خطبة عيد الفطر المبارك 5 ديسمبر 2002م

بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة عيد الفطر المبارك
1 شوال 1423هـ الموافق 5 ديسمبر 2002م
مسجد الهجرة بودنوباوي

الخطبة الأولى
الله أكبر.. الله أكبر.. الله أكبر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أحبابي في الله واخواني في الوطن العزيز
انطوى رمضان شهر التوبة والغفران. الإنسان يأكل ويشرب ويتوالد، هذا جزء من طبعه الغريزي البهيمي ولكنه لا يأكل ويشرب كالأنعام بل ينظم مأكله ومشربه وتوالده بصورة تخدم توازنه الصحي والنفسي وغاياته الخلقية والروحية. هذا جزء من طبعه العلوي الذي وضعه خالقه: (سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي) . وقوله: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ) . وقوله:(لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) .
الصيام عبادة وكل عبادة لها غاية واضحة وتكمن فيها حكمة تفوق الغايات الواضحات. فالصوم جنة أي وقاية من الوقوع في المآثم، ووقاية من سلطان العادة، وهو وقاية من العلل والأدواء الناشئة من الافراط في تناول اللذات. ولكن المؤسف حقا أن كثيرا من الناس يزيدون من استهلاكهم في رمضان حتى أن احصاءات تقول أن كثيرا من البلدان الاسلامية تشهد زيادة في مستهلكاتها من طعام وشراب في رمضان حتى قال أحدهم يبدو أننا نصوم أحد عشر شهرا ونفطر شهرا واحدا هو رمضان.
من فقه الصوم أن يقل استهلاكنا للمطعومات والمشروبات في رمضان، ومن أهداف الصوم أن ندرب على مقاومة الشهوات لكي تكون النتيجة اقلال تناول الطعام عن المقدار الذي يبلغ حد الشبع. وهذا يصدقه الحديث:نحن قوم لا نأكل حتى نجوع واذا أكلنا لا نشبع.والأثر:ما ملأ ابن آدم وعاءا شرا من بطنه. الصوم رياضة روحية وهو تدريب على مقاومة الشهوات فان لم يحقق ذلك تقاصر دون غاياته:
صم وصل وطف بمكة زائـــرا سبعين لا سبعا فلست بناسك
جهل الديانة من اذا خطرت لــه شهواته لـم يلف بالمتماسك.
الموقف المعتدل من الشهوات جزء هام من نتائج مدرسة الصوم. كذلك الكف عن المنكرات والخبائث جميعا فهي من واجبات الصيام وهي من دروس مطلوبة للحياة كلها فالحياة لا قوام لها بلا حسن الخلق، (انما بعثت لأتمم مكارم الاخلاق).
وللصيام أبعاد اجتماعية أهمها: تعميم الشعور بالحرمان ليدرك الموسر بلاء المعسر:
لايعرف الشوق الا من يكابده ولا الصبابة الا من يعانيها.
وزكاة الفطر كفارة لصاحبها ومؤونة لمستحقها وموائد الافطار المفتوحة تضامن على نهج الأشعريين، قال النبي (ص): كان الأشعريون اذا أرملوا وضعوا ما عندهم في اناء وتقاسموه فهم مني وأنا منهم.
الصيام يغير نفس الإنسان حتما والحديث يقول: لخلوف فم الصائم أحب عند الله من رائحة المسك. النظافة من الايمان والسواك المستمر واجب فان تغيرت رائحة الفم رغم ذلك كله فهذا من آثار الصوم ولكن تعمد ترك النظافة والسواك استزادة من أجر الصيام كما يفعل بعض الناس يخالف آداب الاسلام ومقاصد الشريعة. كذلك البصق المستمر لكيلا يبلع الانسان ريقه زيادة في التقوى مخالف لآداب الاسلام فالمهم ألا يدخل الجوف طعام أو شراب من خارجه.
وكل مريض يعرضه المرض لمشقة زائدة على المشقة العادية مرخص له ألا يصوم فان كان المرض مستمرا كأمراض تلف الأعضاء البدنية فانه يبيح ترك الصوم مثلما يبيحه تعرض الصائم لمشقة زائدة بسبب الشيخوخة أو غير ذلك وعلى الذين يؤدون الصيام بشق النفس فدية طعام مسكين.
