الدولة في الإسلام ومنظور الديمقراطية وحقوق الإنسان

بسم الله الرحمن الرحيم

مركز السلام بجامعة جوبا بالتعاون مع مؤسسة فريدريش آيبرت

ورشة الإسلام السياسي في السودان

15-16 أغسطس 2006م

الدولة في الإسلام

ومنظور الديمقراطية وحقوق الإنسان

الصادق المهدي

مدخل: الدين الإسلامي رسالة لهداية البشر صلاحا للدنيا وفلاحا للآخرة، وقد مر حين من الدهر طرد فيه الدين من الحياة العامة في كثير من المجتمعات الإسلامية بأثر من الغزو الاستعماري الأوربي الذي سعى لاستنساخ تجربته في عوالمنا لتكون على غرار مجتمعاته الأم في أوربا التي كانت قد دخلت منذ عهد التنوير في مواجهة مع الكنيسة وقررت إبعاد الدين من الحياة العامة، هذا هو مغزى الخطاب العلماني الذي ساد لفترة ما في أوربا، وقد بينت في بحثي حول “فك الاشتباك الديني العلماني”[1] أن تلك الدعوات لم تصل لآخر الطريق في الغرب وأنها توصلت الآن إلى معادلات يلعب فيها الدين دورا ما في حياة الغربيين خاصة في الولايات المتحدة، كما بينت أن المقولة العلمانية ما كانت لتنبت في مجتمعاتنا لولا التقليد لأن الإسلام ليس فيه سلطة كهنوتية.  أما في السودان فإن الدين لم يبتعد عن الحياة العامة بالشكل الموجود في كثير من المجتمعات الإسلامية الأخرى، ولذلك لم تجد شعارات بعث الدين في الحياة على يدي الحركات الإسلامية الحديثة نفس المعارضة التي وجدتها في دول أخرى. وقد شهد تاريخ السودان الحديث عدة محاولات لبعث التشريعات الإسلامية والاهتداء بهدي الدين، وقد آن الأوان لبحث كل تلك التجارب واستخلاص العبر منها. ولذلك فإنني أشكر لمنظمي هذه الندوة الاهتمام بظاهرة ما سمي بالإسلام السياسي في السودان، ووضعها قيد البحث.

في هذه الورقة أتطرق  لموضوع الدولة في الإسلام عبر مقدمة حول الدولة في التاريخ الإسلامي، ثم أبين في محور (الدولة في الإسلام) أنها لا تتخذ شكلا ثابتا ولكن تهتدي بموجهات عامة متطرقا لأهم ما ينبغي اعتباره بشأن الدولة في العصر الحديث، وفي محور ثان أقارن وأقارب بين الشورى كمبدأ إسلامي وبين الديمقراطية الحديثة، ثم أبحث في المحور الثالث أسس حقوق الإنسان العالمية الحديثة من وجهة نظر إسلامية. وأتطرق في النهاية لبعض تجارب التشريع الإسلامي في دول حديثة مستخلصا لأهم الدروس الواجب استصحابها.

مقدمة

قام حكم الإسلام أول عهده على الشورى والمشاركة التي جسدها قول أبي بكر الصديق[2] رضي الله عنه (وليت عليكم ولست بخيركم فإن رأيتموني على حق فأعينوني وإن رأيتموني على باطل فقوموني)، وعلى الحرية التي جسدها قول الإمام مالك[3] لأبي جعفر المنصور[4] الذي أراد أن يحمل الناس على الموطأ “لا تفعل  يا أمير المؤمنين فقد سبق إلى الناس أقاويل وسمعوا أحاديث وأخذ كل قوم بما سبق إليهم فدع الناس وما اختار كل أهل بلد لأنفسهم”، وعلى العدالة الاجتماعية التي يجسدها قول عمر بن الخطاب[5] رضى الله عنه : (أنا ملك أم خليفة؟ فرد عليه سلمان الفارسي[6]: إذا أنت صرفت درهما في غير وجهه فأنت ملك وإلا فأنت خليفة) ولكن هذا الحكم لم يتجاوز عهد الخلفاء الراشدين فمنذ عهد معاوية بن أبي سفيان[7] صارت العصبية لا الشورى أساس الحكم وصارت القوة لا العدالة فيصل الرئاسة وبفعل تراكمات الاستبداد السياسي والظلم الاجتماعي والجمود الفكري صارت الأمة الإسلامية لقمة سائغة للاستعمار الأجنبي الذي أخضعها عسكرياً وفكرياً وحضارياً. وكرد فعل للاستعمار الأجنبي وما صحبه من غزو ثقافي تعددت الحركات والدعوات الإسلامية المتطلعة للتحرر التام من النفوذ الأجنبي والبعث الكامل للإسلام بحيث تهتدي بتعاليمه كل مناحي الحياة بما فيها الحياة السياسية. وحتى يتحقق ذلك لا بد لحركة البعث الإسلامي أن تواجه تحديات العصر في كل المستويات وأن تبين موقفاً إسلامياً مقنعاً مضارعاً للفكر السياسي الحديث والمؤسسات السياسية الحديثة وتحدد كيف يمكن أن يقام مجتمع إسلامي نصير للعلم والتكنولوجيا والعدالة والحرية والتسامح وحقوق الإنسان، وكيف يمكن أن تتجاوز المجتمعات المسلمة حالة الاستقطاب الحاد بين موقف الانكفاء الديني الذي يرى أن الإسلام دين ودولة ونظام اقتصادي وعلاقات دولية مستنبطة من مرحلة تاريخية معينة وهو موقف يقود لتعليب المجتمع الإسلامي المعاصر في نمط تاريخي معين، وموقف الأصولية العلمانية التي تريد بالمقابل تعليب المجتمع في نمط وافد معين. هذه المواجهة اليوم تمثلها في الجانب الديني أطروحتا ولاية الفقيه والحاكمية وكلاهما تضعان في السلطة جماعات ستفرض بالقهر السياسي نمطاً وافداً من الماضي. فهذا الانقسام سوف يكرس حالة الانفصام في المجتمع ويتسبب في استمرار الحرب الأهلية الفكرية والسياسية بين  اتجاهي التطرف الديني والتطرف العلماني الذين إذا نجح أحدهما فإنه من ناحية يفرز تجارب معزولة مثل تجربة سعيد بن تيمور[8] قديما والملا عمر[9] حديثاً، ومن الناحية الأخرى تجارب منبتة مثل الكمالية[10] في تركيا.

المحور الأول: الدولة في الإسلام

فيما بعد الصدر الإسلامي الأول قامت الدولة الإسلامية الواحدة على شرعية القوة وفارقت عمليا أغلب الأسس الإسلامية للحكم كالعدل والشورى، ولكن على الصعيد النظري نشأت نظريات في فقه الجمهور حول الدولة الإسلامية أهمها نظريتان:

النظرية السنية: هذه النظرية حددت معالم الدولة الإسلامية قياساً على تجربة عهد الخلفاء الراشدين.  نظرية فصلها على اختلاف في التفاصيل الإمام الشافعي[11] في كتابه (الأم)، وابن قتيبة[12] في كتابه (الإمامة والسياسة )، والماوردي[13] في كتابه (الأحكام السلطانية).. الخليفة الذي يقود هذه الدولة هو خليفة النبي (ص) في حراسة الدين وسياسة الدنيا، وينبغي أن تتوافر فيه مؤهلات أهمها أن يكون عالماً مجتهداً، شجاعا ً، سليم البدن والحواس، قرشي النسب وأن يختاره للخلافة أهل الحل والعقد وهم خيار الأمة بمقياس الشرع من الرجال العدول.

هذه الآراء حظيت بقبول واسع لدى أهل السنة ولكنها لم تطبق ولم تقم بموجبها مؤسسات بل ظلت محض نظرية لأن الحكام منذ الخليفة معاوية بن أبي سفيان أقاموا سلطانهم على القوة لا على الشورى وتداولوا السلطة بموجب الوراثة. هذا النهج اعترف به جمهور الفقهاء. وألزموا الناس طاعته خوف الفتنة.

النظرية الشيعية: على النقيض من هذا الرأي قرر جمهور الشيعة أن قيادة الأمة أي الإمامة ركنٌ من أركان الدين وهي اختيار إلهي مثل النبوة لا يفرقها منها إلا الوحي. والإمام معصوم مطاع على الأمة أن تطيعه مثلما تطيع النبي (ص)، والإمام هو الذي يبين للأمة دينها فلا حاجة لإجماع أو قياس بل الإمام بعلمه اللدني هو والي الأمة في كل شأنها. والإمامة بعد النبي (ص) للإمام علي بن أبي طالب[14] رضي الله عنه ويليه في هذا المنصب أحد عشر إماماً هم أبناؤه الحسن[15] والحسين[16] وتسعة بعدهما من نسل الحسين رضي الله عنه. وآخر هؤلاء الأئمة هو محمد الحجة بن الحسن العسكري[17]. وقد غاب منذ نيف وألف سنة وسوف يعود يوماً وهو المهدي المنتظر قائم آل محمد. وفي غيبة الإمام وعلى مر الأيام نشأت مؤسسة شيعية يقودها مراجع التقليد وهم فقهاء علماء يسمون آيات الله الكبرى وعلى الجمهور تقليدهم في غيبة الإمام.  وبعد نجاح الثورة الإسلامية في إيران أصبحت المؤسسة الشيعية هي المسئولة سياسياً ودينياً عن قيادة إيران. وتبنى الدستور الإيراني نظرية ولاية الفقيه التي دعا إليها آية الله الخميني[18]، الفقيه صاحب الولاية صلاحياته مثل صلاحيات الإمام الغائب تولاها آية الله الخميني حتى وفاته ثم آية الله خامينئي المرشد الحالي.

إن نظام ولاية الفقيه له جذوره في الفهم الشيعي للقيادة الدينية ولكنه لن يجد قبولاً في النطاق السني وإن كانت فكرة الحاكمية التي نادى بها الشيخ أبو الأعلى المودودي[19] تلتقي مع ولاية الفقيه في كثير من الجوانب. ولكن حتى في الإطار الشيعي توجد تحفظات على ولاية الفقيه – تحفظات جهر بها آية الله شريعة مداري[20] وآية الله محمد منتظري[21] وآخرون.

