خطبة عيد الفطر المبارك 20 سبتمبر 2009م

بسم الله الرحمن الرحيم

خطبة عيد الفطر المبارك

أول شوال 1430هـ الموافق 20 سبتمبر 2009م

الخطبة الأولى

الله أكبر الله أكبر الله أكبر

الحمدُ للهِ والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه، أما بعدـ

أحبابي في الله وأخواني في الوطن العزيز.

مضى شهر التوبة والغفران ونزول القرآن، نسأل الله أن يتقبل صيامنا وقيامنا وأن يغفر خطايانا ما صغر منها وما كبر. كما قال الإمام الشافعي:

يقول حبيبي انت سؤلى وبغيتي                   كفى بك للراجين سؤلا ومغنما
عسى من له الاحسان يغفر زلتي         ويستر أوزاري وما قد تقدمـا

إنه شهر ميزته درجة أعلى من الروحانيات والاجتماعيات، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)[1] وقال المصطفى (ص) في حديث قدسي:”الصَّوْمُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ”[2].

الصيام تقوى الله وصمدية بشرية تدرب الإنسان على الصبر على شهواته الغريزية. والصبر مفتاح الفضائل الذي ما برح القرآن يمتدحه: (وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)[3] ، (وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرِينَ)[4].

فالعفة، والشجاعة، والتضحية، والاجتهاد وغيرها من مكارم الأخلاق معجونة بالصبر. ومكارم الأخلاق هي بنص الحديث النبوي أكثر ما يثقل الميزان يوم الحساب.

الصيام وصلاة القيام والتهجد رياضات رمضان الروحية. ومنع الغيبة والنميمة يصنع الصلح الاجتماعي بين الناس. كما أن موائد الخلان وموائد الرحمن تزيد الوصال الاجتماعي والتكافل بين الناس. وزكاة الفطر ومقدارها اليوم  أربعة جنيهات عن كل فرد ذكرا أو أنثى تجمع بين العنصرين الروحي والاجتماعي، فهي طاعة، وكفارة، وتضحية،  وهي إغاثة للفقراء والمساكين والواجب الإسراع بإخراجها وتوزيعها لمستحقيها قبل صلاة العيد وإلا فهي صدقة من الصدقات.

العيد فرحة بالفطر، وبأداء واجب الصيام، وهو مناسبة دينية واجتماعية. مناسبة فيها الصلاة الجامعة في فلاة أي ساحة مفتوحة، مناسبة فيها البهجة المباحة وفيها ترميم العلاقات الاجتماعية عن طريق المعافاة، والمصافاة، والمعايدة، والزيارات المتبادلة.

المؤسف أن كثيرا من مقاصد رمضان والعيد تهدر وعلينا تجنب ذلك:

  • ففي كافة البلدان الإسلامية تتفجر الرغبات الاستهلاكية في رمضان كأنه شهر شراب وطعام لا صيام. والناس بدل الحمية (أي الرجيم) في رمضان تزيد أوزانهم وينسون قول النبي (ص) “دَائِمُ الْبِطْنَةِ قَلِيلُ الْفِطْنَةِ “[5].
  • وبعض الناس يغير أسلوب حياته لينام نهارا ويسهر ليلا، إنه سلوك لا حرمة فيه ولكنه يهزم فكرة الصيام أن تعيش حياتك كالمعتاد وتتحمل مشقة الصيام. ونفس الشيء ينطبق على من يملأون نهار رمضان بالتسلية، التسلية لا حرمة فيها ولكن بسطها على كل نهار رمضان يخدش مقاصد الصيام.
  • وصلاة العيد مظاهرة إيمانية في وضح الضحى يمكن أن تصلى قبل ذلك ودون صخب ولكن يستحسن أن تصلى بصورة تظاهرية لإظهار عزة الإسلام وحماسة الجماعة بعد موكب تدق فيه الطبول وتتصاهل الخيول ويحتشد في ساحة الصلاة الرجال والنساء حتى الحائضات لا يشتركن في الصلاة ولكن يسمعن الخطبة ويشهدن الدعاء.