وفي فقه الصوم لدى الجمهور ظلم للمرأة سيما الحائض.الاسرائيليات تعتبر الحيض عقابا للمرأة لأن حواء أغوت آدم فأخرجته من الجنة. لذلك يعتبرون الحائض نجسة ومعاقبة. الحيض والحمل والنفاس والرضاعة والحضانة هي ضرائب الأمومة التي استحقت بموجبها الأم مكاناً عليا: الجنة تحت أقدام الأمهات. وقول النبي للسائل: من أحق الناس ببري يا رسول الله ؟ قال له:أمك وكررها ثلاثا ثم قال أبوك. القرآن لا يقص علينا أن حواء أغوت آدم بل يقول : (وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى ). ويقول: (فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ) . وقد كان واضحا للمسلمين أنفسهم أن النظر للحيض بازدراء هو من ثقافة اليهود، فقد جاء في الحديث الذي رواه مسلم والترمذي وأبو داؤد والدارمي: ” أَنَّ الْيَهُودَ كَانُوا إِذَا حَاضَتِ الْمَرْأَةُ فِيهِمْ لَمْ يُؤَاكِلُوهَا وَلَمْ يُجَامِعُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ فَسَأَلَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ  النَّبِي َ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ( وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ ) إِلَى آخِرِ الْآيَةِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ َ اصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إِلَّا النِّكَاحَ فَبَلَغَ ذَلِكَ الْيَهُودَ فَقَالُوا مَا يُرِيدُ هَذَا الرَّجُلُ أَنْ يَدَعَ مِنْ أَمْرِنَا شَيْئًا إِلَّا خَالَفَنَا فِيهِ فَجَاءَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ وَعَبَّادُ بْنُ بِشْرٍ فَقَالَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ الْيَهُودَ تَقُولُ كَذَا وَكَذَا فَلَا نُجَامِعُهُنَّ فَتَغَيَّرَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ  حَتَّى ظَنَنَّا أَنْ قَدْ وَجَدَ عَلَيْهِمَا”.
وفي الصحاح توجد أحاديث كثيرة عن أمهات المؤمنين تروي كيف كان رسول الله  يقرأ القرآن وهو متكئ في حجر الواحدة منهن وهي حائض، وكيف أنهن كن يفرشن له سجادته وهن حيض، ويغسلن له رأسه وهو بالمسجد، ويصلي والواحدة منهن قربه فيصيبها ثوبه وهي حائض. مثلا روى مسلم “عن عَائِشَةَ قَالَتْ أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ َ أَنْ أُنَاوِلَهُ الْخُمْرَة –المصلاة-َ مِنَ الْمَسْجِدِ فَقُلْتُ إِنِّي حَائِضٌ فَقَالَ تَنَاوَلِيهَا فَإِنَّ الْحَيْضَةَ لَيْسَتْ فِي يَدِك”ِ. وأحاديث كثيرة تؤكد أن الحيض ليس عقوبة كما يتخيل الكثيرون، بل هو للتخفيف. وأحاديث كثيرة أيضا تقرن ما بين الحيض والجنابة، وأخرى تؤكد أن المؤمن لا ينجس. وفي هذا السياق فالامام المهدي –المقتفي أثر الرسول - قال لزوجه الحائض وقد امتنعت عن مناولته المصحف ناولينيه فان المؤمن لا ينجس!.
زكاة الفطر كفارة لكثير مما يجرح الصيام وهي في يومنا هذا تساوي 2000 جنيه عن كل شخص وكانت تؤدى عينيا، وتساوي صاعا من غالب قوت البلد ولكن مع تطور الاقتصاد النقدي فأداؤها نقدا هو الأفضل. ونحن اليوم نهتم بالتنمية والاستثمار أحد وسائلها لذلك ينبغي التفكير في استثمار هذه الزكوات لصالح الفئات الاجتماعية المحتاجة كما فصلتها آية الزكاة. فالاستثمار تثمير وإن نجح فهو مؤونة مستمرة.والقاعدة ما لايتم الواجب الا به فهو واجب. ولكن ينبغي أن تتولى هذا الاستثمار شركات قطاع خاص يضمن تكوينها النزاهة والجدية والأمانة ويوجه عائدها للمستحقين.
أما العيد فأصله يوم ابتهاج اجتماعي عرفت أمثاله المجتمعات الانسانية في كل زمان ومكان. وحكت السيرة أن النبي (ص) قدم الى المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما فقال: قد أبدلكم الله تعالى خيرا منهما يوم الفطر ويوم الأضحى. وفيهما تستحب الصلاة في فلاة لتصير مظاهرة ايمانية لا يتخلف عنها أحد ويتخذ الناس فيها زينة ويلبسون جديدا ويجددون علاقاتهم الاجتماعية بالمعايدات والمسامرات واللهو البرئ. انتهر أبو بكر (رض) جاريتين تنشدان الشعر في بيت عائشة فنهاه النبي وقال: يا أبا بكر ان لكل قوم عيدا واليوم عيدنا، مثلما شهد مع عائشة الحبش يلعبون في مسجده.
كثير من كتاب السيرة صوروا النبي (ص) شخصا جافا بينما كان النبي (ص) إنسانا كامل الانسانية يأكل الطعام ويمشي في الأسواق ويكافئ كعب بن زهير على لاميته التي شببت بسعاد، ويمازح أصحابه: سأله بلال (رض) أيجوز أن أضحي بديك يا رسول الله ؟ قال له: أيذبح مؤذن مؤذنا؟ .. التصوير المتزمت لسيرة النبي (ص) يتناسب مع فهم منكفئ للولاء والبراء في الاسلام ويناسب اجتهاد قوم يرون ولاء المسلم مقصورا على المسلم بل يحصرونه في مذهبهم ويفرضون براءه بل عداءه لكل الآخرين.هذا الفهم للولاء والبراء هو الذي ينطلق من اجتهاد طالبان وتنظيم القاعدة. إنه موقف عدائي يقابله من الطرف الآخر اتجاه دولي غربي لفرض الهيمنة على العالم. والموقفان يبرران بعضهما بعضا ويدفعان بالعالم نحو مواجهة ظلامية حتمية.
