خطبة عيد الفطر المبارك 16 نوفمبر 2004م

بسم الله الرحمن الرحيم

خطبة عيد الفطر المبارك

أول شوال 1425هـ الموافق 16/11/2004م

مسجد الهجرة بودنوباوي

الخطبة الأولى

الله أكبر .. الله أكبر.. الله أكبر

 

(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا)[1]

(إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[2].

أحبابي في الله وإخواني في الوطن العزيز

أحدثكم في بهجة الفطر عن أحكام هذا اليوم الشرعية. وعن نداء القبلة في الخطبة الأولى. وعن نداء الوطنية في الخطبة الثانية. قال تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ”[3]

الصيام شعيرة في كل الأديان لأن ما فيه من تجرد عن الماديات، وصبر عن الشهوات، وكسر للعادات، وحفاوة بالروحانيات يقيد الحيوانية، ويمدد النورانية.

يا خادم الجسم كم تسعى لخدمـــــته   أتطلب الربح مما فيه خسران؟

أقبل على النفس واستكمل فضائلها             فأنت بالنفس لا بالجسم إنسان

الإسلام ينفرد بين الأديان الكبرى بأنه يذكر التعاليم والشعائر المشتركة بين الأديان من إيمان بالله، والتزام بمكارم الأخلاق، وصلاة وصيام. هذا بينما الأديان الأخرى لا تذكر  تلك الحقائق المشتركة بل تحرص على تفردها.

الوضعيون يحتجون بوجود تعاليم وشعائر مشتركة بين الأديان على أن الأديان من تأليف الإنسان. ولكن الإسلام الذي يذكر التعاليم والشعائر المشتركة بين الأديان يستدل بهذه الحقيقة على ألوهية مصدرها لأنها تعود للفطرة والفطرة من صنع الفاطر سبحانه وتعالى: “فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُون”َ[4]

أحكام الصيام مختلفة بين الأديان وهى في الإسلام التزام عبادي صارم بالإمساك عن شهوتي البطن والفرج من أول النهار إلى آخره. وفى نهاية شهر الصيام شرعت سنة زكاة الفطر شكراً لله على النعمة، وتكافلا اجتماعيا بين المسلمين، وجبراً لما يعتري الصيام من هفوات فكل بنى آدم خطاء وزكاة الفطر كسجدة السهو في الصلاة.

روى أبو داود أن النبي (ص) قال: (زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ فَمَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنَ الصَّدَقَاتِ )[5] وهي تعادل صاعا يخرجه المزكي عن نفسه وعمن يعول عينا أو نقداً من غالب قوته وهى تزن كيلوجرامين من القمح لمن كان غالب قوتهم قمحاً. إن أسعار الذرة والقمح مختلفة ما بين العاصمة والولايات وفيما بين الولايات المختلفة. أما في العاصمة فإن الناس في الغالب يخلطون ما بين الذرة والقمح، ومتوسط ذلك نقدا 3000 جنيها عن الفرد في العاصمة، على أن يتم تقدير الزكاة في كل إقليم حسب ظروفه. وتصرف الزكاة للفقراء وللمساكين. ووقت إخراجها المفضل هو فجر يوم العيد.

وصلاة عيد الفطر ليست ككل صلاة جماعة كما اعتاد كثيرون على ذلك. بل هي تظاهرة إيمانية ضخمة تؤدى جماعة في خلاء ويصحبها الحشد الفخور بإيمانه ويصدح فيها التكبير والتهليل والطبول والصهيل ويؤمها الرجال والنساء والأطفال. قالت أم عطية الأنصارية: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُنَا أَنْ نُخْرِجَ الْعَوَاتِقَ وَالْحُيَّضَ وَذَوَاتِ الْخُدُورِ فَأَمَّا الْحُيَّضُ فَيَعْتَزِلْنَ الْمُصَلَّى وَيَشْهَدْنَ الْخَيْرَ وَالدَّعْوَةَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ)[6].

أحبابي في الله وإخواني في الوطن العزيز

إن شعوب الأمة الإسلامية في كثير من الأوطان محبطة تعانى من فقر وعطالة وظلم اجتماعي ونظم حكم استبدادية. حكومات مع قهرها لشعوبها مطيعة لقوى الهيمنة الدولية ومقصرة في التصدي لبؤر الظلم الواقع على الأمة الإسلامية في مناطق كثيرة من العالم.

هذه الحالة وما فيها من ظلم  داخلي، وإذلال خارجي حركت بعض غلاة المسلمين للقيام بأعمال عنف عشوائي ضد بعض الحكومات في البلاد الإسلامية وضد الولايات الأمريكية المتحدة وأفتوا: ” أن قتل الأمريكان رجالاً ونساءً مدنيين وعسكريين وفى كل مكان في العالم فرض عين على المسلمين”. هذا الموقف الهجومي وما صحبه من هجمات على الولايات المتحدة وحلفائها أشعل حرباً مضادة قادها الأمريكيون باسم القضاء على الإرهاب.

