حوار مع الحبيب الإمام الصادق المهدي في صحيفة الشرق الجزء الثاني

الإمام الصادق المهدي في برنامج مصر في يوم
الحبيب الإمام الصادق المهدي رئيس حزب الأمة القومي وإمام الأنصار المنتخب ورئيس الوزراء الشرعي للسودان ورئيس المنتدى العالمي للوسطية والفائز بجائزة قوسي للسلام لعام 2013 وعضو المنظمة العربية لحقوق الإنسان وعضو نادي مادريد للحكماء الديمقراطيين والمفكر السياسي والإسلامي
الحبيب الإمام الصادق المهدي رئيس حزب الأمة القومي وإمام الأنصار المنتخب ورئيس الوزراء الشرعي للسودان ورئيس المنتدى العالمي للوسطية والفائز بجائزة قوسي للسلام لعام 2013 وعضو المنظمة العربية لحقوق الإنسان وعضو نادي مادريد للحكماء الديمقراطيين والمفكر السياسي والإسلامي

في حوار صريح ل ” الشرق ” 2 من 2

الأثنين 25-05-2015

أجرى الحوار في الدوحة: حسن أبو عرفات

أكد الصادق المهدي رئيس حزب الأمة القومي، أنه يمكن استئناف واستمرار عملية الحوار الوطني في السودان، بأسس جديدة، عبر تعزيز آليات المصداقية، وبناء الثقة، من خلال القيام بإجراءات معترف بها، وإطلاق سراح كل المعتقلين السياسيين، وإطلاق الحريات العامة، وتكثيف البرنامج الثلاثي للقضايا الإنسانية،.

واعترف المهدي فى الجزء الثاني من حواره مع “الشرق” بأن المعارضة تواجه درجة عالية من التمزق، ولكن أسبابها موضوعية مرتكزة على سياسة “فرق تسد” التي تطبقها أجهزة النظام، على حد قوله، وتناول قضية الخلافات داخل حزبه، موضحاً أنه لن يقبل بعودة مبارك الفاضل للحزب إلا في إطار نقد ذاتي شفاف، وضمانات بألا يكرر ما أسماه “السلوك الشائن”، وأن مبارك الشخص الوحيد الذي انشق وعمل لنفسه كياناً وتآمر على حزب الأمة القومي على حد قوله،.

وأضاف: هناك لجنة وفاقية تتحرك لرأب الصدع، وجمع الناس داخل الحزب، وأن الأشخاص الذين انضموا إلى الحكومة، ليس لهم مجال للعودة، وتم شطبهم من الحزب، أما الآخرون الذين ارتكبوا أخطاء، وراجعوا أنفسهم، فليس هناك مانع من عودتهم للحزب، وقال: إن الدكتور الترابي “بالغ في التقارب” من النظام، وأعتقد أن أي تعاون مع الدكتور الترابي، يثير الجميع لأن مواقفه غير مفهومة ومتقلبة.. اختلف مع النظام، وقال في التجربة “ما لم يقله مالك فى الخمر” على حد قوله، وفيما يلي نص الحوار:

شدد الرئيس البشير ـ بعد انتخابه ـ على الاستمرار في الحوار الوطني دون استثناء لأحد، كيف ترى أجواء الحوار في المرحلة القادمة؟

أعتقد بأن المؤتمر الوطني دمر المبادرة السابقة، وقد علمت بأن الحكومة أجرت اتصالات بالحكومة الألمانية لتفعيل الحوار الوطني، وقد تلقيت دعوة منهم فى 26 ابريل لجلسة استماع، قلت لهم فيها: نحن الآن قوة تمثل المستقبل الوطني، لم نجتمع بعدُ لتقييم تجربة الانتخابات وما بعدها، والتي نعتقد بأنه لن يترتب عليها شيء، في رأينا، بل عزز التحرك للإطاحة بالنظام بالوسائل السلمية، وارى ـ رغم ذلك ـ انه يمكن استئناف واستمرار عملية الحوار الوطني بأسس جديدة؛ فى مقدمتها: تعزيز آليات المصداقية وبناء الثقة من خلال القيام بإجراءات معترف بها، وإطلاق سراح كل المعتقلين السياسيين، وإطلاق الحريات العامة، وتكثيف البرنامج الثلاثي للقضايا الإنسانية إلى جانب اجتماع مجلس السلم والأمن الإفريقى، لتقييم ما يجرى فى السودان لتقوية آلية الوساطة الإفريقية الرفيعة، بقيادة امبيكي، الى جانب وضع مبادئ لآلية الحوار السوداني، الذي نأمل أن يسهم في تحقيق سلام شامل، ويحدد مسار التحول الديمقراطي، وتجاوز الآليات القديمة عبر لقاء شامل يضم الجميع، ويرفع نتائجه وتوصياته إلى مجلس الأمن الدولي، وارى أن هذه السيناريوهات ـ إن حدثت ـ ستسهم في إحداث إنفراجات في الوضع السياسي الداخلي، وسيحق لأي جهة ـ لها وزن سياسي ـ قبول الحوار في ظل هذه الظروف الجديدة، وقد سلمنا هذه الرؤية كتابة الى الألمان لإحياء الحوار الوطني، أما إحياء الحوار بالصورة “المترهلة” السابقة فنحن نرفضها، وكان من المفترض أن يرفع الألمان هذه الأفكار إلى الحكومة، للتعرف على وجهة نظرها.

