المؤتمر الصحفي رقم 87

الإمام الصادق المهدي

بسم الله الرحمن الرحيم

حزب الأمة القومي

دار الأمة أم درمان في 27 أبريل 2019م

المؤتمر الصحفي رقم 87

كلمة رئيس الحزب الإمام الصادق المهدي

أخواني وأخواتي، أبنائي وبناتي

أشكركم على الحضور، وأنا اعتبر الإعلام صديقاً مؤيداً أو ناقداً، فكما قال أهم فلاسفة الغرب، عمانويل كانط، النقد أعظم وسيلة للبناء عرفها الإنسان، مردداً صدى أمير المؤمنين ابن الخطاب: رحم الله امرئً أهدى لنا عيوبنا.

لقد اتصل بنا كثيرون من صحف ووكالات أنباء وفضائيات يطالبون بمقابلات، فرأينا إتاحة الفرصة لهم جميعاً في هذا المؤتمر الأول الذي نعقده تحت رايات الحرية، فقد كنا نعقد مؤتمراتنا ونحاسب حساباً عسيراً على ما نقول، لأن الأمر كما قال نزار قباني:

اكتب عن الطقس فأنت آمن

أو عن حبوب منع الحمل، إن شئت، فأنت آمن

هذا هو القانون في مزرعة الدواجن

ينبغي لي أن أبدأ بتحية مواطنينا، لا سيما أبنائنا وبناتنا من جيل الفتوحات. لقد تنزلت على السودان طائفة من البركات تعزز فرائد سجلت للسودان عبر تاريخه.

فقد قال المؤرخ الصقلي اليوناني ديودروس إن السودانيين هم أول الخليقة من البشر، وأول من عبد الله، وقرب له القرابين، وأول من خط بالقلم. وأشار هوميروس في الإلياذة إلى رحلة زيوس رئيس آلهة اليونان للاحتفال هو وسائر الآلهة إلى السودان الذي خلا من اللوم أهله. وفي نفس وتيرة التفرد قال المؤرخ المصري د. عبد الودود شلبي إن الدعوة المهدية حركة تمثلت فيها كل تطلعات أهل القبلة في عصرها، وشهد مؤرخون بريطانيون أن بسالة السودانيين الذين واجهوهم في حروب المهدية لا نظير لها، فهم أشجع من مشى على ظهر الأرض. وفي العصر الحديث صار للشعب السوداني براءة الاختراع في تحقيق استقلال كامل الدسم بوسائل سلمية، وكذلك في ثورتي أكتوبر 1964م وأبريل 1985م.

البركات التي تنزلت على السودان:  انتفاضة الأقاليم الحية. وحركة المهنيين التراكمية من مطلبية إلى أهداف سياسية وتضافر قوى إعلان الحرية والتغيير معهم من أجل تنحية النظام وإحلاله بنظام جديد. والمواكب الأولى التي جسدت بسالة مدهشة وعزيمة لا تلين مروراً بموكب الحرية والتغيير للقصر يحمل مذكرة التنحي، وانتهاء بموكب السادس من أبريل الذي استلهم تاريخ انتصارنا فلبى الشعب أجمع دعوته، حتى انتهى بالاعتصام المقدام الذي اندفع فيه أبناؤنا وبناتنا ببسالة رغم المذابح المتكررة. والعسكريون في القيادة العامة الذين استضافوا المعتصمين وذادوا عنهم. وعندما وضع السفاح، بفتوى فقيه سلطان بجواز قتل ثلث الناس لإصلاح الثلثين، لجنة الأمن أمام قراره بفض الاعتصام بالقوة، فقرر أربعتهم بالإجماع عزله بدل سفك الدماء، يحمد لهم هذا الموقف، لا سيما القوات المسلحة، وانحياز قيادة الدعم السريع لهذا الموقف الحميد. وتماسك جماعة الحرية والتغيير برغم خلافاتهم التي تجاوزوها إصراراً على إنجاح الثورة المباركة وقيادتها نحو بر الأمان. ووقوف الرأي العام العربي والأفريقي والدولي بوضوح في تأييد الثورة السودانية.

