جمع الصف الوطني في السودان

بسم الله الرحمن الرحيم

جمع الصف الوطني في السودان

14 مايو 2007م

 

صفات السودانيين الإنسانية الحميدة والذميمة كثيرة. ولكن لا خلاف أن أهم صفتين إنسانيتين إيجابيتين يتصفون بها هما الكرامة والتسامح.

أسعف التسامح السودانيين مرات في التاريخ الحديث: ففي منتصف القرن العشرين بلغ الخلاف حول مستقبل السودان أيكون مستقلا أم متحدا مع مصر أشده. رغم ذلك اجتمعت الأحزاب السودانية في فبراير 1953م على رؤية كانت الأساس الذي قامت عليه الاتفاقية المصرية البريطانية فيما بعد والتي رسمت الطريق للحكم الذاتي وتقرير المصير الوطني. ومرة أخرى بلغ النزاع الوطني أشده قبيل تقرير المصير فأجمعت القوى السياسية في ديسمبر 1955م على إعلان استقلال البلاد من داخل البرلمان. واشتدت المواجهة في عهد نظام الفريق إبراهيم عبود، ولما ووجه بوحدة السودانيين في الجبهة الوطنية المتحدة وجبهة الهيئات أقدم على حل مؤسسات حكمه العسكرية وعقد ملتقى جامع عسكري سياسي مدني خطط بإجماع الرأي لتصفية الحكم العسكري وتحقيق التحول الديمقراطي، وهلم جرا.

يعيش السودان منذ انقلاب يونيو 1989م الإسلاموي النافي للآخر استقطابا حادا داخل الجسم السياسي الشمالي وفيما بين الشمال والجنوب.

عندما اعتقلت في 5 يوليو 1989م وجدوا في جيبي خطابا موجها للسلطة الجديدة خلاصته أن مشاكل السودان الرئيسية ليست من صنع النظام السياسي فهناك قضايا التأصيل والتحديث، والتنمية، والحرب الأهلية، وهي قضايا مصيرية لا يمكن لأحد الأطراف الوطنية حلها منفردا وبالقوة الجبرية، وإن استبطأتم أسلوب الديمقراطية في حلها فلا مفر من حلها ديمقراطيا بمشاركة كافة القوى الوطنية، فأقدموا على ذلك ومعكم السلطة ومعنا الشرعية وجنبوا البلاد مزيدا من أسباب الاستقطاب والنزاع.

لم يهتم الانقلابيون في ذلك الوقت بهذه الرؤية وطبقوا سياسات عمقت الشرخ السياسي في الشمال وعقّدت الحرب الأهلية في الجنوب بإعطائها طابعا دينيا، واستعدت دول الجوار واستدعت موقفا دوليا معاديا.

في وجه هذا الاستقطاب المركب راجع النظام الانقلابي أجندته الأيدلوجية وبعد سلسلة من الاتفاقيات غير المجدية أبرم اتفاقية سلام نيفاشا (2005م) وجعل بنودها والدستور الذي انبثق منها الأساس الجديد للحكم في البلاد. وكانت هناك نزاعات في دارفور وفي شرق السودان. ومنذ عام 2003م تصاعد النزاع في دارفور وفتح فيما بعد جبهة حرب أهلية غربية. وفي مايو 2006م أبرمت اتفاقية أبوجا لسلام دارفور وفي أكتوبر 2006م أبرمت اتفاقية أسمرا.

هذه الاتفاقيات لم تؤد لسلام شامل عادل ولا لأساس مستقر للتحول الديمقراطي بل خلقت ثلاثة استقطابات هي:

  • استقطاب بين الموقعين عليها والمغيبين عنها من قوى سياسية ومدنية ومسلحة.
  • استقطاب بين الموقعين عليها أنفسهم حول تفسير بنودها ودقة تنفيذها.
  • اختلاف بين المنفذين السودانيين والمراقبين الدوليين.

