خطبة عيد الأضحى المبارك 30 ديسمبر 2006م

بسم الله الرحمن الرحيم

خطبة عيد الأضحى المبارك التي ألقاه الإمام الصادق المهدي

في العاشر من  ذو الحجة 1427هـ الموافق 30 ديسمبر 2006م

بمسجد الهجرة بالبقعة

الله أكبر الله أكبر   الله أكبر

اللهم إني أحمدك، واثني لك الحمد يا جليل الذات ويا عظيم الكرم، وأشكرك شكر عبد معترف بتقصيره في طاعتك يا ذا الإحسان والنعم، وأسألك اللهم بحمدك القديم، أن تصلي وتسلم على نبيك الكريم، وآله ذوي القلب السليم، وأن تعلي لنا في رضائك الهمم ،وأن تغفر لنا جميع ما اقترفناه من الذنب واللمم. آمين

أحبابي في الله وأخواني في الوطن العزيز:

أستهل حديثي لكم بمباركة ثلاثة أعياد: عيد الأضحى المبارك وعيد استقلال السودان وعيد ميلاد المسيح عليه السلام الذي أخص به إخوتنا في الإنسانية وفي الكتابية المسيحيين.

في 12/9/2006م زكى رئيس دولة الفاتيكان وبابا الكنيسة الكاثوليكية دينه بالعقلانية والتسامح، وعقد مقارنة بينه وبين الإسلام نتيجتها إدانة الإسلام بالتعصب ومجافاة العقلانية. فصلت الرد عليه وافيا في مقالي” مباهلة رئيس الفاتيكان” وأرجو أن يكون قد أدرك خطأه وسوء توقيت مقالته. على أية حال سوف يستمر السجال بيننا جميعا وأرجو بل أتوقع أن تنتصر حجتنا لوضوح برهانها. إن عقيدة الإسلام واضحة في إقامة الدين على التوحيد، وفي أن هذه الحقيقة فطرية في نفس الإنسان:(وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ)[1]، وواضحة في أن رسالات الوحي لكافة الأنبياء واحدة: (شَرَع لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ)[2]، وفيما يتعلق بالحالة الإنسانية كلها فإن مبادئ الإسلام عززتها أفضل تطورات العقل الإنساني في بيان ثوابت الأخلاق وفي بيان وسائل المعرفة الأربعة: الوحي، والإلهام، والعقل، والتجربة.

والعقل من نعم الله على الإنسان واستخدامه إلى أقصى مدى من واجبات الدين. “روى ابن خرامة عن أبيه أن النبي (ص) سئل: أرأيت أدوية نتداوى بها ورقي نسترقيها ، وتقى نتقيها  هل ترد من قدر الله شيئا؟ قال: هي من قدر الله”. عالم الشهادة هو كتاب الله المنشور ومعرفة قوانينه وتسخيرها واجب ديني. قال تعالى: (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ)[3].

أحبابي:

إن مصادر العبادات في الإسلام وهي من حقائق الوحي: (وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ)[4] ومع ذلك فإن لها أساسا معقولا لأن تكليف العاقل بما يناقض العقل يضع الإنسان في حرج نفاه القرآن: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ)[5]، وتباهى بذلك المسلمون:

لم يمتحنا بما تعي العقول به

حرصا علينا فلم نرتب ولم نهم

إن آيات القرآن تخاطب العقل وتعتبر الكفر نوعا من الجنون: (تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ)[6] فالصلاة وسيلة تواصل روحي مستمر وهي: (تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء)[7] والزكاة تطهير للمال من دنس المعاملات الكسبية التي لا تخلو من حيل وتجاوزات وهي وسيلة للتكافل الاجتماعي.

والحج سياحة روحية فيها شعائر تعظيم لعقيدة التوحيد، وشعائر توثيق للصلة بين التوحيد لله ووحدة الأمة، وفيها شعائر تحاكي أحداث قصص إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام .. إنه مظاهرة روحية يتدافع أصحابها في أزياء بسيطة متشابهة يعلنون بأقوى أسلوب الولاء للواحد الأحد والبراءة من الشرك والظلم.

