الكرسي الأكاديمي مع الإمام الصادق المهدي

الكرسي الأكاديمي مع الإمام الصادق المهدي

 

 

الكرسي الأكاديمي مع الإمام الصادق المهدي رئيس المنتدى العالمي للوسطية

برنامج الكرسي الأكاديمي برنامج لمتابعة الحراك الثقافي والأكاديمي في المملكة الهاشمية. اليوم 11 مارس 2017 انعقد المؤتمر الدولي للمنتدى العالمي للوسطية في عمان. هذا المؤتمر الذي جاء تحت إسم المسلمون والعالم من المأزق إلى المخرج. ناقش المؤتمر في هذا اليوم مجموعة من أوراق العمل التي أعدها كثيرٌ من العُلماء والمُفكرين من عالمُنا العربي والإسلامي. وأتت هذه الأوراق لتُجسد وتُشخص مُشكلة العالم الإسلامي ومن هو المسؤول عن حالة التأزيم وحالة التوظيف السياسي لهذه القضايا ولكل المعاني التي تسوقُها لتُنعت هذه الأمة بالإرهاب والتطرف. المسلمون اليوم في مأزقٍ حقيقي ويسعون لإيجاد الحلول للمخرج من هذا المأزق.

برنامج الكرسي الأكاديمي

ضيف الحلقة دولة الحبيب الإمام الصادق المهدي حفظه الله ورعاه رئيس المنتدى العالمي للوسطية.

كُتب من تسجيل فيديو

عمان 11 مارس 2017

يتحدث المؤتمر ايضاً عن إشكالية الدولة وإشكالية الخلافة وعن المواطنة والهوية في الدولة المدنية، هذه المحاور الرئيسية أتت في ورقة الإمام الصادق المهدي.

الكرسي الأكاديمي: سماحة الإمام الصادق المهدي السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، وحضرتك رئيس هذا المؤتمر تشرفنا بوجودك بيننا في الأردن وهذا بلدكم الأول والثاني. والحمد لله يعني نحن الأردن نحب كل الشعوب العربية لأننا نستشعر دائماً رؤى الثورة العربية الكُبرى. نُلاحظ أن لك ورقة في المؤتمر ستتكلم عن إشكالية الدولة، عن المواطنة، عن الهوية وعن الخلافة ايضاً. ما هو فحو هذه الورقة التي سوف تتكلم فيها حضرتكم خلال مؤتمرنا؟

الحبيب الإمام: بسم الله الرحمن الرحيم. وأنا يسُرني جداً أن أكون ضيفاً. أهم مافي ورقتي أننا ضمن هدف هذا المؤتمر هو أن نتحدث عن صفات المأزق الذي فيه أُمتنا والمخرج من هذا المأزق. الورقة تتحدث عن أننا أول أُمة مؤنسنة في التاريخ.

الكرسي الأكاديمي: أُمة مؤنسنة؟

الحبيب الإمام: مؤنسنة.. بمعنى، أن نبيُنا بشرٌ كامل البشرية، أن القرآن أثبت وأوثق كتاب مُقدس في التاريخ، أنه يُخاطب الإنسان من حيثُ هو إنسان. كثير من الدعوات الأُخرى تشترط إما أنك من بني إسرائيل أو أنك تؤمن بفداء السيد المسيح ولكن هنا يُوجد خطاب للإنسانية من حيثُ هى إنسانية، ( وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ ) [1]. وأن الرسالة للناس كافة، كانت الرسالات لأقوام، هنا للإنسانية كلها، وهكذا. الورقة تُقدم وضوح رؤية على أن هذا التاريخ، تاريخ أُمتنا هو أول تاريخ مؤنسن. النُقطة الثانية تتحدث عن أن ولاية الأمر عندنا حقيقةً بشرية، لمن اجتمع الأنصار في سقيفة بن ساعدة وكانوا يُريدون أن يُبايعوا أحدهم خليفةً لرسول الله صلى الله عليه وسلم وحضر هذا اللقاء الصحابيان أبوبكر وعمر وإنتهى الأمر إلى أن بُيع أبوبكر، العملية كلها إنسانية وليس فيها معنى التعيين الإلاهي، ثم أن أبابكر رضى الله عنه عندما تولى الأمر،

وُلِّيتُ عَلَيْكُمْ وَلَسْتُ بِخَيْرِكُمْ

الصَّدْقُ أَمَانَةٌ، وَالْكَذِبُ خِيَانَةٌ

المعاني التي قالها أبو بكر تؤكد المُشاركة والمُساءلة والشفافية وسيادة حُكم القانون. وهذه كلها معاني بشرية. الخلافة فيما بعد صارت حقيقةً مؤسسة يتنازع عليها الناس بالقوة، زى ما قال الشهرستاني، أكثر أمر سُل في أمره السيف كان الإمامة. فإذاً أمر ولاية الأمر عندنا كمسلمين مسألة بشرية وليست كما عند الآخرين مثلاً لدى بني إسرائيل كان يسوسهم الأنبياء. المهم، الخلافة بهذه الصفة ليست جُزءاً من عقيدة الدين، هى مُمارسة بشرية. والآن نحن نستطيع أن نتحدث عن ولاية الأمر بالصورة التي نراها تُحقق مبادئ الإسلام السياسية. الإسلام ما عنده مؤسسة حُكُم مُحددة ولكن عنده مبادئ، الشُورى والحُرية والكرامة والمُساءلة وإلى آخره.

