المرحلة الثالثة- الديمقراطية الثانية

المرحلة الثالثة (64- 1969م)

عهد الديمقراطية الثانية

في هذه الفترة برزت خلافات تنظيمية داخل الحزب انشق على إثرها في الأعوام 66-1969م، ثار الخلاف حول أسس عمل الحزب في البداية، وحول أداء حكومته بعد انتخابات 1965م، ثم تحول إلى انشقاق الهيئة البرلمانية في يوليو 1966م، وحتى قيام الانتخابات العامة في 1968م  وما بعدها وحتى أبريل 1969م، وقد تبع ذلك تكوين حكومات وقف جزء من الحزب مساندا لها والجزء الآخر معارضا. مما يجعل التاريخ لهذه الفترة شائكا بالتعرض للمواقف المختلفة للطرفين المتنازعين في الحزب. وسنتعرض هنا وباقتضاب للتاريخ التنظيمي للحزب في هذه الفترة ثم تاريخ الحكومات الائتلافية المختلفة التي شارك فيها الحزب موحدا ثم بأحد جناحيه كل مرة. مع التطرق التفصيلي لموقف الحزب إزاء بعض القضايا والأحداث:

(1) تنظيمات الحزب

عندما أطلقت الحريات العامة رؤي أن يتم الشروع في إقامة التنظيم السياسي الذي يقود جماهير الحزب، وكان مؤتمر الوكلاء بأبا قد قرر أن يقوم تنظيم من نوع جديد يكون بمثابة توحيد للإرادة السودانية السياسية، ولكن الأحزاب الأخرى رفضت ذلك ورأت أن تعود كما هي لما كانت عليه قبل انقلاب 17 نوفمبر، بالرغم من أن أحوال الأحزاب قبل 17 نوفمبر هي التي أدت للأزمة التي قادت للانقلاب فلا فائدة من الرجوع إليها. وعندما لم يتمكن الحزب من  إقناع الأحزاب المختلفة بذلك رأى أن يتجدد في اسمه وتنظيمه وبرنامجه لمواجهة الموقف الجديد فنشأت اختلافات حول تجديد الاسم فاستقر الرأي على أن يكون التجديد في المحتوى.

ولإعادة تكوين حزب الأمة اجتمع المجلس الذي كان يسمى في أواخر عهد الحكم العسكري بمجلس الإمام (وهو مكون من السادة: الإمام الهادي المهدي، عبد الله المهدي، يحي المهدي، أحمد المهدي، الصادق المهدي، عبد الله نقد الله، محمد أحمد محجوب، عبد الرحمن النور، حسن داؤد، أمين التوم، محمد عبد الرحمن نقد الله، زين العابدين حسين شريف). اجتمع المجلس وقرر أن تتكون هيئة تأسيسية للحزب مكونة من الهيئة القديمة يستبعد منها أولئك الذين اشتركوا في تدبير انقلاب 17 نوفمبر وكذلك الذين تعاونوا مع الحكم العسكري ويضاف إليها تمثيلا للدماء الجديدة وللواقع  السياسي الجديد.

استعرض المجلس جميع الأسماء واتفق على قائمة من 180 شخصاً واتفق الجميع على اعتبار هؤلاء  الهيئة التأسيسية لحزب الأمة. ناقش المجلس أيضا أسس التصعيد للقيادة، وحدث خلاف كبير حول اختيار رئيس الحزب وأمينه العام وأعضاء المكتب السياسي بين من يرى أن يعينهم جميعا الإمام ومن يرى أن يتم تصعيدهم بالانتخاب، ورأى المجلس أن يضع مشروع دستور للحزب وأن تتولى الهيئة التأسيسية انتخاب المكتب السياسي وانتخاب الأمين العام، وأن يترك انتخاب الرئيس للمؤتمر العام، وأن توجه الدعوة لأعضاء الهيئة التأسيسية المختارين ليناقشوا مشروع الدستور المقدم وليتخذوا فيه قرارات بأغلبية الأصوات.

اجتمعت الهيئة التأسيسية واختتمت أعمالها في 14/11/1964م وقررت أن تعدل مشروع دستور الحزب المطروح بحيث تتولى بنفسها انتخاب الرئيس والأمين العام، وعدلت الدستور وأجرت الانتخابات، وفاز السيد الصادق المهدي رئيسا، والسيد الأمير عبد الله نقد الله أمينا عاما والسيد أمين التوم نائبا للأمين العام. ثم انتخب المكتب السياسي،  وبارك الإمام هذه القرارات. (أنظر قسم الوثائق: مباركة الإمام الهادي لقرارات الهيئة التأسيسية).

هذه القرارات صحبها تكوين سكرتارية حديثة لقيادة العمل السياسي مكونة من شباب خريجين. كما تم التوسع في لوائح الحزب فشملت سكرتاريات جديدة للسياسة الخارجية، والأمن، والاقتصاد والتنمية، وتوطين المواطنين الرحل، والانتخابات، والدستور الدائم. كلفت بإعداد دراسات على أسس علمية حديثة وعرضها على المكتب السياسي لمناقشتها واتخاذ قرار بشأنها.

وفي 25-26 ديسمبر 1964م دعا المكتب السياسي لمؤتمر عام حضره المئات من قادة الحزب الإقليميين.  وفيه عرض رئيس الحزب والنائب العام والسكرتاريات التنفيذية سياسات الحزب ودستوره واللوائح، واستمر المؤتمر لثلاث أيام أجاز في النهاية دستور الحزب ولوائحه وبرنامجه (أنظر قسم الوثائق: نحو آفاق جديدة).

وقبل عودة الأعضاء لأقاليمهم دعوا لاجتماع مشترك مع المكتب السياسي وأعضاء الهيئة التأسيسية  في 31/12/1964م وخاطبهم الإمام الهادي المهدي مباركا قراراتهم . (أمين ص 228).

كانت أجهزة الحزب حسب الدستور المعدل للحزب في 1964م هي:

أ/ المكتب السياسي

ب/ الهيئة التأسيسية.

ج/ مؤتمر عام يتكون من الهيئة التأسيسية والهيئة البرلمانية والهيئات الإقليمية.

د/ هيئة إقليمية في كل مديرية.

هـ/ اللجان الفرعية في المدن والقرى والأحياء.

وبحسب ورقة للتنظيم صدرت في 16/6/1965م تقوم الأجهزة على (الهيئة التأسيسية، والمكتب السياسي، والهيئة البرلمانية، ووزراء الحزب، ويأتي فوق قمة هذا الهرم المركزي السيد رئيس حزب الأمة والسيد الإمام الهادي المهدي راعي الحزب.) على أن تكتمل بعد ذلك التنظيمات في الأقاليم (أنظر قسم الوثائق: ورقة التنظيم 1965م).

وأقيم الجهاز الإداري للحزب على النحو الآتي:

  • السيد الصادق المهدي رئيس الحزب وهو قمة الهرم التنفيذي.
  • السيد/ عبد الله نقد الله- السكرتير العام
  • السيد يحي المهدي- سكرتير الشئون المالية.
  • السيد- أمين التوم نائب السكرتير العام.
  • السيد عبد الله محمد احمد- مساعد السكرتير العام للشئون الإدارية.
  • السيد عمر نور الدائم مساعد السكرتير العام لشئون الانتخابات والأقاليم.
  • السيد عبد الرحمن صالح مساعد السكرتير للشئون البرلمانية.
  • السيد زين العابدين حسين شريف مساعد السكرتير لشئون الدراسات والتخطيط.
  • السيد داؤد عبد اللطيف- مساعد السكرتير العام للشئون الخارجية والأمن والإدارة.
  • السيد أحمد إبراهيم دريج- مساعد السكرتير العام لشئون المناطق المتخلفة.
  • السيد محمود الحلو- مدير مكتب رئاسة الحزب.

كل  هذه الإجراءات خلقت واقعا جديدا متعايشا بصورة ما مع الحرس القديم. كان تعايشا قلقا أشبه بموقف الإصلاحيين بقيادة السيد محمد خاتمي والحرس القديم في إيران المعاصرة.

الاختلاف حول صلاحيات راعي الحزب

كان عدد من الناس غير راضين عن هذه الأحداث فبعضهم لأنه استبعد بسبب تعاونه مع الحكم العسكري أمثال السيد حسن محجوب، وبعضهم بسبب فشله في دخول المكتب السياسي بالانتخاب أمثال السيد محمد داؤد وبعضهم بسبب عدم توليه منصباً قيادياً مع تطلعه لذلك أمثال السيد محمد أحمد محجوب، وبالاشتراك مع عدد من أفراد بيت المهدي اعتبروا أن هذه القرارات خروج على سلطات الإمام وصلاحياته. وبدأ الحزب يتعرض للانقسام عشية الانتخابات ولتجاوز تلك الخلافات، وفي 23/12/1964م، تم اتفاق يعين الإمام الهادي بموجبه عدداً لعضوية المكتب السياسي وعدداً لعضوية الهيئة التأسيسية لإرضاء كل العناصر المتذمرة وتحدد له صلاحيات تسمى صلاحيات الراعي. وقد كان هذا الاتفاق دون طموح التجديد الذي طرحه الحزب ولكنه كان ضروريا لرأب الصدع (أنظر قسم الوثائق: الاتفاق مع الإمام 23/12/1964).

وكانت هذه هي المرة الأولى التي تبرز فيها مسألة علاقة الحزب بالكيان في شكل أزمة. فالإمام عبد الرحمن المهدي ومع احتفاظه بحق النقض لقرارات الحزب لم يكن يمارس هذا الحق أبدا، بل وحينما ثارت ضجة حول الأمر نظريا أصدر بيانا سحب من صلاحياته حق النقض (أنظر قسم الوثائق: بيان عام 1950م)، والإمام الصديق كان قياديا بالحزب قبل أن تؤول له إمامة الأنصار.

وفي علاقة الإمام عبد الرحمن كإمام للأنصار بالحزب، أورد السيد أمين التوم كيف أنه لم يكن يراجع قرارات الحزب مهما كان قال: (وفي معرض حديثنا عن علاقة الإمام عبد الرحمن بالحزب ضربنا مثلا وقلنا إن هيئة الحزب في مطلع الخمسينات عزلت اثنين من اقرب المقربين إلى الإمام عبد الرحمن المهدي من عضويتها لمآخذ أخذتها عليهما، ولم يشأ الإمام عبد الرحمن أن يتدخل أو يطلب إعادتهما إلى هيئة الحزب أو يلوم الهيئة على قرارها ذلك. كان راعيا لحزب الأمة ولم يكن رئيسا يمارس مسئوليات الرئاسة). وفيما يختص بالإمام الصديق قال إنه (كان من أوائل الذين أنشأوا حزب الأمة في عام 1945م وأصبح بوصفه ذاك عضوا في هيئة الحزب التأسيسية ثم انتخب بواسطة هذه الهيئة كما انتخب غيره لعضوية مجلس الإدارة أو ما يسمى الآن بالمكتب السياسي للحزب، وكان يرأس جلسات حزب الأمة لبضع سنوات بعد ذلك عبد الله خليل الذي انتخب سكرتيرا عاما لحزب الأمة منذ إنشائه. وظل الحال كذلك إلى أن رشح السيد الصديق المهدي لرئاسة الحزب وانتخب بإجماع أصوات أعضاء الهيئة. وظل السيد الصديق رئيسا لحزب الأمة إلى حين وفاته. ولذلك لم يكن بحاجة إلى من يساعده على تنسيق علاقته كإمام للأنصار بحزب الأمة) (أمين، ص 208).

هذا مع حقيقة أن ثورة أكتوبر نفسها أتت بجيل جديد، فالذي كان مقبولا للغالبية لدى تأسيس الحزب لم يكن بالضرورة مقبولا لنفس النسبة من الناس ما بعد أكتوبر.. وتطلع البعض لحزب ليست فيه ظلال الرعاية من الكيان الديني، سواء أكانت محدودة الصلاحيات أم غير محدودة.

حول هذه العلاقة بين الحزب والكيان ومدى خضوع الحزب لقرارات إمام الأنصار، وما معنى الرعاية وصلاحياتها، وكيفية التنسيق، اختلفت الآراء: بين من يرون الحزب ذراع لكيان الأنصار وهو بدوره ذراع للإمام، وبين من يرون الحزب مؤسسة قائمة بذاتها وإن كانت تجمعها بكيان الأنصار علاقة تحتم نوعا من التنسيق ومن التعاون. وكانت أية طموحات لتطوير الحزب تصطدم ولا شك بضرورة تطوير علاقته بكيان الأنصار بشكل لا يحرم الكيان وقيادته حقهم ويغمط دورهم، وفي ذات الآن يحتفظ للحزب بشخصيته ومؤسسيته.

انتخابات 1965م

واصل هذا التعايش القلق استمراره وفي ظله خاض الحزب الانتخابات العامة الأولى بعد ثورة أكتوبر في عام 1965م، وقد خاضها الحزب ببرنامج نحو آفاق جديدة (أنظر قسم الوثائق: نحو آفاق جديدة).

قامت الانتخابات مشتملة على دوائر إقليمية وأخرى للخريجين وعددها خمس عشرة دائرة وقد أجري التسجيل والاقتراع لها داخل البلاد وفي عواصم الدول التي بها خريجين سودانيين.  وقد اشترك في هذه الانتخابات كل الأحزاب السياسية في الشمال والجنوب ما عدا حزب الشعب الديمقراطي وحزب جبهة الجنوب، وقد ترتب على تأجيل الانتخابات بالمديريات الجنوبية آثار كثيرة ضارة بالحكومة الديمقراطية (حاج موسى ص 428).

نجح الحزب في احتلال الرقم الانتخابي الأول، حيث نال كل من:

الأمة                       92  مقعدا

الوطني الاتحادي         73 ~

مستقلون                   18

الشيوعي                  11 (أعلن ثمانية لونهم السياسي وأعلن 3 أنهم مستقلون برغم توجههم)

سانو                       10

كتلة جبال النوبة                   10

مؤتمر البجا               10

جبهة الميثاق الإسلامي  5

الأحرار الجنوبي         2

الوحدة                     2

انقسمت دوائر الخريجين على النحو التالي: 11 للشيوعيين- 2 لجبهة الميثاق الإسلامي- و2 للوطني الاتحادي. (حاج موسى، ص 428)

أما داخل حزب الأمة فقد ولدت الانتخابات العامة للحزب هيئة برلمانية مشبعة بروح التجديد السياسي لذلك انتزعت لنفسها شخصية سياسية وانتظمت اجتماعاتها واهتمت بمساءلة الوزراء كما اهتم النواب بصورة ملحة بمطالب دوائرهم.

وبعد عام من الانتخابات العامة تصدى النواب لمساءلة رئيس الوزراء الحاكم باسم الحزب السيد محمد أحمد المحجوب. لذلك كونت الهيئة البرلمانية لجنة عليا برئاسة السيد أمين التوم من السادة: ميرغني حسين زاكي الدين، وإبراهيم هباني، وأمبدى حامد وعبد الرحمن أحمد عديل وعبد العزيز حسن في يناير 1966 للتحري عن شكاوي النواب. عبر هذه اللجنة عبرت أغلبية النواب عن عدم ثقتها في الحكومة وأدانت أداءها. (أنظر قسم الوثائق: تقرير اللجنة).

كان رئيس الوزراء شخصا ليبراليا قياديا ومثقفا قياديا، وبالمنطق الليبرالي من المتوقع أن يضع مصيره تحت أمر الهيئة البرلمانية. ولكنه اتخذ موقفا آخر وأعلن أنه مسئول للإمام وليس للهيئة البرلمانية، ورفع من شعار: (سقوط محجوب سقوط الإمام). لكن أغلبية الهيئة البرلمانية رأت أنه مسئول أمامها لأنها هي التي تنتخب في البرلمان ولأن مواقف النواب في دوائرهم تتأثر بما تفعل الحكومة.

حول هذا النزاع تلاحقت التداعيات التي أدت لانقسام حزب الأمة على جناحين للفترة (1966- 1969).

انقسم حزب الأمة برلمانيا إلى ثلث وثلثين. واصل الثلثان موقفهما بتكوين حزب أصدر برنامجا جديدا بعنوان إصلاح وتجديد. (أنظر قسم الوثائق: برنامج إصلاح وتجديد).

ثم قام الائتلاف الثاني بين الأمة والوطني الاتحادي وقاد السيد محمد احمد محجوب ثلث نواب الحزب للمعارضة.

