حصاد القتاد في الصومال

 بسم الله الرحمن الرحيم

حصاد القتاد في الصومال

15 يناير 2007م

 

القومية الصومالية تعيش في خمسة أقاليم كانت تابعة لغير أهلها هي: شمال الصومال تابع لبريطانيا، جنوب الصومال تابع لإيطاليا، جيبوتي تابعة لفرنسا، أوقادين ضم لإثيوبيا منذ عهد منليك، والإقليم الشمالي الشرقي الذي ضم لكينيا في عام 1963.

وفي عام 1964 استقل إقليمان هما الشمالي والجنوبي وكونا دولة باسم جمهورية الصومال التي اتخذت لنفسها علما فيه نجمة ذات خمسة أضلاع رمزا لأمنية إلحاق الأقاليم الثلاثة الباقية للوطن الصومالي الواحد.

كان حكم جمهورية الصومال هذه ديمقراطيا ولكنه واجه ثلاثة توترات أرهقته ومهدت للانقلاب العسكري بقيادة سياد بري الذي استمر حكمة الشمولي حتى عام 1991م. العوامل التي أرهقت الحكم الديمقراطي في الصومال هي:

  • عدم انسجام الجزأين المكونين للجمهورية بسبب اختلاف مكوناتهما الحديثة بين بريطانيا وإيطاليا.
  • قوة الانتماءات العشائرية التي طغت على الممارسة السياسية.
  • التوتر الحاد الذي نشأ بين الجمهورية الصومالية وبين ثلاثة من جيرانها بسبب عزمها المعلن على ضم أراضٍ سكانها من أصل صومالي تابعة لإثيوبيا وكينيا وجيبوتي الفرنسية التي استقلت فيما بعد.

كل النظم الشمولية تجهض التطور السياسي وتخلق احتباسا سياسيا نتيجته في الصومال كما في السودان وفي العراق تراكم المظالم لدى الجماعات التي لا تجد مجالا سياسيا حرا لتحقيق مصالحها والتعبير عن تطلعاتها فتتخذ قنوات الولاء الموروث الديني أو الإثني وسائل لتحقيق طموحاتها السياسية.

نتيجة مباشرة لهذه العوامل تمزق الجسم السياسي الصومالي بصورة جعلته أنموذجا أفريقياً للبلقنة:

  • الجزء الشمالي “البريطاني سابقا” قامت فيه جمهورية أرض الصومال.
  • الجزء الجنوبي “الإيطالي سابقا” تشظى إذ قامت فيه خمس حكومات مستقلة عن بعضها ويرأسها بارونات حرب فرضوا سلطانهم بقوة السلاح. وتكون لأول مرة في الصومال حزب سياسي ذو مرجعية إسلامية ينادي بدولة إسلامية باسم الاتحاد الإسلامي.

تمت مبادرات كثيرة لجمع الشمل الصومالي أدت إلى اتفاق حول رئيس صومالي “السيد عبد الله يوسف” وحكومة صومالية ممثلة لكثير من الفصائل وبرلمان.

هذا التكوين الوفاقي نال اعترافا دولياً وأفريقياً وعربياً ولكنه لم يستطع بسط هيمنته على البلاد. بل واجه تحديا من جبهتين: بارونات حرب رفضوا الامتثال لهذا التكوين الوفاقي لأنه لم يستجب تماما لمطالبهم فصاروا يتحكمون في مناطق نفوذهم القبلي وفي العاصمة. ومن ناحية أخرى أدى اضطراب الأمن والتشظي إلى فوضى أزعجت بعض القبائل فاتجهت إلى تكوين محاكم شرعية أسندوا إليها مهام فض النزاعات بصورة حققت استقرارا فتعددت المحاكم حتى بلغت 14.

هذه المحاكم ليست مؤامرة خارجية بل استجابة محلية لظروف موضوعية لملء فراغ هدد حياة المواطنين فأيدته قطاعات شعبية ولفيف من عناصر الطبقة الوسطى.

وفي إطار التنافس والتنازع شدت المحاكم الشرعية إليها حزب الاتحاد الإسلامي الذي منحها بعدا أيديولوجيا وكون معها حركة المحاكم الإسلامية.. حركة واجهت بارونات الحرب وهزمتهم وبسطت الأمن والاستقرار في العاصمة ومناطق أخرى وصارت هي والحكومة الصومالية المذكورة في تنافس على المصير الوطني.

جرت محاولات للمصالحة بين الطرفين ولكن المحاكم الإسلامية طالبت بجلاء القوات الإثيوبية التي كانت تقدم دعما للحكومة الصومالية شرطاً لاستمرار حوار المصالحة.