أحبابي في الله وأخواني في الوطن العزيز:

إن أداء العبادات واجب ديني، ومطلوب فيه إخلاص النوايا، ولكنه لا يحقق مقاصده إلا إذا انطبع أثره في سلوك الإنسان. هنالك تسعة مجالات يمتاز بها الربانيون هي:

أولا: أن يكون الإنسان واثقا بالله بحيث “يعتقد أن العند السيد أقرب من الفي الإيد”، (إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ)[6].

ثانيا: أن يكون محبا للناس “الْخَلْقُ عِيَالُ اللَّهِ، وَأَحَبُّ الْعِبَادِ إِلَى اللَّهِ أَنْفَعُهُمْ لِعِيَالِهِ”[7]، وسائر خلقه “فِي كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ”[8] وكما قال العارف بالله:

ما في محبته ضد أضيق به              هي المدام وكل الخلق ندماني

وقال نبي الرحمة “لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ، حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ”[9].

ثالثا: أن يدرك أن الارتفاع بالاتضاع كما جاء في الحديث “أَفْضَلَ الْعِبَادَةِ: التَّوَاضُعَ”[10] كما قال العارف بالله:

قالت نساء الحي تطمع أن ترى ليلى    بعينيك مت بداء المطامــــع!!

وكيف ترى ليلى بعين ترى بهـــــا      سواها وما طهرتها المدامع!

رابعا: أن يكون رحيما خاصة للضعفاء (أرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ* فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ*وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ )[11] . وقال النبي (ص)فَإِنَّمَا تُرْزَقُونَ وَتُنْصَرُونَ بِضُعَفَائِكُمْ”[12]

خامسا: أن يتهم نفسه فرب معصية أورثت ذلا وإنكسارا خير من طاعة أورثت عجبا واستكبارا. ويعامل الآخرين بالإيثار (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ)[13].

سادسا: أن يكون باطن الإنسان خير من ظاهره وهذه مرتبة عالية في الصلاح.

سابعا: أن يكون عادلاً. (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ)[14] (اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى)[15].

ثامنا: أن يكون عالي الهمة “إذا تعلقت همة ابن آدم بالثريا لنالها”. وكما قال الحكيم:

كأن نفوسهــم بها أنف          أن تسكن اللحم والعظما.

تاسعا: الصدق إذ قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ)[16]. وفي الحديث: “إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ مَنْ لَا يُؤْمِنُ”[17].

شغل بعض الناس برقية وصفوها بأنها اسم الله الأعظم ولكن هذه هي الأفعال الربانية التي تعرج بصاحبها أو صاحبتها إلى المراقي الربانية وتفتح للإنسان أبواب المستحيل كما قال أحد العارفين:

قلوب العاشقين لها عيون       ترى ما لا يراه الناظرون

وأجنحة تطير بغير خفق        إلى ملكوت رب العالمين

سأل سائل شخص يسمى قريب الله؟ ما وجه القرابة؟ هذه الصفات هي درجة القرابة.

أحبابي في الله وأخواني في الوطن العزيز

أمتنا في كافة تجلياتها تعاني من حالة إخفاق وإحباط. فأمتنا الأفريقية تتصدر قوائم الإخفاق في كثير من المجالات، وأمتنا الإسلامية تعاني من التمزق والتفرق، تشتعل فيها الحروب الأهلية الباردة والساخنة ويهيمين عليها في أكثر الحالات أعداؤها هيمنة مباشرة بالاستيطان والاحتلال. أو غير مباشرة بالوصاية،  أما أمتنا العربية فحدث ولا حرج.

قال غازي القصيبي متألما:

أيها المخترع العظيم

يا من صنعت بلسما قضى على مواجع الكهولة

وأيقظ الفحولة

هل لديك بلسم يعيد في أمتنا الرجولة؟

أو هاك أبيات أحمد مطر الباكية الضاحكة:

النملة قالت للفيل: قم دلكني

ومقابل ذلك ضحكني

ضحك الفيل!