في ذلك الوقت سعى البعض لتوحيد الحزب وتم اتفاق سبتمبر 1966م (أنظر قسم الوثائق: اتفاق سبتمبر 1966م) وأسسه هي:

  • إعادة النظر في كل ما تم أثناء الانشقاق.
  • احترام صلاحيات الراعي ووضعها تفصيلا في اللوائح
  • إعادة انتخاب أجهزة الحزب المختلفة
  • الاتفاق على تكوين الهيئة التأسيسية للحزب
  • الديمقراطية أساس لتصريف شئون الحزب
  • يكون مجلس الإمام من وزراء الحزب ووممثليه بمجلس السيادة، والمسئولين التنفيذيين المنتخبين، وأعضاء يختارهم الإمام وآخرين يرشحهم له المجلس.
  • توحيد الهيئة البرلمانية ووضع لائحة لتنظيم أعمالها

ولكن هذا الاتفاق لم يستمر لعدة أسباب منها عدم رضا البعض عن التشكيل الجديد، وبروز تحالف بينهم وبين تيار آخر داخل الحزب الوطني الاتحادي، ثم أقيم تحالف بين التيار الذي قاده السيد محمد أحمد محجوب من حزب الأمة، وتيار داخل الوطني الاتحادي وحزب الشعب الديمقراطي فقام ائتلاف ثلاثي كان همه هدم الخط الإصلاحي داخل حزب الأمة جناح المؤسسات، ودعوة التجديد التي رفعها ولاقت شعبية عظيمة.

مشروع فاشل للوساطة 1967م

في نوفمبر 1967م قامت مجهودات بقيادة السيد عبد الرحيم الأمين لتوحيد الحزب وقدم مشروع للاتفاق (أنظر قسم الوثائق: مشروع توحيد الحزب 1967م)، وأكد السيد محمد أحمد محجوب أن هذا المشروع مقبول لديه، واعتبر السيد الصادق المهدي انه يوافق عليه من حيث المبدأ فإن اعتمده الإمام الهادي توجه الدعوة لأجهزة الحزب موحدة لاتخاذ قرار نهائي بشأنه. وقد قبل الإمام الهادي بالمشروع على أن تضاف إليه ملاحظات اعتبرها ثلثا نواب الحزب غير مقبولة (أنظر قسم الوثائق: ملاحظات مضافة للمشروع 1967م)، وبالتالي لم ينجح مسعى التوحيد حينها. بينما قام الثلث برئاسة السيد محمد احمد محجوب بصياغة دستور معدّل للحزب أجازه جناح الإمام في نوفمبر 1967م (أنظر قسم الوثائق: دستور حزب الأمة جناح الإمام 1967م).

انتخابات عام 1968م

بدأ التسجيل لهذه الانتخابات في فبراير 1968م وبدأ الترشيح في 6 مارس والتصويت في 18 أبريل وأعلنت النتيجة في آخر أبريل  1968. جرت هذه الانتخابات والحزب منقسم على نفسه، كانت جملة أصوات الجناحين تمثل الرقم العددي الأكبر كما أن السند الشعبي العددي الذي أيد أغلبيته الهيئة البرلمانية كان 60% بالمقارنة مع سند الجناح الآخر 40% أي أن الانقسام الشعبي كان مشابها للانقسام البرلماني لحد كبير. كانت نتيجة الانتخابات كالتالي:

الحزب                              المقاعد

الاتحادي الديمقراطي              101

أمة- الصادق                       45

أمة- الإمام                          30

سانو                                 15

جبهة الجنوب                      10

مستقلون                            7

مؤتمر البجا                          3

جبهة الميثاق الإسلامي           3

اتحاد جبال النوبة                   2

قوى العاملون                      1

حزب النيل                         1

هذه النتيجة أظهرت كيف أثر الانقسام على الحزب الذي نال أكبر المقاعد في الانتخابات السابقة، كما ساعدت إعادة توحيد حزبي الوطني الاتحادي وحزب الشعب الديمقراطي في حزب (الاتحادي الديمقراطي) على التقدم حيث نال أكبر عدد المقاعد.  وأظهرت الانتخابات أيضا الحقائق الآتية:

  • فقد الحزب 24 مقعدا بسبب الانشقاق فقد توزعت أصوات ناخبي الحزب فيها بين الشقين مما أتاح لأحزاب أخرى أن تفوز بالدوائر المعنية.
  • جملة الأصوات التي نالها حزب الأمة بشقيه تبلغ 766,150، بينما تبلغ جملة أصوات الاتحادي الديمقراطي 735,677، من جملة الذين أدلوا بأصواتهم في الانتخابات وهي 1,811.911 وجملة المسجلين 2,963.896. مما يعني أن الحزب بشقيه نال أكبر من جملة أصوات الاتحادي الديمقراطي (نال حزب الأمة بشقيه 42% من جملة الأصوات بينما نال الاتحادي الديمقراطي 41% من الأصوات)، ولكن عدد الدوائر التي حاز عليها الحزب من شقيه تقل عن دوائر الاتحادي الديمقراطي بكثير.
  • كان نصيب الشق المستند على المؤسسات المنتخبة 437,771 صوتا، ونصيب الحزب الذي استند على حق الإمام في الرعاية 328,879 صوتا.

بعد إعلان نتيجة الانتخابات اجتمع المكتب السياسي للحزب (جناح المؤسسة) وناقش النتائج وكلف الأمين العام الأمير عبد الله نقد الله بتكوين أربع لجان لتقييم الانتخابات، والموقف المالي، والعمل الشعبي، والتنظيم الحزبي. قامت اللجان بالأعباء الموكلة إليها وجاءت بنتائجها للمكتب السياسي فدخل في مناقشات مطولة للدراسة التي قامت بها اللجان، وخرج بتوصيات واقتراحات كان أولها العمل على توحيد حزب الأمة. وقد قدمت تلك المناقشات والمقترحات في بيان مطول بتاريخ 25/8/1968م، وزع على أعضاء الهيئة التأسيسية لتجتمع وتقرر فيما قرره المكتب السياسي. (أنظر قسم الوثائق: نتيجة انتخابات 1968م).

هذه المرة كان شق الحزب المستند على حق الرعاية الإمامية في وضع أكثر استعدادا للتفاهم، فقد شكلت الانتخابات درسا مفيدا أظهر أن شعارات تطوير العمل السياسي داخل الحزب لم تكن نابعة من قيادات مثقفة منفلتة في المركز وحسب كما كان يقدر هذا الشق من الحزب، ويعتقد أن جماهير الحزب ستقف إلى جانبه بنسبة الأغلبية الساحقة. ورأى الجانبان كيف أضاع الانشقاق فرص الحزب في الانتخابات.

إعلان توحد الحزب

لم يستمر انقسام الحزب طويلا بعدها. وبنهاية العام 1968م كانت المداولات حول التوحيد قد وصلت مرحلة متقدمة، وصدر بيان من السيد الصادق المهدي في 15 ديسمبر 1968م يفيد هذا المعنى ونصه:

نيابة عن السيد الإمام الهادي وأصالة عن نفسي أرجو توضيح الآتي:

أولا: أن مبدأ توحيد حزب الأمة قد تم الاتفاق عليه وسرنا قدما في سبيل بحث الأمر وتحقيق التوحيد.

ثانيا: لقد كنا نزمع إصدار بيان عام في هذا الصدد فرأينا أن يشتمل البيان على بعض التفاصيل فأجلناه حتى يتم الفراغ من هذا الجانب.

ثالثا: نرجو أن يعاوننا المواطنون بالإمساك عن التعليقات ونشر الأخبار غير الدقيقة وغير العليمة عن الموقف في حزب الأمة حتى يوضح الأمر من الجهات المعنية بيننا جليا. فإن إعلان التوحد وإجراءاته المختلفة سيتم في الوقت المناسب وبالطرق الصحيحة السليمة إن شاء الله.

وفي فبراير 1969 صدر بيان آخر يؤكد أن تأخير صدور بيان التوحيد جاء لسفر الإمام الهادي (أنظر قسم الوثائق: بيان حول تأخير بيان التوحيد).

وأخيرا أعلن التوحيد وصدر بيانه باللغتين العربية والإنجليزية في 7 أبريل 1969م. (أنظر قسم الوثائق: بيان توحيد حزب الأمة 1969م).

تم توحيد الحزب على أسس أهمها:

  • حزب الأمة عصري ديمقراطي مفتوح لكل السودانيين ويكون ملء المناصب القيادية فيه بالانتخاب ويخضع الأشخاص الذين تم انتخابهم لتولي المسئولية للمحاسبة من أجهزة الحزب وتتخذ القرارات في كل المسائل التي تخص سياسة الحزب والبلاد برأي الأغلبية.
  • قيام مجلس أعلي يتولى وضع سياسة الحزب العليا والإشراف على إدارة شئونه ومحاسبة الأجهزة التنفيذية حتى يتم وضع دستور الحزب الموحد وتنتخب بموجبه جميع أجهزة الحزب.

وقد ساعد توحيد الحزب على التصدي لانقلاب مايو والنظام الراديكالي اليساري الذي أقامه.

(2) الحزب والحكم في الديمقراطية الثانية

في هذه الفترة كان موقف الحزب من الحكم شائكا، فقد بدا الحزب موحدا في بداية فترة الديمقراطية الثالثة وإن كانت الخلافات داخله حول أسس اتخاذ القرارات الحزبية سابقة لذلك ونشأت منذ فترة الحكم العسكري، وخاض الحزب انتخابات مارس 1965م موحدا، وكون حكومة ائتلافية بقيادة السيد محمد أحمد محجوب مؤتلفا مع الحزب الوطني الاتحادي. ثم بدأت تظهر الخلافات داخله حتى انشق في يوليو 1966م وحتى أبريل 1969م وإبان هذه الفترة خاض انتخابات أبريل 1968م منشقا بينما توحد حزبا الوطني الاتحادي والشعب الديمقراطي وخاضا الانتخابات متحدين في الحزب الاتحادي الديمقراطي (اسم الحزب نفسه دليل على التوحيد فقد أخذت كلمة الاتحادي من الحزب الأول والديمقراطي من الثاني).

الآن نتعرض لتاريخ الحكومات في هذه الفترة ودور الحزب فيها سواء حينما كان موحدا إبان الحكومة الانتقالية، وإبان حكمه الأول ثم بشقيه في الحكومات الثلاثة المتعاقبة حتى قيام انقلاب مايو 1969م.

تصحيح مسار الحكومة الانتقالية

مباشرة بعد نجاح الثورة وحل المجلس الأعلى للقوات المسلحة في صبيحة الثلاثاء 27/10/1964م تم تكوين وزارة برئاسة السيد سر الختم الخليفة في صبيحة الجمعة 30/10/1964م، ومجلس للسيادة رئاسته دورية. على أن تجرى انتخابات عامة حرة في مارس 1965م تسلم عبرها السلطة للشعب.

كانت الثنائية التي ظهرت عشية ثورة أكتوبر بين الجبهة القومية الموحدة من جهة وجبهة الهيئات من جهة أخرى قد أطلت برأسها من جديد وبعد أن كانت الأخيرة قد رضيت في اللحظات الأخيرة السير في ركاب الأولى بعد أن اتضح أن الحكم العسكري لم يكن يعترف إلا بها.

تم تكوين الوزارة بشكل مختل من ناحية عدله في تمثيل الأحزاب، فقد كان اليسار ممثلا بأكبر من حجمه لتقديمه لمرشحين عن الهيئات كانوا في غالبهم من نصرائه، وكان اتجاههم تأخير الانتخابات عن موعدها ومد فترة الحكومة الانتقالية، محتجين بأن الأوضاع الاقتصادية، وعدم الاستقرار في الجنوب يحولان دون الالتزام بإجراء الانتخابات كما خطط لها.

يقول عن ذلك السيد أمين التوم في مذكراته:

(وقد تجلت أهداف جبهة الهيئات كما وضح للجبهة القومية الموحدة فيما يلي:

 (1) احتواء ثورة أكتوبر وحكومة الثورة وتوجيه الحكومة الوجهة السياسية التي ترتضيها هي.

(2) الاعتراض على عودة الأحزاب السياسية التقليدية الكبرى وغيرها والاكتفاء بجبهة الهيئات ممثلة لليسار. و(3) تأجيل الانتخابات عن موعدها المقرر –مارس 1965م- ثم أخيرا عدم إجراء الانتخابات إطلاقا). (أمين ص 225).

هكذا حدث خلاف في الرؤى السياسية داخل البلاد بين أحزاب الأغلبية التي كانت ترى ضرورة قيام الانتخابات  العامة في وقتها، وبين قوى اليسار ونقابات العمال والمزارعين والحزب الشيوعي (بالإضافة إلى حزب الشعب الديمقراطي) الذين نادوا بتأجيل الانتخابات بحجة أن الموعد المحدد للانتخابات هو موعد جني محصول القطن، وأن من المصلحة القومية تأجيل الانتخابات حتى يستتب الأمن في الجنوب. كما طالبوا بتخصيص نصف مقاعد البرلمان للعمال والمزارعين، ثم بدأت الجبهة الوطنية للهيئات تتحول إلى تنظيم سياسي لخوض معركة الانتخابات القادمة بشكل يجعل قوى اليسار ممثلة بأكبر من حجمها في الحكومة القادمة مثلما هي في الحكومة الانتقالية.

ولكن حزب الأمة رأى ضرورة الالتزام بالميثاق الوطني الذي وقع عشية الثورة، وأن (المشاكل الكبرى مثل مشكلة الجنوب والموقف المالي وغيرها تحتاج إلى حل عاجل لا يمكن أن يتم على أيدي حكومة غير متجانسة وأن أي تأخير في إجراء الانتخابات في موعدها المحدد سيكون امتدادا لحالة القلق وعدم الاستقرار الراهنة) (مقابلة مع السيد الصادق المهدي – الرأي العام 27/11/1964م).

وفي 2 فبراير 1965م أجاز مجلس الوزراء أمر تقسيم الدوائر الإقليمية للجمعية التأسيسية لسنة 1965م على أن تجري الانتخابات في وقت لا يتعدى 21 أبريل سنة 1965م، وقرر أنه على مجلس الوزراء إذا اتضح له أن ذلك غير ميسور أن يعلن ذلك ويطلب تجديد تفويضه أو إنهائه. وفي نفس اليوم أذاع وزير الاستعلامات والعمل بالحكومة الانتقالية (وهو أحد وزراء الجبهة الوطنية للهيئات: السيد خلف الله بابكر من قيادات اليسار البارزين) أذاع نداء قام بموجبه برفع درجة النزاع والاحتكام للشارع، فهاجم الجبهة القومية المتحدة واتهمها بالعمل ضد الثورة. فطالب زعماء الجبهة القومية بإقالته، ثم صعد الموقف حتى المطالبة بإقالة تلك الحكومة غير عادلة التمثيل.

تمكن الحزب من قيادة الرأي العام لتحقيق تجاوب عكس النداء مما جرد الحكومة الانتقالية من الاحترام، وأخذت جماهير الحزب تنظم مسيراتها ومواكبها مظهرة تأييدها لخط الجبهة القومية، ومعارضة لمحاولة اختطاف إرادة الجماهير. وكان أكبرها الموكب الشعبي الذي سيره حزب الأمة من داره بأم درمان إلى رئاسة مجلس الوزراء بالخرطوم مطالبا باستقالة رئيس الوزراء. بعد ذلك اتخذت الجبهة القومية قرارا يقضي القيام بدعوة رئيس الوزراء للاستقالة ووضع الأمر في يد مجلس السيادة لاتخاذ قرار جديد بإنشاء حكومة صالحة ملتزمة بالميثاق الوطني، فأعدت سكرتارية الجبهة الوطنية الخطاب وأرسلت وفدا لحمله إلى رئيس الوزارة، وفد كان من ضمنه السادة أمين التوم ساتي، ودكتور سيد أحمد عبد الهادي والسيد إبراهيم جبريل. (أمين ص 225- 226).

وبعد انتهاء زيارة الملكة أليزابث للسودان في 8/2/1965م بدأت مفاوضات بين الحكومة وممثلي الجبهة القومية المتحدة الذين اقترحوا في 24 فبراير 1965م أن تستقيل الحكومة وتؤلف حكومة جديدة على أساس تمثيل الأحزاب في برلمان سنة 1958م السابق، وقد رفض هذا المقترح داخل مجلس الوزراء. ولكن تعنت موقف الوزراء وعزلته من الرأي العام هو الذي أقنع رئيس الوزارة بالاستجابة لمطالب الجبهة القومية فقام بتقديم استقالته لمجلس السيادة وفق اتفاق أبرمه الحزب مع رئيس مجلس السيادة.

