التدبر في ألواح الوطن

الإمام الصادق المهدي

بسم الله الرحمن الرحيم

التدبر في ألواح الوطن

12/1/2020م

  1. علة النظام الديمقراطي في السودان:

ـ الحكم الإمبريالي تعامل مع لبنات البناء الديمقراطي: الأحزاب، النقابات، ومنظمات المجتمع المدني بالريبة باعتبارها مهدداً لسلطانه.

ـ النظام الإمبريالي تعامل مع المؤسسات النظامية لا سيما القوات المسلحة باهتمام ما جعلها متطورة.

ـ نقلت السلطة للقوى السياسية الوطنية وهي تعاني من تلك الظاهرة ومن عدم اكتمال بناء الأمة وتجذر الانتماءات الأولية.

ـ التجربة الديمقراطية المعيارية التي لم تراع أقلمة ثقافية اجتماعية أظهرت العيوب المذكورة وفي الوقت نفسه أعطت فرصة لنمو تيارات فكرية وسياسية راديكالية.

ـ رئيس الوزراء المنتخب عبدالله خليل لجأ للقوات المسلحة كوسيلة لمواجهة الهشاشة التي سببتها العوامل المذكورة. ولكن فات عليه أن للقوات المسلحة رؤية بعيدة عن خياراته لذلك مثلما صار النظام الديمقراطي ضحية لإجرائه فهو نفسه صار ضحية، وقررت قيادة القوات المسلحة اعتبار نفسها المسئولة عن حكم البلاد بلا رعاية منه أو من أي حزب سياسي آخر.

ـ ثورة 21 أكتوبر أطاحت بالنظام العسكري واستردت الديمقراطية دون أية معالجات للنقاط التي أضعفت الممارسة الديمقراطية.

ـ القوى الراديكالية المؤدلجة شيوعية وناصرية احتضنت انقلاباً يسارياً في 25/5/1969م. ونشأ تساؤل عن مركز القرار السياسي: هل هو القوى المدنية السياسية الراديكالية أم قيادة القوات المسلحة؟ الاختلاف حول هذه المسألة أدى للنزاع الذي صارت القوى الراديكالية المدنية المؤدلجة من ضحاياه.

ـ ثورة 6 أبريل1985م أعادت السناريو وعادت الديمقراطية كذلك دون المعالجات المطلوبة، وهذه المرة احتضنت الانقلاب قوى إسلاموية: انقلاب 30/6/1989م.

ـ الانقلاب الأخير كالعادة تنكر للقوى السياسية الحاضنة وصارت هي كذلك من ضحاياه:

ومن يجعل الضرغام بازاً لصيده       تصيده الضرغام فيما تصيدا

الانقلابات الثلاثة تدل على أن الضباط الانقلابيين كانوا منفذين لتدبير قوى سياسية مدنية ثم صاروا أصحاب القرار وضحوا بالذين احتضنوهم.

  1. التجربة اللبرالية من نتائجها نمو قوى سياسية وفكرية في اليمين واليسار والوسط متجذرة صارت حاضنة لمعارضة النظم الأوتقراطية.

كذلك النظم الاوتقراطية لم تدرك وتتصدى لقضايا التهميش السياسي والاجتماعي والاقتصادي الذي  تعاني منه مناطق في السودان.

القوى المتظلمة من هذا التهميش لجأت إلى حمل السلاح والمناداة بأجندة السودان النقيض ووجدت تعاطفاً شعبياً ودولياً.

الرفض المدني والمقاومة المسلحة كان لهما الأثر المهم في الثورة ضد النظم الاوتقراطية.

ـ ثورة ديسمبر2018م كانت لها عوامل مشتركة مع الثورتين السابقتين، ولكنها اختلفت في حماسة وجسارة الشباب الذي أضاع النظام مستقبله. وعامل آخر هو أنها تمثل ثورة عامة لرفض النظم الأوتقراطية التي جعلت حكم المنطقة خارج التاريخ.

ـ التحرك الثوري في السودان يمتاز على مثله في المنطقة بأن الغالب على التحرك الثوري في المنطقة مدرك ما لا يريد دون تحديد ما يريد، ودون بروز معالم قيادات سياسية توفق بين الحماسة الثورية والواقع الذي يمليه توازن القوى. هذا ما تحقق في التجربة السودانية.