أما شعيرة العيد فمنذ الرسالة الإسلامية صار يوم عرفة قمة شعائر الحج وصار عيدا لكل المسلمين وسنت فيه الصلاة الجامعة وسنت فيه الأضحية قربانا.. (لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ)[8]

والأضحية ينبغي أن تكون سالمة من العيوب، وأن تذبح بعد صلاة العيد مباشرة، ويمكن أن تذبح في سائر أيام التشريق، ولا تجب إلا على من يملك ثمنها فإن عجز عن ذلك فقد ضحى عنه النبي “ص” فمن وجبت عليه الأضحية وذبحها يندب أن يأكل هو وأسرته ثلثها، وأن يهدي للجيران والأصدقاء ثلثها، وأن يتصدق بالثلث للمساكين.

إن لقصة الفداء أهميتها الدينية وقدوتها التربوية، كما أن لقصة هاجر دلالة مادية على حقيقة قوله تعالى: (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ)[9]. الحضارة المكية نمت وترعرعت نتيجة لبئر زمزم.

أحبابي:

منذ ستة أعوام نشرت كتابا بعنوان: مياه النيل: الوعد والوعيد، وأهم ما فيه أن المياه العذبة في العالم محدودة، وأن الطلب عليها غير محدود، وأن الطلب للمياه ينمو بسرعة بسبب تزايد السكان، والتنمية الاقتصادية، والحياة الحضرية. في الأعوام العشرة الماضية نما وعي أكبر بمشكلة المياه. والآن المطلوب في المقام الأول نشر الوعي بالمشكلة والعمل على زيادة المياه المتاحة وذلك عن طريق الوسائل الخمس الآتية:

  • إبرام اتفاقيات مقبولة لكل الأطراف تنظم علاقات الدول المتشاطئة على أنهر مشتركة كالنيل، ودجلة، والفرات،  للتعاون بينهم لإقامة مشروعات تزيد من دفق مياه الأنهر، فدفق مياه النيل يمكن أن يزيد 50% إذا تمت مشروعات معينة.
  • حصار مياه الأمطار عن طريق السدود والحفائر وزيادة كفاءتها بمنع تسرب المياه.
  • معالجة المياه العادمة من الزراعة، الصناعة، والاستعمال المنزلي.
  • تكثيف البحث العلمي لا سيما استغلال الطاقة الشمسية في تحلية مياه البحار.
  • تحقيق إدارة متكاملة للموارد المائية داخل كل قطر، التنسيق والتعاون إقليميا ودوليا في مجال الموارد المائية.

الاهتمام بزيادة المياه وحده لا يكفي بل يجب أن يصحبه عمل جازم لترشيد الطلب على المياه بالوسائل الآتية:

  • تحديث أساليب الري الزراعي فالري بالغمر يهدر 40% منها ولكن بواسطة أنابيب للرش والتنقيط ترتفع كفاءة مياه الري الزراعي.
  • بث الوعي بأن الماء ليس متاحا بلا تكلفة كالهواء، بإلزام المستهلكين بدفع قيمة التكلفة على الأقل.
  • استخدام التكنولوجيا لضبط استهلاك المياه المنزلية بصورة حازمة. فهدر نقطة واحدة في منزل أسرة صغيرة يهدر 7 أمتار مياه.
    • إشراك مستهلكي المياه في إدارة الموارد المائية بوسائل ديمقراطية.
    • استخدام كافة وسائل الإقناع لدعم ثقافة التعامل مع الماء كشيء نادر وعلى رأسها الإيمان والوجدان، فمحاربة الإسراف في كل شي من مقاصد الشريعة الإسلامية. والقدوة المحمدية رائدة في مجالات الحياة لا سيما في التعامل مع المياه. فقد أمر النبي (ص) سعدا بالإقلال من استخدام الماء في الوضوء حتى من نهر جارٍ. وكان النبي(ص) كما روى جابر يتوضأ بالمد ويغتسل بالصاع.

قال تعالى: “ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ”[10] أستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين.

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الخطبة الثانيــة

الله أكبر الله أكبر الله أكبر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه.