إذ قام رئيس حزب الأمة بمخاطبة كل من السيد رئيس الوزراء (السيد سر الختم الخليفة)، والسيد رئيس مجلس السيادة (دكتور التجاني الماحي) خاطبهما مباشرة مستندا على وطنيتهما وتقديرهما لحساسية الموقف، فقاما بالانقلاب المدني، الذي بموجبه تقدم رئيس الوزراء بالاستقالة 18/2/1965م، فأقال رئيس مجلس السيادة الوزارة ثم أعاد تشكيلها بالاتفاق مع رئيس الوزراء في 24/2/1965م على أساس جديد فيه تمثيل عادل للأحزاب وقامت الحكومة الائتلافية الثانية، وبهذا تم القضاء على نية تأجيل الانتخابات.

حزب الأمة حاكما

في هذه الفترة حكم الحزب مؤتلفا عبر أربع حكومات، ثلاث منها قبل انتخابات 1968م: حكومة الائتلاف الأولى في الفترة 1965- يوليو 1966م برئاسة السيد محمد أحمد محجوب. وحكومة الائتلاف الثانية 27يوليو 1966- 15مايو1967م برئاسة السيد الصادق المهدي. وحكومة الائتلاف الثالثة برئاسة السيد محمد احمد محجوب حتى فبراير 1968م. أما الحكومة الرابعة فقد كانت في الفترة ما بعد انتخابات 1968م وما قبل قيام انقلاب مايو 1969م.

حكومة المحجوب الأولى مايو 1965- 25 يوليو 1966

قامت هذه الحكومة بالائتلاف بين حزب الأمة والوطني الاتحادي وبعض الجنوبيين.

كان برنامج هذه الحكومة كما لخصه السيد أمين التوم ساتي هي: المحافظة على الاستقلال التام والنظام الديمقراطي القائم آنذاك. وكتابة الدستور الدائم. وقيام نظام اقتصادي حر. وإنشاء مشروعات للتنمية وتطوير المشروعات القائمة لرفع مستوى حياة المواطن السوداني وتحسين الخدمات بكل أنحاء البلاد، وتوطين العرب الرحل، والبحث عن الثروة المعدنية والبترولية في أماكن احتمال توافرها في باطن الأرض، وكفالة الحريات. وكانت الحكومة تستمتع بأغلبية كبيرة أمام معارضة كانت تمثل الأقلية ومن أهم عناصرها الشعب الديمقراطي والإخوان المسلمون والشيوعيون وبعض أحزاب الجنوب. (أمين ص 231).

كانت الحكومة الأولى هي الوحيدة التي حكم فيها الحزب موحدا، ولكن أداءها كان مختلفا عليه من نواب الحزب، وقد ظهر ذلك جليا إبان سردنا لأسباب انشقاق الحزب آنفا.

قامت هذه الحكومة بعدد من الأعمال منها تحسين أحوال بعض الفئات والموظفين، وتطوير في الخدمات الصحية والتعليمية، وتهدئة الأحوال المضطربة في المديريات الجنوبية. ولكن كان رأي الحزب أن هنالك قصور في جوانب أخرى فكون لجنة لدراسة أداء الحكومة، وكانت أهم مآخذ اللجنة على الأداء الحكومي هي:

  • عدم حل مشكلة الجنوب.
  • عدم إنجاز قانون الحكومة المحلية
  • الموقف المالي والاقتصادي المتردي
  • مسألة المياه الريفية واستيراد آلات حفر دون عطاء.
  • عجز الحكومة عن توحيد منصب الوكيلين الدائمين للمالية
  • عدم تنفيذ بنود كثيرة مما جاء في خطاب الدورة

ورأى التقرير أن الحكومة اتخذت سياسة الارتجال واتصفت بالوعود الكاذبة، واعتبر أن تلك المآخذ جميعها في غاية الخطورة.

(انظر قسم الوثائق: تقرير اللجنة التي ألفها حزب الأمة يناير 1966م)

قبلت الهيئة البرلمانية للحزب هذا التقرير وفي هذه المرحلة من المواجهة بين رئيس الوزراء وبين النواب، حدثت أزمة داخل مجلس الوزراء حيث اتهم السيد عبد الرحمن النور الوزير عن الحزب أقرباء السيد محمد احمد محجوب بالحصول على تصديق لإقامة مدبغة دون حق، فتحول الأمر إلى خلاف كبير وأقال السيد محمد أحمد محجوب السيد عبد  الرحمن النور، وتصاعدت المواجهة، فاتخذ المكتب السياسي والهيئة البرلمانية للحزب قرارات بأغلبية ساحقة بإبعاد السيد محمد أحمد محجوب عن الوزارة، وتم تقديم صوت لسحب الثقة من حكومته داخل الجمعية التشريعية أيده 126 نائبا وعارضه 30 نائبا وامتنع 15 عن التصويت، ثم تم تقديم السيد الصادق المهدي لرئاسة الوزارة فقام الائتلاف الثاني بين الأمة والوطني الاتحادي.

وقد رفض السيد محمد أحمد محجوب هذا القرار باعتبار أنه ليس صوت ثقة وإنما “بدعة في عالم الديمقراطية” هذا داخل الجمعية، أما داخل الحزب فقد أصر على أنه مسئول أمام الإمام فقط، وأيده في موقفه ذاك ثلث نواب حزب الأمة فانشقوا مع السيد محجوب وتحولوا للمعارضة.

حكومة الصادق 27 يوليو 1966- 15 مايو 1967م

هذه الحكومة مع قصر عمرها قامت بالتخطيط وتنفيذ عدة في جانب قضية الجنوب، والاقتصاد، ووضع الدستور الدائم وغيرها، وشكلت ديناميكية بالغة لم تكن الساحة السياسية تشهدها من قبلها. ومن أعمال هذه الحكومة قصيرة الأجل التالي:

  • النهج القومي والنزيه: استطاع الحزب أن يضرب مثلا جديدا من الحكم المسترشد ببرنامج ملتزم بالاستقامة والنزاهة والجدية والعدالة وفي ذلك تجاوز الحزب المصالح الحزبية لأجل المصلحة العامة، فتم الاتفاق على تعيين وزير للمالية مستقل هو السيد حمزة ميرغني، وكان ذلك مثار استغراب كثيرين، قال السيد عز الدين السيد حول هذا الأمر:

عندما عين السيد الصادق المهدي المرحوم حمزة ميرغني وزيرا للمالية، علق البعض بأن الصادق هذا غريب، كيف يعين في هذا المنصب رجلا ليس من حزبه أو طائفته في وزارة المالية، وقد اعتبرنا ذلك من نقاء الشباب، أن يعين الشخص بغض النظر عن انتمائه، ووزير المالية هو من أهم الوزراء إذ أنه يدير الحكومة كلها، وعندما يعين الصادق المهدي في هذا المنصب رجلا من خارج حزبه فإن ذلك يدل على حرصه على القومية في الجانب المالي“.

قال السيد أمين التوم إن السيد الصادق المهدي اتفق مع السيد إسماعيل الأزهري على عدة مبادئ: “على قومية وزارة المالية والاقتصاد التي ينبغي أن يحمل أعباءها وزير غير حزبي ومقتدر. وعلى قومية مسألة الجنوب ومعالجتها بعيدا عن المؤثرات الحزبية، وواتفق معه ايضا وكان ذلك شرطا لنفاذ الائتلاف ألا يفرض عليه الوزراء السابقون فرضا“. أمين ص 257.

  • الشروع بجدية في مسألة كتابة الدستور الدائم، يقول الدكتور محمد عمر بشير:

 “وكانت حكومة السيد الصادق المهدي جادة في وضع دستور جديد للبلاد وإجازته في أسرع وقت ممكن”.

ومع أن كتابة الدستور هو مهمة الجمعية التأسيسية إلا أن ذلك لم يتم إلا تحت حث هذه الحكومة، قال حاج موسى: (يبدو أن الجمعية التأسيسية قد اعتبرت أن مهمتها الرئيسية هي التشريع أما وضع الدستور فمهمة ثانوية بدليل أنها لم تتخذ أي خطوة نحو وضع الدستور إلا بعد مضي عام وسبعة أشهر من قيامها حيث شكلت اللجنة القومية لوضع مشروع الدستور) وتفسير هذا هو أن حكومة الصادق سعت بكل جديها لذلك، فتقدم زعيم الجمعية في جلسة يوم 4 يناير سنة 1967م باقتراح تكوين اللجنة القومية لوضع مشروع الدستور. (حاج موسى ص 306)

هذه اللجنة شرعت في مهمتها بكل تحفيز ممكن من الحكومة وبدأت أعمالها في فبراير 1967م. كانت اللجنة برئاسة الدكتور مبارك الفاضل شداد (رئيس الجمعية التأسيسية آنذاك) وسكرتارية الأستاذ أمين زيدان.

  • الاهتمام بحل قضية الجنوب (على النحو الذي سنفصل لاحقا) وبنتائج مؤتمر المائدة المستديرة وأعمال لجنة الإثنى عشر المنبثقة عنه والتي كانت حكومة المحجوب قد أهملتها أو لم تعطها الاهتمام اللازم. والدعوة لمؤتمر جميع الأحزاب الذي عقد في أكتوبر 1966م وشكل أحد الخطوات نحو الحل.
  • إجراء الانتخابات التكميلية في الجنوب في مارس 1967م برغم سعي البعض لتأجيل تلك الانتخابات أو إهمالها.
  • التكامل بين الحكومة والجمعية التأسيسية. قال رئيس الوزراء في أول خطاب له أمام الجمعية غداة 27/7/1966 عند انتخابه رئيساً للوزراء:

 (إن التجربة التي عشناها يا سيدي الرئيس في الفترة وهي تجربة فرض إرادة الأمة السودانية عن طريق جمعيتها التأسيسية ترفع أسهم هذه الجمعية إلى أعلا عليين وتجعلها منارة الرأي والقيادة السياسية في البلاد وتجبرنا نحن جميعاً أن ننظر في أمر تنشيط هذه الجمعية تنشيطاً يجعل أعضاءها يشعرون بجسامة مسئولية، ويشاركون فيها فحصاً وتدقيقاً ومحاسبة بصورة تمكنهم من المشاركة في المسئولية بصفة واضحة محددة. وهذا يا سيدي الرئيس ما ننطوي عليه وما يمكن أن يتحقق عن طريق تعديل اللوائح وما يمكن أيضاً أن يتحقق عن طريق شعور المسئولين في قيادة هذه الجمعية عن ضرورة إشراك النواب معهم في هذه المسئوليات محاسبة وتدقيقاً وتعاوناً في إحقاق الحق وإبطال الباطل).

وهذا قاده إلى التخطيط لذلك عبر استحداث منصب جديد هو مراقب عام الجمعية التأسيسية وتقلد هذا المنصب السيد أمين التوم ويروي القصة قائلا:

 (لم أكن وزيرا في حكومة الصادق المستقيلة، ولكني قبلت بإلحاح منه أن أكون مراقبا للجمعية التأسيسية. وكانت هذه المرة الأولى لإنشاء هذا المنصب في حياتنا البرلمانية. ولما كانت لوائح وقوانين وأسلوب العمل في البرلمان السوداني أو الجمعية التأسيسية مقتبسة من أسلوب ولوائح وقوانين وتقاليد مجلس العموم البريطاني فقد استأذنت رئيس الحكومة أن أزور ذلك المجلس في لندن وألتقي بالمسئولين فيه، وفي مقدمتهم مراقب عام مجلس العموم لأتعرف منه على تفاصيل عملهم في المجلس وأداة المراقب بصفة خاصة)…(وكنت كما هو الحال مع المراقب البريطاني في مجلس العموم أقرب الناس إلى رئيس الوزراء. أرفع له ملاحظات النواب على أداء حكومته وأقترح التصحيح كلما كان هناك خطأ، وأحث الوزراء على تبيين سياساتهم للنواب في قاعة الجمعية وخارجها. وأوضح رأي الوزراء ورأي من أجتمع بهم من النواب)..(وهكذا وضح أن المراقب العام صديق لرئيس الوزراء والوزراء والنواب ووضح أن الجمعية التأسيسية تلك وأي برلمان مقبل في أمس الحاجة لمثل هذا المنصب. وبالإضافة إلى مكتبي في مبنى مجلس الوزراء لملاقاة رئيس الوزراء ووزرائه ومكتبي في الجمعية التأسيسية للالتقاء بأعضائها أنشأت ناديا للنواب جميعهم حكومة ومعارضة في مبنى حكومي على شارع الجامعة. وكان لهذا النادي على قصر مدة بقائه مع حكومة الصادق أثر كبير في توطيد العلاقة بين النواب من جميع الأحزاب السياسية والوزراء). (ولما أسقطت حكومة الصادق نتيجة لتحولات مفاجئة بين الأحزاب تقدمت لرئيس الحكومة التالي السيد محجوب باستقالتي)..(وبذلك اختفت آخر صورة من إنجازات حكومة الصادق المتعددة الجوانب).. (أمين ص 258-259).

  • ومن الإنجازات التي ذكرها السيد أمين التوم أيضا: أنها أنهت التدهور المالي الذي نشأ إبان حكم محجوب- تحقيق معادلة سليمة ومقبولة ووضع سابقة يلزم الوزراء بمقتضاها بوضع الخطوط العريضة لميزانية الدولة في مجلس الوزراء ثم تعرض بعد ذلك على الموظفين المختصين لإعداد أبوابها وأرقامها وبذلك كانت الميزانية والسياسة التي قامت عليها من وضع مجلس الوزراء- وضع سياسة إدارية جديدة وكتابة سياسة لمستقبل الجنوب تحقق الانتماء للوطن وترفع مستوى معيشة الفرد إلى الأفضل- سودنة المصارف في السودان وسودنة التجارة الخارجية- إنشاء مجلس إعلام قومي على ضوء سياسة شاملة وفلسفة للإعلام أجازها مجلس الوزراء- إقرار سياسة مدروسة لتحريك وتنمية القطاع الإقليمي- وضع نهاية للخلاف الذي كان قائما بين الحكومة السابقة واتحادات العمال والمزارعين- وسودنة التعليم. (أمين ص 257)
  • إنجازات أخرى: يقول عز الدين السيد: (استطاعت الحكومة رغم قصر عمرها أن تنجز إنجازات كبيرة جداً: جامعة الأحفاد صدر القرار بالتصديق لها ككلية جامعية في سبتمبر 1966م أي في عهد حكومته، ومن إنجازاته الأخرى قرار التصديق بالمركز الإسلامي الأفريقي الذي صدر في نفس ذلك الشهر من عام 1966م وقرار ثالث وهذا القرار كثيرا ما ينساه الناس وهو قرار الدخول في البحث والتنقيب عن البترول عن طريق شركات أجنبية ، ففي حكومته أحضرت شركات رومانية للبحث والتنقيب عن البترول في البحر الأحمر وقد اكتشفوا وجود الغاز الطبيعي وكادوا أن يكتشفوا البترول لولا أن جهات خارجية دفعت المال اللازم للشركات الرومانية لكي تترك هذا المجال، وهذا شأن البترول عموما، فإن بعض الشركات من مصلحتها أن تحتفظ بالبترول في بعض البلدان في باطن الأرض، والسودان من هذه البلدان ولكن المهم في الأمر أنه استجلب الرومان على غير ما كان معهودا في المنطقة في تلك المرحلة حيث كان الناس يلجئون للأمريكان. ومن إنجازاته أيضا إحياء مؤتمرات أركويت التي بلغت ثلاثين مؤتمرا ثم توقفت، عقد مؤتمر أركويت الأول الذي خطط لوزارة الصناعة والتعدين ووضع الخريطة الجيولوجية للسودان وشارك في ذلك المؤتمر سبعون عالما وخبيرا من داخل السودان).
  • المواجهة مع الهيئة القضائية: وقع إبان حكومة محجوب الأولى النزاع الذي أدى لحل الحزب الشيوعي وطرد نوابه في نوفمبر 1966م على النحو الذي سنفصل لاحقا. وعاشت حكومة الصادق آثار هذا النزاع ذي الثلاث أضلع بين كل من الهيئة القضائية ومجلس السيادة ومجلس الوزراء. وفي النهاية جرت وساطة ومفاوضات استجابت لها الحكومة لاحتواء المواجهة وأسفرت عن حل وضع حد لتلك الأزمة التي شغلت الرأي العام لمدة طويلة، وفي نفس اليوم (13/5/1967م) أصدر مجلس السيادة بيانا تضمن الحلول التي توصلوا إليها من ثلاث جوانب متعلقة بمجلس السيادة، ومجلس الوزراء،  وتأكيداتهما على احترام القضاء واستقلاله، ثم الهيئة القضائية التي تؤكد احترامها للأجهزة الدستورية الأخرى وأن الجو أصبح مهيأ لممارسة اختصاصاتها القضائية. وإن كان السيد بابكر عوض الله رئيس القضاء قدم استقالته بعدها برغم ذلك. (حاج موس ص 510 وما بعدها).