هذه البركات السبع تدل على عبقرية شعبنا، وتعزز تفرده التاريخي المذكور.

حبذا أن نسمي جيلنا المقدام من الشباب وفيه فلذات أكبادنا رحمياً وروحياً أن نسميه جيل الفتوحات.

وأن نخلد ميدان الاعتصام باسم ميدان الحرية، ففي كثير من المدن السودانية يوجد ميدان يسمى الحرية، ولا يوجد ميدان بهذا الاسم في العاصمة الخرطوم.

يرجى أن يستمر الاعتصام الذي عبر عن عودة الروح لشعبنا إلى أن يبتهجوا بمهرجان التحرير الكامل، بنظام يحظى برضا الشعب.

نحن نخطط لمواقف شعبية في أم درمان، وفي المدن السودانية الكبيرة كما وعدنا سابقاً، لدعم الموقف، ولقطع الطريق أمام الثورة المضادة التي أطلت برأسها.

المجلس العسكري يمثل أكثر من قيادة، ويرجى أن نتعامل معه بالحكمة لا بالانفعال.

وحتى الدعم السريع، فأنا في مرحلة انتقدته وسجنت بسبب ذلك. ولكن قيادة الدعم السريع اتخذت إجراءات إيجابية: طافت على القبائل وحققت معها مصالحات. ومنذ البداية أعلنت الانحياز للمطالب الوطنية. وعندما وضعت أمام الفتك بالمعتصمين أو حمايتهم قررت حمايتهم. أما فيما يخص ما حدث في الماضي، يرجى الحرص على إجراء مصالحات قبلية واسعة.

نحن في قوى الحرية والتغيير سوف نطور موقفنا من التنسيق إلى هيكل قيادة موحد. ونقدر للمجلس العسكري اعترافه بدورنا، وسوف يقدم هذا المجلس القيادي الهيكل المطلوب للحكم الانتقالي، وأهم ملامحه: مجلس سيادة، ومجلس أمن قومي، ومجلس وزراء مدني فيه أصحاب خبرة وتجارب بلا مشاركة حزبية في المجلس التنفيذي، ومجلس تشريعي تمثل فيه كل قوى الحرية والتغيير والقوى السياسية الأخرى التي عارضت النظام المباد، وشخصيات قومية مؤهلة مع مراعاة تمثيل النازحين والمناطق المهمشة والمرأة والشباب. وسوف يحكم صلاحيات هذه الأجهزة إعلان دستوري يرجى أن نتفق عليه مع المجلس العسكري. وسوف نقترح مشروعاً محدداً يضعه الذين يستحقون المشاركة في المرحلة الانتقالية.

أما المؤتمر الوطني والأحزاب المتحالفة معه فينبغي تجريدهم من كافة الامتيازات غير المشروعة التي حصلوا عليها عن طريق التمكين الجائر.

والأفراد منهم الذين ارتكبوا جرائم وسرقات يحاسبون ضمن برنامج العدالة الانتقالية، والنصيحة لهم أن يراجعوا أنفسهم بالاعتراف بجريمة الانقلاب على الديمقراطية، وبالإساءة للإسلام الذي لطخوا ثوبه الناصع باستغلاله شعاراً للبطش والإكراه كأنه مؤسسة عقابية. ينبغي التعامل معهم بقانون عادل لا بنهجهم الانتقامي فدولة القانون ليست مثلهم دولة طغيان.

نحن نؤيد المحكمة الجنائية الدولية، وطالبنا منذ البداية بالانضمام إليها خاصة والسودان قد وقع على تكوين المحكمة في 17/7/ 1998م، ولكن عندما كان أحد المطلوبين للمحكمة رئيساً للدولة كنا ننادي بالتوفيق بين العدالة الجنائية والاستقرار في السودان، وقد بحثنا إجراءات مع محامي الاتهام في المحكمة ومع مسؤولين كبار في مجلس الأمن، ولكن الآن لا مانع من الاستجابة لمطالبها، وينبغي فوراً الانضمام لها. ولكن هذا الموقف يجب أن ينسق مع المجلس العسكري. هذا ما يطلبه أولياء الدم، والتطبيع مع الأسرة الدولية.