فإذاً المطلوب مؤسسة تستجيب وتُنفذ مقاصد الإسلام في الحُكم ومبادئ الإسلام في الحُكم. كذلك هناك أحكام، هذه الأحكام يُراد تطبيقُها، ولكن هذا التطبيق ليس أعمى، ( وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا ) [2]. ومطلوب عندنا في هذه الأحكام أن نتبصر، التدبُر، والحكمة، والميزان، ونتعامل مع الظروف زى ما قال إبن القيم، واجب الفقيه أن يُحدد الواجب إجتهاداً وأن يُحيط بالواقع وأن يُزاوج بنهما، ولذلك صارت الأحكام تتغير بظروف الزمان والمكان والحال وهكذا.

فدراستي تُقدم مُرافعة قوية لأن مسألة نظام الحُكم مسألة بشرية ونحن نختار الوسائل النظامية التي بها نُطبق أحكام مقاصد الإسلام السياسية، ودة يجعلنى أدعو للنظام الديمقراطي، وكذلك أدعو إلى علاقات دولية تقومُ على العهد وليس على ما كان يراه الفقهاء في السابق، دار سلام ودار حرب. ولذلك نحن نستطيع الآن أن نُقيم علاقات دولية على أساس العهد، تُحقق هذه العلاقات الدولية السلام والتعاون الدوليين، وهذا هو عهدُنا، وهذا مشروع بإعتبار أن العهد عندنا مسؤول ومطلوب الوفاء به.

المحاضرة أو المُداخلة في النهاية تُحدد 12 بند حول الفِكر والنظام السياسي والإقتصادي والتشريعي ينبغي أن نُراعيها لكى نُخرج الأمة من حالتها الحالية إلى مخرج يُمكنُها من أن تؤدي رسالتها الإنسانية العُظمى.

الكرسي الأكاديمي: يعني كأنك تُريد أن تقول أنك تُريد أن تُخرج الأمة الإسلامية من الحالة الراكدة إلى أن تكون أمتاً رائدة، وهذا كلام جيد ولكن الآن يعني نُلاحظ أننا في ظل الدولة الإسلامية التي كانت تعيش على مدى قرون طويلة، كان لدينا الناس كلُهم مسلمون وهناك أهل الذِمة، ولكن الآن نُلاحظ أن في الدول الإسلامية كثيراً من أبناء غير المسلمين الذين يعيشون، أين يقف مبداء المواطنة والهوية أمام هذا التغير في وضعية المجتمع الإسلامي؟

الحبيب الإمام: أنا قدمت الورقة أن المرجعية الصحيحة ليست المُمارسة التي حدثت في الزمن العُثماني أو الأموي أو العباسي، وإنما المرجعية الحقيقية هى صحيفة المدينة. وفي صحيفة المدينة الرسول صلى الله عليه وسلم إتفق مع كل الآخرين على أن هناك واجب مُشترك في الدفاع عن المدينة وحماية المدينة، ولكن لكلٍ خصوصية مالية وخصوصية دينية. أنا اعتقد أننا الآن ينبغي أن نتحدث عن عهد المواطنة الذي يضُم الجميع في ولاء لوطنية واحدة، وأن هذه الوطنية أو هذه المواطنة هى النظام الأفضل الآن لإدارة الشأن العام، مُش، لأنه التطلُع لدولة واحدة، اصلاً لم يضُم المسلمين دولة واحدة إلا في أول 150 عام من تاريخ الدولة الإسلامية، لأنه منذ الإنقلاب العباسي صارت تحكم المسلمين دول مُختلفة، هذا المفهوم سبق إحتلال الأجانب لبُلداننا، ولكن صحيح هذا الإحتلال كرس مفهوم المواطنات والدولة الوطنية. أنا اعتقد ينبغي أن نعتمد نظام الدولة الوطنية، ولا نضع هذا النظام في مُقابل وحدة المسلمين، بل نقول الآن يمكن أن نستصحب نظام الدولة الوطنية، والدولة الوطنية يمكن أن تُطبق هى الأحكام الإسلامية وما تلتزم به في دستورها. كذلك هناك فُرصة لعلاقات تضامُنية لتعاهُد بين الدول الإسلامية، وهذا هو الممكن حالياً، لأنه دة الواقع، نحن إذا تحدثنا فقط عن ضرورة دولة واحدة نكون نتحدث عن اماني لا صلة لها بالواقع.