مضت الحكومة في خطى واثقة لقيادة البلاد نحو حل الأزمة المالية، وحل مشكلة الجنوب بالاستناد للحوار، والجدية في كتابة الدستور الدائم، وكانت إنجازاتها المستمرة مهددا على القوى السياسية الأخرى التي خافت من أداء الحزب أن يعري أداءها العاجز قبلا، فتم التآمر الثلاثي على الحكومة من كل من: الجناح المنشق من الحزب، زائدا حزب الشعب الديمقراطي والحزب الوطني الاتحادي اللذان توحدا لاحقا في انتخابات أبريل 1968م لمواجهة أداء وسمعة حزب الأمة المميزين.

وكان الوزراء المؤتلفين في الحكومة من الوطني الاتحادي قد اتجهوا لمعارضة الحكومة التي يشغلون فيها مناصب وزارية فأعلن الوطني الاتحادي فض الائتلاف وقدم الوزراء استقالاتهم، وأمام هذا الموقف  وفي 15 مايو 1967م رأى رئيس الوزراء أن حكومته تحتاج لسند من الجمعية لمواصلة سياساتها الطموحة، فطلب من الجمعية التأسيسية تأكيد ثقتها في حكومته، ولكن لم يقف بجانبه إلا 86 نائبا وعارض حكومته 102 نائبا. (حاج موسى ص 443). فتقدم في نفس اليوم باستقالته لمجلس السيادة الذي قبلها وطلب من الجمعية التأسيسية أن تختار من بين أعضائها رئيس وزراء جديد، فترشح للمنصب الصادق والمحجوب ونال الأول 93 صوتا بينما نال الأخير 108 صوتا وصار رئيسا جديدا للوزراء (حاج موسى ص 443).

وفي خطابه يوم طرح الثقة تحدث السيد الصادق المهدي عن منجزات حكومته ومشاكل الحكم التي واجهتها وكيف ارتقت بالأدالء في ملفات المالية والسلام وأداء الخدمة المدنية والجد في وضع الدستور الدائم والنهج القومي مؤكدا أن الحركة السياسية قد وصلت منتهى العبث وللجمعية أن تحسم الأمر، ثم كان ما كان.

(هنا نص آخر خطاب لرئيس الوزراء تحدث فيه عن حكومته وعن المشاكل التي واجهتها)

 

حكومة المحجوب الثانية مايو 1967م- 7 فبراير 1968م

شكل المحجوب وزارته الائتلافية الثانية من وزراء ينتمون إلى الحزب الوطني الاتحادي وحزب الأمة جناح الإمام. واستمرت هذه الوزارة في الحكم حتى قيام الجمعية التأسيسية الثانية في 7 أبريل 1968م.

إن أهم شيء قامت به هذه الحكومة وأثر في مجريات تاريخ البلاد السياسي كان إقدامها على خرق الدستور وحل الجمعية التأسيسية قبل أوانها في 7 فبراير 1968م، وكانت الجمعية بصدد مناقشة مشروع الدستور الدائم الذي قدم لها في 10 يناير، وقد تسبب هذا في عرقلة مجريات إجازة الدستور الدائم،  فالجمعية التأسيسية الجديدة لم تر أن تواصل في مناقشة مشروع الدستور المقدم بل قررت أن تكون لجنة جديدة للدستور لتقدم مشروعها حتى تجيزه الجمعية!. كل هذا  تسبب في إفقاد الثقة في النظام البرلماني، وقد وقف الجناح المؤسسي في الحزب معارضا لهذا الموقف على النحو الذي سنبين لاحقا.

حكومة المحجوب الثالثة 7 أبريل 1968- مايو 1969م

حاز حزب الأمة بجناحيه كما ذكرنا على أكثرية الأصوات في انتخابات 1968م العامة، ولكن الانقسام وتفريق الأصوات بين القسمين بالإضافة لأسباب أخرى جعل حصيلة الحزب ضئيلة في عدد المقاعد البرلمانية. وجرى الائتلاف الذي دخل فيه جناح الإمام الحكم مؤتلفا مع الحزب الاتحادي الديمقراطي (الذي وحّد كلا من الوطني الاتحادي بقيادة الأزهري وحزب الشعب الديمقراطي التابع للسيد علي الميرغني) وحاز حزب الأمة-الإمام من جديد على منصب رئيس الوزراء الذي تقلده أيضا المحجوب.

وكما أوردنا آنفا فإنه وبعد الانتخابات ظهرت بوادر التوحد داخل حزب الأمة، ولكن استمرار الحرب في الجنوب، والتدهور في الأداء المالي كل ذلك وغيره فاقم من الأزمة السياسية بالبلاد، يضاف إليها اغتيال السيد وليم دينق في أحراش الجنوب في مايو 1968م وما تبعه من شكوك. فقد كان وليم دينق من أكثر الساسة الجنوبيين العاملين من أجل حل عادل لمشكلة الجنوب، وقد تحالف مع حزب الأمة- جناح المؤسسة- في سعيه للحل السياسي الذي يحقق طموح الجنوبيين في بلاد عادلة تزال التفرقة فيها بين أبنائها، ولكنه تعرض لمؤامرة واغتيل في الطريق من واو إلى رمبيك أثناء رحلة طوافية معروفة وذلك في 5 مايو 1968م.

كان اغتيال وليم دينق طعنة نجلاء للحركة السياسية السودانية المعافاة خاصة فيما يتعلق بالتعاون الشمالي الجنوبي. وقد اتخذت حكومة المحجوب الحاكمة حينها موقفا غير آبه لخطورة القضية ولم تسع للتحقيق الواجب في الأمر. واعتبر حزب الأمة أن ظروف مقتل السيد وليم دينق كانت غامضة وأن التحقيق فيها ضروري، وفي بيان صدر بتوقيع السيد الصادق المهدي تمت المطالبة بإجراء هذا التحقيق فالسيد (وليم دينق علم من أعلام السودان له خصوم وعنده مواقف وله أصدقاء وأعوان ولا يحسم أمر قتله إلا إجراء تحقيق عادل دقيق عاجل بواسطة لجنة مستقلة نزيهة تتولى التحقيق وتصدر تقريرا واضحا يجيب على كل التساؤلات ويحدد المسئولية). وهو ما لم يتم.

للحصول على نص البيان انظر قسم الوثائق: بيان مقتل وليم دينق 1968م

من أهم الأحداث خلال هذه الحكومة المجهود الذي جرى لإنشاء لجنة جديدة للدستور، وذلك لمراجعة مشروع الدستور الذي قدمته اللجنة الأولى (والذي وصل لمرحلة القراءة الثانية) مادة مادة وتدخل التعديلات التي تراها لازمة وتجيزه من جديد.

وفي 26 نوفمبر 1968م عاني رئيس الوزراء من نوبة مرضية فتم نقله بالطائرة على لندن لمعالجة علة عصبية –بحسب رواية السيد جراهام توماس الذي عاده عدة مرات آخرها كان في يناير 1969م حيث كان في مرحلة النقاهة- ثم اتجه بعد ذلك للمغرب “ليتابع شفاءه ضيفا على ملك المغرب” وانقضى شهر كامل عاد بعده محجوب للسودان. وفي أثناء غيابه جرت محاولات للإصلاح ما بين الفئات المتعارضة داخل الحزب، ولما حدث التوحيد في أبريل 1969م أستثير محجوب وهدد بالاستقالة ولكن الأزهري والإمام الهادي أقنعاه بأن يظل في منصبه. (توماس ص 113-115).

وفي ذلك الوقت كان هنالك اختلاف داخل القوى السياسية حول صلاحيات الجمعية، وقد استند البعض على التجربة السالبة المختصة بكثرة التعديلات الدستورية، وحل الجمعية خرقا للدستور وغير ذلك من ممارسات شائهة لسحب الثقة من الجمعية التأسيسية وسحب صلاحياتها في إجازة الدستور، وقد اتفقت القوى السياسية الكبرى على التأكيد بأن إجازة الدستور من صلاحيات الجمعية وإن كانت هنالك قضايا يلزم فيها الرجوع للاستفتاء الشعبي.

وفي أوائل مايو 1969م دخلت أحزاب الحكومة في إجراء محادثات حول المسألة الدستورية، وفي 7 مايو اتفق الحزبان المؤتلفان حول المسألة وصدر عنهما بيان في نفس اليوم يفيد بالآتي:

  1. اتفاق الحزبين على أسس الدستور الرئيسية.
  2. الاتفاق على تقديم مسودة الدستور للجمعية التأسيسية في يوليو 1969م لتجيزه في وقت أقصاه ديسمبر 1969م.
  3. إذا لم تتمكن الجمعية من إجازة مشروع الدستور في مرحلة القراءة الثانية في أو قبل ديسمبر، يعرض مشروع الدستور برمته للاستفتاء الشعبي.
  4. إذا اجتاز الدستور مرحلة القراءة الثانية في الزمان المقرر تعرض المواد الرئيسية الآتية في استفتاء شعبي نتيجته ملزمة، وهي:
    • إسلامية الدستور أو علمانيته.
    • نظام الجمهورية الرئاسية أو البرلمانية.
    • إقليمية الحكم أو مركزيته.

على أن يشمل الاستفتاء الشعبي أية مواد أخرى يتفق على أهميتها حينذاك. مع التزامهما بإجراء مفاوضات مع الأحزاب والهيئات الأخرى لجمع كلمتها حول هذا المشروع والتزما بأن يشمل اتفاقهما مع تلك الأحزاب والهيئات الأسس اللازمة لضمان حقوق الأقليات والحريات العامة والحريات الدينية.  (حاج موسى ص 131-315).

ولكن قبل أن تسير هذه الخطة كما كان مقررا لها، نفذ رئيس الوزراء تهديده وتقدم باستقالته مما خلق فراغا دستوريا استغله الانقلابيون الجدد في 25 مايو 1969م.

(3) الحزب وقضايا وأحداث:

سياسة الحزب إزاء قضية الجنوب

كانت أحداث ثورة أكتوبر 1964م جزءا من تطورات مشكلة الجنوب خلال الحكم العسكري على نحو ما هو معروف. ولذلك كانت الثورة نفسها خطوة كبيرة في سبيل الحل، إضافة لذلك فإنه وكما قال د. محمد عمر بشير: (وبدا لمن كان يرصد الحوادث من الأجانب وللمواطن العادي أيضا أن تعيين سر لختم الخليفة الذي كان يحتل منصب مساعد لوكيل وزارة المعارف سابقا بالجنوب والذي اشتهر بغزارة لمه بالجنوب ومشاكله رئيسا لوزارة أكتوبر الأولى وتعيين كلمنت أمبورو وزيرا للداخلية ومسئولا عن شئون الأمن في القطر كله شماله وجنوبه دليلا على اتجاه جاد وصادق من جانب الشماليين للوصول إلى حل سلمي سليم للمشكلة) (ص 188).

رحب حزب سانو بسقوط الحكم العسكري، ووجهوا مذكرة لرئيس الوزراء عبروا فيها عن رغبتهم في العودة للسودان وفق شروط منها صدور عفو عام عن كل اللاجئين وضمان حمايتهم، والاعتراف بحزب سانو والسماح له بممارسة نشاطه بالداخل، والدعوة لمؤتمر حول مائدة مستديرة لمناقشة العلاقات الدستورية بين الشمال والجنوب، والمطالبة بالفدريشن كحل وحيد لذلك. وفي 10/12/1964م  استجاب رئيس الوزراء لتلك المطالب فأعلن العفو العام، ثم جرت مشاورات أدت في النهاية لعقد مؤتمر المائدة المستديرة الذي عقد في الخرطوم في 16 مارس 1965م.

مؤتمر المائدة المستديرة

كان هذا المؤتمر الذي استمر منذ منتصف وحتى آخر مارس 1965م من أبلغ إنجازات الحكومة الانتقالية الثانية بقيادة السيد سر الختم الخليفة. وكان أكبر أثر له علاوة على حصر نقاط الخلاف أنه أوضح للشماليين ربما لأول مرة مقدار انعدام الثقة لدى إخوتهم الجنوبيين، وكذلك حجم المظالم التي يحسون بها.

ظل المؤتمرون يناقشون مشكلة الجنوب خلال أسبوعين تقريبا، عقد المؤتمر خلالها ستة عشر جلسة كما شكل عدة لجان فرعية.

حضر المؤتمر 45 عضوا (18 عضوا كانوا يمثلون أحزاب الشمال و27 عضوا مثلوا الجنوب) وذلك فضلا عن حضور مراقبين من يوغندا وكينيا وتنزانيا وغانا ونيجريا والجزائر والجمهورية العربية المتحدة، وبعد انفضاض المؤتمر غادر السودان زعماء الجنوب الذين أتوا من الخارج متجهين لشرق أفريقيا.

ترأس المؤتمر البروفسر النذير دفع الله مدير جامعة الخرطوم حينها، وتولى سكرتاريته الدكتور محمد بشير عمر. وانتهى المؤتمر على أن يعاد انعقاده بعد ثلاثة أشهر لمواصلة الحوار، مع تكوين لجنة من اثنا عشر عضوا فوضت للوصول إلى حل للمشكلة والبحث عن صيغة مناسبة للعلاقة الدستورية بين الشمال والجنوب، عرفت هذه اللجة بلجنة الاثنا عشر التي تكونت من ستة أعضاء من الشمال ومثلهم من الجنوب، أنيط بهذه اللجنة التالي:

  • العمل كلجنة مراقبة لتنفيذ الخطط والسياسات المتفق عليها.
  • أن تخطط لتطبيع الأوضاع في الجنوب وبحث الإجراءات لإزالة حالة الطوارئ والعمل على استقرار القانون والنظام.

وكانت عضوية اللجنة كالتالي: بونا ملوال، ناتال ألوك، وغردون ابيي كممثلين لجبهة الجنوب، واأندرو ويي ونكانورا آجير، وهليري أوشالا كممثلين لحزب سانو، ومحمد احمد المرغني من الحزب الوطني الاتحادي، وداؤد الخليفة عن الأمة، والفاتح عبود عن حزب الشعب الديمقراطي، وحسن الترابي عن جبهة الميثاق الإسلامي، ومحمد إبراهيم نقد عن الحزب الشيوعي، وسيد عبد الله ممثل المهنيين.

كان اختلاف الرأي داخل أحزاب الجنوب: (نادى كل من حزب الوحدة السوداني وجناح وليم دينق في حزب سانو بوحدة السودان، والفرق بينهما وبين أحزاب الشمال أمر يكاد يتعلق بالتفاصيل أكثر منه بالمبدأ) ص 208. بينما نادى كل من جبهة الجنوب والخوارج من حزب سانو والأنيانيا بالانفصال، واتجهوا للعنف والتمرد على الجيش باعتباره الوسيلة الوحيدة لتحقيق أغراضهم. (ص 209).

وقد واجهت لجنة الإثنى عشر عدة مشاكل منها ما يتعلق بتمثيل الفصائل فيها، ومسألة العنف السائد في الجنوب، ووجه ممثلي الحزب الشيوعي وحزب الشعب الديمقراطي سهام الاتهام إلى الأحزاب الجنوبية باعتبارها مسئولة عن استمرار النشاط العدائي بالجنوب وأقترحا على لجنة الاثنى عشر أن تشجب نشاط الأنيانيا ولما رفضت مقترحاتهما تغيبا عمدا عن اجتماعات اللجنة.

حزب الأمة وقضية الجنوب

ذكرنا أن السيد الصادق المهدي كان قد كتب إبان الحكم العسكري وفي إبريل 1964م كتابا حول مشكلة جنوب السودان كان أول كتبه، دعا فيها للحل السياسي للقضية، وقد انتخب في نوفمبر 1964م رئيسا للحزب.

كما ذكرنا أعلاه موقف الحزب من تأجيل الانتخابات، وكان ذلك متعلقا بأحد نواحيه بقضية الجنوب، فقد ورد تحت عنوان جانبي (حزب الأمة لا يوافق على تأخير الانتخابات) لإي صحيفة الرأي العام بتاريخ 27/11/1964م أن الحزب برغم تقديره (لكافة المشاكل المتعلقة بإجراء الانتخابات في شهر مارس القادم إلا أنهم يرون أن المشاكل الكبرى مثل مشكلة الجنوب والموقف المالي وغيرها تحتاج إلى حل عاجل لا يمكن أن يتم على أيدي حكومة غير متجانسة).