النظام المباد عاث فساداً بالخصخصة الجائرة التي كانت تخصيصاً، تراجع. كذلك تراجع المبيعات الجائرة لأراضي الوطن. تلك المراجعات ينبغي أن تكون بقانون مناسب.

من أهم عبثيات النظام المباد تلاعبه بمصالح البلاد الخارجية والتقلب في المحاور مراعاة لمصالح النظام لا مصالح الوطن. يرجى أن تعقد السلطة المدنية الانتقالية مؤتمرات قومية لمسائل مهمة أهمها مؤتمر قومي اقتصادي، ومؤتمر قومي للعلاقات الخارجية، ومؤتمر قومي إداري.

إن قوى الحرية والتغيير متفقة على المسائل العشر الآتي بيانها:

  • هندسة مدنية للمرحلة الانتقالية.
  • بسط الحريات.
  • تحقيق السلام العادل الشامل بموجب اتفاقية السلام المنشود مع كافة الحركات الثورية المسلحة.
  • الاتفاق مع المجلس العسكري لتحديد دوره في المرحلة الانتقالية.
  • مساءلة النظام المباد وحلفائه بالقانون، وتصفية التمكين بالقانون.
  • أن يكون الجهاز التنفيذي، أي الحكومة مكوناً من خبراء بلا محاصصات حزبية.
  • ألا يكون لسدنة النظام المباد مشاركة في المرحلة الانتقالية.
  • عقد المؤتمرات المتخصصة الاقتصادية والإدارية والشؤون الخارجية، وغيرها.
  • يعقب الفترة الانتقالية إجراء انتخابات عامة حرة.
  • عقد مؤتمر قومي دستوري.

هذا هو المتفق عليه، وسوف يلتزم به المجلس القيادي. ولكن هنالك مسائل خلافية. مثلاً أعلن بعضنا تجميد الاتصال مع المجلس العسكري. نحن عارضنا ذلك، وينبغي التعامل مع المجلس بالحكمة لا بالانفعال، ولا تجميد بل حوار.

عندما قرر مؤتمر الاتحاد الأفريقي صدر من بعضنا هجوماً على مصر. القرار ليس مصرياً بل أفريقي فيه دول مهمة كجنوب أفريقيا ونيجريا وأثيوبيا، وهو على أية حال توصية. والمدة المقترحة ليست ملزمة لنا فقد نقوم بالواجب في ظرف أسبوع إن استطعنا.

نحن نرى أن تعامل هذه المسائل بالحكمة لا الانفعال.

وبعضنا طالب بالعلمانية. إن قضية الدين والدولة من المسائل التي نرى بحثها في المؤتمر الدستوري. ومثل هذه التصريحات إنما توفر زخيرة للثورة المضادة. سوف يحتج السدنة بنصر الشريعة تارة، وبدعم الجيش تارة. وسجل التاريخ أن النظام المباد أساء للشريعة إساءة بالغة فهي عدل ومشاركة شورية ومساءلة وشفافية، ولكن نهجه كان ظلماً وفساداً وطغياناً. أما جيشنا فقد أساء إليه كذلك إساءة بالغة إذ اخترقه حزبياً وأقام له البدائل. ولكن الغرض مرض. هذه مجرد وجوه من أعمال مضادة للثورة المباركة. ومعلوم أن سعر الدولار هبط تفاؤلاً بالعهد الجديد ما بين 19/4 و23/4 وصل سعره 45 جنيهاً، ولكن السدنة أقدموا على شراء الدولار بأموال السحت التي جمعوها لتستمر ضائقة الدولار حتى صار السعر ما بين 23/4 والآن 65 جنيهاً.

يرجى أن يؤدي تكوين المجلس القيادي المنشود لمنع أية تصريحات غير متفق عليها.

يجب أن نؤكد للكافة أن ما حدث في السودان ليس انقلاباً عسكرياً، بل هو امتناع قواتنا عن سفك دمائنا وانحيازهم للمطالب الشعبية.