الكرسي الأكاديمي: يا سماحة الإمام في اللقاء الماضي من العام الماضي من دورة هذا المؤتمر قُلت بأن حال أُمتنا كوحشٌ بيده كفن.. بيده سيفٌ وفي الآخر كفن، وقُلت أن الآخرين مُغاة والمُغاة يُعادون الطُغاة، هذا الكلام ما الذي دفعك إلى أن تُشخص حال أُمتنا بهذا الحال المؤلم الذي تكلمت عنه في الدورة السابقة لهذا المنتدى، نُريد منك إن كُنت تتذكر تلك الكلمات سماحتكم أن تُعيدها لنا حتى نوثقها للمُشاهد؟

الحبيب الإمام: يعني الفكرة الأساسية هى أن أُمتنا الآن في حقيقة أمرها تُعاني من مخاطر كبيرة. أهم هذه المخاطر أن الغُزاة، وأعني بالغُزاة الهيمنة الدولية، تُفكر الآن بمُوجب ما يسمونه الجيل الرابع للحروب، أن تُخطط لنا مُستقبلاً أسواء مما خططوه في سايكس بيكو، كذلك لأن هناك ضعفاً وهشاشتاً في الدولة الوطنية لسبب التناقُض بين الحُكام والشعوب، للأسف هذا ادى إلى أن يطمع في بناء مُستقبلنا الغُلاة، داعش والقاعدة وغيرُها…

الكرسي الأكاديمي: (مُقاطعاً) أو ما يُسمى بالمُتطرفين أو الراديكاليين.

الحبيب الإمام: نعم. يعني التطرُف الذي هو في الحقيقة، هذا التطرُف صحيح عنده موبِقات من الظُلم، المظالم الداخلية وغيرها، ولكن ما كان يبلُغ هذه الدرجة لولا تدخُلات أجنبية، يعني لولا ما حدث في أفغانستان ما كانت القاعدة، ولولا ما حدث في إحتلال العراق ما كانت داعش، وهكذا. فإذاً هذا الغُلو الذي حدث في أُمتنا هو إلى حدٍ كبير ردود فعل من تدخُلات أجنبية وعمل على إستغلال أوضاعنا لصالح مصالح خاريجية. المُهم الفكرة النهائية أن وضعنا الحالي فيه من المظالم الداخلية السياسية والإقتصادية وفُرص كبيرة جداً للتدخُل الأجنبي وللتمدُد الداعشي والقاعدي إلى آخره. ومالم يستطع الصُحاة الذين يتطلعون لصحوة إسلامية أن يتتطرقوا لهذه الأُمور بصورة أساسية ويتخلوا عن التعامل مع تاريخنا بصورة أُسطورية، نتعامل مع تاريخنا بصورة موضوعية لكى نستفيد من إنجازاته ونتخلى من سلبياته. أنا في رأيي هذا التحدي الآن صار أكثر وفي أى مرحلة مضت لأن الخطر صار كبيراً جداً، وإذا قعدنا عن الإصلاح الجذري للنظام السياسي والنظام الإقتصادي والفِكر، إذا عجزنا عن ذلك سوف يكتُبُ مُستقبلنا الغزو الأجنبي أو الغزو القاعدي أو غزو المُتطرفين الذين وإن كانوا يتحدثون عن وفاء لا مُستقبل له لكن في اليأس يُمكن أن يجدوا من كثير من الشباب في المنطقة تجاوباً كبيراً.

الكرسي الأكاديمي: بارك الله فيكم سماحة الإمام الصادق المهدي رئيس المؤتمر على هذا اللقاء وهذه الكلمات الجميلة التي تُشعرُنا بأن هناك صُحاةً حقيقيين في هذه الأمة يُريدون أن يُشخصوا حالها ويُريدون أن يُخرجوها من مأزقها. شكراً لكم مرةً أُخرى في وطنكم الأول وهو الأردن.

الحبيب الإمام: العفو. لا شك أن الأردن فيه حيوية وفيه موضوعية تُتيح لأمثالي الذين تحدث عن أوضاع بصورة تُطالب بتغييرات جذرية مع ذلك أجد فُرصة وحُرية للتعبير عن هذه المعاني ولذلك أُرحب أنا بزيارة الأردن لمُمارسة هذه الحُرية.

الكرسي الأكاديمي: أهلاً وسهلاً بكم دائماً.

الحبيب الإمام: العفو يا أخوي. الله يبارك فيك.

_____________________________________________

[1] سورة الإسراء الآية رقم (70)

[2] سورة الفرقان الآية رقم (73)