أمام التصور الشيعي للإمامة توجد التحفظات الآتية:

أولاً:    لقد تولى أمر المسلمين بعد النبي (ص) الخليفة أبو بكر رضي الله عنه وبايعه بعد تأخير لنصف عام الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ولم يتول الإمام علي بن أبي طالب الخلافة إلا بعد مقتل الخليفة الثالث. أما أئمة الشيعة الآخرون فلم يتول أي واحدٍ منهم ولاية عامة على المسلمين. والحسن بن علي الذي بُويع بعد مقتل والده تنازل عن بيعته وبايع معاوية.          ومهما كان استحقاق هؤلاء الأئمة فإن الولاء لهم لم يتعد حدود شيعتهم. ثم غاب آخرهم ولم يعد متصلاً بالأمة والحكمة في الإمامة أن يكون صاحبها حياً وعلى اتصال بالناس لأن عليه واجب إرشادهم مثلما عليهم واجب طاعته.

ثانياً: في غيبة الإمام التقليد لمراجع التقليد في كل شيء من أمور الدين والدنيا. هذه الطاعة تفترض أن علمهم بعلوم الدين والدنيا أوسع من علم الناس ولكن الحقيقة هي أن معرفتهم بالعلوم التقليدية واسعة ولكن معرفتهم بالعلوم الحديثة متواضعة، فكيف يفرض تقليدهم في علوم يجهلونها؟

ثالثاً:    ولاية الفقيه تقيم وصاية على الأمة  وتجعل مؤسسات البلاد الدستورية المنتخبة مقيدة. هذا الموقف يمكن احتماله عندما يكون الفقيه صاحب الولاية هو نفسه صاحب الأغلبية الشعبية دون منازع، ولكن منذ عام 1997م لدى انتخاب السيد/ محمد خاتمي[22] اختلف الأمر وصار المرشد والمحافظون المشتغلون بولاية الفقيه أمام قيادة تمثل ولاية الجمهور. هذا الموقف أفرز استقطاباً حاداً داخل مؤسسات الحكم، وفي الموقف السياسي في إيران، وهذا التوتر يضر باستقرار التجربة الدستورية الإيرانية ولا يُرجى حسمه إلا ضمن أحد ثلاثة خيارات:

  • انتصار ولاية الجمهور بالسند الشعبي وتسليم الطرف الآخر بذلك وتعديل فكرة مؤسسة ولاية الفقيه على النحو الذي قال به آية الله شريعة مداري.
  • فرض ولاية الفقيه إرادتها بالشرعية الثورية أي بالقوة وقفل باب الإصلاح.
  • الاتفاق على ولاية فقيه دستورية بمعنى أنها تملك ولا تحكم وتترك الحكم للمؤسسات المنتخبة.

هاتان النظريتان السنية والشيعية لا تصلحان أساساً لدولةٍ عصرية للأسباب الآتية:

أولا: لأن مبادئ الإسلام، وحقائق التجربة التاريخية لا تقول بوجود دولة إسلامية معينة ملزمة للمسلمين في كل زمان ومكان، وشواهد ذلك:

  • في الصدر الأول تولى النبي (ص) والخلفاء الراشدون أمر المسلمين بطرق مختلفة، ومارسوا صلاحيات مختلفة، وحكموا شعوباً مختلفة وبقاعاً مختلفة.
  • الدول التي حكمت المسلمين لمدة أربعمائة وألف عام دول متعددة النظم ونظمها أشبه بنظم الحكم الوضعية المعاصرة لها منها بدولة الخلفاء الراشدين.

ثانيا: لأن ضرورات العدالة اليوم لا تسمح لشخص واحد أن يجمع في يده كل السلطات مثلما فعل الخلفاء تاريخياً، فالتطلع لإمام واحد بالتعيين الإلهي، أولخليفة واحد بصلاحيات الخلافة التي عددها الماوردي[23] يجمعا في أيديهما كل سلطات الدولة ويمارسانها على كافة الشعوب الإسلامية تطلع يناسب الظروف التاريخية الأبوية ولا يناسب النظم المؤسسية الحديثة في إدارة الشأن العام، و   الاتفاق على شخص واحد ليقود المسلمين حتى في الأمور الدينية وفي الوطن الواحد غير ممكن وفرضه بالقوة مستحيل لأن الاجتهادات الدينية متعددة، كذلك الفرق والمذاهب. والمتاح في كل هذه الأمور هو التراضي والتعاون عبر مؤسسات.

ثالثا: إن مبادئ الإسلام السياسية تجعل المسلمين مسئولين عن اختيار الحاكم وهم المسئولون عن محاسبته أي أنه حاكم مدني مفوض أمره للجمهوركما تقبل مبادئ الإسلام السياسية الفصل بين سلطات الدولة، قال القاضي أبو يعلي[24] في كتابه (الأحكام السلطانية): “القاضي إذا ولاه الإمام صار ناظراً للمسلمين لا عن من ولاه فيكون القاضي في حكم الإمام في كل بلد”. هذا مبدأ استقلال القضاء إذن مبادئ استقلال القضاء، ومدنية الدولة، والفصل بين السلطات توجد متناثرة في اجتهادات فقهاء السلف، ولكن التجربة الدستورية الغربية هي التي أجْلَت هذه المفاهيم وأقامت لها المؤسسات وضبطت ممارستها وبما أن العدل من أهم مقاصد الشريعة وإن الفصل بين السلطات من أهم شروط العدل فيجب قبول مبدأ الفصل بين السلطات لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.

الإسلام والدولة الحديثة:

إن التخطيط لحاضر ومستقبل النظم السياسية في العالم الإسلامي على ضوء هداية الإسلام لابد أن يستصحب جملة من الحقائق:

أولا: المستجدات: أن الدولة الحديثة كما نعرفها اليوم (سلطات تنفيذية وتشريعية وقضائية، وشعب، وأرض) حدث جديد في العالم ولا يوجد في تاريخ الإسلام مثلها.

ثانيا: المبادئ والتشريعات: أن ليس في الإسلام دولة معينة يلزمنا الإسلام أن نقيم  مثلها في كل زمان ومكان بل هناك مبادئ سياسية إسلامية عامة: كالشورى والعدل والوفاء بالعهد وأداء الأمانة، والنصيحة، والصدق، وسيادة أحكام الشريعة، والقيادة الرشيدة، والرعاية الاجتماعية. وشرائع محددة فالواجب هو الالتزام بهذين الأمرين، أما فيما عداهما فإن شكل الدولة التراثية الإسلامية ومؤسساتها وأجهزتها وسائل عرضية تاريخية، يمكن تجاوزها دون حرج وتبني النظم الدستورية الحديثة مع الالتزام بالمبادئ والشرائع الإسلامية. وما دام الإسلام حياً فسيكون له دوره في الحياة عبر العقيدة والعبادة والشريعة وعبر مبادئه السياسية والاقتصادية والاجتماعية وقيمه الخلقية.

ثالثا: الاجتهاد المتجدد: التطبيقات الإسلامية توجب اجتهاداً متجدداً في الأحكام يراعي ظروف الزمان والمكان كما يراعى التدرج المسنون فلا توجد تعريفة واحدة ملزمة للناس في كل زمان ومكان. وما دام المجتمع حيا فسوف يحترم حقوق كافة مواطنيه الدينية والإنسانية والاجتماعية وسوف يطلع على منجزات وتجارب الإنسانية ويستصحبها بطريقته. وسوف يستطيع المجتمع الحي التوفيق بين هذه التطلعات والمطالب عبر اجتهاده وحركته فالأمة منذ ختم الوحي هي مناط التكليف.

رابعا: المؤسسة التشريعية: في كتابي “العقوبات الشرعية وموقعها من النظام الاجتماعي الإسلامي”[25]، أكدت أن الوسيلة الأفضل في ظروفنا المعاصرة لتطوير الفقه الإسلامي وجعل أحكامه مادة للقوانين هي تكوين مؤسسة مكونة من ثلاثة شعب: الشعبة الأولى: هيئة الموسوعة. وهي هيئة للموسوعة الإسلامية مهمتها إحصاء كل آراء المجتهدين المسلمين عبر العصور، وإحصاء وتنظيم أدلة الآراء المختلفة وبيان الآراء التي كانت محل اتفاق الجمهور وآراء الآحاد والأقليات، وجعل كل تراث الفقه الإسلامي وتفسير القرآن والأحاديث مبوبا ومرتبا، بحيث يسهل الرجوع إليها بسرعة ودون عناء. الشعبة الثانية: هيئة الخبراء. وهي تتكون من علماء في الشريعة الإسلامية وفقهاء ومتخصصين في القانون الوضعي وفي الاقتصاد وفي السياسة وفي الإدارة وفي العلاقات الدولية وسائر العلوم الاجتماعية وينظم هؤلاء أنفسهم داخليا بحيث يستطيعون استنباط أحكام من الكتاب والسنة واقتراح ديوان شامل :جنائي، مدني، شخصي، دولي، وحيثما لا يتفق رأيهم حول الاستنباطات المختلفة يسجلون الآراء المختلفة. والشعبة الثالثة: هيئة تشريعية. وهي هيئة تنوب عن الأمة نيابة صحيحة وحرة هذه الهيئة هي التي تنظر في ديوان القوانين الذي تعده هيئة الخبراء وتشرع بأغلبيتها القوانين. ولها أن تبادر ما تشاء في سن التشريعات، على أن تستعين بهيئة الخبراء للتأكد من أن تشريعاتها لا تعارض أصلا قطعيا من أصول الشريعة الإسلامية.. فهذه المؤسسات ذات الثلاث شعب هي المؤسسة التشريعية الإسلامية الملائمة لمبادئ الإسلام والمناسبة للعصر الحديث.

خامسا: غياب دولة الخلافة: واقع الحال اليوم لا يسمح ببسط دولة واحدة سلطانها على كل المسلمين وهي ظاهرة اختفت من دنيا المسلمين منذ سقوط الدولة الأموية في 150 هـ وبعدها تعددت الدول التي حكمت المسلمين قبل أن يتسلط عليهم الحكم الأجنبي ويرسخ تفرق دولهم.

