خطبة عيد الأضحى المبارك 19 ديسمبر 2007م

بسم الله الرحمن الرحيم

خطبة عيد الأضحى المبارك

الموافق العاشر من ذي الحجة 1428 – 19 ديسمبر 2007م

 

الخطبة الأولى

الله اكبر الله أكبر الله أكبر

اللهُمَّ إنِّي أحْمَدُكَ وأُثْنِي لَكَ الحَمْدَ يَا جَلِيلَ الذَاتِ ويَا عَظِيمَ الكَرَمِ، وأَشْكُرُكَ شُكْرَ عَبْدٍ مُعْتَرِفٍ بِتَقْصِيْرِهِ فِي طَاعَتِكَ يَا ذَا الإِحْسَانِ والنِعَمِ، وأَسْأَلُكَ اللَّهُمَّ بِحَمْدِكَ القَدِيْمِ أَنْ تُصَلِّيَ وتُسَلِّمَ عَلَى نَبِيِّكَ الكَرِيْمِ وعَلَى آلِهِ ذَوِيْ القَلْبِ السَلِيْمِ، وأَنْ تُعْلِيَ لَنَا فِي رِضَائِكَ الهِمَمَ، وأَنْ تَغْفِرَ لَنَا جَمِيْعَ مَا اقْتَرَفْنَاهُ مِنَ الذَنْبِ والّلمَمِ، وبعد،

قالَ تعالى عن إبراهيمِ عليهِ السلامُ: (فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ، فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ،  وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ،  قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ،  إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاء الْمُبِينُ ، وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ)[1].

أحبابِي في اللهِ وأخوانيِ في الوطنِ العزيزِ

ذكورا وإناثا كبارا وصغارا

بعضُنا يقفُ اليومَ بمنىً يؤدونَ مناسكَ الحجِّ وينحرونَ الهديَ، تقبَّل اللهُ سعيهَم وأعادَهم لبلادِهم سالمينَ. كانَتْ الذبائحُ لدىَ الأديانِ قبلَ الإسلامِ قرَابينَ طقوسيةٍ تُذبحُ وتُحرقُ في إشارةٍ لقَبُولِ آلهتِهِم لهَا وَعَلى هذا النمطِ فَهِمَ إبراهيمُ عليهِ السلامُ الأمرَ الإلهيَّ لذلكَ همَّ بذَبْحِ ابنِهِ وحرْقِهِ.

الإسلامُ يمثّلُ درجةً أعلَىَ مِن الدِّيانةِ. لذلكَ لمْ تَعُدْ الذبيحةُ عندنَا قُرباناً طقوسياً بلْ هديةَ رمزيةَ للهِ لا تُحرقُ كما كانَ يفعلُ الأقدمونَ بقرابينِهِِم. (لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ)[2]. وهيَ إلىَ ذلكَ تُؤدِّي دوراً اجتماعياً ينتفعُ بهِ الناسُ لذلكَ صارَ من السنّة أنْ نهدِيَ ضحيةً سالمةً فلا تكون عرجاءَ ولا هتماءَ ولا صمَّاءَ ولا جربَاءَ، أي تكونُ خاليةً من العيوبِ. ومِن بابِ أوْلىَ ألا تكون مريضةً بداءِ الوادِي المتصدِّع ِفإنْ كانتْ هناكَ أيَّةُ شبهةٍ بوجودِ مرضٍ وبائيٍ فلا تجوز التضحيةُ بلْ تكفِي الصدقًةُ بثمنِها لأنَّ القاعدةَ  في دينِنِا: (َيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ)[3]، والحديثُ النبويُُّ: “لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ”[4].

فإذا كانتْ الضحيةُ سالمةً فمنَ السنّةِ أنْ تُذْبَحَ بعدَ صلاةِ العيدِ وفِي سائرِ أيامِ التشريقِ. ويُستحسنُ أنْ يأكلَ صاحبُها وأسرتُهُ ثلثَهَا، وأنْ يَهديَ لجيرانِهِ وأصدقائِهِ ثلثَها، وأنْ يتصدّقَ للفقراءِ والمساكينِ بثلثِها. وألا يُتاجرَ فِي لحمِها ولا جلدِها بل يتصدّقَ بالجِلدِ لوجهٍ من وجوهِ البرِّ.

