الصادق المهدي: «الخلافة» شأنٌ بشري.. وخلوّها من المؤسسات فتح المجال واسعاً للعنف

الإمام الصادق المهدي مع صحيفة الرأى الأردنية
الإمام الصادق المهدي مع الأستاذ إبراهيم السواعير في صحيفة الرأى الأردنية

 

حوار صحيفة الرأى الأردنية السبت 29 أبريل 2017
صحيفة الرأى الأردنية السبت 29 أبريل 2017 العدد 16953 الصفحة رقم 16

 

أشاد ب (رسالة عمان) التي أكدت وسطية الإسلام وسماحته واعتداله

الصادق المهدي: (الخلافة) شأنٌ بشري.. وخلوها من المؤسسات فتح المجال واسعاً للعنف

الدولة الوطنيّة هي الصيغة الاجتهادية التي تناسب العصر.. وتعاني من فجوة شرعية وعصرية

السبت 29 أبريل 2017

عمان – إبراهيم السواعير

أشاد رئيس المنتدى العالمي للوسطيّة رئيس الوزراء السوداني الأسبق الإمام الصادق المهدي بـ»رسالة عمان» التي كان أطلقها جلالة الملك عبدالله الثاني عام 2013، لتأكيد وسطيّة الإسلام وسماحته واعتداله وفهمه الحضاريّ لما يستجد من أمور.

وأكّد المهدي، الذي شارك في مؤتمر الإسلام والتحديات المعاصرة، أنّ قيمة «الرسالة» هي في أنّها اشتملت على سبع نقاط حملت أنّ الإسلام كوّن أمة واحدة وحضارة واحدة، وأنّ هذه الدعوة قدّست كرامة الإنسان وحقوقه في العدل، والحرية، والمساواة والسلام، وأنّها بينت وحدة الدين الإبراهيمي، الذي يوجب التوحيد لله والتسليم لإرادته، مثلما أوجبت الالتزام بمكارم الأخلاق، والالتزام بمبادئ سياسية واضحة أهمها العدالة، والوفاء بالعهود، كما أنّها أوجبت الجهاد وهو بذل الوسع لإعلاء كلمة الله، مشدداً على أنّه لا يكون- الجهاد- قتالاً إلا رداً للعدوان. كما أعرب عن احترامه لرسالة عمان التي بيّنت أنّ الإسلام ينبذ التطرف والإرهاب، ويوجب الدعوة لملته بالتي هي أحسن.

وبمرور اثني عشر عاماً على «رسالة عمان»، أعرب المهدي عن حبّه الشديد لعمان، التي تحتفل هذا العام بكونها عاصمةً للثقافة الإسلاميّة، بقوله «عمان من أكثر العواصم العربية إنتاجاً للسلع العامة بدعم من عاهلها وحكومتها وشعبها. السلع العامة لا تؤكل ولا تشرب بل مبادرات وأفكار تغذي العقول والقلوب».

وحول أثر «الرسالة» قال المهدي إنّ كل شأن عظيم يبدأ بالكلمة؛ بوصفها بذرة العمل، مؤمناً بأنّ «من لا يحدد الهدف لن يعرف الطريق»، مؤكّداً أنّ الطريق المنشود إنّما يعتمد على صحة قراءة الواقع، لأن القفز فوق الواقع هو طفرة في الظلام، مؤكّداً أهمية ما تقدّمه «الرسالة» من النصح، باعتباره أمراً واجباً في كل مجالات الأداء الخاص والعام، اعتماداً على القاعدة الذهبية التي تقول»صديقك من صدَقَك وليس من صَدَّقك»..

وانطلق المهدي من أنّ الوجدان المشترك، والتاريخ المشترك، واللغة المشتركة، عناصر جعلت من المنطقة العربية بل والإسلامية كذلك وجوداً مشتركاً، مؤكّداً أنّ الدولة الوطنية في الغالب تعاني من فجوة شرعية، إذ تقاس بتطلعات لوحدة عربية أو خلافة إسلامية، مثلما هي تعاني من جدوى عصرية.

ورأى أنّ مقاييس الجدوى العصرية هي أن تقوم العلاقة بين الحكام والمحكومين على المشاركة، وأن يقوم الاقتصاد على تنمية توفر سبل المعيشة والعدالة، وأن توفر الأمن والدفاع المستقل، وأن تتعامل مع الآخر الدولي بندية.

