الصادق المهدى: أدعو لتوءمة بين دولتى السودان بديلا لاتفاق السلام

الحبيب الإمام الصادق المهدي رئيس حزب الأمة القومي وإمام الأنصار المنتخب ورئيس المنتدى العالمي للوسطية والفائز بجائزة قوسي للسلام لعام 2013 وعضو المنظمة العربية لحقوق الإنسان
الحبيب الإمام الصادق المهدي رئيس حزب الأمة القومي وإمام الأنصار المنتخب ورئيس المنتدى العالمي للوسطية والفائز بجائزة قوسي للسلام لعام 2013 وعضو المنظمة العربية لحقوق الإنسان

يوليو 2011

محمود النوبى –أسماء الحسينى

حذر السيد الصادق المهدى رئيس حزب الأمة السودانى وإمام الأنصار من انزلاق دولتى السودان الشمالى والجنوبى إلى الحرب، بسبب التصعيد فى جنوب كردفان ودارفور، ودعا إلى اتفاق توءمة أخوى بين البلدين كبديل لاتفاقية السلام الموقعة بينهما.

كما أكد المهدى أن دولة السودان الشمالى تواجه صعوبات اقتصادية كبيرة بعد استقلال الجنوب، وستواجه كذلك صعوبات أخرى فى مناطق التوتر بالشمال وفيما يتعلق بقضية المحكمة الجنائية الدولية.

وبدا المهدى فى حواره مع “بوابةالأهرام” من مدينة جوبا عاصمة جنوب السودان خلال حضوره احتفالات استقلال الجنوب حزينا ومهموما قال: إنه ليس أمام حزب المؤتمر الوطنى الحاكم فى شمال السودان الذى يتزعمه الرئيس السودانى عمر البشير سوى التسليم بالمطالب الشعبية المشروعة، أو المواجهة مع قوى كثيرة فى الشمال ، وحذر المهدى من أن مثل هذه المواجهة غير المأمونة العواقب فى السودان بسبب التشرذم فى الجسم السياسى السودانى.

– بعد استقلال دولة جنوب السودان.. كيف تسير العلاقات بينه وبين دولة الشمال؟

لامفر من اتفاق سلام أخوى، لأن الشمال أمامه خيارين، إما أن يدعم الجنوب الجديد أو يعاكسه، وكذلك دولة الجنوب لديها خياران، إما علاقة خاصة مع دولة الشمال أو علاقة ضده، وإذا كنا نريد معادلة ربحية مكسبة للطرفين فإنها تكون عبر العلاقة الخاصة نسميها “توءمة” بين الشمال والجنوب، بما يفيد الجانبين، والحرب الحالية بجنوب كردفان حتما ستنتقل إلى النيل الأزرق، ومع تصعيد الموقف فى دارفور سوف ينزلق السودانان الشمالى والجنوبى حتما إلى الحرب.

– ماهو مغزى حضورك وباقى قيادات القوى الشمالية للاحتفالات باستقلال الجنوب؟

حضرنا الاحتفال باستقلال دولة جنوب السودان لنهنىء شعب الجنوب على قراره الديمقراطي بإقامة دولة ذات سيادة. ونقول لهم:إن قرارهم بالإبقاء على اسم السودان ضمن هويتهم الجديدة قرارا بعيد النظر، ويعكس حرصا على الاعتراف بنسب مشترك بيننا نرحب به، ولنؤكد للإخوة فى الجنوب أيضا أنه يوجد فى الشمال من يحترم إرادتهم. ومن بين ما اقترحه حزب الأمة فكرة مجلس شعبى للأحزاب فى البلدين تكون له صلاحية متابعة العلاقة بين البلدين، وخلق آليات لتنفيذ أفكار التوءمة فى حال قبولها.