المحاكم الإسلامية بعد انتصارها على بارونات الحرب واستيلائها على العاصمة ومناطق أخرى، طبقت عليها أحكاماً إسلامية ونظاماً إدارياً حازماً قضى على الفوضى الأمنية وفاز بتأييد شعبي عريض وبدعم كافة العناصر الإقليمية المعادية لإثيوبيا خاصة إريتريا. وبدا كأن المحاكم الإسلامية سوف تعصف بالحكومة الصومالية وتخضع كل الصومال” الإيطالي سابقا” لحكمها.

في وجه هذا الاحتمال صعدت إثيوبيا دعمها للحكومة الصومالية وتصدت لحركة المحاكم الإسلامية بالعمل العسكري المباشر فأجلتها من مواقعها بما في ذلك العاصمة.

هذا الإجراء تم بطلب من الحكومة الصومالية، وهي حكومة مختلف عليها، ودون قرار دولي.

مرة أخرى اتضح عجز المنظمات الإقليمية عن القيام بأي دور فعال لصالح الشعب الصومالي، ومرة أخرى انفردت الهيمنة الأمريكية بإملاء مصير المنطقة.

فالإجراء الإثيوبي كان الشريك الأصغر للولايات المتحدة التي دعمته مالياً، ولوجستياً، ومعلوماتياً، وعسكرياً.

إثيوبيا تخشى من وجود حكومة صومالية معادية تنازعها إقليم أوقادين. أما الولايات المتحدة فإن الهيمنة الدولية التي اتخذتها أساسا لسياستها الدولية تضعها رأساً ضد أي كيان سياسي ذي مرجعية وطنية كما في الديمقراطية الثالثة في السودان، أو قومية كما في مصر الناصرية، أو اشتراكية كما في أمريكا اللاتينية اليوم (فنزويلا وبوليفيا ونيكاراجوا) ، أو إسلامية كما في إيران، مستقلة عن مظلة الهيمنة.

المحاكم الإسلامية شدت إليها تحالفا فضفاضاً من سلفيين، وإخوانيين، وجهاديين، وصوفيين، وقبليين.. تحالف من شأنه أن يشد إليه عناصر ذات اتجاهات مماثلة من خارج الصومال.. عناصر تستهدفها الولايات المتحدة في حربها ضد ” الإرهاب”. حتى الآن لم تع الولايات المتحدة أن الإرهاب يكسب استراتيجيا ما لم تـُجَفـّـف أسبابه. إنه يقوم على ثلاثة عوامل: الدوافع – الموارد- والعنصر البشري.

إن الذين ينخرطون في هذا العمل ويمدونه بالموارد والمجندين تسوقهم إليه ثلاثة دوافع هي: مقاومة الاحتلال– مقاومة الاستبداد- ومقاومة الانحلال.

إن الوجود الإثيوبي الأمريكي في الصومال سوف يعزز ضده مقاومة ذات أبعاد إسلامية، وديمقراطية، ووطنية لتحرير البلاد من الاحتلال الإثيوبي الأمريكي. هذه المقاومة ستجد دعما داخليا شعبيا، وإقليميا من بعض صومالي الجوار، ومن خصوم إثيوبيا ومن أعداء الهيمنة الأمريكية في كل مكان.

استمرار الوجود الأثيوبي الأمريكي سوف يزيد من دوافع المقاومة.

الحكومة الإثيوبية تدرك خطورة البقاء في الصومال على شرعية أصدقائها الحاكمين وعلى أمنها هي نفسها واحتمال قيام تحالف عريض ضدها. وهي تدرك خطورة الانسحاب من الصومال على بقاء الحكومة الصديقة فيه.

أما تحويل الدور الإثيوبي للاتحاد الأفريقي فحديث خرافة لأن هذا الاتحاد أثبت أنه حتى إشعار آخر نمرٌ من ورق!.

هنالك الخيار الآخر الذي يستهوي ذهنية المحافظين الجدد في أمريكا ويلائم عنادهم المعتاد بلا انتفاع من التجارب وهو إحالة الأمر لحلف الناتو وتحويل الصومال إلى أفغانستان أفريقية.

خيارنا خيار الوحدة الوطنية القائمة على جلاء القوات الأجنبية، ووقف إطلاق النار، ولقاء جامع لكافة أطراف النزاع الصومالية، برعاية دولية لتحديد مصير البلاد.

هذا نهج مخالف تماما لنهج الإملاء الخارجي الذي يفرض على  البلاد برامج لا تأخذ في حسبانها الحقائق الوطنية، ولا الإقليمية، ولا الدولية. نهج أخفق في أفغانستان، وفي العراق، وفي فلسطين، وفي السودان، وفي لبنان، ومع إيران، ومع كوريا الشمالية، وسوف يخفق في الصومال لتصير نعشا ثامنا في القبر المفتوح للسياسة الأمريكية في العالم.