أحبابي في الله وأخواني في الوطن العزيز.

الإنسانيةُ في تطوّرِها استطاعتْ أنْ تكشفَ منْ قوانينِ الطبيعةِ وأن تُسخّرَها لمنفعتِها. قوانينُ الطبيعةِ هي آياتُ عالمِ الشهادةِ المركّبةِ في الكونِ. قالَ عنها تعالََى: (قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى)[5]. وهي آياتٌ يستطيعُ الذينَ يستخدمونَ عقولَهم وينتفعونَ بتجاربِهم أن يكتشفوهَا وأن يسخروهَا سواء أكانوا مؤمنينَ أو غيرَ ذلكَ. ولكنْ مع اتّحادِ الرؤيةِ البشريّةِ في كشفِ قوانينِ الطبيعةِ وتسخيرِها فإنّهُمْ يختلفونَ حولَ ثلاثةِ أمورٍ هيَ:

  • حقائقُ عالمِ الغيبِ.
  • حقائقُ القيمِ الأخلاقيّةِ.
  • حقائقُ المشاعرِ العاطفيةِ.

الإسلامُ يقومُ في مجالِ عالمِ الغيبِ على التوحيدِ للهِ. وفي مجالِ الأخلاقِ على مبادئ متدرجة أدناها المعاملة بالمثل وأعلاها الإيثارِ،  وفي المجالِ العاطفيِّ على الحبِّ والرحمةِ.

والإسلامُ يقولُ: هذه الحقائقُ مغروسةٌ في الفطرةِ الإنسانيةِ. ويقولُ إنَّها مشتركةٌ في كافةِ أديانِ الوحيِ. والإسلامُ يبشِّرُ بيومٍ آتٍ فيه تتّحدُ الإنسانيةُ طوعاً حولَ هذه القوانينِ الثلاثةِ. قالَ تعاليَ: (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ)[6].  و(هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)[7].

أحبابي، وأخواني

بعد الصدرِ الأولِ الإسلاميِّ تردَّى حالُ المسلمينَ فصارُوا عرضةً لركودِ الفكرِ، وفسادِ المجتمعِ، واستبدادِ الحكمِ.

تصدّى المجتهدونَ، والمجدِّدونَ، والمجاهدونَ لتلكَ الحالاتِ رافعينَ راياتِ الإصلاحِِ والتجديدِ وحققوُا ما حققوُا. وبينَما تردتْ مُجتمعاتُنا، استفادتْ أوربَا من المكتشفاتِ العلميةِ والتكنولوجيةِ فأقامُوا نظمَ حكمٍ نفتْ حُكمَ الفردِ وحفلت بالمساءلةِ والمشاركةِ والشفافيةِ، ونُظمَ اقتصادٍ سخّرتْ الطاقاتِ البخاريةَ والكهربائيةَ في الاستثمارِ والإنتاجِ. ونظماً عسكريةً ذاتَ كفاءةٍ ناريةٍ وضبطيةٍ عاليةٍ. لذلكَ استطاعُوا أن يغزُوا السلطناتِ الإسلاميةَ الثلاثَ: العثمانيةَ، والصفويةَ، والمغوليةَ، فأطاحُوا بِها، وفرضُوا على شعوبِها تسلطاً امبريالياً.

نهضَ ضدّ هذا السلطان الإمبرياليِّ مجاهدون لتحريرِ الشعوبِ الإسلاميةِ وتوحيدِها وبعثِ الإسلامِ فيها: أهدافٌ نادَى بها كثيرٌ من المجاهدينَ وجسّدتْهَا في السودانِ دعوةُ الإمامِ المهديِّ عليهِ السلامُ.

وقع سجالٌ طويلُ الأمدِ بين حركاتِ الجهادِ والإمبرياليةِ في مشارقِِ الأرضِ ومغاربِها. سجالٌ حسمتهُ الإمبرياليةُ لصالحِها بفضلِ قدراتِها العسكريةِ الفائقةِ. انتصرُوا وبثُّوا في ديارِنا أفكارَهم وثقافاتِهم التي أُعجبَ بها كثيرٌ منا فقالُوا: علينَا إتباعُ الغربِ لأنهُ يمثلُ مستقبلَ الإنسانيةِ. وقالَ آخرونَ: نحنُ نحبُّ الغربَ ونكرهُ الشرقَ. هذه المشاعرُ جعلتْ كثيرينَ يُعلنونَ إتباعَ الغربِ شبراً بشبرٍ علىَ نحوِ ما فعلَ كمالُ اتاتوركْ في تركيَا. والشاهنشاهُ في إيرانِ والسير أحمدُ خان في الهندِ.