نحن معشر المسلمين خيارنا آخر فالله سبحانه وتعالى يقول: (لَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ) . ويقول عن أهل الكتاب: (لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ* يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُوْلَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ) .
في داخل حضارتنا نزاع بين اجتهاد الانكفاء واجتهاد الصحوة مثلما في الحضارة الغربية نزاع بين تيار الهيمنة وتيار الاستنارة.ولا أمل يرجى الا اذا تحالفت الصحوة والاستنارة لهزيمة الانكفاء والهيمنة.
لقد تعرضت حضارتنا لاختراق كبير عندما سلخ كمال أتاتورك جلدة تركيا الاسلامية باجراءات قصيرة النظر نما رفض الشعب التركي لها حتى بلغ الرفض قمته في انتصار حزب العدالة والتنمية في نوفمبر 2002 .انه انتصار لا يجوز لتيارات الانكفاء الاسلامي اعتباره معززا لموقفها بل هو معزز لموقف اولئك الذين يتطلعون لتوفيق تاريخي بين الأصل الاسلامي والعصر الحديث.ويرجى لهذا الحزب أن يقدم انموذجا غير مسبوق يبعث دور تركيا القيادي الذي قدم للاسلام أيام عطائه عطاءا عظيما فالى حملة هذه الراية في تركيا بقيادة الطيب رجب أردوقان أحر التهاني وأطيب التمنيات لدعم تيار التحديث المؤصل.
وجه ستون عالما أمريكيا بارزا منهم هنتنجتون، وفوكوياما وآخرون قياديون في كل مرافق الحياة العلمية والثقافية والدينية الأمريكية.قالوا:
• نحن نعترف أن في حضارتنا جوانب بغيضة علينا تصحيحها مثل النزعة الاستهلاكية،والأنانية،والفوضى الاجتماعية،وضعف روابط الأسرة،وهيمنة ثقافة التسلية.
لكن مجتمعنا فيه قيم صالحة لكل الانسانية مثل احترام كرامة الانسان، وحرياته، ومكارم الأخلاق مما جعل بلادنا جاذبة للبشر من كل مكان.
• مهما كانت مجتمعاتنا معيبة وسياسات دولتنا- ونحن نعارض كثيرا منها-سيئة فان هذا لايبرر العدوان على الأبرياء الذي حدث في 11/9/2001 ونحن ندين كل قتل للانسان باسم الله سواء كان تحت شعار الصليبية أو الجهاد.
• نحن نعتبر الحرب كريهة ولكن المعتدين علينا مصرون على عدوانهم وواجبنا الدفاع المنضبط عن أنفسنا لذلك نحن ندعم الحرب ضد الارهاب ونعتبرها مشروعة.
• حربنا ضد الارهاب يجب ألا تكون توسعية وألا تستهدف أبرياء.
• نحن نمد أيدينا لاخواننا وأخواتنا في العالم الاسلامي مدركين أن بعضهم لا يثق بنا نتيجة لبعض سياسات دولتنا ولكن علينا أن نتجاوز هذا الموقف للتعاون من أجل سلام عادل دائم.
لقد درس عدد من علماء ومفكرين هذه المذكرة ونحن باسم العالم الاسلامي بصدد رد شامل يقوم على:
• الاعتراف بأن بعض التيارات المنسوبة للاسلام تتبع عنفا همجيا الاسلام برئ منه.
نعم هناك مبادئ انسانية كلية تتعلق بكرامة الانسان وحقوقه وحرياته ومكارم الأخلاق وهي ملزمة للانسان من حيث هو انسان ونحن المسلمين نعترف بها ونلتزم بها.
• لقد أدنتم من يقتل باسم الله صليبية أو جهادا والحقيقة أن ما يمارس باسم الجهاد ليس جهادا بضوابط الاسلام ولكن لماذا لم تذكروا الذين يقتلون باسم الله صهيونية؟ وقد فعلوا.
• ان علينا واجب خاص في ادانة واحتواء العنف العشوائي باسم الجهاد يقابله واجب خاص عليكم في احتواء سياسات بلادكم المتعدية على حقوق الآخرين ودعمها للذين يمارسون قتلا باسم الله في فلسطين.
• اذا تجنبت بلادكم غطرسة القوة ودعم السياسات الظالمة فان هذا يمثل دعما قويا لنا في محاربة الانكفاء والارعاب.
• ان مروجي هذه التيارات قد شبوا في حضن سياسات أمريكية مناهضة للسوفيات ونمت عندهم قدرات وظفوها ضد بلادكم فالمسؤولية في تأهيلهم وفي اعطائهم هدفا ينال بلادكم قسط هام منها.
• ان نهج هؤلاء يمثل خطرا على الاسلام قبل أن يمثل خطرا على بلادكم لأنه يشوه ديباجة الاسلام من ناحية ولأنه يبرر لأصحاب السلطة عندكم الهجوم على أهداف البلدان الاسلامية.