أحبابي في الله وإخواني في الوطن العزيز

إن رفض الظلم الداخلي، ورفض الإذلال الخارجي، والتطلع لتأصيل الحياة بهداية الدين، قضايا عادلة ولكن الغلاة اتخذوا أساليب خاطئة وخطيرة لتأييدها: أساليب العنف العشوائي. خاطئة لأن للعنف أو القتال في الإسلام ضوابط حتى أثناء الجهاد الشرعي فلا يجوز قتل النساء والشيوخ والأطفال وسائر الذين لا يحملون السلاح مع العدو ولا يجوز تخريب أموالهم.وخطيرة لأنها تجر ضد القائمين بها بطشاً هائلاً وفتنة لا تصيبن الذين ظلموا منهم خاصة. إن الحرب التي تشنها الولايات المتحدة وحلفاؤها للدفاع عن النفس لها ما يبررها في القانون الدولي ولكنها تتجاوز هذا الحق عندما تقوم بهجوم مؤسس على معلومات خاطئة. وعندما تدفعها مخاوفها للانفراد بهجوم استباقي.

هذا النوع من الاندفاع يأتي بنتائج عكسية. وعندما أعلن الرئيس الأمريكي عن عزمه على غزو العراق كتبت له خطابا أقول فيه أنني ضد النظام الحاكم في العراق ومن القلائل الذين جهروا بذلك. وقلت له إنك إذا غزوت العراق سوف تنتصر عسكريا ولكن سوف تخفق سياسياً. وهذا ما كان فقد هزمت القوات العراقية وسقط النظام البعثي ولكن الولايات المتحدة والحلفاء وقعوا في مستنقع من الألغام السياسية. مستنقع أتاح لحركات العنف السياسي فرصة ذهبية فتمددوا فيه واكتسبوا ثقة زائدة حتى أنهم صاروا يتطلعون للاستيلاء على السلطة في بعض البلدان الإسلامية.

لقد زاد بريق هذه الحركات في كثير من الأوساط عجز الدول العربية والإسلامية التي عجزت ووقفت مشلولة للأسباب الآتية:

  • تصاعد مشاكلها الداخلية الأمنية والمعيشية.
  • التناقض مع حليفها الإستراتيجي الأمريكي فهو حليفها وفى نفس الوقت مصدر خطر عليها لسببين: تطابق موقفه مع إسرائيل، وتبنيه للإصلاح الديمقراطي. هذا الشلل مهد لزيادة شعبية حركات الغلو الإسلامية.

ولا يرجى احتواء حركات الغلو هذه إلا إذا أزيلت الأسباب الداخلية والخارجية التي أدت إليها، وإلا إذا أبطلت أطروحتها الدينية بطرح معتدل يلقى القبول، وانحسر تأييد الرأي العام في البلدان الإسلامية لها.

الولايات المتحدة لم تفعل شيئاً لإزالة الظلم الواقع على أهل فلسطين. وربما تصورت أن إزالة النظم الدكتاتورية هو الهدف الأهم ولذلك تعددت المبادرات الأمريكية لصالح الديمقراطية في العالم العربي والإسلامي بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001.

التطلع للديمقراطية مطلب شعبي في البلدان الإسلامية والعربية ولكن كثيرين يتشككون في صدقية التوجه الأمريكي.

التحول الديمقراطي لن يتحقق إلا إذا وجدت أحزاب سياسية قوية تعمل له. وإلا إذا وجد مجتمع مدني قوى بمراكزه الفكرية، ونقاباته الحرة، واقتصاده الحر. ولكن الانحياز الأمريكي اللفظي للتحول الديمقراطي لم يصحبه اهتمام بهذه الحقائق بل مازالت الاهتمامات الأمريكية بأصحاب السلطة، أو أصحاب السلاح، أو القوى الاجتماعية القائمة على ولاء ديني أو قبلي جامد.

وما زاد الأمر ريبة هو ارتباط الدعوة الأمريكية للديمقراطية بمشروع الشرق الأوسط الكبير الذي يرى فيه كثيرون كيانا هلاميا يحاول دمج إسرائيل في المنطقة دون أن تدفع استحقاقات التطبيع برد حقوق أهل فلسطين. لمواجهة هذه الحالة فإن السياسة الأمريكية مطالبة بالعدالة الإستباقية.  قال المؤرخ الأمريكي الشهير آرثر سليزنجر في العدد الأخير لمجلة نيويورك رفيو أوف بوكس: ” إن التماهي الأمريكي مع إسرائيل وشارون هو السبب الأهم لكراهية العرب لأمريكا”. هذه الشكوك تجعل المشروع الأمريكي مشروع غزاة.

ومع العجز السائد في الأوساط العربية والإسلامية حالياً فإن المنطقة تشهد تنافسا حاداً بين مشروع الغلاة ومشروع الغزاة. إن على حماة الإسلام أن يهبوا لإنقاذه وإنقاذ أهل القبلة من ذينك الخطرين لكي يحتل الإسلام مكانه المنشود فهو الدين الخاتم وأكثر الأديان تأهيلاً ليصير دين الإنسانية. لأنه ينفرد بين الأديان بالاعتراف للإنسان بالكرامة لإنسانيته. قال تعالى: ” وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا”[7]. والدين الذي يتعايش مع الأديان الأخرى بموجب اعترافه بالتعددية الدينية. قال تعالى: ”  لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ”[8]. والدين الذي يمحو التناقض بين حقائق الوحي وحقائق العقل.

إنه المؤهل ليصير دين الإنسانية. قال تعالى: ” وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ “[9].