سادسا: الدولة الوطنية: الدولة الوطنية الحديثة شكل سياسي جديد نتج عن التطور في أوربا بعد حروب كثيرة انتهت إلى صلح وستفاليا في عام 1648م وهذا التكوين اكتسب وجودا ودوراً مفيداً في تحقيق الأمن وكفالة سبل المعيشة والتنمية والنظرة السليمة للرابطة الوطنية هي انها تطوير لرابطة الأسرة والقبيلة وهي تكوين صالح لأداء وظائف أمنية وتنموية معينة وقابل لاستيعاب وحدات جهوية أصغر وقابل للتطور إلى وحدات تضم أكثر من دولة لأغراض ترضاها الدول الأعضاء وينبغي عدم النظر للرابطة الوطنية بريبه وعدم وضعها في مقابل الولاء للأمة الأكبر وللحفاظ على الوحدة الوطنية لابد من الالتزام بالمبادئ التالية:

  1. المساواة في المواطنة.
  2. المواطنة أساس الحقوق الدستورية.
  3. حرية الانتماء الديني والهوية الثقافية، ولهذه ثلاثة شروط: لا تنال أية مجموعة امتيازا بسبب انتمائها الديني أوالاثني أو الثقافي، ولا تجور على حقوق غيرها، وتحقق تطلعاتها بآلية ديمقراطية لا تحكما.
  4. التكوينات السياسية التي تسعى لتداول السلطة تكون بحكم دستورها والدستور القومي مفتوحة لكل مواطن.
  5. أساس العلاقة: عهد المواطنة مكتوبا أو غير مكتوب.

سابعا: القومية: إن في رحاب الأمة الإسلامية قوميات عديدة، الإسلام لم ينف الانتماء القومي بل استصحبه بصورة جعلت العرب يحققون بالإسلام أمجد أيامهم، كذلك حققت القوميات الأخرى الطورانية، والفارسية، والهندية، والأفريقية، بالإسلام أمجد أيامها وأفضل عطائها.  إن علينا الاعتراف بأهمية الانتماء القومي لاسيما على أساس ثقافي ولغوي لا عرقي، وهذا بالفهم المرن لا يتعارض مع انتماءات أوسع للأمة، ولا أضيق للوطن، اللهم إلا إذا ارتبطت القومية بالعصبية، العصبية هي الشعور الذي يمقته ويرفضه الإسلام. قال الإمام علي ابن أبي طالب: “ليست العصبية أن يحب المرء قومه بل العصبية أن يرى أشرار قومه خيرا من خيار الآخرين”. الفهم الحصري أي الذي ينفي غيره هو الذي يؤدي للتناقض في الانتماء الوطني والقومي والإسلامي، ولكن الفهم الوسطي يسمح بتكامل هذه الروابط.

ثامنا: نظام الأمم المتحدة: واقع المسلمين اليوم تحكمه دول قُطرية تقوم على أساس المواطنة وهي مسئولة عن الإدارة والمعيشة وحفظ الأمن. وهذا الواقع يقوم عليه ويدعمه نظام الأمم المتحدة، إن المواطنة التي تقوم عليها الدولة القُطرية عهد، كذلك مواثيق ونظم الأمم المتحدة تقوم على عهود، وليس في هذه العهود الملزمة ما يمنع قيام اتحادات بين الدول لتحقيق مصالح معينة أو لتحقيق مبادئ معينة، ولكنها اتحادات سوف تقوم على التراضي والمصلحة المشتركة.

تاسعا: الحكم الراشد: الحكم الراشد قيمة تطلع إليها الإنسان عبر العصور وهو يقوم على أربعة أركان: المشاركة- المساءلة- الشفافية- وسيادة حكم القانون. هذه القيم كلها توجد في النصوص القطعية الإسلامية.. إنها تتطابق مع مبادئ الإسلام السياسية.. أخرج الطبري[26] في تاريخه وابن سعد[27] في الطبقات أن عمر بن الخطاب[28] رضي الله عنه قال لسلمان (الفارسي): أملك أنا أم خليفة؟ قال له سلمان: إن أنت جبيت من أرض المسلمين درهما أو أقل أو أكثر ثم وضعته في غير حقه فأنت ملك غير خليفة.. فاستعبر عمر –  بكى- وأخرج ابن سعد عن عمر أيضا أنه قال: “والله ما أدري أخليفة أنا أم ملك؟” فإن كنت ملكا فهذا أمر عظيم! قال قائل: يا أمير المؤمنين إن بينهما فرقا. قال ما هو؟ قال: “الخليفة لا يأخذ إلا حقا ولا يضعه إلا في حق. وأنت بحمد الله كذلك، والملك يعسف الناس فيأخذ من هذا ويعطي هذا”[29]. هذه شواهد من ثقافتنا الإسلامية. والشواهد من الثقافة الإنسانية كثيرة. قال اللورد أكتون وهو مؤرخ بريطاني شهير: إن حس الإنسان الخلقي يضمر كلما زادت سطوته. وقال: “عندما تتركز السلطة في أيد قليلة غالبا ما يسيطر رجال بذهنية العصابات، هذا ما أثبته التاريخ”، وقال: “كل سلطة تفسد، والسلطة المطلقة إفساد مطلق”.

والنصوص الإسلامية التي تؤكد مبادئ الشفافية وتحرص على نقاء ذمة الحكام وانتفاء المحسوبية وغير ذلك من مصدات الفساد كثيرة، وحيثما افتقد المسلمون هذه المبادئ طالبوا بها واحتجوا على الحكام.. لقد احتج بعض الصحابة على ممارسات الخليفة الثالث عثمان بن عفان[30] عندما أقطع أرض كسرى الخاصة لنفسه وجعل منها عطاياه وصلاته. وكان أبو ذر الغفاري[31] كبير المحتجين حتى أن عثمان نفاه من المدينة.. هذا الاحتجاج كان أكثر حدة لدى الخليفة الأموي الأول[32] الذي جعل الخلافة ملكا وتوالت بينه وبين أبي ذر المواجهات: قال أبو ذر لمعاوية: ما يدعوك أن تسمي مال المسلمين مال الله ؟ قال معاوية: يرحمك الله يا أبا ذر. قال أبو ذر: فلا تقله. قال معاوية: فإني لا أقول أنه ليس لله ولكن سأقول مال المسلمين.

ثم جاء حكم بني مروان الذي أوغل في الاستبداد وبالتالي في الفساد:

مهر الفتـاة بألف ألف كامل           وتبيت سادات الجنود جياعا

لولا أبي حفص أقول مقالتي          وأقص ما سأقصكم لارتـاعا

المشاركة تنفي الانفراد بالرأي الجالب للفساد كما بينا آنفا، قال تعالى: ) إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى([33]، والمثل السوداني يقول “القادر عايب”. والمساءلة نافية للتصرف دون وجه حق وهو ما يسمح به الانفراد بالأمر ويصوره المثل السوداني الخاص بـ “نعامة المك”، ونعامة المك هذه تتحرك بحرية تقتحم مزارع الناس ومحصولاتهم ولا يجرؤ أحد على طردها: “منو البقدر يقول ليها تك”!!. وإذا غابت الشفافية استطاع الطغاة أن يخفوا أعمالهم الظالمة.. إن البشر يحبون أن يخفوا الأعمال السيئة، والشفافية تصدهم عن ذلك، لذلك قيل إن “الليل قواد” بمعنى أنه يساعد على التخفي، وإن “النهار نمام” بمعنى أنه كاشف للخفاء.  أما سيادة حكم القانون فهي التي تؤكد للكافة أنه لا كبير على القانون فيخضع الجميع له.

عاشرا: المسألة الثقافية: الاجتهاد الإسلامي المنكفئ يحصر المعرفة في استنباطات الفقهاء ويفسر النصوص بصورة يستحيل معها التعايش مع الآخرين، الثقافة كما يعبر عنها هؤلاء ستعرقل التنمية البشرية. الأصولية العلمانية تحصر المعرفة في عالم الشهادة، والفكر الغربي منذ القرن التاسع عشر وأتباعه في الشرق يبشرون بانقراض الثقافات، وهو ما ظهر زيفه في أواخر القرن العشرين. الصحيح أن نعترف بمصادر الوحي وبعطاء الإنسان بالعقل والحكمة والتجربة والمصلحة لفهم الحقائق، وأن نعترف للثقافة بمكانتها فمهمشو الثقافة يعزلون قضيتهم. المطلوب هو تحقيق ثورة ثقافية منطلقة من مقومات ذاتية وليست صدى لمطالب وافدة في بناء عصري مؤصل. يمكن للحضارة الغربية أن تعاكس هذه الثورة بسيادة تيارات الاستعلاء فيها، أو تساعدها بسيادة الاستنارة التي تعترف بدينها للحضارات الأخرى وبدور تلك الحضارات وطوعية أقلمتها لمنجزات الحضارة الغربية وتقبل الحوار معها. إن ما حدث عقب أحداث 11 سبتمبر من ازدياد شعبية المواقف المتشددة في الغرب وفي الشارع الإسلامي ينذر بتصاعد حوار أحمق يدخل العالم في عهد ظلامي. اللهم إلا إذا برز الرأي الغربي المستنير والرأي الإسلامي الصحوي واستطاعا أن يخلقا خيارا كسبيا.

المحور الثاني: بين الشورى والديمقراطية:

الشورى منسوبة للحضارة الإسلامية والوحي، والديمقراطية منسوبة للحضارة الغربية وللتجربة الإنسانية، وكلاهما يدخل في صميم المسألة السياسية.. كل ذلك يجعل المقاربة والمفارقة والمقارنة بينهما محملة بمعان كثيرة.

الشورى: الشورى نص قرآني )وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ( [34]وتعتبر استشارة أهل الرأي، وقد اختلف في إلزاميتها، وحول أهل الرأي. يلزم الشورى أسس مساندة هي: الحرية، منع الانفراد بالسلطة، والاعتراف بمشروعية التعددية. مورست الشورى ثم اختفت وصارت فريضة سياسية غائبة، ثم أدت الأحداث التاريخية لدى الفتنة والعهدين الأموي والعباسي إلى ميل نحو الاستقرار على حساب الإصلاح.. انقطعت الشورى من الواقع الممارس في البلدان الإسلامية قبل أن تمسها الفتوحات الغربية.