وتحدث عن فجوة الشرعية، والقصور عن الجدوى العصرية، كونهما تسببا في فراغ هو المحرك لثورات الربيع العربي قفزاً للأمام، ولحركات التطرف والعنف قفزاً للوراء، داعياً إلى صحوة فكرية تلتزم بالحقائق الغيبية، والبرهان العقلي في عالم الشهادة، وإلى الاجتهاد الفقهي على أساس الحكمة، والتدبر، واستصحاب النافع، والعقلانية، والأولويات الصحيحة، والتدرج، واتباع قاعدة: معرفة الواجب اجتهاداً والإحاطة بالواقع والتزاوج بينهما، كما قال ابن القيم.

وفيما يتعلق بالحكم، رأى المهدي أنّ الخلافة شأنٌ بشري اتبعه الصحابة عليهم رضوان الله وتحولت إلى ملك فيما بعد، ولخلوها من المؤسسات فتحت مجالاً واسعاً للعنف والاغتيالات، مؤكّداً أنّ الدولة الوطنية هي الصيغة الاجتهادية التي تناسب عصرنا، وهي من المرونة بحيث تسمح بعلاقات تعاهدية في النطاق العربي، وفي النطاق الإسلامي.

وقال إنّه توجد مبادئ عامة وأحكام معينة في الاقتصاد، ويمكن إقامة نظم اقتصادية حديثة تلتزم بتلك المبادئ والأحكام، وبالمطالب التنموية والعدالة، والحرص على توطين التكنولوجيا الحديثة، والإصلاح التعليمي اللازم، والتعاون الاقتصادي العالمي مع الحماية من سلبيات العولمة.

ورأى أنّ الإرهاب المعاصر ليس صنعاً إسلامياً كما تزعم الإسلاموفوبيا، مؤكّداً أنّه لولا الغزو في أفغانستان ما كانت القاعدة، ولولا نتائج احتلال العراق ما كانت داعش.

وأكّد أنّ هؤلاء استخدموا فهماً خاطئاً للإسلام، ولكن الروافع الأساسية لهم آتية من الخارج، موضّحاً أنّ ما يحدث اليوم من صعود لليمين المتطرف «الغبي» في الغرب يعبر عن الإسلاموفوبيا، ويمنح التطرف والعنف المصاحب له عالمياً ذخيرة وحجة تجنيد.

وشدد على أنّ التصدي للتطرف والإرهاب واجب ديني وإنساني، ولكن لا يكفي التصدي الأمني العسكري بل لا بد من إزالة الأسباب، مضيفاً أنّه إذا تحققت عافية المحيط العربي ينبغي تفعيل العمل العربي المشترك، والتعاهد الأمني العربي التركي الإيراني، وأن يدعم هذا التزامٌ بتعايش طائفي بين طوائف الأمة، لا سيما أهل السنة والشيعة، للتعاون في مواجهة التحديات.

وحول ثورة الاتصالات، وكفاءة المواصلات، وحقائق الاقتصاد الحديث، ومطالب الأمن العالمي؛ رأى أنّها عوامل توجب الالتزام بالأمم المتحدة، مع العمل لإصلاحها على أساس يزيل ما فيها من عيوب، موضّحاً أنّ من أهم عيوب النظام الدولي غرس إسرائيل على حساب أهل فلسطين، ما يوجب العمل على موقف فلسطيني وعربي إسلامي وإنساني موحد لمواجهة إسرائيل حتى ترد الحقوق لأهلها.

ودعا إلى أن نعلن تضامننا مع آلاف الأسرى في السجون الإسرائيلية، ومع المضربين عن الطعام في يومهم العاشر وأن نرفض أي مساس بالقدس وفرض الأمر الواقع.

وختم المهدي بأنّ خصوم أمتنا يشاهدون عيوبنا، ويراهنون على استغلالها لجعلها احتضاراً، وأنّ الإنسان مستخلفٌ في الكون، كما أنّ أمتنا مستخلفة في رسالة النبوة، وواجبنا أن ننفض الاحتضار ونجعله مخاضاً لفجر جديد.

 

الرأى الأردنية