الإسلام ضد الإرهاب وعبارة ترهبون به عدو الله وعدوكم -في الآية- تعني الردع لا العنف العشوائي الذي يرفضه الإسلام. الإسلام يرفض استهداف المدنيين وغير المحاربين. روى أبو داؤد عن أنس أن النبي  قال في إحدى وصاياه لقواد الجيوش: انطلقوا باسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله. ولا تقتلوا شيخا فانيا، ولا طفلا صغيرا، ولا امرأة. ولا تغلوا وضموا غنائمكم وأصلحوا، وأحسنوا إن الله يحب المحسنين”.
إن علينا معشر المسلمين واجب الانتصار لأخينا بمعنى رده عن ظلمه، هذا يقودني للتعليق على حكم محكمة همدان (غرب) في ايران بالاعدام على المفكر الاسلامي هاشم أغاجاري في 6نوفمبر 2002.
خلاصة ما قاله هاشم في خمس نقاط:
‌أ) ان المفكر الايراني الشهيد علي شريعتي المقتول في عام 1977 في لندن فرق بين نصوص الوحي الواجب اتباعها والاجتهادات التي استنبطها الرجال من تلك النصوص الملزمة ولكن الاجتهادات غير ملزمة ومتأثرة بمعارف وظروف المجتهدين الانسانية والاجتماعية.
‌ب) ان تقليد اقوال أولئك المجتهدين المحبوسة في معارف الماضي وتقديسها يخلق تناقضا بين الدين والمعارف والاكتشافات الحديثة ويقيد رقي الانسان وتقدمه.
‌ج) لا يجوز احتكار أمر الدين في فئة معينة مصنفة بالرتب والألقاب مثل الأكليروس في الكنيسة.
‌د) طالب بالتحرر من هذه المفاهيم والتجديد الديني والتحرر من تقليد رجال الدين.
أدينت هذه الآراء واعتبرت ردة توجب الاعدام بواسطة محمكمة همدان.. هذه الآراء موجودة في الفكر الاسلامي الشيعي والسني ولا تمثل ردة ولا تبرر الحكم بالاعدام.لقد أوضحت في كتابي العقوبات الشرعية بالحجة الموثقة أن الردة نفسها لا توجب عقوبة حدية في الدنيا.ففي الاسلام آية محكمة: لا اكراه في الدين.وحتى اصدار حكم تقريري بالردة محكوم بمبادئ فقهية مغلظة مثل مقولة:من قال قولا يحتمل الكفر على 99 وجها ويحتمل الايمان على وجه واحد فان قوله يحمل على الايمان ما لم يقر قائله صراحة بالكفر.
لذلك كتبت للسيد المرشد علي خامينئ لابطال هذا الحكم وأنا أناشده من هذا المنبر ليضع حدا لهذا الموقف الذي يشوه صورة الثورة الاسلامية في ايران ويعزز صورة يرسمها أعداء الاسلام له بأنه دين اكراه وتعصب.
هذا الانطباع يعززه ما شهدنا على قناة الفضائية المستقلة من حوار على الهواء بين علماء من أهل السنة والشيعة. لقد أزعجنا هذا الحوار لأنه قدم البرهان لمن يريد على أن المسلمين لا يعرفون أدب الاختلاف والحوار بل هم غرقى في التعصب ونفي الآخر حتى فيما بينهم، فلا يرجى أن يتعاملوا مع الآخر الملي إلا بالعداء والإقصاء.
أهل السنة والشيعة لا يختلفون في أن لهم كتاب واحد هو القرآن ونبي واحد هو محمد (ص) ولا في جوهر كثير من الأحكام الفقهية، بل اختلافاتهم في هذا الصدد في التفاصيل مثل اختلافات مذاهب أهل السنة نفسها.. اختلافاتهم المؤكدة في أمرين:
‌أ) تقويم الأحداث التاريخية التي أعقبت وفاة النبي (ص) وما فعل الصحابة بعده.. هذه أحداث تاريخية مختلف على رواياتها، ولا يرجى الاتفاق حولها مهما اتسع الجدل، والحكمة أن يعذر كل فريق الفريق الآخر على رأيه فيها.
‌ب) مسألة الإمامة، إذ يعتبرها الشيعة من أصول الدين ويعتبرها أهل السنة من الفروع. إن إمام الشيعة الثاني عشر غائب منذ نيف وألف عام. وشروط الخلافة لدى أهل السنة غير متوافرة اليوم.. وأهل السنة والشيعة مضطرون اليوم لترتيب أوضاعهم في غياب إمام الشيعة وخليفة أهل السنة، والحكمة توجب ترتيب أوضاع الحياة اجتهادا يلائم الظروف الجديدة دون أن نجعل أمورا معلقة في الواقع سبيلا لحرب أهلية لا تبقي ولا تذر.
استضافت الشقيقة نيجيريا منافسات ملكة جمال العالم في أبوجا. احتج كثيرمن النيجريين على هذه المسابقة ومن أكثر المحتجين القس المسيحي إيداو فيرون Idowu Fearon وهو كبير أساقفة الكنيسة الأنجليكانية في كادونا قائلا أنه برنامج لا أخلاقي ولا رباني. ولكن صوت الاعتراض الإسلامي كان أعلى، فانبرت كاتبة صحافية في صحيفة “هذا اليوم” النيجيرية واسمها اسيوما دانييل Isioma Daniel لتدافع عن البرنامج، وقالت في دفاعها:ماذا ترى أن يكون رأي محمد؟بكل صدق يرجح أن يختار زوجا منهن!.. هذا التعبير البذيء في مناخ اجتماعي متوتر في نيجريا أوقد نيران الاحتجاج والإدانة، وعبر المتظاهرون عن سخطهم بأعمال عنف، والنتيجة: تلف عشرات الأرواح والثروات..