– ماأهم ملامح اتفاقية التوءمة التى تدعو لها بين دولتى السودان ؟

اتفاقية إخاء تستند إلى مبادئ الاعتراف المتبادل بين الدولتين الشقيقتين. وأن يتمتع مواطنو الدولتين فى السودانين الشمالى والجنوبى بالحريات الأربع، وأن تدار منطقة أبيي من قبل سكانها بشكل مشترك في إطار صيغة وطنية، إلى أن تسمح الظروف بإجراء استفتاء حر ونزيه، وأن يكون لشعبى جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق حقوق لا مركزية محددة، ويكون لهم حقهم الديمقراطي في المشاركة في السلطة المركزية، ويتم استيعاب قواتهما المسلحة في القوات النظامية في البلاد من خلال اتفاق طوعي، وأن يتم تأسيس شركة قابضة للنفط مشتركة بين البلدين، وضمان حرية التجارة بين البلدين

– هل تخشى من سيناريو المواجهة؟

نعم احتمالات المواجهة فى السودان غير مأمونة نتيجة التشرذم فى الجسم السياسى السودانى، ولذا إذا أمكن تحقيق معادلة للتغيير الحقيقى فى السياسات والأفراد للاستجابة للتطلعات، خصوصا أن ما يحدث فى المنطقة العربية صار له صدى كبير فى السودان.

-كيف ترى شكل علاقات دولة الجنوب مع الدول العربية؟

سيكون أمامها خياران إما أن تتعامل مع العرب بالمودة والتعاون، وإما أن تتعاون مع أعدائهم ، وسيتوقف الأمران على ماتتخذه دولنا العربية من سياسات ، فإما أن نستطيع كسب الدولة الوليدة بالجنوب لعلاقة إستراتيجية معنا والعكس صحيح ، ونحن لانتعامل فى عالم خال من التنافس ، ولكل مجتهد نصيب .

-هل كانت الثورة المصرية مفاجئة لك؟

الثورة بشكلها الذى وقعت به كانت مفاجأة، وإن كانت هناك إرهاصات عديدة لها، تمثلت فى العديد من الأعمال الأدبية المصرية التى اطلعت عليها قبل فترة من اندلاع الثورة، مثل رواية “أجنحة الفراشة” للكاتب محمد السلماوى، والمدهش فى هذه الراوية أنها صورت أحداثا فى مصر تماما كالتى حدثت بعد 25 يناير، ولم أكن أتوقع وقتها أن تقع الأحداث فى مصر بهذه الطريقة، ورواية “ذات” لصنع الله إبراهيم توقعت الشىء ذاته، ومثلها رواية “عمارة يعقوبيان” لعلاء الأسوانى، وكثير من الكتب والأشعار عبرت عن احتقانات شديدة فى مصر، وكنت أتابع كذلك حركات الاحتجاج لمصرية 6 إبريل وكفاية وحركة التغيير الديمقراطى، ومع أننى لم أكن أتوقع لهذه الحركات انتصارا سريعا إلا أنها كانت فى نظرى تطعن فى شرعية النظام القائم.

– هناك مخاوف من إجهاض الثورة.. كيف تنظر لهذا الأمر من واقع تجربتكم فى السودان وقد شاركتم فى ثورتين شعبيتين منذ وقت مبكر عامى 1985 و1964؟

 من أكثر نقاط القوة والضعف فى الثورة المصرية أنها بلا قيادة وبلا برنامج، نعم هى لديها أهداف الحرية والتغيير والعدالة الاجتماعية وتمكين الشباب وغيره، لكن لا يوجد لديها برنامج محدد، وهذا مصدر ضعف لأنه يمكن أن يخلق فراغا، وأول مشكلة ستواجه الوضع الانتقالى فى مصر هى مسألة التعامل مع الحرية، والناس كانوا يتعاملون مع الاستبداد بطريقة مفهومة، لكن الحرية يمكن جدا أن تنحو نحو الفوضى، لأن الحرية هى قيمة ما بين الاستبداد والفوضى.