تصدَّى لهذا الزحفِ العلمانيِّ كثيرونَ أمثالُ الشيوخِ: جمالُ الدينِ الأفغانيِّ، أبُو الأعلىَ المودوديُّ، حسنُ البنّا آيةُ اللهِ الخمينيُّ، وغيرُهم من الذينَ رفعوا الشعارَ الإسلاميَّ في وجهِ التمددِ العلمانيِّ برافديهِ اللبراليِّ واليساريِّ.

هذا التمددُ العلمانيُّ أخذَ أشكالاً كثيرةً وطنيةً، وقوميةً، ولبراليةً، واشتراكيةً. تمددَّ وتمطَّي ثم خبَا وأقدمَ على الإحلالِ محلِّه تمددٌ إسلاميٌّ أيقظتهُ الأشواقُ للماضيِ التليدِ، والحاجةُ للمقاومةِ. هذا التمددُ الإسلاميُّ الذي أعقبَ انكسارَ موجةِ التمددِ العلمانيِّ تعلّقَ بالعمومياتِ والشعاراتِ وكانَ فعالاً في المعارضةِ والاحتجاجِ، ولكنهُ كانَ متواضعَ العطاءِ لدى تولّي أصحابِه ولايةَ الأمرِ، وذلكَ لتمسّكهِ بالعمومياتِ وخلوِّه من البرامِجَ.

وللخروجِ من هذه الحالةِ الشعاراتيةِ صار الحركيونَ الإسلاميونَ الآنَ يتطلعونَ لأحدِ برنامجين: برنامجُ القفزِ للوراءِ تطلعاً لنظامٍ أبويٍ ترسمُ معالمَهُ اجتهاداتُ جمهورِ الأقدمينَ في ظلِّ خلافةٍ مستمدةٍ من تجارِبَ ماضويةٍ على نحوِ مقولةِ طالبانِ والقاعدةِ وغيرِهما.  وبرنامجُ القفزِ للإمامِ تطلعاً لنظامٍ مدنيٍ بمرجعيةٍ إسلاميةٍ على نحوِ ما تدلُّ عليه التجربةُ التركيةُ الجديدة والماليزيةُ.

أحبابي وأخواني

تنادَى كثيرٌ من دعاةِ هذا التوفيقِ بينَ التزاماتِ التأصيلِ وضروراتِ التحديثِ لتكوينِِ منتدىً باسمِ الوسطيّةِ الإسلاميّةِ العالميةِ. وفي دمشقَ العاصمةِ السوريةِ في الأسبوعِ الأولِ من شهرِ ديسمبرَ الجارِي عقدْنَا اجتماعاً للمكتبِ التنفيذيِّ لهذا المنتدَى الذي يَضمُّ حركاتٍ، ومنظماتٍ، وعلماءَ، ومفكرينَ درسُوا ثم أجازُوا برنامجاً للمرحلةِ القادمةِ.  فيمَا يلي صورةٌ لمعالمَ الوسطيةِ الإسلاميةِ المنشودةِ:

أولاً: التزامُ الحكمةِ في تناولِ الأمورِ فالتشدُّدُ في مواقعِهِ، والتساهُلُ في مقتضياتِه مراعاةَ لظروفِ الزمانِ والمكانِ. (وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا)[8].

ثانياً: التعاملُ مع الآخرينَ بالحُسنَى. (ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ)[9].

ثالثاً: تناولُ الأمورِ بإحاطةٍ. (أَفَمَن يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّن يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ)[10].

رابعاً: تحرِّي مقاصدَ الأمورِ لأنَّ أيَّ أمرٍ يحققُ عكسَ مقاصدِهِ باطلٌ.

خامساً: التعلمُ من التجاربِ فاللهُ يقولُ: (أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ)[11] ، و(لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ)[12].