وزاد الأمر تعقيدا أن المؤتمر الوطني المسيطر بموجب اتفاقية السلام على شمال البلاد يستمد مبرر وجوده من التزام إسلاموي أحادي الاجتهاد، وهذا يتناقض مع ما دعت إليه الاتفاقية من جعل الوحدة جاذبة كما أن تجاوزات النظام في دارفور وضعت المؤتمر الوطني في موقع تجريم دولي وملاحقات.

وهنالك نزاعات داخلية عديدة تدور حول الأمن والاقتصاد والخدمات، والنتيجة أن البلاد على شفا مواجهات داخلية وخارجية حادة.

في هذا الظرف الخطير نشطت هيئة جمع الصف الوطني واتصلت بكافة الأطراف الوطنية ثم قدمت للكافة توصياتها. أهم ما جاء في هذه التوصيات:

  1. الاعتراف بفداحة الأزمة التي تمر بها البلاد.
  2. تجاوز النمط الثنائي في تناول الحوارات الوطنية واقتراح منبر جامع لها.
  3. تجنب التبضع الخارجي لحل الأزمات الوطنية والحرص على سودانية المساعي.
  4. تحديد مبادئ معينة على أساس أنها ثوابت لا يجوز الاختلاف حولها مثل استقلال البلاد- وحدتها- الحكم الراشد- حقوق الإنسان.. الخ
  5. اقتراح تفاصيل حول من يرعى الملتقى الجامع، وترشيح جوبا بدلا من الخرطوم لضمان أمن الفصائل المسلحة الدارفورية.
  6. اقتراح أجندة بالمسائل الهامة المطلوب التداول حولها بهدف الاتفاق لأنها موضع خلاف.
  7. الصيغة التي ورد بها النص على هذه البنود مضللة لما يمكن أن يلحق بها من سوء فهم، لذلك اقترحنا أن يكون النص على بنود أجندة التداول محايدا فبدل النص الوارد في التوصيات:

الالتزام بالدستور والاتفاقيات- الالتزام ببنود نيفاشا في قسمة السلطة والثروة.. الخ يكون النص على بنود الأجندة كالآتي:

  • الدستور والاتفاقيات:
    • الدستور الانتقالي 2005م
    • اتفاقية نيفاشا
    • اتفاقية أبوجا
    • اتفاقية شرق السودان
    • اتفاقية القاهرة
  • أسس اقتسام السلطة والثروة في كل الأقاليم
  • التحول الديمقراطي
  • الاتفاق على القوانين البديلة
  • الانتخابات
  • قومية مؤسسات الدولة المدنية والنظامية
  • قضية المفصولين سياسيا، تعسفيا، للصالح العام وضحايا الخصخصة
  • المصارحة القومية والمساءلة
  • الحكومة القومية الانتقالية
  • قضية دارفور
  • الموقف من القرارات الدولية

ولكيلا يشعر أي طرف بالخوف من العزلة ينص على أن القرار بشأن البند المعني يكون بالإجماع.

هكذا يمكن أن يكون لهذا الجهد السوداني فرصة لتحقيق حل بإجماع الرأي حول السلام العادل الشامل والتحول الديمقراطي الحقيقي.

وبهذا النهج يحقق المجتمع السياسي والمدني السوداني مرة أخرى أنموذجا قابلا للقدوة في مناطق مشابهة.

أما إذا تخندق المؤتمر الوطني في خنادق التمكين الذي حققه لنفسه انقلابيا واستنسخه بصورة أخرى في اتفاقيات السلام وحرص على السعي لمرحلة ثالثة من التمكين عبر انتخابات مطبوخة فإنه سوف يعد بذلك المسرح لانتفاضة شعبية ضده.

الإجماع الوطني يمكن السودان من تحويل الأزمة لفرصة ومن سد باب التشظي والتدويل. هذا هو محط الرجاء الوطني.

ولكن!.

“إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ”[1]

[1]  سورة القصص الآية (56)