رسالة الاثنين (الرابعة عشر ) 29 أكتوبر 2018م

الرسالة الرابعة عشر

بسم الله الرحمن الرحيم

رسالة الاثنين (الرابعة عشر)

الإمام الصادق المهدي

29 أكتوبر 2018م – لندن

 

 

أخواني وأخواتي، أبنائي وبناتي

السلام عليكم، وبعد-

أحدثكم هذا الأسبوع في القضايا السبع الآتي بيانها:

أولاً: نظام الحكم في السودان يباهي بطول بقائه، ومع ذلك، ومع انفراده بالسلطة فإنه في كثير من المؤشرات الدولية انحط بالسودان دركاً سحيقاً. فيما يلي خمسة إحصاءات مسيئة ومخجلة:

  • أصدر المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية (IFPRI) وهو المعني بقياس الجوع والافتقار بياناً عن الجوع والافتقار في العالم. الجوع في تعريفه هو الحرمان من الطعام وسوء التغذية إذ يحصل الفرد على أقل من 1800 سعرة حرارية في اليوم. بينت الدراسة حالة 119 دولة، منها 15 من 22 دولة عربية. ترتيب السودان ثاني اثنين هو واليمن في المؤخرة. وعالمياً كان ترتيب السودان 112 من 119.
  • أصدر مقياس الشفافية العالمي وهو متعلق بالشفافية وبالتالي مقياس الفساد بغياب الشفافية. ما بين 176 دولة السودان رقم 170.
  • هنالك مقاييس لمستوى الجامعات في العالم أهم هذه المقاييس وضعت العوامل الآتية لقياس أداء الجامعات في العالم: 30% لجودة التعليم، 30% للاهتمام بالبحث العلمي، 30% لاستشهاد الآخرين بأبحاثها العلمية، 7,5% للتأثير العالمي للجامعة. و2,5% إيراد الجامعة من الصناعة والأعمال نتيجة لنقل المعرفة.

استبعدت كل الجامعات السودانية والحقيقة أنها تعمل بإمكانات محدودة جداً ما جعل أساتذتها يهاجرون، ومن لم يهاجر ينتقل كأستاذ شنطة بين الجامعات، ولا ميزانيات للبحث العلمي. هذه الجامعات الكثيرة ضحية لثورة التعليم العالي، فميزانية جامعة الخرطوم قبل هذه الثورة 12 مليون دولار بعدها عشر هذا المبلغ. كما حولت كثير من المعاهد الفنية لجامعات. ما أضر بالتعليم الفني في البلاد.

  • وقدم أستاذان في جامعة واشنطن دراسة عن مقياس الأسلمة Islamic Indexمن نصوص الوحي الإسلامي استنبطا 113 قاعدة في الأخلاق والمعاملات الإسلامية وطبقا هذه القواعد على 208 دولة كان ترتيب أول دولة سكانها مسلمون ماليزيا رقم 34 أما السودان فقد كان ترتيبه في المقياس الإسلامي رقم 190.
  • وضعت مقاييس للدولة الفاشلة متعلقة بنسبة النازحين واللاجئين للسكان، وبالقدرة على إعاشة السكان، وبنسبة ما يصرف على الخدمات الاجتماعية قياساً على ما يصرف على وسائل تطويع السكان، بموجب هذه المقاييس صنف السودان ضمن 10 دول فاشلة.

ثانياً: بالإشارة لسياسة الأخ معتز موسى الاقتصادية المعلنة أقول: نعم لتخليه عن السياسات الفاشلة، ونعم للاتجاه لخفض مصروفات الدولة، ولكن الصرف الأكبر هو على تضخم الميزانيات الدفاعية والأمنية والإدارية، وهذه لا يمكن خفضها بالصورة المطلوبة إلا بموجب إصلاح سياسي ينهي حالة اللا حرب ولا سلام، ويبرم صلحاً مع القوى السياسية. كل المحاولات منذ 2011م لخفض حقيقي في مصاريف الحكومة فشلت.

كذلك تكوين هيئة من بنوك وخبراء لتحديد سعر الصرف يومياً لا يجدي ما لم يكن لدى الحكومة مبلغ من العملة الحرة تسند به موقفها، ولكن ما حدث هو تحديد السعر 47,5 جنيه للدولار، فقفز السوق الموازي لـ 54، وهكذا سوف يكون السباق، فالحاجة للدولار سوف تدفع بثمنه إلى أعلى. ومحاولة سيطر الحكومة على حركة شراء الذهب مطلوبة، ولكن ما دام المنتج يمكن أن يبيع بالدولار تهريباً فإنه سوف يحرص على ذلك.