سادساً: نفيُ التعصُّبِ وهوَ أنْ تَرىَ أسوأَ ما عندَك أفضلَ من أفضلِ ما عندَ غيرِك. التعصب يعصب عن رؤية الحق: (وَقَالُواْ مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِن آيَةٍ لِّتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ)[13]

سابعاً: نفيُ التسرُّعِ. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا)[14]. وقالَ الحكيمُ:

بصيرٌ بأعقابِ الأمورِ كأنَّمَا                 تخاطِبُهُ منْ كلِّ أمرٍ عواقُبُه

تنزيلاً لهذا النهجِ الوسطىِّ علَى أرضِ الواقعِ نقولُ:

  • الحكمُ يقومُ على المشاركةِ والمساءلةِ والشفافيةِ وسيادةِ حكمِ القانونِ.
  • الاقتصادُ يقومُ علىَ التعميرِ والتثميرِ الذي تُوزَّعُ ثمارُهُ وخدماتُهُ توزيعاً عادلاً.
  • مبادئُ الإسلامِ في حقوقِ الإنسانِ والحريةِ تتماهى معَ مبادئِ المواثيقِ الدوليةِ.
  • الالتزامُ بأحكامِ الشريعةِ الإسلاميةِ القطعيةِ، تُشرّعُ بآليةٍ ديمقراطيةٍ وتستثنَي غيرَ المسلمينَ.
  • المسلمونَ يلتزمونَ بالقطعياتِ ويُسامحُ بعضُهم بعضاً في الاجتهاداتِ. وإذا كانَ جوهرُ دعوةُ أهلِ السنةِ هو إتباعَ سنةِ محمَّدٍ (ص) فكلُّ المسلمينَ أهلُ سنةٍ. وإذا كانَ جوهرُ دعوةُ الشيعةِ هو حبُّ آلِ محمَّدٍ (ص) فالمسلمونَ كلُّهم شيعةٌ. أما التفسيراتُ التي تزيدُ على ذلك فلا تلزمُ من لا يقولُ بها ولا تخدشُ في إسلامهِ.
  • كفالةُ حريةِ الأديانِ للكافةِ. وكفالةُ حريةِ الرأيِ ولكنَّ حريةَ الرأيِ لا تعنِي الإساءةَ للمقدساتِ ولا للثوابتِ الوطنيةِ.
  • إقامةُ العلاقاتِ الدوليةِ على السلامِ والتعاونِ. (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ)[15]

هذا لا يتناقضُ مع حقِّ المقاومةِ للظلمِ والاحتلالِ. ولا معَ الجهادِ بضوابطهِ الدفاعيةِ. وفي الملفِّ النوويِّ نحنُ مع تحريمِ انتشارِ أسلحةِ الدمارِ الشاملِ على أنْ يعمَّ تحريمُها الكافةَ. فلا يطبَّقُ هذا المبدأُ بصورةٍ انتقائيةٍ وإلا نكونُ نزعنَا سلاحَ العزَّلِ وسمحنَا للذينَ يمتلكونَ السلاحَ النوويَّ بممارسةِ الابتزازِ ضدَّ الآخرينَ. وتحريمُ أسلحةِ الدمارِ الشاملِ لا يعنِي حَجْرَ اكتسابِ المعرفةِ والتقنيةِ النوويةِ لاستخدامِها مدنياً.

هذا النهجُ هو السراطَ المستقيمُ وهو الوسيلةُ المُثْلى للنهجِ الإسلاميِّ والوسيلةُ المثلَى لحفظِ حقوقِ الأقلياتِ الإسلاميةِ في البلدانِ. وهو النهجُ الأمثلُ لإتاحةِ الفرصةِ لتمدُّدِ الإسلامِ سلمياً في العالمِ وهو ما يحدثُ الآنَ رُغمَ ضعفِ المسلمينَ السياسيِّ. ففي العامِ الماضِي أسلمَ 4 آلافِ ألمانيٍّ، والتجربةُ متكررةٌ في بلدانٍ أخرَى.