نحن في السودان بصدد فتح جديد في الانتقال من حكم الفرد القهري لحكم مؤسس على رضا الشعب.

هذا الإنجاز سوف يكون له أصداء واسعة. رسالتنا الحكم برضا الناس.

لقد انفرد حزبنا بعدم المشاركة في النظام المباد رغم الإغراءات، وتحمل بطشه كما تحمله آخرون، وما حققه زملاؤنا المهنيون، وبناتنا وأبناؤنا الشباب فخر لنا، ومشاركتنا في رفض النظام تمتد على طول عمره. إن لثورتنا المباركة آباء من مواقف مقاومة لم تهدأ منذ الانقلاب المشؤوم، وسوف يجد المتابع لسجل المعارضة كم طالبنا وزملاؤنا في المعارضة النظام ورئيسه بالرحيل، فالهبات التي ثارت في وجه النظام كثيرة متواصلة وهي التي راكمت الغضب الشعبي حتى ثورة ديسمبر الظافرة. الثورة التي بدت ملامحها تتشكل مع الرفض الشعبي لميزانية 2018م حينما أجمعت كل فصائل المعارضة على إعلان الخلاص في يناير 2018م، ونادت بمواكب تنادي بتنحي النظام ورئيسه، وهي خطوات تصاعدت بالتعبئة حتى انفجرت شرارة الثورة في الدمازين في 13 ديسمبر ثم انطلقت في عطبرة والجزيرة أبا والقضارف وسنار والخرطوم وغيرها، وتلقفها المهنيون ثم كافة قوى الحرية والتغيير في 1 يناير 2019م. كان إجماعنا الأخير حصاداً لما انبنى داخل كيانات المقاومة المختلفة وفيما بينها، فانتظمنا جميعاً في سلك الثورة.

وكان منبرنا الديني في ودنوباوي وسائر مساجد الأنصار تجهر بحديث الثورة وتسير مواكب الجُمَع نصرة لها، وفي 22 مارس أطلقنا على ملأ واسع كبسولة تنحي رئيس النظام ونظامه. وفي 5 أبريل أعلنتُ في خطبة الجمعة أن الخروج في مواكب يوم 6 أبريل فرض عين على كل وطني.

وبعد مجزرة الثلاثاء 9 أبريل اتصلتُ بالحبيبة الأمينة العامة سارة نقد الله وقلت لها أن تعلن أنني سوف أصلي الجمعة بميدان الاعتصام، فكرت في ذلك حماية لأبنائي وبناتي الثوار بعدما حدث. وفي يوم الأربعاء 10/4 اجتمع بنا (الاستاذان محمد وداعة ويحي الحسين وشخصي) الفريق صلاح قوش والسيد أحمد هارون واستفسرا عن مطلبنا وقلنا إنه تنحي البشير ونظامه، قيل لنا هذا مستحيل. وهدد أحدهم بأن القرار قد صدر لفض الاعتصام بالقوة، قلت له أنا سوف انضم للاعتصام حماية له. قال السيد أحمد هارون لن تجد من تنضم إليه. رد الأستاذ محمد وداعة: إذن اقتلوهم واقتلوه معهم. في هذا الموقف أعلن الفريق صلاح قوش: لن نفض الاعتصام بالقوة. وانتهى الاجتماع بما أوضح لنا تبايناً في موقف الشخصين: أمامنا اختلف صلاح مع أحمد هارون في رفض فض الاعتصام بالقوة.

هذا هو سبب عزمي أن أصلي الجمعة في ساحة الاعتصام منذ يوم المجزرة، وإصراري عليه بعد اللقاء المذكور، ولكن بعد أن امتنعت اللجنة الأمنية عن تنفيذ قرارات البشير وتمت تنحيته، اطلع المكتب السياسي على خطبتي التي أعددتها للصلاة في نفس يوم الجمعة 12 أبريل، ورأى المكتب العدول عن ذلك خاصة وقد انتفى السبب.

في الختام، أشكركم شكراً جزيلاً على تلبية دعوتنا، وسأكون وزملائي مستعدين للإجابة على تساؤلات حضراتكم،

والسلام عليكم،،