إننا نحن أنصار الله نستعد عن طريق المرجعية الإسلامية المتجددة أن نلبي هذا النداء ونتطلع أن يلبيه معنا آخرون. إن أوراق اعتمادنا للمساهمة المشروعة في صياغة وتلبية هذا النداء هي:

  • الإمام المؤسس الأول أسس الدعوة التي جسدت تطلعات أهل القبلة في زمانه، ووضع تعاليم صالحة لتجاوز خلافات المسلمين المذهبية، وصالحة لتجديد اجتهاداتهم مع الزمان والمكان.
  • وخليفته الأول عبد الله شيد الدولة المستقلة من السلطان الأجنبي في ظروف التكالب الاستعماري على أفريقيا. شيدها بأفضل ما في الخامة الاجتماعية السودانية. وعندما حاصر الدولة تحالف احتجاج داخلي وغزو خارجي مسلح بتقنيات قتالية مستحدثة رفض الاستسلام وأبقى بدمائه الجذوة حية.
  • والإمام المؤسس الثاني بعث الدعوة في تصالح مع روح التسامح السوداني المعهود. وفى تصالح مع العصر.
  • وخليفته الأول الصديق واصل الراية مرفوعة وعززها بالمرجعية الشعبية والآلية الديمقراطية.
  • وخليفته الثاني الهادي واصل المشوار وفى وجه الطغيان الداخلي كرر موقف خليفة المهدى وغذى الراية بدمه.
  • وفي المرحلة الحالية استطاع اجتهادنا وجهادنا المدني أن يخرج الدعوة من شبهات الأحادية والجمود الطائفي إلى حقيقتها كدعوة لتجديد شباب الدين واستيعاب مستجدات الزمان والمكان. استطاع اجتهادنا أن يخرج الدعوة من خصوصيات التوريث إلى مرجعية التجديد بمقولة لكل وقت ومقام حال ولكل زمان وأوان رجال فاستطعنا تطوير مواعين الدعوة الفكرية للتوفيق بين التأصيل والتحديث، وتطوير مواعينها التنظيمية لتحقيق المؤسسية والمشاركة الإنتخابية .
  • هؤلاء الهداة وأعوانهم غرسوا دعوة أصيلة، صامدة، متجددة، معززة طول حياتها برافدي الاجتهاد والجهاد في صورتيه القتالي والمدني. دعوة انتصرت لمقاصد الشريعة الإسلامية ومطالب الوطنية السودانية عبر قرن وزيادة من الزمان.

ويكفيها فخراًً أنها بأساليبها الدينية والسياسية تصدت لكل وجوه التسلط الأجنبي الخارجي، وكل وجوه التسلط الداخلي وأبطلت أطروحات كل تسلط تلفح ببردة الإسلام.

كل الغزاة وكل الطغاة استهدفوا كياننا هذا وتصدى لهم هذا الكيان. وكل الغزاة والطغاة استمالوا إلى جانبهم أفرادا وجماعات محدودة من داخل هذا الكيان ليساعدوا في تعطيل عطائه الديني والوطني. استمالات مكثرة ولكنها بالعناية الإلهية مكسرة.

            كم هز دوحك من قزم يطاوله                       فلم يطله ولم تقصر ولم يطل

قال تعالى: ” إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنْ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ “[10]  . وقال ” أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ “[11]. وقال النبي (ص) ( مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الْإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا)[12].. والله تعالى وعد الناس بألا يبقى إلا ما ينفع.

اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا واغفر لنا. آمين


الخطبة الثانية

الله أكبر                    الله أكبر                   الله أكبر

(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ)[13]. والصلاة على نبي الرحمة وآله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين.

أحبابي في الله وإخواني في الوطن العزيز.

ورثنا نحن أهل السودان من عهد الاستعمار دولة فيها محاسن ومساوئ.

محاسنها كثيرة أذكر منها خمسة:

  • سيادة كاملة على كل أراضيها.
  • اقتصاد حديث ينتج مع الاقتصاد التقليدي ما يكفى حاجة البلاد الاستهلاكية، ويغطى فاتورة الاستيراد، ويمول تنمية محدودة.
  • دوله رعاية اجتماعية تشمل الصحة والتعليم.
  • نظاماً إدارياً ذا كفاءة وبتكلفة معقولة.
  • نظاما دستوريا قائما ً على المشاركة، والمساءلة، والشفافية، وسيادة حكم القانون.

ومساوئها كثيرة أذكر منها أربعة:

  • مناطق كانت مقفولة ثلاثين عاما تتباين ثقافيا مع بقية أنحاء البلاد وغرس الاستعمار فيها هوية جديدة انجلوفونية مسيحية.
  • الخريطة التنموية في القطاع الحديث، وخريطة توزيع الخدمات الاجتماعية، عانتا من خلل في التوازن بين القطاعين الحديث والتقليدي، وبين المركز والأطراف.
  • دولة فيها حريات لبرالية واسعة تمددت فيها أنشطة راديكالية غذتها صراعات الحرب الباردة بين المعسكرين، وصراعات الحرب الباردة بين الإسلاميين والعلمانيين.
  • خلل في توازن النضج بين أجهزة أمن ودفاع نالت نصيب الأسد من الاهتمام والتدريب، وأجهزة المجتمع المدني الحزبية والنقابية التي عانت من المعاكسة والتضييق.