فشاطت غضبا: تسخر مني يا برميل؟

ما المضحك فيما قد قيل؟

غيري أصغر لكن طلبت أكثر مني

غيرك أكبر لكن لبى وهو ذليل

أي دليل؟

أكبر منك بلاد العرب

وأصغر مني إسرائيل!

مأساتنا أن كل محاولات النهضة بالعلمانية، والاشتراكية، والقومية، أخفقت وسقطت التجربة وبقيت الشعارات كأنها أعجاز نخل خاوية.

ومحاولات التأصيل بالإسلام في أفغانستان، وباكستان، والسودان تراجعت. التجربة المتبقية الواعدة هي الإيرانية ولكنها تواجه تحديين هما: تحقيق معادلة معقولة لقضية الإمام الغائب، ونقل ولاية الفقيه إلى ولاية الأمة.

إن تقليدنا للحضارة الغربية عن طريق التضحية بالذات واستنساخ النظم الوافدة لم تجد وإتباعنا لأنماط ماضوية عن طريق التضحية بالعصر باءت بالفشل.

مرجعية ذاتنا إسلامية وهي أساس هويتنا ومصدر هداية روحية وأخلاقية ومبادئ وشرائع خالدة ولكنها لن تبعث إلا في أنماط جديدة لأن لكل وقت ومقام حال ولكل زمان وأوان رجال كما قال الإمام المهدي في السودان.

زجاجة التقليد قد انكسرت ولا يمكن ترقيعها بل صهرها وصبها في قالب جديد على حد تعبير الإمام الغزالي.

الحضارة الحديثة اكتشفت سنن الكون وقوانين الطبيعة في المجالين المادي والاجتماعي وطورت العلوم وسخرتها بالتكنولوجيا. ومع إنجازاتها الرائعة فإنها معدمة في ثلاثة مجالات: الروحية  والغائية، والأيكولوجية.

الحل المجدي هو بناء حضارتنا على مصاهرة منهجية بين شطرين من الوجود: الشطر الطبيعي وهو موضوع العلوم الطبيعية. والشطر الإنساني وموضوعه العلوم الإنسانية والاجتماعية والجمالية. كل المعارف يدخل فيها جانب يقوم على الغايات والقيم وجانب يقوم على البراهين والتجارب. ما يخص القيم والغايات ينبغي أن يكون مرجعه الوحي والإلهام والحكمة ومقاصد الشريعة، وما يخص الوجود الطبيعي ينبغي أن تكون مرجعيته تجريبية برهانية.

جل العلوم الطبيعية تقوم على أساس برهاني تجريبي وما تسرب فيه من قيم ذاتية غربية لا يعتد به. الوجود الإنساني والاجتماعي يحفل بجوانب قيمية وغائية وكذلك فيه جوانب برهانية وتجريبية – مثلا- في علم النفس توجد علاقة سببية بين الشعور والإرادة، وفي السياسة توجد علاقة حتمية بين المشاركة والعدالة، وفي الاقتصاد توجد علاقة عكسية بين العرض والطلب، وفي السوسيولوجيا توجد علاقة جدلية بين الفرد والجماعة، وهلم جرا.

المرجعية الإسلامية تستوجب اجتهادا صحويا إسلاميا غير مقيد باجتهادات الأقدمين. والمرجعية البرهانية التجريبية تستوجب فهما عقلانيا غيرمقيد بأنماط الحضارة الغربية.  التطلع لهذه المصاهرة المنهجية يداعب خيال كثيرين ومحدثكم بصدد تناوله تفصيلا في كتاب بعنوان: القضية الإسلامية.

جدوى هذا المشروع تتوقف على ثلاثة شروط:

الأول: أن توجد قيادة مؤمنة به.

الثاني: أن تلتف حولها قوى اجتماعية فاعلة.

الثالث: أن يولد عن طريق آلية الجهاد المدني بلا عنف فالعنف يسلط عليه أجهزة قمع داخلية وأجهزة هيمنة خارجية تبيده.

إذا لم ينحج هذا المشروع فإن مصيرنا سوف تخطفه مشروعات الغلاة التي تصلح للاحتجاج وشفاء الغليل ولكنها لن تقدم بديلا مجديا بل سوف تصل إلى طريق مسدود. أو تخطفه تدابير الغزاة التي لن تجدي بل تعطي مشروعية لحركات التحرير كما كان في أفغانستان والعراق.

