الخطبة التي ألقاها الحبيب الإمام الصادق المهدي في عيد الفطر المبارك 1 شوال 1439هـ الموافق 15 يونيو 2018م

الإمام الصادق المهدي
الحبيب الإمام الصادق المهدي حفظه الله ورعاه إمام أنصار الله

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

خطبة عيد الفطر المبارك 1 شوال 1439هـ الموافق 15 يونيو 2018م

الخطبة الأولى

اللَّهُ أَكْبَرُ.. اللَّهُ أَكْبَرُ.. اللَّهُ أَكْبَرُ

 

 

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، وعلى آلِهِ وصحبهِ ومن والاه، أما بعد-

أحْبَابـِي فِي اللهِ وإخوانِي فِي الوَطَنِ العزيزِ،

عيدٌ مباركٌ، أعادَه اللهُ علينا جميعاً باليمنِ والبركاتِ، وبعد-

يمتازُ الإسلامُ بأنَّ كتابَه معجزةٌ بمعنى خارقٌ للعادة، ولا تُستطاع مجاراتُه، ومع أنَّه أُنْزل على أمة أميّة فإنَّه أنفرد بأنَّ نصَّه محفوظٌ كما نزل به الروحُ الأمينُ.

ويمتازُ الإسلامُ بأنَّ رسولَهُ محمد صلى الله عليه وسلم جمَعَ بينَ خصلتينِ لم تُجْمَعا لغيره: أنَّه نبيٌ، ورجلُ دولةٍ من طرازٍ فريدٍ، ما جَعَل علماءَ من غير المسلمين مِثل مايكل هارت يعدونَهُ الأول في كلِّ تاريخِ الإنسانيةِ.

ولأنَّ رسالتَه جَمَعَت بين النقلِ والعقلِ، وبين الثابتِ والمتحركِ في معادلةٍ لطيفةٍ، صارت الرسالة صالحة لكلِّ زمانٍ ومكانٍ. والشعائرُ التي ألزمَ بها المؤمنين ذات مضمونٍ روحيٍّ امتثالاً لأمر الله، وذات مضمونٍ عقليٍّ. فالصيامُ طاعةٌ لله مأجورةٌ روحياً، ويحققُ مقاصدَ معقولةٍ هي: كبحُ الشهواتِ والمرانُ على الصبرِ، وكسرُ سلطانِ العاداتِ، وتقويةُ العزيمةِ، والشعورُ بمعاناةِ المحرومين، والصبرُ حِمْيةً من آفاتِ السمنةِ التي يحسبُها بعضُ الناسِ عافيةً ولكنَّها مُمْرضة على نحو مقولة النبي صلى الله عليه وسلم: “مَا مَلَأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ، بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ لقيماتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ” .

وصلاةُ القيامِ كسائرِ النوافلِ قُرْبَى لله، ومقاصدُ العمليةِ كَسْرٌ للتخمةِ بَعدَ الإفطارِ مثل حِكْمة “من تعشى تمشى”، ودعمُ التآلفِ بين المصلين.

وزكاة الفطر الواجبة على كل الأفراد المقتدرين سنة، ومن مقاصدها أنها كفارة للهفوات التي تجرح الصيام، وإعانة إنسانية للمحتاجين، وقد قدرت هيئة شئون الأنصار زكاة الفطر 48 جنيه عن الفرد و25 جنيه للفرد لفدية طعام المسكين. ويجب إخراجها قبل نهاية رمضان وقبل صلاة العيد.

أما العيد فهو كذلك سنة، ومن مقاصده بث روح سرور عام لكل أجيال المجتمع، وموسم للتعافي والتصافي، وفرح بأداء فريضة الصيام. أما صلاة العيد فهي سنة مؤكدة. وهي صلاة جامعة في وقت غير معتاد، وفي مكان غير معتاد، وتتخذ شكل مظاهرة إيمانية حافلة بالتكبير والتهليل.

أحْبَابـِي:

مقاصد الشريعة أن تتحد الأمة الإسلامية: (وَإِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ)[1] . ولكن مع هذا التوجيه الرباني فإن الحالة الإنسانية تجعل الاختلاف مصاحباً لها، لذلك قال تعالى: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً ۖ)[2] . بل إن الاجتهاد والتنافس يؤديان دوراً إيجابياً لذلك قال تعالى: (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ)[3] .

