المؤتمر الصحافي رقم (19)

بسم الله الرحمن الرحيم

المؤتمر الصحافي رقم (19)

الزمان: الأحد 23يوينو 2006م

المكان: دار حزب الأمة القومي

 

أخواني وأخواتي. أبنائي وبناتي

ضيوفنا الكرام السلام عليكم ورحمة الله ونشكركم على تلبية دعوتنا في هذا الظرف الوطني، والإقليمي، والدولي العصيب ونرى أن بيان الرؤى وتبادل الآراء عبر أجهزة الإعلام واجب وطني. سوف نتناول في هذا المؤتمر أربع قضايا.

القضية الأولى: دعيت لمؤتمر في ألمانيا دعت له منظمة برتلسمان وهي مؤسسة غير حكومية وغير ربحية مابين 14- 16 يوليو. على أن ألبي دعوة اللجنة التنفيذية لنادي مدريد في نيويورك في يوم 19/7 وكنت أزمع على هامش الزيارة أن ألتقي بمسؤلين أمريكيين وأعضاء في الكنغرس الأمريكي. كما أعقد لقاءات مع مواطنينا في المهجر وقد أعددت تلك البرنامج. ولكن نتيجة للهجوم الإسرائيلي الوحشي على غزة ثم على بيروت بعد أسر الجنود الإسرائيليين الثلاثة وما وصلني من أخبار مزعجة عن اقتتال شمل أهلنا من قبائل الرزيقات، والهبانية، الفلاتة، رأيت ضرورة العودة للبلاد للمساهمة في مجهودات الدعم الشعبي السوداني للمقاومة والتصدي للعدوان ولدعم المجهودات المطلوبة لإبرام الصلح القبلي في جنوب دارفور.

وقبل حضوري إلى البلاد شرعت في التفاكر مع أجهزة الحزب حول حقائق الموقف الداخلي والعربي والدولي. واتفقنا على ماينبغي عمله. ثم تقرر عقد هذا المؤتمر الصحافي الذي سوف نتناول فيه أربع قضايا-

القضية الأولى: استقر في ذهني انطباع أثناء مؤتمر ألمانيا هو أن هناك بقعة عمياء تحجب الذهنية السياسية الغربية التي تقودها الولايات المتحدة فتحول دون فهم حقيقة الأوضاع في عالمنا. بل تجعلها تأتي غالبا بنتائج عكسية. وانطباع ثان هو أنه مع كثرة المؤتمرات والحوارات الهادئة المتسامحة فإن هذا المناخ المعتدل يسير في اتجاه بينما يسيرالواقع الميداني في  أتجاه آخر تحكمه عوامل التطرف من الجانبين.

وقد ظهرت حقيقة هذه الانطباعات جلية عبر الملفات الأربعة التي تبادلها البحث والحوار.

  • الملف الأول: هو الاصلاح الديمقراطي في منطقة الشرق الأوسط. وقد كان واضحا أن المنطقة العربية في مؤخرة العالم من حيث التحول الديمقراطي وأن الاصلاح فيها يسير بحركة سلحفائية. وأن السياسات الغربية لعبت دورا في دعم الاستبداد في المنطقة وفي بطئ الاصلاح حاليا وفي تقييد مبادرة الدول الثمان فكأنها حالة ساقية تغرف من البحر وتصب فيه.
  • الملف الثاني: كان الملف النووي الإيراني. السياسة الأمريكية تعطي إيران دافعا قويا لتكثيف الدفاع عن نفسها لأنها تصفها بمحور الشر وبأنها راعية للإرهاب وتعلن عن احتفاظها بحق الهجوم الآحادي والاستباقي. وتتبع معيارا مزدوجا لأنها لا تمنع التمكين النووي الإسرائيلي. ومع ذلك تطالب إيران بالكف عن تطوير التقنية النووية حتى لأغراض مدنية فكأنها تثيرها ثم تنصحها بالهدوء!

