خطبة الجمعة 25/ربيع الثاني/1426للهجرة 3/6/2005م بمسجد ودنوباي

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

بسم الله الرحمن الرحيم

الله أكبر ولله الحمد

خطبة الجمعة 25/ربيع الثاني/1426للهجرة 3/6/2005م

بمسجد ودنوباي

الإمام الصادق المهدي

 

الحمد لله. والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن ولاه:

أحبابي في الله وأخواني في الوطن العزيز قال تعالى:

(لاَّ يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ وَكَانَ اللّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا )[1]

وقال: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ)[2]

المسلمون في عالمنا هذا مظلومون. فعندما انتهت الحرب العالمية الأولى عام 1918 م بدد شمل الدولة العثمانية واتفقت بريطانيا وفرنسا على تقسيم الجسم العربي بمعاهدة ( سايكس بيكو) وصدر من بريطانيا وعد بلفور لإعطاء اليهود أرضا في فلسطين على حساب أهلها، فانتهت الحرب العالمية الأولي وقد قع الظلم على رؤوس المسلمين. وبعد نهاية الحرب العالمية الثانية في عام 1945م  صفيت الإمبراطوريات البريطانية والفرنسية وغيرها وهنا أيضا وقعت مظالم على المسلمين أهمها إنشاء دولة إسرائيل على حساب أهل فلسطين في عام 1948م وكذلك وقع غبن على أهل كشمير. وعندما رحل الاستعمار عن أفريقيا ترك المسلمين في أفريقيا جنوب الصحراء مظلومين مضطهدين ومهمشين. وهنا في السودان قام الاستعمار  بمحاربة الإسلام عن طريق ما أسماه ( بالمناطق المقفولة) ثم كانت الحرب العالمية الثالثة ( الحرب الباردة) بين أمريكا وروسيا وقد انتهت عام 1989م وبعدها اتجهت الولايات المتحدة الأمريكية لفرض هيمنة على العالم من أهم وسائلها السيطرة على منابع  النفط في العالم وبما أن جزءا كبيرا من النفط يوجد في بلاد عربية وإسلامية فإن سعي الولايات المتحدة للسيطرة عليه كان على حساب المسلمين. ثم اطمأنت إسرائيل على وضعها في المنطقة اعتمادا على التأييد الأمريكي ففرضت على أهل فلسطين غطرسة وظلما واضطهادا. هذه المظالم المتراكمة تفسر الغضب الذي يجأر ويجهر به كثير من المسلمين وقد أعلن بعضهم حربا على القوى الدولية بصورة غير نظامية مثل الهجوم الذي شن على الولايات المتحدة في 11سبتمبر 2001م، فهذه الغضبة لا نبررها ولكن نفسرها بأنها نتيجة لهذا التراكم من المظالم التي وقعت على المسلمين عموديا في كل المراحل الماضية.

في السودان صورة مختلفة حيث إننا في عهد الاستقلال وبعد أن تسلمت السلطة حكومات وطنية عاملنا الآخرين من غير المسلمين معاملة استعلاء ثقافي  بلغ قمته في عهد الإنقاذ. فيجب أن نعترف بذلك كما يجب على الآخرين الاعتراف بالمظالم التي وقعت على المسلمين في مناطق العالم الأخرى.

قد سام أهل الإنقاذ الإخوة في الجنوب  استعلاء معروفا ومسجلا ومشهورا وقد دفعهم إلى ذلك طموح إسلامي كبير دون مراعاة لواقع الحال جعلهم يهتفون (سنرفع الآذان في الفاتيكان)، ولكن كل من يحاول شيئا أكبر من قدراته يصل إلى نتيجة عكسية.