الخلافات داخل البيت

الأخ الإمام.. الخلافات داخل بيت المهدي وحزب الأمة القوي كثيرة ومتصاعدة، ما هي خطوات إعادة هيكلة الحزب، والمضي في المصالحات؟

الحزب موحد ومهيكل، وهو الحزب الوحيد ـ فى المعارضة ـ الذي يعقد مؤتمرات عامة بانتظام.. هناك أعضاء سقطوا “ليس لأني أريد إبعادهم”.. والذين خرجوا من الحزب يمثلون ثلاث جهات؛ أولاها السيد مبارك الفاضل الذي كان مفوضاً للحوار مع النظام، حيث وصل معهم إلى اتفاق عرض نتائجه على الحزب، وكان مبارك يتوقع أن أتبنى الاتفاق، وأقول للناس: “هذا ما اتفقنا عليه” ولكني طلبت عرض الاتفاق على أجهزة الحزب، حيث شارك هو بنفسه فى المناقشات، وأجهزة الحزب قررت بالإجماع عدم المشاركة مع النظام فى الحكم، إلا في إطار انتخابات حرة نزيهة، وفى إطار حكومة قومية، وشددوا على ان الحزب لا يمانع فى استمرار الحوار دون التهاون فى القضايا القومية، ولكن مبارك المهدي اتفق مع البشير بوساطة من القذافي، الذي كان يريد دخول حزب الأمة في الحكومة والتآمر على حزب الأمة، لكن الحزب عارض هذا التوجه وانضم مبارك المهدي مع بعض الناس إلى الحكومة، وأنشأ “حزب الأمة للإصلاح والتجديد”، وفى دستور حزب الأمة القومي: أي عضو ينشئ حزباً يتم إسقاط عضويته، لذلك سقطت عضوية مبارك المهدي وجماعته، وكان ذلك عام 2002 ومنذ ذلك الحين الأغلبية عادت إلى الحزب، واعتبرت ما حدث مسألة باطلة، بينما انضم آخرون إلى المؤتمر الوطني وآخرون انشأوا “حزيبات” وأنا أسميتها: “شقق مفروشة” وعلى كل شقة كتبوا العديد من العناوين، وكل هؤلاء اعتبرهم “دراب” (الحجارة الكبيرة) وقع من جماعة مبارك المهدي الذي لم تتعامل معه الحكومة كقيادي حزبي، وأرسلوا له خطاب فصله من الحكومة “بالسركي” وطلب من المجموعة التي دخلت معه الحكومة الاستقالة، وقاموا بتسليم مبارك استقالاتهم، وقال للحكومة: إن مجموعته يمكنها الرجوع إلى الحكومة ولا يؤخذ إجراء ضدي، لأني رئيس الحزب وتم الاتفاق على تشكيل لجنة برئاسة الزهاوي، للتفاوض مع المؤتمر الوطني الذي اشترط عدم عودة مبارك للحكومة، لذلك فإن تلك المجموعة “فكوا مبارك عكس الهواء”، ودخلوا الحكومة ومزقوا استقالاتهم، لذلك لن يقبل بعودته للحزب إلا في إطار نقد ذاتي شفاف، وضمانات بألا يكرر هذا “السلوك الشائن”، ومبارك الشخص الوحيد الذي انشق وعمل لنفسه كياناً وتآمر على حزب الأمة القومي، أما الدكتور”آدم مادبوا ” فقد نظم الحزب مؤتمراً جامعاً حضرته كافة القوى السياسية ومجلس الأحزاب وغيرها، وتم ذلك بإتباع كافة الإجراءات، وهو موثق بالصوت والصورة وترشح بعض الأعضاء إلى الأمانة العامة والمكتب السياسي، وأجريت الانتخابات.. ففاز من فاز وسقط من سقط، وقام “الساقطون” بتهنئة الفائزين فى نفس المؤتمر، وكان دكتور “آدم مادبوا” خارج البلاد وله أصدقاء داخل الحزب، وعند عودته أشار إلى حدوث أخطاء في إجراءات الهيئة المركزية التي انتخبت من قبل المؤتمر العام، حسب الدستور وعضويتها يجب الا تقل عن 15% من أعضاء المؤتمر العام، وطلب بعض الأعضاء من القوى الحديثة من الشباب والفئات، بزيادة عضوية الهيئة المركزية ولم أكن أحد الموافقين على هذه الخطوة، ولكن حدثت ضغوط وتمت الموافقة على زيادة العضوية، وقام “مادبوا” بتأسيس ما سمي “بالتيار العام” لكنه لم يكرر غلطة “مبارك المهدي” بتأسيس كيان حزبي مستقل، وبعض أعضاء هذا التيار العام انضموا إلى المؤتمر الوطني، وبعضهم عادوا إلى حزب الأمة القومي، مثل “محمد عبدالله الدومة” وبعضهم دخلوا في الحركات المختلفة، وأعتبر البناء الذي أسسه “مادبوا” عملاً ضد الحزب، لأنه جاء بعد أن أقر المؤتمر العام جملة من القرارات، وعندما تمت محاسبته من قبل الهيئة المركزية قدم استقالته.. وغالبية هيئات الحزب لا أترأسها، ولكل منها رئيس، والمكتب السياسي والأمانة العامة والمؤتمر العام عنده رئيس، وأنا أحضُر اجتماعات هذه الكيانات، بإعتباري عضواً وليس كرئيس للحزب، وإن أردت الحديث، استأذن من رئيس الجلسة.. وقد اقترحت قيادات الهيئة المركزية، بين صديق المستقيل وإبراهيم الأمين المنتخب، حيث تم الاتفاق على ان يبقى إبراهيم الأمين، أمينا عاماً بالتراضي، دون انتخابات.. لكن إبراهيم فشل طوال عامين بتأسيس الأمانة العامة للحزب، وبذلنا الكثير من الجهود لمساعدته من خلال تشكيل لجنة من 25 عضواً، لإيجاد خروج للموضوع واتهمه البعض بأنه يريد تشكيل أمانة عامة عبر “لوبي” محدد.