 – هناك مخاوف من أن سيطرة الإخوان المسلمين على الساحة السياسية.. كيف تنظر لهذا الأمر ولكم تجربة مع حكم إسلامى فى السودان ؟

النظم الديكتاتورية الحاكمة فى المنطقة العربية تتحدث عن مخاوف من الفزاعة الإخوانية، والحقيقة أن استمرار هذه الأنظمة هو الذى يزيد قوة التيارات الإخوانية، لأن التيارات السياسية الأخرى يسهل ضربها، أما التيارات الدينية فإنها تستطيع أن تتخندق فى المساجد وغيرها، لكن فى رأيى أن الحركات الإسلامية نفسها نضجت، بمعنى أنها صارت تدرك أنها فى عالم اليوم يجب أن تراعى الواقع ،وأنك لاتستطيع أن تلعب دورا سياسيا مالم تقبل المساواة فى المواطنة والديمقراطية والتعددية والوعى بالواقع، وفى رأيى أن حركات إسلامية كثيرة استيقظت وتسعى للتغيير وأصبح لديها نوع من الاستنارة، كما حدث بالنسبة لحزب العدالة والتنمية فى تركيا، وكذلك فى ماليزيا ، فهناك حركات إسلامية الآن فى العالم أدركت أن هناك ظروفا توجب التعامل مع الشعار الإسلامى بصورة تراعى الواقع.

 وأعتقد أن الإخوان المسلمين فى مصر وتونس مع أن لديهما ميزة التفوق على باقى القوى السياسية الأخرى إلا أنهم يدركون أنه يوجد الآن مناخ جديد ،وأنهم إذا أرادوا أن ينجحوا فلابد من مراعاته، ولابد أن ينجحوا فى تجنب أخطاء الحركات الإسلامية فى الجزائر والسودان وأفغانستان وباكستان، ونحن نجهز الآن فى المنتدى العالمى للوسطية لمشروع مصالحة ،وسنقدمها للحركات الإسلامية لكى تستطيع القيام بدور فعال يحافظ على وحدة الوطنية والديمقراطية والمرجعية الإسلامية فى آن واحد.

-هل سيطور الواقع الجديد الإخوان فى مصر وغيرهم فى الدول العربية؟

 مجرد أنهم سيتعاملون مع الواقع ويخرجون من الخنادق سيجدون أنفسهم بحاجة إلى اجتهاد للتعامل مع هذا الواقع ،وليس عندى شك أن الإسلام اليوم فى العالم كله يمثل القوة الثقافية الأكبر ، حيث ينتشر فى القارات كلها أكثر من أى دين آخر، مستفيدًا من المناخ العالمى الذى يوفر حقوق الإنسان والحريات، وبفضل القوة الناعمة وليس القوة الخشنة ،والإسلام استحوذ على رأس المال الاجتماعى فى البلدان الإسلامية كذلك بفضل الخدمات والدعوة والقوة الناعمة وليس باستخدام العنف، وهذا يعنى أن القوى الإسلامية مطالبة بأن تستمر فى هذا الاتجاه، لأن المنطق يقول إن ماتكسب به تلعب به، فهى تكسب بهذا وتخسر بغيره من وسائل العنف، مثلما حدث فى السودان وباكستان، وحيثما استخدمت السلطة الانقلاب العسكرى أو القهر لصالح الإسلام أتى بنتائج عكسية، وكان من أسباب الإطاحة بالمشروع الإسلامى، بينما القوة الناعمة فى كل الأحوال كانت سببا فى الانتصار والنجاح، ومثال ذلك حزب العدالة والتنمية الذى استخدم الوسائل الناعمة كالخدمات الاجتماعية وغيرها ليمهد لنفسه، ثم جعل التطبيق الإسلامى منطلقا من مفهوم المقاصدية وفقه الواقع ومراعاة الأولويات ،ولذلك انطقلوا ينشرون الإسلام ويزاوجون بينه وبين المواطنة والديمقراطية، وسيظل أمام الحركات الإسلامية فى المنطقة هذا النموذج الإسلامى الناجح، وتجارب أخرى فاشلة للتطبيق الإسلامى استخدمت الانقلاب والعصا الغليظة فدمرت أوطانها بإسم تطبيق الشريعة كما حدث عندنا فى السودان، وبالتالى فإن هناك دروسا كافية يمكن أن يستفيدوا منها، ووارد أن تكون الحركة الإسلامية فى مصر ملمة بكل هذا وحريصة على أمر الوحدة الوطنية والديمقراطية، وفى رأيى أن التطورات تفرض عليهم اجتهادا يسهم فى تطمين الآخرين على أن الصوت الإسلامى ليس صوتا انقساميًا.

بوابة الإهرام