من لم يقف عند انتهاء قدره ***  تقاصرت عنه طويلات الخطا

ينبغي أن نعترف بهذا الاستعلاء الديني والثقافي وأن نضمد جراحاته ونعمل على أن يكون إخوتنا من أهل الجنوب متساوين معنا في حقوق المواطنة ولكن في حساب التظالم والتعادل يجب أن يعترفوا هم بأن سياسة المناطق المقفولة كانت موجهة ضد المسلمين فنعترف بما لنا وما علينا ويعترفوا هم بما لهم وما عليهم لنصل إلى تسوية على أساس (لا تظلمون ولا تظلمون) وعليهم أيضا أن يتراجعوا عن العصبيات المسيحية، فقد شهدنا في الأيام الماضية معركة طويلة حول ذكر (بسم الله الرحمن الرحيم ) في الدستور، هناك أمور صارت دارجة ومقبولة، مثلا نحن المسلمين نقبل التاريخ الميلادي أي تاريخ ميلاد عيسى عليه السلام وهو رمز ديني مسيحي ومع ذلك فإننا نؤرخ به ونصرف به أمور معاشنا. فلماذا لا يبادلوننا هم نفس التسامح حتى نتمكن من استيعاب بعضنا البعض والتعايش مع بعضنا البعض. كما شهدنا أيضا معركة تغيير العملة الذي يكلف ثمانين مليون دولار وهذه الأموال أحق بها أولوياتنا التنموية والاستثمارية الخدمية لاسيما أن هناك تقرير مصير وقد نضطر بموجبه لتغيير العملة إذا أدى إلى انفصال، ونحن نتعامل بالدولار وفيه رمزية دينية كبيرة حيث كتبت عليه عبارة دينية (توكلنا على الله) وعليه صورة شخص مسيحي فما دمنا نحن المسلمين نقبل بعض الرموز المسيحية على المسيحيين بالمقابل أن يقبلوا بعض الرموز الإسلامية ما دامت لا تلزمهم بشيء تأسيسا للتعايش، وابتداء نحن كنا ضد تغيير العملة إلى الدينار المتداول حاليا ولكننا الآن نرفض تغييره منعا لإهدار أموال طائلة في أمر لا معنى له وكلمة (دينار) نفسها ليست عربية أو إسلامية.

لكي نؤسس للتسامح و التعايش علينا أن نحتكم دائما إلى العدل وهو قيمة أساسية في الإسلام، فهو ثاني قيمة عند المسلم بعد التوحيد مثلما أن الظلم هو ثاني موبقة بعد الشرك.

قال ابن القيم (كل ما تحقق به العدل هو من شرع الله وإن لم يرد به نص) وقال ابن تيميه: (إن الله يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة ولا يقيم الظالمة وإن كانت مسلمة، إن الدنيا تدوم مع العدل والكفر ولا تدوم مع الظلم والإسلام) وقال ( أينما كان العدل فثم شرع الله ودينه) إن قضية العدل هذه تفسر لنا سورة الفيل قوله تعالى🙁 (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ *  أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ )[3]

 

إن أصحاب الفيل هؤلاء كانوا مسيحيين وفي ذلك الوقت كانوا يمثلون جانب التوحيد والكعبة كانت وثنية فقبل بعثة محمد صلى الله عليه وسلم كانت رسالة السماء هي المسيحية فلماذا خاب مسعى أصحاب الفيل؟

بعض المفسرين فسروا ذلك بأنه إرهاص للدعوة الإسلامية ولكن هذا ليس صحيحا لأن التوحيد في ذلك الوقت كان مسيحيا وكان رسول الله هو عيسى عليه السلام، فالتفسير الصحيح هو أن أصحاب الفيل قد حملوا ظلما ولذلك كان البطش والبأس الإلهي عليهم أي أن الله أحبط كيد الظالمين لظلمهم.

انطلاقا من مقياس العدل فإننا في السودان نطالب بأن تقاس اتفاقية السلام ومشروع الدستور بمقياس العدل: ” لا تظلمون ولا تظلمون” لذلك قلنا إن الاتفاقية والدستور يلزمان من اشترك فيهما ولا يلزمان غيرهما إلا بموجب اتفاق عبر ملتقى جامع أو مؤتمر دستوري وهذا عين العدل، فلا يمكن أن تغيب القوى السياسية الأخرى وتلزم بما اتفق عليه طرفا الاتفاق، فالقوى المغيبة لا بد أن يسمع رأيها. وهذا هو هدف المنبر الذي كوناه قبل أيام (تحالف القوى الوطنية) هدف هذا المنبر تحقيق العدل والمطالبة بأن يسمع صوت المغيبين فلا ينبغي لمن يطالبون بتحقيق العدل لأنفسهم وإزالة التهميش أن يهمشوا الآخرين.