الديمقراطية: باستثناء تجربة أثينا القديمة، فإن الحكم في العالم القديم قام على الوراثة والاستبداد. النظام السياسي الأوروبي الحديث نشأ مع صلح وستفاليا، ثم الثورتين الأمريكية والفرنسية ما أسفر عن نظم دستورية نيابية مؤسسية تقوم على فصل السلطات، صاحبتها الثورة الصناعية في بريطانيا. كل ذلك أدى للدولة الوطنية والنظام الديمقراطي والنيابي والنظام الرأسمالي الحديث. واجه النظام الديمقراطي التحدي الفاشي ثم التحدي الشيوعي الذي انتهى في 1991م. أهم إنجازات العقل والتجربة السياسية الغربية هي: الاعتراف بحقوق الإنسان الذي تطور عبر درجات، التداول السلمي للسلطة، القوات المسلحة المنضبطة الخاضعة للقرار المدني، وتحقيق معادلة تعايش بين الدين والسياسة.

ضج القرن العشرين بالاضطرابات ثم انتهى إلى أهمية الحكم الصالح وأفضل وسائله الديمقراطية كما جاء في إعلان الأمم المتحدة للألفية الثالثة. ولكن البلدان الإسلامية التي غيبت الشورى قبل الاتصال بالحضارة الغربية، غيبت الديمقراطية بعده، دفعها لذلك: النظم الأوتقراطية الحاكمة، والعزوف الغربي عن الديمقراطية خارج الغرب، وموقف بعض الإسلاميين العدائي تجاه الديمقراطية، وزهد الصفوة في البلدان العربية في الديمقراطية.

أخفقت نظم الوصاية الاشتراكية والقومية والإسلاموية التي فرضت نفسها بالقوة، وتعددت اعترافات مختلف الفصائل في الآونة الأخيرة برجحان الديمقراطية. أما مواقف الغرب فإنها خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر2001م تحولت وأظهرت العديد من المقالات فكرة أن الإرهاب ينمو في ظل القهر والقضاء عليه يتطلب الإطاحة بالطغاة.

المجتمعات العربية والإسلامية تعاني من كساد اقتصادي مظاهره ارتفاع نسب النمو السكاني مقارنة بالاقتصادي، وأن بلدان النفط ريعية الاقتصاد، كذلك ارتفاع نسبة الأموال المغربة. وتوجد مظاهر اجتماعية سالبة مثل تهميش النساء والشباب والعطالة والتطلع الكبير للهجرة للغرب.. هذه المؤشرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية السالبة تهدد السلام الاجتماعي.

نظم الحكم العربية والإسلامية في ميزان ديمقراطي: نشرت منظمة الأمم المتحدة للتنمية تقريرا عن التنمية البشرية في الشرق الأوسط في عام 2002م[35]، وضع ذلك  التقرير نظم الحكم العربية من حيث توافر الحكم الصالح بمقياس ديمقراطي في خانة الإدانة. أربع مقولات تدفع هذه الإدانة هي: مقولة هجومية تعتبر الديمقراطية غزوا ثقافيا (مع أن رفض المفاهيم والنظم بحجة أنها آتية من مصادر غير إسلامية ينافي مبادئ الإسلام وتجربته التاريخية) ومقولة تبريرية ترى أن الديمقراطية لا تناسبنا بسبب الحرية اللامحدودة مع أنه لا توجد ديمقراطية تعمل بدون سقف. ومقولة اعتذارية بأن الديمقراطية تفشل في مجتمعات متخلفة مع أن التجربة أثبتت أن الأوتقراطية أكثر فشلا. ثم مقولة تسوق حجة هيكلية مفادها زيف الديمقراطية أصلا واستحالة النيابة، مع أن الديمقراطية هي الطريقة المؤسسة الوحيدة المتاحة لإدارة الاختلافات سواء الموروثة أو الفكرية أو الطبقية الحتمية بين الناس.

المقاربة والمقارنة بين الشورى والديمقراطية:

  • كلاهما يوجب اعترافاً بكرامة الإنسان ويكفل حقوق الإنسان، لأن الشورى تدخل ضمن نظام اجتماعي وسياسي تحكمه مبادئ العدل والمساواة يكفل حقوق الإنسان على النحو الذي سنبين لاحقا.
  • كلاهما يمنع الانفراد بالسلطة.
  • كلاهما يوجب احترام استقلال القضاء وسيادة حكم القانون.

مع هذه العوامل المقاربة هناك قطعاً اختلاف بحيث يمكن القول: أن الشورى مماثلة للديمقراطية ولكنها ملتزمة بسقوف كما أن الديمقراطية مماثلة للشورى ولكنها مرتبطة بآليات تطبيقية. بل أقول إن التأقلم الثقافي يوجب على الديمقراطية أن تراعي سقوف الشورى. وأقول إن الجدوى التطبيقية توجب على الشورى استصحاب آليات الديمقراطية. وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.

ولكن مع هذا اللقاح بين المفهومين فبالإشارة للتجربة الغربية تبقى ثلاثة خصوصيات يوجبها الالتزام الإسلامي هي:

  • حقوق الإنسان وحرياته الأساسية وإن تطابقت إلى حد كبير في الحالين فإنها في المفهوم الإسلامي تستند إلى جذور روحية وخلقية تعطيها قدسية وعمقاً إضافياً.
  • التوجه الإسلامي يراعي التربية الروحية والخلقية على الصعيد الفردي، ويهتم بالرعاية الاجتماعية والعدل والتكافل وبنهج موزون يصون الإنسان والحيوان والنبات والجماد. وهي معان ٍ لا يلتزم بها النهج الغربي الفردي. ولكن الفكر الغربي المستنير لا يغفلها.

ج- لقد أشرت كثيرا لحضور الدين في السياسة الغربية وفق معادلة تجعل للكنائس دورا غير مصدق به رسميا في قيادة المجتمع. ولكن من  الجانب النظري، فإنه وفي إطار التجربة الغربية يقوم التعايش بين الأديان على أساس إبعادها من الشأن العام أي مساواة سلبية. في الإطار الإسلامي يقوم التعايش نظريا على أساس إيجابي لأنها تعبر عن قيم روحية وخلقية وتعبر عن غايات الحياة العليا وهي مسائل هامة لحياة الإنسان الخاصة والعامة. أي أن التعايش هنا يقوم على أساس إيجابي[36].

أزمة الحكم في البلاد العربية والإسلامية: نظم الحكم في العالم العربي الإسلامي في حصار متعدد الجبهات من: التيارات الحركية الإسلاموية ومطالبها- التيارات اللبرالية العلمانية ومطالبها- تيارات الصحوة الإسلامية ومطالبها- تعرية التطورات الاستراتيجية في عدة مواقع لنظمها الرسمية- نهاية رضى الغرب عنها بأحداث سبتمبر- المطالب الديمقراطية العالمية. استمرار الحال مع هذا الحصار كما هو عليه مستحيل. الاحتمالات هي: حيثما توجد مؤسسات مجتمع مدني قوية يمكن حدوث ثورات- أو حدوث انقلابات عسكرية بدعم أجنبي- أو تحول سلمي ديمقراطي.. الاحتمال المأمون والأفضل هو التحول الديمقراطي المحسوب، الذي يوجب التعددية والالتزام بالمواثيق الدولية، والتسامح الديني والسياسي، واستقلال القضاء، والانتخابات النيابية الحرة، وتكوين نظم دستورية توفق بين التأصيل والتحديث.

المحور الثالث: الإسلام وحقوق الإنسان:

انفرد الإسلام بين كافة الأديان العالمية بالاعتراف بالإنسان كإنسان إذ قال تعالي: (َولَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ([37]وقوله: } لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيم {ٍ[38]. وترتبت علي هذا الاعتراف حقوق عملية ورد النص بها في صحيفة المدينة التي كتبها النبي صلي الله عليه وسلم مع أهل يثرب بعد الهجرة. وفي عام ضربت فيه المجاعة مكة أرسل النبي صلي الله عليه وسلم لأهلها إغاثة إنسانية وكانوا على الشرك.

حقوق الإنسان في الإسلام تبدأ منذ الحمل به أو قبل ذلك باختيار الأبوين الصالحين حتى لا ينشأ في منبت السوء، ثم تستمر وهو في المهد حيث يولد في عش الزوجية المفروش بالسكينة والرحمة والمودة وجوباً، إلى مثواه الأخير حيث يشيع في جنازة مهيبة: وكان رسول الله (ص) وقف إذ مرت به جنازة يهودي فراجعه بعض الصحابة فقال “إِذَا رَأَيْتُمُ الْجَنَازَةَ فَقُومُوا لَهَا”[39]، وتنتهي إلى الصلاة على الميت ودفنه بطريقة تستر جثمانه. وفيما بين المولد والدفن للإنسان حق الحياة، وسلامة الجسد، والحرية، والمساواة في المعاملة، والملكية الخاصة، وحرية الضمير، وسماع أقوال المدعي والمدعى عليه قانوناً وبراءة المتهم حتى تثبت إدانته، وأن لا عقاب بلا سابق إنذار، وحمايته من التعذيب، وحق التنقل، وحق اللجوء.

كرامة الإنسان وحقوقه الإنسانية تنبع من حيث كونه إنسانا مكرما، قال النبي (ص): “ثلاث الكفر والإيمان فيهن سواء: إذا عاهدت فأوف بالعهد، وإذا اؤتمنت فأد الأمانة، وأد حق الرحم”.

لقد بدأ الإسلام من حالة فاضلة بالنسبة لحقوق الإنسان، وحقوق المؤمنين، وحقوق الفصائل الأخرى  وتدنت الحالة عبر التجربة التاريخية بسبب الركود الفكري والاستبداد السلطاني.

كانت التجربة الغربية على العكس من هذا تماماً. فالمسيحية تحبس الإنسان في الخطيئة الأولى التي تجرده من أية كرامة ما لم يؤمن بفداء السيد المسيح عليه السلام واليهودية تقسم البشر إلى قسمين بني إسرائيل وهم المختارون، والأميين وهم المفضولون. وتجربة الغرب مع الإنسان كانت في غاية الفظاعة فالشعب الأحمر في أمريكا أبيد إلا قليلاً، والشعوب السوداء التي سيقت في التجارة عبر المحيط الأطلسي واجهت قسوة واضطهادا لم تعرف الإنسانية مثله. والحروب الدينية بين الكاثوليك والبروتستانت والطوائف الأخرى كانت الأكثر دموية وديمومة.