المسألة المهمة هي كيف نتعايش مع الاختلافات دون أن نمكنها من صنع العصبيات التي تؤدي للعداوات والمواجهات، بحيث نعتمد المتفق عليه، ونحاور بعضنا بعضاً لمزيد من التوافقات، وما يستحيل الاتفاق عليه لا نجعله مدخلاً للتكفير بل: (اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ)[4] .

أحْبَابـِي

كثيرون في تراثنا تناولوا بيان اختلافات أهل القبلة ككتاب “الملل والنحل” للشهرستاني.. كتب تناولت هذه الظواهر في الماضي، لكن اختلافات الملل ذات التأثير في المجتمعات اليوم ذات مضمون مختلف.

أهم الاختلافات المؤثرة في مجتمعات اليوم هي: السلفية، السلفية الحركية، الشيعية، الأخوانية، الصوفية، المهدوية، والمعاملات الملية.

السلفية تنطلق من مقولة ما لم يعرفه البدريون فليس بدين كما قال سعيد بن جبير. أو ما قاله مالك: السلف الصالح هم الصحابة ومن عاصرهم واقتدى بهم. هذا هو الإسلام ما سوى ذلك بدعة.

السلفية نهج حميد تربوياً ومطلوب في اتباع الشعائر، ولكن يرجى أن تراجع موقفها من أمرين هما مقولة لا اجتهاد مع النص لجواز الاجتهاد في النص ومراعاة التدبر في تناول النصوص كما قال تعالى: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا)[5] . كما ينبغي أن تراجع الموقف من المعاملات والعادات فهذه متحركة كما قال ابن القيم: تغير الفتوى بتغير الزمان والمكان والحال.

السلفية الحركية: هذه انطلقت من فهم معين للولاء والبراء جعلها تكفر الآخرين وتهدر دماءهم ما فتح الباب واسعاً للتطرف والعنف المصاحب له. حركات الغلو والعنف المصاحب له الآن بالعشرات وهم جميعاً يقولون بنصوص من التراث مفادها أن الدولة الوطنية وولايتها باطلة وأن هذه الدول تعتمد على دعم القوى الصليبية والواجب الإطاحة بها لإقامة الخلافة الإسلامية، وواجب المجاهدين تكفير حكام البلاد الإسلامية ومحاربة مسانديهم من القوى الأجنبية بإعلان القتال الجهادي عليهم بمفهوم الولاء والبراء الخاص بهم. هذا المفهوم يشكل حاضناً عقدياً لهذه الحركات، ولا يجدي معها العلاج الأمني ما لم تواجه هذه الحواضن. ويزيد من جاذبية هذه الرؤى صعود التيارات المعادية للإسلام في الغرب وصعود العدوانية الصهيونية.

إن للتكفير في الإسلام ضوابط مؤسسية. وللقتال في الإسلام كذلك ضوابط محكمة.

الدعوة للإسلام ضابطها (ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ)[6] . للقتال ضوابطه وتأسيسه على أحاديث مثل “بُعِثْتُ بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ بِالسَّيْفِ حَتَّى يُعْبَدَ اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ” تناقض القرآن: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ)[7] .

الصوفية: الصوفية ذات دور مهم في التربية الروحية، وفي بسط التسامح، وفي المحافظة على الإيمان في ظروف قاهرة، وكان لها دور مهم في تعلم القرآن. ولكن تتطلب مراجعات في أمرين: الاهتمام بالمناشط الاجتماعية كمنظمات غير حكومية، وتحصين منهجها من الخرافات.

الأخوانية: مهما كان نوايا المؤسسين لحركة الأخوان المسلمين فقد صارت مواقفهم الآن شتى: هنالك من التزموا بنهج الهضيبي في كتابه “دعاة لا قضاة”. وهنالك من انطلقوا من حاضنة أخوانية كما في السودان وقالوا بالحاكمية على نهج الخوارج، وفسروا (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِۚ)[8] على أساس أن الإمرة لله وقدموا أنفسهم أصحاب ولاية هذه الإمرة، واستباحوا لأنفسهم كما في التجربة الانقلابية في السودان الاستيلاء على السلطة غدراً وعن طريق التمكين الانفراد بها ظلماً، ما تسبب في مظالم فادحة ومفاسد طائلة، وهذا يتناقض مع مبادئ الإسلام السياسية التي تحث على الكرامة والعدالة والحرية.