لجنة وفاقية

وقال: اتفقنا على دعوة الهيئة المركزية للحزب فى اول مايو 2014، لمناقشة آليات إيجاد حل للقضية، وكان من المفترض أن يوضح إبراهيم الأمين كافة السيناريوهات التي حدثت في عدم قدرته على تشكيل الأمانة العامة، ويكشف كافة العقبات التى واجهته بشفافية ووضوح، لكن إبراهيم الأمين رأى أنه سوف يهزم في اجتماع الهيئة المركزية، لذلك قرر عدم حضور الاجتماع، وزارني فى المنزل وتحدث كثيراً وحملت عباراته “ولاء شخصياً لي”، فطلبت منه حضور الاجتماع وعرض تقرير يكشف فيه أسباب عدم قدرته على تشكيل الأمانة العامة، ومَن كانوا وراء ذلك، وإعادة الثقة فيه أو فشلت في تشكيل مكتب الأمانة العامة، ولكنه لم يحضر الاجتماع، وأقرت الهيئة المركزية سحب الثقة منه بالإجماع، وترشح ثلاثة أعضاء انتهت بفوز السيد “سارة نقدالله” ولكن هؤلاء الثلاثة كل واحد منهم عمل “فاول” في نفسه، وحالياً هناك لجنة وفاقية تتحرك لرأب الصدع، وجمع الناس وغالبية من كانوا مع مبارك المهدي و”ابراهيم مادبوا” عادوا الى الحزب، لكن الأشخاص الذين انضموا إلى الحكومة ليس لهم مجال، وتم شطبهم من الحزب، أما الآخرون الذين ارتكبوا أخطاء وراجعوا أنفسهم، فليس هناك مانع من عودتهم للحزب، شرط أن يلتزموا بدستور الحزب وآراء الأعضاء، والالتزام بعدم القيام بأي قرارات انفرادية.