ـ التحدي أمام التجربة السودانية هو أن تتمكن من الإبحار عبر الفترة الانتقالية بصورة تراعي توازن القوى وتتطور نحو المرحلة الثالثة للثورة وهي الاحتكام للشعب عبر انتخابات عامة حرة.

ـ ولكن التحدي الأهم هو كيفية أن تكون التجربة الديمقراطية المنشودة مستوعبة لدروس الماضي وقادرة على تحقيق الأقلمة الثقافية والاجتماعية والجهوية التي تجعل الأنموذج الديمقراطي الجديد مستفيداً من دروس تجارب الماضي. هذا في الإطار السياسي.

ولكن هنالك ما يتطلبه مشروع بناء السلام العادل الشامل.

المطلوب تحديد الإجابة: ما هي العوامل التي أدت لحمل السلاح ضد الدولة؟ وما هي آثار الحروب الأهلية التي وقعت لكي يتفق على إزالة كافة الأسباب التي أدت للحروب وعلى إزالة آثار الحروب الأهلية بعدالة وإنصاف.

اتفاق السلام معني بهذين الأمرين فقط، وينبغي ألا يسمح لأية قوى أن تجعل من شعاراتها الأيديولوجية وطموحاتها السياسية شروطاً لإبرام السلام. فإبرام السلام سوف يفتح المجال الديمقراطي الواسع لأصحاب الرؤى الفكرية والبرامج السياسية للتنافس بموجب الاحتكام للشعب. إن أية فرصة لتمكين أصحاب الرؤى الفكرية والبرامج السياسية أن تجعل فرضها شروطاً للسلام لن تؤدي لسلام بل تؤدي لجعل أصحاب الرؤى الفكرية المضادة يحملون السلاح ويصير السلاح هو الحكم لا الاقتراع.

هذان الأمران يتطلبان:

  • أن تستفيد القوى السياسية من دروس الماضي وتهندس نظاماً مؤقلماً يراعي المحافظة على مبادئ الديمقراطية الأربعة: المشاركة، المساءلة، الشفافية وسيادة حكم القانون. ويراعي مبادئ حقوق الإنسان الخمسة: الكرامة، العدالة، الحرية، المساواة والسلام.
  • كذلك يتطلب الدرس المستفاد: أن الديمقراطية السياسية وحدها لا تجدي ما لم تصحبها ديمقراطية اقتصادية اجتماعية تخاطب الخماسية: الأداء التنموي المجدي، إزالة الفقر، التصدي للتهميش، وللعشوائيات، وللعطالة.
  • والأمر كذلك يتطلب ديمقراطية ثقافية تنطلق من ميثاق ثقافي يراعي التنوع الثقافي.
  • ويتطلب الأمر مراعاة التوفيق بين التطلعات الدينية والمساواة في المواطنة.
  1. قضية السلام تتطلب:
  • الإجراءات المطلوبة لإلقاء السلاح التي تبرمج لتحويل القوى المسلحة لقوى سياسية مدنية وأن تخضع عناصرها المسلحة للدمج والتسريح.
  • تحديد الأسباب التي أدت للحرب والتصدي لإزالتها.
  • تحديد آثار الحرب والالتزام بإزالتها.
  • تحديد شركاء مشروع السلام بما يشمل أصحاب القرار الحاكم، قوى المقاومة المسلحة، المتأثرين بالحروب، النازحين، اللاجئين، النزاعات القبلية.
  • ضرورة الفصل بين قضايا السلام المشروعة وأية أهداف أيديولوجية أو سياسية حزبية لأن هذا الخلط إنما يعرقل السلام بخلط الأوراق.
  1. بافتراض أن القوى السياسية الوطنية استوعبت دروس الماضي وأقدمت على خريطة طريق للهندسة المطلوبة. وبافتراض أن مشروع السلام تحددت معالمه دون خلط الأوراق، فإن هنالك مجالات أخرى تتطلب التخطيط لمعالجتها عبر مؤتمرات قومية تنقذ الإجراءات المطلوبة من أية تصرفات فردية أو عشوائية: مؤتمرات قومية مطلوبة: اقتصادي، تعليمي، صحي، إداري، بيئي، أمني وهلم جراً.
  2. ولكن الأداء الوطني يتطلب لنجاحه روافع خارجية:
  • رافع متعلق بالأشقاء في العالم العربي، الموقف السوداني يتطلب ألا ينخرطوا في تجاذب نحو المحاور كما حدث في مناطق أخرى. بل الاتفاق على مشروع مارشال توزع فيه الشراكات التنموية. يساعد على ذلك، بل الشرط في نجاحه هو التصدي لأسباب النزاعات الحادة كما في مجلس التعاون الخليجي لإزالتها، والتصدي للحروب المشتعلة في المنطقة وخلفيتها الطائفية بين أهل السنة والشيعة.