أما في مصر، ففي يوم 2/5/2013م التقينا مع الرئيس السابق محمد مرسي وقلنا له نصحاً هو أن الإعلان الدستوري الذي اتخذه في نوفمبر 2012م، والنهج الحزبي الذي التزمه وتجاوز دور مكونات الرأي العام الأخرى، يخلق ردة فعل مضادة، ومجموعة الإنقاذ المضادة مستعدة للتفاهم إذا عدل هذا النهج، ووعد بدراسة ما قلنا، ولكن القيادة الحزبية الأخوانية في المقطم قفلت هذا الباب ما أدى لردة فعل قوية مضادة، بعدها اتخذت الهيئة الشرعية للأخوان موقفاً عبر عنه إعلان الكنانة ما دعا للقصاص وقتال الدولة. هذا الموقف يتطلب مراجعة أساسية على نحو ما كان في كتاب الشيخ حسن الهضيبي: دعاة لا قضاة. ومقولة منير إبراهيم نائب المرشد: التخلي عن القصاص ورفض العنف، وقد شبه القائلين بحرب الدولة بشباب محمد الذين عاندوا الشيخ حسن البنا باعتباره مهادناً للسلطات.

الحركة الأخوانية ينبغي أن تجري مراجعات للاعتراف بأخطاء التجربة لا سيما في السودان وفي مصر، وبفصل مؤسسة العمل السياسي عن مؤسسة الدعوة، والالتزام بالآلية الديمقراطية لولاية الأمر.

الشيعية: المظالم التي تعرض لها آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم على يد الأمويين والعباسيين تبرر التشيع لآل بيت النبي، ولكن القول بأن الإمامة كالنبوة بأمر إلهي، وأن من جحد ذلك كافر اعتقاد باطل.

ولاية الفقيه في الأمور الشعائرية جائزة، ولكن في الأمر العام كالحكم فالولاية للأمة.

ولكن لهم الحق في اتجاههم المذهبي على أن لا يكفر بعضهم بعضاً. المهم إجراء مراجعات تسمح باعتبار من يؤمن بالتوحيد، وبالنبوة، وبالأركان الخمسة، وبالمعاد مسلماً، على أن تكون المسائل الآخرى اختلافات قابلة للحوار بالتي هي أحسن وبالتعايش السلمي.

المهدوية: عقيدة المهدي تعود لأحاديث نبوية وهي منتشرة في كل فرق المسلمين.

بعض المسلمين أي الشيعة ينتظرون إماماً غاب قبل 13 قرناً أن يعود مهدياً. وبعض المسلمين من السنة ينتظرون مهدياً يأتي آخر الزمان.

نحن الأنصار تسمينا كذلك على أساس قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنصَارَ اللَّهِ)[9] . والمهدية عندنا ليست لشخص غاب ويظهر، ولا لشخص يظهر آخر الزمان ولكن لشخص استجاب لنداء غيبي لإحياء الكتاب والسنة، وتحرير الأمة من التقليد، ومن التسلط الأجنبي وتوحيدها. هذا الخلاص والهداية مطلوب في كثير من الآيات في كتاب الله: (فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَٰؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَّيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ)[10] .

نعم علينا مراجعة تعاليمنا على هذا الأساس، وكذلك على أساس ألا نكفر من لا يؤمن بهذه الدعوة، ونلتزم بالضوابط التي ذكرها المهدي نفسه وهي ما لا يتفق مع الكتاب والسنة يضرب به عرض الحائط.

التعامل مع الخلافات المذهبية والملية: أما الخلافات المذهبية فنعمل أن يتفق كافة أهل القبلة على ما يجمع بيننا كأساس للإسلام، وأن نتحاور بالحسنى وأن نتعايش فيما لا نتفق عليه.

لقد قدمنا سابقاً مشروع ميثاق الإيمانيين الذي يرجى أن يجد تجاوباً واسعاً لدى كل الأطراف لقفل باب الفتنة وتحقيق (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)[11] . هذا الميثاق مهم لقفل باب الفتنة الطائفية والحيلولة دون الاقتتال الذي صار أعداء الأمة يراهنون عليه وعلى استمراره كوسيلة لتقويض الأمة.

والخلافات الملية بيننا وبين الأديان الأخرى تضبط بميثاق الإيمانيين الموجب لاعترافنا جميعاً بمنظومة حقوق الإنسان وكفالة حرية الاعتقاد.

أَيُّهَا الأحباب

لا سلام بين مجتمعاتنا ما لم نبرم سلاماً بين الطوائف، ولا سلام بين الدول ما لم نبرم سلاماً بين الأديان، وما لا يدرك بمنطق الحق لا يمكن إدراكه بمنطق القوة.

إن العصبيات السائدة جعلت أمتنا تعيش في ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ عكس مقاصد التنزيل: (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ)[12] .

أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين.

استغفروا الله فإنه خير الدعاء.

 

 

 

الخطبة الثانية

اللَّهُ أَكْبَرُ.. اللَّهُ أَكْبَرُ.. اللَّهُ أَكْبَرُ

 

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ الوالي الكريمِ، والصلاةُ على النبيِّ محمد، وآله وصحبهِ مع التسليم.

أحْبَابـِي فِي اللهِ وإخوانِي فِي الوَطَنِ العزيزِ،

النظم السياسية التي اتبعت في خلافة دمشق، وخلافة بغداد، كانت أقرب إلى ممارسات القياصرة والأكاسرة منها إلى نظام المدنية. هذا معناه أن ممارسات إنسانية كان لها دور مهم في إدارة شئون المسلمين السياسية في دولتي الخلافة بعد عهد الخلفاء الراشدين.

لقد اكتسبت الحضارة الغربية قوة بموجب ثلاث ثورات ثقافية حققت حرية البحث العلمي والتكنولوجي، واقتصادية سخرت قوى الطبيعة للاستثمار والإنتاج، وسياسية حررت الشعوب من الوصاية.

هذه الانجازات صارت جزءاً لا يتجزأ من واقع الحياة المعاصرة ما جعل استصحابها جزءاً من استصحاب العصر الحديث.

ظن بعض الناس أن هذا الاستصحاب يجب أن يتم عن طريق قطيعة معرفية مع التراث كما قال د. طه حسين في مرحلة من حياته: علينا أن نقتبس الحضارة الأوربية لأنها هي العصر الحديث. هذا هو الفهم الذي تبنته الحركة الكمالية في تركيا. وهو مضمون رواية “أولاد حارتنا” لنجيب محفوظ. ولكن كل محاولة لإسقاط الهوية العقدية والثقافية من أجل التحديث جاءت بنتائج عكسية.

الفكرويات المقتبسة تتطلب مراجعات مراعاة للهوية الثقافية والعقدية: أتناول ههنا أهمها: العلمانية، اللبرالية، القومية، الإشتراكية، الأفريقانية، والعولمة.

العلمانية: فيها محتويات إيجابية: العقلانية، حقوق الإنسان، الدولة المدنية، ولكنها عيبها إنكار الغيب أو ما فوق الطبيعة.

اللبرالية: تكفل الحريات بصورة مطلقة، وتحفظ للإنسان حريته الشخصية. ولكن عيبها خلو الحرية من ضوابط لمصلحة الجماعة.

القومية: اعتراف بواقع الثقافة واللغة المشتركة والتاريخ، وهذه ضرورية ولكن العيب هو في عدم الاعتراف بالتعامل الندي مع القوميات الأخرى المتعايشة.

الإشتراكية: أهم عطائها الاهتمام بالعدل الاجتماعي، ومأسسة الرعاية الاجتماعية، ووضع ضوابط عدالية للنشاط الاقتصادي. ولكن عيبها في التعريف الماركسي حصر القيمة في المادة، وحصر الولاء للطبقة.

الأفريقانية: إيجابيتها تضامن سكان القارة واتخاذ مواقف مشتركة من مظالم أهلها. ولكن العيب هنا ربطها بالإثنية واللون الأسمر.

العولمة: التنمية الإنسانية المستدامة تتطلب 3 غايات: دوام النوع البشري، تحسين الحياة، وترسيخ قيم التضامن الإنساني. هذه الغايات ضرورية وتحقيقها ممكن تحت مبدأ العالمية. ولكن العولمة أتاحت المجال لعوامل ذاتية لصالح القوى المهيمنة.

أحْبَابـِي:

إن الفهم الصحيح للدعوة الإسلامية يستطيع الاستجابة لإيجابيات هذه الأيديولوجيات وأن يتجنب عيوبها.

وإذا تجاوزنا التنظير العام نجد أن السودان بتجاربه التي مرت على كل النماذج مؤهل لفكر موفق بين التأصيل والتحديث.

هذه المهام تتطلب قيام نظام سياسي مسلح بوعي وإرادة سياسية لإيجاد المعادلة الصحيحة في التعامل مع الوافد من الماضي، والوافد من العصر، وكسر الطوق الذي جعل ولاية الأمر بيد حاكم مطلق سواء مارس هذا التسلط بالقوة الجبرية أو تحت شعار إسلامي أو وضعي.