ج. الملف الثالث: أمن الخليج ومعلوم أن دول الخيلج غير متكافئة في قوتها وعدد السكان. وهذا يؤدي إلى عدم التوازان. الدول الأضعف خاصة بعد انهيار النظام العربي صارت تتطلع لحماية من خارج المنطقة. الحماية الأمريكية وتحرص على إقصاء الدول الخليجية الأقوى من نظام الأمن في الخليج وهذا يزيد من عدم الاستقرار في الخليج. فكأنها حالة ألقاه في اليم وقال له لا تبتل بالماء!

د. الملف الرابع: سلام الشرق الأوسط. في هذا المجال أعيد التأكيد على خريطة الطريق بعد أن نفضت إسرائيل يدها منها وغيرت الواقع الميداني.السياسات الإسرائيلية دفعت الموقف الفلسطيني إلى مزيد من الراديكالية. وهي التي هزمت خط رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس. وعندما صوت الشعب لصالح حماس اتجهت إسرائيل وأمريكا إلى تدمير السلطة الفلسطينية بكل الوسائل مما سيدفع إلى راديكالية أكثر.

بدأ لي واضحا أن تعاملات السياسة الأمريكية مع المنطقة تحقق عكس مقاصدها

وطرحت على أحد أكبر رجال المخابرات الغربيين سؤالين:

* ألا توافقني أن كل سياساتكم في منطقتنا الآن فاشلة؟

* ألا يدل هذا على أن صناع القرار يعانون من لوثة ما ؟  أجاب على السؤالين بنعم!

وإمعانا في هذه الغفلة ومع كل مايحدث الآن في المنطقة يقولون أن السيدة كونداليزا رايس سوف تزور المنطقة وتبشر بشرق أوسط جديد. يدهشني جدا أن وجدت من يستقبلها في المنطقة. وإن فعل فرغم أنف شعبه. ويدعمون هجمة إسرائيل ويزدون تسليحها ودون حياء يطرحون على المنقطة تصوراتهم التي لا تخرج عن اضاعها لإدارة الغاصبين ثم يتساءولون لماذا يكرهوننا؟

القضية الثانية: قضية الهجوم الإسرائيلي على غزة وعلى لبنان. ودون دخول في التفاصيل فإن إسرائيل كيان غرسته الهيمنة الدولية على حساب شعب فلسطين ولا توجد إمكانية لحل تفاوضي بين المغتصب وصاحب الحق. وسوف تستمر الحروب وتزداد عبر الشعوب والأجيال مالم تتمكن الإرادة الدولية يوما ما من  فرض سلام عادل وشامل.

أما الحرب الحالية فإن إسرائيل صعدت قضية ثلاثة جنود أسرى لتصفية المقاومة لاحتلالها ولإحداث شروخ في الصف العربي الإسلامي. وأمريكا دعمت هذا التصعيد لأنها تعتبر المقاومة إرهابا ولأنها تريد توجيه رسالة لإيران عن طريق تدمير أحد حلفائها. هذه الأهداف لن تتحقق ولهزيمتها المطلوب من شعوب المنطقة ودعم المقاومة وتوحيد الصف توحيدا يعلو فوق التفرق المذهبي والحزبي، وتسيير المواكب الشعبية لرفض العدوان، ومطالبة الحكومات باتخاذ مواقف حازمة بدءا بتأييد المقاومة، وإدانة العدوان، وإدانة مواقف المؤيدين له ،واستخدام إماكاتها الاقتصادية ضد المعتدين، وقطع أية علاقات مع إسرائيل، وكفالة حرية التعبير الحركية للمواكب الشعبية وتكوين صندوق لتعويض الضحايا ولإعادة تعمير غزة ولبنان. ومن جانبنا فإننا سنخاطب الأمم المتحدة ومؤتمر الدول الإسلامية والاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوربي لاتخاذ مواقف واضحة ضد العدوان وعزمنا على تنظيم موكب جامع يسير فيه الشعب السوداني تعبيرا عن رفض الظلم والعدوان.

يؤهلنا لهذا الموقف أننا مع الشرعية الدولية باستمرار، ونستند على شرعية ديمقراطية انتخابية، لا شبهة في انحيازنا حزبيا لحماس ولا لحزب الله  وكنا ولا زلنا ضد الإرهاب الذي يبطش بالمديين والعزل، وكنا ولا زلنا ندعم مبادرات السلام العادل الشامل. مما يجعل موقفنا خالصا لوجه الحق والعدل.