وقال رئيس حزب الأمة إنه (إذا ما تعثر إجراء انتخابات في كافة المديريات الجنوبية فإنه من رأي حزب الأمة أن تتم الانتخابات في الدوائر التي يسود فيها النظام والأمن على أن يقوم أولئك المنتخبون من أبناء الجنوب بترشيح أعضاء مؤقتين لتمثيل الدوائر التي لا يمكن أن تجري فيها الانتخابات حاليا على أن تجري في تلك الدوائر انتخابات فرعية حالما تسمح الظروف بذلك) كما قدم الحزب اقتراحا ثانيا وهو دراسة إمكانية اشتراك الأعضاء البرلمانيين الجنوبيين السابقين في البرلمان الجديد بصفة مؤقتة، وأن الحزب على اتصال بحزب التحرر الجنوبي وسانو في هذا الصدد.

كانت قيادة حزب الأمة مشجعة للحل السلمي للمشكلة كما ذكرنا، وشاركت في مؤتمر المائدة المستديرة ضمن الأحزاب الشمالية الأخرى.

وبعد تباين الصفوف الجنوبية بين الوحدويين والانفصاليين سعى الحزب للتضامن مع الفصائل الجنوبية الوحدوية أثمر عن تحالف مع حزب سانو بقيادة السيد وليم دينق. وأكبر الحزب موقف السيد دينق الذي وضع السلاح وعاد للبلاد بدون تقديم أية ضمانات حالما سقط الحكم العسكري مظهرا ثقته البالغة في الحوار الديمقراطي كوسيلة لحل مشكلة الجنوب.

كما فتحت صحيفة النيل (التي يصدرها الحزب آنذاك) صفحاتها لدينق، ومناشداته المستمرة للقيادات الجنوبية الحاملة السلاح والمقيمة بدول شرق إفريقيا لتعود، من ذلك قوله: (إن مشكلة الجنوب ليست مشكلة عسكرية وإنما هي سياسية ولا يمكن ان تحل بالقوة العسكرية) ودعوته (المتمردين في الغابات أن يلقوا السلاح ويوقفوا القتال ويعودوا للحياة الطبيعية.. وأن حكومة وشعب السودان سيتلقونهم بالاحضان..الخ) (النيل في 24/10/1965م).

وبعد تكون حكومة الحزب الأولى (حكومة المحجوب مايو 65 – يوليو 66) اتخذت عدة إجراءات بإزاء القضية، يقول بشير (وشددت الحكومة الجديدة التي استولت على الحكم في يوليو 1965م من مقاومة الجيش للأنيانيا بل قررت التعاون مع بعض الجنوبيين الذين يميلون لتأييد الوحدة، كما أيدت المجهودات الرامية لإقرار السلام في رحاب الجنوب). ولكن هناك عدة قضايا عقدت الأمر: أولها المسألة الانتخابية في الجنوب حيث أجريت الانتخابات في بعض الدوائر فاز بها شماليون وأقرت الجمعية صحة انتخابهم ورأى بعض الجنوبيين أن قبول هؤلاء النواب من قبل الحزبين الكبيرين (الأمة والوطني الاتحادي) إخلال بالوعود من جانب الشماليين، وكذلك تعديل الدستور ليكون لمجلس السيادة الخماسي رئيس دائم، ولطرد النواب الشيوعيين باعتبار (أن الأحزاب الكبرى بالشمال لا تحترم الدستور وأنها لا تتردد في تعديله أو التنصل من وعودها بشأن الجنوب) (بشير ص 212)، هذا إضافة للحوادث التي وقعت في جوبا في 8 يوليو 1965م وفي واو في 11 أغسطس 1965 عندما قتل كثير من الجنوبيين نتيجة مطاردة الجيش والبوليس للمتمردين وأعوانهم، وترتب عن كل ذلك شعور بالمرارة ورفد أكثر للاتجاه الانفصالي.

في هذه الفترة ومنذ تكون حكومة المحجوب أعلن حزبا الشعب الديمقراطي والشيوعي تحالفا جديدا (التجمع الاشتراكي الديمقراطي) بقصد معارضة حكومة المحجوب، وفي يوليو 1965م أعلن ممثلو حزب الشعب الديمقراطي انسحابهم من لجنة الاثنى عشر كما أعلن ممثل الحزب الشيوعي انسحابه أيضا في أغسطس 1965م، والتي كانا يتغيبان عن اجتماعاتها عمدا من قبل. ولكن اللجنة استمرت في أعمالها.

وفي يونيو 1966م برز خلاف حاد بين اللجنة وحكومة المحجوب بشأن حل مشكلة الجنوب وتنفيذ قرارات مؤتمر المائدة المستديرة لما أعلن المحجوب بأن مقترحات حكومته لحل المشكلة تضمنت إنشاء حكومة إقليمية في كل مديرية للتصدي للمسائل والشئون المحلية وتكون الحكومة المركزية مسئولة عن الشئون الخارجية والدفاع والاقتصاد والتخطيط والتعليم العالي، واعتبرت اللجنة أن هذا معارض لما اتفق عليه في مؤتمر المائدة المستديرة. وقبل ذلك وفي أوائل مارس 1966م  أعلن رئيس الحكومة في الجمعية التاسيسية أن لجنة الاثنى عشر فشلت في أداء مهمتها وأنها “دارت في حلقة مفرغة”. وعبر أوباري رامبا عن مشاعر الأعضاء بقوله: (منذ أن تولت هذه الحكومة مقاليد الحكم كان اتجاهها نحو هذه اللجنة وبوجه أخص بالنسبة لتشجيع والالتزام بكلمتها اتجاها خطيرا إلى حد يجعل المرء يعتقد بأن الحكومة تأمل في فشل اللجنة). (بشير ص 288).

كان موقف حكومة المحجوب من قضية الجنوب هذا هو أحد أسباب انتقاد الحزب لأداء حكومته الذي فجر الخلاف داخله على النحو المذكور، حيث جاءت مشكلة الجنوب كأول نقطة في تقرير اللجنة التي ألفها الحزب لتقييم أداء الحكومة في يناير 1966م ، وفيها: (لم تتمكن الحكومة حتى الآن من حل مشكلة الجنوب سياسيا أو عسكريا مما أدى إلى تعطيل الانتخابات التكميلية في الجنوب).

ولكن الحزب وعبر الإجراءات التصحيحية التي جرت في حكومته استطاع أن يعدل مساره باتجاه القضية، جاء في خطاب رئيس الوزراء السيد الصادق المهدي للجمعية التأسيسية بعد أربعة أشهر من توليه الوزارة حول منجزات الحكومة بإزاء مشكلة المديريات الجنوبية التالي:

أولا: عقد مؤتمرات للجان أمن المديريات الثلاث في الخرطوم في أغسطس 1966م وذلك لتقييم موقف الأمن وأحواله وللاتفاق على الإجراءات اللازمة في تلك المرحلة.

ثانيا: عقدنا اجتماعات متعددة لمجلس الدفاع للقيام بمسح شامل لكل الأوضاع لوضع خطة متكاملة لعلاج المشكلة تتناول النواحي السياسية، والإدارية، والاقتصادية، والاجتماعية، ونواحي الأمن والاستقرار، والنواحي الدبلوماسية. فكان أن وضعت خطة شاملة تعالج المشكلة من هذه الزوايا وتراعي تداخلها.

ثالثا: دعونا لمؤتمر جميع الأحزاب السودانية للنظر في توصيات لجنة الاثنى عشر ولبحث نقطتي الخلاف حول الحل الدستوري والإداري والعمل على إيجاد حل لهما.

ويقول محمد عمر بشير حول التطور في أداء الحكومة بإزاء قضية الجنوب: (وهذا الاتجاه المتسم بعدم التعاون من جانب الحكومة ما لبث أن أصابه التعديل لدى تشكيل وزارة جديدة في 1966 لما تم اختيار الصادق المهدي رئيسا للوزراء، فقد أعلن الأخير أنه مؤيد تماما لأعمال لجنة الاثنى عشر بل وصفها بأنها (العمل الجيد الجاد الذي أدي خلال الثمانية أشهر الماضية والذي يستحق أن يفتخر به). (ص 289)

وقال: (ولما أصبح السيد الصادق المهدي رئيسا للوزراء خلفا للسيد محمد أحمد محجوب كان أول ما بادر به هو إبعاد بوث ديو من الوزارة، وقام بتعيين أروب يور آيك وجيرفس ياك وزيرين في الوزارة الجديدة. وكان كل منهما موظفا في الخدمة المدنية واعتبر تعيينهما بمثابة ترضية لسانو والمعتدلين من أبناء الجنوب. والمبادرة الثانية  التي قام بها رئيس الوزراء الجديد فيما يتعلق بالجنوب هي الدعوة لمؤتمر الأحزاب السياسية يعقد في أكتوبر 1966م للوصول إلى اتفاق حول تقرير لجنة الاثنى عشر التي حظيت بثناء رئيس الوزراء الجديد. ودعا إلى المؤتمر كافة الأحزاب السياسية في بلادنا –خمسة عشر حزبا- فيما عدا الحزب الشيوعي الذي كان نشاطه محظورا قانونا وقتئذ). و(ورفض كل من حزب الشعب الديمقراطي والحزب الإسلامي الاشتراكي والحزب الجمهوري الاشتراك في المؤتمر على أساس رفضهم من ناحية مبدئية لتقرير لجنة الاثنى عشر، وقد انسحبت فيما بعد من المؤتمر جبهة الميثاق الإسلامي). (بشير ص 305- 306).

مؤتمر جميع الأحزاب السياسية

حدد رئيس الوزراء الصادق المهدي لأعضاء المؤتمر المسائل محل البحث وهي:

  • التحقيق في نقاط الخلاف في تقرير لجنة الاثنى عشر أي فيما يتعلق بالمنطقة الجغرافية لكل إقليم وفيما يتعلق بكيفية انتخاب حكام الأقاليم.
  • أن توصي فيما إذا كان يتعين إعادة تشكيل مؤتمر المائدة المستديرة للنظر في تقرير لجنة الإثنى عشر أو إحالته للجنة وضع الدستور.

يقول بشير: أما بالنسبة لإعادة تشكيل مؤتمر المائدة المستديرة فقد ساد شعور عام بأنه لم يكن بالأمر الملائم، وكانت حكومة السيد الصادق المهدي جادة في وضع دستور جديد للبلاد وإجازته في أسرع وقت ممكن. بالنظر إلى ذلك تقرر إجراء الانتخابات في الجنوب بما في ذلك 36 دائرة جنوبية لم تجر فيها الانتخابات في 1965م وذلك في ميعاد أقصاه مارس 1967م) تعاصرت هذه الانتخابات مع انتهاء مؤتمر جميع الأحزاب السودانية من أعماله وتكوين لجنة قومية لوضع الدستور بدأت أعمالها في فبراير 1967م، تشكلت من ممثلين لحزب سانو وجبهة الجنوب ووحدة السودان وحزب الأحرار وحزب السلام، بالإضافة إلى سبعة شماليين وأربع آخرين من الجنوبيين. وأكملت اللجنة القومية للدستور وضع مشروع الدستور في يناير 1968م وقدمته للجمعية التأسيسية، وكان السيد المحجوب قد عاد رئيسا للوزارة في مايو 1967م. ولكن في فبراير 1968م قامت الحكومة بخرق الدستور على النحو الذي سنبين لاحقا، ووقفت قيادة الحزب المنتخبة معارضة لهذا الاتجاه الذي أودى في النهاية للفراغ الدستوري الذي هيأ لانقلاب مايو 1969م.

وكان العمل الذي قام به مؤتمر المائدة المستديرة، ثم لجنة الاثنى عشر، ثم مؤتمر جميع الأحزاب هو الأساس الذي رسمت عليه اتفاقية السلام بأديس أبابا في 1972م لاحقا، كما أظهر الدكتور محمد عمر بشير بجلاء.

رحلة الجنوب:

في الثلث الأخير من أكتوبر 1966م زار رئيس الوزراء مدينة جوبا للاطلاع على الأحوال هناك ولمخاطبة المواطنين في المديريات الجنوبية بسياسة الحكومة وكذلك بضرورة الحل السياسي والوحدة السودانية في ظله، حيث خاطب الحشد في نادي جوبا بهذه المعاني في كلمة طويلة حوت معان شتى. واتجه من جوبا  لحضور مؤتمر القمة الأفريقي في أديس أبابا (13 أكتوبر- 4 نوفمبر 1966م) بنية العودة للطواف على كامل الإقليم الجنوبي ومديرياته الثلاثة. وبالفعل توجه من جوبا لأديس أبابا، ثم إلى ملكال ثم واو وظل في طوافه بالجنوب حتى 27 نوفمبر 1966م.

وفي ملكال  حضر مؤتمرا للسلاطين بأعالي النيل وخاطب المؤتمر، كما ألقى عدة خطابات في مناسبات مختلفة في ملكال، وفي واو.  وفي كل تلك المواقع كان يتحدث عن سياسة الحكومة بإزاء قضية الجنوب، وضرورة تصحيح السياسة السابقة، والموقف من الوحدة وإلى آخره من النقاط التي ترد على الأسئلة المثارة آنذاك.

(لنص الخطابات انظر قسم الوثائق: خطابات رئيس الوزراء- نوفمبر 1966م)

والغريبة أنه ومع هذه الجولة التي حظيت باستقبالات شعبية وترحيب حار من المواطنين في الجنوب، فقد أوردت بقلم سيسل أبرل أحاديث عن تقارير بأنه جرت في هذه الفترة (أكتوبر 1966م) بالذات مذبحة في مكان يدعى تالي بالجنوب تحدث عنها صحافي أمريكي، وكذلك أنه تم اغتيال وليم نيال (دينق) عضو حزب سانو الذي ذهب للجنوب للتحضير للانتخابات من قبل قوات حكومية، وأنه تم قتل 400 شخص في توريت ما بين 27 و29 ديسمبر 1966م، وفي فبراير 1967م قتل على الأقل 23 من الزعماء القبليين ببور في إقليم أعالي النيل. وقد ورد أن رئيس الوزراء قام بنفي هذه التقارير، وهذا ما يتماشى مع سياسة الحكومة بل وقيام رئيس الوزراء بنفسه بجولة على مدى شهر بالجنوب، فلو كانت سياسة حكومته وأفعالها تتسم بالعنف هناك لما أقدم على ذلك. عدم الدقة في التقارير يتضح أيضا من إيراد مقتل وليم دينق كأنه جرى إبان حكومة الصادق، بينما ورد الخبر بشكل تفصيلي في صفحة الكتاب التالية وبتاريخه الصحيح وهو 5 مايو 1968م.  (Eprile  ص 61-63).

نعم قيل الكثير حول المذابح بالجنوب والصلة الحكومية بها في هذه الفترة، وقد  وجه الحزب بضرورة فتح باب الحقيقة والمساءلة حول الأحداث التاريخية والمتعلقة بجرائم الحرب والجرائم ضد حقوق الإنسان وضد الإنسانية منذ عام الاستقلال 1956م وحتى الآن، وحينها فقط يمكن أن تتضح الحقائق كما كانت على أرض الواقع، وبدون تزيد أو إنكار.

مسألة الحزب الشيوعي السوداني

في ظل حكومة محجوب الأولى حدثت قضية (حظر النشاط الهدام وحل الحزب الشيوعي) واستمرت تداعياتها حتى حكومة الصادق، ففي نوفمبر 1965م وأثناء ندوة أدبية بأم درمان تعرض أحد طلبة معهد المعلمين إلى حديث الإفك وأساء لرسول الله (ص) وآل بيته، وقيل إن الطالب ينتمي للحزب الشيوعي، وقد قادت جبهة الميثاق الإسلامي حينها الرأي العام السوداني ضد الشيوعيين، وقاد السيد إسماعيل الأزهري الحملة أيضا منطلقا من موقف منافسة الحزب الشيوعي له ولجماهيره في المدن وتفاعل مع هذه الحملة الأغلبية الساحقة من النواب من جميع الأحزاب بما فيها حزب الأمة، وتناغم معها الشعب السوداني بشكل عريض. وقد شكلت هذه الحادثة امتحانا عسيرا للنظام الديمقراطي من ناحية الموازنة بين كفالة حرية التعبير والتنظيم من جهة، ومراعاة معتقدات ومقدسات الشعب من جهة أخرى هذا من الناحية النظرية، ومن الناحية العملية فقد شكلت سابقة في تأجيج الجماهير على نحو مخل بقواعد العمل الديمقراطي لافتقاره للموضوعية إذ أن قادة الحملة لم يهمهم كثيرا نفي الحزب الشيوعي لعضوية الطالب المذكور لتنظيمه الحزبي.

