برنامج عمل مشترك من أجل القدس

بسم الله الرحمن الرحيم

ملتقى القدس الدولي

اسطنبول- تركيا في الفترة من 15-17 نوفمبر 2007

برنامج عمل مشترك من أجل القدس

الإمام الصادق المهدي

 

قضية فلسطين قضية جامعة الأبعاد وطنية، وقومية، وإسلامية، وإنسانية وقطب الرحى فيها مدينة القدس أولى القبلتين وموطن ثالث الحرمين. في مداخلتي هذه أبين الحقائق الحالية ثم أقدم مقترحا بخطة التحرك المطلوب.

  • حقائق الموقف في القدس:

تنطلق قضية القدس من الحقائق الآتية:

  1. أرض فلسطين التي أقيمت عليها دولة إسرائيل عام 1948 أرض مغصوبة طرد منها أهلها وما زالوا ينتظرون حق العودة.
  2. اغتصاب أرض فلسطين الأول- 1948- اكتسب شرعية بموجب قانون دولي جائر إن وفر الحق القانوني الدولي لم يوفر الأخلاقي. إنه قرار قانوني ولكنه ليس عادلا.
  3. اغتصاب أرض فلسطين الثاني– عام 1967- أدى لضم أراضٍ فلسطينية لإسرائيل بموجب الاحتلال المجرد من أية قانونية دولية.
  4. هنالك خلافات حول المستقبل الفلسطيني ولكن الحد الأدنى لسلام عادل يوجب الأسس الآتية:
    • الانسحاب الإسرائيلي من كامل الأراضي المحتلة عام 1967م وإلغاء كافة الإجراءات التهويدية التي اتخذت.
    • تصفية المستوطنات التي أقيمت في الضفة الغربية وقطاع غزة.
    • حق العودة لأهل فلسطين على أن يستمتع الفلسطينيون بحق المواطنة المتساوي.
    • تقرير الشعب الفلسطيني لمصيره وحقه في إقامة دولة كاملة السيادة.
  5. القدس مدينة مقدسة للأديان الإبراهيمية الثلاثة وأولى الناس بالسيادة العامة عليها هم المسلمون لأنهم يعترفون باليهودية والمسيحية وهم أولى باحترام حق كل ملة في إدارة مقدساتها.
  6. هنالك دعاوي حول موقع الهيكل اليهودي الذي دمره الرومان عام 70م، ومنذ عام 1909 في التاريخ الحديث بدأ التنقيب عن موقع هذا الهيكل. ومنذ احتلال القدس في عام 1967م تكثفت الحفريات على مراحل. الهدف الرئيسي من الحفريات هو إثبات روايات في العهد القديم (التوراة) بأن القدس كانت عاصمة المملكة الموحدة وأن داؤد (695ق.م) قد سيطر في السنة الثامنة من حكمه على أورشليم التي كان يقيم فيها اليبوسيون واتخذها عاصمة له وشيد فيها عدة منشآت منها: قصر، ومذبح، وبيت الجبابرة، وبرج داؤد، وتؤكد روايات العهد القديم أن أورشليم اليبوسية كانت مدينة مسورة وأن داؤد تمكن من الاستيلاء عليها دون إلحاق أي ضرر بالسور. ولكن كافة الاجتهادات الأثرية أوضحت أن أورشليم في عهد اليبوسيين وداؤد كانت قرية صغيرة غير مسورة.

وقال المؤرخ الأمريكي توماس طومسون: إن إسرائيل التي يقدمها العهد القديم تقف في تباين حاد مع إسرائيل التي نعرفها من العمل الآثاري الميداني (2001).

  1. الحقائق العلمية لم تمنع وجود تيار مسيحي صهيوني يصدق نصوص العهد القديم دون مراعاة للحقائق، وبما أن لهذا التيار أثر كبير على يمين الحزب الجمهوري الأمريكي نشأ تحالف بينه وبين اليمين الإسرائيلي فأدى ذلك لتصريح الرئيس الأمريكي بوش عام 2004 وقوله: لا لعودة اللاجئين الفلسطينيين- لا لعودة القدس لأهلها- لا لحدود 1967م- لا لتفكيك المستوطنات.

هذا التحالف يعمل على فرض رؤيته على منطقة الشرق الأوسط الكبير- أي العالم الإسلامي- متخذا إلى ذلك ثلاث وسائل:

  • فرض قيادات مدجنة في أقطار المنطقة.
  • عزل قوى المعارضة والمقاومة للهيمنة والقضاء عليها.
  • تعميق الفروق في العالم الإسلامي لا سيما بين أهل السنة والشيعة.
  1. الإطار الديني بالنسبة للأرض المقدسة خلافي فاليهود مع أن غالبيتهم اليوم لا تؤمن بالله بنسبة 85% يؤمنون بأن الله قد وهبهم هذه الأرض!. المسيحيون يتطلعون لعودة السيد المسيح عليه السلام في الأرض المقدسة ليقيم مملكة السماء. المسلمون يعتقدون أن الإسلام هو آخر حلقة في الدين الإبراهيمي وأن التوراة والإنجيل بشرا برسالة محمد (ص) وأنه أرسل للناس كافة وأن الأرض المقدسة ملك لأهلها المقيمين فيها كسائر الأرضين، وأن للمواقع المقدسة لأهل الأديان الثلاثة قدسيتها.
  2. لا سبيل في الزمن المنظور أن يسلم الآخرون برؤية أحد الأديان بالحجة والبرهان، ولا سبيل لحسم هذا الأمر بالقوة، والحل الوحيد والعقلاني هو الاحترام المتبادل للمقدسات وحسم المطالب السياسية على أساس حقوق الشعوب في السيادة على الأراضي التي تقيم فيها فعلا بصرف النظر عن دعاوي لا يسلم بها الكافة.