ويطيب لي أن أذكر بالخير الأمين العام للمؤتمر الوطني الذي حيا هذا الاتفاق وتعامل معه بإيجابية وهذا هو المنطق الذي كنا نفتقده.

إننا نطالب أخوتنا بأن يتعاملوا معنا بالعدل فلا يمكن أن يقولوا: نحن اتفقنا وعليكم انتم الطاعة والامتثال !! فهذا غير معقول وغير ممكن!! فالمطلوب هو تفاعل الرأي والرأي الآخر واحتكامهما للعقل والعدل، وانطلاقا من ذلك فإننا نحي الدكتور إبراهيم أحمد عمر على الروح الوطنية التي استقبل بها الاتفاق الذي وقعه (تحالف القوى الوطنية) فهذه هي الروح الحضارية التي يمكن أن نتجاوز بها الخلافات، فتوجد بين الناس اختلافات كثيرة ولكنهم إن كانوا واعين لمصالح وطنهم فإن عليهم أن يضعوا مقياسا من العدل والعقل يتحاورون على أساسه ثم يحتكمون للشعب لحسم الخلافات، فالشعب هو السيد فوق كل سيد وصاحب الحق الأعلى في البلاد. وفي هذا الإطار فإننا نقول إذا سيطر على المنطقة منطق الحق والعدل والعقل فإننا على استعداد لأن نجد حلا لكل خلاف على هذا الأساس، نحن على اتصال بكل القوى السياسية التي تحمل القلم والتي تحمل السلاح ونستطيع أن نتفق معهم جميعا على أساس أن يعطى كل ذي حق حقه (لا تظلمون ولا تظلمون)

ونقول لأهل الإنقاذ لقد أبعدتمونا وهمشتمونا واضطهدتمونا وأزلتم مواقعنا كلها ولكن موقعنا الشعبي ما زال يزداد قوة وسكينة وثباتا ومن هذا المنطلق لا نريد أن نستخدم هذه القوة الشعبية بأسا ضد أي أحد ولكن يمكن أن نستخدمها وسيلة لتحقيق إجماع شعبي يحقق سلاما عادلا وتحولا ديمقراطيا يسمح لحسم الأشياء المختلف عليها بالحق والعدل والحرية وقرار الشعب، وهذا ما نصبو إليه ونتطلع إليه ونعتقد أن ذلك ممكن، فإن كانت هناك  تباشير استعداد لهذا المنطق فإن الجميع سيجدوننا في كل هذه المواقع نبادلهم تحية بتحية وخطوة بخطوة حتى نحقق للسودان مخرجه إنشاء الله. قال تعالى (لقد أرسلنا رُسُلَنا بالبيِّناتِ وأنزلنا معهمُ الكتابَ والميزانَ ليقومَ النَّاسُ بالقِسْطِ وأنزلنا الحديدَ فيه بأْسٌ شديدٌ)[4]   فالعدل والقسط والميزان وأشباه  معانيها مذكورة في القرآن ألف مرة. هذه المعاني تدل على أهمية العدل عند رب العالمين. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث قدسي: ” يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا” وقال عليه الصلاة والسلام  (اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة” وقال: ” أحب الخلق إلى الله إمام عادل وأبغضهم إليه إمام جائر” وقال:” أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر”

استغفر الله لي ولكم.

الخطبة الثانية

بسم الله الرحمن الرحيم

قال تعالى(قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)[5].

أحبابي في الله أخواني في الوطن العزيز:

الظلم الواقع على المسلمين دفع جماعة متحمسة(تنظيم القاعدة) للتصدي له باجتهادها. فأعلنت حربا عليه برؤية قاصرة لأنهم أعلنت حربا بموجبها يقتل كل أمريكي رجلا أو امرأة ذكرا أو أنثى شيخا أو شابا مدنيا أو عسكريا باعتبار أن هذا القتل  واجب وفرض على كل مسلم في كل مكان، فهذه اجتهادات غير صحيحة وغير سليمة فالقتال في الإسلام له ضوابط شرعية،  وهؤلاء المتحمسون شنوا حربا على الولايات المتحدة الأمريكية احتجاجا على الظلم وتصديا له، هذه الحرب جرت على بلاد المسلمين ويلات لأن الجهة المستهدفة بها ردت بقوة خشنة حيث إن للولايات المتحدة قدرات كبيرة فالصرف العسكري فيها يبلغ جملة  صرف الدول الثمانية، والناتج القومي الأمريكي 27% من الناتج العالمي. ويساوي الناتج القومي لليابان وألمانيا وفرنسا مجتمعة. الولايات المتحدة تجمع بين القوة الخشنة والناعمة  وهي تهدف إلى السيطرة على  النفط في هذه المنطقة لأن ذلك يمكنها من السيطرة العالمية  وتريد أن تدعم موقف إسرائيل  أن تفرض رؤاها في الحكم والإدارة على منطقتنا، والهجوم عليها بهذه الصورة يمكنها من تنفيذ هذه الاجندة ولذلك نجد أن تصدي بعضنا  لهذه الحرب غير المتكافئة أدى إلى استهداف الولايات المتحدة لمنطقتنا ومصالحنا فأصبح أمامنا مصيران: مصير هؤلاء الاخوة المتحمسين ومصير الاستهداف الأمريكي والمخرج هو أن نجد رؤية إسلامية صحيحة صحوية للخروج من هذا الموقف وإلا فسوف يتبارى  للسيطرة على مستقبلنا هذان الطرفان ولكي نحقق ذلك المخرج نحتاج لصحوة ثقافية وإصلاح ديني، هذا الإصلاح الديني يتناول قضايا كثيرة أهمها:

مفهوم الإسلام: هناك من يقول نحن مسلمين وعلينا طاعة أمر الله ولكن طاعة أمر الله فيها حرية الإنسان وعقله،  ولذلك فإن طاعة الله توجب علينا أن تستخدم عقلنا لإدراك مصالحنا فالإسلام يشمل كل هذه المعاني وهذه الفكرة  يجب أن نغرسها في النفوس.

المعرفة: نعم الوحي مصدر من مصادر معرفتنا ولكن الإلهام والعقل والتجربة كلها مصادر مأذونة ومسموح بها شرعا وضرورية.

الاجتهاد: كثير من السلف قيدونا باجتهاد صوري حبسونا فيه ..

والعقل والمصلحة الإلهام ومقاصد الشريعة لنحدد ما هي مصلحتنا الآن وما هو رأي ديننا الآن باجتهاد مطلوب على أساس أن لكل وقت ومقام حال ولكل زمان وأوان رجال.

الجهاد: إجراء منضبط، فالمسلم مجاهد بمجرد إسلامه فهو كل الحياة وهذا الجهاد لا ينقلب قتالا إلا دفاعا عن النفس:” إذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا” هذه المعاني يجب أن نغرسها وان ننقل بها عقولنا وقلوبنا وفكرنا من الصورة القديمة إلى هذه الصورة النيرة المستنيرة القادرة على استنهاض الإسلام في ظروف العصر.

واستجابة لهذا التحدي نحن الآن نسعى لتكوين مرجعية متجددة. سوف أصدر إنشاء الله هذا الشهر كتابا بعنوان (نحو مرجعية إسلامية متجددة) هذا الكتاب يتناول هذه القضايا ونأمل أن نقدم هذا الكتاب لمائة من علماء المسلين يمثلون كل الطيف الإسلامي: سني، شيعي، صوفي ومستقل  ، تقدمه هيئة شئون الأنصار كمنظمة غير حكومية للنظر في هذا الاجتهاد حتى نتفق مع هؤلاء العلماء على اجتهاد جماعي بيننا  نخرج بمرجعية تنقذ أمتنا من تدابير الغلاة ومن مخططات الغزاة. وهذه قضية مهمة و رسالية. وبموجب هذا الفهم الجديد نسعى للدفاع عن الحقوق و المطالب المشروعة وطنيا وإسلاميا وعربيا وأفريقيا ودوليا فنفوت الفرصة على الغزاة والغلاة، وكل قعود عن هذا المشروع معناه فتح الطريق لبرامج وأجندة الغزاة أو الغلاة.

(قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان والله..)