كان على الحركة السياسية السودانية أن تدعم هذه المحاسن، وأن تزيل هذه المساوئ محققة التطور السياسي للبلاد.

ولكن ظروفاً داخلية وخارجية حالت دون القيام بهذه المهمة بالسرعة العادية، وفتحت الطريق لحركات مغامرة اختارت أن تقفز عبر المراحل وأن تحقق الأهداف بالسرعة الانقلابية.

كنا أثناء الديمقراطية الثالثة بالسرعة العادية وفى ظل الشرعية الدستورية قد تطرقنا لأهم القضايا المصيرية الشاغلة للوطن: قضايا السلام، والتنمية، والأسلمة، وحققنا تقدما ملموسا فاعتمدنا خطة قومية للتنمية والإصلاحات الاجتماعية.. على سبيل المثال: وجدنا النمو الاقتصادي سالب 12% في أواخر العهد المايوي وارتفع إلى موجب 12% في آخر العهد الديمقراطي. وكانت هنالك دولة رعاية اجتماعية.

ووضعنا إطارا قوميا للأسلمة. ووضعنا برنامجا قوميا للسلام ينطلق من مؤتمر قومي دستوري يعقد في 18/9/1989م. وتحضيراً للمؤتمر توصلنا لمعادلات للتوفيق بين التأصيل والتحديث، والوحدة والتنوع، والإسلامي والعلماني، والمركزي والطرفي، وجعلنا من هذه المفردات أجندة المؤتمر القومي الدستوري المنشود. كما توصلنا لاتفاقية لوقف إطلاق النار مع الحركة الشعبية كانت سارية المفعول.

ولكن في يونيو 1989م قطع الانقلاب الطريق أمام هذا الأسلوب بسرعته العادية وفرض التعامل مع قضايا البلاد بالسرعة الانقلابية. ومهما كانت نوايا أصحاب المغامرة فإن السودان يقف اليوم بعد كل هذه السنوات تحت وصاية دولية، وتمزق جهوي، وجبهات اقتتال كثيرة بعضها متأهب للاشتعال.

والنظام السوداني ساقته سياساته للعداء مع مجلس الأمن الدولي بصورة غير مسبوقة لأي نظام سوداني بموجب القرارين 1556 و 1564.

وبموجبهما فإن النظام خاضع لمراجعة دولية شهرية لتأكيد امتثاله للشرعية الدولية.

والنظام السوداني كذلك تحت التحقيق الجنائي للتحري في تهمة الإبادة الجماعية في دار فور، والنظام ملاحق بقانون سلام السودان الأمريكي الصادر في نوفمبر 2002م، والقانون الأمريكي الجديد المسمى قانون السلام الشامل في السودان الصادر في أكتوبر 2004م . هذه العوامل تحاصر النظام وتغذى كافة الأجندات المضادة له.

في وجه هذا الحصار الداخلي والخارجي تقول بعض الأطراف المشاركة في إبرام بروتوكولات نيفاشا أن قضايا السودان سوف تحسم جميعها إذا أكملنا تلك البروتوكولات ووقعناها نهائياً.

بروتوكولات نيفاشا إنجازات حقيقية لا سيما ما حققت من وقف للعدائيات، وحلول تقوم على المعادلات الوفاقية، وفترة انتقالية لاختبار التعايش في ظل سودان عادل، وتقرير المصير لأهل الجنوب، والتزام بحقوق الإنسان الدولية، وبرنامج للتحول الديمقراطي، وإقرار لامركزية حقيقية، وإيجاد معادلات للمشاركة في السلطة والثروة. ولكن البروتوكولات بنصها الحالي تنطوي على عيوب في تحقيق السلام العادل والتحول الديمقراطي والمصلحة الوطنية.

لقد عددنا في مقام آخر عيوب بروتوكولات السلام بمقياس العدالة والمصلحة الوطنية، وأهمها: تقسيم البلاد على أساس ديني، وعدم قومية القوات المسلحة والتزامها بعقيدة معينة، وإهمال بقية الفصائل المسلحة عدا التابعة لطرفي التفاوض، وثنائية النظام المصرفي بين نظام يسمى إسلامي في الشمال بموجب اجتهاد أحادي ونظام تقليدي في الجنوب. والتوزيع القبلي للثروة في أبيي، والغموض في نصوص وتوقيتات الانتخابات الديمقراطية. وقد بينا أوجه التناقض في بعض نصوصها، والقضايا الهامة التي أهملتها، وقدمنا مقترحات لتجاوز عيوبها المذكورة. البروتوكولات بوضعها الحالي ثنائية ولا تلزم إلا طرفيها والموالين أي  المنخرطين موضوعياً فيهما.

إن أزمة دار فور المحتدة منذ عام 2002 وما جرى فيها من فعل ورد فعل بين أطراف النزاع غيرت المناخ السياسي الداخلي والخارجي للسودان، وخلقت مأساة إنسانية غير مسبوقة، وعبأت الرأي العام العالمي تعبئة مضادة للنظام السوداني، وأدخلت مجلس الأمن الدولي طرفا أساسيا في الشأن السوداني. ونتيجة لكل هذا صارت قضايا السودان تحت رعاية الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة. إن محاولة حل مشكلة دار فور على نمط بروتوكولات نيفاشا غير مجدية لأن في دار فور نوعان من المشاكل:

الأول: بين المركز والأطراف.