أحبابي في الله وأخواني في الوطن العزيز، قال تعالى:( قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)[11]

كان النظام السياسي الديمقراطي في السودان يوفر لأهله كافة حقوق الإنسان ثم استولى على السلطة بالقوة نفر أعلنوا عزمهم على إنقاذ البلاد. كان أول أعمالهم إجهاض مشروع السلام الذي كان وشيكا وكان بلا حاجة لتقرير المصير وبلا رافع أجنبي.

عبر 17عاما أدرك نظام الإنقاذ فشل مشروعه الحضاري والتمس من اتفاقيات السلام الثلاث وسيلة لاحتواء المقاومة المسلحة، ولإرضاء الأسرة الدولية، ولتمديد عمره بمباركتها.

نعم اشتملت اتفاقيات السلام الثلاث على بعض الايجابيات مثل وقف إطلاق النار ولكن هياكلها وقيامها على الثنائية والمساومة عرضها للمخاطر الآتية:

  1. افتراض أن الطرفين الموقعين يمثلون الوطن كله أو الإقليم المعني غير صحيح ومثير لمعارضة الغائبين.
  2. إغفال مشاركة المجتمع السياسي والمدني السوداني غير المسلح يطعن في شرعيتها ويعطى حق النقض الانفرادي لأطرافها.
  3. قيام الاتفاقيات على المحاصصة الثنائية لا على الشرعية، وقيام الحصة نفسها على الوزن المسلح سوف يجعل أطراف الاتفاقيات حريصة على استمرار فصائلهم المسلحة لحراسة مكاسبهم.

إليك فإني لست ممن إذا اتقى

عضاض الأفاعي نام فوق العقارب!

السبيل الوحيد للخروج من الأزمة المتعلقة باتفاقية نيفاشا هو اعتماد قومي لمكاسب الجنوب باعتبارها ثمنا مستحقا لوقف القتال، ولكن في الاتفاقية عيوب أوضحناها في مقام آخر ولا سبيل لعلاجها إلا عبر الملتقى القومي الدستوري المقترح لنقل الاتفاقية من الثنائية إلى القومية ومن المحاصصة الثنائية إلى الشرعية القومية.

أما دارفور فإن الموقف فيها يندفع نحو التمدد داخل السودان وعبر الحدود ليشمل أواسط أفريقيا كلها وهناك إجراءات عاجلة لا بد من اتخاذها على المدى القصير والفوري وهي إجراء إصلاح إداري يضع في زمام المسئولية الإدارية في الولايات الثلاث ولاة مؤهلين وذوي صفات قومية ليجدوا ترحيبا عاما من السكان. وينبغي إبرام اتفاق جديد بين الأطراف المتنازعة لوقف إطلاق النار يأخذ في الحسبان المستجدات على الساحة وهي:

  • توسع الاقتتال داخل السودان في مناطق خارج دارفور.
  • الاقتتال عبر الحدود السودانية الذي يدور حاليا ووضع حد له.
  • المليشيات الحكومية المستترة وضرورة أخذها في الاعتبار.
  • الحالة الأمنية تشهد تفلتا داخل الحركات المسلحة ومهددات للأمن نهاية ينبغي التعامل معها.
  • ضبط مهمة نزع السلاح وتحديد ما ينبغي عمله بإشراف دولي.
  • احتواء الخطر على المدنيين في المعسكرات وفي المدن.
  • النص على القوات الدولية وتطبيق القرار 1706 بالتعديلات المطلوبة لقبوله من كل الأطراف.
  • الاستجابة لمطالب منظمات الإغاثة لضمان استمرار عملها.
  • مشاركة التكوينات الجديدة في التوقيع على اتفاق وقف إطلاق النار الجديد والالتزام به.
  • ومباشرة بعد التوقيع على اتفاقية جديدة لوقف إطلاق النار يتفق على إعلان مبادئ جديد ينص على الآتي:

أولاً: فيما يتعلق بالإقليم ووحدته والحدود والمشاركة في الرئاسة يرد لدارفور ما كان لها عام 1989م.

ثانياً: الالتزام بالقرارات 1591 و 1593 لعدم الإفلات من العقوبة.