خرجت المظاهرات الصاخبة تطوف المدن الكبرى وصدرت فتوى من جماعة من العلماء أن هذا الطالب كافر وملحد وأن كل منتم للحزب الشيوعي هو كذلك. وبالرغم من أن قادة الحزب الشيوعي نفوا انتماء هذا الطالب لحزبهم –كما سلف- إلا أن الموجة لم يحدها ذلك، واستمرت حتى قادت الجمعية التأسيسية لاتخاذ قرار بحل الحزب الشيوعي السوداني. ففي 15/11/1965م اتخذت الجمعية التأسيسية قرارا بأن “تكلف الحكومة للتقدم بمشروع قانون يحل بموجبه الحزب الشيوعي السوداني ويحرم بموجبه قيام أي أحزاب شيوعية أو أحزاب أو منظمات أخرى تنطوي مبادؤها على الإلحاد أو الاستهتار بمعتقدات الناس أو ممارسة الأساليب الدكتاتورية” (حاج موسى- ص 462).

وفي 18/11/1965 تقدمت الحكومة بمشروع قانون بتعديل المادة الخامسة من الدستور لتتمكن من حل الحزب الشيوعي. فعدلت المادة الخامسة بإضافة حكم شرطي “على أنه لا يجوز لأي شخص أن يروج أو يسعى لترويج الشيوعية، سواء أكانت محلية أو دولية أو يسعى لترويج الإلحاد أو عدم الاعتقاد في الأديان السماوية أو يعمل أو يسعى للعمل عن طريق القوة أو الإرهاب أو أية وسيلة غير مشروعة لقلب نظام الحكم”.  وقد أجيزت هذه التعديلات بأغلبية 143 صوتا في مقابل 17 عضوا معارضين.

أما قادة حزب الأمة، فبالرغم من تعاطف الإمام الهادي وكافة أعضاء الهيئة البرلمانية التابعة للحزب مع الحملة التي قادتها جبهة الميثاق الإسلامي بضراوة متحالفة مع السيد الأزهري، إلا أن  رئيس الوزراء حينها (السيد محمد احمد محجوب) ورئيس الحزب (السيد الصادق المهدي) لم يشتركا في الحملة مباشرة وإن استجابا للضغط الشعبي، ودافعا عن موقف الجمعية التأسيسية وصلاحياتها أمام الهيئة القضائية.

حدثت المواجهة مع الهيئة القضائية إبان حكومة الصادق، فقد رفع النواب المطرودون قضية دستورية وفصل فيها رئيس القضاء لصالحهم وأصدر في 22/12/1966م قرارا ببطلان التعديل الدستوري الذي أجازته الجمعية التأسيسية في نوفمبر 1965م. وقرر أن المادة 5(2) من دستور السودان المؤقت المعدل لعام 1964م مادة جامدة لا تقبل أية تعديلات دستورية. وقد عارض حزب الأمة هذا الموقف وأصدر بيانا يؤكد فيه أن الجمعية التأسيسية هي صاحبة الكلمة العليا فيما يختص بالتشريع والتقنين. (انظر قسم  الوثائق: بيان من حزب الأمة 27 ديسمبر 1966م).

هذه المواجهات المؤسفة بين الحزب والحكومة الائتلافية التي يرأسها من جهة وبين الهيئة القضائية كانت جزءا من الأزمة السياسية في البلاد، وقد استمرت الخلافات حتى تم الوصول إلى اتفاق بين الهيئة القضائية ومجلس السيادة والحكومة وصدر بذلك بيان في 13/5/1967م.

جاء في بيان للحزب حول انتخابات 1968م نشر للرأي العام حينها واحتوى على قدر كبير من النقد  الذاتي، جاء فيه الآتي: (ذكر أننا تمادينا في قضية حل الحزب الشيوعي وتعدينا في ذلك الحدود ثم دخلنا في صراع مع القضاء أفقدنا بعض التأييد).. (مناقشة: إن موقفنا من قضية حل الحزب الشيوعي أملته ظروف شعبية معينة ولم يكن نتيجة تخطيط محدد إذ كنا نرجئ بحث شرعية العمل الشيوعي في نطاق دستور البلاد الدائم وإن الموجة التي عمت واستغلها السيد إسماعيل الأزهري بمزايداته المشهورة هي التي أقنعت الجمعية بحل الحزب الشيوعي. أما دخولنا في صراع مع القضاء فقد أقحمنا فيه دفاعنا عن سلطات الجمعية التأسيسية وقد كان هذا مؤسفا حقا أولا لاحترامنا لاستقلال القضاء وثانيا لتعاوننا الأكيد مع السيد رئيس القضاء… إن احتكاكنا بالقضاء ساقه إلينا حرصنا على سلطات الجمعية ولكننا استطعنا بعد فترة من الصراع قصيرة أن نحسم الأمر كله وأن نتوصل إلى اتفاق تام). (انظر قسم الوثائق: نتيجة انتخابات 1968م).

وكانت نتيجة هذا الموقف أن اتجه قسم مقدر داخل الحزب الشيوعي للحل الانقلابي، وكان قسما منه قد اتجه له منذ بداية حكومة أكتوبر، فتكررت المحاولات الانقلابية الشيوعية، وحتى الانقلاب المايوي الأخير الذي له علاقة ما بالحزب الشيوعي السوداني. وهذا جانب فقط من بوادر الصلة بتنظيم الضباط الأحرار والمحاولات الانقلابية:

انقلاب نوفمبر 1964م: صدر منشور باسم الحزب الشيوعي بتاريخ 19/11/1964م تحت عنوان “فلتملأ القوى الوطنية الشوارع من جديد” وفيه: المطالبة بإطلاق سراح الضباط الأحرار المعتقلين فورا. من هؤلاء الضباط: جعفر نميري، فاروق حمد الله والرشيد نور الدين. (كرار ص 9).

الانقلاب الشيوعي في 28/12/1966م: وهو  انقلاب قام به بعض صغار الضباط وحوالي 300 من جنود سلاح الأساس في مدرسة جوردون للتدريب. المحاولة قادها الملازم خالد حسين الكد، واعتقل جميع القائمين بها. وقد شمل الاعتقال بالإضافة للعسكريين عددا من المدنيين وزعماء الحزب الشيوعي. قال خالد والضباط الذين اعتقلوا معه إن حركتهم كانت تهدف وضع حد لحالة الفوضى السياسية، ومن بين المعتقلين النواب الثمانية الذين رفضت الجمعية التأسيسية عودتهم إليها برغم حكم المحكمة العليا.  (الأهرام 29 ديسمبر 1966م) أعضاء مجلس قيادة (ثورة) الكد هم: جعفر محمد نميري- الرائد هاشم العطا- الرشيد نور الدين- الرائد الرشيد أبو شامة- الرائد بابكر عبد الرحيم- الرائد مصطفى عبادي- على التوم. (كرار، ص11).

انقلاب مايو 1969م: وردت إفادات متناقضة في هذا الصدد وآراء متضادة لقيادات الحزب الشيوعي إزاء الانقلاب: السيدان عبد الخالق محجوب من جهة وأحمد سليمان من جهة أخرى. ومهما يكن فإن الثابت أن الحزب الشيوعي كان يعلم بالانقلاب وحلقة الوصل بينه وبين الانقلابيين كانت فاروق حمد الله. وفي صبيحة يوم 24 مايو 1969م استدعى سكرتير الحزب “عبد الخالق محجوب” كلا من محمد إبراهيم نقد والشفيع أحمد الشيخ لمقابلته حيث أخبرهما أنه اتفق مع حمد الله لمقابلتهم لينقلوا له رأي المكتب السياسي للحزب وأخبرهما بما سمعه في أمسية 23 مايو من أن صغار الضباط بالجيش اختاروا النميري لقيادة الانقلاب. كما اجتمعت اللجنة المركزية للحزب مساء 25 مايو لمناقشة موقفها من الانقلاب وانقسمت بين مؤيد ورافض، وكان الرأي الغالب هو التأييد لتوافق الشعارات. (كرار ص 21-22). بل لقد أكد حمد الله للانقلابيين موافقة الحزب الشيوعي على الاشتراك منذ مساء 24 مايو (كرار، 24).

فكان حجر النظام الديمقراطي على حريات الشيوعيين هو المحفز الأكبر للانقلاب أو تأييد الانقلاب العسكري عليه.

هذه القضية كما بينا تعد من القضايا التي زلت فيها أقدام السياسة السودانية واتبعت طرقا شائكة وغير متسقة مع مفهوم الديمقراطية نفسه، وذلك باستخدام وسائل التهييج الشعبي والتي تقف الأحزاب الشعبية أمامها عاجزة ومتخذة لمواقف ضارة بالتجربة الديمقراطية، ولعلها كانت درسا بليغا لحزب الأمة وغيره في خطورة هذا المسار.

الموقف من خرق الدستور فبراير 1968م

قامت الجمعية التأسيسية وعمرها عامين في 10 يوليو 1965م أي أن صلاحياتها تنتهي في 10 يوليو 1967م، ولكن و(لكي تبقى الجمعية التأسيسية غير متأثرة بالصراعات الحزبية في داخلها حتى تتمكن من إجازة الدستور الدائم للبلاد أجازت تعديلا للدستور في اليوم الخامس من شهر يونيو عام 1967م هذا نصه: “يلغى البند (1) من المادة (53) من الدستور ويستبدل بالآتي: تستمر الجمعية التأسيسية إلى قيام الانتخابات النيابية العامة على ألا يتجاوز ذلك اليوم التاسع والعشرين من فبراير 1968 ولا يجوز حلها). وكانت المادة 53-1 تقرأ كالآتي: (تستمر الجمعية التأسيسية لمدة سنتين من بداية انعقادها ولا يجوز حلها). (أمين ص 264).

إن لجنة الدستور التي بدأت أعمالها متأخرا جدا وفقط في فبراير 1967م، لم تفرغ من مهمتها بتقديم مشروع الدستور الدائم إلا في يناير 1968م. وعرض المشروع على الجمعية التأسيسية التي بدأت في مناقشته  مادة مادة وكان قد تبقى في عمرها ثمانية وأربعون يوما لإنجاز هذه المهمة.

وفي هذا الوقت كانت الحكومة (التي جاءت بأغلبية بسيطة: 108 ضد 93 صوتا) في حالة فقدان للتأييد، وكانت المعارضة تود طرح الثقة فيها في 8 فبراير 1968م. يقول حاج موسى: (وكان من المؤكد نجاح المعارضة في سحب الثقة من الوزارة، ولذلك فكرت الحكومة في إيجاد مخرج من الأزمة ولم يكن أمامها إلا حل الجمعية التأسيسية، ولما كانت الفقرة الأولى من المادة 53 من الدستور تمنع حل الجمعية)..(رغم ذلك لم تمتثل أحزاب الحكومة الائتلافية لهذا الحظر وتواجه الجمعية في صباح اليوم الثامن من فبراير، بل عمدت إلى دعوة نوابها في الجمعية التأسيسية إلى اجتماع يعقد بالقصر الجمهوري مساء 7 فبراير، حيث اتفقت أحزاب الحكومة على أن يتقدم نوابها في الجمعية التأسيسية باستقالاتهم).. (استدعي رئيس الجمعية التأسيسية في نفس المساء للحضور بالقصر الجمهوري وعند حضوره قدمت له استقالات 90 نائبا من عضوية الجمعية التأسيسية، ولكن رئيس الجمعية اعتذر عن استلام هذه الاستقالات لأنها قدمت له في زمان ومكان لا يسمحان له باستلامها)..وأشار (إلى تقديم هذه الاستقالات له في دار الجمعية صباح اليوم التالي). (ولكن الحكومة لم تنتظر حتى الغد لأنها كانت تعلم ماذا سوف يحدث غدا وأن سقوطها محتم، ولذلك اعتبرت أن إخطار النواب التسعين لرئيس الجمعية باستقالاتهم كاف رغم أنه لم يستلمها، وبناء عليه قرر مجلس السيادة أنه بعد أن قدم 90 عضوا استقالاتهم من الجمعية لم تعد الجمعية تملك صلاحية وضع الدستور الدائم والذي يشترط لإقراره توافر أغلبية ثلثي أعضاء الجمعية)..(وعليه أصدر مجلس السيادة في نفس مساء يوم 7 فبراير سنة 1968م قرارا يقضي بحل الجمعية التأسيسية منذ اليوم السابع من فبراير سنة 1968م) (حاج موسى ص 309- 310).

قاد حزب الأمة- جناح المؤسسة معارضة هذا التصرف الأخرق، وفي صباح 8 فبراير تجمع نواب المعارضة بمنزل زعيم المعارضة بأم درمان وساروا في موكب متجهين لدار الجمعية التأسيسية فاعترضت طريقهم قوات الأمن ومنعتهم من دخول الدار، فعقدوا اجتماعا باسم الجمعية تحت ظلال الأشجار في الساحة التي تقع بين دار الجمعية ومبنى القضائية واتخذوا عدة قرارات كلها تصب في رفض قرار حل الجمعية وإدانة مجلس الوزراء ومجلس السيادة بخرق القانون بمخالفة المادة 53 من الدستور، واستعمال القوة ضد نواب الشعب وإعاقتهم من ممارسة سلطاتهم. وسحب الثقة من رئيس الوزراء ومن مجلس الوزراء، مع تقديم عريضة للقضاء. (حاج موسى ص 311-312) لكن كلمة القضاء تأخرت ولم يفصل في العريضة المقدمة إليه حتى قيام انقلاب مايو، وفي المقابل فإن إجراء الحكومة بالتآمر مع مجلس السيادة سرى ولم يمكن للمعارضة أن توقفه فقررت أن تخوض المعركة الانتخابية لسنة 1968م.

وفي ذلك قال السيد الصادق المهدي في خطابه الذي ألقاه بمؤتمر بحدائق المقرن في 3 مايو 1968 التالي: “إن الوضع القانوني والدستوري في البلاد رهين بكلمة القضاء التي يؤسفنا أن تأخرت تأخرا غير منتظر وغير مفهوم والقضاء يعلم ضرر هذا على البلاد والمطلوب منه لم يكن أكثر من تفسير الدستور في بعض بنوده. إن هذا التأخير يثير شكا كبيرا في استطاعة القضاء أن ينقذ البلاد من أزماتها الدستورية ولا شك أن هذا التخوف أصبح حيا وقويا في نفوس المهتمين بأمر العدالة في البلاد والأمل معقود في رجال القضاء أن يعملوا على إزالة كل العوائق التي تقف في سبيل تصريف العدالة الدستورية.. وإن وضعا سياسيا جديدا قد فرض نفسه بقيام الانتخابات الحالية التي لها وزنها السياسي وإن انعدم أساسها الدستوري ولا سبيل إلى إنكار هذا الوضع الجديد”.

لنص الخطاب أنظر قسم الوثائق: خطاب حدائق المقرن 3 مايو 1968م

والمؤسف أن هذا التعطيل أدى بشكل مباشر لنسف أمل الشعب السوداني في إجازة الدستور الدائم للبلاد، وبعد الحكومة الجديدة لم يتم البناء على أعمال اللجنة القومية بل أنشئت لجنة جديدة على النحو المذكور آنفا.

والأثر الأبلغ لخرق الدستور كان إفقاد ثقة المواطنين في النظام البرلماني، حيث يبلغ التناحر الحزبي لدرجة خرق الدستور بشكل صريح لا لبس فيه.

وقد تضافر هذا مع تقديم رئيس الوزراء لاستقالته في مايو 1969م بعد أن كانت وحدة الحزب قد أعلنت وكان رئيس الوزراء يعلم أن الوحدة ستفقده منصبه وستكون على الأسس التي ارتضاها غالبية نواب الحزب، فخلقت استقالته فراغا دستوريا هيأ المناخ لانقلاب مايو المشئوم.

النقد الذاتي

في هذه الفترة برز اتجاه الحزب للنقد الذاتي بشكل دوري ومضطرد، وكان النقد الذاتي وسيلة لتصحيح المسار، وكذلك للدعوة لسياسات جديدة.

وفي هذا الصدد يمكن الإشارة لعدد من المناشط:

أولا: لجنة تقييم الأداء الحكومي للحكومة الائتلافية الأولى بقيادة المحجوب والوارد ذكرها آنفا والتي كونت وقدمت تقريرها في يناير 1966م.