فرق تسد

الشعب السوداني بين فكي كماشة: الحكومة، والمعارضة المتفككة والضعيفة، وانتم مسؤولون أيضا عما يجري في السودان؟

أولا طول العمر مع سوء العمل شقاء.. وحزب المؤتمر الوطني جالس في صاج، وظاهرة استخدام مفاصل السلطة حتى تستثمر لأطول فترة، فهذا ليس مجدياً، وتسبب في مشاكل كبيرة للسودان.. والنظام اكتسب شيئا من شرعيته الدولية، ووجوده، من الحرب الأهلية، وقضية فصل الجنوب، واعترف بأن المعارضة تواجه درجة عالية من التمزق، ولكن أسبابها موضوعية مرتكزة على سياسة “فرق تسد” التى تطبقها أجهزة النظام، ولكن رغم كل ذلك فهو ليس أسعد حالياً رغم امتلاكه العديد من المنافع والمال والنفوذ والوظائف، حيث خرجت من مظلته نحو عشرة تنظيمات، ومن اخطر القضايا أن القوات المسلحة ليست قائمة بدورها المأمول فى دولة حديثة، وتعتمد الحكومة حالياً على مليشيات قبلية.

موقف المؤتمر الشعبي من الحراك السياسي الحالي متقلب ومتذبذب، كيف ترى دوره ومواقفه على الساحة السياسية؟

التجربة الإسلامية السودانية فاشلة، وليس لها قبول ومستقبل، وعليها مآخذ كبيرة وكثيرة، وجماعة الرئيس المصري المعزول “محمد مرسي”، تضرروا منها، من خلال الاستفادة من تجربة السودان، فى التمكين والمؤتمر الوطني، حالياً كل همه استرضاء وتحسين صورته مع الإخوة فى مصر، ودول الخليج، واعتقد أن أي تعاون مع الدكتور الترابي، يثير الجميع لأن مواقفه غير مفهومة ومتقلبة.. اختلف مع النظام وقال في التجربة “ما لم يقله مالك في الخمر”، وعندما حدثت قضية محكمة الجنايات الدولية، كان رأينا ضرورة التوصل إلى صيغة توفق بين الاستقرار والمساءلة، لذلك رفضنا تسليم البشير لأن اعتقاله يتسبب في مشاكل، وعدم استقرار في السودان، وفى نفس الوقت طالب دكتور حسن الترابي، بتسليم البشير للمحكمة، وعندما اجتمعنا مع البشير في حوار “الوثبة” ووافقنا على أن تكون آلية الحوار بالتراضي، وتكون متساوية، لكننا طلبنا أن يرأس اللقاء شخص محايد، كما حدث في جنوب إفريقيا، لكن الدكتور الترابي “بالغ في التقارب” من النظام، وطالب بأن يرأس الاجتماع البشير، ويكون له حق تعيين ممثلي الأحزاب المشاركة فيه.. لماذا حدث هذا؟ ولدي تحليلي الشخص لذلك، ولكنى لا أريد أن أفصح عنه حاليا.. والظاهر لنا أن “المؤتمر الشعبي” غيّر موقفه بالكامل، وهذا في رأيي يفقده نوعاً من المصداقية.. والحركة الإسلامية ترى أن التجربة السودانية ينبغى الابتعاد عنها تماماً، أو الاقتراب أو الاقتباس منها، وعندما التقى بعدد من كوادر الحزب مثل “المحبوب عبدالسلام” و”علي الحاج ” المقيم حالياً في ألمانيا، أجد أن مواقفهم مختلفة.

حالة فوضى

ما يجري في السودان!! كيف ترى حاضره ومستقبله، وما الحلول للخروج من النفق، الذي هو فيه الآن؟

أرى شخصيا أن المنطقة كلها في حالة من الفوضى، وفي مرحلة انتقالية.. بعضها سيناريوهاته واضحة، والأخرى غير واضحة، وهى في حاجة ماسة إلى “صبح جديد”، ولكن كيف تكون، ومتى تكون؟.. لا أدري.. لكنى أرى أن اقرب الناس للخروج من هذا المستنقع هو السودان.

عبر الحوار أو عبر وسائل اخرى؟

بالحوار الوطني.. لأنه الأفضل، ولكن احتمال حدوث “انفجار” من داخل النظام وارد، ونحن سنجتهد ألا تحدث أي محاولة للإطاحة بالنظام عبر الوسائل العسكرية وبالقوة، وهناك ثلاثة سيناريوهات متوقعة: أما انفجار من داخل النظام تحت الضغوط المختلفة، أو انتفاضة سلمية تحسمها القوات المسلحة في مرحلة ما!! أو انقلاب عسكري.. ولكننا سنتحرك بكل الوسائل الممكنة ليأتي الحل سلمياً، مثل ما حدث في جنوب إفريقيا.. واليوم: رغم كل المساجلات هنا وهناك، ليست هناك قطيعة كاملة مع النظام.

الشرق