ثالثاً: تكوين هيئة قومية للحقيقة والمصالحة ورفع المظالم.

رابعاً: الالتزام بتعويضات جماعية لضحايا الأحداث مثل إعادة تعمير القرى، وتعويضات فردية للأسر للتمكن من استئناف حياتها العادية.

خامساً: الاتفاق على أساس قومي للإدارة الانتقالية مما يكفل قومية المؤسسات النظامية والمدنية.

سادساً: أن تكون الحقوق للإقليم في السلطة والثروة بنسبة السكان.

سابعاً: أن ينال الاتفاق شرعية إقليمية عبر ملتقى جامع دارفوري/ دارفوري.

ثامناً: الالتزام بحسن الجوار وعدم التدخل في شئون الجيران.

تاسعاً: أن يكون للاتفاق شرعية قومية عبر ملتقى جامع.

هذا النمط القائم على الحقانية والشرعية يصلح للتطبيق على الشرق وعلى الأقاليم الأخرى التي توشك الأوضاع فيها على انفجارات مماثلة في كردفان وفي الإقليم الأوسط والشمالي.

وهنالك قضايا هامة:

  • إلغاء قانون الصالح العام السيئ السمعة إجراء عادل ولكن يجب أن يصحبه إنصاف ضحاياه في الماضي وإلا صار ظالما.
  • القرار الخاص بمعاشات الأساتذة قرار جائر نرفضه وندعم موقف أساتذة جامعة الخرطوم ونعمل على تحرير النقابات كلها من قبضة المؤتمر الوطني وكذلك على إصدار قوانين تكفل استقلال الجامعات ونعتبر ذلك جزءا لا يتجزأ من تصفية التمكين الشمولي.
  • لا شك أن كثيرا من الحكام قد كونوا لأنفسهم ثروات طائلة ونحن نطالب بتكوين لجنة قومية للكشف عن كل هذا الملف، وطبعا لجنة قومية حقيقية لا اللجان الثنائية التي من شأنها التستر.
  • الميزانية:
    • ميزانية 2007 تعلن ضبط الولاية على المال العام مما يؤكد غياب الضبط 17 عاما وأنه استجد بوجود شركاء.
    • البرامج المذكورة لمحاربة الفقر ودعم الخدمات إنشاءً لم يخصص لها المال اللازم لأن أولويات الميزانية ما زالت عسكرية وأمنية رغم السلام.
    • المال العام مبدد في مفاسد كثيرة مثل الأولويات الأمنية والرشوة للمحاسيب.
    • الشعارات الجيدة كالنفرة الزراعية منطلقة من دوافع حزبية وتقرن بقنوات حزبية.
    • الشكوى من عدم التزام المانحين بوعودهم لا تستغرب إزاء غياب الأمن وعدم وفاء الحكومة بما وعدت به.

إننا سوف نعمل على توحيد الرؤى الوطنية كافة حول هذه المطالب المشروعة:

أولاً: القوى السياسية والمدنية غير المسلحة.

ثانياً: القوى السياسية المسلحة إذا ارتضت ووقعت على اتفاق وقف إطلاق النار الجديد.

هذا الإجماع الوطني يواجه به المؤتمر الوطني، والأسرة الدولية،فإن قبل فهذا هو المراد وهو الأسلم للسودان.

المصلحة الوطنية توجب إقناع المؤتمر الوطني بهذا الموقف الوطني الموحد وإلا فإن المصلحة الوطنية توجب الضغط بالوسائل المدنية والحركية على المؤتمر الوطني حتى يستجيب لهذه المطالب المشروعة.

أحبابي:

إن الموقف في السودان إذا لم يحسم بسرعة سوف تعم فيه المنازعات ويوشك عبر التهاب دارفور أن يتمدد على وسط وغرب أفريقيا، ويوشك عبر الاقتتال الأثيوبي الإريتري في أراضي الصومال والطرف السوداني فيه، أن يشعل حرباً في القرن الأفريقي شبيه بحرب الكنغو، ويوشك عبر الحرب الأهلية في شمال يوغندا أن يتمدد عبر شرق أفريقيا.