أحبابي وأخواني

النهجُ الوسطىُّ يوجبُ الإقدامَ على حلِّ الأزماتِ التي تواجهُ بلدانَنا في العراقِ، وفلسطينِ، وأفغانستانَ، والسودانِ، والصومالِ وغيرِها بنهجٍ يجانبُ الاستقطابَ ويحقِّقُ الوحدةَ الوطنيةَ كأفضلِ وسيلةٍ لتجنّبِ الاقتتالِ الأهليِّ، وتجنبِ التشظِّي، وقفلِ البابِ أمامَ التدخلِ الأجنبيِّ والتدويلِ.

النهجُ الوسطىُّ هذا يوجبُ السعيَ في أمرِ العلاقاتِ الدوليةِ لتحقيقِ أكبرِ درجةٍ مِن التضامنِ العربيِّ، والأفريقيِّ، والإسلاميِّ، وتحقيقِ أكبرِ درجةٍ من التعدديةِ فِي المجالِ الدوليِّ. تعدديةٌ تشملُ أوربَا، والصينَ، وروسيَا، وأمريكا اللاتينيةَ، بالإضافةِ للولاياتِ المتحدةِ.. هذا هو السبيلُ إلى توازنٍ ينفِي الهيمنةَ التي تقودُ حتماً للظلمِ.

الوسطيةُ هي الاجتهادُ الأكثرُ جدوَى لبعثِ هدايةِ الإسلامِ في تناغمٍ مع مطالبِ العصرِ. وهي التي سوفَ تعمّدُ الإسلامَ ديناً للإنسانيةِ كافةً تحقيقاً لرسالةِ النبيِّ (ص) الذي قال (اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ بَعَثَنِي رَحْمَةً لِلنَّاسِ كَافَّةً) وقوله تعالى (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ)[16].

تعاظَمَنِــي ذنبِي فلمَّا قرنتُه       بعفوكَ ربِّي كان عفوُكَ أعظمَا

إنَّ اللهُ يغفرُ الذنوبَ جميعاً فاستغفرُوا اللهَ.

 

الخطبةُ الثانيةُ

اللهُ أكبر.. اللهُ أكبَر.. اللهُ أكبَر

الحمدُ للهِ الوالِي الكريمِ، والصلاةُ على نبيِّنا محمدٍ وآلهِ وصحبِه مع التسليمِ، وبعدُ-

قالَ تعالََى: (قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي)[17].

استشعرَ العالمُ أن الأممَ المتحدةََ وحدَها لن تتمكنَ من تحقيقِ المقاصدِ العُليا التي نصَّ عليها ميثاقُها، لأنَّ الدولَ الكبرَى تحاولُ إخضاعَ المنظمةِ الدوليةِ لمصالِحِها، كما تستخدمُ حقَّ النقضِ لحمايةِ مصالِحِها ومصالحِ حُلفائِها. وسلوكُ الدولِ حوّلَ الأممَ المتحدةَ لتصيرَ الحكوماتِ المتحدةَ وغيّبَ الشعوبَ في إدارةِ الشأنِ العالميِّ. لذلك تعددتْ الآلياتُ التي تُحاولُ استنهاضَ الشعوبِ.

مؤخراً استطاعَ كيانُنا أن يُساهمَ في أدوارٍ هامةٍ في هذا الصددِ:

  • ففي بروكسِلْ في نوفمبر الماضِي وعبرَ معهدِ الشرقِ والغربِ كوّنّا منبرَ الدبلوماسيةِ الوقائيةِ لتبيانِ مناطقِ التوترِ في العالمِ والتصدِّي لهَا لكيلا تتفجرَ نزاعاتٍ داميةً.
  • وفي مجالٍ آخر تكوَّن مجلسُ حكماءِ أفريقيَا الذي ضمَّ كيانَنَا مع شخصياتٍ أفريقيةٍ في قمةِ القارةِ.
  • وفي الدوحةِ تكوَّنت قبل شهورٍ مؤسسةُ الديمقراطيةِ العربيةِ لدعمِ التحوُّلِ الديمقراطيِّ في العالمِ العربيِّ بإمكاناتٍ ذاتيةٍ عربيةٍ.
  • وفي دمشقَ في بدايةِ ديسمبر الجارِي كونّا المكتبَ التنفيذيَّ للوسطيةِ الإسلاميةِ العالميةِ بهدفِ استنهاضٍ إسلاميٍ يقدمُ بديلاً للغلوِّ الإسلامويِّ والغلوِّ العلمانويِّ.
  • وفي دبي في الأسبوع الثاني من ديسمبر الجاري اجتمع مجلس محافظي المجلس العربي للمياه وهو تجربة فريدة تضم وزراء الري في الدول العربية وممثلين لبيوت خبرة وممثلي منظمات دولية وشخصيات مهتمة بالمياه وبعد تداول وضعنا برنامجا لمواجهة مشكلة المياه العذبة التي تعاني منها المنطقة. واتفق أن تهتم البلدان العربية بالاتفاق على أهداف خاصة بها للألفية الجديدة: أهداف تنموية ومحاربة الفقر ودعم الخدمات الصحية والتعليمية. واتفقنا على إقامة معهد للمياه فريد في نوعه بما يحقق من تأهيل وتدريب ومحو الأمية المائية لدى متخذي القرار السياسي.

