورة آل عمران الآية رقم 113]، فهؤلاء مختلفون عن الآخرين الذين هم من أهل الكتاب وينطلقون من مفاهيم أُخرى، فإذاً نحن كمسلمين عندنا تصنيف يجعل أهل الكتاب عموماً معنا في المِلة الإبراهيمية، وهى قال تعال (قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَالنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) [سورة آل عمران الآية رقم 84]، مسلمون لله، إذاً نحن هنا عندنا تمييز لأهل الكتاب وحتى غير أهل الكتاب، في التاريخ الإسلامي كان نُقشت هذه القضية، كيف نتعامل مع غير أهل الكتاب؟ وفي النهاية قبلوا أن يتعاملوا معهم قياساً على التعامل مع أهل الكتاب. على كل حال، الحقيقة نحن في زمن الآن الحرية الدينية جزء لا يتجزأ من حقوق الإنسان، وحقوق الإنسان هذه والحرية الدينية الآن هى لمصلحة المسلمين، لماذا؟ لأن الذين يبدلون دينهم لصالح الإسلام أكثر كثير جداً من الذين يرتدون من الإسلام، إذاً الإسلام الآن يفتح معنوياته بالقوة الناعمة فتوحات، وهذا ما حدث بالفعل تاريخياً، يعني تاريخياً أفريقيا جنوب الصحراء وجنوب شرق آسيا، وهى بلاد الآن أكثرية المسلمين فيها، أسلمت طوعاً وإختياراً، هذا يعني أن التيار الموجود حالياً وهو قبول الإسلام والمسلمين قبول الدعوة الإسلامية لغير المسلمين هو التيار الأقوى، وهذا الذي أزعج البابا بينديكت، (Pope Benedict XVI – البابا بينديكت السادس عشر)، البابا بينديكت السابق لأنه إنزعج بدأ حملة قوية جداً ضد الإسلام، يقول أن الإسلام دين عُنف ودين لا عقلاني لكى يقف أمام هذا التيار الذي فيه طوعاً الإسلام ينتشر، وإذاً دة الذي أدركه الآن البابا الحالي، البابا الحالي فرانسيس، (Pope Francis – البابا فرانسيس)، بابا أثر وعياً لأنه قادم من مناطق مضطهدة، أمريكا الجنوبية، ولذلك إستطاع أن يفهم عاقلية وذهنية المضطهدين، ولذلك يقال أكثر البابوات في التاريخ الحديث تفهُماً أو على الأقل تسامُحاً مع الإسلام هو هذا البابا فرانسيس. فإذاً الحقيقة هى الآن أن من يدخل الإسلام مع وجود حرية الدين والأديان أكثر كثيراً من الذين يرتدون من الإسلام، فإذاً حرية الدين صارت الآن من مصلحة الإسلام حتى إن لم يكن اصلاً الإسلام يُبيح الحرية الدينية.

الأستاذ جهاد: نعم. تعامل الحركات الإسلامية عموماً والتطرف والتعامل مع الآخر المسلم نجد جانب كبير يقود الخلاف إلى القتال وإلى المجاهدة وإستخدام آيات القتال بين المسلمين بعضهم البعض.

الحبيب الإمام: وجود هذه النظرة المكفرة للآخر والمستبيحة لدمهم موجودة من زمن الخوالف ولكن في هذه الإيام زاد تأييدُها، لماذا؟ نأخذ الجهات الآن تُنادي بهذه النظرة، القاعدة وداعش هم أكثر الحركات الآن التي تُنفذ مفاهيم طاردة ومفاهيم مُكفرة للآخر ومُستبيحة لدمهم. الإجتهاد الإسلامي الموجود هذا من قديم الزمان ولكن ما الذي أعطاه الآن قوة؟ الذي أعطاه الآن قوة هو أن الغزو الذي حدث في أفغانستان وما أدى إليه من تداعيات أدى في النهاية إلى أن تنشأ القاعدة وأن تُدعم القاعدة دعماً كبيراً تمويلياً وتدريبياً وتسليحياً وأن تُصبح على ما صارت عليه الآن، القاعدة إذاً وجدت قوتها هذه من تداعيات الحرب الباردة وليس لأى نصٍ مُعين في الإسلام، النص الموجود الذي يُكفر الآخر موجود منذ زمن الخوارج ولكن وجد الآن فرصة. بالنسبة لداعش، ايضاً داعش فرع من القاعدة ولكن هذا الفرع في سوريا والعراق إنطلق من مفهوم أن التداعيات التي حدثت بعد الإحتلال الأمريكي للعراق أدت إلى ظلم أهل السُنة، وإذاً داعش تُمثِل ردة فِعل من أهل السُنة لما حدث بعد الغزو الأمريكي للعراق، إذاً يجب أن تُحمل الأُسرة الدولية نتائج هذه الظاهرة التي عملقت القاعدة وعملقت داعش، ثم الآن محاولة القضاء على هذه القوى في أفغانستان طالبان والقاعدة وداعش بحملات يقودُها غير المسلمين أعطت هؤلاء حُجة، لأن هذه حركات صليبية، صهيونية، ضد الإسلام، لأن الجهة التي تتسطر القضاء عليهم بالقوة هى في الحقيقة جهة غير مسلمة، ولذلك هذا التصدي بهذه الطريقة خطأ كبير جداً لأنه يُعطي إنطباع لدا هؤلاء بأن من يُحاربُهم الآن هو في حقيقةِ أمرهم ينطلقوا من مفاهيم صليبية وصهيونية ما يُعطيهم الحُجة المُجنِدة للآخر بأننا نحن نُدافع عن بيضة الإسلام.