والثاني: بين أهل دار فور أنفسهم.

هذا النوع الثاني من المشاكل لا يصلح أنموذج نيفاشا للتعامل معه. كما أن ما في أنموذج نيفاشا من اقتسام ثنائي للسلطة والثروة، وما فيه من اقتسام قبلي لعائدات النفط كما في معادلة أبيي نماذج غير صالحة وغير عادلة.

إن اللقاءات الثنائية بين الحكومة وحملة السلاح في انجمينا، وفى أبوجا، وفى القاهرة، وفى سرت يمكن أن تصلح لمعالجة بعض القضايا الإجرائية كوقف إطلاق النار، ومراقبته، وترتيبات الإغاثة الإنسانية، وحمايتها، ولكنها لا تصلح لحسم القضايا السياسية، والاقتصادية، والإدارية، والأمنية والقبلية. ولكن ما يصلح لذلك إطار قومي جامع من حيث الحضور والأجندة والمكان المناسب.

هنالك أزمات تحت التكوين في مناطق أخرى من السودان أزمات تدفعها عوامل موضوعية وتشجعها المكاسب التي حققها الاحتكام للسلاح وما تبعه حتما من تفاوض ثنائي سُلطت عليه الأضواء. هذه الأزمات ستفرز حركات مسلحة تشمل جميع أقاليم السودان الأمر الذي يدحض جدوى المسارات الثنائية.

إن أقاليم السودان عامة تعانى من مشاكل مشتركة وتجمعها تطلعات مشتركة أهمها المشاركة العادلة في السلطة المركزية، والتوزيع العادل لعائد الثروة والخدمات، ولا مركزية الإدارة، وكافة أهل السودان يتطلعون لقومية مؤسسات الدولة النظامية والمدنية وعدالة المشاركة فيها.

أحبابي في الله وإخواني في الوطن العزيز

إن مشهد الوفود السودانية تشد الرحال إلى أركان العالم الأربعة بحثاً عن حلول ثنائية لقضايا البلاد مشهد مذل للشعور الوطني بالإضافة إلى أنه عديم الجدوى.

لقد كان لاتفاق نيفاشا الثنائي أثرا في تفجير المطالب الثنائية المتلاحقة. ومنذ إعلان نيروبي في يونيو 2004م بين الحكومة والحركة الشعبية اندفع الطرفان في مواصلة النزاع بينهما بأساليب جديدة ويعلنان العمل ضد بعضهما بعضا في مشهد الحلفاء الالدَّاء.

ولا يوجد أدنى تنسيق بين الوسطاء في المنابر المختلفة. “كل في فلك يسبحون”. القاسم المشترك الوحيد هو الرافع الأمريكي. الرافع الأمريكي حقق نتائج إيجابية كثيرة في عملية السلام السودانية ولكنه يعانى من عيب خطير.

الوسيط الأمريكي يهتم خاصة في بلدان جنوب العالم بالقوة العسكرية. فإن اهتم بالقوى المدنية فاهتمامه بالكيانات التقليدية. إنه باستمرار يهمش العوامل السياسية، والمدنية، والثقافية. لذلك يقع في قراءات خاطئة. بسبب هذا العيب ظلت السياسة الأمريكية تحابى شاه إيران وجعفر نميري وهما آيلان للسقوط. انه نفس العيب الذي أوقعهم في مستنقع العراق. وجعلهم يهتمون في التفاوض السوداني بمواقف المسلحين وحدهم ولا يشغلون أنفسهم باستحقاقات التحول الديمقراطي.

إن من ميزات السياسة الأمريكية قبولها للرأي الآخر واستعدادها للتصحيح. فبالنسبة للشأن السوداني. تبدلت السياسية الأمريكية نحو السودان على الأقل خمس مرات في الأعوام الماضية.

  • أخطأت في موقف سلبي من الديمقراطية الثالثة.
  • وأصابت في دعم المعارضة لنظام الإنقاذ الشمولي.
  • وأخطأت إذ واصلت المواجهة للنظام حتى بعد أن أسقط بعض أجندته الإقصائية.
  • وأصابت لدعمها التفاوض من أجل السلام فيما بعد.
  • وأخطأت في حرصها على ثنائية التفاوض بين الفصائل المسلحة وحدها.

لذلك أوجه النداء للرئيس الأمريكي المتجدد أن تراجع الولايات المتحدة موقفها من الحل السياسي الشامل في السودان لتجاوز المحطات الثنائية وتحرص على المنبر الشامل.

أحبابي في الله وإخواني في الوطن العزيز

إن بلادنا في مفرق طريق خطير وحالاتها السياسية، والاقتصادية، والأمنية خطيرة. والحالة الإنسانية التي عبأت الرأي العام في دار فور سوف تزيد حدة لأنه بالإضافة للتردي الأمني فإن الجفاف والاضطرابات عطلت الإنتاج الزراعي بالإقليم  وعرقلت حركة التجارة وقفزت بأسعار المواد التموينية والوقود لأرقام فلكية، وعرضت الناس للمجاعة.