قال تعالى (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ)[18]

(رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا )[19].

آمين.

 

الخطبة الثانية

الله أكبر – الله أكبر- الله أكبر

الحمد لله الوالي الكريم والصلاة على نبينا محمد وآله وصحبه مع التسليم، وبعد،

أحبابي في الله وأخواني في الوطن العزيز،

حب الوطن من الإيمان، وتحسر النبي من ترك مكة وطنه وقال لولا أن “أهلك أخرجوني منك ما خرجت“، وأقول مع الحكيم:

تحيتي هي باقات أقدمـــــــــــــها        من نبع قلب هوى السودان أضناه

قد همت في حبه منذ الصبا وإلى        أن ينتهـــــــــي أجلي أهواه..أهواه

في السويداء من قلبي مكانتـــــه        إن مسه الضــــــــر ما يلقاه ألقــاه

في خمسينيات القرن العشرين والستينيات كان السودان يلقب في الأوساط الأفريقية ببروسيا أفريقيا قياسا على دور بروسيا الرائد في ألمانيا. وحكى لي المرحومان ميرغني حمزة ومأمون بحيري أنه في أوساط صندوق النقد الدولي والبنك الدولي كان يشار للسودان برجل أفريقيا الغني. وكان السودانيون لا يسافرون للخارج إلا لبعثات تعليمٍ أو علاجٍ مستعصٍ، ولا يطلب سوداني جنسية أجنبية أو إقامة دائمة حتى إذا عرضت له كما حدث لبعضنا. وفي عهد النظام المايوي بدأ الاغتراب في دول الخليج بموجب عقود عمل. ولكن في عهد “الإنقاذ” انهمرت الهجرة للخارج بمطالب إعادة التوطين، وهاجر إلى الخارج إلى أركان العالم الأربعة ربع أهل السودان.

كان شاعرنا في الفترة الماضية ينشد قائلا:

جيل العطاء لعزمنا حتما

يذل المستحيل وننتصر

وسنبدع الدنيا الجديدة وفق ما نهوى

ونحمل عبء أن نبني الحياة ونبتكر

ولكن نفس الشاعر – محمد المكي إبراهيم- تحطمت معنوياته في وصف الحالة الراهنة فقال:

ولكن ها هي الوعول

تأوي إلى شعب الجبل

مقطوعة الأنفاس

وتحت البيرق الأبيض

تنتظر رصاصة الرحمة!

وبعيدا عن المغالطات غير المجدية تواجه البلاد تأزما في عشر ملفات:

  • اتفاقية السلام نصت على حكومة الوحدة الوطنية وعلى تأسيس الوحدة الجاذبة، ولكن بعد خمسة أعوام إلا قليلا الحكومة حكومة فرقة وطنية والتجربة طاردة للوحدة.
  • مشكلة دارفور تعقدت وتعددت أسباب الصدام وتداخلت مع بعض دول الجوار وخلقت مأساة إنسانية وتدولت.
  • حجم الاعتماد على الخارج في الإغاثة الإنسانية، وفي الرقابة الأمنية، وفي الوساطة بين الأطراف السودانية، وفي التحكيم، بلغت درجة غير معهودة فتآكلت السيادة الوطنية.
  • الحالة الأمنية في مناطق كثيرة مزعجة. والشريكان في الحكم يتبادلان الاتهامات بدعم عسكري ومالي متبادل للمنشقين.
  • والحالة الاقتصادية مأزومة زادتها الأزمة العالمية حدة.
  • كافة اتفاقيات السلام المبرمة لم تحقق مقاصدها وتتبادل أطرافها الاتهامات.
  • المواجهة مع الأسرة الدولية تتصاعد بطرق علنية وأخرى خفية.
  • الحريات العامة في حالة تراجع والإعلام الرسمي موجه لصالح الحزب الحاكم.
  • الأمن الغذائي مهدد. الفجوة الغذائية تسد بالاستيراد في ظروف شح العملة الصعبة، والموسم الزراعي غير مبشر.
  • تفشي الجريمة البشعة في البلاد وارتفاع عدد ضحاياها، وارتفاع معدل الانتحار خصوصا وسط النساء.