الأستاذ جهاد: هنئتم الرئيس الفائز في الإنتخابات الإيرانية، ودعوتم يعني إلى بعض العقلانية في التعامل مع العلاقة بين السُنة والشيعة تجنُباً لحربٍ متوقعة، هل تعتقد أن المصالحة بين السُنة والشيعة هى مسألة ممكنة الآن في ظل هذا الإحتقان والإحتراب؟ فلنأخذ منك الإجابة بعد الفاصل… مشاهدينا فاصل قصير ونواصل، تابعونا… مرحباً بكم من جديد الحوار يتصل القرآن والآخر مع الإمام الصادق المهدي. السيد الإمام.

الحبيب الإمام: نعم، شوف يا إبني، أنا عملت مُناشدتين، مناشدة لمؤتمر أو مؤتمرات الرياض، بأن هذه المؤتمرات ينبغي أن تكون مستعدة، نعم للدفاع عن أهل السُنة ولكن أن ترفع غُصن الزيتون للتعامل مع الآخر الشيعي لأن الحرب الممكنة بين الشيعة والسُنة موجودة منذ صفين، (موقعة صفين هي المعركة التي وقعت بين جيش الإمام علي بن أبي طالب وجيش الخليفة معاوية بن أبي سفيان في شهر صفر سنة 37 هـ: أى قبل 14 قرناً من الزمان)، وهى موجودة في الخلاف المذهبي الحاد خصوصاً النظرات السُنية التي تُكفر الشيعة من حيث هم النظرات الشيعية التي تُكفر السُنة من حيث هم، هؤلاء يدعون هؤلاء بروافض وديل يدعو بنواصب. الموقف دة حرب باردة بين المسلمين ينبغي إنهائُها لأنها لا يمكن أن تُحسم بغير ذلك. فأنا ناشدت المؤتمر في الرياض أن يأخذ في باله ضرورة الإستعداد للتعامل مع الآخر الشيعي بصورة تسامُحية خصوصاً ونحن نعلم أن الرئيس الأمريكي الجديد يُريد أن يُعالج مشاكله الإقتصادية بإبتزاز أموال خليجية، هو قال الكلام دة، قال بوضوح ما عند الخليج شئ سوى المال، وتفكيره هو أن يبتز يأخذ أموالهم سواءٌ بصفقات تجارية أو صفقات سلاحية، المُهم هو قادمٌ تاجر سلاح وللأسف عشان يعيش على التناقُض أو يُعلي شأن التناقُض السُني الشيعي، ودة في رأيي شئ خطأ وخطير للغاية لأنه سيمكن أن يؤدي إلى حروب وهذه الحروب سيحصل حولها إستقطاب وستقف الدولة الكُبرى الأُخرى روسيا مع الطرف الآخر كما شهِدنا تهنئة بوتين لحسن روحاني. فأنا ناشدت هذا اللقاء في الرياض أن لا يُساير الخط الذي يُريد إبتزاز المسلمين السُنة في حرب مع المسلمين الشيعة، وبنفس المنطق ناشدت السيد حسن روحاني، وأنا مسرور جداً إنه فاز لأنه لو فاز المرشح الآخر إبراهيم رئيسي كان هذا سيُكرر تجربة أحمدي نجاد، أحمدي نجاد نفسه ما كان سيُنتخب لولا أن بوش صنف إيران جزءاً من محور الشر، هذا التصنيف أدى إلى ردة الفعل التي جاءت بأحمدي نجاد. فإذاً النقطة المُهمة الآن الحمدُ لله الشعب الإيراني لم يستجِب لصيحات ترمب وأيد الشخص الأكثر إعتدالاً وأكثر إستعداداً للتسامُح. أنا في رأيي مُش أن التسامُح أو الإتفاق السُني الشيعي ممكن، ضروري ضرورة حياتية هى مسألة ما مسألة ممكن، هناك ناس سُنة وشيعة يفهمون هذا الكلام وهم أبطال هذه المرحلة لأننا نحن كمسلمين، نحن كسُنة لا نقبل اُطروحات الشيعة وهم لا يقبلون اُطروحاتنا، ولكن نحن وهم نتفق في قضايا مُعينة كأهل قبلة، نتفق على النبوة، ونتفق على المِيعاد، ونتفق على مكارم الأخلاق، ونتفق على التوحيد، ونتفق على الأركان الخمسة، هذا يمكن أن تكون أساس ما نتفق عليه ونختلف مذهبياً على مسألة الإمامة والولاية والخلافة إلى آخره، وهذه الآن عندنا وعندهم معلوم الحل فيها ليست أية نصوص، الحل فيها الآن عموماً هو الآلية الإنتخابية الديمقراطية، وهذه ستكون الوسيلة الوحيدة. قال لي المرحوم محمد الغزالي، قال إنه في الجزائر قال حبذا لو أن الخلاف بين الإمام علي والخليفة معاوية حُل بصندوق الإقتراع فقال له أحد الحاضرين هذا ليس من السُنة فرد عليه هل إقتتال المسلمين من السُنة؟ إذاً الآلية التي ينبغي اللجوء إليها الآن عند السُنة وعند الشيعة هى الآلية الإنتخابية، وإذا كان الأمر كذلك إذاً لا معنى للخلاف حول الخلافة والإمامة وغيرها ما دام آلية ولاية الأمر يمكن أن تكون هى الآلية الإنتخابية، يمكن أن تُوضع ضوابط تأهيل للترشيح ولكن في النهاية لن نقبل إمامة الشيعة ولن يقبلوا خلافة السُنة ونتجاوز نحن الخلاف حول هذه الأمور لأننا في البلاد السُنية وفي البلاد الشيعية سنلجأ إلى آلية واضحة وهى الآلية الإنتخابية.