إننا في سباق حقيقي مع التردي الإنساني، والتدويل، والتمزق، ومراشقات تصفية الحسابات الحزبية، واحتمالات المغامرة بأبعادها الداخلية والخارجية.

أحبابي في الله وإخواني في الوطن العزيز

نحن من عشيرة آدم ولا ندعى لأنفسنا عصمة. ولكن بالقياس لغيرنا نحتل موقعا أخلاقيا رفيعا: لم نخرق دستوراً ولم نظلم أحداً وحافظنا على حرمة المال العام . ونحتل موقعا وطنيا مرموقا لأننا لم ندع قيادة أو نباشر حكما إلا برضاء الشعب وانتخابه.  ونحتل موقعا دوليا محترما لأننا حافظنا على حقوق الإنسان وكرامته وحريته. ولم نأل جهدا مجتهدين ومناضلين في تقديم اللبنات التي تأسس عليها الوفاق الوطني في السودان، وعندما ادلهمت أزمة دارفور قدمنا الأسس التي تحلقت حولها التطلعات القومية لحلها .

ومن هذه المنطلقات النيرة فإننا وفى وجه هذا التحدي واستشعارا للمسئولية التاريخية وحرصا على أن تأخذ القوى الوطنية زمام المبادرة فإننا نناشد الأحزاب السياسية، والنقابات، واتحادات المزارعين، والاتحادات النسوية، والاتحادات الطالبية، والكيانات الدينية، والقبلية، ومنظمات المجتمع المدني، والشخصيات المعنية بالشأن العام أن تلبى نداء ميثاق وطني يحدد ويحقق مطلب الشعب السوداني المشروع في هذا الظرف التاريخي المفتاحي.

أولاً: نرحب بإنجازات المفاوضات الثنائية لاسيما بروتوكولات نيفاشا وكافة المفاوضات التي أدت إلى وقف إطلاق النار وتأمين سبل الإغاثات الإنسانية. كما حدث في بروتوكولات أبوجا. ونؤيد نبذ العنف والاقتتال والتفاوض من أجل حلول تحقق التراضي الوطني.

ثانياً: الالتزام بعقد مؤتمر قومي دستوري على نمط مؤتمر الكنديسا في جنوب أفريقيا أجندته بروتوكولات نيفاشا، وأجندة دارفور، وغيرها من الأجندات الجهوية وأية أجندات أخرى بهدف إبرام حل سياسي شامل لقضايا الوطن المصيرية، مصحوب بتحول ديمقراطي حقيقي. بعض الناس تحدثوا عن عضوية المؤتمر القومي الدستوري كأنها بلا حدود، الأحزاب التي كانت ممثلة في الجمعية التأسيسية ستة، الأحزاب التي أفرزتها المقاومة المسلحة خمسة، الأحزاب الشمالية والجنوبية غير المسلحة الجديدة أربعة. ويمكن الاتفاق علي ممثلين للتنظيمات النسوية وللنقابات وللاتحادات الطالبية ويمكن حصر العضوية في خمسين شخصاً. ولكننا نحتاج قبل التوجه نحو المؤتمر القومي هذا إلى التعافي العام ووضع حد سلمي لمساجلات المؤتمرين الوطني والشعبي، وأن يلتزم الأخير نهائياً بنبذ العنف وأن يصبح التنافس بينهما سلمياً .

ثالثاً: يقوم هذا المؤتمر بتكوين حكومة قومية انتقالية تلتزم بتنفيذ قراراته، وتحكم البلاد إلى حين إجراء انتخابات عامة وحرة وشاملة.

رابعاً: يراقب هذا المؤتمر دوليا وإقليميا وهؤلاء يشكلون الضمانات الخارجية مثلما يشكل الإجماع الوطني الضمانات الداخلية.

خامساً: المؤتمر الوطني مطالب بإدراك أن مغامراته أدخلت البلاد في متاهات وأن أساليب التمكين التي اتخذها مزقت النسيج الاجتماعي. وأن التعامل مع القوى السياسية الأخرى بأسلوب التدجين والتوالي استعدى المتون واستقطب الحواشي ووسع فجوة الثقة بين الأطراف الوطنية في السودان. فالأساليب المتبعة لن تزيد أزمات السودان إلا عمقا.. كان ولا زال الظلم هداما. ومع كل توقعات الانفراج تخيب الآمال. لاحقت سلطات الأمن مؤخرا الصحافي النابه زهير السراج.. لاحقوه وضربوه وعذبوه لأنه أدلى بآراء متداولة في كل أنحاء العالم الإسلامي توجب ضرورة ضبط استخدام مكبرات الصوت حتى لا يؤذي استخدامها العشوائي مقاصد الشريعة والذوق السليم. نحن ندين ما تعرض له من ظلم ونطالب السلطات السودانية بتحقيق عادل في هذا العدوان على حقوق الإنسان، ورد اعتباره معنويا وماديا والتخلي التام عن الأجهزة والقوانين التي تجعل مثل هذاالعدوان ممكنا. إن المؤتمر الوطني مطالب بالتخلي التام عن تلك الأساليب ومطالب بتأييد قيام هذا المؤتمر وباتخاذ قرار إستراتيجي بالمشاركة فيه والالتزام بقراراته وباستحقاقاتها.