إن مباريات المرشحات لعرش ملكة الجمال إهدار لكرامة المرأة لأنه يجعلها أشبه بالسلعة. وهو برنامج مقترن بماضي أوروبا الثقافي اليوناني –الذي يرى قيمة جمالية في الجسد العاري، بينما قيمنا الجمالية تنفر من الجسد العاري (أنا عريانة دنقرت)!- ومقترن بالحياة الغربية المترفة. لذلك وبصرف النظر عن رأي الدين فإن جلبه لنيجريا خطأ مركب. ومنذ الأحداث ألغي البرنامج واعتذرت الكاتبة وعوقبت على تعريضها بشخص النبي (ص) واعتذرت الصحيفة. ولكن أعلنت جماعة إسلامية إهدار دم الكاتبة. ولكن المجلس الأعلى للشئون الإسلامية رفض هذه الفتوى.. إننا إذ نترحم على أرواح الضحايا نرى أن هذا البرنامج لا يليق بنيجريا، وحسنا فعلت بإلغائه، وندين الكاتبة على سوء خلقها. ولكن إهدار دمها مطلب غير صحيح. قال النبي (ص): “من بلغ حدا في غير حد فهو من المعتدين” .
إن الجمال في نظر الإسلام كالكمال في نظام الكون، (مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَانِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعْ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ*ثُمَّ ارْجِعْ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ) ، ولكن مباريات جمال العراة هذه ابتذال لا جمال. روى مسلم وأحمد قال النبي (ص): “لا يدخل الجنة من كان في قلبه ذرة من كبر” قال رجل إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنا، قال النبي (ص) إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق وغمط الناس. استغفروا الله.

الخطبة الثانية

الله أكبر.. الله أكبر.. الله أكبر

اللهم إني أحمدك وأثني لك الحمد يا جليل الذات ويا عظيم الكرم وأشكرك شكر عبد معترف بتقصيره في طاعتك يا ذا الإحسان والنعم وأسألك اللهم بحمدك القديم أن تصلي وتسلم على نبيك الكريم وآله ذوي القلب السليم. قال تعالى: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي ).
أحبابي في الله وإخواني في الوطن العزيز
أخاطبكم بالهم الوطني في سبع نقاط:
أولا: تتصارع لرسم مستقبل السودان الآن أربع أجندات:
• الأجندة الشمولية وأصحابها يحرصون على إبرام اتفاقية سلام تضع حدا للحرب ويحرصون على استمرار السلطة على أساس شمولي فيه اقتسام ثنائي للسلطة بين النظام والحركة الشعبية وجيشها الشعبي.. هذه الأجندة يسندها بعض الناس في النظام وفي الحركة.
• الأجندة الحربية، وأصحابها يرون مواصلة التفاوض ولكن يستخدمون ضغطا عسكريا لزيادة مكاسبهم أثناء التفاوض. وهي أجندة يدعمها بعض الناس في النظام وفي الحركة الشعبية.
• الأجندة التدويلية، وهي أجندة يقف معها عدد من الناس لا يثقون في تدابير واتفاقات مواطنيهم ويتطلعون لإقدام الأسرة الدولية أو فريق منها على تجاوز الحوارات السودانية، وفرض حل من فوق على رؤوس السودانيين.
• الأجندة الوطنية، وهي تحرص على إبرام اتفاقية سلام عادل في المقام الأول وربط السلام بالتحول الديمقراطي كأهم ضامن وطني للوفاء باتفاقية السلام العادل. الأجندة الوطنية ترحب بدور دولي في التوسط والمراقبة والتحكيم إن لزم.. لأن سلوك النظام في التعامل مع محاوريه ومبرمي الاتفاقات معه جعل ضمان طرف ثالث ضرورة (العاضي الدابي بخاف من جر الحبل):
وإذا إمرئ لسعته أفعى مرة تركته حين يجر حبل يفرق
هذه الأجندة هي التي ندعو لها وندافع عنها ويسندنا في ذلك قاعدة شعبية عريضة في الشمال والجنوب وداخل النظام وداخل الحركة الشعبية وداخل الأسرة الدولية.
ثانيا: نشرنا كتابا بين أيديكم الآن يوضح بالوثائق مسيرة السلام والحل السياسي الشامل في السودان ودور الأمة فيه توضيحا لهذا الدور وفاعليته في كل المراحل حتى الآن.
لقد أبرمت اتفاقات عديدة بدءا من النقاط الإجرائية الأربع، ثم بروتكول ماشاكوس في 20/7/2002م، ثم مذكرة التفاهم الأخيرة في نوفمبر 2002م.وأثناء ترقب حلقة التفاوض القادمة في فبراير 2003، تجري مباحثات غير رسمية عديدة وهنالك عدد من المنابر السودانية التي تنادت للتداول في الأمر تمهيدا للاتفاق الشامل المرتقب.