الأستاذ جهاد: قتل المخالف والتعامل به يعني بصورة متطرفة يتهم البعض ايضاً عموم الحركات الإسلامية يضع طريق المهدية من ضمن هذا الكلام.

الحبيب الإمام: نعم، المهدية مرحلة خاصة في تاريخ أُمتنا، لماذا؟ إذا عُرف السبب دايماً بطل العجب. أولاً كانت البلاد الإسلامية كلها مُحتلة، وكان قد سيطر على الناس مفاهيم تقعد بالناس من أى عمل فيه إستنهاض للأمة، الأمة مُفرقة، والأمة مُحتلة، والأمة مُتبعة لمذاهب وإتجاهات تُخزِلُها عن القيام بأى عمل كبير ونشيط وفيه تصدي للموقف، الدعوة المهدية إتخذت هذا الموقف المُتشدِد لأن الظروف التي كانت موجودة في البلاد الإسلامية كانت في غاية الدرك ولذلك في ذلك الوقت تحدث أحد العلماء المصريين، عبد الودود شلبي، وهو ليس أنصارياً وليس مؤيداً للدعوة المهدية ولكنه قال، تجسدت فيها تطلُعات أهل القِبلة، لأن أهل القِبلة كانوا يكادوا يكونون في ذلك الوقت، مادوا يكونون في حالة قعود وروح معنوية مُتدنية لذلك هو إعتبرها مُجسدة لتطلُعات أهل القِبلة في ذلك الزمن. كذلك هنالك دعوة كان يقومُ بها إمامان تنويريان، جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده، أيدوا هذه الدعوة بإعتبار أنها مُبشِرة للأمل للمسلمين، وكذلك العُرابية، الذي كتب كتاب إسمه نصيحة العوام لأهل الإسلام، إسمه أحمد العوام، هو من زعماء الحركة العرابية. يعني هؤلاء من مُنطلق إسلامي ومن مُنطلق وطني كانوا محتاجين لإستنهاض الأمة، فالدعوة المهدية في ذلك الظرف كانت مناسبة لذلك الظرف. ولكن المهدي نفسه وضع أُسُس أولها أن دعوته هذه وظيفية ولذلك حرر فكرة المهدي من أن تكون مُرتبطة بنسب مُعين ومن أن تكون مُرتبطة بزمن مُعين، آخر الزمن، بل أن تكون مُرتبطة مُعينة وهى إحياء الدين. أنا في رأيي دة موضوع مُهم جداً قام به الإمام المهدي في تحرير فكرة المهدية من النسب ومن التوقيت. ثانياً هو وضع أساس في رأيي يجعل دعوته قابلة لتعديل مع ظروف الزمان والمكان بقوله، “لكلِ وقتٍ ومقامٍ حال ولكل زمانٍ وأوآنٍ رِجال”، دة مكن الإمام عبد الرحمن أن يخرج من الموقف الذي فيه نفي للآخر إلى موقفٍ فيه تعامُل مرِن مع الآخر. ودة خلانا نحنا الآن كمُمثلين لهذه الدعوة نستطيع أن نتحدث عن هذه الدعوة بما يمكن تكون فيه وبه في التيار الإسلامي العام دون تكفير ودون نفي للآخر.