أحبابي وأخواني

يرسل نادي مدريد وهو هيئة تضم 66 من رؤساء الدول والحكومات الديمقراطيين السابقين بعثات لثلاث ممالك عربية هي: المغرب والأردن والبحرين لإجراء حوار مفتوح مع القوى السياسية والمدنية والسلطات للتعرف على برامج الإصلاح السياسي فيها، ومستوى الحوار بين كافة الأطراف حولها وما ينبغي عمله لدعم الإصلاح وتجنب الاستقطاب. وانتزاع الدروس المستفادة من هذه التجارب.

عالمنا الكبير، وعوالمنا العربية، والأفريقية، والإسلامية تتجه لدراسة الأسباب التي تعرقل التنمية البشرية في بلداننا، وما يطيح بالأمن والاستقرار.

ما يدور في تلك العوالم محمل بالدروس والعبر لنا في السودان كما أن في تجربتنا السودانية دروسا للآخرين.

التجربة السودانية الراهنة تقول إن فرض الرأي الحزبي الواحد على مجتمع متعدد الأديان، والثقافات، والأحزاب، والمذاهب يؤدي حتما لاستقطاب حاد يندفع بالبلاد نحو التشظي ويفتح أبواب التدويل.

والتجربة السودانية الراهنة تقول إن معالجة النزاعات الحادة باتفاقيات سلام ثنائية بضمان أجنبي تحبس الاتفاق في مصالح موقعيها الحزبية وتحقق:

  • تركيزا على المصالح الحزبية دون العامة.
  • تعريضا للاتفاق للنقض إذا خالفه أحد الطرفين.
  • تجعله سابقة تشجع أطرافا مغيبة لتسعى بالعمل المسلح لنفس المكاسب.
  • تحرم الاتفاق من مرجعية وطنية داخلية وترهنه للضمانات الخارجية.

تأسيس الاتفاقات المصيرية على المشاركة الوطنية الواسعة ينقل التركيز من المصالح الحزبية الضيقة، ويحيطه بمقاييس موضوعية تحول دون النقض المتبادل وتعم الآخرين فلا يكون لهم عذر في مخالفته.

إن الاحتكام للأجنبي حتى إذا توافر فيه حسن النية فإنه يجهل دقائق الحالة السودانية، وهو بتكوينه الحالي لا يخلو من انحياز، ويخلو من توازن: كل الصيد في جوف الفرا الوطني!:

وذي علة يأتي عليلا ليشتفي به           وهو جار للمسيح بن مريم

قضى شريكا نيفاشا عامين وزيادة في حرب باردة رغم التوقيع على اتفاق نيفاشا في يناير 2005. ومنذ شهرين زادت سخونة الحرب الباردة بينهما وتبادلا كل اتهام وإدانة واحتكام للخارج. ثم أخيرا اتفقا اتفاقا نرحب به لأن النزاع يضرهما ويضر البلاد ولكن للأمر ما بعده. ونرحب باتفاقهما على النهج القومي الذي أكدته لنا قبل ذلك قيادة المؤتمر الوطني. والمساعي جارية للتواصل مع الحركة الشعبية في نفس الاتجاه وعلى أية حال هنالك ثلاثة أنواع من المشاكل (تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ، كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ)[18] هي:

  • مشاكل شمالية/ شمالية.
  • مشاكل جنوبية /جنوبية.
  • مشاكل دولية سودانية تدور حول ثلاثة أمور: مع مجلس حقوق الإنسان – ومع المحكمة الجزائية الدولية- ومع مجلس الأمن. وكلها مشاكل يمكن للنهج القومي أن يحلها.