إن تراث الاقتتال الغربي لا يماثله شئ في كل التاريخ الإنساني وقد بلغ قمته في الحرب الأطلسية الأولى (1914 –1918 ) والحرب الأطلسية الثانية (1939-1945) كانت التجربة الأمريكية والأوروبية والغربية كما في هاتين الحربين، وكما في استعمار وإخضاع الشعوب، وكما في النازية، وكما في الشيوعية، قمة الإهدار لكرامة الإنسان، وسفك دمه، وتحقيره وإذلاله.

إن فظاعة هذه التجربة الطامة هي التي أيقظت الضمير الإنساني في أمريكا وأوروبا والغرب فاندفع في اتجاه التكفير والاعتراف بكرامة الإنسان وحقوقه. هكذا اتجهت حقوق الإنسان في التجربة الغربية من الحرمان والإنكار إلى الاعتراف والتقنين الذي توج بإبرام ميثاق الأمم المتحدة في 1945، وانطلاقا من مبادئ تضمنها الميثاق صدر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في 1948م.. وهو مكون من 30 بندا جسدت المبادئ الإنسانية كما تصورها الفكر اللبرالي الغالب على مثقفي تلك المرحلة. ولكن بعد الحرب تمدد نفوذ الطبقات العمالية وعلت أصوات المثقفين الاشتراكيين فتطورت المعاهدات الخاصة بحقوق الإنسان لتجسد هذه التطورات فصدر في عام 1966 عهدان: العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي فصل بصورة أكبر هذه الحقوق، والعهد الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المدفوع بالفكر الاشتراكي. وكانت الإضافة الحقيقية فيه هى مسألة العدالة الاجتماعية (صار هذان العهدان- بإضافة البروتوكولين الملحقين بالعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية- والإعلان العالمي، يشكلون الصكوك الدولية المرجعية فيما يسمى الشرعة الدولية لحقوق الإنسان). وأثناء الحرب الباردة برزت مشاكل عالم الجنوب وبرزالاهتمام بحقوق الإنسان الجماعية في تقرير المصير، والتنمية، والهوية الثقافية. وبهذا دخل الإنسان مرحلة تمثل حقوق الإنسان الجماعية التي تمثل الجيل الثالث لحقوق الإنسان. واعتبرت الحقوق البيئوية والحق في السلام حقوق الجيل الرابع التى تسعى للحفاظ على ايكولوجيا الأرض.  الإنسان اليوم يتطلع لكفالة حقوقه بأجيالها الأربعة: اللبرالية، والاجتماعية، والجماعية، والايكولوجية. هذا التطور تجسده اليوم مواثيق ومعاهدات دولية تشكل مع بعضها بعضا منظومة حقوق الإنسان العالمية.

واستنادا إلى الشرعة الدولية للحقوق أعلنت عهود ومواثيق ذات موضوع واحد مثل: اتفاقية الإبادة الجماعية واتفاقية الحقوق السياسية للمرأة، واتفاقية القضاء على التفرقة العنصرية، واتفاقية مناهضة التعذيب، واتفاقية حقوق الطفل، وهلم جرا..

الدول الإسلامية جزء من النظام العالمي المعاصر ولكن أمامها وأمام شعوبها تساؤل هام: هل يجيز الإسلام للمسلمين قبول هذه الأدبيات الحقوقية الإنسانية أم لا؟! سنتعرض هنا فقط للإعلان العالمي لحقوق الإنسان بشيء من التفصيل.

كثير من البلدان الإسلامية وغير الإسلامية يجيبون على سؤالنا أعلاه بالنفي ويستشهدون بتناقض بعض ما جاء في هذه الإعلانات والمواثيق وبين أحكام إسلامية معينة ويحتجون بالخصوصية الثقافية مانعا لهم من قبول ما جاء في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

إن النظم الاستبدادية في عالم اليوم ترفض كثيرا من بنود الميثاق العالمي لحقوق الإنسان لأنها تسلبهم امتيازاتهم الاستبدادية ويحتجون بالخصوصية الثقافية. نعم هناك خصوصية ثقافية ولكنها ليست جامدة فالإسلام الذي جاء بنصوص واضحة في الكتاب والسنة أوجب على المسلمين مراعاة الحكمة، والعقل، والمصلحة، وظروف الزمان والمكان: )أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا{ [40].

نعم هناك تناقض بين بعض ما جاء في المواثيق الدولية في حقوق الإنسان وبين أحكام إسلامية استنبطت في الماضي وكرسها اجتهاد بعض الأقدمين ولكن اجتهادهم مع صحته في ظروف الماضي ليس ملزما في الحاضر ولا في المستقبل.

التناقض بين الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وفقه الجمهور:

إذا استعرضنا الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لوجدنا على الأقل نقطة واحدة في المقدمة وخمسة بنود في أصل الإعلان يمكن أن تتعارض مع فقه الجمهور لأحكام الإسلام. لقد بينت في كتابي “العقوبات الشرعية وموقعها من النظام الاجتماعي الإسلامي” أن فقه الجمهور يشكل لنا ذخيرة ومرجعا هاما في فهم نصوص الدين ولكنه ليس ملزما للمسلمين اليوم، بل عليهم الاجتهاد بشكل مؤسسي فصلته في الكتاب المذكور لمعالجة ما يطرأ من مشاكل وللخلوص لفقه يتناسب مع عصرنا ومع ظروفنا.

أما النقطة في المقدمة التي تتعارض مع فقه الجمهور فهي تلك التي تنص على ضرورة إقامة العلاقات بين الأمم على المودة. أما البنود الخمسة في أصل الميثاق فهي البنود 4، 5، 16، 18، و19.

العلاقات الدولية القائمة على المودة:

يرى بعض المسلمين أن الإسلام لا يمكن أن يتعايش مع الملل والنحل الأخرى سلميا. قال: سيد قطب[41] “إن سورة براءة هي السورة الفاصلة في بيان التعامل بين الإسلام والأمم الأخرى”. وفي سورة براءة ثلاث آيات سميت آيات السيف حددت أساس التعامل مع غير المسلمين. تلك الآيات هي الآيات: الآية 5 : }فَإِذَا انسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَأحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ{والآية 29: }قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ{، والآية 36: }إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِين{.

الآية 5 سبقتها الآية 4: }إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إلى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِين{َ وقد استثنت من حكم الآية الخامسة أولئك الذين أوفوا بعهدهم. وأعقبتها الآية 6: }وَإِنْ أَحَدٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ{وقد أعطت الأمان لأولئك الذين لم يكن اتصالهم بالمسلمين عدائيا. أي أن الآية الخامسة معنية بفئة معينة بدأت المسلمين بالعدوان وهمت بإخراجهم من ديارهم.

الآية 29 المقصود بها ليس كل أهل الكتاب بل فريق منهم له شروط ذكرتها الآية.

قال صاحب المنار الشيخ محمد رشيد رضا تفسيرا للآية: “إنها تعني قاتلوا الفريق من أهل الكتاب، عند وجود ما يقتضي وجوب القتال كالاعتداء عليكم أو على بلادكم أو اضطهادكم وفتنتكم عن دينكم أو تهديد أمنكم وسلامتكم”. أما الآية 36 فهي بنصها نفسه لا تأمر بهجوم بل تقول وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة. ومما يؤكد صحة ما ذهبنا إليه أن في القرآن مائة آية موزعة على 48 سورة تأمر بالتعامل مع الآخرين بالتي هي أحسن. مثلا الآية: }لَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ{[42] .

أضف إلى ذلك أسبابا عملية في عالم اليوم، فإن الإسلام اليوم وفي مناخ التسامح الديني أوسع الأديان انتشارا في أغلب القارات. كما أن ثلث المسلمين في عالم اليوم يعيشون أقليات في البلدان مما يجعل التعايش والتسامح الديني في مصلحتهم.

إن حقائق الوحي الإسلامي تحث على قيام المعاملات بين المسلمين والآخرين على المودة والبر والعدل. نعم هنالك مسلمون لا يرون ذلك. وهنالك تجارب تاريخية بين المسلمين والآخرين لم تلتزم بذلك. لكن تلك الآراء والتجارب ليست حجة ملزمة.

الـــــــــــــــــــــرق:

المادة 4 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تنص على الآتي: “لا يجوز استرقاق أو استعباد أي شخص، ويحظر الاسترقاق وتجارة الرقيق بكافة أوضاعها”.  إن أحكام الإسلام حول الرق لم تأمر به بل نظمت واقعا ممارسا ووضعت أحكاما يمكن أن تؤدي إلى التخلص منه بالتدريج. إننا نستطيع أن نجد سندا قويا للمادة الرابعة هذه من القرآن: }يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ[43]{

الحدود:

المادة 5 من الإعلان نصها: ” لا يعرض أي إنسان للتعذيب ولا للعقوبات أو المعاملات القاسية أو الوحشية أو الحاطة بالكرامة”.

بعض الناس يصفون الحدود الإسلامية والقصاص بأنها عقوبات قاسية ووحشية وحاطة بالكرامة.

إن العقوبة في الإسلام إنما تؤدي دورها الهام ضمن خمسة عوامل أخرى تساهم معها مساهمة فاعلة وجادة في حماية الفضيلة وإبادة الرذيلة. هذه العوامل الخمسة هي: الإيمان، العبادات، الأخلاق، الرعاية الاجتماعية، والرأي العام. وللرأي العام دور في محاربة الجريمة لأن شدة عقوبات الشريعة مقترنة بدقة الشروط اللازمة لتنفيذها مما يجعل استيفاءها الفعلي قليلا ولكن أثرها الترهيبي كبير. عندما لا تتوافر الشروط المطلوبة لإقامة الحدود فإن البديل الذي يحله الفقه الإسلامي هو التعزير. إن الحدود عقوبات غليظة تعبيرا عن الوزن الأخلاقي للجرائم الحدية. ولكن شروط تطبيقها تجمدها من الناحية العملية حيث يحاصر تطبيقها بالشبهات فيكون نادرا جدا- لم يثبت الزنا بالبينة على طول تاريخ الشريعة الإسلامية- وإقامة حد السرقة في عهد الإسلام الأول كان نادر الحدوث جدا. كما أن القصاص يحاصر استيفاؤه بالشبهات وبالعفو. وكلما ضاق استيفاء الحدود والقصاص اتسع نطاق العقوبات التعزيرية وهي عقوبات مرنة للغاية تتيح أكبر مجال لأخذ اختلافات الزمان والمكان في الحسبان.