سادساً: القوى السياسية السودانية وكافة القوى المسلحة مطالبة بالتخلي عن الإقصاء المضاد وبإدراك أن للمقاومة المسلحة حدودا وينبغي أن تفضي إلى التفاوض العادل الشامل. ومطالبة بالالتزام بالمشاركة في هذا المؤتمر.

سابعاً: نناشد الأمم المتحدة، والاتحاد الأفريقي، والجامعة العربية، والإيقاد، ودولتي المبادرة المشتركة، وسائر جيران السودان، وشركاء الإيقاد، وسائر المهتمين بالشأن السوداني أن يدركوا محدودية التفاوض الثنائي، وأن يدعموا الجهد الوطني السوداني لتحقيق السلام العادل الشامل، والتحول الديمقراطي. ونرحب بالمشروع البريطاني الأخير علي أنه خطوة في اتجاه الملتقى الجامع أو المؤتمر القومي الدستوري .

ونرحب بالاجتماع الخاص بالسودان الذي سوف يعقده مجلس الأمن في نيروبي في يوم 18 من هذا الشهر . وحتى لا يجري تداول الشأن السوداني في غيبة رأي الشعب السوداني ينبغي أن توجه مخاطبة قوية شعبية سودانية لمجلس الأمن ترحب باجتماعه وتقترح  ما تراه.  كتب حزب الأمة مذكرة لمجلس الأمن يعرب فيها عن الترحيب باجتماعه الخاص بالسودان في دولة مجاورة، ويناشده الترحيب بالاتفاقيات الثنائية التي أدت غلى وقف العدائيات، وتسهيل الإغاثات، والتوافق على حلول تقوم على التنازلات المتبادلة، وتنبه المذكرة على ضرورة اتخاذ كل ما من شأنه جعل الاتفاقيات مستدامة. فإفريقيا والعالم العربي حاشدة باتفاقيات السلام التي تموت في عامها الأول.. الاتفاقيات الثنائية في القضايا القومية لا تعيش طويلا لأنها:

  • تخلق سوابق تجعل آخرين يطالبون بمكاسب مماثلة وإلا قاوموا بالقوة.
  • المقصود منها أن تطبق على واقع سياسي تكثر فيه جماعات مع كثرتها وأهميتها غابت عن التفاوض.
  • المطلوب عرض ما يتفق عليه على كافة القوى ذات الشأن للاقتناع به وتعديله إن لزم والتصديق عليه والالتزام به.

هذا معناه أن يؤيد مجلس الأمن عقد لقاء جامع أو مؤتمر قومي دستوري للسودانيين على نمط ما حدث في جنوب إفريقيا ولبنان.

وقرر حزب الأمة إرسال وفد لنيروبي لمخاطبة مجلس الأمن في هذا الأمر الهام، كما قرر أن يخاطب القوى السياسية السودانية للمشاركة في هذا الجهد الوطني. وقرر أن يواصل حملة تعبوية شعبية واسعة لبيان التفاف الشعب السوداني حول هذا المطلب الوطني.

أحبابي في الله وأخواني في الوطن العزيز

انتهت قبل أيام الانتخابات الأمريكية التي اهتم بها العالم كله لأن نتائجها تؤثر عليه. ومع أن حالة الاقتصاد الأمريكي, والاضطراب في العراق يدلان على حالة إخفاق. فإن عوامل عديدة رجحت كفة الرئيس بوش. إننا نهنئه على إعادة انتخابه ونرى أن أمامه خياران هما الاستمرار في نهج التشدد السابق. والثاني هو قراءة الموقف قراءة جديدة وإدراك أن بلاده منقسمة فهي محتاجة داخلياً لرئيس موحد لا مفرق. إن العالم كذلك منقسم انقساماً حاداً يعمقه الهجوم الاستباقي وتداويه العدالة الاستباقية. فإذا فعل هذا –اختار الخيار الأخير- فإنه سوف يحتل مكاناً مرموقاً في التاريخ.

ونهنئ الرئيس حامد كرزاي في أفغانستان عبر انتخابات أشرفت عليها الأمم المتحدة. هناك تحفظات على الانتخابات الأفغانية تحت وصاية أمنية خارجية. ولكن الأوضاع الآن أفضل من حالة التناحر الحزبي الذي سبق نظام طالبان، وأفضل من نظام طالبان، ويرجى أن تعمل القوى السياسية الأفغانية على استرداد كامل السيادة الوطنية، ليهنأ هذا الشعب المقدام الأصيل بالحرية والرخاء.

ونرحب بالانتخابات القادمة في العراق ومع التحفظ على إجرائها في ظروف الاحتلال فإنها تمثل أفضل تدرج نحو حكومة سوف تحظى بقاعدة أعرض من الحكومة الحالية. ويرجى أن تتمكن الحكومة العراقية المنتخبة من استرداد كامل السيادة الوطنية وإجلاء قوات التحالف، ونناشد القوى السياسية العراقية كافة الإقبال على الانتخابات للمشاركة في تقرير مصير الوطن الذي أرهقه الطغاة والغزاة والغلاة.  سوف يعقد في شرم الشيخ مؤتمر يضم جيران العراق ومصر والأمم المتحدة في الأسبوع الأخير من نوفمبر. هذا المؤتمر ينبغي أن يتصدى للعوامل التي دفعت بعض العناصر العراقية الهامة –أعني السنة- إلى مقاطعة الانتخابات، ويعمل على إقناع أوسع قاعدة عراقية لدخول الانتخابات، كما ينبغي أن يضع جدولا لجلاء القوات الأجنبية وإكمال السيادة العراقية.