أحبابي وأخواني

الفجر يطلع بعد أحلك ساعات الليل ظلاما. إذا أريد لهذا الظلام أن ينجلي فأمام السودان فرصة ذهبية إذا تخلى أهله تماما من مناورات الكسب الحزبي الزائف وأقدموا على معادلة كسبية يربح كل أطرافها ويربح الوطن المنكوب.

المشاكل السودانية بكل أبعادها وجهاتها أصبحت واضحة، والمطالب المشروعة لكافة الأطراف كذلك واضحة، ومهما اختلفت القوى السياسية والمدنية السودانية فإنها ما زالت متصلة ببعضها بلا قطيعة. وقوى العمل المسلح صارت تدرك أن السلاح يحقق شيئا وتستعصي عليه أشياء. والإرادة الدولية صارت تدرك أن لها دورا هاما ولكنه قاصر ما لم يمر عبر إرادة الأطراف الوطنية.

من هذا المنطلق يتضح تماما لكل من (لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ)[19] أنه لا مجال لطرف أن يفرض رؤيته على الآخرين. لذلك فالمجال متاح لمعادلة كسبية تربح كل أطرافها:

  • المؤتمر الوطني يربح أنه فتح باب التحول الديمقراطي. ويربح أنه حول كل التجربة السودانية لمساءلة إنصاف ومصارحة وتعافي تشمله مع الآخرين منذ الاستقلال، ويحقق لأدائه تقويما موضوعيا خاليا من مرارة التشفي، ويكتب لنفسه عمرا جديدا في نطاق ما يمنحه له الشعب من ثقة في انتخابات عامة حرة.
  • الحركة الشعبية تؤمّن ما حققت للجنوب من مكاسب قوميا وتحقق لدورها تقويما موضوعيا. وتحتل لنفسها مكانة في الجنوب خاصة وفي السودان عامة بما يمنحها الشعب من تأييد انتخابي.
  • والقوى السياسية والمدنية السودانية تنعم بالسلام العادل الشامل، وبكفالة الحريات العامة. وبنظام دستوري ديمقراطي، وتحظى بما يمنحه إياها الشعب من تأييد، وتساهم بما لها من قدرات في بناء الوطن.
  • الأحزاب المسلحة تحقق علاجا لأسباب التظلم وتنعم بالعدالة السياسية والاقتصادية والخدمية والإدارية وتعويض الضحايا فرديا وجماعيا.
  • والسودان الوطن الأم الذي تمرغ اسمه وصار صنوا للاضطرابات والأزمات ينتقل بسرعة وعناية أسرع الحاسبين من مثل التردي إلى مثل الجدوى، ويتجه الحكم فيه بجدية لعلاج قضايا المعيشة والعطالة وتردي الخدمات التي بلغت درجة لا تطاق.
  • والأسرة الدولية إن هي تخلت من المواقف المبنية على تشخيص خاطئ، وأيدت طفرة السودان من مستنقع الهوان إلى بر الأمان سوف تنعم بالإشراف على قصة نجاح تغطي على قصص الفشل التي صحبت مبادراتها في عوالمنا.

أقول يا ولاة الأمر توجوا حواركم مع الآخرين بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، ورد اعتبار المشردين من وظائفهم المدنية والنظامية، وألغوا القوانين المقيدة للحريات وارفعوا العقوبات التي فرضت على أصحاب الرأي الآخر دون محاكمات عادلة، أما ما حدث في تفريق المحتشدين لحضور محاكمة السيد علي محمود حسنين ومن معه، بتسليط الكلاب على الأسر والأطفال فصفحة بغيضة من أساليب جنوب أفريقيا العنصرية لا تليق بالإسلام ولا السودان، وادفعوا الاستحقاقات المطلوبة للوحدة الوطنية. إنه نهج سوف يحقق تجاوبا شعبيا واسعا يبرح به الوطن خانة النحس ويركب به الوطن سفينة السعد.