الأستاذ جهاد: بين كل التيارات كثيرة ودعواتها كثيرة، أين يمكن أن نضع الدعوة المهدية بالضبط؟ خلينا نأخذ منك إجابة بعد الفاصل. شكراً. مشاهدينا الكرام فاصل قصير ونواصل، خلوكم معانا… مرحباً بكم من جديد الحوار يتصل مع السيد الحبيب الإمام الصادق المهدي.

الحبيب الإمام: الإمام المهدي صنف دعوته بقوله، إنها جمعت بين روحانية التصوف وإجابية الجهاد، وأنها لذلك إذاً قامت بهذا الجمع بين التصوف وإجابية القتال أو الجهاد. أنا في رأيي الدعوة المهدية الآن كما نُعبِر عنها بصورة تتعلق بزماننا هذا، أنها تعتمد أن للإسلام دوراً مُهماً في الحياة الخاصة والحياة العامة وأن هذا الدور المُهم يجب أن يُحيط بالواقع حتى تأتي كل المُمارسات المُنطلقة من هذه المرجعية الإسلامية بصورة تزاوج بين الواجب إجتهاداً، مُش تقليداً، إجتهاداً بمعنى أن نظرتنا للقرآن والسُنة والفقه يجب أن تكون كلها إجتهادية، كما قلت أنا في الحلقة الماضية لابد أن يكون فهمنا للنصوص فهماً إجتهادياً وليس تقليدياً لأن الفهم التقليدي منكفئ ومربوط بزمانه، كل المذاهب وكل الإجتهادات الموجودة مربوطة بزمانها، ولكن نحن نقول، إذاً نحدد الواجب بصورة إجتهادية من نصوص الكتاب والسُنة ونحيط بالواقع، الواقع الذي نُعيش فيه الآن واقع مختلف تماماً لم يسبق له مثيل، العالم تحكمه دول غير مسلمة، أغلبية العالم الآن غير مسلمين 80%، نحن المسلمون الآن 20%، هم 80%،وهم بيدهم القوة الإستراتيجية، العسكرية، والنووية، وكل هذه الأدوات البطش، فلازم ندرك أننا نتعامل مع عالم فيه هذا الخلل في التوازن، كذلك نُدرك أن أسرار التكنولوجيا الحديثة، هذه الكهرباء وهذه المراوح، كلها هذه التكنولوجيا الحديثة للأسف نحن فيها الآن مُستهلكون هم المُنتجون، ونحن في الواقع عالة على هذا المجتمع التكنولوجي، نُدرك هذا كله وننطلق من إذاً، فهمنا للدين الواجب، يجب أن يكون إجتهادي، فهمُنا للواقع يجب أن يُحيط بهذا الواقع، هذا الواقع الآن فيه الأمم المتحدة وفيه حقوق الإنسان وفيه إلتزام بحقوق الإنسان فيه معاني كثيرة فيه التكنولوجيا الحديثة، يُدرك هذا ونُزاوج بينهُما، ما نتحدث كأنما نحن نطبق هذا الواجب في فراغ. ثم هنالك مشاكل كبيرة جداً مثلاً في بلدان زى السودان وغير السودان، مشاكل إثنية، تنوع ديني، في ناس غير مسلمين معنا، في ناس عندهم إثنيات مختتلفة، نحن محتاجون أن نُدرك إذاً الواقع ونُزاوج بين الواجب والواقع في إطار ما نُقدم، أى محاولة للقفز، حصلت لنا مثلاً في السودان مرتان، محاولة للقفز فوق الواقع الإجتماعي، حصل هذا في عهد مايو، حاولوا يقفزوا بمفاهيم إشتراكية، سقطت التجربة كلها ولذلك لجأوا لأشياء مخالفة لما رفعوهوا من شعارات، نفس التجربة في الإنقاذية، التجربة الإنقاذية ايضاً رفعت شعارات مُعينة غير مُراعية للواقع بين المسلمين وبين غير المسلمين وأدى هذا ايضاً إلى الظروف الموجودة حالياً وهى التراجع عن كل ما أُعلن في الأول، بحيث أننا الآن أو النظام الآن يبحث عن هوية عن طريق الحوار وغيرها، عن هوية يتعامل بها مع واقعه الحالي، ولذلك…

الأستاذ جهاد: (مُقاطعاً) ولكن الحوار هو خير وسيلة للتعامل فبالتالي نحن بحاجة إلى تقنين مسألة الحوار بين المسلمين جميعاً.