تصدى حزبنا لكل النقاط المطلوب الاتفاق عليها ووجدناها تبلغ 24 نقطة بعضها اتفق عليها بصورة مجملة تحتاج لتفاصيل، وبعضها اختلف عليها مما يوجب تقديم حل مقبول، وبعضها لم تبحث بعد. أمام أجهزتنا الآن مذكرة بعنوان: ” مبادرة حزب الأمة للترشيد والتوازن والضغط والتطمين” وسوف تبحث في اجتماعات ماراثونية لدراستها وإجازتها لتقدم للقوى السياسية والنقابية والمدنية السودانية أثناء أيام العيد لبحثها بهدف توحيد الرؤية الشعبية السودانية حول مستقبل البلاد. وسنعمل على التفاف كافة القوى السياسية السودانية حول موقف موحد يؤسس للحل السياسي الشامل في السودان بشقيه السلام العادل، والتحول الديمقراطي، والضمانات الداخلية والخارجية لإنجاز ما يتفق عليه بدقة وفي توقيت محدد. وباجتهاد سوداني (لالوبنا ولا تمر الناس).
ثالثا: سوف يكون بين يديكم بعد العيد مباشرة كتاب موثق ومفصل عن “ماذا خسر السودان بإسقاط النظام الديمقراطي” وذلك في كل المجالات. ولكن أود هنا أن أتناول بعض معالم ملف الفساد الذي عم البلاد. سأتحدث هنا عن أربعة أنواع من الفساد كلها تعزى لغياب الحكم الصالح الذي يشترط لوجوده ثلاثة شروط: المشاركة، والمساءلة، والشفافية. فإن غابت كما هو حالنا الآن فإنه لا سبيل للحكم الصالح:
الحالة الأولى: الفساد الأخلاقي: ارتفعت الأسعارمنذ عام 1989م إلى الآن بحوالي 3000%، ارتفاعا لم يواكبه ارتفاع في الدخول، ورفع الدعم عن السلع الاستهلاكية كالخبز والوقود وعن الخدمات الاجتماعية كالصحة والتعليم.. هذا وتقلص حجم الإنتاج الزراعي والصناعي وضاقت فرص الاستخدام وتفشت العطالة.. هذه العوامل رفعت نسبة الفقر في المجتمع واضطرت كثيرا من الناس للمفاسد الخلقية بانعدام الذمة وتجارة الأعراض.
الحالة الثانية: الفساد المالي الذي تتزايد أرقامه عاما بعد عام، وجاء في تقرير المراجع العام في نوفمبر 2002م أن جملة مبالغ الاعتداء على المال العام في نطاق الأجهزة الاتحادية يساوي 267,9 مليون دينار، وفي نطاق المصارف يساوي 545,5 مليون دينار، والفساد عم حتى ديولن الزكاة بحجم سرقة مقدارها 45 مليون دينار، وما خفي أعظم!.
الحالة الثالثة: الفساد الإداري الذي أدى لتوسع مرضي في عدد الولايات والمحافظات والمحليات لأغراض حزبية وزيادات ورمية في عدد الوظائف السياسية لإرضاء المحاسيب حتى قال القائل: الجزائر بلد المليون شهيد فماذا عن السودان قيل له: بلد المليون وزير!!
الحالة الرابعة: الفساد التجاري ،وله عدة مظاهر آخرها الاتفاقية الحصرية لاستيراد وتوزيع الأنعام.. إننا نرحب برأس المال السعودي عاملا في بلادنا لا سيما الأمير الوليد ين طلال. ولكن هذه الاتفاقية:
‌أ) خرقت حرية التجارة.
‌ب) لم تراع مصالح المنتجين، والمصدرين، والمستوردين.
‌ج) احتكرت تجارة هامة للاقتصاد الوطني لجهتين كلاهما جديد على هذا المجال.
صحيح أن تجارة المواشي السودانية بها خلل كبير تضرر منه المنتجون والمصدرون والمستوردون، وينبغي دراسة الموقف كله لعلاجه علاجا صحيحا.. أما هذه الاتفاقية فليست العلاج الصحيح، وتفوح منها رائحة ترجيح المصالح الخاصة على المصلحة العامة.
ولا يفوتني أن أذكر الأزمة التي اجتاحت جامعة الخرطوم وأدت لتعطيل الدراسة فيها، والمطلوب فورا علاجها بالآتي:
1- محاسبة المسئولين عن التعدي على الجامعة.
2- إصلاح إداري في الجامعة برؤية قومية.
3- استئناف الدراسة وإجراء انتخابات نزيهة لتقنين دور الطلبة في الشأن الجامعي.