والموقف في فلسطين والعراق، ولبنان مشحون باحتمالات توسع مماثلة ولا سبيل لاحتواء هذا التوسع إلا عن طريق ثلاث خطوات:

أولاً: ينبغي أن يدرك المقتتلون في فلسطين، والعراق، والصومال، والمتربصون في لبنان أنه لا سبيل لإلغاء الآخر ولا بديل للقاء جامع بين الأطراف الوطنية ولإبرام اتفاق وطني شامل. إننا نناشد الجميع وقف الاقتتال واتخاذ هذا الطريق.

ثانياً: التزام كافة دول الجوار بعدم التدخل وتصفية حساباتها داخل البلاد المعنية والمشاركة بحسن النوايا والمراقبة وبمباركة اتفاقات الأطراف المدنية.

ثالثاً: ابتعاد دول الهيمنة الدولية من هذه البلدان على أن تتولى الأمم المتحدة الإشراف العام على هذه التطورات.

وفيما يتعلق بالصومال فإن المطلوب إبرام الصلح بين عناصره الوطنية، وإبعاد تحويل الساحة من أن تصبح ساحة لتصفية الحسابات الأثيوبية الإريترية. وفي هذا الصدد فإن ما قاله المتحدث باسم الاتحاد الأفريقي بمباركة الدور الأثيوبي في الصومال تصريح أخرق ويجرد الاتحاد الأفريقي من دوره المطلوب كوسيط محايد.

كما أن قرار مجلس الأمن لتطبيق عقوبات على إيران بشأن الملف النووي لن يعالج الأمر فإن التوجه يميناً في إيران والاستعداد للتحديات الخارجية كان نتيجة لهذا النوع من التعامل. نحن ضد انتشار أسلحة الدمار الشامل وإيران تعلن عن حرصها على التكنولوجيا النووية لتستخدمها في الأغراض المدنية والمطلوب من الأسرة الدولية أن تتبع ما يجب عمله للتأكد من التزامها بما أعلنت، أما فرض العقوبات فسوف يزيد من العناد لا بد من التعامل مع مسألة انتشار أسلحة الدمار الشامل بما يحقق أمرين:

الأول: إزالة المخاوف الأمنية التي تجعل بعض الدول تسعي لامتلاك أسلحة دمار شامل. والثاني: جعل المنطقة كلها خالية من أسلحة الدمار الشامل، فأي استثناء يهزم الأساس الأخلاقي لسياسة منع الانتشار.

إن القوى السياسية والمدنية السودانية مطالبة بالتحرك الواعي والحازم لتحقيق الوصفة المذكورة أعلاه وتجيير هذه الوصفة السودانية كأنموذج صالح للتطبيق على نطاق واسع حيثما توجد أزمات مماثلة.

ختاماً:

الجبهة الإسلامية القومية انفردت بتقرير مصير البلاد عبر السلطة التي أقامتها بانقلاب يونيو 1989م. والمؤتمر الوطني ورث منها ذات الإنفراد باتخاذ القرارات المصيرية ويصر عليها ويماحك ويغالط ثم تجبره الظروف على التراجع حدث هذا مرات:

  • عندما رفض التعددية السياسية وخونها.
  • عندما رفض تقرير المصير للجنوب وكفره.
  • عندما رفض التوقيع على إعلان مبادئ الإيقاد في 1994م وأدانه.
  • عندما رفض إسناد إجراءات مراقبة وقف إطلاق النار في دارفور والإجراءات المرتبطة به لقوات أفريقية.
  • عندما رفض تحويل تلك المهام لقوات دولية بعد أن ثبت عجز الاتحاد الإفريقي عن القيام بها.

وفي كل مرة بعد إعلان مواقفه الانفرادية المتعجلة تجبره الظروف على قبول رأى معارضيه الذي كان قد أدانه وأساء لأهله.