القضية الثالثة: اقتتال الزريقات والهبانية والفلاتة في جنوب دارفور. أولا: يجب أن نقر أن حكومة السودان اليوم تتصدر قائمة الدولة الفاشلة. وكان أحد مقاييس الفشل تفشى النزاعات المسلحة داخل البلاد وفشل الحكومة في احتوائها. وتعدي قوات مسلحة من دول الجوار على حدود البلاد وفشل الحكومة في الحيلولة دونها فانقلاب الأمن في ربوع البلاد هو أحد نتائج هذا العجز.

ثاينا: يجب أن نذكر ما قاله ممثلو مجلس شورى الرزيقات والهبانية أنهم نبهوا الوجود إرهاصات صدامية وطالبوا بقوات للحليولة دونها دون استجابة من السلطات.

ثالثا: الإدارة الموجودة في ولايات دارفور الحالية إدارة أخفقت تماما في إدارة وحل الأزمات وتحت مسئوليتها يشهد الإقليم تفلتا أمنيا وترديا إنسانيا وغير مسبوق. وهذا يعني فشل هذه الإدارة وقد قلنا سابقا ونكرر ضرورة استبدال هذه الإدارة في مستوياتها العليا لفشلها التام وأن عددا كبيرا منها  موضع مساءلة جنائية.

رابعا: دارفور تشهد اليوم نزاعات مسلحة زادة منذ التوقيع على سلام أبوجا الناقص. زادات كما ونوعا وقد شرعنا في معالجة واسعة لها بإجراء اتصالات مع كل الأطراف داخل وخارج دارفور لاحتواء النزاعات البيئية والتركيز على برنامج سياسي إصلاحي واحد يدعمه الجميع ويستخدم وسائل الجهاد المدني.

خامسا: إننا إذ نترحم على أرواح القتلى من كافة الأطراف نطالب بالإهتمام التام بالجرحى وإكمال كافة إجراءات الصلح والتعويضات والديات.ونناشد الجميع ضبط النفس ونبذ العنف.

سادسا: نطالب بتكوين لجنة تحقيق محايدة وعادلة لتحديد المسئولية الإدارية والجنائية عما حدث وإنزال العقوبة بمن تثبتت إدانته. ومن جانبنا شرعنا في التحقيق لإجلاء الحقائق.

النقطة الرابعة: الموقف السياسي السوداني الآن في غاية الخطورة فاتفاقية نيفاشا تتعثر واتفاقية أبوجا ولدت ميتة والدور المطلوب للأمم المتحدة في دارفور موضع استقطاب حاد داخل الحكومة ومابين الحكومة والمعارضة. بعض الناس يحاول علاج الموقف بلقاءات عقيمة بين طرفين الاتفاقية وبعضهم يستنجد باصدقائه في الداخل والخارج. اتفاقية نيفاشا حققت خطوات ضرورية ولكن لسيت كافية. أما اتفاقية أبوجا فقد قتلها الابقاء على سياسات نظام “الإنقاذ” الفاشلة والابقاء على سقوف نيفاشا الضيقة، وهي نفس العوامل التي سوف تخنق اتفاقية الشرق المزمعة ويضرها أيضا أن التفاوض لإبرامها ينطلق من نفس الموقع الذي تزامن فيه انطلاق التصعيد ضد اتفاقية أبوجا. أن نهج استبعاد المجتمع السياسي، والمدني، وحصر التفاوض من أجل السلام والاستقرار في الانقلابيين والمسلحين، وسوابق  التوزيع الجهوي للسلطة والثروة دون مقاييس موضوعية، والركون لدوافع خارجية تجهل الواقع السياسي والاجتماعي السوداني، نهج يزيد من الأمر سوءا ويزيد الحكومة عجزا. صار واضحا للكافة أن الحلول بالقطاعي غير مجدية ولابديل لملتقى جامع يزيل عيوب الاتفاقيات الحالية، ويضع برنامجا متفقا عليه للتحول الديمقراطي ويحسم الموقف من دون القوات الدولية، ويختار حكومة قومية قادرة على إدارة الشأن الوطني.