ثانيا: البيان الذي صدر لتقييم نتيجة انتخابات عام 1968م وفيه أهم الانتقادات التي وجهها المكتب السياسي للحزب وسياساته لأداء الحزب في الحكومة الائتلافية الثانية بقيادة الصادق، ونقاش لتلك الانتقادات. من القضايا التي تمت مناقشتها على الصعيد الحزبي:

  • مسألة الائتلاف مع الحزب الوطني الاتحادي في البداية وفي الائتلاف الثاني مع انه الخصم الأول وكان بالإمكان تأليف حكومة بالاتفاق مع المستقلين والكتل الإقليمية. وقد رؤي أن ذلك كان ضرورة أملتها الرغبة في الإسراع بإجازة الدستور. وتم الاعتراف بالخطأ في قبول وزارة الهندي في الائتلاف الثاني.
  • مسألة التمادي في قضية حل الحزب الشيوعي السوداني: وتفصيل ذلك ذكر آنفا.
  • الموقف المتحالف مع جبهة الميثاق الإسلامي لأن كثيرا من الناس غير الملتزمين حزبيا يكرهون حركة الأخوان المسلمين والجبهة استفادت منا أكثر من استفادتنا منها. وفي نقاش هذه النقطة تم الاعتراف أن الجبهة استفادت منا أكثر في انتخابات 1968 وإن كنا استفدنا منها أكثر قبلها، وان الموقف شبه الحيادي الذي اتخذته الجبهة من حل الجمعية يمكننا تلقائيا من السير دون ارتباطات محددة معها.
  • التعاون مع مؤتمر القوى الجديدة باعتبار أنه أفاد هيئاته أكثر من إفادة الحزب: في نقاش هذه النقطة قيل إن المؤتمر كان واجهة لمواجهة التألب الثلاثي وهو إجراء هام كما أن المؤتمر مكن حزب الأمة من احتضان هيئات شبه مطلبية لا تناقض مطالبها برنامجه بل تدعمه فبرنامجنا مبني على تحريك القطاع التقليدي والأخذ بيد العناصر السودانية المظلومة والعلاقة مع حزب سانو خاصة علاقة مثمرة جدا لقضية وحدة السودان فقيادة حزب سانو هي القيادة الحزبية الوحيدة التي تستمتع بوعي وإدراك وتؤمن بالحل السياسي لمشكلة المديريات الجنوبية ولذلك فإن قيادة سانو ممثلة في السيد وليم دينق هي الجسر الذي نشأ في نطاق العلاقات بين القيادات السياسية السودانية في الشمال والجنوب.
  • إهمال توجيه الأنصار وتركهم فريسة للجناح المنشق: وفي المناقشة تم التركيز على أن الاتجاه كان ألا نحدث شرخا في عقيدة الأنصار بل يحصر الصراع في الخلاف السياسي، و(على أي حال فإن الموقف فيما يتعلق بوضع الأنصار والعقيدة ليس من شأن حزب الأمة كحزب سياسي يضم الأنصار وغيرهم وإنما يخص الأنصار).

إلى آخر القضايا التي تم فيها انتقاد الأداء الحزبي من قبل اللجان المعنية بالبحث، وبعض النقاط أثبت فيها الحزب أخطاء ارتكبها وفي أخرى شرح ملابسات الأحداث الملتبسة على المنتقدين. كل هذا يؤكد نهج النقد الذاتي الذي اتخذه الحزب بإزاء سياساته وتحالفاته.

لنص البيان الكامل أنظر قسم الوثائق: نتيجة انتخابات 1968م

ثالثا: انتقاد مجمل التجربة الديمقراطية الثانية: بعض النقد الذاتي كان موجها لكامل التجربة الديمقراطية، من ذلك ما جاء في (بلاغ واحتجاج) بتاريخ 17 يونيو 1967 والصادر عن رئيس الحزب، وفيه تمت الإشارة لجملة أخطاء ارتكبتها القوى السياسي. من الأخطاء التي تمت الإشارة لها:

الخطأ الأول: لجأت الجمعية التأسيسية لإجراء تعديلات كثيرة على الدستور كان بعضها لأسباب حيوية وبعضها لم يكن إلا لتسهيل تسويات حزبية. هذا الخطأ يشترك فيه بأقدار متساوية الحزبان الكبيران الممثلان في الجمعية وهما حزب الأمة والحزب الوطني الاتحادي. إن تعديلات الدستور وخاصة تلك التي كان غرضها تسهيل لتسويات الحزبية كانت ذات أثر سيء على احترام الجمعية وقد استغلته العناصر الرافضة في دعاياتها.

الخطأ الثاني: السكوت عن مسألة نواب التزكية. وتفصيل ذلك أن الأحزاب السودانية عدى حزب الشعب الديمقراطي والحزب الشيوعي وجبهة الهيئات قد اتفقت اتفاقا واضحا علة تأجيل انتخابات المديريات الجنوبية عند إجراء الانتخابات العامة عام 1964م ولكن القرار الرسمي الحكومي بتأجيل انتخابات المديريات الجنوبية جاء بعد وقت من شروع لجنة الانتخابات في إجراء الانتخابات مما مكن عددا من المواطنين من  ترشيح أنفسهم في واحد وعشرين دائرة في المديريات الجنوبية وحسب إجراءات لجنة الانتخابات أعلن فوزهم بالتزكية. هذا الفوز لم يكن معترفا به سياسيا ولا قانونيا عندما جرى إعلانه ولكن بعد الفراغ من الانتخابات العامة وتكوين الحكومة الائتلافية الأولى ساعد أحد الأحزاب السياسية الكبرى وهو الحزب الوطني الاتحادي الذي كان مندوبه لشئون المديريات الجنوبية مسئولا عن أغلب الترشيحات التي تمت في دوائر التزكية- ساعد عددا من هؤلاء المواطنين على التقدم بقضايا نظرتها المحكمة وبنت على مسائل الإجراءات الانتخابية قرارها بقانونية فوز هؤلاء المواطنين بالتزكية. وهم ليسوا مسئولين عن الخطأ السياسي الذي ارتكب في حق النيابة الصحيحة فقد فتح لهم باب الترشيح فرشحوا أنفسهم ثم أعلن فوزهم بالتزكية، ولكن المسئولية تقع على الأحزاب السياسية التي قطعت عهدا بتأجيل الانتخابات في الدوائر الجنوبية على نفسها وقد وقع أكبر وزر من هذا الخطأ على الحزب الوطني الاتحادي.

الخطأ الثالث: الإبطاء في مسألة الدستور الدائم. والمبادرة في أمر الدستور بموجب العرف وبموجب ميثاق الائتلاف كانت منتظرة من الحكومة فلم تقم بالمبادرة وأهملت مهمة وضع الدستور إهمالا تاما طوال الفترة الواقعة من بداية عمر الجمعية في يونيو 1965م وسقوط الحكومة الائتلافية الأولى في يوليو 1966م. هذا التقصير في الواجب الأساسي أخذ على الجمعية وأخذ على أعضاء الجمعية وزعمائهم إهمال حضور الجلسات والتسكع في مقهى الجمعية مما أعطى مبررا للتهمة بعدم الجدية والاهتمام.

الخطأ الرابع: تقدم رئيس الوزراء السيد الصادق المهدي وبعده تقدم 78 نائبا باقتراح تكوين لجنة للتحري في مسائل الفساد السياسي واستغلال النفوذ، وتحدث عن وجود وثائق تثبت الفساد وبرغم ذلك لم يناقش المقترح، وقد شوه هذا صورة نظام الحكم لأن النظام الذي يسكت عن الفساد أو يعاون على إخفائه يحط من قدر نفسه.

كما تمت الإشارة لأن الجمعية مدت عمرها حتى فبراير 1968م لوضع الدستور الدائم ثم أعطت نوابها إجازة أربعة أشهر!!

لنص البيان كاملا أنظر قسم الوثائق: بلاغ واحتجاج 1967م

يشكل هذا البيان وغيره من أدبيات تلك الفترة الاتجاه الدائم نحو نقد الأداء للحزب وللدولة سواء أكان الحزب مشتركا فيها أم لا.

إرهاصات الانقلاب

كما ذكرنا فإن حل الحزب الشيوعي في نوفمبر 1965 تبعته عدة أحداث، منها:

  • الانقلاب الشيوعي في 28/12/1966م وقد قاده الملازم خالد حسين الكد، واعتقل فيه زعماء الحزب الشيوعي. وكان أعضاء مجلس قيادة (ثورة) الكد هم: جعفر محمد نميري- الرائد هاشم العطا- الرشيد نور الدين- الرائد الرشيد أبو شامة- الرائد بابكر عبد الرحيم- الرائد مصطفى عبادي- على التوم.
  • استقالة السيد بابكر عوض الله رئيس القضاء في مايو 1967م احتجاجا على قرار حل الحزب الشيوعي وذلك بالرغم من البيان الذي أصدره مجلس السيادة لإنهاء المواجهة بين الهيئة القضائية ومجلس السيادة ومجلس الوزراء في 13/5/1967م.
  • تكوين جديدة لجنة للدستور الدائم، وقد برمجت اللجنة للانتهاء من عملها في يوليو 1969م.

كل هذه الأحداث كانت من مظاهر المواجهة داخل الحركة السياسية السودانية، والتي أدت إلى تكوين اليسار لكيان موحد في هيئة منظمة لمكافحة الدستور الإسلامي، وتم تشكيل لجنة مهمتها:

أولاً: وضع ميثاق سياسي لجمع القوى اليسارية بشكل برنامج عمل.

ثانياً: توحد جميع قوى اليسار لاتخاذ موقف سياسي موحد في انتخابات الرئاسة.

ثالثاً: إقامة جبهة دائمة تمثل قوى اليسار الموسع ليس كحزب بل من أجل تأمين قيادة جمهورية.

وكانت اللجنة المكلفة بذلك مؤلفة من 12 عضوا هم: بابكر عوض الله، خلف الله بابكر، إبراهيم يوسف سليمان وحسين أحمد عثمان (من حركة القوميين العرب)، وعابدين إسماعيل وأمين الشبلي ومحجوب محمد صالح ومكاوي مصطفى (من الاشتراكيين الديمقراطيين)، وطه بعشر (ماركسي مستقل)، وعبد الخالق محجوب وعز الدين علي عامر من الحزب الشيوعي، والشفيع أحمد الشيخ الأمين العام لاتحاد نقابات العمال. (كرار ص 20).

كذلك ذكرنا أن الساحة السياسية امتلأت بالتناحر غير الصحي حتى بلغ الحد أن يتجرأ البعض على الدستور ويحلوا الجمعية التأسيسية ليلا نقضا له، وكان من أخطاء ذلك العهد ما جهر به حزب الأمة في الكتيب الذي أصدره بقلم رئيسه بعنوان “بلاغ واحتجاج” في يونيو 1967م، وجاء فيه ذكر خمسة أخطاء لذلك العهد بالنص التالي:

(الخطأ الأول: هو لجوء أغلبية الجمعية التأسيسية لإجراء تعديلات كثيرة في الدستور كان بعضها لأسباب حيوية وبعضها لم يكن إلا لتسهيل تسويات حزبية. هذا الخطأ يشترك فيه- بأقدار متساوية- الحزبان الكبيران الممثلان في الجمعية وهما حزب الأمة والحزب الوطني الاتحادي. إن تعديلات الدستور وخاصة تلك التي كان غرضها تسهل التسويات الحزبية كانت ذات أثر سيئ على احترام الجمعية وقد استغلته العناصر الرافضة في دعاياتها.

الخطأ الثاني:  هو السكوت على مسألة نواب التزكية. وتفصيل ذلك أن الأحزاب السودانية عدا حزب الشعب الديمقراطي والحزب الشيوعي وجبهة الهيئات قد اتفقوا اتفاقا واضحا على تأجيل انتخابات المديريات الجنوبية عند إجراء الانتخابات العامة عام 1964م ولكن القرار الرسمي الحكومي بتأجيل انتخابات المديريات الجنوبية جاء بعد وقت من شروع لجنة الانتخابات في إجراء الانتخابات مما مكن عددا من المواطنين من ترشيح أنفسهم في واحد وعشرين دائرة في المديريات الجنوبية وحسب إجراءات لجنة الانتخابات أعلن فوزهم بالتزكية. هذا الفوز لم يكن معترفا به سياسيا ولا قانونيا عندما جرى إعلانه ولكن بعد الفراغ من الانتخابات العامة وتكوين الحكومة الائتلافية الأولى ساعد أحد الأحزاب السياسية الكبرى وهو الحزب الوطني الاتحادي الذي كان مندوبه لشئون المديريات الجنوبية مسئولا عن أغلب الترشيحات التي تمت في دوائر التزكية- ساعد عددا من هؤلاء المواطنين على التقدم بقضايا نظرتها المحكمة وبنت على مسائل الإجراءات الانتخابية قرارها بقانونية فوز هؤلاء المواطنين بالتزكية.

إن هؤلاء المواطنين ليسوا مسئولين عن الخطأ السياسي الذي ارتكب في حق النيابة الصحيحة بإعلان فوزهم ذلك لأنهم حسب معرفتهم اشتركوا في إجراءات صحيحة فقد فتح لهم باب الترشيح فرشحوا أنفسهم ثم أعلن عن فوزهم بالتزكية فهم لم يخلوا بعهد لأنهم لم يشتركوا في القرار بتأجيل انتخابات المديريات الجنوبية ولكن المسئولية تقع على الأحزاب السياسية التي قطعت ذلك الوعد على نفسها. لقد وقع أكبر وزر من هذا الخطأ على الحزب الوطني الاتحادي لأنه مع قيام العهد والوعد نشط في ترشيح من رشح باسمه في المديريات الجنوبية وفاز بالتزكية ثم ساعد في القضايا التي رفعت لإثبات الفوز ثم سكت ولم يوضح للرأي العام رأيه في الموقف عندما أعلنت المحكمة عن قانونية فوز نواب التزكية.

أما حزب الأمة فإنه لم يتخذ إجراءا ايجابيا لمعارضة قرار المحكمة بفوز نواب التزكية بل أعلن عن قبوله كقرار محكمة ولكنه لم يرشح من فاز باسم حزب الأمة في المديريات الجنوبية وعددهم خمسة بل رشحوا أنفسهم بمجهود فردي ولم يسع لنظر الموضوع لدى المحاكم وعندما أعلن عن الفوز أكد أنه كحزب كان مشتركا في قرار سياسي لتأجيل الانتخابات في المديريات الجنوبية.

إن دخول نواب التزكية بهذه الطريقة استخدم دعائيا لإضعاف الجمعية والتقليل من احترامها.

الخطأ الثالث:  الإبطاء في مسألة الدستور الدائم والمعلوم أن وضع الدستور الدائم هو المهمة الأساسية للجمعية التأسيسية وهذا الخطأ يقع وزره أساسا على الحكومة الائتلافية الأولى لأن المبادرة في أمر الدستور بموجب العرف وبموجب ميثاق الائتلاف كانت منتظرة من الحكومة فلم تقم بالمبادرة وأهملت مهمة وضع الدستور إهمالا تاما وأهملت كل ما يتعلق بالدستور طول الفترة الواقعة بين بداية عمر الجمعية في يوليو 1965م وسقوط الحكومة الائتلافية الأولى في يوليو 1966م أي في فترة تزيد عن نصف عمر الجمعية الدستوري. هذا التقصير في الواجب الأساسي أخذ على الجمعية، وأخذ على أعضاء الجمعية وزعمائهم إهمال حضور الجلسات والتسكع في “مقهى” الجمعية مما أعطى مبررا للتهمة بعدم الجدية والاهتمام.

الخطأ الرابع: عندما تقدمت ببيان للجمعية كرئيس للوزراء اقترحت قيام لجنة للتحري في مسائل الفساد السياسي واستغلال النفوذ السياسي ثم تقدم ثمانية وسبعون نائبا باقتراح لتكوين تلك اللجنة ومع كل هذا تضافرت عوامل غير مفهومة لمنع مناقشة هذا الاقتراح مع أنني تحدثت عن وجود وثائق تثبت التدخل لتوجيه بعض العطاءات وعن الاتجاه لتوزيع بعض المصالح على أساس حزبي ولكن بالرغم من هذا كله ورغم وجود الاقتراح الذي تقدم به ثمانية وسبعون نائبا أمام مكتب الجمعية استطاعت عوامل مختلفة أن تصرف النظر عن الاقتراح وعندما نبه النواب للاقتراح والتهم القائمة في الأمر لم يعطوا الأمر اهتماما وصرفوا النظر عن الاقتراح وقد قفلت الجمعية بطريقة مفاجئة ومريبة دون اهتمام بهذه الاتهامات الهامة.