أما محاولة تجفيف السيولة بالطريقة التي جربت فقد صارت نتيجتها إعدام الثقة في النظام المصرفي، وصار 90% من الأموال محفوظة لدى أصحابها خارج النظام المصرفي.

هنالك عقبات مهمة في طريق الإصلاح: فسوق الدولار الأكبر في الخارج فهو خارج إدارة الحكومة. وعقبة أخرى هي أن التجنيب جعل 30% فقط من الحركة المالية تديرها وزارة المالية. ومن أكبر المخالفات لقانون ابن خلدون ألا يشتغل الأمير بالتجارة لتضارب المصلحة أن أكثر من 1400 شركة في قطاع اشتغال حكوميين بالتجارة. هذا من افرازات التمكين الذي لا يمكن أن يحارب الفساد مع استمراره، هذه أفيال سمان، التمكين معناه المحاباة والمحسوبية.

ثالثاً: بالنسبة لزيارة الرئيس المصري للبلاد، الشعبان في السودان ومصر يرحبان بأية خطوات تعاونية. لقد اتفق على مشروعات بنية تحتية وهي مهمة، واتفق على استئناف استيراد منتجات زراعية مصرية، والشفافية تستوجب أن  تعلن الإجراءات التي اتخذت لإزالة أسباب المنع منذ 2015م.

ولكن لا يرجى تطوير حقيقي للعلاقات ما دام الأخوان المسلمون في مصر إرهابيين وفي السودان شركاء. وما دام الحكومتين في حلفين إقليميين متناقضين، وما دام الموقف من حلايب متناقضاً.

رابعاً: هنالك مجهودات لاتخاذ قرار دولي يلزم القوى السودانية جميعاً بالإقبال على عملية السلام. النهج الصحيح هو أن تحدد الأسرة الدولية بصورة عادلة ما هي استحقاقات عملية السلام في السودان. انطلاقاً من الالتزام بخريطة الطريق الموقع عليها ومطالبة كافة الأطراف أن تقبل على هذا الحوار. أما مجرد الضغط على القوى السياسية السودانية للإمتثال لرؤى حكومية فليس مجدياً ولا عادلاً.

خامساً: أرحب ترحيباً حاراً بقرار المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان بعدم اعتبار الإساءة للنبي صلى الله عليه وسلم من حرية الرأي. الإساءة للأفراد مجرمة. ومن باب أولى تجريم الإساءة لمقدسات المسلمين.

سادساً: أهنئي الأخ العزيز أحمد بدري على ما نال من تكريم ملكي بريطاني لما بذل من مجهود في مجال التعليم في بريطانيا خاصة في تطوير المدرسة السودانية، وتقديم خدمات للمجتمع. إن للسودانيين الآن وجود معتبر في بريطانيا وصار للجاليات الأخرى كثير من العطاء في المجالات العلمية والاستثمارية، يرجى أن يكون للجالية السودانية عطاؤها الطموح.

سابعاً وأخيراً: كثر السؤال لي: أنت عائد للبلاد ما الضمان لسلامتك؟ أنا داعية سلام وتحول ديمقراطي، والذين يحملون السلاح يتعاونون معي في ذلك ولا أشاركهم في أية مهام مسلحة، أما مسألة الضمانات فمن أجل السودان حبيبي أتحمل، وقد تحملت المكايدات بل بذاءات الراشقين. ومن أجل الوطن التقيت المرحوم نميري في عام 1977م دون اية ضمانات وأنا محكوم في محاكمة بالإعدام، والعزاء دائماً ما قاله الحبيب المصطفى: أَشَدُّ النّاسِ بَلاءً “الأَنْبِيَاءُ، ثُمَّ الأَمْثَلُ فَالأَمْثَلُ”[1]، مقولة سجلها الحكيم:

عَلى قَدْرِ فضل المرءِ تأْتي خُطُوبُه           ويُعْرَف عند الصَّبْر فيما يُصِيبهُ

ومَنْ قَلَّ فيما يَتَّقِيه اصطبارُه                 فقد قَلَّ فيما يَرْتجيه نَصِيبُهُ

 

 

هذا وبالله التوفيق.

 

[1] صحيح البخاري