هذه العوامل كافية لتدمير أي مجتمع ولكن في أجزاء كثيرة من السودان عملت أخلاقيات أو إنسانيات سودانية كجهاز مناعة لطّف الحالة رغم كوارث السياسة، والاقتتال، والفقر. أخلاق السمتة السودانية كانت هذا الجهاز وهي: الكرم، والكرامة، والتسامح، والوفاء، والنجدة، والتضحية، والتكافل الأسري. أخلاق واسعة الانتشار يمجدها الأدب الشعبي السوداني:

أما الكرم فيشاد فيه بعوج الدرب، وبقدح ود زايد، وأن الزعامة سباتة وقدح، ولا دين بلا عجين.

أما الكرامة فآياتها: لاقيني ما تعشيني، وبليلة مباشر ولا ذبيحة مكاشر.

والتسامح خير ما وصفته الشاعرة:

الهــــوي والشــــرق بي ليـــمو عمـاهو

الزيـن والفســـل بــي طبعــــــو لمـاهو

حفـر العـــد غريـــق لامـن يجيب ماهو

لملم سعينات الرجال كباها في سقاهو

أما الوفاء فآياته كثيرة يدل عليها ما قاله “الفتوة”:

أولاد الســـــواد المـا بعرفـــــو السمتة

حلف بــــي رب العبـــــــــاد وقســــمت

ما جب شمة في حللي إن بقى اتقسمت

والنجدة:

مما قام صغير ما بمشي في الفارغات

للجار والعشير هو الدخــري للحوبات

والتضحية:

إبراهيـــــم صاحبــــي المتــمم كيفــي

ثبـــات عقـلـــــي ودرقتـــي وسيـــــفي

مونة غــداي مطمورة خريفي وصيفي

سترة حالي في جاري ونساي وضيفي

أما التكافل الأسري فآياته كثيرة: الداب نفسو مقصّر، وستار العروض وغيرها.

ولكن الطبقة الطفيلية الجديدة التي أفرزتها سياسات التمكين، والعولمة الوافدة كما صورت ذلك مسرحية “نسوان برة الشبكة” بدأت تهدم تلك الإنسانيات السودانية وبالتالي تقوض جهاز المناعة السوداني النفسي والاجتماعي.

نحن أمام تحد سافر:

  • نعترف بالخطر الماثل.
  • ننبذ العناد والانفراد.
  • نجلس إلى مائدة مستديرة لا تعزل أحدا، ولا تستثنى قضية، وتعمل على إيجاد حل قومي شامل للتراضي الوطني.

لقد حاولنا هذا الطريق بمشروع التراضي الوطني الذي اغتاله دعاة العناد والانفراد في المؤتمر الوطني. ولكن أهداف التراضي الوطني لم تمت وما زالت هي بوصلة الوطن.

إن كثيرا من مبادرات حل أزمة دارفور؛ ما دامت تنطلق من تشخيص ناقص، وتركز على عدد محدود من أطراف النزاع، وتعتمد على سقوف أبوجا، حتما فاشلة.

سلام دارفور يقف حتى الآن في طريق مسدود لذلك تحركنا مع كافة أطراف النزاع السياسية، والمدنية، والمسلحة، والقبلية، للدعوة لإعلان مبادئ يمثل استجابة لتطلعات أهل دارفور المشروعة ويمهد لملتقى دارفوري جامع يبرم اتفاق سلام عادل.

وفي هذا  الصدد، نشيد بلجنة حكماء أفريقيا برئاسة ثابو امبيكي رئيس جنوب أفريقيا السابق لاتصالهم بجميع الأطراف، وقد تجاوبنا مع مجهوداتهم وينتظر أن يطرحوا توصية توفق بين العدالة والاستقرار في دارفور.