النظام الذي يحكم السودان الآن ارتكب في حقه كبائر غير مسبوقة: تشويه الشعار الإسلامي، تقسيم البلاد، تقويض مؤسسات الدولة الحديثة، إحياء النعرات القبلية، وسائر الكبائر التي ذكرتها في إفطار الأمانة العامة لحزب الأمة القومي في 21 رمضان.

صارت الحالة الاقتصادية لا تطاق ما تسبب في فرار ربع سكان البلاد للخارج حيث يعيش كثير منهم في ظروف مزرية، وعدد كبير من الموطنيين يعيشون في معسكرات نازحين بأعداد كبيرة لا تقل عن 2,5 مليون هؤلاء دمرت حياتهم الطبيعية.

وأرقام تدني المعيشة غير مسبوقة في تاريخ البلاد، وقد صار وزراء الحكومة أنفسهم يعلنون ذلك كما قال وزير الخارجية المقال، وكما قال وزير المالية الحالي اعترافاً بالفشل المالي للحكومة ويأساً من العلاج.

هذا الموقف يواجهه نداء السودان بالعمل الجاد لتوحيد القوى المطالبة بالسلام العادل الشامل والتحول الديمقراطي الكامل.

هذا الموقف الوطني الموحد من شأنه أن يحاصر النظام فكرياً، وسياسياً، ودبلوماسياً فيستجيب للحوار الوطني باستحقاقاته المعلومة لتكون النتيجة برنامج تحول من الاقتتال للسلام ومن الاستبداد للديمقراطية على سنة كوديسا جنوب أفريقيا. أو بلوغ التراكم كتلة حرجة واندلاع حلقة الربيع السوداني الثالثة لتحقيق مطالب الشعب المشروعة.. شعبنا قد واجه أنواعاً من الشقاء، وتدني الحال سوف يؤدي حتماً لأحد الاحتمالين.

انتدب المؤتمر الوطني وفداً لمقابلتنا لحوار حول المصير الوطني. التقينا بهذا الوفد في القاهرة، وأبلغونا بمهمتهم، قلنا لهم من حيث المبدأ نحن نرحب بالحوار من أجل إيجاد مخرج وفاقي لقضايا الوطن، ونرى أن المدخل لهذا هو توفير المناخ المناسب للحوار، وتأكيد الالتزام بخارطة الطريق كأساس لهذا الحوار لتحقيق السلام العادل والحوكمة الديمقراطية؛ وأصدرنا بياناً يوضح للرأي العام وقائع هذا اللقاء.

لا يفوتني هنا أن أشير لبعض قضايا الساعة الملحة داخلياً: قضية إصلاح قانون الأحوال الشخصية لمنع زواج القاصرات ومنع إجبار النساء على عقد الزواج فهو عقد اختياري لا إجباري.

كما لا يفوتني أن أهنئ أخوتنا في لبنان، وماليزيا، والعراق، على إجراء انتخابات حرة وأن أهنئ أخوتنا وجيراننا في ليبيا على ما أبرموا من اتفاق راجياً أن يوفقوا لوقف الحرب الأهلية نهائياً والمحافظة على وحدة ليبيا والاحتكام لنظام سياسي ديمقراطي في ولاية الأمر.

كما أكرر تهنئة أخوتنا أهل فلسطين على صمودهم البطولي في رفض التآمر على القدس وهي خطة ظالمة اعطاها من لا يملك لمن لا يستحق. أقول لهم واصلوا صمودكم، والحق معكم، والشعوب العربية، والإسلامية، والأفريقية، بل العالمية معكم (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ)[13] .

اللهم أرحمنا وأرحم أباءنا وأمهاتنا وأهدنا وأهد أبناءنا وبناتنا، وبارك بلادنا ووفقها لإحدى الحسنيين، وبارك العيد لنا أجمعين، وارحم موتانا، واشف مرضانا.

 

 

والسلام عليكم ورحمة الله

 

 

_____________________________________________________

 

[1] سورة المؤمنون الآية رقم (52)

[2] سورة هود الآية رقم (118)

[3] سورة البقرة الآية رقم (251)

[4] سورة الحج الآية رقم (69)

[5] سورة محمد الآية رقم (24)

[6] سورة النحل الآية رقم (125)

[7] سورة البقرة الآية رقم (256)

[8] سورة يوسف الآية رقم (40)

[9] سورة الصف الآية رقم (14)

[10] سورة الأنعام الآية رقم (89)

[11] سورة الحجرات الآية رقم (10)

[12] سورة إبراهيم الآية رقم (1)

[13] سورة الشعراء الآية رقم (227)