المـــــــــــــــــــــرأة:

البند 16 من الإعلان العالمي يقرر للرجل والمرأة حقوقا متساوية في التزوج وتأسيس أسرة،  وهذا لا يناقض الفهم الصحوي للدين في شيء، و فالإسلام يقر بوجود اختلافات بيولوجية، وفسيولوجية، ونفسية بين الرجل والمرأة، اختلافات يجب أن  تكون أساسا لتكامل دور المرأة في المجتمع والأسرة لا أساسا لدونية المرأة.

وبقى لنا سؤالان  هامان:

  1. لماذا يجوز للرجل المسلم أن يتزوج بامرأة يهودية أو مسيحية ولا يجوز للمرأة المسلمة أن تتزوج رجلا يهوديا أو مسيحيا؟
  2. لماذا أعطي حق الطلاق للرجل وحده؟

الرد على السؤال الأول: إن الزواج في الإسلام عقد مدني وليس شعيرة دينية. لذلك جاز لطرفيه أن يكون لهما ملتان مختلفتان. إن الإسلام معترف باليهودية والمسيحية، قال تعالى: }إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُون{ َ[44]. إن الزوج وهو رب الأسرة إن كان مسلما فإنه سوف يحترم حقوق زوجته الكتابية الدينية. اليهودية والمسيحية لا تعترفان بالإسلام. الزوج الكتابي سوف يهدر حقوق زوجته المسلمة الدينية.

الرد على السؤال الثاني: الزواج عقد تراض مدني. لذلك يمكن أن ينص فيه على حق الطلاق للطرفين ويكون النص ملزما.

الخلاصة: إن أحكام الشريعة معنية بالتصدي لعلاج مشاكل حقيقية وليس من مقاصدها امتهان حقوق المرأة. بل تكريمها من مقاصد الشريعة.

الـــــــــــــــــردة:

البند 18 ينص على: “لكل شخص الحق في حرية التفكير والضمير والدين، ويشمل هذا الحق  حرية تغيير ديانته أو عقيدته، وحرية الإعراب عنهما بالتعليم والممارسة وإقامة الشعائر، ومراعاتها، سواء أكان ذلك سرا أم مع الجماعة”.

هنالك آيات كثيرة في القرآن تكفل حرية الفكر، والضمير، والعقيدة. مثلا، قال تعالى: }لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدْ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ{  [45]. }إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ* لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِر{ [46] }فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُر{ [47]. وغيرها.

ولكن القرآن على كثرة ما ذكر الردة لم يذكر لها عقوبة دنيوية. لكن هنالك من المجتهدين والفقهاء من أوجبوا حدا للردة هو القتل استنادا لأحاديث آحاد.

وقد رأى ابن القيم- وهو يؤيد قتل المرتد- أن المسألة لا علاقة لها بحرية العقيدة المقررة في الإسلام، وأنها مسألة سياسية قصد بها حياطة المسلمين وحياطة تنظيمات الدولة الإسلامية وأسرارها، من تذرع أعدائها المتربصين بها للنيل منها بادعاء الإسلام. فإسناد القتل في الردة في الماضي يرجع للسياسة الشرعية لعقوبة الخيانة.

اليوم فليس للمسلمين فيها مصلحة. أولا: لأن العقوبة فيها تناقض مقاصد الشريعة التي تؤسس الاعتقاد على الاختيار الحر. وثانيا: لأسباب عملية فالذين يدخلون إلى الإسلام أضعاف الذين يخرجون منه. وثالثا: لأن ثلث المسلمين يعيشون أقليات في المجتمعات غير المسلمة فإن عاقبنا الردة من الإسلام لعاقبوا المرتد من أديانهم معاملة بالمثل.

مقاصد الشريعة ومصالح الإسلام توجب أن نلتزم بحرية الفكر والضمير والاعتقاد.

ونفس المبررات تؤيد المادة 19 من الإعلان الخاصة بحرية الرأي.

التناقض بين الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ومصالح الدولة البوليسية:

إن دول العالم الإسلامي التي استصحبت مفاهيم ونظم الدولة البوليسية المتمثلة في الآيدولوجية الشمولية والحزب الواحد واستغلال المؤسسات المدنية والاقتصاد والإعلام كأدوات قهر للإنسان تخشى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهود التي فصلته وتعتبرها هجوما معنويا على سلطانها وشرعيتها.

وفي عالم اليوم إذ تنحسر اعتبارات السيادة أمام اعتبارات حقوق الإنسان، فإن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان يشكل تهديدا سياسيا للدول التي تقيم نظامها على أساس الدولة البوليسية. هذه الدول تجد نفسها في الحصار وفي قفص الاتهام أمام الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. إنها ترفض فكرة عالمية حقوق الإنسان وتحتج  بالهويات الدينية والثقافية لتحتمي بها وتختفي وراءها من مقتضيات ومبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

في محاضرة ألقيتها في الورشة الفكرية في القاهرة في مارس 1997 تحدثت عن الديمقراطية، وأوضحت أن ثمة ديمقراطية معيارية لا ينتظر أن تستقر ممارستها في بلداننا ولكن ثمة ديمقراطية مستدامة هي التي تستصحب مبادئ الديمقراطية الجوهرية وتهتم بالتوازن وتتأقلم مع العوامل الثقافية والاجتماعية لتصير ديمقراطية مستدامة قادرة على البقاء والتطور.

إن الديمقراطية المستدامة لا تشير إلى تلك التجاوزات التي جعلت نظما عديدة تدعي الديمقراطية اسما بينما تحرم شعوبها من مبادئ الحريات الأساسية في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

لقد آن الأوان ليستمع العالم لأصوات الشعوب المغلوبة على أمرها ويتضامن معها في وجه الدولة البوليسية الحديثة التي تمارس الظلم والقهر والاضطهاد للشعب وتحاول أن تحتمي وراء مزاعم عن السيادة الوطنية والخصوصية الدينية والثقافية.

نعم لقد اكتسبت مزاعم تلك الدول بعض الصدقية لأن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان صدر في وقت كانت فيه دول كثيرة غائبة من الأسرة الدولية.

كذلك إن المناخ الفكري السائد يومئذ مناخ تهيمن عليه العلمانية بمدرستيها الرأسمالية والشيوعية. في ذلك الوقت كانت الانتماءات الدينية والهويات الثقافية نسبيا مهمشة.

اليوم ونحن نستقبل القرن الجديد نجد تزايدا في اهتمام الإنسان بمعنى الحياة ومصيرها. عالم اليوم يشهد صحوة روحية وخلقية، واهتماما أكبر بالبيئة الطبيعية وتحديات الأيكولوجيا.

المطلوب أن نراجع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لدعمه باعتبارات الصحوة الروحية والخلقية والأيكولوجية لأخذ مصلحة الأجيال الإنسانية وحقوقها في الاعتبار.

إذا لم تتمكن قوى الاستنارة الإنسانية من السعي نحو القوى الروحية والثقافية التي يدين لها الناس بالولاء والانتماء فإن هذا التقصير يتيح الفرصة للقوى الظلامية لمحاولة استغلال الأديان والثقافات وتوفير الحماية للجلادين والطغاة.

إن أهم نقاط ضعف العلمانية أنها تغفل الغايات ولا تهتم بالمقاصد ومعاني الحياة. الإنسان لا ينفك مشغولا بالغايات ومعاني الحياة. لذلك سوف يكون الإنسان باحثا مستمرا عن معنى الحياة متعلقا بما يجد من إجابات. الدين للإنسان ضرورة حياتية.

يجب أن تتنادى الأديان التي يلتف حولها ولاء الإنسانية لتحقيق عهد استنارة جديد. ينبغي أن توجه الوكالة المناسبة من وكالات الأمم المتحدة الدعوة لمؤتمر ديني جامع لدراسة حقوق الإنسان بصورة مشتركة والاتفاق على إثرائها روحيا وخلقيا والحصول على مباركتها للإعلان العالمي لحقوق الإنسان بعد إثرائه روحيا وخلقيا.

إن مثل هذا اللقاء الجامع يمكن أن يحقق:

  • إثراء الإعلان العالمي لحقوق الإنسان روحيا وخلقيا.
  • قفل الباب محكما أمام الطغاة من جلادي الإنسان لكي لا يجدوا لأنفسهم ونظمهم ملجأ في ساحة الخصوصية الدينية والثقافية.

المحور الرابع: تجارب التشريع الإسلامي المعاصر

في يونيو 2001م دعتني منابر بحثية في نيجريا لمخاطبة الرأي العام الإسلامي هناك حول تطبيق الشريعة في العصر الراهن نظرا لمحاولات التشريع الإسلامي التي أعلنها هناك بعض الولاة النيجريين المنتخبين ديمقراطيا. تطرقت في محاضرتين لقضيتي: الدين والوحدة الوطنية، والدروس المستفادة من تطبيقات الشريعة المعاصرة. وفي المحاضرة الثانية بحثت أهم تجارب التشريع الإسلامي في النصف الثاني من القرن العشرين في كل من باكستان، وأفغانستان، وإيران وفي السودان على مدى تجارب ثلاث: التجربة المايوية (1983-1985م)، وتجربة النظام الديمقراطي على عهد الديمقراطية الثالثة (1986-1989م)، وتجربة “الإنقاذ” (منذ 1991م)، وقد بينت أن تجربة سبتمبر 1983م المايوية[48] كانت معيبة في تصورها ومغرضة في دوافعها حيث جاءت لفك الحصار عن نظام مأزوم وظالم، مثلها مثل تجرية ضياء الحق[49] في باكستان التي سبقتها في رفع الشعار الإسلامي لإضفاء شرعية لنظام يفتقدها.  لذلك لم نتردد في لفظ التجربتين باعتبارهما استغلالا مذموما للشعار الإسلامي وتشويها له. وفي الديمقراطية قدنا محاولة للتشريع الإسلامي المعاصر يهتدي بالموجهات التالية:

المبدأ الأول: أن يكون التشريع بوسائل ديمقراطية.

المبدأ الثاني: أن يراعي التشريع الإسلامي الظروف المتغيرة في العصر الحديث وأن يستصحب اجتهادا جديدا.