في هذا المجال ينبغي التطلع لاتفاق مثلما عقد في وستفاليا في 1668م ليبرم اتفاق عربي/ عربي واتفاق عربي/ إيراني/ تركي. اتفاقات تؤسس للتعايش السلمي وعدم التدخل في الشئون الداخلية.

  • الأسرة الدولية ينبغي أن تستفيد من دروس تدخلها في المنطقة، فالتدخلات في أفغانستان، وفي العراق، وفي ليبيا أتت بنتائج عكسية.

الدول الكبرى عندها أجهزة استخبارات ذات كفاءة عالية ولكن المشكلة في كيفية استخدام المعلومات. صناع القرار يفهمون تماماً المسائل الدفاعية والاقتصادية ولكن غالباً ما يخفقون في فهم القضايا السياسية والجوانب الثقافية. هذا يفسر التدخلات العسكرية الناجحة والتي يعقبها إخفاق سياسي وثقافي.

العالم كله صاحب مصلحة في الاستقرار في السودان وهو لا يتحقق إلا في إطار ديمقراطي. عدم الاستقرار في السودان يجعله ساحة جاذبة للتطرف من أركان أفريقيا الأربعة.

عندما تدرك الأسرة الدولية أهمية الاستقرار الديمقراطي والتنموي في السودان ينبغي تحويل الاهتمام الحالي تحت عنوان أصدقاء السودان المتوقع اجتماعه في أبريل القادم إلى مؤتمر دولي لدعم التحول نحو السلام والديمقراطية في السودان.

اجندة هذا المؤتمر الدولي حول السودان ينبغي أن تكون:

  • إعفاء الديون على السودان ضمن برنامج (HIPC) وكذلك لأنها تراكمت عبر نظم غير شرعية في السودان.
  • الفصل التام بين السودان المحرر وسودان الطغيان وعدم تحميل النظام الديمقراطي السوداني خطايا و أخطاء وجرائم النظام المباد.
  • التصدي لمشروعات تنموية في السودان في البنية التحتية والاستثمار الزراعي، والصناعي، والتعديني بمشروعات (BOT وPPP) أي أبن وأدر وأعد، والشراكة مع القطاعين العام والخاص.
  • أن يصير المؤتمر الخاص بالسودان نسخة دافوس للسودان.
  • إن للصين دوراً مهماً في أمر الخلاص الوطني في السودان وقد خاطبنا ممثليهم بالآتي:

ـ إعفاء الدين المتراكم على السودان.

ـ الدخول في مشروعات (BOT وPPP) في السودان.

ـ إنشاء معاهد فنية وجامعة تكنولوجية في السودان.

ـ إقامة مركز ثقافي لتعليم اللغة الصينية في السودان.

  1. تغيير البيئة الطبيعية يتجه لجعل كوكب الأرض غير صالح للحياة البشرية.

هنالك برامج مهمة لخفض بث الغازات الدفيئة. ولزيادة الخضرة لامتصاص ثاني أكسيد الكربون. وللتوسع في استخدام الطاقة النظيفة.

السودان من ضحايا بث الغازات الدفيئة وبه مساحات واسعة يمكن أن تكون محلاً للسودان الأخضر.

العدالة البيئية تتطلب أن تساعدنا الدول المعنية ببث الغازات الدفيئة على تحقيق السودان الأخضر، وعلى التوسع في استغلال الطاقة الشمسية.

  1. جدوى هذه المفاهيم تعتمد على التزام القوى السياسية بها والتزام شركاء السلام الأشقاء والأسرة الدولية بها.

إذا تحقق هذا الالتزام الرباعي فإن السودان يستطيع أان يحقق النجاح المأمول وأن يشكل القدوة المطلوبة لعبور المنطقة كلها سلمياً إلى مرحلة تاريخية جديدة واعدة.

أمامنا فرصة تاريخية كبرى نخون ديننا ووطننا وثقافاتنا وقوميتنا إذا فوتناها.