هذا الخطأ من أكثر ما شوه ويشوه صورة نظام الحكم الذي يعتمد على الجمعية ويمكن من النقد الذي يحط من احترام الجمعية إذ يمكن من القول بأن أغلبية نواب الجمعية لا تهتم بقضايا الفساد السياسي واشتركت مع بعض القادة في صرف النظر عن اتهامات كبرى.

إن أي نظام حكم يسكت عن الفساد أو يعاون على إخفائه يحط من قدر نفسه ويسقط من هيبته في النفوس.

الخطأ الخامس: تقدم رئيس الوزراء ببيان عن سياسته في مايو 1967م و لسبب ما كان حريصا على عدم مناقشة ذلك البيان فاستغل ظروف الحرب في الشرق الأوسط لصرف النظر عنه حينا ثم استغل الأغلبية الائتلافية لمنع المناقشة حينا آخر. وهذا الاتجاه في حد ذاته يحقر الجمعية ويقلل من أهميتها لأنه يمنعها من ممارسة حق عادي لكل هيئة تشريعية ولكن التحقير بلغ غايته عندما أعلنت المعارضة أنها تتجاوز في مناقشة البيان عن المسائل التي ستتغير السياسة حيالها بسبب العدوان على العرب ولكن لا بد من مناقشة بعض الحقائق الموضوعية. وأعلنت المعارضة آن رئيس الوزراء قد أورد في بيانه أرقاما كاذبة وأنه ضلل الجمعية بتلك الأرقام والمعلومات وأنه لا بد من مناقشة بيانه لإظهار الحقيقة في هذه المسائل وأوردت المعارضة بيانات عديدة أمثلة للمعلومات المضللة التي لا بد من تصحيحها وقالت إن هذه أمثلة وإن المناقشة إذا تمت ستوضح غيرها. تلك الأمثلة هي:

  1. زعم رئيس الوزراء أن ميثاق حكمه وميثاق المعارضة متفقان والحقيقة أنهما مختلفان في ثلاث نقاط هامة على رأسها قومية كل الأجهزة المنبثقة عن الجمعية التأسيسية بما في ذلك مجلس السيادة.
  2. ذكر رئيس الوزراء أن رصيدنا من العملات الصعبة في آخر مايو 1967م هو 16.700.000 جنيها وأننا سحبنا من صندوق النقد الدولي 6.700.000 وأن هناك التزامات تقدر بحوالي 4.000.000 جنيها ليفهم من ذلك أن صافي الرصيد هو حوالي 6.700.000 جنيها وهذا غير صحيح لأنه إذا كان الغرض هو معرفة الموقف من جميع نواحيه لأوضح أن الرصيد مع ما عليه من التزامات ينتظر زيادة تبلغ حوالي 7.000.000 جنيها ولأوضح أن الحكومة في الأربع أشهر السابقة لمايو دفعت التزامات موروثة مقدارها 25.000.000 جنيها من الرصيد. أي أن وضع الرصيد كان وما يزال مريحا إذا قورن موقفه والالتزام عليه والدخل المنتظر له. لهذا وجب بيان الموقف لئلا يضل النواب والرأي العام.
  3. أعطى بيانات عن الاستدانة من البنك المركزي تستر الحقيقية وهي أن ميزانية 65/66 اعتمدت على الاقتراض من البنك المركزي إلى مدى 15.800.000 جنيها بينما اعتمدت ميزانية 66/67 على البنك المركزي في حدود 6.000.000 جنيها فقط وقال إن مديونية الحكومة اليوم لا تشمل مديونية مشروع الجزيرة والمعلوم أن مشروع الجزيرة غير مديون اليوم.
  4. وتكلم عن السندات وأن مبلغها الآن 5.000.000 جنيها والمعلوم أن ثلاثة مليون جنيها من هذا المبلغ موروثة من حكومته الأولى.
  5. وتحدث عن أن الجزيرة لم تدفع للحكومة المليون ونصف المليون المقدر لها في الميزانية موهما النواب أن موقف الجزيرة هذا العام غير سليم مع أن محصول الجزيرة كان أكبر في العام المذكور من العام الماضي ومن عدد من الأعوام الماضية ويعتبر محصولا جيدا وقد بيع المحصول الجديد مقدما وقد ساعد هذا الجزيرة على سداد مديونيتها وأن الجزيرة دفعت سلفية مقدمة للمزارعين في يناير 1967م وهذا الدفع غير المنتظر هو الذي منع الجزيرة من دفع ما كان مقدرا أن تدفعه للحكومة. والمعلوم أن الميزانية غير الواقعية التي قدرتها حكومة الائتلاف الأولى لعام 66/67 والتي ألغاها السيد حمزة ميرغني قد قدرت أن المنتظر من الجزيرة سبعة مليون جنيه.
  6. وزعم أن مجلس الوزراء السابق قد اتخذ عددا من القرارات عند مراجعة الميزانية ولم يفلح في إيجاد المال لها والمعلوم أن عددا من تلك القرارات قد دبر لها المال كالشفخانات البيطرية المتحركة والمياه الريفية وكان القرض السعودي من ضمن الموارد المدبرة لتمويل تلك القرارات.
  7. وقال رئيس الوزراء إن رصيد الحكومة النقدي عند إلقاء خطابه 1.398.000 جنيها وأن هذا المبلغ سيستهلك في سداد مرتبات ذلك الشهر. والحقيقة أن مرتبات الشهر المذكور أرسلت للوحدات لتصرف والمبلغ المذكور هو المبلغ الصافي بعد دفع المرتبات.
  8. وتحدث عن سياسة تسويق القطن ورخص الاستيراد مشيعا اتجاهات غير صحيحة ولا بد من توضيح الحقيقة فيها للنواب والرأي العام.
  9. وتحدث عن المياه فأورد أرقاما غير صحيحة ومضللة ومنها قال إن الآبار الجوفية في المناطق الصعبة التي سوف تنفذ بعد الدراسة تبلغ مائتين بينما الاتفاق المبرم لهذه الدراسة ثم التنفيذ يبلغ مائة وثمانين موقعا فقط. وقال سوف تحفر بالعطاء مائة وخمسين بئرا جوفيا وأن العطاءات تحت النظر والحقيقة أن عدد الآبار المذكور في العطاء مائة وخمسة آبار فقط وهذا يعنى أن الرقم مائة وخمسين الذي أورده رئيس الوزراء غير صحيح. ثم أنه قال أنه في نطاق الطاقة الحالية لهيئة المياه سوف يحفر 200 بئرا جوفيا وستدعم الطاقة الحالية بآلات تمكن من ذلك والحقيقة أن طاقة الحفر الحالية لا تزيد عن 20 موقعا في العام وأن الآلات المطلوبة معروفة وقدرها خمسة مكنات يقدر لها 60 موقعا في العام أي أن الجملة 80 موقعا وليس 200 موقعا كما ذكر رئيس الوزراء.. وتكلم عن 150 حفير سيحفرها مع أن مواقع الحفاير حاليا غير مدروسة وقد صدر عطاء لدراسة 118 موقعا ولا يمكن أن يبدأ التنفيذ قبل الدراسة. فالرقم الذي ذكره رئيس الوزراء غير صحيح.
  10. وتكلم رئيس الوزراء عن هيئة التنمية الزراعية قاصدا المؤسسة العامة للإنتاج الزراعي والفرق كبير بين الهيئتين وتكلم عن توزيع أراضي في الدالي والمذموم مع أن أراضي الدالي والمذموم لا يوجد فيها توسع بل التوسع في أقدي والقرابين. وتكلم عن أعمال زراعية سيجريها في المديريات الجنوبية بعد الآن وسيرسل الجرارات لها والمعلوم أن الموسم قد بدأ فعلا هناك.

هذه أمثلة أعلنتها المعارضة عن تضليل الحكومة للنواب والرأي العام وذكرت المعارضة أن عددا كبيرا من الأخطاء قد ورد في بيان رئيس الوزراء وطالبت بمناقشة عدم الدقة والأرقام الكاذبة وذكرت أن هناك أشياء هامة جدا متعلقة بالانتخابات القادمة ومتعلقة بالدستور الدائم ومتعلقة بمشروعات إصلاحية تحت الإعداد أغفلها بيان رئيس الوزراء ولا بد من التنبيه لها مثلا:

  • قانون الصحافة.
  • المطالب العمالية.
  • قوانين الإصلاح الزراعي وتنظيمات المزارعين.
  • قانون العفو العام في المديريات الجنوبية.
  • الإصلاح المصرفي.

هل ستسير الحكومة في الخطوط الموضوعة لهذه الإصلاحات أم ستغيرها وعلى أي أساس؟ بالرغم من هذه التوضيحات التي تفرض ضرورة مناقشة بيان رئيس الوزراء لإزالة الأوهام وتصحيح الأخطاء لم تشأ الحكومة أن ترد على أي واحد من هذه الأرقام بل انصرفت عن الموضوع انصرافا تاما وقبلت كل ما قيل عنها من أنها ضللت النواب والرأي العام ولم ترد على أي رقم من الأرقام وكذلك ساندها نواب الائتلاف مفرطين في حقوق المواطنين وكل الذي ردت به الحكومة لم يخرج عن الهجوم على المعارضة والمطالبة بفض الجمعية لتتفرغ الحكومة لمطاردة الجواسيس!! هذا من صميم عمل البوليس ولا يحسنه سوى الجهاز المنوط به.

إنني اعتقد أن الخطأ الخامس وهو عدم الاكتراث بالحقيقة وعدم الاكتراث بتضليل الجمعية وسكوت نواب الائتلاف الحاكم منقادين بتوجيهات زعمائهم عن مسائل التضليل المحددة الموضحة سكوت الرضا ومساعدة الحكومة في التهرب من المحاسبة على ما ضللت به الجمعية من أكبر الأسباب لتحقير نظام الحكم القائم اليوم في السودان وإسقاط احترامه من النفوس لأن المسألة لم تعد مسألة خلاف بين متطرف ومعتدل أو يمين ويسار بل أصبحت المسألة بين صدق وكذب، بين أرقام حقيقية وأرقام زائفة- فإن فرط النواب في واجبهم في هذه المسائل الخلقية الكبرى أضعفوا مركزهم الأدبي واضعفوا مركز الجمعية وساهموا في مناصرة وجهة النظر الهادفة لتقويض الجمعية. ولا شك أن ضمائر عدد من النواب الذين ساندوا الحكومة لم تكن مرتاحة لهذا الموقف ولكن المهم أن العصبية الحزبية والانقياد للزعامات المتهمة أديا إلى التستر على الباطل وهذا لا يشرف النظام البرلماني القائم بل يساعد أعداءه على التقليل من شأنه وتأكيد عدم صلاحيته لتقديم حكم نظيف وجاد.

وأسوأ ما في هذا كله أن الجمعية قد مدت عمرها حتى فبراير 1968 للقيام بوضع الدستور الدائم، وما فرغت من ذلك الإجراء حتى أعطت نوابها إجازة أربعة أشهر!! وهذا تلاعب بالمسئولية لا يساعد على تدعيم احترام الجمعية بل يساعد أعداءها على تحقيرها والسخرية بها، وقد زاد الأمر قبحا مناصرة الأغلبية الائتلافية للحكومة في مسائل غير لائقة بالأسلوب السياسي المحترم ومن أمثلة ذلك:

  1. أن ناطقا باسم الحكومة قال يوم الأربعاء 14 يوليو 67 إن القراءة الثانية لبعض القوانين ستكون يوم الاثنين 19 يونيو مما أوحى أن الحكومة لن تسع لقفل الجمعية فورا وكان لدى عدد من نواب المعارضة مهام خارج العاصمة فطلبوا الإذن بالغياب فسمح لهم ولكن اتضح فجأة أن الحكومة وراء خطة عاجلة لتقديم اقتراح لقفل الجمعية يوم الخميس 15 يونيو فباغتت بذلك المعارضة.
  2. لقد اتفقت الحكومة مع المعارضة على أن ترجئ المعارضة مناقشة خطاب الدورة في جلسة الاثنين 12 يونيو حتى تتمكن الحكومة من إعطاء بيان يناقش أمام الجمعية عن أحداث الشرق العربي وأن يكون نقاش خطاب الدورة بعد ذلك ولكن الحكومة لم تف بهذا الالتزام فأخلت به وكان هذا المسلك مفاجأة أخرى للمعارضة.).أ. هـ.

الخطأ السادس: يضاف لهذا خطأ سادس فادح وهو حل الجمعية قبل أوانها في 7 فبراير 1968م مما أطاح بعملية مناقشة مسودة الدستور وأجريت انتخابات وأتت جمعية جديدة قررت أن تكوّن لجنة جديدة للدستور.

كل هذه الأخطاء كانت مسئولة عن تردي الأوضاع وضيق الناس بكل هذا العبث ونشدانهم للتغيير، وكثرون منهم لم يكن يهمهم هل يأتى التغيير على صهوة الدبابات أم من داخل النظام البرلماني. قال ضابط شرطة حول ذلك: (أشارت المعلومات لدى قسم الأمن الداخلي في ذلك الحين إلى أن العسكريين قادمون. وأن وقع أقدامهم يكاد يسمع في الخارج. غير أن كل الضباط لم يكونوا متحمسين لرفع تلك المعلومات باعتبار أن الضعف الذي أصا بالحكومة قبل مايو كان يحتاج إلى إزالة وباعتبار ان كل من يقوم بذلك يكون قد قام نيابة عن الجميع بدور بطولي). (فضل الله ص 10)

خلاصة:

تشكل هذه الفترة من تاريخ السياسة السودانية من أهم مستودعات الدروس والعبر في الحياة الديمقراطية. فهي تشير إلى ضرورة الديمقراطية داخل الأحزاب كشريطة مسبقة لنجاح الديمقراطية النيابية على المستوى العام. وقد خاض حزب الأمة إبانها معركة الديمقراطية الداخلية ولكن هذا لم يكن بلا ثمن بحيث ألقى بظلاله على خارطة السياسة السودانية المتبدلة، ودخل الحزب جراء ذلك في الانشقاق الأول من نوعه الذي قام بأسباب ذاتية. ومن الدروس بالغة الأهمية أيضا ضرورة ضبط العلاقة بين الحزب من جهة والكيان الديني الشعبي المساند (كيان الأنصار) من جهة أخرى بحيث يحتفظ الحزب باستقلالية القرار ومؤسسيته.

شارك الحزب في هذه الفترة في حكم البلاد في حكومات ائتلافية متعاقبة كان في بدايتها موحدا، وما لبث أن انقسم فكان أحد جناحي الحزب يقود الحكم بينما الآخر يقود المعارضة. وحينما أدرك ضرورة التوحد على الأسس الديمقراطية السليمة أجهضت الثمار المرجوة لذلك عبر انقلاب مايو 1969م.

أما على المستوى العام فقد كانت تحضيرات هذه الفترة في دراسة قضية الجنوب هي أساس الحل السلمي الذي تم التوصل له لاحقا، وفي المقابل فقد شكلت حادثة حل الحزب الشيوعي السوداني في نوفمبر 1965م، وكذلك خرق الدستور وإلغاء الجمعية التأسيسية في فبراير 1968م قبل فراغها من إجازة الدستور، شكلت سوابق سيئة اعتبرت جزءا من مشاكل التجربة الديمقراطية التي مهدت لتقويضها عبر الانقلاب العسكري.

 

المراجع:

  • خطب وكلمات السيد رئيس الوزراء 1966-1967م
  • كتاب الانشقاق في حزب الأمة بالوثائق 1962- 1966م
  • أمين التوم ذكريات ومواقف
  • إبراهيم الحاج موسى التجربة الديمقراطية وتطور نظم الحكم في السودان
  • محمد محمد احمد كرار سنوات الغيبوبة: الحزب الشيوعي السوداني سنة أولى مايو الطبعة الأولى ديسمبر 1987م.
  • محمد عمر بشير- ترجمة هنري رياض، الجنيد علي عمر ووليم رياض مشكلة جنوب السودان: خلفية النزاع ومن الحرب الداخلية إلى السلام- دار الجيل بيروت ودار المأمون الخرطوم- 1983م
  • غراهام ف توماس – ترجمة عمران أبو حجلة: السودان موت حلم دار الفرجاني الطبعة الأولى 1994م
  • إفادة السيد عز الدين علي عامر في ندوة عطاء الإمام بمناسبة العيد السبعيني للإمام الصادق المهدي- ديسمبر 2005م.
  • العديد من البيانات والوثائق الموجودة في قسم الوثائق بالموقع.
  • أعداد من صحيفة الرأي العام بتاريخ 27/11/1964م- 15-16 و17 مايو 1967م.
  • Eprile, Cecil, War and Peace in the Sudan 1955-1972 David & Charles Newton Abbot, London, 1974