قال النبي (ص): “إِنَّ لِرَبِّكُمْ عَزَّ وَجَلَّ فِي أَيَّامِ دَهْرِكُمْ نَفَحَاتٍ ، فَتَعَرَّضُوا لَهَا”[20] وقال حكيم السكسون:

فرصُ  الدهرِ كموجِ البحارْ

ركوبُها فلاحٌ وتركُها وبالْ!

ختاما:

يأتي العيد وقد ضربت الكوارث العديد من بقاع الوطن الحبيب بعضها من صنع الإنسان كالحروب الدائرة رحاها الآن في دارفور ومنطلقة شراراتها شرقا، والكوارث الطبيعية كالسيول والفيضانات التي اجتاحت أغلب مناطق البلاد، ومنها منطقة النيل الأبيض هذه  التي ابتليت بكارثة أخرى هي وباء حمى الوادي المتصدع. لذلك عزمنا أن نصلي العيد معكم في الجزيرة أبا إحياء لسنة قديمة ولعيادتكم وتفقد أحوالكم.

لقد سجلت الجزيرة أبا باسم الإمام عبد الرحمن الذي ساعده أجدادكم على تعميرها. وقررنا نحن ورثة الإمام عبد الرحمن من ثلاثين عاما أن تؤول ملكيتها لسكانها لذلك عندما أعيدت أملاك الإمام الراحل عبد الرحمن لورثته طلبت من السلطات استثناء الجزيرة أبا لكي تؤول لسكانها واستثناء مجمع بيت المهدي لكي يؤول لكيان الأنصار وقد كان وتم الاستثناء وصار علينا الآن تقننين هذه الحقوق لأصحابها.

ولذلك لا يجوز أن تعتبر الجزيرة أبا ملكا للحكومة تفعل به ما تشاء بل يجب أن يكون المتصرف فيها هم سكانها، وفي تداولنا مع الحكومة الآن نسعى لرد الحق لأصحابه، وعلينا جميعا أن نتفق على الشكل القانوني الذي ينظم ملكية سكان أبا الجماعية للجزيرة أبا.

لنتبادل التهاني ونتبادل الصفح والتعافي فإن ديّاننا سبقت رحمته غضبه، وعلى كثرة أسمائه الحسنى فرض علينا بالبسلمة أن ندعوه 17 مرة على الأقل في اليوم باسميه الرحمن الرحيم.

اللهم يا جليلا ليس في الكون قهر لغيره، ويا كريما ليس في الكون يد لسواه، ولا إله إلا إياه. بحق الطواسين، والحواميمِِ، والقافات، والسبع المنجيات، وآل يس، وخواتيم آل عمران نور قلوبنا أفرادا وكيانا، رجالا ونساء، واغفر ذنوبنا أفرادا، وكيانا، ووفق جهادنا أفرادا وكيانا لبعث هداية الإسلام في الأمة، وحماية الوطن من كل فتنة وغمة، اللهم أنت تعلم أن كياننا قد انفرد بالصمود في وجه الابتلاءات والتصدي للموبقات فواله بلطفك يا لطيف لنصرة الدين ونجدة الوطن. (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاء وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ)[21]. (إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا )[22] يا مغيث أغثنا ويا نورٌ بالتقوى نورنا ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

 

السلام عليكم

 

 

[1] سورة الصافات الآيات 102-108

[2]  سورة الحج الآية (37)

[3]  سورة الأعراف الآية 157

[4]  متفق عليه

[5]  سورة طه الآية (50)

[6]  سورة فصلت الآية(53)

 [7] سورة الصف الآية (9)

[8]  سورة البقرة الآية (269)

[9]  سورة النحل الآية (125)

[10]  سورة الملك الآية(22)

 [11]   سورة يوسف الآية (109)

[12]  سورة يوسف الآية (111)

[13]  سورة الأعراف الآية (132)

[14]  سورة الحجرات الآية (6)

[15]  سورة الممتحنة الآية (8)

[16]  سورة الأنبياء الآية (107)

[17]  سورة يوسف الآية (108)

[18]  سورة المرسلات الآيات (32)و (33)

[19]  سورة ق الآية (37)

[20]  رواه مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ

[21] سورة يوسف الآية (110)

[22] سورة الحج الآية (38)