إننا نحي نضال الشعب الفلسطيني فمقاومة الاحتلال مشروعة في كل قانون وضعي أو شرعي. إن جرح فلسطين الدامي عار في جبين النظام الدولي الحالي وفي جبين الأمة. ولا سلام بلا عدالة وهي عدالة سوف تتحقق يوماً ما ويسترد الشعب الفلسطيني بموجبها حقوقه المشروعة. الرئيس الراحل ياسر عرفات جسد مطالب شعبه، وبلور دوره العربي، وأبرز قضيته دوليا وصار رمزا للتطلعات الفلسطينية المشروعة. تعرض المرحوم آخر أيامه لإهانات ولكن الإلتفاف الشعبي حوله حبيسا ومريضا وميتا، والتقدير العربي والدولي له كان أبلغ رد على شانئيه.. رحمه الله رحمة واسعة وأحسن عزاء زملائه وأسرته. لقد خاطبنا القيادة الفلسطينية الجديدة مشيدين بالصورة الناضجة التي أداروا بها ترتيب الخلافة ونرجو أن يضعوا برنامجا محكما لانتقال القيادة عبر الآلية الديمقراطية الحرة ليواصل الشعب الفلسطيني مشواره حتى تحقيق تطلعاته المشروعة وقيام دولته المستقلة.

.وفي هذا المقام ينبغي أن نؤبن فقيد الإمارات وفقيد الأمة العربية والإسلامية الشيخ زايد بن سلطان آن نهيان، رجل الدولة الحكيم الذي أنشأ وقاد أنجح تجربة وحدوية عربية حديثة, وأنجح معادلة بين النظم التقليدية والحديثة, كان صديقاً للبيئة الطبيعية ومحباً للخير، محباً للسودان وأهله كريما في معاملة ضيوفه منهم. رحمه الله رحمة واسعة وأحسن عزاء أسرته ودولته وأمته. ووفق الشيخ خليفة بن زايد لمواصلة المشوار الحميد.

إننا نرحب بالتطورات الإيجابية في الصومال الشقيقة ونرجو للرئيس الجديد التوفيق ونناشد المنظمات الإقليمية والأمم المتحدة دعم الانبعاث الصومالي. وفيما يتعلق بالملف النووي وإيران فإننا نؤيد حق الدول في الاستخدام السلمي للطاقة النووية ونرى ضرورة حظر انتشار أسلحة الدمار الشامل خاصة في منطقة الشرق الأوسط بما في ذلك إسرائيل. ونشيد بإقدام الاتحاد الأوروبي على إنجاز دستوره كخطوة متقدمة على طريق الوحدة. كما ندعو المجتمع الدولي لحث الدول غير الموقعة على اتفاقية المحكمة الجزائية الدولية واتفاقية كيوتو لسلامة البيئة أن تفعل ذلك.

أحبابي في الله وإخواني في الوطن العزيز

إن حالة المواطنين المعيشية قد بلغت من الضيق حالة لا تطاق، والحالة في إقليم دارفور الكبرى كارثة إنسانية، وقد قمنا بتنبيه منظمات الإغاثة الإنسانية لذلك ونعمل عن طريق منظماتنا الإنسانية لنفرة واسعة النطاق.  فليساهم كل منا بالمستطاع مساهمة في تخفيف البلاء في البلاد عامة وفى دارفور خاصة . إنتاج هذا العام من الحبوب الغذائية في السودان ضعيف للغاية يقدر ما بين 2- 3 مليون طن. متوسط استهلاك البلاد الآن للحبوب الغذائية يبلغ حوالي 4,7 مليون طن.. هذا يدل على عجز غذائي يوجب إجراءات عاجلة وحاسمة لتجنب حدوث مجاعة مطلع العام القادم.

اللهم يا جليلاً ليس في الكون قهر لغيرة ويا كريما ليس في الكون يد لسواه ولا إله إلا إياه خذ بيد السودان وأهله وأجعل له من أمره رشدا.

اللهم ارحمنا وأرحم والدينا وأهدنا وأهد ذرارينا، وأعد العيد علينا والبلاد تنعم بالحرية والرخاء فقد بلغت الروح الحلقوم .

اللهم بارك لنا في عيدنا هذا وأعف عنا وأجعل التعافي بيننا سنة.

أيها الأحباب أعفوا عنى فإني عاف عنكم.

والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته

[1] سورة الكهف الآية الأولى

[2]   سورة الأحزاب الآية 56

[3]  سورة البقرة الآية 183

[4]   سورة الروم الآية 30

[5]  رواه ابن ماجة

[6]   أخرجه البخاري- ومسلم- والترمذي- وأبو داؤود- وابن ماجة- والدارمي. موسوعة الحديث حديث رقم 19869

[7]  سورة الإسراء الآية 70

[8]   سورة الكافرون الآية 6

[9]   سورة سبأ الآية 28

[10]   سورة الحج الآية 38

[11]   سورة يونس الآية 62

[12]  أخرجه مسلم

[13]  سورة الأنعام الآية1.