المبدأ الثالث : ألا تقام العلاقات الخارجية على تلك الأسس التي صاغها الفقهاء في الماضي والتي تقسم العالم إلى معسكرين: دار الإسلام ودار الحرب.  بل على قاعدة: (لَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِم)[50].

المبدأ الرابع: مناقشة الأسس الدستورية مع المواطنين غير المسلمين والضمانات المطلوبة لتطمينهم على حقوقهم الدينية والمدنية.

ولكن قبل الانتهاء من هذه المهمة اغتصب انقلاب عسكري السلطة في السودان في يونيو 1989م . لقد كان نقدهم الأساسي هو استبطاء برنامجنا في التطبيق الإسلامي. أما تجربتهم الإسلامية التي صيغت باسم (المشروع الحضاري) والتي برزت بعد عام ونصف من الإنقلاب، فقد واجهناها منتقدين شرعيتها الانقلابية. قال عمر رضى الله عنه: “من بايع أميرا من غير مشورة المسلمين فلا بيعة له ولا للذي بايعه”. وقد أظهرت الخطأ في التنظير للتجربة وفي التطبيق في عدة مخاطبات منبرية لنصح الحكام، وفي كتابات مختلفة[51].

أما تجربة الأسلمة الأفغانية فقد قامت على أكتاف حركة طالبان التي استطاعت بالدعم الرسمي الباكستاني و بالعصبية الباشتونية القبلية أن تستولي على الحكم وأظهرت درجة عالية من الإقدام والحماسة الإسلامية ولكن إلمامها بالمعارف الإسلامية كان محدودا كذلك إلمامها بالسياسيات الدولية كان قاصرا، ويمكن أن نقول إن التجربة الإسلامية الطالبانية صفحة من أعماق التاريخ غريبة على العصر الحديث.

تمثل الثورة الإسلامية في إيران انتفاضة أصيلة ضد الظلم الداخلي والتبعية الأجنبية. كذلك مثلت استعادة راديكالية لهوية البلاد الإسلامية. ومثلت ميلا نحو العدالة الاجتماعية وخطوات على طريق الديمقراطية. وهي تمثل التعبير الأكثر جدية والأكثر أصالة والأكثر وضوحا للقوة الشعبية من بين التجارب الإسلامية المعاصرة ولكن الفشل في استيعاب الآخر قاد لتواصل جولات العنف. القيد الآخر الذي كبح التجربة من الانطلاق هو التزام النظام العميق بالقيد المذهبي إذ التزم بمذهب شيعي محدد . ويواجه النظام تناقضات معينة مثل التناقض بين الملالي وأصحاب التعليم المدني، وبين المحافظين والإصلاحيين ولكن بصورة خاصة بين ولاية رجال الدين وولاية الجمهور.

الدروس المستفادة من هذه التجارب:

  1. تطبيق الشريعة ملزم شرعا للمسلم.
  2. تطبيق الشريعة في النطاق الخاص والشخصي أمر يتعلق بالمجتمع المتدين.
  3. مسألة الشريعة مسألة هامة للغاية وخطيرة، ويجب الشروع فيها بعد جهد مكثف لوضع البرنامج الذي يمكن تحقيقه، والأولويات التي يجب اتخاذها، والتطمينات المطلوبة. ذلك أن فشل تلك التجارب يرجع إلي أسباب منها أنها رفعت شعارات دون أن تضع برامج مسبقة من ثوابت الإسلام فجاء العمل سابقا للفكر.
  4. استغلال الإسلام لخدمة الطموحات السلطوية إساءة بالغة للإسلام.
  5. لا وصاية لأي شخص أو حزب لفرض برنامجه على الآخرين، ولكن يجب أن يحصل على ذلك التفويض من الشعب ويسعى للتغيير المطلوب بالوسائل الديمقراطية.
  6. ولكن في النطاق العام هناك جوانب يجب مراعاتها مثل: تغير الزمان والمكان- حقوق غير المسلمين- أحوال المجتمع الدولي وغيرها. وعلى المسلم أن يعي بأنه في مثل هذه الأمور فإن هامش التطبيق واسع يجعل بعض الالتزامات ضرورية في حالات معينة وبعضها أقل ضرورة وأخرى غير ضرورية لأنها قد تضر بمقاصد الشريعة النهائية. إن نص الإسلام الموحى ( القرآن) يسمح للمسلم في بعض الأحيان بالتصريح بالكفر وقلبه مطمئن بالإيمان. وفي أحيان أخرى يتوقع منه اتباع كل المبادئ والتعاليم. والقرآن يشير إلى تقوى الله ما استطعنا وكذلك إلى تقواه حق تقاته. وهو يتحدث عن: “كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة” في مكة، وعن مواجهة الظلم في المدينة، وهكذا. على المسلم بلا شك الرجوع للنصوص، ولكن عليه أيضا استخدام ملكات ومواهب وهبها الله له مثل الحكمة والميزان والقسط.

.. هذه التجارب حبلى بالدروس فهناك جهات عديدة داخليا وخارجيا ينبغي تطمينها وهناك مصالح كثيرة ثابتة يجب أن توضع في الحسبان، لقد اقترحت على عدد من المؤتمرات العلمية الإسلامية عقد مؤتمر خاص يبحث الدروس المستفادة من تجارب تطبيق الشريعة المعاصرة وليضع تحليلا موضوعيا للتجارب ويصدر إعلانا ليكون موجها للعالم الإسلامي قاطبة.

خاتمة:  لا يوجد في الإسلام نص على دولة معينة. هنالك مبادئ سياسية إسلامية يجب أن تراعى في إقامة النظام السياسي، وتشريعات يجب تطبيقها. وهنالك طائفة من الموجهات التي ينبغي أن توضع في الاعتبار لدى بحث استهداء دولنا الحديثة بالإسلام.

المسلم المعاصر المفاخر بدينه المتحمس له يمكنه أن يتبنى طائفة من القيم والمؤسسات الحديثة بدون حرج، بل إن بعضها مثل الديمقراطية تيسر له إنزال مبدأٍ إسلامي عزيزٍ هو الشورى، كما يمكنه أن يؤيد جوهر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بل يمكنه بحق أن يقول إن لمبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان مرابط إسلامية تمنحها جذورا خلقية وروحية وتجعلها أبقى وأقدس وأعصى على الإهدار.

كذلك فإن سعي المسلم لتطبيق مبادئ دينه السياسية في الحياة واجب يسعى لتحقيقه مستهديا بطائفة من المبادئ والأسس الضرورية لجعل تطبيقاته مطابقة لمقاصد الشريعة ومحققة لها، لأن الحماسة غير المدروسة يمكن أن تؤدي إلى نتائج عكسية، وكل أمر يؤدي إلى نقيض مقاصده باطل.

الهوامش

¨ إمام الأنصار ورئيس حزب الأمة القومي

[1]  البحث منشور في الصادق المهدي نحو ثورة ثقافية- مكتبة الشروق- القاهرة – 2005م

[2]  أبو بكر الصديق (51 ق.هـ/573م-13هـ): عبد الله بن أبي قحافة عثمان بن كعب التيمي القرشي. الصديق. توفي ليلة الثلاثاء لثمان خلون من جمادي الآخرة وكانت مدة خلافته سنتان وثلاثة أشهر ونصف.

[3]  مالك بن أنس (93- 179هـ/ 712- 795م): هو مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر. من أئمة الحديث، ألف أول كتاب في الفقه الإسلامي هو (الموطأ)، من الأئمة الأربعة.

[4]  أبو جعفر المنصور (95- 158 هـ) هو عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب, الهاشمي القرشي. الخليفة العباسي. أبو جعفر. بويع بالخلافة بعهد من أخيه عبد الله (السفاح) سنة 136هـ

[5]  عمر بن الخطاب (40 ق. هـ- 23 هـ) هو عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى، العدوي القرشي، أبو حفص. الفاروق. ثاني الخلفاء الراشدين وأول من لقب بأمير المؤمنين. اغتاله أبو لؤلؤة فيروز الفارسي غلام المغيرة بن شعبة في صبيحة يوم الأربعاء 25 ذو الحجة وهو يؤم الناس في صلاة الفجر.

[6]  سلمان الفارسي (ت 32 هـ)، أبا عبد الله، من أصبهان من قرية يقال لها جي وقيل من رامهرمز. كان من موالي رسول الله (ص)، أسلم لدى مقدم النبي المدينة، ومنعه الرق من شهود بدر وأحد، وأول غزاة غزاها مع النبي الخندق، وشهد ما بعدها. توفي بالمدائن في خلافة عثمان، اشتهر بأنه من المعمرين.

[7]  معاوية بن أبي سفيان (20 ق.هـ- رجب60 هـ) هو معاوية بن أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس القرشي الأموي. أبو عبد الرحمن. أمه هند بنت عتبة. أسلم هو وأبوه يوم فتح مكة. أول من حول الخلافة إلى ملك عضود.

[8]  سعيد بن تيمور (ولد 1913) تولى السلطة تحت الإمامة الإباظية سنة1932، وفي 1970م خلعه ابنه قابوس وصار اسم البلاد سلطنة عمان، توفي في لندن في السبعينيات من القرن العشرين.

[9]  الملا عمر (1959م- ) هو محمد عمر مجاهد بن المولوي غلام نبي آخوند بن الملا محمد رسول آخوند بن المولوي محمد أياز… (الملا في أفغانستان هو الطالب الذي يدرس العلوم الشرعية أما المولوي فهو الذي أتم دراسته بالفعل). ولد في قرية (نوده) من قرى قندهار، وينحدر من قبيلة “هوتك” أحد أفخاذ قبيلة “غلزايي” البشتونية، عندما دخلت القوات السوفيتية إلى أفغانستان كان عمر الملا حوالي 19 عامًا، وكان يدرس فترك الدراسة والتحق بالمقاومة الشعبية الجهادية. بعد سقوط حكومة نجيب عام 1992م عاد ليكمل دراسته، وفي يوليو عام 1994م أسس حركة طالبان (حركة طلاب المدارس الدينية بأفغانستان) وصار أميرها  في أغسطس عام 1994م، وفي 26 سبتمبر عام 1996م استولت “طالبان” على عاصمة البلاد كابل، وأسست دولتها.