رابعا: منذ بداية الموسم الزراعي نبهنا لضرورة الاهتمام بمشاكل التمويل الزراعي، وقضايا المعسرين من المزارعين، ولكن الأمر لم يجد أذنا صاغية.والآن نحن أمام نتائج واضحة تؤكد أن إنتاج المحاصيل الغذائية سوف يكون دون حاجة البلاد الاستهلاكية ويهدد أمن الوطن الغذائي. الأسباب هي أن الأمطار هطلت متأخرة وبتوزيع مضطرب. كذلك تعسر الحصول على التمويل الزراعي وعجز كثير من المزارعين المعسرين عن الزراعة فادى السببان إلى تقليص المساحة المزروعة أكثر من 50% من المساحة المتوفع زراعتها. تقديراتنا تشير لنقص مقداره مليون طن في الذرة، والمسئولية بعضها طبيعي وبعضها سياسي. لكن المهم توفير التمويل اللازم للحصاد المبكر والاستعداد بكل الوسائل المتاحة لمواجهة النقص المتوقع في الأمن الغذائي.
خامسا: لحسن الحظ كانت أمطار مناطق جنوب وغرب دارفور الكبرى فوق الوسط، ولكن مناطق دارفور الأخرى ستواجه نقصا. أتحدث الآن عن مشاكل دارفور الكبرى..إن لدارفور مشاكل قديمة هي:
– التخلف التنموي.
– النزاعات القبلية.
– النهب المسلح.
نظام الإنقاذ لم يعالج أيا من هذه المشاكل بل عمقها وزاد عليها مشاكل جديدة:
• محاولة التأثير على ولاء القبائل بسياسة فرق تسد أتت بنزاعات جديدة.
• النظم الإدارية الجديدة التي بنيت على مصالح حزبية لا الجدوى الإدارية أصبحت تشكل خطرا على الاستقرار.
• سياسات الاستقطاب الديني والإثني التي اتبعها النظام في بعض الفترات خلقت استقطابا إثنيا حادا تحول في بعض المناطق لمواجهات مسلحة وتمرد.
• إفرازات الحرب الأهلية خلقت فئات مدربة ومسلحة ومنفلتة.
• الإهمال الخدمي وتداعيات فساد طريق الإنقاذ الغربي خلق مناخا متوترا.
هنالك مجهودات لدراسة وتشخيص كل المشاكل وإيجاد حلول جذرية لها كالورشة القومية التي ينظمها حزب الأمة ، ومبادرات أخرى مثل مؤتمر زعماء العشائر المزمع عقده في تلس في جنوب دارفور.
المطلوب أن يعترف النظام صراحة بفشل سياساته في إقليم دارفور، وتشجيع الجهد القومي الحالي للقيام بتشخيص موضوعي للمشاكل وتحديد وسائل حلها بجدية وحرية تامة، وتلتزم الدولة بما يتفق عليه ضمن الترتيبات المتعلقة بالحل السياسي الشامل للبلاد.. هذا التزام عاجل قبل فوات الأوان.
سادسا: أصدرت الولايات المتحدة بيانا بعنوان: الإستراتيجية الأمنية القومية للولايات المتحدة في منتصف عام 2002م. أهم نقاطه هي:
‌أ. أن الولايات المتحدة تشن حربا شاملة على الإرهاب وعلى انتشار أسلحة الدمار الشامل، وأنها تقوم بذلك بالعون الدولي أو بدونه.
‌ب. إن الولايات المتحدة سوف تعمل بكل طاقتها لتوسيع التجارة مع البلدان الفقيرة ودعم التنمية فيها والعمل على نشر الديمقراطية ومحاربة الفقر فيها.
‌ج. أن محور الشر المستهدف لمنع انتشار أسلحة الدمار الشامل هما العراق وكوريا الشمالية.
‌د. أن الولايات المتحدة سوف تتعاون مع مراكز أخرى ضد الإرهاب وهي روسيا والهند والصين.
‌ه. أن الولايات المتحدة سوف تعد نفسها عسكريا وأمنيا لمواجهة مهامها ولن تسمح بقيام دولة أخرى بمنافستها عسكريا.
يلاحظ على هذا البيان أنه يمثل أمرين هامين هما:
الأول: أن البيان هو حل وسط بين الصقور والحمائم في الإدارة.
الثاني: أن الولايات المتحدة تثمن دور الشعوب، فالتحرك الشعبي الإيراني أسقطها من محور الشر. ولم تذكر إسرائيل ضمن الدول للتعاون ضد الإرهاب خشية احتجاج الشعوب العربية. لذلك يجب ألا نتعامل مع الولايات المتحدة كجبل أصم بل هو قابل للتأثير بتجاوب المعتدلين وبحركة الشعوب.
هنالك إمكانية للتواصل مع السياسة الأمريكية والتأثير فيها، فالولايات المتحدة كانت حسب نصح الصقور مصممة أن تتعامل مع العراق عسكريا دون الحاجة لمجلس الأمن. ولكنها بسبب مواقف المعتدلين داخلها ومواقف حلفائها عدلت موقفها ولجأت لمجلس الأمن حيث اتخذ قرارا بالإجماع حول العراق.