الحبيب الإمام: نعم.

الأستاذ جهاد: خصوصاً بين الطوائف المسلمة نفسها المتشددة وغير المتشددة.

الحبيب الإمام: نعم. نحن الآن في هيئة شئون الأنصار نُعلن الآتي، أولاً نحن محتاجون إلى ما نُسميه نداء المُهتدين لجمع بين كل أهل القِبلة المسلمين، وقدمنا مقترح وسنخوض حوار مع كل الأطراف لهذا. وكذلك نداء نُسميه نداء الإيمانيين بيننا وبين الأديان الأُخرى، عشان ايضاً نحدد المتفق عليه والمختلف عليه للتعايُش. ثم هناك نداء ثالث، نداء حوار الحضارات، الحضارات الآن في من يُريد لأسباب فِتنة أن يتحدث عن صراع الحضارات ومن وقف مع هذا الكلام كثيراً يُمثلون اليمين الجمهوري والصهيوني، ويُريدون هم أن يصوروا العالم الإسلامي تصوراً عدائياً ويصوروا موقفهم ايضاً تصوراً عدائياً ويفترضون أن هذا ينبغي أن يقود إلى صراع الحضارات. نحن نتحدث عن ضرورة إفشال هذه الفتنة والتحدث عن التعامل الإيجابي والحوار بين الحضارات ونقترح في هذا وسيلة وهى أن كل الحضارات تنطلق من إيمان بمنظومة حقوق الإنسان، إذا إنطلقنا من هذا سنجد أنفُسُنا عندنا قاسم مشترك لنتعايش مع بعضنا بعضاً ضمن إحترام منظومة حقوق الإنسان.

الأستاذ جهاد: لديكم خطة في إطار الإشتغال على مسألة آفاق التسامح وإستبدالها لمقولات الكراهية وكذا ولكن ماذا عن مرجعية هذا الكلام في العقل المسلم المرجعية التي يستمد منها العقل المسلم مقولاته كالقرآن الكريم والسُنة والتراث عموماً؟

الحبيب الإمام: أيوة ما دة كله زى ما قلت لك، نحن نتحدث عن النصوص المقدسة من كتاب الوحى، القرآن، ومن هذا نلتمس تأييد لهذه النظرة المنفتحة للآخر، المنفتحة للآخر المذهب الإسلامي، المنفتحة للآخر الديني المِلي، المنفتحة للآخر الحضاري. وزى ما قال الإمام علي في خطابه لواليه في مصر، الناس إما إخوة في الدين أو إخوة في الإنسانية، ونحن إخوة في الإنسانية مع غير المسلمين، وهذا ما يتطلب منا تنظيم هذه الإخوة وهذا ما نخترحه، ونعتقد أن صحيح يوجد بين المسلمين تيارات، مُنكفئة، مُغلقة، رجعية، تنطلق من مفاهيم نتيجتُها النهائية هى إعلان حرب على كل من يخالفهم مذهبياً. وفي رأيي هذا عين الخطأ والمطل، لابد أن نُدرك أن التعايُش في المجتمع الحديث تعايُش يقبل حتماً التعددية، وأن الإسلام يسمح بذلك. ولذلك ومن هذا النطلق نقوم بالإجتهاد، أنا دلوقت رئيس منتدى الوسطية العالمي، ومنتدى الوسطية العالمي الآن يطرح مفاهيم تُنادي بهذه الأفكار، أفكار كأننا أهل قِبلة نتعايش بناءً على ميثاق أننا كأهل كتاب مع الآخرين، كذلك نتعايش في ضمن هذا نتعايش مع الأديان الأُخرى، ولكن هذا لا يعني أننا نتنازل عن صحة دعوتنا، ولكن نتناول صحة دعوتنا بأساس (ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ ) [سورة النحل الآية رقم 125]، دة الأساس، نعم نحن…

الأستاذ جهاد: (مُقاطعاً) الأساس في الدعوة القرآنية والنظرة القرآنية هو آيات التسامح وأن بقية الآيات هى مسألة إطرارية؟