[10]  نسبة إلى مصطفى كمال أتاتورك (1881-10نوفمبر1938) هو مصطفى بن علي ريزا، ولد في مدينة سالونيك اليونانية التي كانت جزءا من الإمبراطورية العثمانية، قاد معارضة الخلافة العثمانية وفي 1923 تم إعلان قيام الجمهورية التركية وعاصمتها أنقرة وانتخاب اتاتورك رئيسا لها بالإجماع، وحكم البلاد حتى وفاته عاملا على علمنة الحياة السياسية والقضائية والتربوية والاجتماعية في تركيا.

[11]  الشافعي (150- 204هـ/ 767- 819م): هو محمد بن إدريس العباسي بن عثمان بن شافع بن السائب القرشي بن عبد المطلب بن مناف، ولد في غزة ونشأ في  مكة، تفقه على الإمام مالك وأخذ عن محمد حسن الشيباني صاحب أبي حنيفة واجتمع بأحمد بن حنبل في بغداد، انتقل إلى مصر وفيها صنف كتاب (الأم) وهو من الأئمة الأربعة.

[12]  ابن قتيبة الدينوري (213- 276هـ) هو عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري. أبو محمد. أصله من بلاد الترك. ولد في الكوفة ونشأ في بغداد. من أئمة الأدب ومن المصنفين المكثرين.

[13]  الماوردي (364-450هـ/ 975- 1058م): هو علي بن محمد بن حبيب البصري، كان معتزليا في الأصول وشافعيا في الفروع.

[14]  على بن أبي طالب(23 ق.هـ-40 هـ): هو علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف القرشي الهاشمي رابع الخلفاء الراشدين. قتله عبد الرحمن بن ملجم الخارجي.

[15]  الحسن (3 ق.هـ-50هـ) هو الحسن بن علي بن أبي طالب الهاشمي القرشي. أبو محمد. ثاني الأئمة الاثني عشر عند الشيعة الإمامية. ذكر السيوطي والأصفهاني أن معاوية دس السم للحسن عن طريق زوجته جعدة بنت الأشعث بن قيس على أن يزوجها ليزيد ابنه فسمت الحسن وخان معاوية وعده لها.

[16]  الحسين (4هـ-61هـ) الحسين بن علي بن ابي طالب، أبو عبد الله، السبط الشهيد، قتله الأمويون في واقعة كربلاء هو وأخوته وولداه وأولاد أخيه وأولاد عمه، وقد جمعت ميتة الحسين ميتة الشهداء في التصور الديني الشيعي. وكانت في العاشر من شهر محرم (يوم عاشوراء).

[17]  محمد الحجة بن الحسن العسكري (231- 260هـ) بن علي (الهادي) بن محمد (الجواد) بن علي (الرضا) بن موسى (الكاظم) بن جعفر (الصادق) . أبوه الحسن هو الإمام الحادي عشر من أئمة الشيعة الإمامية, والعسكري نسبة إلى (العسكر) وهو الاسم الذي كان يطلق على (سامراء) التي بناها الخليفة المعتصم لجنوده الأتراك ونقلهم إليها، وقد أقام فيها جده علي (الهادي) عشرين سنة. اختفي وهو صغير.

[18]  الخميني– آية الله هو السيد روح الله الموسوي الخميني (1902- 1989)، في خمسينيات القرن العشرين لقب بآية الله،  تسبب انتقاده لسياسات الشاه محمد رضا بهلوي في نفيه خارج البلاد عام 1964م، وقاد الثورة  الدينية الإيرانية الشعبية – التي أسقطت الشاه عام 1979- من المنفى.. بعد ذلك عاد  الخميني لإيران وتم تكوين الحزب الإسلامي  الجمهوري وكتابة دستور جديد أعلنت بموجبه إيران جمهورية إسلامية، وسمي الخميني إماما وقائدا أعلى للجمهورية.

[19] أبو الأعلى المودودي (1930- 1979م) مؤسس الجماعة الإسلامية في الهند عام 1941م ويعد من أكبر منظري الحركة الإسلامية الحديثة.

[20]  آية الله شريعة مداري- مرجعية دينية إيرانية من طراز مختلف، كان يدعو إلى نظام ديمقراطي وإلى عودة آيات الله إلى حوزاتهم العلمية ويتركوا شؤون السياسية والاقتصاد لأهل الاختصاص، مع إعطائهم نوعا من مراقبة الحكم عن بعد لمعرفة قدر امتثاله للمبادئ الإسلامية. تعمق الخلاف بينه والإمام الخميني عندما أسس الحزب الجمهوري للشعب الإسلامي المعارض للحزب الجمهوري الإسلامي الذي أسسه آية الله بهشتي بمناصرة الإمام الخميني.

[21]  حسين علي منتظري- آية الله-  الذي بلغ الآن –2002م- الثمانين من العمر كان قاب قوسين أو أدنى من خلافة آية الله الخميني، لكن انتقاداته لولاية الفقيه التي يستمد منها النظام الحاكم في إيران شرعيته، وموقفه الذي وصفه المحافظون باللين فيما يتعلق بمسألة حقوق الإنسان، كانت مبررا لعزله عام 1988.

[22]  محمد خاتمي-(1943م- ) حجة الإسلام، الرئيس الخامس للجمهورية الإسلامية الإيراينة، ولد في أدركان عاصمة إقليم يزد الأوسط. شارك في ثورة 1979 الإسلامية. تولى خاتمي عدة مسؤوليات في الجمهورية حتى انتخب رئيسا مايو في 1997م.

[23]  الماوردي (364-450هـ/ 975- 1058م): هو علي بن محمد بن حبيب البصري، كان معتزليا في الأصول وشافعيا في الفروع.

[24]  أبو يعلي (ت 458 هـ): محمد بن الحسين بن محمد بن خلف الفراء البغدادي، شيخ الحنابلة وممهد مذهبهم في الفروع.

[25]  الصادق المهدي العقوبات الشرعيةوموقعها من النظام الاجتماعي الإسلامي– الزهراء للإعلام العربي- القاهرة- 1987م

[26]  الطبري (ت 613هـ/ 1216م) هو أبو جعفر محمد بن جرير. ولد في طبرستان جنوب بحر قزوين ورحل إلى بغداد لتلقي العلم، كان محدثا ومؤرخا، أشهر كتبه “تاريخ الرسل والملوك”. كما له تفسير للقرآن يقع في ثلاثين جزءا.

[27]  ابن سعد (168هـ/ 784م- 4 جمادى الآخرة 230هـ/17 من يناير 892م)، محمد بن سعد بن منيع، أبو عبد الله، ولد في البصرة والده مولى من المدينة يلتحق ولاءً بآل العباس، ثم انتقل إلى المدينة، ثم بغداد . لم يصل من كتبه سوى الطبقات

[28]  عمر بن الخطاب (40 ق. هـ-25 ذو الحجة 23 هـ/ 582-3/11/ 644م) هو عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى، العدوي القرشي.

[29] ابن سعد الطبقات الكبرى الجزء الثالث- دار بيروت للطباعة والنشر 1957م- صفحة 306- 307. وأيضا في : تاريخ الطبري” تاريخ الرسل والملوك” الطبعة الخامسة دار المعارف الجزء الرابع صفحة 283.

[30] عثمان بن عفان (47 ق.هـ-  35هـ) هو عثمان بن عفان بن أبي العاص بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي الأموي،  ثالث الخلفاء الراشدين. قتل في داره بعد حصار دام شهرين.

[31] أبو ذر الغفاري  (ت 32هـ): هو جندب بن جنادة بن قيس الغفاري، من كنانة أبو ذر. صحب النبي (ص) حتى وفاته، ثم هاجر إلى الشام وأقام بها إلى ولاية عثمان، أمره عثمان بالرحيل إلى الربذة من قرى المدينة فسكنها إلى أن مات.

[32] معاوية بن أبي سفيان هو معاوية بن أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس القرشي الأموي (20 ق.هـ- رجب60 هـ):. أسلم هو وأبوه يوم فتح مكة واجه الإمام علي بن أبي طالب في حرب صفين سنة 37هـ، أسس الدولة الأموية.

[33] سورة العلق الآيتان 6 و7

[34]  سورة الشورى الآية 38.

[35]  Arab Human Development Report 2002 التقرير صادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي وهو موجود على الإنترنت باللغات العربية والإنجليزية والفرنسية والعنوان هو: www.undp.org/rbas

[36]  للتوسع في مسألة الشورى والديمقراطية أنظر الصادق المهدي نحو مرجعية إسلاميةمتجددة الناشر مكتبة الشروق- القاهرة- 2005م

[37] سورة الإسراء، الآية 77.

[38] سورة التين الآية 4

[39] حديث شريف رواه مسلم-  الترمذي- أبوداؤد- ابن ماجة- وأحمد. وروى البخاري “إذا رأيتم الجنازة فقوموا”- موسوعة الحديث الشريف– مرجع سابق

[40]  سورة محمد الآية 24

[41] سيد قطب (1906 – 1966م) المفكر الإسلامي المصري الشهير من جماعة الأخوان المسلمون. شغل عدة وظائف في وزارة المعارف، وعمل في الصحافة منذ شبابه، له مؤلفات عديدة، كتب في  النقد الأدبي، والشعر، والقصة، كتاباته بعد  تجربة التعذيب في السجون الناصرية تشكل مولد الحركية الإسلامية المتطرفة.

[42]  سورة الممتحنة الآية 8.

[43]  سورة الحجرات الآية 13.

[44]  سورة البقرة الآية 62.

[45]  سورة البقرة الآية 256.

[46]  سورة الغاشية، الآيتان 21-22.

[47]  سورة الكهف الآية 29.

[48]  لمزيد من التفاصيل حول تجربة مايو الإسلامية أنظر الصادق المهدي النظام السوداني وتجربته الإسلامية 1984م

[49]  ضياء الحق، محمد- الجنرال.(1924-1988م) القائد  العسكري والسياسي الباكستاني.  أطاح ضياء الحق من خلال انقلاب دموي بنظام بوتو وسيطر على مقاليد الحكم في باكستان في أغسطس  1988 قتل مع عدد من ضباطه اثر انفجار الطائرة التي كانت تقله. وخلفه  غلام إسحق خان.

[50]  سورة الممتحنة الآية 8.

[51]  أنظر الصادق المهدي- المرجعية- سابق