سابعا: منذ بداية رمضان عرضت بعض الفضائيات العربية مسلسلا بعنوان “فارس بلا جواد”. هذا المسلسل يقوم على عرض درامي لحياة مغامر مصري يدعى حافظ نجيب عاش في الفترة 1855 إلى 1946م. قام ببطولة المسلسل الفنان المصري القدير محمد صبحي. هذا المسلسل لفت إليه النظر بشدة قبل عرضه، وأتاح له اختلاف وجهات النظر حوله دعاية داوية. لذلك حرصت على مشاهدة بعض حلقاته فوجدتها على خلاف ما توقعت غير محبوكة فنيا، كثيرة التأرجح من حادث إلى حادث، قليلة الإمتاع. ما شاهدته لم يعجبني كما أعجبتني رواية أخرى لمحمد صبحي بعنوان “ماما أمريكا”. وبالتحري وجدت أن القصة التاريخية نفسها مغلوطة لأن حافظ نجيب بطلها كان مغامرا وليس مناضلا وطنيا. ولكن أهم ما بدا لي هو أنها أعطت حيزا لبروتوكولات حكماء صهيون. هذه البروتوكولات مهما كانت صحتها غاطسة في ماضي العلاقات المتوترة جدا بين أوروبا واليهود، وهو ماض لا يلزمنا نحن أن نستحضره لأن مسألتنا ليست كمسألة الأوربيين مع اليهود بل مع الصهيونية. واستحضار هذه الخلفية خلق ويخلق قضايا انصرافية. فالصحيح أن نركز على وثائق وأعمال الصهيونية ابتداء من كتاب هرتزل “الدولة اليهودية” ، إلى أفعال بيقن وشامير وشارون، فهي موثقة وكافية لإصدار أقوى الإدانات.. إن قضية أوروبا التاريخية مع اليهودية، ولكن قضيتنا نحن ليست مع اليهودية فهم أهل كتاب يعترف بهم ديننا ولكن قضيتنا مع الصهيونية.
أما اعتراض بعض الأوساط الغربية على المسلسل فهو قمة في ازدواج المعايير إذ أنها نفس الأوساط التي دافعت عن بذاءات سلمان رشدي الذي أساء للمسلمين وشتم عرض النبي (ص) فهبوا لحمايته والترويج لروايته البذيئة بإسم حرية القلم وحرية الأدب وحرية الفن. من دافع عن سلمان رشدي ملزم بنفس المنطق أن يدافع عن محمد صبحي.
أحبابي في الله وأخواني في الوطن العزيز.
لقد وعدنا في كتاب العودة أن نكمل تنظيمات هيئة شئون الأنصار وأن نقننها بأجهزة منتخبة تمثل قاعدة الأنصار. وها هي الترتيبات قد اكتملت ولله الحمد لإنجاز ما وعدنا به بصورة دقيقة وسوف تقوم أجهزة الهيئة كما ينص عليها الدليل الأساسي.
لقد أعلنت عليكم أن الوثيقة الوحيدة المرجعية في شرعية الإمامة هي وصية الإمام الصديق التي جعلت الإمامة باختيار الأنصار. ونصها: “عندما تلتفتوا لأمر اختيار الخليفة الذي يكون إماما يكون ذلك عن طريق الشورى بقرار الأنصار”.. ٍإننا بعد تكوين الأجهزة الممثلة للأنصار فإن الجهاز المعني سوف يقرر في هذا الأمر في الوقت الذي يراه مناسبا قريبا أو بعد حين. إن مؤتمر عام هيئة شئون الأنصار سوف يعقد في يوم 15 شوال القادم إن شاء الله.
وبعد جهد كبير تمت الترتيبات لعقد مؤتمر عام حزب الأمة السادس في يوم 26 يناير2003م وهو الوعد الثاني الذي قطعناه بإكمال التنظيم السياسي.
بشرى لشعبنا هذه الخطوات الثابتة التي تعتبر الأولى من نوعها بالنسبة لهيئة شئون الأنصار.. أناشد أعضاء الحزب وأصدقاءه والأنصار ومحبيهم جميعا مواصلة الجهد لعقد المؤتمرين والتبرع بالمستطاع لدعمهما.
كذلك الحال بالنسبة لحزب الأمة فإن تصعيد أعضاء المؤتمر من القاعدة للقمة وخضوع البرنامج المقترح لدراسات مكثفة وورشات عمل إنجاز فريد على صعيد التنظيمات السياسية في البلاد.
هذه الخطى تتماشى مع موجة التاريخ ففي إفريقيا اتفق على برنامج النيباد وهو يقوم على التنمية والسلام والديمقراطية، وفي العالم العربي استيقظ الجميع لضرورة التحول الديمقراطي ودعا إليه بقوة تقرير هيئة الأمم المتحدة للتنمية الخاص بالتنمية البشرية في العالم العربي، وعززته في العالم الإسلامي الانتخابات التركية.
بشرى لشعبنا بهذه الخطى في طريق الديمقراطية المستدامة راجين أن يكون عملنا في هذا سنة للآخرين استنهاضا لهمة أهل السودان في كل مجالات الحياة وإعمالا للمشاركة والمساءلة والشفافية، احتراما لكرامة الإنسان السوداني.
أحبابي في الله وأخواني في الوطن العزيز
أبارك لكم العيد وأعلن لكم عفوي عن من أساء إلي راجيا أن يبادلوني العفو إنما المؤمنون اخوة. حفظكم الله وحفظ أسركم وأحبابكم ومتعكم بالرزق والصحة الجيدة آمين.