الحبيب الإمام: مربوطة بزمانها وظروفها، وواضح تماماً ما هو ربنا (هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ۖ) [سورة آل عمران الآية رقم 7]، أُمُّ الْكِتَابِ يعني أيه، أُمُّ الْكِتَابِ يعني مقصد الكتاب. مقصد الكتاب يعني مقاصد الشريعة. فمقاصد الشريعة هى أُمُّ الْكِتَابِ، ما يختلف مع مقاصد الشريعة آيَاتٌ مُتَشَابِهَاتٌ. لازم نفهم هذا بوضوح تام، أن مقاصد الشريعة واضحة، وهناك طبعاً في تفسير كامل، تفسير إبن عاشور، (الشيخ محمد الطاهر بن عاشور)، المبني على المقاصد، وهكذا. فالمقاصد هى أُمُّ الْكِتَابِ، ما يخالف هذه المقاصد آيَاتٌ مُتَشَابِهَاتٌ. وفي رأيي أن هذا، صحيح في كثير من المسلمين يرفضون هذا المنطق لأنهم يتحدثون مثلاً يقولون، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال، بُعِثْتُ بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ بالسَّيْفِ ليُعبدَ اللهُ وحدَه، طيب الحديث دة حديث الآحاد، لكن مؤكد هذا الحديث غير صحيح لسبب بسيط أين يَدَيْ السَّاعَةِ، دة متناقض مع الواقع، ما حدث. ثم لمن نفكر في التفسير، دة البيخليني أنا أفكر في كتابة السيرة، لمن نفكر في السيرة، السيرة في الواقع إنتشرت مُش بالسيف، أولاً في مكة الرسول صلى الله عليه وسلم كان مُحارب، المدينة كما قالت السيدة عائشة رضى الله عنها فُتحت بالقرآن. ثانياً الحقيقة هى أنه حِلف الحُديبية الذي فيه سلام هو الزمن الذي إنتشر فيه الإسلام في الجزيرة العربية سلمياً. ثم أن الرسول صلى الله عليه وسلم عندما فتح مكة، فتحها مظاهرة مدنية مُش بالقوة، فإذاً هذا هو المعنى، حتى أن البلاد الأُخرى التي أسلمت، كتب أرنولد، (Thomas Walker Arnold) كتاب (The preaching of Islam)، وهو مستشرق، قال فيه الإسلام لم ينتشر بالقوة، الصراع الذي قام بين الدولة الإسلامية والدول الأُخرى في زمانها كان صراع سياسي، ولكن بعد أن يُحسم الموضوع مافي ناس أُجبِروا على أن يُسلموا، ولذلك ظلت هذه البلدان، سوريا، العراق، مصر، كل هذه فيها أقليات كثيرة جداً من أديان أُخرى، السبب أنه الدولة ما أجبرت الناس. المُدهش نحن في السودان، السودان التقليدي العريق، السودان لأن الإسلام إنتشر سلمياً ايضاً ومُش مربوط بأى شبهة دولة صار السودانيون مع أنهم كانوا مسيحيين ومتعصبين وواجهوا الفتح الإسلامي بالقوة، مع ذلك لم يبق سوداني واحد غير مسلم. المهم، الدول التي كانت جزءاً من الدولة الإسلامية التاريخية، بعد أن سيطرت الدولة الإسلامية التاريخية، إستمر المسيحي واليهودي مسيحياً ويهودياً في ظل الدولة الإسلامية، لم يُقهر، ودة الكلام الوضحو توماس أرنولد،  (Thomas Walker Arnold) في كتابه، بأن الإسلام حتى في زمن قوته لم ينتشر بالسيف، أما هؤلاء في رأيي الضالون الذين يُريدون الربط بين الإسلام والنشر بالسيف، حتى في واحد إسمه علي العلواني، عمل كتاب، أنه قال من يقول أن الإسلام لم ينتشر بالسيف كافر. ليه؟ لأنه أنكر، حسب كلامه، أنكر فضيلة الجهاد. فضيلة الجهاد ما مربوطة بأننا نُجبر الناس عشان يسلموا. هذه أفكار ضالة والمُهم أننا كما…

الأستاذ جهاد: (مُقاطعاً) كيف يمكن أن نفهم الجهاد فهماً مختلفاً عن فكرة القتال والكراهية وإبتدار العداء؟

الحبيب الإمام: الجهاد اصلاً بذل الجهد لإعلاء كلمة الله، ويبدأ بنفسك الجهاد الأكبر وبذل كل المجهود المدني، زى ما فُتحت، كما قالت السيدة عائشة رضى الله عنها، المدينة بالقرآن. مدني. لا يصيرُ عسكرياً إلا دفاعاً، (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ۚ) [سورة الحج الآية رقم 39]. (أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَّكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُم بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ۚ) [سورة التوبة الآية رقم 13]. دي الأسباب العدوانية الهى ممكن تؤدي إلى القتال، ولكن فيما يتعلق بغير القتال، كلمة الجهاد هى مدنية ولا تتطلب القتال بل بذل الجُهد بكل الوسائل غير القتالية لإعلاء كلمة الله.