أحبابي في الله وإخواني في الوطن العزيز أود أمامكم أن أؤبن رجلين مهمين وطنيين سودانيين.

أبدأ بفقيد الوطن الشيخ بشير النفيدي هذا الرجل العصامي الذي كون بعصاميته كيانا استثماريا عظيما كبيرا ومتنوعا في السودان، كان هذا الرجل محسنا يجمع المال جمع من يخشى الفقر ولكن ليصرفه على أعمال الخير وهو كذلك يوظف المال لأغراض اجتماعية وقام بتربية أسرته تربية جادة ومنضبطة دينيا و بعيدة عن التعالي عن الناس  فكان من ضمن ما حقق لنفسه صفة الرجل المربي بحزم وعزم وتقوى، وكانت تتمثل فيه كثير من أخلاق المروءة السودانية بكل معانيها خاصة الكرامة، فلا أنسى أنه يوم قام أحد وزراء المالية في بدايات عهد الإنقاذ وقال نضع أيدينا على أموال الناس فلا يتصرفون إلا في جزء يسير منها بحجة أن الله سبحانه وتعالى قال (وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِيَاماً)[6]

قال الشيخ بشير النفيدي في مواجهة هذه الحجة الداحضة وهذا المنطق المعوج: السفهاء نحن الذين جمعنا هذا المال جمع النمل أم الذين يضعون أيديهم على أموال الناس بدون وجه حق في الشريعة أو العدالة؟؟ من السفهاء نحن الذين جمعنا هذا المال كدا وعرقا ومجهودا أم الذين يضعون أيديهم على أموال الناس بالباطل؟

كانت نتيجة هذا الإجراء الذي اتخذه النظام سيئة  فلم يطمئن الناس لوضع أموالهم في البنوك إلى يومنا هذا، وأصبحوا يحتفظون بأموالهم في خزائنهم خوفا من هذه الإجراءات التعسفية، فالبنك لا يكون بنكا إلا إذا اطمأن الناس أن أموالهم فيه محفوظة ولذلك كان موقفه موقفا كريما شريفا.

ألا رحمه الله رحمة واسعة وأدخله فسيح جناته.

الرجل الثاني هو الأخ المرحوم الأستاذ علي التوم فقد كان على التوم مخلصا لمهنته ولوطنه ولدينه كان رجلا جادا وكان في جديته هذه مثابرا فما لقيته أبدا إلا وهو يحمل كتبا ودراسات أو محاضرات أو آراء أو أفكار أو خطط للبحث في قضايا الوطن ومشاكله  وقبل يومين من وفاته زاراني وتحدثنا عن تنظيم ندوة يشرف عليها البنك الدولي ـ حيث كان ذا علاقة به ـ لكي تنظر في عقد حلقة دراسية عن مستقبل مشروع الجزيرة والمدهش أنه قال من ضمن حديثه: إنني ربما لا أحضر هذه الندوة وكان يمكن أن يفهم من ذلك أنه سيسافر أو سينتقل إلى رحمة مولاه ألا رحمه الله رحمة واسعة كما أخلص ولوطنه.

ألا رحم الله كافة موتانا وبلغ الشفاء جميع مرضانا. اللهم كما لطفت بعظمتك دون اللطفاء وعلوت بعظمتك على العظماء وكانت وساوس الصدور كالعلانية عندك وعلانية القول كالسر في علمك وانقاد كل شئ لعظمتك وخضع كل ذي سلطان لسلطانك اجعل لنا من كل هم أمسينا أو أصبحنا فيه فرجا ومخرجا.

الله ارحمنا وارحم آباءنا واهدنا واهد أبناءنا واجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه وخذ بيد السودان أرض الجدود ومنبت الرزق اللهم من أراد بالسودان خيرا فأعنه عليه ومن أراد بالسودان شرا فاخذله.

عباد الله إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي نعما يعظكم لعلكم..

قوموا إلى صلاتكم.

 

[1] سورة النساء الآية 148

سورة الحج: الآية (39)[2]

[3]  سورة الفيل الآيتان 1 و2

سورة الحديد الآية(35) [4]

[5]  سورة يوسف الآية 108

[6] سورة النساء الآية 5