 

  • برنامج العمل المشترك:

انطلاقا من هذه الحقائق فالواجب يلزمنا بالخروج ببرنامج عمل مشترك يقوم باستنهاض رسمي لكافة الدول في إطار مؤتمر الدول الإسلامية (أي أوسع من الاستنهاض القائم في إطار جامعة الدول العربية فحسب) ويشرك منظمات المجتمع السياسي والمدني فيها كافة فلا يكتفي بالبعد الرسمي للدول. تكون لبرنامج العمل المشترك المقترح آلية تنفيذية، ويستند على المبادئ الآتية:

أولا: السلام العادل أو المقاومة: الالتزام بمبادئ السلام العادل وإلا فمقاومة الظلم والاحتلال.

ثانيا: معادلة التضامن الإسلامي:  تضامن الأمة الإٍسلامية حول ما يجمعها من إيمان بكتاب واحد، ونبي واحد، ورسالة واحدة، والاتفاق على معادلة تعايش واعتراف متبادل فيما يفرق بيننا دون ذلك. تضامن مطلوب الآن بصورة أكثر إلحاحا للحيلولة دون استغلال أجندات الهيمنة الدولية والأجندة الصهيونية لانقسام الأمة للسيطرة على مصيرها. وقد قدمنا في هذا الصدد ميثاق (نداء المهتدين) المرفق ويمكن البناء عليه أو على أي نصوص أخرى تؤكد معادلة التعايش برغم الاختلاف المذهبي.

ثالثا: الوحدة الوطنية: هنالك مناطق ملتهبة في العالم الإسلامي – مثلا – فلسطين، العراق، لبنان، السودان، الصومال، أفغانستان، وغيرها. ينبغي العمل على سد الثغرات فيها عن طريق الوحدة الوطنية لا الاستقطاب الذي يستغله أعداء الأمة ضد شعوبها وأوطانها.

رابعا: ميثاق للجهاد: دعم المقاومة المشروعة للاحتلال والاغتصاب ورفض الخلط بينها وبين أعمال العنف العشوائي لأغراض سياسية ورفض اعتبارها “إرهابا”. وفي المقابل رفض العنف العشوائي الذي لا يلتزم بضوابط القتال في الإٍسلام واعتباره مروقا عن إجماع الأمة مهدرا لمصالح أهلها، والخروج بميثاق للجهاد يوضح معاني الجهاد وموجباته وشروطه في الإسلام.

خامسا: الملف النووي: الاتفاق على كفالة حرية المعرفة العلمية والتكنولوجية للكافة بما في ذلك النووية، والالتزام بضوابط عدم انتشار أسلحة الدمار الشامل، على أن تطبق بصورة كاملة لا انتقائية منعا للابتزاز النووي الذي يمارسه المالكون على الآخرين.

سادسا: الدعوة الإسلامية: تبيان أسس الدعوة للإسلام بالحسنى وبالحكمة وبالموعظة وبالعمل الثقافي والتربوي والتنويري والتنظيمي السلمي، ورفض الاستيلاء على السلطة بالقوة الغاشمة لا سيما الانقلاب العسكري والدولة البوليسية حتى لو رفعا شعار الإسلام باعتبار ذلك ترهيبا مناقضا لمقاصد الشريعة. والعمل على دعم التحول الديمقراطي داخل دولنا  والتزام الجميع بأسس العمل الديمقراطي ونتائجه.

سابعا: العلاقة مع الآخر: ضبط العلاقة بين الأديان وكفالة التعايش السلمي بينها داخل بلداننا وضمان حقوق الأقليات الدينية فيها، وضبط العلاقة مع الآخر الدولي القائمة على التعاون والمصالح المشتركة والالتزام بالشرعية الدولية مع رفض الهيمنة والعدوان، كذلك الدفاع عن حقوق الأقليات الإسلامية داخل البلدان ذات الأغلبية غير المسلمة، ورفض ما تتعرض له المقدسات الإسلامية من هجوم مستفز. والسعي لعقد ميثاق ينضم له كافة أهل الأديان لتنظيم علاقة التعايش والاعتراف المتبادل فيما بينها، ولتأكيد حريتها في الدعوة والتبشير بعيدا عن الإكراه، ولتعاونها من أجل إغناء المسيرة الإنسانية بالقيم الروحية، وقد قدمنا في هذا الصدد (نداء الإيمانيين) المرفق كأساس للتداول.

ثامنا: دعم الموقف بالقدس: متابعة ما يجري في القدس وتوحيد المواقف لمواجهة الاغتصاب والتهويد، وذلك بتنظيم ودعم التعبئة لاسترداد القدس، والالتزام ببرنامج موحد، واستنفار كافة الدول والجهات والأفراد لتأمين الدعم المادي والأدبي المستمر في هذا الصدد.

تاسعا: الآلية التنفيذية: اختيار جماعة محدودة العدد من حكماء الأمة لمتابعة البرنامج المشترك والعمل على تحقيق أعلى درجة من التضامن الإسلامي العام ومن المساهمة في وضع حد للاستقطابات والمواجهات في بلدان المسلمين.

 

ختاما: واجبنا التضامن من أجل قضية القدس بصفة خاصة والاهتمام بالقضايا العالقة التي تدخل في النهاية في العمل المطلوب.