لماذا كان هذا الموقف الانفعالي من القرار1706، الانفعال الذي كلف السودان كثيرا وكلف دارفور خاصة عذابات كثيرة؟:

  • القرار نفسه اشترط موافقة الحكومة السودانية عليه لذلك فإن مقارنته بالغزو الأمريكي للعراق محض ضحك على الذقون.
  • وكان بالإمكان إدخال ضوابط عليه كما فعلنا نحن مع مجلس الأمن في يوليو 2006م عندما زار الخرطوم. ضوابط تحول دون مشاركة قوات ذات أجندات خفيه وتؤكد حيدة القوات القادمة بين أطراف النزاع.
  • كما أن تعديل القرار الحالي مطلوب لأنه يحاول إجبار الذين لم يوقعوا على اتفاق أبوجا أن يوقعوا، اتفاق أبوجا ولد ميتاً والاتفاق السياسي هو شأن سوداني يترك لأطراف النزاع السودانية وتحصر مهمة القوات الدولية والأفريقية-وهي دولية- في مسائل محددة: مراقبة وقف إطلاق النار، حماية الإغاثات الإنسانية، الإشراف على نزع السلاح المتفق عليه، واحتواء نزاعات الحدود. كما يعطي القوى المعنية صلاحيات محددة للقيام بعملها لا مثل ما كان عليه حال القوات الأفريقية.

لو أن المؤتمر الوطني اتخذ هذا الموقف الراشد من القرار لأمكن احتواء الموقف ولما تدهورت الأحوال الأمنية، والإنسانية، والحدودية في دارفور لهذا الحد.

إنني أنتهز هذه الفرصة لأودع السيد كوفي عنان وأشكره على جهده المثابر لمساعدة السودان لا سيما في أزمة دارفور وأعتذر له عما أصابه من ملاسنات سودانية ظالمة. كما أهنيء أمين عام الأمم المتحدة الجديد (بان كي مون) راجيا له التوفيق في مهامه وأن يواصل مساعدة السودان في ملفات السلام، وحقوق الإنسان، والملف الإنساني.

أقول:

إن كل تأجيل للعلاج القومي الناجع يعطي فرصة لعيوب الاتفاقيات الثنائية لتظهر وتدفع بالبلاد من أزمة إلى أزمة وبالمؤتمر الوطني من حفرة إلى حفرة مما يجعل اتفاقيات السلام بهشاشتها وبقدوتها للآخرين أداة لزعزعة أمن البلاد واستمرار حالة الحرب فيها وإن تغيرت أشكال الحروب.

كما كان المأمول أن تؤدي اتفاقيات السلام للاستقرار والتحول الديمقراطي والتركيز على تنمية موارد البلاد بإمكاناتها وبالموارد الخارجية. الآن هذا لم يتحقق بل صنفت البلاد ضمن الخمسة الأكثر فساداً في العالم وعلى رأس الدول المتردية.هذا التشخيص ينبغي أن يزعج كل وطني حتى الحكام الذين إذا صدقوا مع أنفسهم لوجدوا أن النصح الذي ظللنا نقدمه بإخلاص لهم ومازلنا هو الأصدق والأكثر إخلاصاً: انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً أو مظلوماً أي رده عن ظلمه.

اللهم يا عظيما ثبتت عظمته للخلائق، وقد أظهر لها من صنعه الدقائق، وبين لها العجائب والرقائق، وهابت من خشيته أهل الحقائق وسبحت بحمده الأكوان، وصور الخلق على أصناف وأحسن خلق الإنسان، نسألك اللهم بحق خفي لطفك، وبحق ظاهر عطفك، وبحق اصطفائك لأوليائك، وتقريبك لأنبيائك، أن تهيئ لنا ولبلادنا مخرجا سلميا وأن تجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن.

والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

 

 

 

 

 

[1] سورة الأعراف الآية (172)

[2] سورة الشورى الآية (13)

[3] سورة الحجر الآية (85)

[4] سورة الإسراء، الآية (105)

[5] سورة الحج الآية (78)

[6] سورة البقرة الآية(111)

[7] سورة العنكبوت، الآية (45)

[8] سورة الحج الآية (37)

[9] سورة الأنبياء الآية (30)

[10] سورة غافر، الآية (60).

[11] سورة يوسف الآية (108)