الموقف بشأن اتفاقية نيفاشا بين الشريكين مستغرق في المنافشة، والمشاكسة حول الإحصاء، والقوانين المقيدة للحريات، واستحقاقات الانتخابات، وحسابات البترول، وقانون الاستفتاء، والاتهامات المتبادلة بدعم المنشقين.

هذا كله زاد من فجوة الثقة بين الشريكين لدرجة ما عادا يتحادثان إلا في حضرة الشريك الأمريكي شريكا ثالثا.

الواجب الوطني المُلِح والعاجل الآن، مع هذه الحالة أن تتحرك القوى السياسية بمشروع وطني يتصدى لحل المشاكل العالقة، ويرسم معالم الطريق للوحدة الجاذبة، ويضع فكرة الانفصال في إطار أخوي حتى لا يكون إن اختاره أهل الجنوب بمثابة إعلان حرب.

في زيارتنا لجوبا طرحنا على الحركة الشعبية هذه الرؤية واتفقنا على بعضها، وأجّلنا بعضها للملتقى القومي، وسنبحث ما بقي منها في الآليات المشتركة المتفق عليها.

إن زيارة جوبا كانت فرصة طيبة لاستئناف وترميم علاقتنا مع الحركة الشعبية، وهي علاقة مهمة لاستقرار البلاد والوحدة الوطنية والتعايش الديني.

إن اتفاقنا مع الحركة الشعبية مع أنه ثنائي لكنه مرحلة نحو اتفاق قومي مثلما كانت شقدوم الثنائية في ديسمبر 1994م مقدمة لأسمرا القومية في يونيو 1995م.

إننا نشيد بمبادرة الحركة الشعبية للدعوة لمؤتمر جوبا ونرجو أن يكون قوميا ومحضورا، ونناشد المؤتمر الوطني والحزب الاتحادي أن يتخليا عن تحفظاتهما وأن يشاركا في المؤتمر بفعالية. وأناشد الحركة الشعبية وكافة القوى السياسية أن يسعوا لجمعهما ما وجدوا لذلك سبيلا.

والحقيقة إذا أردنا أن نجنب بلادنا مخاطر التشظي والتدويل المحيطة بالبلاد، وأن نحقق الأجندة الوطنية بشقيها السلام العادل الشامل والتحول الديمقراطي المنشود، فالواجب الوطني يملي عقد ملتقى جامع للاتفاق على البرنامج الوطني المنشود وتكوين آلية قومية لتنفيذه.

(رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ)[20]

أحبابي وأخواني

لقد عقد حزب الأمة مؤتمره العام السابع حلقة في سلسلة التجدد وخطوة في درب السؤدد، فنشط بصورة واضحة تؤكد أن تجديد الدماء ضرورة، وإنني أتطلع أن تجهز الأجهزة الجديدة نفسها للانتخابات القادمة والتي سنخوضها لو كفلت الحريات ودفعت المستحقات في قومية أجهزة الإعلام وحيدة المفوضية واستقلاليتها وتمويلها لإدارة العملية الانتخابية بكفاءة.

اللهم ارحمنا وارحم آباءنا وأمهاتنا، واهدنا واهد أبناءنا وبناتنا، وخذ بيد سوداننا وجنبه الكوارث والفتن ما ظهر منها وما بطن واجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه وبارك لنا العيد أعاده الله على الجميع باليمن والبركات.

الهوامش

[1] سورة البقرة الآية (183).

[2] رواه بخاري

[3] سورة الأنفال الآية (46).

[4] سورة النحل الآية (126).

[5] رواه الإمام أحمد بن حنبل

[6] سورة يوسف الآية (87).

     [7]المعجم الكبير للطبراني

[8] حديث بخاري

[9] حديث بخاري

[10] حديث عائشة سنن الترمذي

[11] سورة الماعون الآيات (1-3).

[12] سنن أبو داود

[13]  سورة الحشر الآية (9).

[14] سورة النحل الاية (90).

[15] سورة المائدة الآية (8).

[16] سورة التوبة الآية (119)

[17] حديث أبو الدرداء كتاب تهذيب الآثار للطبري

[18] سورة البقرة الآية (186).

[19]  سورة الكهف الآية 10

[20] سورة الأعراف الآية (89).