الأستاذ جهاد: نعم. الحركات، كثير من الحركات الجهادية الآن هى تدعو الشباب وتستنفرهم وإلى آخره بالكثر من حشد بالكثير من الآيات القرآنية التي تتناول الدعوة إلى الجهاد وقتال الكفار وكذا ونُصرة المسلمين أو الدعوة إلى عودة الخلافة إلى آخره.

الحبيب الإمام: أنا في رأيي هذه مسائل إحتجاجية سببها الإحباط الموجود ولكنها يعني مافي طريقة لإحياء الدين بالقتال. القتال للدفاع. أما إحياء الدين بالدعوة. ولكن في حركات الآن، صحيح للأسف في أحباط شديد في أوساط المسلمين، مافي شك الآن في هذا الأحباط أدى إلى أن كثير من الشباب يستجيب للدعوات المتطرفة، لكن لأنه هو الآن حائر، حائر نسبة المخدرات عالية جداً، حائر نسبة الإنتحارات عالية جداً، حائر نسبة الذين يُريدون أن يخرجوا من بُلدانهم ليُسافروا إلى الخارج، يعني في حالة من الضياع والحيرة. هذه الحركات في رأيي تُحاول إشباع حماسة الشباب في هذه الظروف. ولكن أنا في رأيي هذه ليس لها مستقبل غير إحتجاجي. هى حركات إحتجاج. لكن الحركة الواعية الإسلامية هى تلك التي تصوغ النظرة الإسلامية بصورة إجتهادية تُراعي كل هذه الإعتبارات وتُراعي ظروف الزمان الذي نحن فيه وتُزاوج بينهما.

الأستاذ جهاد: هل يمكن أن يجرى ذلك لمسألة متعلقة بالتربية الدينية في بلداننا ومتعلقة بالهيئات الرسمية الدينية التي تُصدر الفتاوى والتي تشرعن هذا العنف؟

الحبيب الإمام: نعم أنا في رأيي أساساً في أفكار تكفيرية في بعض المذاهب الإسلامية. هذه المذاهب الإسلامية وهذه الأفكار التكفيرية هى التي تُغذي هذه المفاهيم. ولكن أنا في رأيي هذه المفاهيم في النهاية تؤدي إلى منظر زى منظر القاعدة وداعش، وهذا المنظر في رأيي ينطلق من مفاهيم خارج التاريخ. ولذلك هى فيها ولاء أو وفاء لا مستقبل له. نحن نتطلع، ينبغي، على وفاء له مستقبل.

الأستاذ جهاد: كيف يمكن إصلاح التربية الدينية؟

الحبيب الإمام: دة ينطلق من أنه أول شئ لازم نقبل في البداية، أن ما يحدث الآن خطأ، وأننا محتاجون لمنظومة إجتهادية إسلامية تنطلق من إجتهاد جديد، وتنطلق من وعي محيط بالواقع، ثم نضع المنظومة الممكن أن تكون لها وفاء بالنسبة للإسلام ولها مستقبل بالنسبة للواقع المعاصر.

الأستاذ جهاد: مستقبل العلاقة مع الآخر غير المسلم التي تُمثل الآن بمقولة الشرق والغرب ومقولة الإسلام والغرب وكذا، الآخر غير المسلم خصوصاً الآخر الصوفية، والسلفية، الشيعة، السُنة، وكذا، الإخوان المسلمين، كل هذه التقسيمات تُنبئ للبعض يعني شرارة حرب يمكن أن تبيد الجميع.

الحبيب الإمام: نعم عشان كدة أنحنا محتاجون لنظرة مختلفة. التصوف تجربة مُهمة جداً ولكن في رأيي لابد أن تراجع موقفها الإجتماعي، الإيجابية الإجتماعية. أنصار السُنة، تجربة مُهمة جداً فيما يتعلق بالإلتزام بالثوابت ولكن الإلتزام بالثوابت لا يعني تحويل منطق الثوابت إلى منطق المعاملات والعادات، هنا لابد أن يكون نعم أنصار السُنة يدعون دعوة قوية جداً للصلاة والصيام ودعم الثوابت ولكن يجب أن يفهموا ضرورة التعامل مع المعاملات والأحكام بإعتبارها متحركات وليست ثوابت. الحركة الإخوانية في رأيي الآن يجب أن تنطلق من مفهوم مُش زى زمان مفهوم نظري. الحركة الإخوانية دلوقت عندها تجارب في مصر وتجارب في السودان، وهذه التجارب الآن فاشلة، هى محتاجة لنظرة نحن نقول ما بعد الإخوانية، قامت بدورها في المرحلة التاريخية مُهمة، نقلت الشعار الإسلامي من أوساط تقليدية إلى قوى حديثة، ونقلت ايضاً العمل السياسي من عمل فوقي إلى عمل جماهيري، وهذه كلها كانت إنجازات، ولكن هذه الإنجازات تعلقت بشعارات لما جات التجربة في السودان وفي مصر أت التطبيق بفشل، عشان كدة نحن محتاجون ونحن نتحدث معهم بهذا المنطق. الحركة الإخوانية محتاجة لمراجعة ما بعد الإخوانية، ما بعد الإخوانية التقليدية لأخذ هذه المسائل في الحُسبان. الشيخ راشد الغنوشي يحاول أن يفعل ذلك الآن في تونس. ولكن نحن نتحدث عن ضرورة أن يقوم هذا بطريقة منهجية تخاطب الأخطاء للتجربة وضرورة أن ننطلق بإجتهاد من الأصول الإخوانية إلى تجارب ما بعد الإخوانية حسب ما حدث في إخفاقات في التجربة في السودان وفي مصر.

الأستاذ جهاد: ونحن في نهاية هذه السلسلة السيد الإمام كيف يمكن إستعادة القرآن مركزاً في الوعى الإسلامي؟

الحبيب الإمام: في رأيي القرآن اصلاً لم يغِب. يعني الآن، أنا اعتقد، الكتاب المقدس الأكثر حفظاً لدى أتباعه، القرآن. وهذا يعني أن القرآن إحتل مكانة لم يحتلها كتاب آخر. وطبعاً في مسألة مُهمة جداً، أن الأديان الأُخرى كانت ترتبط بكرامات ومعجزات حسية، القرآن عنده كرامة أو معجزة مستمرة، أولها أن هذا الكتاب جاء بنص فريد ليس مسبوقاً في اللغة العربية، دة نفسه إعجاز كبير جداً، إعجاز دائم مُش محتاج للكرامات المختلفة. إثنين هذا الكتاب بهذه الصورة محفوظ، مافي كتاب مقدس آخر محفوظ، ودة من نصوصه، (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) [سورة الحجر الآية رقم 9]. فإذاً في معجزة النص نفسه باللغة العربية، في معجزة الحفظ، والمعجزة الثالثة المُهمة أن الذي أتى به شخص أُمي، يعني ما عالم ولا، كان هو ذاته، زى ما جاء في القرآن، (فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا) [سورة يونس الآية رقم 16]، إنتو عارفني أنا كنت معاكم، كنت معكم، نعم يعني صحي مُميز بأنه الأمين وهكذا لكن ما عندو صفة فارقة زى ما حدثت بموجب الوحى. فإذاً هنالك معجزات غير حسية دائمة. الآن نتحدث عن هذا النص مختلف عن ما سبقه من النصوص العربية، هذا النص محفوظ، مختلف عن كل الكتب الثانية الغير محفوظة، هذا النص أتى به شخص لم يكن عالماً بل كان أُمياً فقفز بالوحى من مرحلة إلى مرحلة، هذه مسألة مرئية ومعروفة. المسألة الرابعة والمُهمة، كل الأنبياء الآخرين سيرتهم غير واضحة وغايبة في التاريخ، يستطيع إنسان أن يقول هل كان في عيسى ولا ما كان في عيسى؟ هل كان في موسى ولا ما كان في موسى؟ يعني ممكن يغالطوا الناس لأنه مافي نصوص ثابتة تاريخياً. محمد صلى الله عليه وسلم معروف متى ولد وكم عاش وماذا فعل في وضح التاريخ. هذه ايضاً من معجزات الواقع، أنه هو سيرته مختلفة من سيرة الأنبياء الآخرين بأنها في وضح التاريخ ولا سبيل للمغالطة أنه ولد في وقت مُعين وعاش في بيئة مُعينة ومات في ظرف مُعين، فسيرة محمد صلى الله عليه وسلم هى نفسها حُجة عشان كدة الكاتب الأمريكي تحدث عن، مايكل هارت (Michael H. Hart) الشخصيات التاريخية المية (The 100 A Ranking of the Most Influential Persons in History)، وضع محمد صلى الله عليه وسلم، مع إنه هو مسيحي، نمرة واحد في التاريخ، ليه؟ لهذه الصفات وهذه المعاني. فهذه الأشياء الآن ما محتاجة لمعجزات مُعينة، هى نفسُها أشياء مُقنعة (لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) [سورة ق الآية رقم 37].

الأستاذ جهاد: السيد الإمام سعدنا جداً بالحوار معك لك الود والتقدير.

الحبيب الإمام: العفو يا إبني.

الأستاذ جهاد: شكراً جزيلاً لك. مشاهدينا الكرام إلى هنا نصل إلى نهاية هذه الحلقة حتى المُلتقى، في أمان الله.